Ads by Google X

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع و الستون 64 - بقلم نهال مصطفي

الصفحة الرئيسية

   

رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل الرابع و الستون 64 - بقلم نهال مصطفي

 ” مصيبة الإفراط بالحب يجعل المرء في صراع مستمر، مع رأسٍ من جليد وصدرٍ مشتعل بجمر اللهفة والحنين ، وعليه ألّا يذوب، ولا ينطفئ وهجه .. ولا يخطو خطوة واحدة نحو ملاذه .. يُعميـه ، يفقده صوابه … أغلال الهوى تكبل الإنسان الحر وتفعل بجسده ما لم يفعله مُعـادٍ ”
#كن_لي_كما_أهوى 🌻
•••••••
وثب مفزوعًا ملدوغًا بذِنب الخبـر :
-طيب أنا جاي حالًا يا شمس أهدي ..
التفتت للهفتـهِ :
-في أيه يا عاصي ؟!!!
شد سترته السوداء بعنفوان وهو يتوعد لعمومته :
-هي بقيت كده يا ولاد دويدار ؟!!! وديني ما هرحمكم ..
نادته مسرعة :
-استنى يا عاصي .. فهمني .
فتح الباب بسرعة فصُدم برشيد الخارج من غُرفة فريال بملابسه المبعثرة وهو يتفقد المكان حوله بأعين اللصـوص محاولًا إخفاء الحمرة النسائية عن وجهه .. لمحه عاصي فتراجع عن حركته قليلًا وقفـل الباب حرصًا من رؤية حياة لأخيها بتلك الحالة التي كشف أمامه كل شيء .. حدجته مشدوهًة إثر تصرفه الغامض وتراجعـه :
-نسيت حاجـة .. ؟! مالك ! وشك اتبدل ليه ؟؟
تكلف الهدوء كي لا يظهر عليـه شيء وهو يُد_اعب وجنتها بلطفٍ وبرر قائلًا :
-ولاد دويدار دخلوا القصـر وأعلنوا الحرب علينا ، لازم الحق تميم قبل ما يتهور معاهم مينفعش يكون لوحده .
بنبرة عاشقة مستهامة أجابته يملأها القلق :
-ياخبر ؟! أجي معاك .. مش هعرف أقعد مستنة وأنا قلقانة كده.
رد بنبرة تحمل وميض العجل :
-مش هينفع ، خلي بالك من البنات ، وأنا هحل الموضوع وارجع .
فتحت ذراعيها لتحوي رأسه وكتفيه بين يديها كزهرة متعطشـة لمجيء النحل ليفوح رحيقها بالمكان .. مسحت على شعره بحنانٍ :
-خلي بالك من نفسك ، وكلمني كل شويـة .. وبلاش تتهور عشان خاطري أحنا اتفقنا كل حاجة هتبقى بالعقل ..
هوى في حفرة عشقها وخوفها المبالغ ، فأجابها مسايسًا :
-هعمل كده .. متقلقيش .
ثم قبل جبهتها بجلجلة :
-خلي بالك على نفسك ، خليكي نايمة جمب البنات عشان بيخافوا لوحدهم ..
ولى ظهره مغادرًا فأوقفته متمسكة بكفه :
-ارجع لي بسرعة .. متتأخرش عليـا .
أكتفي بإبداء بسمة خفيفة على ثغره يدثر خلفها غضبه الشديد من رشيد ووقوعه في فخ فريال التي نوت أن تنصبه للجميـع .. غادر حاملًا همـه على كتفيـه عما صدر من أعمامه متوعدًا لهم عما فعلوه … متجهًا إلى الحديقـة الخاصة بالمنزل مناديًا على رجاله كي يستعدون لتلك الحر_ب القادمـة ، تلصصت أعينها من أعلى وهي تراقبـه بإضطراب :
-ناوي على إيـه يا عاصي !!
•••••••
مهمـا ذبل الورد سيبقى محتفظًا برائحته الجميلة ، هكذا الحُب قد يمر عليـه جميع الفصول حتى تتوهم بأنه انتهى ، لم يبقى منه شيء حتى أثره قد زال .. ولكن يأتي فصل الربيع ليكذبك ، ليصلح ما أفسدته جميع الفصـول ، ليعدل سنابل الحب المائلة .. ليضخ الحياة بفؤاد البستان من جديد .. يأتي مقدمًا قربان اعتذاره ويذكر القلوب الضامرة أنه هنـا وجاء ليثبت أن الحب مازال موجودًا يجري مجرى الدم بابن آدم ..
عاد مُراد متأففًا يحمـل ضجيج لقائه الأخيـر مع عادل الشيمي ،وعرضه الذي أن رفضه لم ينجٌ من شرهم وأن قبله لن ينجو من أنيـاب ضميره .. فتح باب غرفته بملل ، تلك الغرفة التي يعُمها الضوء الخافت ، ويفوح منها عبق الحب المتجدد .. وصوت الموسيقى الهادئة مشهد سينمائي يغتال شقوة الأيام التي مرت عليهما ، سقطت أعينه على عاليـة التي ترتدي فستانًا جميلًا باللون البنفسجي وبأقدامها الحافية أقبلت عليه رافعة عيونها لمستوى عينيـه :
-مامي راحت شرم عشان المؤتمر ، مشيت الشغاليين وقلت نقعد سوا لوحدنا ، لينـا كتيـر ما بنتكلمش ..
تطاير غبار الهم أمام نسيم الحُب و الأجواء اللطيفة التي صنعتها ، هوى بقاع كل شيء حوله ولكن عند عينيها غرق ؛ فكيف يرى الجمال ولا يغرقَ بـه ؟! انشكحت غمامته وقال بلطف :
-مش عايز أقطع اللحظة اللي مبتتكررش كتيـر دي ،تسمحي لي بـ شاور دافي ١٠ دقايق بس وأجيلك .
ساومته بدلالٍ :
-١٠ بس ؟!
-وأقل كمان …
ثم تنهد مبتهجًا :
-آخيرًا …
قال جملته وهو يذوق شهد أرنبة أنفها بعجلة ولهفة كبيرة يفوح منها نكهة الحب .. اتجه نحو المرحاض ليتحمم ، ليتخلص من آثار يومـه المكدس بالضغوط .. اتجهت هي الأخرى للخزانة لتخرج له ملابسـه وقامت بإعداد طاولة العشاء وإشعال الشموع التي يفج منها رائحة الياسمين .
توقفت عن إشعال الشموع إثـر رنين هاتفهـا ، نظرت في الشاشـة باستغراب وهي تتساءل:
-شمس ؟!!
لم تهدأ شمس من شدة قلقهـا على تمـيم خشية من تهوره ، مسكت هاتفها وكلمت مراد الذي نسي محموله على وضع الكاتم للصوت ، فانتقلت لعاليـة كي تستغيث بها .. ردت على هاتفها بصوت يملأه الحيرة :
-شمس ! أزيك ؟
أتاها صوت شمس المضطرب:
-عاليـة .. مراد عندك؟!
-أيوة بس مال صوتك ؟! حصل حاجة يا شمس ؟!
تجاهلت سؤالها وأكملت :
-معلش ممكن اكلمه ..
فتحت عاليـة الباب ودخلت لمراد حاملة علامات الاستفهام على وجهها ، قفل صنبور الماء متسائلًا فقالت :
-شمس عايزة تكلمك .. طمني يا مراد ، تميم جراله حاجة ؟!
تناولت يده المبلل الهاتف وقال :
-معاكي يا شمس .. ازيك الأول ؟!
حدثه بنفس نبرتها الخائفة :
-أنا اسفة .. اسفة كلمتك في وقت زي ده محبتش اتكلم قدام عالية عشان الحمل ، وعاصي عشان يوصل قُدامه كتير وو
قاطعها قائلاً :
-ممكن تهدي عشان أفهم .. مالك؟!
-تميم جاله اتصال أن عمامه استولوا على القصـر ، ونزل راح لوحده .. وأنا قلقانة عليـه ، لو سمحت يا مراد الحقـه قبل ما المشكلة تكبر ..تميم متهور .
لبى ندائها سريعًا :
-أهدي طيب وأنا هنزل أشوفه ، متقلقيش ، كويس أنك كلمتيني ..
قفل المكالمة بعجلٍ تحت تكرار اسئلة عاليـة :
-حصل أيه ؟! شمس مالهـا ؟!
ربت على كتفها مهرولًا كي لا يعطيها فرص لطرح المزيد من الأسئلة :
-مفيش ياعالية ، ارتاحي أنتِ بس ..
•••••••
اقتحم ” تميم ” قصر دويدار الذي استولى عليه عمـه ، دفع رجل الأمن التابع لشاكر وصرخ بوجهه بغضب يتطاير كـ ذرات الدقيق :
-فيـن الـ مشغلك ؟!!
ثم زمجر محذرًا :
-أنت فاكرها وكالة من غير بواب ؟!! شهاب دويدار مخلف رجالة يفوتوا في الحديد ..
حاول رجل الأمن أن يعوقون خُطاه حتى ظهر شاكر من الباب وهو يقول بهدوء :
-عامل غاغة لي الساعة دي يا ابن أخويـا ..
تقدم إليـه تميـم بنيران غضبه :
-طيب كويس والله ، لسه فاكر إني ابن أخوك والبيت ده بتاعنا ومش من حق أي حد يخطيه إلا بأذننا ..
التقى العدوان وجهًا لوجهِ ؛ فسأله شاكر متخابثًا :
-أنتوا الـ هما مين ؟!
أجابه بحنق :
-عاصي أخويا .. وأنا وعاليـة أختى .. الـ أبوهم رفعكم وخلى ليكم كلمـة وقيمة وسط البلد ..
امتلأت أعين شاكـر بالسخرية المبطنـة بأشواك الانتقام :
-ماكلنا عارفين أن أخويا راجل مزاجنجي ، ويحب الستات زيه عينيه ، والنتيجة كانت .. عاصي ابن مش شرعي لـ شهاب .. وعاليـة لا هي أختكم ولا دمها دويدار من أصله ، اااه وأنت يا بشمهندس يابن الشغالة ، عبلة لما وافقت تثبت نسبك لأبوك كان مقابل نصيبك في الميراث .. قلت لي مين يستجرى ويفتح بؤه قُدامنـا !!
ثم مال نحوه هامسًا :
-اللعبة خلصت يا ابن أخويا الغالي ، وبلاش شوشرة وفضايح قُدام الحرس ، ووقت ما يوحشك البيت تقدر تدخله في أي وقت وتاخد واجبك كمان ، ده مهمـا كان بيت عمك وهيفضل مفتوح لك .
-اثبت !!! عايـزك تثبت الحدوتة دي قدام أي حاجة عاقل ومش هيتهمك وقتها بالجنان ؟!!
أدرك تميم أن شاكر يسعى لاستفزازه ، لتخدير تمرده أمام تلك الحقائق التي يعلمها .. هز رأسه متفهمـًا وهو يخرج هاتفه مواصلًا :
-طيب أنا بقول اكلم الشرطة ونخلي الإجراء قانوني ، ولحد ما تقدر تثبت كل التهيؤات دي للمحكمة وتحكم لك وقتها هديك أنا مفتاح البيت بنفسي .. قُلت أيه ؟!
قهقهة شاكر بصوته الأشبه بغضب الرعـد :
-ده عشان اللي ما يعرفش يعرف ، وسرتنا تبقى على كل لسـان ؟!
اطلق تميم ضحكة ساخرة :
-لا اله إلا الله !! وهو مين بيسعى للفضايح دي غيركم ، وفضايح بفضايح بقا .
ثم أرخى شاكر سدول الحرب بينهم ودنى منه :
-ما تخلينـا حبايب ورجعوا الحـق لصحابـه من غير دوشـة قلت إيـه يا هندسة؟!!
رد بتحدٍ يتوقد من مُقلتيـه :
-قُلت ده بعينك .. وبعين أي حد يفكـر ياخد شبـر غصب عننـا .. شهاب أخوك كان مزاجنجي فعلًا بس خلف رجالـة تاكل الزلط .
ثم شرع لطلب شرطة النجـدة متخذًا إجراءاته القانونيـة المسايرة للقضاء والحصـول على حقهم بدون عنفوان .. زغللت فوانيس سيارة مراد عينيـه وهو يقتحم موقفهم ويفرق شملهم ، دلف مراد من سيارة بخفـة ودنى من تميـم قائلًا :
-تميـم !!
رمقـه تميم بدهشة :
-مراد أنت بتعمل إيه هنـا ؟؟
كان لشاكر نصيبًا من النظرات الساخطة المتقاذفة من عيني مراد ، ثم ولى نحو تميم قائلًا :
-تعالى معايا ..
رد تميـم بحزم :
-أنا مش هتحرك من هنـا غير لما يسيبـوا القصر ويرجعوا مكان ما جـم .. هما فاكرينها مسرح !!
أخفض مراد صوته هامسًا بحذر :
-تميم تعالى نفكر بالعقل .. عاصي جاي وهو هيتصرف معاهم .
قاطعهم شاكر ساخرًا بعد ما ألقى نظرة لأعلى ناحية أخيه شاهين الذي يُراقبهم من شُرفة الغُرفـة الخاصة بعبلة قديمـًا :
-طيب أنا شايف تكملو وشوشة في مكان تاني ، عشان ده وقت نومي ونوم صحاب القصر ..
غلت الدمـاء في عروقه وهو يهب منزعجًا لم يقف أمامه إلا أيدي مراد :
-لولا إنك راجل كبير كنت عرفتك مقامك !
عاقته يد مُراد القوية لتقف سدًا منيعًا لتفصل نيرانهم :
-يلا يا تميم سيبك منه .
برقت أعين تميـم متوعدًا وهو يشير بسبابته :
-راجع لك تاني.. والحـرب اللي أنتـوا بدأتوها دي مش هتحرق غيـركم .. فاهم !
اكتفى شـاكر برسم بسمة خبيثة على محياه :
-نورت يا ابن أخويا ..
سحبـه مراد عنـوة وهو يسدد أسهم غضبه الحارقة لـ عمه شاكر الذي أن طالته يداه لم ترحمه .. جهر مراد بحزم :
-يلا يا تميـم ….
انصرف تميم ومراد كل منهما مستلقياً سيارتـه وعلى الجهـة المعاكسـة هبط شاهين من غُرفتـه بخطوات متهمله مستندًا على عكازه الخشبي بظهره المنصـوب ليستند عليه بكفيه متنهدًا :
-مش مطمن لهم .
ربت شاكر على كتف أخيه الكبيـر قائـلاً :
-بدأنـا حاجة نكملها لآخرها ، متقلقش مقفـل عليـهم كُل السكك .
تقدمت شهد بخطوات مهزوزة وأعين حائرة تحمل قُفة الأسئلة نحو هوية ذات المعجب السري الذي لفت انتباهها :
-بابي هو مين دول وعايزين أيه .
ربت شاهين على كتف ابنته :
-دول جايين يمنعوا شرع ربنا يا حبيبتي ، بس متقلقيش ؛ أبوكي وعمك في ضهركم لآخر نفس .
••••••
خرجت حياة من غُرفتها تتجول أنحـاء المنزل مندهشة من كن الهدوء الذي يعُمه ، طرقت باب الغُرفة الخاصـة بيونس ثم فتحت بابها عند عدم تلقيها لأي رد ، طافت عينيـها المتجولة :
-الله؟! روحت فين يا يونس !
قفلت باب الغُرفـة متجهـة نحـو غرفة رشيـد التي تجولت بها حتى سمعت صوت صنبور المـاء يتدفق من داخل المرحاض ، طرقت بخفة متسائلة :
-رشيـد ، ما تعرفش يونس فين ؟!
قفل رشيـد الصنبـور مرتبكًا :
-لا ، معرفش .
ثم تناول منشفتـه وأخذ يجفف جسده من قطرات الماء ، فأتاه صوتها قائلًا :
-طيب لو خلصت ممكن تخرج ، عايـزة اتكلم معاك .
زفر بامتعاض وهو يرتدي ملابسـه القطنيـة :
-خارج ، خارج أهو يا رسيل ..
ثم أخذ يتمتـم :
-بيت مفيهوش اسم الراحة .
جلست ” حياة ” على طرف مخدعـه وهي تتفقد محتوايات الغرفـة بمـلل منتظرة خروج أخيهـا ، ثنى مقبض الباب وطل عليها رشيد صاحب الأعين المرتعدة التي تحمل ضباب أثـر جريمـة ما :
-في أيه السـاعـة دي يا رسيـل ؟
عقدت حاجبيها باندهاش وهي تفز من مجلسها :
-بتطردني بالذوق صح ؟!
أخذ يجفف جدائل شعره المبـلل متحاشيًا النظر بعين توأمه التي تقرأه من عينيه وقال :
-هتطردك من بيتك ودي تعقل ؟! خير ، عاصي مشي ولا أيه !
هزأت رأسهـا كأنها أرادت رمي كل تلميحاته وقالت باختصار :
-عاصي نزل القاهرة ، وكنت جايـة أقولك تخلي بالك من الشغل اليومين دول لحد ما يرجع ، يعني بلاش كسل وتروح أخر واحد .. فاهمنـي !
انكمشت ملامحه :
-نزل القاهرة فجأة كده؟!
خيم فطر اليأس على معالمها :
-لا ، في مشكلة مع عمامه وكان لازم يروح يحلها بنفسه..
ثم اقتربت منه أكثر :
-المهـم عـايزاك تـ …..
انتباهها لأثر أسنان أنثى مطبوعًا على عنقه جعلها تبتلع كلماتها وتنسى ما ستقوله، امتدت سبابتها متسائلة بقلق :
-أيه ده اللي على رقبتك يا رشيـد ؟!
هرول صوب المرأة ليتفتن ما تشير إليه أخته بارتباك مرددًا :
-اااه دي ..
قطعته بحدة وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها كمحقق قانوني :
-أيوة دي أيـه ؟! رشيـد أوعي يكون اللي في بالي !!
ثم دارته إليـها وأكملت بحدة :
-أنت بتخون فريال ؟!!
اطلق ضحكة ليتواري خلفهـا ويخفي أثار جريمته وهو يفرك طابع شفتيها من فوق جلده :
-متكبريش الموضوع يا رسيل ، دي قطة البنات ، رخمت عليها شوية وأدي اللي خدته منها .
تأرجحت عينيها بشكٍ :
-قطة ؟!! تمـام يا رشيد ، عرفت هتعمل أيـه بكرة ، هصحيك الساعـة ٥ ، وأسيبك تنام شوية ..
ثم أطالت النظر بأعينه محاولة أن تقرأ ما بهما حتى عارضها رشيد بفوضى :
-في أيـه تاني يا رسيـل ؟! ما بلاش النظرة دي !
ربتت على كتفه بقوة تنافس قوة أعينها المحذرة :
-تاني مرة متلعبش مع القطط طالما مش أدها .
ثم انصرفت وهي تحمل على عاتقيها جبال الشـك حول أخيها ، ما أن غادرت رسيل غرفته ألقى المنشفة أرضًا وهو يسب حظه ويلعن مـا جعله موطنًا للشك في رأس أختـه ، انتقلت أعينـه للمرآة وهو يتفقد معالم وجهه وتفاصيل جسده الرياضي بتباهٍ ثم أردف بإعجاب :
-دي حتة قطة شرسـة ….
“هناك دائمًا ضياع يحل بكل فتاة غاب عنها من تحب ”
وهكذا كان حال حياة وهي تتفقد المنزل الخالٍ من طيف ذلك الرجل العاصي الذي دومًا ما يشغلها بغيابه وحضروه ، أخذت تقفـل أبواب ” الڤيلا ” حتى تناولت وشاحًا خفيفًا ووضعته على كتفيها وخرجت بالحديقة لتستنشق القليـل من الهواء ، ركض إليها واحد من الحرس :
-تأمري بحاجة يا حياة هانـم ؟!
هزت رأسها بامتنان :
-لا ، هتمشى شويـة في الجنينة ..
أطرق الحارس أعينـه أرضًا متراجعًا :
-تمـام ..
اخذت تتجول بالحديقة بخطواتٍ متمهلة هادئة تحمل وطأة الهمـوم ، توقفت عند البيت الخشبي الصغير الذي ينتمي لصغار الكلاب ، توقفت وأخذت تراقب حنان الأم على صغارها ومداعبتهـم فلا مناص من عاصفة الأمومة التي باتت تراودها في كل صوب وحـدب .. جثت على ركبتيها وشرعت بمداعب ذاك الصغير ثم حملته ووضعته بمنزلهم الخاص برقة تنافس رقة الفراشـات ..
اتجهت ناحيـة المقعد الخشبي ولفت الوشاح حول كتفيها متنهدة ثم عاودت الاتصال بعاصٍ بتردد ، ثمة شيء كان يمنعها ولكن حسم قلبهـا القرار جاءت لتهاتفـه ولكن خذلها جوالها بتفاذ بطاريته ، عمّ الأسى بملاحمها :
-أيـه الحظ ده ؟!
ثم جذب انتباهها الأجواء الأسرية التي تطوف حول الحيوان الأليف وصغاره ، بأعين براقة تنافس لمعان النجوم نظرت لأعلى بحماس وهي تضع يدها على جوفها وكأن فكرة مـا راقت لها :
-ليـه لا !! ما أجرب …..
أقبلت تاليـا مسرعة من الخلف وبيدها الهاتف وهي تقول :
-حياة ، بابي عايز يكلمك .
تناولت الهاتف من تلك الحورية وقالت بنبرة مبطنة بالإعتذار :
-كنت هكلمك بس موبايلي فصل ، وصلت فين ؟!
رد بثبات :
-لسه يا حياة .. بقول لك ، ريم هتيجي بكرة في أوراق مهمة لازم تتختم .. طبعا عارفـة مكانه .
ردت على مضض :
-تمام يا عاصي ..
ثم بللت حلقها وسألته :
-عاصي ممكن تطمني لما توصل ، في أي وقت كلمني وطمني .
-حاضر يا حياة ، ارتاحي أنتِ بس وأنا مش هتأخر .. اسيبك عشان داخل على منطقة السيجنل واقعة ..
-ماشي يـا عاصي .. خلي بالك من نفسك .
انقطع الصوت عنها فالتوى ثغرها بإحباط :
-مفيش صوت ..
ثم ولت نحو تاليـا ممازحة :
-أنتِ لسه سهرانة للساعة دي يا توتا ؟!! مش في مدرسة الصبح .
ضحكت الصغيرة وردت ببراءة :
-بابي مش موجود ، ممكن نغيب بكرة عادي .. وحضرتك مش هتقوليلو صح !
نظرة خبيثة اندلعت من عيني حياة يندس من بينهم الضحك :
-أممم من أولها كده !!
ثم وثبت قائمة وحملتها بلطفٍ :
-طبعا مفيش الكلام ده ، انسى ؛ ويلا بقا نبطلع دلع .. أحنا قولنا أيه ؟! مش عايزين دلع من أولها .
عانقتها تاليا بحماس والقليل من الضجر :
-يعني هنروح ، ماشي بس تحكي لي حدوته ..
لمست أقدامها درجات السُلم :
-هحكيلك حدوتـة يا ستي ….
••••••••
” صبـاحًا ”
-تعالى على هنـا يا عاصي كُلنا مستنينك في بيت تمـيم .
بعد مكالمـات ومحاولات عديدة من الجميع أخيرًا أجاب عاصي على اتصالاتهم ، فهاتفه مراد قائلًا جملته الأخيرة التي استقبلها عاصي بضجر :
-أنا هروح اهد القصر على دماغهم يا مراد ، أحنا لسه هنتفاوض !
شدت عاليـة الهاتف من زوجها الواقف بشرفة المنزل الخاص بتميم وقالت بنبرة حنونة وهي تترجاه :
-عاصي بلاش تتهور ، لو سمحت تعالى ومتروحش لوحدك .. تعالى نتفق الأول بلاش كل واحد يمشي في طريق متفرق ..
ثم أخفضت نبرتها متوسلة :
-عاصي عشان خاطري ..
رد على مضض :
-تمام يا عالية ، نص ساعة وهكون عندكم ..
بدَ الارتياح بصوتها :
-كلنا مستنينك …
ثم قفلت الهاتف وقالت لمراد بفرحة :
-جاي ، قال نص ساعة وهيكون هنا ..
-طيب تعالي نشوف تميـم ناوي على أيه !
” بسيـارة عاصي ”
أمر السائق بالوقوف على أحد جانبي الطريق ، ثم هبط من سيارته ليوزع أوامره على رجاله اللذين هبطوا من سياراتهم عند رؤيتـه .. احتشـد الرجال بقُربة حتى هتف عاصي أمرا :
-بكر ، تاخد الرجالة وتروحوا القصـر ، من بعيد لبعيد كده عايزك تنقلي الأخبار وايه اللي بيحصل بالظبط ..
أومأ بالإيجاب وهو يشاور لبضعة من الرجال مستلقيًا سيارتهم الخاصة وتحرك ناحية تنفيذ أوامر قائده ، التفت عاصي إلى ” جميـل ” وألقى على مسامعه بقية أوامره :
-جميل تروح الفرع الرئيسي في الشركة وتبلغ مجلس الادارة ، السـاعة ١٢ في اجتماع والكل لازم يبقى موجود ، وأي حركة غريبة أو ظهور لولاد دويدار بلغني .. يالا ..
-تمام معاليـك ، حالًا ..
استقل عاصي سيارته أمرًا السائق :
-على بيت تميم ….
انتهت حيـاة من إعداد الحقائب المدرسية للفتيات وتصفيف شعرهم ثم سألتها أمام المرآة :
-دودو ، تمام كده ؟! تعرفي أنا فضلت سهرانة طول الليل اتعلم أزاي اعمل الضفيرة دي ، أي رايك ؟!
شهقت داليا بفرحة :
-دي زي الڤيديو بالظبط ..
ثم عبرت عن فرحتها بعناق طويل :
-مرسيي أوي يا حياة ، أنا بحبـك أوي .
تدخلت تاليـا بينهن لتنضم لحضن حياة ثم قالت بتردد :
-حياة .. ينفع نقول لك يا مامي .. ؟!
تزلزلت الأرض من تحت قدميها إثر وقع السؤال على قلبها ، هربت الكلمات من فوق شفتيها وبرقت عينيها بذهول يحمل فيض من الاسئلة ، فتدخلت داليا :
-أنتِ عارفة أن مامي عند ربنا ، يعني أحنا مش عندنا مامي غيرك بيحبنا ويخاف عليـنا ..
تلقت تاليا دمعة هاربـة من طرف عيني حياة التي لم تكن مستعدة لتلقي عرضهم ذو المسئوليـة الثقيلة وأكملت :
-هتبقي مبسـوطة لما نقول لك مامي ؟!
دموعها اختصرت الحكاية وهي تفتش فيهن عن رائحة أمهـا ، عن كفها الصغير الذي أحس ببرودة الموت بين يدي أغز انسانة على قلبها ، انفطر فؤادها وهي تأخذهم بين ذراعيـها وتعانقهم عناقًا حارًا وتبدر بسيل الدموع الذي انفجر بداخلها وهي تعترف :
-أنا بحبكم أوي ، ومش هسيبكم أبدًا .
” بغُرفـة رشيد ”
أبريق الماء الفاتر انسكب فوق رأسه النائمة فنهض مفزوعًا إثر ما حدث وهو يصرخ بضجـر دون علمه بهوية الفاعل :
-أيه الجنان ده ؟!!
أخذ يفرك عينيه ويجفف أثر المياة عن وجهه وهو يسب الفاعل سرًا وعلنـًا ظنًا منه أنها رسيل ولكنه فوجئ بـ ” فريال ” تقف بمحاذاته بوجهٍ عابث ، لتوبخه :
-طبعا نايم ولا على بالك اللي حصل امبارح .
نهض رشيد بتكاسـل وهو يجفف الماء عليه ، ليجيبها بضجر :
-الله يخربيت تفكيرك !! فاكر ايه بس !! حد يصحى حد كده !!
شدته بعنفوان وهي تفتعل الحزن والغضب في آنٍ واحد:
-رشيد فوق كده ، أنا معرفتش أنام من امبارح بسبب اللي حصل ..
ثم شرعت بإلقاء بعض الاتهامات على عاتقه:
-أنت السبب ، أنت حطيت لي أيـه في العصيـر ، أنا أنا مكنتش في وعيي ، اعترف أنت شربتني !
أخذ يسب في نفسه سرًا ويخرج زفيـر أزمته علنًا :
-جرى أيه لكل ده ؟!! مالك متنشنة ليه ؟! كانت ليلة حلو وانبسطنا !! والمفروض النهاردة صباحيتنا بس بالبوز ده شكله لا في صباحية ولا زفت على دماغي .. هاااه نعم يا فريال !!
اتسعت أعينها بهول الذهول :
-أنتَ جايب البرود ده كله منين ؟!!
ثم رفعت سبابتها محذرة :
-اسمع يا رشيد يا تنزل تبلغ أخواتك بمعاد فرحنا أخر الاسبوع ياما هروح أنا احكي لها على كل حاجة .. قلت أيه ؟!
هب بوجهها منفعلًا :
-قلت إنك غبية ، ولو عملتي كده رسيل عمرها ما هتقف معاكي ؛ بالعكس هتلاقي حجة عشان تقفلنا في الجوازة …
ثم دنى منها أكثر فأكثر متعمدًا ملامستها بوقاحة :
-أما لو عقلتي وأدينا بننبسط لحد شقتنا ما تخلص ، كل اللي عايزاه هيحصل .. ولا أنتِ مش واثقـة فيا !!
التقت أعين الذئب بعيون الذنب وقالت بتردد :
-لا طبعا ..
ثم وثبت كالملدوغة :
-بس يكون في علمك اللي حصل ده مستحيل يتكرر تاني ، أنت فاهم ..
-وهو كان إيه الـ حصل؟؟
نهض من مرقده بنفس اللهفة متجاهلًا فرمان قرارها ليستعيد ذكريات ليلة أمس ولكن جاء صوت رسيل كالناقوس الذي دق في وقته المناسب :
-رشيد مش معقول كده ؟!!! كل ده نوووم !!
صرخ رشيد بقلق وهو يخبأ فريال بالمرحاض ويجيب أخته بنبرة مهزوزة :
-ايوة، استنى يا رسيل بغير ونازل أهو ..
ردت باستسلام :
-طيب متتأخرش ..
التفت موبخًا لفريال :
-عاجبك كده ؟!!!!!
******
بعد ما ختمت الأوراق التي تحملها ريم وانصرفت فور انتهاء مهمتها ، ألقت آخر نظرة على هاتفها متأملة أن تجد اتصالًا منه ليبث وميض الأمل بقلبها ويأكد لها أنها مازالت تراود فكره ولكن سرعان ما خاب ظنها، عقدت حزام فستانها القصير حول خصرها ورفعت شعرها بمقبض الشعر متقبلة الأمر بتصالح تام مع واقعها الذي يزيد ظلمته شيئًا فشيئاً.. تناولت مفتاح أحد السيارات التي تنتمي له متبعة مسار خطتها .. استقلت السيارة البيضاء متجهة ناحية ” وكالة المصري ” وتوسدت مقعد أبيها بشموخ تلك الفتاة التي زرعها بقلبها قنديل المصري من قبل ..
الحب لا يوجد إلا في الحكايات القديمة ، وسجين تلك الحدوتة السرية التي نُحييها في خيالنا كل ليـلة …
كل قلوب البشـر خُلقت متعطشة للحب والمشاعر التي تهون رحلة الحياة ولكن لم يوجد قلبًا مات بدونه ، الحب إن جاء فمرحبًا بقدومه كدعامة للفؤاد وسكره .. وان أقبلت رياحه لتطيح بكل ما بنا ويجردنا من مبادئنا فلم يبقى منه إلا ذكرى طيفه نكتفي بذكر فـ مر حبًا من هنا ولا حاجة لنا به …
هذا هو العهد الذي اتخذت حياة على قلبها ، لم ترضخ لسلطان الحب ولن تركض خلفـه ولا تسعى لنيل المزيد به ، أن لما يركع لها سلطانه فسيظل طول العمر مجرد ذكرى نعود إليها أن لزم الأمر ..
وضع ” بندق” قهوتها أقصى يسار المكتب وقال بسعادة :
-نورتي مكانك ياست الستات ..
-تسلم يا بندق ..
ثم اعتدلت في جلستها وأكملت :
-قولي مراكب المعلم قنديل فين دلوقتي ؟!
نصب بندق قامته وانكمشت ملامح وجهه وهي يتذكر :
-كل المراكب دخلت في شغل عاصي بيه ..
هتفت بضيق:
-يعني الوكالة كلها مفيش فيها ولا مركبة ؟!!!!
-لا طبعا فيه .. المركبة رسيل موجودة بس محتاجة صيانة ومصاريف كتير .. وفي كمان اتنين ودول كمان محتاجين صيانـة .
هزت رأسها بخفـوت ثم قالت :
-تكلم المهندس يجي يشوفهم ويقدر التكلفـة .. وتبعت حد لادارة عاصي تطلب منه استراد كل السفن الخاصة بالوكالة ..
تردد بندق في تنفيذ الأمر :
-بس يا ست رسيـل لو عاصي بيه وافق وادانا المراكب ، الوكالة مفيهاش مليم يكفي الصيانـة وتحريك السفن دي!
وثبت قائمة بجبروب :
-ما انت هتطالب بتمن تأجير المراكب دي من ادارتهم طول السنة اللي استغلوا فيها المراكب ، وبكده هيدخلنا مبلغ كويس نقدر نوقف بيه الوكالة على رجلها ..
رد بندق بعدم اقتناع :
-اللي تشوفيه يا بنتي انا تحت أمرك واخدم المكان ده بعينيا ..
بادلته بنظرة امتنان ثم أكملت :
-وحاجة كمان ، اجمع لي كل تجار السمك بكرة وارمي لهم كلام من تحت لتحت أننا هنديهم الطلبيات اللي عايزينها بنص التمن ..
-بس بس ده تعدي على شغل جوزك يابنتي وممكن يعمل مشاكل وو ، دا أنتِ كده بتدوري الحرب عليـه !
قاطعته بحزم :
-الشغل شغل ، ووكالة قنديل المصري اسمها هيرجع يرن في الغردقة كلها .. ومتقلقش مفيش حرب ولا حاجة عاصي مش هيكره نجاحي .
ثم رفعت أنظارها ناحية الساعة المُعلقة على الحائط :
-هغيب ساعتين وارجع تكون بلغت التجار ، مش هوصيك يا عم بندق …
******
-طيب يا جماعـة ممكن نشوف عاصي ساكت ليه ؟! ”
عبرت شمس عن رغبتها المُلحة لتدخل عاصي بالحوارات المتبادلـة والمشحونة بينهم كي يحسم الأمر بدلًا من انشغاله بالهاتف .. دارت الأنظار جميعها نحوه منتظرين رأيه ، قفل شاشة هاتفـه وضب أشيائه ورد باختصار وحزم :
-هما كلمتين ملهمش تالت .. تميم تاخد مراتك وترجع القصـر حالًا ، لازم يفهموا أن هما اللي ضيوف عندنا مش صحاب بيت ..
ثم ولى نظره نحو عاليـة :
-وأنتِ يا عالية خليكي بعيد عن الحوار ده كله عشان حملك ..
بلل حلقه واتبع :
-وأنا هتولى أمر الشركات والشغل واللي يقرب منه هكسرله رجله .
ساد الصمت للحظات حتى قطعته نوران منازحة وبانبهار :
-ياجماعة الباشا باشا بردو ، دماغ متكيفـه ..
تبسم عاصي إثر مغازلتها اللطيفة وأكمل :
-وتاخد ام نص لسان دي معاكم ، هي اللي هطفش سميرة وبناتها …
تفاخرت ملبية طلبه :
-يا زين مااخترت .
وقف تميم معترضًا :
-بس ده مش حل يا عاصي ..!
رد بإيجاز :
-هو بدايـة الحل والباقي عندي .. اجهزوا ورجالتي هتستناكم تحت ..
تدخلن عالية بلهفة :
-أنت هتروح على فين كده ..؟
-عندي ميتنج في الشركة .. هخلصه وهاجي لكم على القصـر يا تميم ..
تدخل مراد بأعينه المكدسة بحيرة :
-عاليـة يالا عشان اوصلك ترتاحي أنتِ كمان ..
*******
تقدم ساق وتؤخر الأخرى .. بتردد يتقاذف من أعينها وينعكس بخطواتها المهزوزة تقف حياة أمام عيادة طبيبة ” النساء والولادة ” ، خطت قدمها اليمنى عتبة المكان وأخذت عينيها تتطلع على النساء اللواتي يملأن العيادة ذوات البطون المنتفخة وغيرهن .. تقدمت إلى مكتب السكرتارية التي بادرتها بالسؤال :
-اتفضلي ؟!
بللت حلقها الذي جف من هول المكان :
-كنت عايـزة أحجز كشف ..
طالعت الفتاة جهاز الحاسوب لتسجل الموعد :
-على أمتى ؟!
ردت بلهفـة :
-النهاردة ..
انكمشت ملامح الفتاة بعبث :
-للاسف الأسبوع ده كله كومبليت .. ينفع السبت .
ردت بإصرار يبطنه الترجي :
-لا صعب ، شوفي أي معاد عندك ، أنا ممكن اقعد استنى أخر كشف ، بس النهاردة لازم .. اتصرفي من فضلك .
كررت الفتاة اعتذارها :
-للأسف يا مدام .
أغرورقت العبرات بعينيها وخيم على صدرها شعور العجز والفشل ، طوت أنظارها عن الفتاة وولت ظهرها حيث سقطت أعينها على تلك السيدة التي تمارس دلال طقوس الحمل اللطيفة مع زوجها .. طالعتهم بابنهار وتمنت ذلك اليوم الذي تعيش فيه هذه اللحظات الجميلة مع الرجل الذي أحبته .. ما لبثت أن تقدمت خطوتين فتوقفت إثر نداء الفتاة قائلة :
-يا مدام يا مدام ..
دارت للخلف تتأكد من صدى النداء ، هل تقصدها أم تُنادي على آخرى غيرها .. أشارت لها الفتاة :
-ايوة حضرتك ..
أقبلت عليها كإقبال الظمآن :
-بتنادي عليـا أنا ؟!
-في مدام كنسلت الحجز بتاعها ، لو حابة ممكن اسجل اسمك مكانها .. اسم حضرتك ؟؟
ردت بلهفة يغلفها الحماس :
-ااه طبعـًا ، حياة ، اسمي حياة المصري .
سجلت الفتاة الاسم على الشاشة الصغيرة أمامها وهي تتعجب من ملامح حياة الثائرة كطفل عثر على ضالته للتـو .. كررت سؤالها ملهوفة :
-تمام ؟!
عادت الفتاة لتسألها :
-السن كام ؟!
رد على الفور :
-٢٧ .. لالا ٢٨ ، اكتبي أي حاجة مش هتفرق .
اتبسمت الفتاة بلطف وقالت :
-اتفضلي استنى معادك كمان ساعة ..
-تمام ..
ثم قالت بعرفان :
-بجد مرسي أوي ،أنا مش عارفة اشكرك أزاي …
جلست حيـاة على أقرب مقعد وهي تفرك كفيها ببعضهما ، هذه أول مرة تزور فيها العيادة المختصة بالنسـا والتوليد ، تفقدت أعين الجميع اللذين يناظروها بإعجاب على حالتها وخوفها وارتباكها الذي يتطاير من أعينها حتى ثارت الفضول في قلب السيدة التي تجلس بجوارها :
-أنتِ خايفة ليه يا حبيبتي ؟! هي دي أول مرة تكشفي .
-لا كشفت قبل كده بس جوزي كان معايا ، بس قلقانة شوية عشان لوحدي ..
كانت كلماتها متقطعة تحتلها أنفاس القلق والذهول ، تعاني من رهبة أول تجربة ، أكملت السيدة اسئلتها الفضولية :
-جوزك مش معاكي ليه ؟!
دب الخوف بأوصالها وقالت بتحير :
-عنده شغل .. قصدي مسافر عنده شغل ..
-ليكي كتير متجوزة ؟!
-هااه ؟! اه من سنة ؟!
تعجبت السيدة بذهول :
-ومستعجلة على أيه ؟! أنتِ لسه صغيرة ، عيشي أيامك واتبسطي لسه بدري ..
أحست بالورطة التي وقعت فيها وهي جلوسها بجوار تلك السيدة صاحبة الاسئلة الكثيرة التي تزيد من ارتباكها فوثبت مستأذنة لتجلس بعيدًا وبالأخص بعيدًا عنها وعن الأعين التي توهمت أنها تحرقها و لا ترحم …
مرت الساعة ببطء حتى نادت الممرضة عليها فهرولت إليها كصغيرة تجيب معلمتها :
-أوي أنا حياة …
-تعالي اتفضلي ..
تابعت خُطى الممرضة إلى غرفة كشف الطبيبة بخطوات تعج بالهيبة والقلق .. جلست على المقعد منتظرة مجيئ الطبية إلى مكتبها وهي تتلفت حولها في جميع الاتجاهات .. أتت الطبيبة صاحبة الثغر المبتسم مرحبة بها :
-أزيك يا مدام حياة ؟!
-بخيـر الحمد لله ..
جلست الطبية على مقعدها وهي تسألها :
-قوليلي بقا أي مشكلتك ؟!
أخذت نفسًا طويلًا ثم شرعت تروي للطبيبة قصتها من بداية حملها الأول وعملية الإجهاض التي مرت بها حتى مرور أكثر من ستة أشهر بدون حمـل ، ختمت حديثها قائلًا :
-بصراحة أنا قلقت ، قلقت يكون الإجهاض أثر على الحمل.. أو عمل مشكلة قلت ألحق أحلها .. يعني قبل ما الأمر يكون صعب وكده .
هزت الطبيبة رأسها بتفهم :
-إن شاء الله مفيش غير كل خير ، ومدام حصل حمل أول مرة يبقى مفيش داعي للقلق .. ممكن تتفضلي هنا ..
ثم أشارت للممرضة :
-ساعدي مدام حياة …
تمددت حياة على السرير الجلدي منتظرة قدوم الطبيبة وهي تحملق بغرفة الكشف وتسترجع تفاصيل حملها الأولى وفرحتها بصورته التلفزيونية ، حشرت ذكرياتها بقلبها عندما جاءت الطبيبة وشرعت بالكشف على بطنها وهي تدقق النظر بالشاشة .. ارتفع صوت دقات قلبهـا وهي تراقب تبدل ملامح الطبيبة التي تحمل الدهشة والغرابة :
-في حاجة يا دكتور …
اتسعت ابتسامة الطبيبة وهي ترفع الجهاز من فوق جوفها :
-ولا أي حاجة ، أنتِ ازاي مستنية تحملي وأنتِ مركبة IUD.
ارتفع ظهرها عن الفراش متعجبة :
-أنا ؟!! لا ازاي .
-أهو ظاهر بالسونار قُدامي ، لو حابة ممكن اشيله ..
دارت رأسها في زحمة الأسئلة التي لا تعرف لها ردا ، تاهت في فضاء الحيـرة والضياع حتى أنها لم تلتف لنداءات الطبيبة المتكررة :
-مدام حياة .. روحي فين ؟!
نظرت للطبيبة بصدمة شديدة لا توصف وسألها :
-يعني ممكن الدكتور الـ عمل العملية هو اللي حط الجهاز ده بالغلط !
أجابتها الطبيبة بثقة :’
-مستحيـل ، الدكتور ما يقدرش يعمل كده إلا بناءً على طلب الزوج أو الزوجة .. هاه تحبي اشيله ؟!!
تأرجحت عيني حياة الحائرة :
-يعني لو اتشال هيحصل حمل ، قصدي هيحصل حمل بسهـولة ؟!
تبسمت الطبية على عفويتها وقالت :
-طبيعي ، بالأخص مش شايفة قدامي أي حاجة تمنع .. تحبي ارفع الوسيلة !
دارت الأفكار برأسها وهي تطرح المزيد والمزيد من التساؤلات حول الموضوع وترتب جمل الطبيبة بعقلها حتى فاضت الحيرة بدموعها السائلة التي اختصرت الحكاية وما ورائها وهي رغبـة عاصي في عدم الإنجاب منها ، فأغمضت عينيها مستسلمة بحزن وخيم :
-اتفضلي شوفي شغلك ..
*******
” بسيارة مراد ”
-تفتكر عاصي ناوي يعمل أيه ؟!
أردفت عالية سؤال بتحير وقلق على أخيها ، فأجابها مراد قائلًا :
-صدقيني مش عارف اتوقع رد فعله ، بس الأكيد ان عاصي مايتخافش عليـه .
ردت بقلق :
-هكذب لو قولت مش قلقانـة ، عاصي وتميم ارضهم مش صلبـة زي زمان .. بس .
قاطعها مراد قائلًا :
-بس لو حطوا حاجة في دماغهم هيعملوها ، أنا واثق .. و
ختم جملتـه بصرخة مدوية من فاه عالية وهي تحذيره :
-مراد حاسب !!
دار موقد السيارة بحذر لقرب الرصيف إثر انفجار اطار سيارته المفاجئ وسالها بلهفة :
-أنتِ كويسه ؟!
بوجهها الشاحب وأنفاسها المتصاعدة أومأت بالايجاب ثم استجمعت شتات صوتها وسألته :
-هو فيه أيه ؟!
مسح على رأسها بحنو وبيده الأخرى احتوى جوفها المنتفخ ، وبث بنظراته الأمان بقلبها :
-أنتوا بخير مش كده ؟! في حاجة بتوجعك .. !!
وضعت كفها على صدرها المتراقص لأعلى ولأسفل :
-لا ياحبيبي اطمن .. بس حصل إيه ؟!
فك حزام الأمان وهو يقول :
-العجلات واضح في مشكلة هشوفها وارجع لك ، خليكي مكانك متتحركيش ..
-طيب مراد خلي بالك ..
هبط من سيارته لفحص الإطار النائم أرضًا ، جثى على ركبتـه ليستكشف سبب انفجاره المفاجئ ولكنه صُدم بورقة مثبته بحديد الإطار ، فتح الورقة بفضول ليقرأ ما بها ، إذًا برسالة تهديد جديدة :
-” مضطر تمشي في طريقنا لو يهمك حياة مراتك وابنك ”
لم تطق عالية الانتظار فهبطت إليه بعجلةٍ :
-مراد !!! هتعرف تحلها ؟
قفل قبضته على الورقة ووثب ملهوفًا وهي يفحص المكان بعينيه ويحاصرها بمرفقيه وهو يفتح لها باب السيارة بنفسه :
-تعالى تعالى جوه العربية نطلب أوبر لحد ما يجي حد من الشباب ياخدها ..
******
ترأس طاولة اجتماع مجلس إدارة مجموعات دويدار بشمـوخ وكبرياء يخشاه الحجـر ، اتكئ بمرفقيه على سطح المنضدة وقال بحزم :
-الأوامر هنا بتتاخد مني أنا ، وبعد مني البشمهندس تميـم ..
تدخل الرجل الغامض التابع لشاكر :
-طيب وشاكر بيه يا ..
بنظرة صقـرية اندلعت من عيني عاصي جعلت الرجل يبتلع باقي الكلمـات بحلقـه ، أكمل عاصي موضحًا :
-اظن عرفتوا مين الكبير هنـا ؟!!
ثم عاد النظر إلى نفس الرجل:
-ومفيش حاجة اسمها شاكر بيه هنا ، ده سوء تفاهم وهيتحل النهاردة ..
تدخل مسؤول الحسابات :
-طيب والاوامر اللي صدرت !!
رد بحسم :
-معدووومة .. ومش عايز كلام زيادة ، وأي أمر يترجع لي فيه ، مش عايز حد يتصـرف من دماغـه ، مفهوم !
اقتحم ” شاكر ” مجلسـهم بجمرات غضبه من مجيء عاصي ، هب منفعلًا :
-أنت فاكر أن المجموعة مفهاش كبير عشان تعقد اجتماعات من وراه ؟!!
تراجع بمقعده للخلف واضعًا ساق فوق الأخرى ليجيبه بتمرد :
-لا ازاي ملهاش كبير ، منا قُدامك أهو !
اقترب ” شاكر ” معلنًا الحرب عليه :
-بصفتك مين !
نهض كالجبال الشامخ من مقعده جاهرًا :
-عاصي شهاب دويدار المالك الفعلي لكل مجموعات دويدار واللي ينوبه تميم دويدار ..
ثم خفض نبرته قائلًا :
-قلت لي أنت هنـا بصفتك مين ؟!!
ثم اشار بعينيه لأحد رجاله كي يفض الاجتماع، تسللوا واحد وراء الأخر حتى قفل الباب خلف أخر شخص منهم ، عاد عاصي لعمه بنفس النظرة الحادة:
-مسمعتش صوتك يعني ؟!
تحداه شاكر قائلًا :
-بلاش تنفش ريشك علينا ، كلنا عارفين أن حربك خسرانة يا عاصي ..
-وأنت حكمت على نتيجة الحرب دي من قبل ما نبتدي ، طيب سيبني امسك سيفي ونشوف !!
ثم دنى منه خطوة أخرى واتبع :
-واللي انت شايفه ريش ده ، أحب أقولك أنه سور من حديد يا ويل اللي يفكر يجي عليه .
باغتـه عاصي بقبضة قوية حاصرت قصبته الهوائية فجأة وبنبرة أقوى من الأخرى :
-عبلة الله يرحمها فضلت شايلة هم اليوم ده سنين وسنين ، ولسوء حظكم ربت وزرعت فيا عداوتكم نفـر نفـر .. متخيلة مصيركم أيه ؟!!
انقطعت أنفاس شاكر وهو يتلوى متأملًا محاولًا أخذ النجاة بأخر لحظات عمره ، أكمل عاصي ولكن تلك المرة كانت نبرته منخفضة ولكنها حادة :
-لأخر مرة بقولهالك ارجعوا مكان ما جيتوا وألا هرجعكم أنا بس على مدافن العيلة مش بيوتكم ..
دفعه عاصي بكل قوته للوراء وحرره من قبضته الحديدية وأكمل :
-٤٨ ساعة ، وملمحش طيف واحد منكم هنا ..
أصاب السُعال حنجرته إثر القبضة القوية عليها ولكنه لم يستسلم ولن ينسحب من معركتـه بل اشار متوعدًا وهي يهرول ليهرب من نظرات النمر أثناء صيد فريسته :
-هتشوف !! هتشوف يا عاصي ..
طاحت يد عاصي بالمقعد الجلدي فسقط أرضًا ، لم ينغمس كثيراً في توعده لأعمامه ولكنه انصت لصوت جرس هاتفه حيث اجاب متأففًا :
-في ايه !!
أتاه الصوت مترددًا :
-عاصي بيه ، حصلت حاجة ولازم يكون عندك علم بيها ..
بنفاذ صبر وهو يجلس على اقرب مقعد :
-انجز ..
-الموضوع بخصوص رسيل هانم …..

 
    google-playkhamsatmostaqltradent