رواية غوي بعصيانه قلبي الفصل السابع و الستون 67 - بقلم نهال مصطفي
🦋الفصـل السادس🦋
أصعب ما قيل عن التجاوز :
”يتحدثون عن التجاوز بسلاسة ثوب يُخلع، فيما هو جِلد يُسلخ لِتكشف عن جرحك ثم تمشي عليه من جديد، لكن هذه المرة مُتقمصًا دور الناجي، لعلك تنجو، ولن تنجو بكلك، سيبقى بعضك وفيًا لحزنك”.
-مش مرتاح لك يا نوران …!! اعترفي .
أردف تميم جملته الأخيرة عندما صعد وراء نوران التي أبرأت ذمتها من كل شيء كبراءة الذئب من دم ابن يعقوب .. وهذا الأمر لم يمر مرور الكرام على دهاء تميم ومعرفته الجيدة لأفكار نوران .. تركت الهاتف من يدها :
-الله يا تميم اعترف بحاجة معملتهاش يعني ؟!
ابتلع تميـم ابتسامته وقال :
-قولتِ أيه لحيـاة خلاها تيجي على ملا وشها كده !
تنهدت بنفاذ صبر :
-ده كان عمل خيري ، أنت ليـه حاططني في موضع اتهام كده !
عض على شفته ثم أتبع :
-أيوة .. ويطلع أيه العمـل الخيري ده !!
ردت بهدوء كأنها لم تفعل شيء:
-يرضيك أشوف حيـة بتلف على راجل متجوز واسكت .. تؤ !! ده حتى يبقى حرام عليـا يا تيمو .
أجابها مسايسًا :
-طيبة قلبك دي هي الـ هتغرقنـا .. هااه وتطلع مين الحية دي ..
دنت منـه هامسة بصوت خفيض كي لا أحد يسمعها وسردت على آذانه ما حدث بالتفصيل الممل ، حتى حتمت حديثها قائلة :
-غلطت أنا كده !!
أجابهـا بنظراته الانتقاميـة التي لا تعي ما ستفعله معها :
-لا خالص ، أنتِ ولعتي الدنيا بس ..
ثم غير نبرته واعظًا :
-وبعدين بدل ما تحذرى عاصي ، روحتي فتنتي لحياة !! أنت ياشيخة منك لله ..
اتسع بؤبؤ عينيها ببراءة :
-أنا دايما في صف المرأة ومناصرة لها لأخر نفس !! ده جزاتي عشان خايفـة عليها لتخطفه منها اللي ما تتسمى دي !!
انفعل تميم قائلًا بتعجبٍ :
-وهو عيل صغير !! أي واحدة تشاورله هيروح لها !!
-دي حركات بنات !! مايقدرش عليها غير البنات اللي زينا .. وأنتوا كرجالة على الله حكايتكم ، سيبنا نحافظ عليكم بطريقتنا ..
ثم زفرت باختناق من التفاوض معه :
-تميم شكلك مش مقتنع .. روح شوف مراتك اللي نايمة غيبوبة دي وسيبني بقا عشان بفكر في حاجة كده ..
حدجها بأعينه العاجزة :
-ما هي الكارثة كلها في انك بتفكري … عارفة لو مابتفكريش كنت عذرتك .. ربنا يهديكي على دماغك دي اللي مسوحاكي ومسوحانا معاها ..
انكمشت ملامحها المعارضة بعتبٍ :
-كده !! دي جزاتي وأنا بلم وراكم !! هي دي متشكرين يا نوران يا عاقلة !! هو الخير راح فين الزمن ده !!
-أنا همشي قبل ما اتهور وازعلك ..
“~ بالأسفل ….”
-“أدينـا بقينـا لوحدينـا .. اتفضلي اتكلمي يلا ، سامعك ومش هقاطعك .. وبلاش لف ودوران يا حياة .. أنا خلاص مبقتش متحمل الطريقة دي . ”
نفذت قدرته على التحمل من صمتهـا القاتل الذي اغتال صبره ، فقال جملته الأخيرة بتنهيدة قوية اندلعت من صدره .. وضعت في موقفٍ لا تُحسـد عليه .. لم تضع في حسبانها تلك اللحظة وذلك السؤال الذي يجعلها واقفة أمامه كتلميذة بليدة ، الغيرة سيطرت على فكرها حتى بات المجيئ إليه هدفها الأساسي والباقي سهلًا .. بللت حلقها وقالت بصوت متهدج ململة شتـات قوتها بالحجج الفارغة :
-انتَ بتزعق ليه ! أنا عمري ما هعرف اتكلم مع حد بالأسلوب ده ! وده بقا أسلوبك الفترة الأخيرة.. وجاي تحاسبني أنا على أسلوبي قال أيه مش عاجبك .. عاصي أنا عايزة أروح .
لم تكن حياةً كانت كارِثةً لا تُغتفر في عنادها .. جز على فكيـه بجزعٍ :
-حياة ، متختبريش صبري أكتر من كده .. وبطلي لف ودوران ، الحركات دي أنا حافظها كويس أوي ..
ثم دنى خطوة واحدة لعندها وأخفض نبرته اليقينية :
-مخبيـة عني أيه يا حياة؟!!
ردت على مضضٍ :
-مش مخبية حاجة !!
انفجر بوجهها بحدة :
-لا مخبية ..
فـزفر غاضبًا ثم عاد مسايسًا :
-طيب تقصدي أيه بأخر حاجة قولتيها .. عملت أيه أنا مشقلب حالك للدرجة دي !
احتدت نبرة صوتها معاندة أكثر :
-ما بلاش اللعبة دي وتعالى نبدل الأدوار ، وتقول لي أنت اللي مخبي عليا أيه يا عاصي ؟
ثم اقتربت منه حتى امتزجت أنفاسهم المشحونة بالحب والحنق :
-يمكن تكون دي آخر فرصة عشان اسامحك !
-يعني فعلا زعلانة ومخبية ! والمفروض أنا أنجم ولا أوشوش الودع عشان أعرف سيادتك زعلانة ليه !!
كور يده حتى برزت عروقه كي لا يغلبَه الغضب فيفعل ما يستقبحه ، فشلت عينيه في قراءة مقلتيها الدامعـة حيث خرج عن صمته قائلًا :
-شوفي يا حياة، يا أما تيجي معايا دوغري واديكي عذر واحد على كل الجنان اللي معيشنا فيه من يومين .. يا إما هضطر أحاسبك على كل كلمة قولتيها !! وساعتها محدش هيزعل بجد غيرك .
لم أدرك يومًا أن في الجسد جسدان إلا عندما احترتُ بين الرحيل و البقاء ، بين عقلي وقلبي .. لم املك القدرة على الكراهية وأنا مُغرمة .. أقف أمامك وأنا اسأل كيف أعيش معك أو بدونك ..؟!
أخشى أن أفتش لك أثر طعنتك بقلبي فاخسرك للأبد ، أعلم أن مواجهة الأحبة فراق حتمى وأنا وقلبي لن نهيأ لتلك المعركة بعد ، كل ما أنا عليه هو محاولة آخيرة للحفاظ على حبنا .. أخذت تعض على شفتها حتى قالت متأففـة وهي تفتح هاتفها وبالأخص صورته مع شيرين كي تهرب من مأزق استجوابـه :
-تقدر تقول لي إيه المسخرة دي !! ازاي أصلا سامح لها تقف جمبك كده !!
ثم غرزت سبابتها بصدره :
-جيت اقولك لو حابب ترجع للتصرفات الز**بالة دي ، ارجع لها بس وانا مش على ذمتك .. لكن
فشدت كفه وشاورت على محبس زواجهما :
-طول ما أنتَ لابس دبلتي يبقى تحترمني .. وتخلي بالك من كل تصرفاتك ، عشان انا مش الست المغفلة اللي تشوف العك ده وتعديه !! انا رسيـل ، رسيل المصري يا عاصي ..
اضطر أن يبتعد خطـوة ليفسح مجالًا للصدمـة من سذاجتها ثم قنبلة الضحك المتفجرة من شدقه ، عاد ليتحدث ولكن فشل إثر سيطرة الضحك عليه الذي اشعل نيران غضبها :
-والله !! يا ترى أيه في كلامي يضحك كده ..
ثم تأهبت للمغادرة :
-تمام ، انا ماشية عشان يخلى لك الجو مع الهانم ولينا بيت نتكلم فيه .
أمسك بمرفقها كي يمنع رحيلها بوجهه الضاحك :
-لا .. حياة خدي هنا بس تعالى ..
توقفت على مضض متأففة :
-افندم !!!
قال في حدة مندهشًا ليؤكد ظنونه :
-حياة أنتِ الغيرة جابتك من الغردقة لحد هنا الساعة دي ؟!!
جحظت عينيها بغرور التمرد :
-ايه !! لا طبعـا .. غيرة أيه ؟! ومين قالك إني غيرانة ولا جاية عشانك !!
ثم وقفت أمامه بثبات :
-أنا جاية هنا شغل .. بلاش عقلك يوهمك بحاجات مش موجودة .. وقولت بالمرة أعدي عليك وأفكرك أنك متجوز وفي واحدة ست على ذمتك !
لمعت عينيه عندما لمست الغيرة قلبه المنطفئ نحوها فأصبح قمرًا ساطعًا :
-حياة .. دا أنتِ مغيرتيش حتى هدوم الصُبح !! لا بجد مش متخيل أن عقلك طلع صغيرة للدرجة دي ؟!
ثم عقد حاجبيه متحيرًا :
-بس اللي عايز افهمه ، إمبارح مش عايزة اخلف ومش طايقاني !! والنهاردة جاية جري من الغردقة لمجرد صورة شوفتيها !!
ثم وضع يده على جبهتها :
-طيب أنتِ سخنة ولا دي هرمونات ولا ده اسمه ايه !! انا عايز افهم .. عشان أعرف اتعامل !!
انهزم كبريائها أمامه ، فأصرت على موقفها قائلة :
-قلت مش بغير عليك وأنت فعلا ولا تهمني ، ومجيتي هنا ملهاش علاقة بيك .. افهم بقى .. بقول لك شغل .
أصر بتحدٍ:
-والغيـرة اللي هتطق من عيونك دي ! دي هتحرقني وانا واقف قصادك !
ضجرت من اصراره ، فجزت على فكيها بضعف موقف :
-مش غيرانة ! وعشان اثبت لك ماشية أهو عشان تاخد راحتك .
وقف أمامها ليعوق خُطاها ، مستسلما :
-خلاص يا ستي مش غيرانة وانا مش بشوف ولا بفهم ولا بقرأ العيون اللي زي القمر دي ..
ثم مال نحوها :
-فين الشغل ده بقا عشان نروحه سوا الصبح .. يعني أوصل لك .
تأرجحت عينيها بتوتر إثر وقوعها في فخ أكاذيبها :
-وأنت مالك !! .. مش المفروض اننا أخصام في سوق واحد ، عايز تعرف خط سير شغلي ليه !! ولا خايف تخسر قُدامي .. لا ألعب غيرها .. أنا بنت سوق وعارفة الحركات دي كويس أوي .
أسبل عيونه الماكرة وقال مسايسـًا :
-أنتِ صح .. في دي عندك حق ، أسرق أفكارك واستغلها !!.. بس من حقي كزوج أعرف الشغل ده هتروحي له امتى !
ردت بتوجس :
-الصبح ..
أومأ بالإيجاب :
-طيب وقررتي هتباتي فين للصبح !!
-ميخصكش .. أنا هتصرف .
ثم رمقته بتوعد :
-خليك مع مشاكل عمامك وبناتهم وانا متشلش همي مش هعطلك .. اوعا من طريقي يا عاصي .
جاءه اتصال تميـم في تلك اللحظة ؛ أمسك كفها بقوة كي لا تهرب منه ورمقها بنظراته التحذيرية وهو يرد على أخيه قائلا بتوجس :
-أيوة يا تميم ..
يراقبه من أعلى وقال ممازحًا :
-شايف الموضوع كبير ومعصلج ، تحب أي تدخل قيادي !! أنا في الخدمة !
ابتسم بخفوت ثم تحولت نظرته التحذيرية لأخرى ماكرة :
-مفيش حاجة تعصلج مع عاصي دويدار ، حتى ولو كانت سمكة قرش ..
-منك نتعلم .. عموما أنا مكلمك عشان اقولك هنام .. مش هستناهم أكتر من كده ، وانت كمان نام والصبح نشوف أخرتهـم …
لم تتحرك عينيها الغاضبـة عنّه منتظرة أن ينهي مكالمته .. فصرخت بوجهه كالطفل الثرثارة :
-سمكة القرش دي اللي هي انا صح !! طيب وسع كده من قدامي. ..
ثم شدت ذراعها بقوة وهي توبخه صارخة :
-انا غلطانة اصلا ، وبعدين متمسكش ايدي كده مرة تانية ، بتوجعني يا أخى !!!
نفذ صبره منها ومن عنادها .. وثرثرتها الغير مبررة ، فحملها بغتة بين يديه كي يتمكن من السيطرة عليها .. حركت قدميها في الهواء متمردة :
-عاصي نزلني !! أنت بتعمل أيه !! بقولك مش هينفع كده !!
-عشان أنتِ الكلام مش نافع معاكي ..
هناك أعين متلصصة تقتنصهم من أعلى ، لمعت عيني نوران بفرحة وهي تخرج لسانها للاختين الواقفتين بالشرفة المجاورة ثم قالت بشماتة :
-هي ماما ماقالتش كيخ عيب ناخد الحاجة اللي مش بتاعتنا … يلا يا حبيبتي روحي نامي وخدي فوار .
تحول قلب شيرين لجمرة من النار عند رؤيتهما معًا .. ونفس النيران الغاضبة انصبت بقلب شهد التي أحست بانتصار نوران عليها ، تمتمت بتوعد :
-البنت دي لازم تتربى !!!!! ويا أنا يا هي .
فتح عاصي باب سيارته ووضع بداخلها حياة وقفل الباب بقوة قائلًا بنبرة لا تقبل الجدال :
-تستنيني هنا ، هجيب حاجتي وجاي .. متتحركيش .
ثم رمقها بأعينه المحذرة :
-عشان الجنان بتاعك ده لازم اعرف اخرته النهاردة ..
كادت أن تعارضه ولكنه ألجمها ناهيًا بكفه وأعينه الحادة :
-ولا كلمة …
انصرف من أمامها قبل أن يمنحها الفرصـة للرد .. جلست بالسيارة وهي تضرب ارضها بقوة وتعاتب نفسها و قالت بعبط المغرور :
-غبية !! يعني ازاي مفكرتيش أنه هيكشفك بسهولة ! وبعدين انا مش غيرانة ولا حاجة تشبع بيه !! الله يسامحك يا نوران ، طيرتي عقلي لحد ما جيت على ملا وشي وبوظت الدنيا .. طيب هو بيحبني ولا لا ؟!! أنا لازم أعرف مش هفضل بين نارين كده !!
-بتتخانقي مع نفسك ليه ؟!
قال جملته وهو يستقل السيارة بجوارها ، فهبت بوجهه :
-ليه مجنونة عشان اتخانق مع نفسي كمان !! قول إني مجنونة !! .
شرع بتشغيل سيارته ثم قال ساخرا :
-انا شفت معاكي كل فصول السنة في يوم بس .. مش مستبعد أي حاجة الصراحة .
حدجته بضيق :
-طيب .. أحنا رايحين على فين كده !!
دار بموقد السيارة وأجابها :
-هوصلك على أقرب فندق ..
ثم ناظرها بأعينه المتخابثة :
-عشان تلحقي شغلك الصبح !
اتكأت للوراء وشدت حزام الأمان مقررة أن تلاعبه بنفس ألاعيبه :
-تمام .. هتوصلني وترجع مش كده !عشان أنا مش حابة اروح معاك أي مكان معاك .
رفع حاجبه بخبث :
-اللي أنتِ عايزاه انا هعمله .. آكيد مش هجبرك .
ثارت بوجهه وكأن قلبها يعلن براءته مما يقوله لسانها العاصي له :
-توصلني وترجع .. حابة اقعد لوحدي وكمان عشان الهانم متستناش كتير ..
-أي هانم !! قصدك على شيرين !!
حياة بغل وهي تسحب هاتفـه بدون اذنه بهدوء ملحوظ :
-وهو في غيرها !! هي ست شيرين دي اللي طلعت لي في البخت ..
فتحت الهاتف باحثه عن تطبيق ” الواتس آب ” ، فسألها بحيرة :
-بتدوري على أيه في موبايلي !
تجاهلت النظر إليـه وجهرت صارخة :
-ركز في السواقـة بس وياريت ما تتكلمش معايا من أصلو يا عاصي عشان أنا مش طايقاك النهاردة ..
رد ساخرًا :
-وبالنسبة لإمبارح كنتي وخداني بالحضن !
ثم تغيرت نبرة صوتها من الشكوى للتوبيخ :
-الله؟!!! وكمان اخدتوا ارقام بعض .. وبتجددوا الذكريات ، وبتبعتلكم صوركم القديمة سوا .. وتقول لي فاهمة غلط .. باقي أيه كمان يا عاصي بيه ، بص لي كده !! انا عايزة اطلق دلوقتي وكل كلمة قلتها كانت في محلها .. انا مش عايزة اعيش مع واحد خاين زيك .
دارت إليه وأتبعت :
-طبعا وبعدتني عن القصر عشان يخلى لكم الجو .. البنت دي يتعملها بلوك يا عاصي ياما مش هتشوف وشي تاني .. وتلكيك اااه انا بتلككك .. انت مش بتتكلم ليه بص لي هنا .. ومتزودش سرعة العربية عشان بتوتر ……
احتدت ملامحه وجحظت عيناه وهو يحاول ان يسيطر علي موقد السيارة ويقول بارتباك :
-حياة .. فرامل العربية فلت ..
تحول صراخ غضبها منه لـ صراخ خوفها عليه :
-يعني ايه ؟! عاصي خلى بالك ..
صاح خوفا عليها :
-ارجعي بالكرسي لروا ..
قفز الرعب من عينيها وهي تراقب معه الطريق بثرثرة :
-خلي بالك يا عاصي .. دي هتقف ازاي !!
هتف بحدة وهو يخترق صفوف السيارات بحرفية :
-بقولك ارجعي لورا عشان متتأذيش ..
بكل قوته دار بيساره موقد السيارة وكانت يمينه سدًا منيعًا أمام صدرها ليضمن سلامتها .. في لحظة واحدة دخل بوجه سيارته في أحد صفائح القمامة عندما استسلمت هي للقدر الواقع لا محالة مغمضة عينيها فليحدث ما يحدث لقد انتهت حلول المرء نحن الآن معلقون بحبال القدر ..
اصطدمت السيارة بالصندوق الحديدي ، مرت لحظات حتى أدركت ما حدث ، فتحت جفونها بتثاقل إثر ازدحام المارة حول السيارة ، فأول ما بحثت عنه كان عاصي الذي فقد وعيه إثر الاصطدام .. فكت الحزام بفرغ متناسية جملة غضبها منه وهي تصرخ باسمه :
-عاصي … عاصي انت ما بتردش ليه !! عشان خاطري رد عليا..
ثم اخرجت رأسها من النافذة تستغيـث وهي تلهث باكية :
-ياناس حد يلحقنا .. هو ما بيردش ليه !! عاصي عشان خاطري فتح عينك انا اسفة والله مش هزعلك تاني .. عاصي قوم متعملش فيا كده ..
صاحت مرة ثانية وهى تهبط من السيارة لتركض عنده :
-حد يطلب الاسعاف بسرعة ..
ثم تراجعت وأخذت زجاجة الماء من أحدى الفتيات ، فتحت باب سيارته وأخذت تمسح فوق ملامحه بالماء البارد بكفوف مرتعشـة لا تختلف عن رعشة انفاسها .. توقف ابهامها على جرحه الدامي فوق حاجبه فجن جنونها وشعرت بأنها ستفقد للأبد .. حالة من الضعف والعجز والخوف خيمت على صرخاتها وهي تطلب المساعدة من أحد الرجال ، ضمتها السيدة لحضنها وفسحت مجالًا للرجلين :
-هو ما بيتكلمش ليه ؟! ده مش بيرد عليا !! عاصي قوم بقا وبطل الحركات دي ؟!!!
تراقصت جفونه بتثاقل وهو يهذى باسمها ، فصاح الرجل قائلًا :
-فاق فاق ، انت حياة ؟!
ركضت لعنده بحالة من الانهيار لا توصف وهي تجفف الماء عن وجهه ، فتتقطر مياه دموعها فوقهم مرة ثانية :
-حبيبي انا هنـا .. انت كويس مش كده !!
فتح جفونه الضبابية وحاول أن يعتدل في جلسته متأوهًا ، فسبقته :
-قول لي فين بيوجعك !! حبيبي أنت كويس ! شايفني ..
تنهد بكلل وهزل :
-أنتِ كويسة مش كده !!
تدخل أحد الرجال مقترحًا :
-المستشفى قريبة من هنا .. تعالو اوصلكم ….
*******
-أنتِ هتفضلي تندبي كده زي المطلقين ! مالك ما أحنا عارفين أنه متنيل على عينـه ومتجوز .. بس البنت السموية اللي اسمها نوران دي هي اللي بعتت لمراتـه ، أنا متأكدة
تجوب شهد الغرفة ذهابًا وإيابًا بغضب يحترق من بين خطواتها ، انفجرت شهد بأختها الصامتـة التي تجلس بجوارها تندم حظها ، حتى ختمت جملتها قائلة :
-يعني الراجل مراته ميته ليها اكتر من ٦ سنين وكان مقضيها سداح مداح ، كنت فين طول الفترة دي !! جاية تحبيه بعد ما اتجوز ..
رفعت شيرين جفونها الباكية وسألتها بيأس :
-آكيد بيحبها .. الست اللي تقنع رجل زي عاصى إنه يتجوزها ويسيب مكانه وبيته ويعيش معاها في بلدها يبقى أكيد بيعشقها كمان ..
ثم انخرطت دموعها :
-أنا بجد بحسدها .. شوفتي ده مستحملش زعلها ولا أنه يسيبها تمشي زعلانة ..
ردت شهد بضيق :
-شفت يا اختى راح لافحها على أيده وواخدها ومشيوا ..
ثم تبدلت نظرتها للشفقة :
-شيرين ما تفكك منه بجد .. حاسة أن طريقه متقفل ضبه ومفتاح .. وكل محاولاتنا هتنزل على فشوش .
ردت الأخرى بانفعال :
-متقوليش كده ، أنا وافقت بس بابا وعمو شاكر عشان دي فرصتي الأخيرة اثبت فيها لعاصي حبي .. انا مبقاش عندي فرص تانية ..
ثم وقفت أمام أختها وقالت بـ يقين :
-أنا قررت اعترف لعاصي .. المواجهة هي أسلم حل .
قفلت شهد جفونها بإغتياظ :
-انا همشي قبل ما اتشل ….
******
“السـاعـة الثالثـة فجرًا ”
-يعني هو كويس يا دكتور !
ابتسم الطبيب بـانبهار واندهاش لدرجة حبها التى جننته طوال فترة فحصه بالمشفى.. وجه الطبيب حديثـه لعاصي الجالس ذو اليد المعلقة بشريطة طبية برقبته وقال :
-المدام كانت هتتجنن عليك وجنتت كل الممرضات اللي في النبطشية ، واضح أنها بتحبك أوي .
رفع جفونه اللامعة إليها .. فباغتته متسائلة :
-ينفع يخرج دلوقتي !!
رد الطبيب برتابة :
-إحنا عملنا كل الفوحصات ، والجزع اللي في أيده بسيط الحمد لله ، المهم يرتاح في البيت .. تقدروا تتفضلو ..
اقتربت من سريره الطبي الجالس فوقـه واحتوت وجهه بكفوفها الناعمة وهي تفيض حبًا وخوفًا بين يديه وسالته :
-في حاجة بتوجعك ، اجيبلك دكتور ! طيب أنتَ كويس مش كده !
ضمها من خصرها بيمينه وقال بهدوء :
-الدكتور طمنك أهو .. يلا نمشي !
ردت ملهفوفة :
-طيب هتقدر تمشي ولا اجيبلك كرسي مـ …
قاطعها مندهشًا وهو يقف على قدميه أمامها :
-في أيه يا حياة ! منا زي الحصان قدامك أهو .. يالا .
لفت ذراعه حول عنقـها وضمت خصره :
-طيب أسند عليـا .. وامشى بالراحة ، على مهلك .. خطوة خطوة .
نفذ صبره من رعايتها المبالغة حتى مال على مسامعها وقال :
-حياتي أنا زي الفل قدامك أهو ، مفيش لازمة لكل ده .
ردت بحدة لا تقبل الاعتراض :
-عاصي اسمع الكلام ومش من أولها هتعاند وتقاوح كده والله اخلي الدكتور يحجزك شهر في المستشفى …
أجابها مستسلمًا :
-وعلى أيه .. الطيب أحسن .
وصل الثنائي إلى أحد الغُرف بالفنـدق ، أخذت تفحص الأدوية باهتمام ثم سألته :
-في حاجة بتوجعك !
اتكأ على وسادته متلذذًا باهتمامها الزائد به وقال بدلال:
-اه ..
تركت ما بيدها واندفعت نحوه :
-اكلم الدكتور، انا اخدت رقمـه ..
ضحك منه ملء الفم وسألها وهو يُطيل النظر بتلك الأعين التي تجذبه كمغناطيس قوي و ليقضى على كل شكوكه :
-خايفة عليـا للدرجة دي ؟!
مسحت على جبهته وشعره بكفها المنتفض وأجابته باكية :
-كنت هتجنن عليك .. فجاة لقيت نفسي لوحدي ، بدور عليك عشان تستندي بس أنت مش موجود ، ودكاترة وممرضين بيفحصوك .. عقلى كان هيشت مني .
ثم جففت عِبراتها سريعـًا واردفت بارتباك:
-تحب أعملك أيه !! تحب تاخد شاور الأول أساعدك .. ولا تحب تاكل تاني اطلبك أكل ؟! لالا أنت ممكن تنام شوية عشان ترتاح .. صح .
ما كادت أن تنهض ولكنـه منع رحيلها وسألها :
-على فين ؟!
-أنا موجودة جمبك مش هتحرك ، مش هروح مكان يعني .
تغللت أنامله في شعرها المنساب وفي عينيه نظرة متحفزة :
-أنا عايز حاجة واحد وبس .
ثم شد كفها لثغره ليعطره بعبير القُبلات وعاود التطلع إليها :
-عايز أنام الليلة دي في حضن مراتي اللي مطلعة عيني ليها فترة .
رق شيء ما في صدرها شيء يشبه فتح النوافـذ لترى شروق الشمس في ليلة باردة .. تغيرت جودة الأيام بعينيها عن لمسها لنظرة حب صادقـة من عينيـه .. تمددت الراحة بقلبها المضطرب ، احتشد الحب بين ثنايا صدرها حتى فاض من عينيها وهي تكرر سؤالها :
-في حاجة بتوجعك ؟!
رد بإختصار :
-أنا كويس ..
هزت رأسها بخفوت ونهضت لتلملم شعرها المنساب وتتخلص من ملابسها الخارجيـة مستعينة بأحد الملابس بالغرفة .. ارتدت زي النـوم القصير واقتربت من مرقده … رفعت الغطاء وجلست بهدوء ثم بسطت كفها إليه وأشارت له أن يأتى لحضنها كما أعتاد أن ينام بداخلـه .. قبل ندائها براحة تامة ولكنها تراجع للحظة عاد فيها ليحرر شعرها الذي يلفت حول قلبه فيمنحـه شعورًا بالدفء ..
بادلته بابتسامة خفيفة متناسية كل ما يغضبها منه واستقبلته في حضنها بضمة أم .. شرعت أناملها تتحرك بين جدائل شعـره فتبث بجروحه زهورًا طاردة لكل طباعه القاسية التي تخلص منها يومًا بعض يومًا تحت مظلة حنانها المفرط .. قرر الاثنان أن يعيشـا ليلة صامتة خالية من العتاب والشجار ولا يحاصرها إلا عطر الحُب والكثير من القُبلات .
******
~صباحًا .
-شمس يلا قومي افطري .. أنا بعتت أجيبلك الفطار اللي بتحبيـه ..
أخذ يفتح في الحقائب المغلفـة التي يوجد بداخلهـا الفول والفلافل بالأطعمة التي تفضلها .. يأس من عدم ردها ترك ما بيده وذهب لعندهـا .. شد الغطاء من فوقها فتأوهت بصوت يملأه النعاس :
-تميم بقا .. سيبني نايمة شوية كمان !
حملها عنوة متجاهلًا توسلها إليه ورغبتها المُلحة في النـوم .. ذهب إلى الحمام وغسلها وجهها جبرًا وهو يقول :
-أنتِ نايمة من إمبارح العصر ، نوم أيه تاني ..
ابتسمت بدلال وهي تشد المنشفة وتجفف الماء من فوق ملامحها :
-طيب وفيها أيه ، هو النوم على جمرك !!
ثم رمت المنشفـة على كتفه وقالت :
-بذمتك مش مرتاح من صداعي طول منا نايمة !
رد مداعبًا :
-منا زهقت ، مش لاقي حد اناكف فيه طول الليل ، والهانم غيبوبة جمبي ..
ثم زفر بعجلٍ :
-لا بقولك أيه كده ، هنقضيها رغي ، الفلافل اللي جبتها هتبرد .. يلا ناكل وبعدين نشوف حل للنـوم ده ..
جذبها من يدها بالإجبار حتى لم يهتم لرغبتها لأخذ حمامًا دافئًا .. جلست معه بجوار الشرفة المُطلة على الحديقة وبلهفة فتشت الحقائب منبهرة :
-الله وكمان الطحينة اللي بحبها !
مد لها الخبز المحشـو بأقراص الطعمية وما أن وصلت الرائحة لجوفها تركتها وركضت واضعة كفها على فمها لتتقيأ بالمرحاض .. تسرب القلق إلى قلبه وترك الطعام مضطربًا :
-ده أيه ده بقا ..
ثم ذهب إليهـا وهتف :
-لا كده الموضوع زاد عن حده !! في أيه !
جففت فمها وهي تتصبب عرقًا ثم قالت بشكٍ :
-مش عارفـة .. أنا شاكـة في حاجة كده وبحاول اتجاهل ليا فترة ، بس ..
انعقدت ملامحه بقلق وهو يجفف قطرات العرق من فوق جبهتها :
-في أيه يا شمس !! شاكة في أيه يا حبيبتي .. تحبي ننزل نعمل تشيك آب ؟!
-لالا يا تميـم ، الموضوع مش مستاهل القلق ده كله ..
ثم زفر على مضض وتردد :
-مش عارفة أقول لك ولا لا .. بس
-شمس اتكلمي على طول في أيه ؟!
اتسعت ابتسامتها العريضة ولمعت عينيها بحماس وهي تخبره :
-تمـيم أنا حاسة أن الأعراض دي كلها ، أعراض حمـل .. بص أنا مش متأكدة بس في حاجة توحي بكده ..
توقف عقله عن الادراك وقال ببلاهة :
-أيوة يعني ده حاجة تقلق !! المرض ده خطر ..
اطلقت ضحكة ساخرة وهي تداعب ملامحه:
-مرض أيه يا تيمو .. بقول لك أعراض حمـل ..
تأرجحت عينيها منتظرة رد فعله ، تسمر بمكانه محاول إدراك تلك الفرحة العارمة التي هبطت فوق رأسه من السماء، بلل حلقه الذي جف من هول الفرحة وأخذ يمرر كفه على بطنها ويتأكد مما قالته :
-يعني ايه حمل حمل !! يعني جوه هنا في بيبي صغير !!
برجلت الفرحة ملامحه التي تحولت لضياء منبعث ينافس المصابيح فوقـه .. يتصبب عرقًا وحماسًا ، تارة يضحك وطورًا ما يبتلع الكلمات بقلبه ، تنهد بسرور بالغ :
-شمس أنتِ حامل بجد !!
عانقته بحبٍ متدللة وهي تحاول أن تهدئه :
-تميم استنى ، بقول لك احتمال ، أحنا لسه متأكدناش ..
سيل من التنهيدات المتتالية وهو يجمع الحديث بفمه :
-ونتأكد ازاي ؟! والمفروض النتيجة تطلع أمتى ..
ثم شدها من يدها :
-تعالى نروح لدكتور حالاً ..
-استنى بس .. أحنا ممكن نجيب test من الصيدلية الأول .. وبعدين نروح لدكتور .
هب ملهوفًا بعد ما نالت ملامحها قبلتين متتاليتين وقال بحماس :
-طيب اقعدي ارتاحي .. هروح أجيبه وارجع .. حالا مش هتاخر ..
تحرك ليأخذ حافظة نقوده ولكن العجلة غيبت رشده فأخذ بدلًا منها ريموت التليفزيون .. عاد مرة أخرى ليصحح اختياره تحت مظلة نظرات شمس الضاحكة على لهفته وفرحته التي أسكرت علقه وقالت :
-حبيبي مش كده ركز ..
-متشغليش بالك أنا هتصرف ، ارتاحي هااه ارتاحي .
قال جملته وهو يغادر الغرفة ركضًا لا يمكن لأحد أن يوقفـه أو يقف بوجه صاروخ سعادته ..بإمكان المرء أن يتحمل الألاف من كلمة ” أحبك ” بصوت حبيبه .. ولكنه لا ينسى تلك الرعشـة التي مصدرها صوت سعادتك لا تنسى أبدًا ..
-ماله ده زي القطر واخد في وشه وماشي !
أردفت سميرة جملتها الاعتراضية على مسامع ابنتها شهد التي تتساير معها .. طافت عيني الابنة بتخبث :
-في حاجة بتحصل في البيت ده وأنا لازم أعرفها !!
ثم جهرت قائلة
-بابا وعمو فين من إمبارح مالهمش أثر !
تنهدت سميرة برتابة :
-والله أنا خايـفة وحاطة أيدي على قلبي من اللي هيجرالنا من ورا أبوكي وعمك .
*******
” عودة إلى الفندق ”
أدق ما قيل في وصف الحُب :
لم أحبّك لجوعي الشديد للحب، و لم أحبّك لتسد فراغات أيامي الكئيبة .. لم أحبّك لأنني وحيدة و أريد ظلاً أُستظلّ به تحت شمس الحياة المحرقة ..
بل أحببتك لأنك أنت، لأنك المكان الآمن، لأن الخوف معك يتلاشى كأنه لم يكن، أحببتك بسجيتك و بعيوبك و ندوبك حتى في اللحظات التي لم تُحبّ نفسك بها أحببتك كثيرًا و رغبت بك كثيرًا دون توقف ..
يتقطر الماء الفاتر من فوق وجهها وهي تحدق النظر بملامحها الشاحبة بالمراة ، تلك الملامح التي عكرت صفوتها الحيرة .. تذكرت تفاصيل حادث ليلة أمس وخوفها الشديد من أنها تفقده للأبـد تلك الخسارة التي لا يمكن أن يعوضها جيش من الرجال بعده !! ماذا ستفعلين يا رسيل ؟! ستختارين الحُب أم رائحته ؟! أخشى أن اختار حبك فأندم !! وأخشى أن اختار رائحته بطفلٍ منك لا يُكفيني !!
كل يوم اتأكد من حبك لي الذي تملأه الفجوات ولكن المرأة ذكية تشم رائحة الحب عن بعد أميال ؟!
وتدرك نظرة الخداع من بين الف وجه ؟!
ما دمت تحبني ؟! لمَ فعلت هذا؟!
لما تركتي في وجه الحيرة أحارب الحياة لوحدي .. !
أمام مرآة الحمام ؛ قفلت جفونها الباكية ونحبت ببكاء مكتوب كي لا يصل صوته لقلبـه .. ثم حررت خفافيش الغضب من قلبها وقالت بصوت متهدج لنفسها :
-وأنا قررت اختار حبك حتى ولو هطلع منه خسرانة .. وهحترم رغبتك يا عاصي ..
تناولت هاتفها وكتبت رسالة نصية لمساعدة الطبيبة تطلب منها اسم دواء لمنع الحمـل بأطراف يدها المرتعشة .. فُتح باب الحمام في نفس اللحظة التي أرسلت فيها الرسالة فقلت هاتفها بسرعة وعادت لتغسل وجهها مرة أخرى كي تمحو آثار الألم..
طوقتها يداه من الخلف وهي تتنقل على سطح بطنها بحُرية تامـة .. قفلت ماء الصنبور وجففت وجهها بالمناديل الورقية وهي تشاهد انعكاس صورتهما بالمرآة ، هناك رجل غارق ببحر الحب حتى الموت وهناك فتـاة يتقاذفها الموج هنا وهناك بدون شفقـة .. بللت حلقـه الجاف وسألته :
-عامل أيه النهاردة ! أحسن ؟!
ردت بنبرة رجل سكير تجرع زجاجة خمر الحب لقعرها وقال :
-بقيت أحسن ..
أومأ بخفوت لاجئة إلى الصمت الذي قطعه بكلمات اعتذاره :
-اعذريني عشان مقدرتش خوفك وقلقك من حادثة امبارح وو
قفلت جفونها متذكرة تفاصيل الساعات الماضية التي مضت على قلبها المحترق وهو يطفئه بالحب قُبلة قُبلة ، فقاطعته قائلة :
-متعتذرش ..
واجه عيونها المنكسرة بالمرآة :
-يعني نفسيتك بقيت أحسن دلوقتي ؟!
تنهدت مجمعة شتاتها وهى تدور كالفراشة حول حصار يده راسمـة ابتسامة من قعر الجرح وسألته :
-دراعك بيوجعك !!
نفذ صبره من اسئلتها المتكررة عن أوجاع ، فنزع رابطة ذراعه الطبية وألقاها بالأرض وقال بمزاح :
-ياستي وادي الشريطة اللي مضايقاكي ومفهماكي طول الوقت إني موجوع ..
بادلته بابتسامة خفيفة وقالت معتذرة :
-اسفة على كل كلمة قولتها في ساعة غضب ، أنت عارف أنا بحبك أد أيه .. ممكن تنسى اليومين اللي فاتوا خالص .. وانا خدت وعد على نفسي مش هزعلك أبدًا ..
-ياسيدي !! وايه اللي حصل عشان اسمع الكلام الحلو ده !
تنهدت وهي تمرر يدها على شريطة الجروح الموجودة فوق حاجبه وقالت بأعين دامعـة :
-حادثة إمبارح فوقتني .. واثبتت لي إني مستحيل اخسرك أو اضحى بحبنا لأي سبب .. عاصي أنتَ طلعتني من البحر وعلى أيدك اكتب لي عُمر جديد ، وانا قررت إني اوهب لك قلبي من وقت ما دق .. اسفـة أنا مهما حصل والله مش هزعلك تاني …
تلقي بإبهامه دمعة منبثقة من طرف عينيها وقال معاتبًا :
-طيب في حد يعيط وهو في حضن حبيبه !
اجهشت ببكاء شديد وهي تعانقه :
-بتخيل لو حصلك حاجة انا كنت هعمل ايه؟!! أنا خلاص مبقتش عايـزة حاجة من الحياة غير وجودك جمبي ..
ثم همست له راجية :
-هطلب منك طلب .. أياك يوم توافق نكون فيه مش مع بعض ..
رجل مثله دومًا ما تخدعه الكلمات وتفر منه في الوقت الذي هو بحاجة لهـا ، لقد كَانت لَحظَة غرق أكثَر مِن كونِهَا لحظة اعتراف .. أدرك وقتها معنى أن المرء خُلق من روحٍ ، روح يعود إليها ليشعـر بالسكينة .. جولة جديدة من الحب بدأت بين قلوبهم ولكن تلك المرة خالية من الحزن والعبرات التي استبدلتها بقبلات جمـة .. وفي تلك الأثناء المليئة باللذة واعتراف الحب ، ضاءت شاشتها بوصل رسالة نصيبة من الطبيبة تصف لها اسم الدواء :
-كل يوم حباية يا مدام حياة ……
*********
يجوب خطاوي الغرفة بقلق وخيم وكل خطوة يليها بصوت دقة خفيفة على الباب منتظرًا نتيجة اختبار الحمل الجديد :
-هاه يا شمس لسه ؟!! أنتِ جوه كل ده بتعملي أيه !!
عاد ليضرب كفوفه ببعضهمـا بتوتر :
-يعني ليه كل ده !!
فتحت الباب بقلق يتقاذف من مقلتيها تركت الاختبار فوق المنضدة وقالت بعد تنهيدة قوية :
-أنا قلقانة ..
أخذها لحضنه ومسح على شعرها وهو في أشد الحالة لمن يواسيه :
-المفروض نعرف أمتى !!
-شويـة كده ..
ثم أشارت ناحية الجهاز وقالت :
-بعد الساعة بالكتير لو ظهر خط أحمر كمان يبقى …
طالعته ببريق لامع من أعينها :
-يبقى كده حامل يا تميم ….
شد المقعد الخشبي أمامه وقال بلهفة :
-قاعد له أهو ساعة اتنين لا اخر اليوم .. لحد ما اشوف الخط الاحمر التاني.. انا فاضي له أهو مش ورايا حاجة ..
صوت دق الباب قطع حماسهم .. تحرك تميـم ليفتحه فوجدها شهد تخبره :
-الحارس تحت بيبلغك أن عاصي أخوك امبارح بالليل عمل حادثه هو ومراتـه …..
في تلك اللحظة التي لم يستطع فيها إدراك الأمر رن هاتفه من المحامي الخاص بشركاتهم وأخبره :
-تميم بيه .. في حاجة غريبة حصلت ،النهاردة مراد المحلاوي رفع دعوى فيها بيطعن بنسب عالية وعاصي لخال
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية غوي بعصيانه قلبي ) اسم الرواية