رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الحادي و الستون 61 - بقلم نهال مصطفي
”أُريد أن أهدأ ، كما لو أنني لم أُجرب التخبط في عاصفة القلق و أن أطمئن طويلًا للحد الذي لا يكون هناك أي أحداثٍ أُخرى تسلب مني شعوري بالطمأنينة ..”
بالمركبـة الجديدة التي ابتاعها عاصي بمجرد قدومه إلي الغردقـة كي تسهل له الانتقال كيفما يشاء خاصة عندما قرر أن يسلك مسارًا جديدًا للعمـل ..
تجلس حيـاة بحمام المركبة على طرف المرحاض .. أصابع قدميها الحافية تتكور بالأرض إثر القلق الشديد بقلبها وهي تراقب نتيجة اختبـار الحمل بلهفـة غريبـة ويد مرتجفـه .. ترجوه أن يصبغ بالشريطة الحمراء .. أن يزف لهـا خبرًا سعيدًا تلك المرة نيابـة عن كل المرات الخائبة .. مرت قرابة السـاعة وهي بالحمـام تنتظر ، تتأمل أن يندس جنينها تلك المرة بأحشاءها .. خاب أملها للمرة الثالثـة فرمت الاختبار بنفس القوة التي تفتت بها قلبها المنهزم ..
اعتصرت بطنها باكيـة بنحيب منخفض وهي تتحمـل الوجع الذي لا تعرف مصدره .. ربما بسبب تغير حالتها النفسية أم تأثيـر شريطة منع الحمل التي اختبأت بأحشائها بدون علمها .. وربما بسبب موعد عذرها الشهري الغير منتظم بالمـرة .
توجهت إلى صنبور المياه وغسلت وجهها كثيرًا كي تزول آثار البكاء ، جففت وجهها ثم أخذت عدة أنفاس متتالية حتى خرجت من الباب بفستانها الوردي الذي يصل إلى ركبتيها ذو أكمام واسعـة .. اتجهت لأعلى حيث سطح المركبـة الذي يقف فوقها ..
يقف كالجبل الصخري كأنه يعلن عدم خوفه منه ومن الحياة بعد الآن .. يلفح هواء البحر صدره العارٍ ويطاير قميصـه المفتوح بقوة .. اقتربت منه بخطوات متمهلة وبأقدامها الحافيـة لتطوقـه من الخلف بكلتا يديها .. استندت رأسها فوق ظهره وأخذت تتنفس باسترخاء .
ألقى سيجارته باليم ثم خاطبها مقترحًا :
-جات في دماغي فكـرة مشروع جديد هينقل الغردقـة في حتـة تانيـة ..
تجاهلت حديثه عن الشغل وقالت بحرقة مكتومـة :
-أنا نفسي أخلف يا عاصي .. تعبت من الانتظار .. عندي شغف وحماس رهيب أبقى أم .. وغصب عني مش عارفة اصبـر ..
طوى جملة مشاعرها التي كانت كالخنجـر بقلبـه وأكمل مفتعلًا اللامبالاة :
-سلسلة مطاعـم متكاملـة .. وبدل ما توردوا السمك للتجار نستغله أحنا في مطعمـنا دي بجانب المصنـع اللي هيكون المصدر الأول لأكبر ثروة سمكيـة .. أنا متحمس جدًا لافتتاحه …
ارتخت يدها من فوق خصـره وتحركت لتقف أمامـه :
-أنت مش بترد عليـا ليه ؟!
-عشان أنتِ مستعجلة أوي يا حيـاة .. سيبي الموضوع لوقتـه ..
-طيب عايزة أروح لدكتور .. ممكن تيجي معايا .؟!
أمسكها من كتفيـها ليطمئنها:
-حبيبتي .. أنت محتاجة بريك ، وجسمك يرتاح من الظروف اللي مر عليهـا .. سيبي موضوع الحمل ده لوقته .. انتِ قلقانة ليـه ؟!
انبثقت عِبرة من عينيها بحرقة :
-مش عارفة وحاسة مش مظبوطة ومودي مش متظبط .. والأحساس ده مسيطر عليـا أوي .. ومش شايفة مبرر للتأخيـر ده ..!!
-ممكن تهدي طيب .. أنا مش حابب أشوفك بالحالة دي .. وبعدين هما تاليا وداليـا مسدوش نفسك عن الخلفة ؟!
ابتسمت من وسط حزنـها وهي ترتمي بحضه :
-دول أحلى حاجة في حياتي ..
رد ممازحًا :
-يا سلام !! وأنا أيه ماليش لازمة يعني ..
أجابته بحنـو :
-أنت حياتي كلهـا يا عاصي …
طبع قبلة خفيفة على رأسها وأخبرها :
-أحنا مش اتفقنـا أن لينـا يوم خاص بينا نقضيه سوا من غير نكد .. أحنا بنيجي هنـا ننبسط ونستمتع وبس ..
-أنت معاك حق ، أنا اللي متلخبطة شويـة .. تعالى نقعد .
جلس الاثنان بأرض المركبة بعد ما جعلها تتوسط صدره مستمتعًا بمداعبـة شعرها بحب يتقاذف عينيـه .. سألته بشرود تحت مظلة عشقهمـا :
-شايفة أنك اندمجت هنـا وحبيت البلد ..
مازال يغازل أوتار شعرها بأنامله .. فأجابها قائلًا :
-البزنس مان الناجح بيندمج في أي مكان ويسلك في أي حاجـة ..
فـ مازحتـه قائلة :
-أي ده !! يعني قلبي بالنسبة لك كان مجرد مشروع !!
ضحك بهدوء فوضح قائلًا :
-كان مشروع بس صعب حبتين .. بس على مين !! مفيش حاجة تصعب على عاصي دويدار ….
-يا سلام !! بقا كده ؟!!
ثم اعتدلت قائلـة :
-ما قولتليش .. ناوي تسمي المصنع أي ..؟!
استند على ذراعيه فبرزت عضلاته أكثر وهو يقول بثقة :
-مـارو ..
انعقد حاجبيها بدهشـة :
-اشمعنـا !! يعني أي أصلًا ..
-معقـولة تتوه منك دي !!
حياة بحماس :
-لا بجد .. يعني أيه واشمعنـا الاسم ده !!
-مارو يا ستي اسم حيوان من أكبر الأسماك البحريـة ..
مالت نحوه بدلالٍ وهي تُلاطفـه :
-اها .. واشمعنا الاسم ده ..
غازل أرنبـة أنفها بخفـة :
-هو ده السـر الأخيـر في حياة عاصي دويدار .
اتسع بؤبؤ عينيها :
-أيه ده!! أنت كمان عندك أسرار مخبيها عليـا ؟!
أسبل عينيه وكأنه يطالب بعفوها :
-قولت لك آخر واحد …
هزت كتفيها بتحدٍ :
-على فكرة مش لوحدك اللي عندك أسرار .. أنا كمان عندي سـر ..
رفع حاجبه متعجبًا من اسلوبها المراوغ:
-كمان !! طيب ومسموح لي أعرفه ولا لسـه مجاش وقته ..
-هو سر رسيـل ، مش حياة ..
-والاتنين ملكي ..
زامت شفتيها متدللة :
-حياة بس ملكك .. أما رسيـل ملهاش ملكة .. زي السمكة بالظبط .
أصدر إيماءة خافتـة :
-ويا ترى قلب حياة يختلف كتير عن قلب رسيل .. ؟!
تعمدت أن تطيل النظر بعينيه التي دومًا ما تحمل دعوة صريحة لاحداث الفتنة بقلبه :
-هي رسيل مجنونة شوية عن حياة بس الحاجة الوحيدة اللي اتفقت عليهـا مع رسيل هي “قلبي” اللي حبـك .. وقفل عليك بضبة ومفتاح .
فرغم رفضها التام للتورط بالحُب بعد تجربتها المؤسفة ، كان وقوعها بحبه أجمل حدث بعمرها ، أمسكت بياقة قميصـه بخفة وقالت :
-حبك كان تأشيرة سفر قلبي للحيـاة ..
اقترب منها حد ارتطام أنفاسه بملامح وجهها وهو يشير إلى قلبها :
-وقلبك ده كُل حيـاتي …
بنفس نبرتها العاشق أتبعت :
-تيجي أعرفك على أخر سر في ماضي رسيـل ..
رد بشغف :
-يلا ..
رفعت حاجبها لتسأله بدون تفكيـر :
-تغطس !!
-في البحر ولا في عيونك ؟!
ضحك وجهها الفاتن وتلألأت عيونها الزقاء التي لم تَكُن مُجَرد عيون بَل صورة مُصَغرة للبحر أن رأها رسام استمد حبـر لوحاته من مائها .. فردت متباهية بحبه :
-أنت كده كده جوه نن عيني .. حتى شوف كده ..
هم لافتراس تلك الملامح التي لم يرتوي منها أبدًا ولكنها تملصت أبيـة متحمسـة للغطس معـه لأول مرة وهي تشد يده لتساعده على الوقوف ثم الذهاب لغرفة تبديل الملابس الخاصة بالغطس .. ارتدى كل منهما زيه الخاص حاملًا انبوبة الأوكسجين على ظهره نظرت بعينـه مفتونة بهما استعدادًا للغطس :
– جاهز !!
أمسك بكفها مستعدًا :
-جاهز …
الإنسانُ بغيرِ أنيسٍ تأكله الغربةُ ، يهزمُه طولُ الطريقِ
تغلبُه أهونُ المخاوفِ حتى تقبضَ يدٌ أخرى على يديه ، فيطمئن ، ويواجهُ ، ويرى العالمَ من جديد …
دومًا ما يتكرر أمامي جُملة ” ومن الحُب ما قتل ”
لِمَ لم يُقال ” ومن الحب ما يُحيي ” ، ” مـا ينعش القلب الهالك ؟؟”
مثلمـا أنقذَ قلبي بحبك فلم أعرف معنى الانتصارَ على جيش الحياة إلا عندما أحبَبتني ..
حبـك حيـاة …
كلا ؛ بل أحيا بحبـك ….. ♥️
~خلق القلب عصيـًا ..
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية