Ads by Google X

رواية ضروب العشق الفصل الثامن 8 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية ضروب العشق الفصل الثامن 8 - بقلم ندى محمود توفيق 

(( ضروب العشق ))

_ الفصل الثامن _ 

هل سيحاول تعذيبها وضربها أم أنه سيستغل فرصة زواجهم ويحاول كسرها وقهرها بالنيل منها رغمًا عنها ؟ .. كلها تساؤلات تدور في حلقة ذهنها ولا تجد لها أجابة سوى أنها في مأزق حقيقي الآن ويجب أن تتصرف قبل أن يحصل على مايريد !! .
تقهقرت للخلف ونظراتها تجول في جميع انحاء الغرفة تبحث عن شيء يحميها من بطشه ، بينما هو يقترب نحوها ببطء وبوجه تعلوه معالم السعادة لرؤيته لها تقف في أحد أركان الغرفة تخشاه ، انتهي تقهقرها عندما اصطدمت بالحائط فوقفت ثابتة كالجبل تعيد ارتداء رداء الشجاعة حتي وجدته اشرف عليها بهيئته واستند بكلتا قبضتيه على الحائط يحاوطها من الجهتين ويهمس أمام وجهها وأنفاسه الملتهبة بحرارة الغضب تلفح وجهها كرياح حارة في نهار درجة حرارته تخطت 50 درجة : 
_ لا متقوليش إنك خايفة !! ، دي آخر حاجة ممكن اصدقها عنك ! .. ولا لتكوني مضايقة مع إنك المفروض تكوني في اقصي درجات السعادة حققتلك اللي نفسك فيه وبقيتي مراتي وكمان هخليكي تنعمي بقربي ، وده عرض خاص مش بقدمه غير للغالين عليا 

هو لا يبتعد عنها سوى سنتي مترات لا تحسب ، وهذه الفرصة المناسبة لتستغلها وتسرق من جيبه مفتاح الباب وتفر من بين براثينه . 
هي لا تخشاه بقدر ما تخشي أن يتدني لدرجة إجبارها على شيء لا تريده !! ، ولكن الحكمة هي سيدة الموقف الآن حيث ابتسمت بغنج أنوثي وانتصبت في وقفتها ثم لفت ذراع حول رقبته متخلية عن خجلها منه والذراع الآخر كانت تحاول تسلله إلى جيب بنطاله دون أن يشعر ، وهمست بدلال مغري : 
_ ومين قالك إني مش فرحانة ، بالعكس أنا في قمة سعادتي .. لإني بحبك لدرجة متتخيلهاش ، ومش هحل عنك غير لما تحبني إنت كمان 

كانت نظراته متقززة منها وجسده يشمئز حين يفكر بأنها تحاول اغوائه ، إن كانت هي تحبه لدرجة لا يتخيلها فهي أيضًا لا يمكنها تخيل مدى كرهه ونقمه عليها ، ولكنها لم تكن تبالي بنظراته لها وركزت على الهدف الذي نجحت به بالفعل وقد التقطت المفتاح من جيبه ، ثم دفعته بعنف بعيدًا واندفعت نحو الباب راكضة ولكنها قبل أن تضع المفتاح في الباب أصدرت صرخة متألمة عندما شعرت بقبضة يده القوية تجذبها من خصلات شعرها وتسمع همسه المرعب في أذنها كالرعد : 
_ حاولت كتير أكبر دماغي منك وأقول عيب عليك ياحسن دي مهما كانت بنت عمك ومينفعش بس إنتي كنتي مصممة تطلعي الشخص القذر اللي جوايا في كل مرة كنتي بتستفزيني وبتعملي نفسك فيها شجاعة وتهدديني بإنك هتفضحيني وبسبب انانيتك وجنانك كنتي هتقولي لأمي لولا إني لحقت الموقف ، وبدل ما كنتي هتأذيني أنا كانت هي اللي هتتأذي ، وإنتي دلوقتي هتدفعي تمن تهورك ده وإنك كنتي بتلعبي معايا من غير ما تدركي العواقب 

امسكت بكفه وحاولته نزعه عن خصلاتها وهي تجيب بصدق متألمة : 
_ مكنتش هقولها أنا كنت بخوفك بس ، وبعدين لما سيادتك خايف على أمك أوي كدا متحترمش نفسك ليه ، يعني إنت قذر وحقير وكمان بجح 

_ كملي كملي واغلطي اكتر كمان عشان تستفزيني بزيادة والعقاب يبقى بالضعف 

قال آخر كلماته ثم جذبها والقى بها على الفراش لتسقط على ظهرها ثم ينحني إليه بنظرات كلها تشفي وخبث لتلمح هي الانتيكا الصغيرة على المنضدة بجوار الفراش وتسرع لتلتقطها وتضربه بها ولكنه قبض على رسغها ورفعه لأعلى مكبلًا معمصميها بكفه الضخم لتحاول هي التملص من بين يديه بمحاولات بائسة ، حتى خرت قواها وقررت رفع راية الاستسلام و أشاحت بوجهها للجهة أخرى تتفادى اقترابه منها ناحية رقبتها وتهمس برجاء مغمضة عيناها وصوت مبحوح : 
_ حسن ، ارجوك كفاية !! 

ارتخت قبضته على معصميها حتى تركهم تمامًا وهتف في صوت رجولي مريب : 
_ اعتقد دلوقتي شوفتي أنا أقدر أعمل إيه ، نصيحة متحاوليش تتحديني وتستفزيني تاني عشان المرة الجاية مش هيأثر فيا توسلاتك 

ثم ابتعد عنها واعتدل في وقفته وغمغم بابتسامة سخرية وبرود مستفز : 
_ تصبحي على خير ياعروسة !

ثم ولاها ظهره وتحرك صوب الباب ليفتحه و ينصرف ، فتثب هي واقفة وتسرع نحو الباب تغلقه خلفه ، وقد أحمر وجهها غيظًا وغلً ، وكانت تصدر زئيرًا من بين شفتيها واسنانها تجز عليهم بعنف مع كف يدها الذي كورته ضاغطة عليه بشراسة ثم اندفعت نحو الانتيكا الضعيرة التي حاولت التقاطها ولكنه منعها وألقت بها على الأرض لتتناثر لجزئيات صغيرة !! .... 

                              ***
تململت في فراشها بانزعاج من رنين الهاتف وأيضًا أشعة الشمس المتسللة من النافذة لعيناها ، تأففت بنفاذ صبر والتقطت هاتفها تجيب على المتصل بصوت ناعس دون النظر لاسمه أولًا :
_ الو

أجابها بنبرة رقيقة هو ينظر لساعة يده يتفحص الساعة التي قاربت على الحادية عشر ظهرًا :
_ صباح الخير ، إنتي لسا نايمة لغاية دلوقتي ؟!!

انتفضت جالسة بعدما تعرفت عليه من صوته وأخذت تفرك عيناها لتزيح آثار الخمول عنها ، وتهتف بإحراج :
_ صباح النور ، معلش كنت نايمة ومخدتش بالي من الاسم ، امبارح رجعنا متأخر من الفرح ونمت متأخر و.....

قاطعها بصوته الضاحك الذي وصلها عبر الهاتف وهو يهدر ببساطة : 
_ كفاية ياملاذ خلاص ، أنا مقولتش حاجة عشان ده كله !! 

منذ أن رأت جانبًا مختلفًا في شخصيته بالأمس ، وهي لا تنكر خوفها البسيط منه وتوترها ازداد أكثر ، فحسمت قرارها أنها ستكون حذرة في كل شيء معه ، لم تغضب منه ولكنه سبب لها اضطرابات أكثر وحرصًا في التعامل معه ! . انتبهت لصوته وهو يتمتم في خنق من نفسه معتذرًا بحنو : 
_ متزعليش مني بخصوص امبارح أنا عارف إن طريقتي كانت شديدة شوية بس مكنش قصدي والله .. أنا آسف !! 

ابتسمت هي على الجانب الآخر بصفاء وهمهمت بنبرة صوتها الناعمة : 
_ متقلقش مزعلتش يازين .. وإنت عندك حق تتعصب 

_ متأكدة إنك مزعلتيش ؟! 

قالها مبتسمًا بمشاكسة لتجيبه بنفس نبرتها السابقة : 
_ آهاا متأكدة 

اتسعت ابتسامته ولمعت عيناه بوميض رجولي ماكر ، قبل أن يهتف بخفوت ونبرة يعلم أثرها جيدًا عليها : 
_ لا بس أنا عايز اصالحك وش لوش عشان أتأكد إنك مزعلتيش !!

لحظات من الصمت القاتل بينهم كان هو يتخيل ملامح وجهها الحمراء من الحياء بينما هي فكانت تحاول التغاطي عن كلماته الخبيثة وعدم التفكير فيها كثيرًا حتى لا تتلعثم في الحديث ، فأخرجت صوتها ضعيف ومرتبك : 
_ وش لوش إزاي يعني ؟!! 

اتاه ردها ونبرة صوتها المحرجة كما كان يتوقعها تمامًا ، ليكمل جرعته ويضيف قليلًا من البهارات الحارة حتى يزيد من تلعثمها : 
_ يعني جهزي نفسك عشان بليل هعدي عليكي وهاخدك وهنروح نقعد في مكان لطيف كدا على انفراد وهناك هقولك وش لوش إزاي 

" انفراد " مجددًا !! .. ألم يكفيه توترها واضطرابها بالأمس وهي معه على انفراد أيضًا ، مجرد التفكير في أنهم سيكونوا معًا مجددًا ولا أحد معهم يؤدي لتسارع دقات قلبها ، وخصوصًا وهو يُلمح لها بهذه التلميحات الجريئة .. يبدو أنها خُدعت به وكانت تظنه رجلًا صارمًا ولا يعترف بأمور الحب التي يمارسوها العشاق ، بالإضافة إلى أنها لم تكن تتوقعه أنه يعرف كيفية إرسال تلميحات منحرفة بالكلام !! ، واتضح أنه ماكر محترف وتدينه والتزامه سينقشع ويزول حين يكون معها .
هتفت بتلعثم كان واضح هذه المرة في صوتها : 
_ تاني !!! 

قال مستنكرًا بحب : 
_ واحنا طلعنا امتى اولاني عشان نطلع تاني ، امبارح مكملناش نص ساعة ورجعنا 

_ طيب يازين هجهز على بعد المغرب واستناك إن شاء الله ، إنت في الشركة دلوقتي ؟! 

قال بجدية بسيطة : 
_ آه ومعايا اجتماع بعد نص ساعة  

هتفت بلطف : 
_ ربنا يعينك 

_ آمين .. أنا هقفل وإنتي قومي اغسلي وشك واتوضى عشان دلوقتي الساعة 11 وخلاص فاضل على آذان الضهر ربع ساعة 

أجابته بعذوبة ورقة : 
_ حاضر 

غمغم مبتسمًا بدفء : 
_ في حفظ الله 

ردت عليه بنفس جملته كما اعتادت منه ثم أنهت الاتصال وتنهدت بعمق ونهضت من فراشها متجهة صوب الحمام لتفعل كما طلب منها للتو على الهاتف !! .....

                              ***
خرجت من الحمام بعد أن أخذت حمام صباحي دافىء وقطرات الماء تتساقط من خصلات شعرها المبتلة ، فتوقفت في منتصف الغرفة الواسعة ودارت بنظرها في جميع أرجائها ، الخزانة التي تحوي ملابس لشخص لا يريد دخول الغرفة لمجرد وجودها بها ، والفراش الضخم الذي يتسع لأثنين وأكثر ولكنه لا يضم سوى واحدًا . 
بنعتها بعديمة الكرامة !! ، وهي منذ لحظتها تفكر هل العشق يفقد المرء كرامته ؟! ، تتساءل لآلاف المرات عن سبب عشقها له ! ، وإن نظرت بالمنظور الواقعي فهو رجل لا يُحب ولا تقبل به فتاة إلا الأقلية .. إذا هي من الأقلية ؟! ، لا بل هي من الذين حرق الهوى عيناهم فأعماهم ، أو بالأحرى هي ليست عمياء بل مطلعة على كل عيوبه ولكنها تتصنع العمى ، وتخبر نفسها مرارًا وتكرارًا بأنها عشقت مرة واحدة وستكون الأخيرة ولن تترك فرصتها في العشق تذهب هدرًا ، ستقف صامدة في وجه الصعاب لآخر نفس فيها ولن تجعل اليأس يتملكها ، وسواء أبا أم شاء لن تتوقف عن عشقه ولن تهدأ إلا حين تحصل على مرادها ، وتجعله يخر بدماء العشق والهوى أمامها مثلما أرهق دمائها لسنوات !! .
ارتدت ملابسها وصفصفت شعرها ثم توجهت نحو الباب وقبضت على المبقض وقبل أن تديره لينفتح أخذت شهيقًا طويل وأخرجته زفيرًا متمهلًا مغمغمة لنفسها محاولة تهدئتها حتى لا تنغز في عقلها الأفكار السيئة أن تخنقه وتفشي غليلها منه بمجرد تذكرها ما فعله معها بالأمس : 
_ خليكي relax خالص واهدي ومهما يقول متتعصبيش ، يعني باختصار كوني باردة 

ثم فتحت الباب وغادرت الغرفة متجهة صوب المطبخ محاولة قدر الإمكان تجنبه على الأقل إلى حين يزول سخطها منه ، فتحت التلاجة تأخذ منها ما تحتاجه لتحضير الأفطار وحين اغلقت بابها والتفتت بجسدها أصدرت شهقة مرتفعة وانتفضت واقفة بهلع ثم ابتلعت ريقها وأخرجت زفيرًا مضطرب ، لتجده يهتف بقسوة متوقعة منه : 
_ لتكوني صدقتي نفسك فعلًا وإنك عروسة ، عارفة الساعة كام دلوقتي !! 

أصدرت تأففًا حارًا ثم ازاحته بهدوء من أمامها لتتجه نحو الحوض وتقوم بغسل الطماطم الطازج والحمراء تحت الماء مولية إياه ظهرها ، متمتمة ببرود : 
_ عارفة ، وبعدين إنت هيفرق معاك إيه صحيت بدري ولا متأخر ، فارقة معاك أوي مثلًا !! 

قبض على خصرها من الخلف يضغط عليه بقسوة وعدم رحمة هادرًا بشراسة وصوت مريب في أذنها : 
_ إنتي هنا خدامة ووظيفتك خدمتي وبس ، تحضري الأكل وتغلسي وتنضفي ومن هنا ورايح هيكون الأكل بمواعيد ولو اتأخرتي هيكون في عقاب وخيم ، مفهووووم

لم تجيبه ، اغمضت عيناها تحاول تمالك ذمامها قبل أن تفقدها ، فهي يجب عليها استغلال زواجهم وتجرب معه كل الطرق لتسقطه في تعويذة العشق ! ، سمعته يهتف وهو يضغط على خصرها أكثر لتشتد عضلاتها وتنفرد في وقفتها من الألم :
_ ردي مفهوم ولا لا ؟!

كان يتفنن في استخدام كل الوسائل التي تغضبها وتستفزها ويستمتع برؤيتها ذاعنة له ، يتلذذ بإذلالها وإهانتها ظنًا منه أنه انتصر عليها ولكنها لا يدري أنها هي التي تسمح بهذا الانتصار بكامل إراداتها ورغبتها . خرج صوتها خافت بعد أن وجدت صعوبة في أن تقولها بكل هذا الهدوء : 
_ مفهوم .. ممكن تبعد عني وتطلع برا بقى !

ابتعد عنها والقى عليها نظرة متقززة ثم التفت وانصرف لتمسك هي بالسكين وتبدأ في تقطيع الطماطم بعنف تفرغ بها شحنة غضبها المكتظة داخلها ، وتبتلع غصة مريرة في حلقها وعيناها بدأت تذرف الدموع تلقائيًا فأسرعت وجففتهم رافضة سقوطهم !! ...

                                *** 
تبًا لهذا القلب ! ، الذي يقسم دومًا أن يجلب لصاحبه العناء والشقاء ، ويختار الأشخاص الخطأ فلا يجلبوا له سوى الألم .. هل هذا هو العشق ؟!! ، يحزن ويقهر ويشقي صاحبه ! .. إن كان كذلك فيسعدها أن تقول أنها تكره هذا العشق ولا تريد أن تعشق أبدًا وتفضل أن تكون طوال حياتها خالية الوفاض !!! ....
كانت تجلس على طاولة صغيرة في أحد الكافيات وتطقطق أصابعها بخنق ثم التفتت للحارس الذي يقف خلفها وتهدر به منفعلة :
_ إنت سمعتني وأنا بتكلم وعرفت رايحة فين وفورًا مضيعتش وقت وروحت اتصلت بيه !!

أجابها برسمية تامة دون أن ينظر لها :
_ كرم بيه منبه إن أي مكان حضرتك تروحيه يكون عنده علم بيه ، وهو قالي أجيبك هنا تستنيه وهو جاي دلوقتي

 قالت في ضجر شديد :
_ المفروض إنه جايبك عشان تحميني مش تقوله على كل حاجة بعملها

لم يجيبها وكان صامتًا تمامًا يحدق حوله منتظر قدومه حتى تنتهي مهمته ويرحل من جوارها ، أما هي فأخذت تضرب كعب حذائها في الأرض بعنف مغتاظة ، ولتمر دقائق طويلة ثم تجده يقترب نحوهم ويشير بيده للحارس الذي يقف بجوارها أن ينصرف فغعل على الفور ، وسحب هو المقعد المقابل لها ليجلس عليه ويطالعها بأعين ساخطة لتهتف هي متوترة من نظراته : 
_ متبصليش كدا !!

_ اتصل بيكي إمتى ؟

كان صوته خشنًا وصلبًا ولكنها التزمت الصمت المستفز ولم تجيبه ليكمل هو مغتاظًا من إهمالها :
_ إنتي مش مدركة خطورة الموضوع صح ؟!

قالت بخفوت وقلبًا ممزقًا :
_ مدركة كويس جدًا وزي ما مدركة خطورته عليا مدركة كمان خطورته على اللي حواليا ، وأنا لازم اتحمل العقاب وحدي عشان اتعلم من غلطتي ومثقش في حد تاني

لم يفهم سبب تصرفاتها المختلفة معه منذ أيام ، ولكنه لا يهتم كثيرًا لطريقتها فكل ما يهمه هو حمايتها والعمل بوصية عزيز قلبه ! .
تنهد بعمق وغمغم بعد أن لانت نبرته وأصبحت أقل دقة وإحكامًا :
_ ليه لما اتصل بيكي متصلتيش بيا وقولتيلي عشان اتصرف !؟

اشاحت بنظرها عنه مغمغمة بجفاء : 
_ لإني قولتلك امبارح مش عايزاك تتدخل تاني في الموضوع ده

_ وأنا رديت علي الكلام ده ! 

عادت بنظرها له مغمغمة في حزم : 
_ وكمان أنا قولتلك إني مش عايزة حد يتأذي بسببي 

تمتم في صوت رخيم : 
_ ولو سيف الله يرحمه كان عايش كنتي هتقوليله كدا !! ، أكيد لا ، وأنا دلوقتي زيه ومكانه 

لما يصر دائمًا على تذكيرها بأنه يتولى دور أخيها ويراها شقيقة له ، كلما يقول هكذا تلتهب النيران في قلبها .. فهي لا تراه أخًا ويصعب عليها أنها لا تنظر له مثلما ينظر هو لها ! .
وجدت نفسها تهتف بنبرة شبه مرتفعة وقاسية جدًا غير متنبهة لما تتفوه به : 
_ متقولش زيه ، إنت مش سيف ومحدش هياخد مكان أخويا 

أماء بتفهم وقال بخفوت بنظرات طبيعية بعض الشيء :
_ عندك حق !!

القت عليه نظرة أخيرة ثم استقامت واندفعت لخارج المكان تحاول حبس دموعها التي تصرخ بالسقوط ، بينما هو فتنهد بعبوس وأخرج هاتفه يجري اتصال بالحارس الذي ينتظرهم بالخارج ، هاتفًا بصلابة :
_ وصلها البيت

أجابه منصاعًا لأمره ثم انهي معه الاتصال وانتظر خروجها وهو يفتح لها باب السيارة فنظرت له شزرًا وهمت بأن تذهب رافضة أن يقوم هذا الحارس بتوصيلها ولكنها سمعت صوته الأجشَّ يهتف :
_ أنسة شفق لو سمحتي اركبي

توقفت للحظات مولية إياه ظهرها تفكر بالأمر من منظور سلامتها لأجل والدتها المريضة التي تحتاج لمن يرعاها ، فوجدت أن من الأفضل أن تستمع لما يقوله وتصعد بالسيارة .
مدت يدها لعيناها تمسح الدموع المتجمعة بهم ثم تلتفت له وتعود لتستقر بالمقعد الخلفي ويذهب ليتولي هو مقعده الأمامي وينطلق بالسيارة عائدًا بها للمنزل ......

                                ***
مع تمام الساعة السابعة مساءًا .....
كانت هي تقف أمام المرآة تلقي علي نفسها النظرات الأخير وتتأكد من حسن مظهرها ، ترتدي رداء طويلًا وفضفاض من اللون المستطردة ليس به أي نقوش كان ممسوحًا تمامًا إلا لمسات كلاسيكية وبسيطة تميزه ، وفوقه حجابها من إحدى درجات اللون البنفسجي المناسبة للون بشرتها ، وقد حرصت هذه المرة على عدم وضع أي مساحيق جمال حتى لا تعصي أوامره حول عدم وضعها لهذه المساحيق خارج المنزل .
باتت لا تستطيع تحديد حقيقة مشاعرها أهي سعيدة بأنها تخلصت من هذه الفاسق الذي كانت تعشقه وستتزوج برجل لا يمكن مقارنته به سوى أنه يستحق هذه الكلمة وبجدارة " رجل " ، أم حزينة لأنها إخرجته من حياتها وتعجز عن إخراجه من قلبها حتى الآن ، ويمثل هذا عائق بينها وبين زوجها الذي تريد أن تعطيه فرصة وأن تنعم بعشقه وتجرب مفهوم العشق معه كيف سيكون ، وبين كل هذا هي مع كامل الأسف تجد صعوبة في الوقوع بحبه نتيجة لأن المكان الذي يجب أن يكون هو فيه في قلبها مشغول لغيره ، فلا تستطيع أن تكن له في قلبها سوى الاحترام والثقة والإعجاب بشخصيته .. مما يسبب لها الكثير من المتاعب النفسية !! .
انتشلها من شرودها صوت رنين هاتفها فظنت أنه هو ، لتستنشق الهواء بعمق وتمسك بالهاتف لتجيب ولكن تجد المتصل صديقتها فتفتج بنفس مرتاحة أنه ليس هو : 
_ أيوة يامي 

اتاها صوت صديقتها المرح : 
_ عاملة إيه ياعروسة .. مفيش مفر دلوقتي هتحكيلي كل حاجة بالتفصيل حصل إيه إمبارح 

غمغمت ملاذ باسمة لحماس صديقتها المقربة : 
_ مفيش حاجة حصلت والله يامي هو اخدني لمكتبة خاصة بيه واتكلمنها هناك وبعدين رجعنا 

_ إزاي !! .. يعني مفيش حاجة كدا ولا كدا 

_ لا مفيش ياحشرية 

قالت مي بعبث ومزاح : 
_ إيه ده يعني طلع محترم مع الناس ومعاكي ! 

تذكرت حديثها معه بالصباح فابتسمت على وصف صديقتها له بـ " المحترم " ، فهذا الماكر يخدع الجميع وهو بداخله يخفي رجل منحرف ينتظر حتى تحين له فرصة الزواج ليخرجه . هتفت ملاذ مشاركة صديقتها في المزح : 
_ بصي هو عمليًا محترم علميًا لا 

قالت الاخرى ضاحكة بقوة : 
_ أممم عارفاه النوع ده بيبقى مايه من تحت تبن ، بس أنا شايفة إنك اخدتي عليه خلاص وده مؤشر حلو 

تنفست الصعداء بشجون وهي تجيبها بخفوت مرير حتى لا يصل صوتها لأحد من أهلها : 
_ مش عارفة يامي أحيانًا كتير بحس إني غلطت لما وافقت وكملت ومش مطمنة حاسة إن في مصيبة هتحصل بسبب الغلط اللي ارتكبته ده ، واللي مخليني مضايقة إن زين بني آدم كويس جدًا وألف بنت تتمناه ، يعني باختصار شايفة إنه خسارة فيا ، وفوق ده كله قلقي من أحمد وتفكيري فيه دايمًا لإنه ليه فترة طويلة مش بيكلمني زي ما كان بيعمل ويحاول يخليني اسامحه ولا حتى بشوفه وخايفة يكون مسافر ولما يرجع ويعرف إني اتجوزت ويعملي مشكلة كبيرة 

غمغمت مي في عصبية ونقم على هذا الماجن والوغد : 
_ مش هيقدر يعمل حاجة خلاص ، ولو إنتي حابة تكملي في جوازك لازم تطلعيه من قلبك ياملاذ وتحبي جوزك لإن هو ده اللي يستاهلك بجد ، وحاولي تتقربي منه أكتر صدقيني هتحبيه لإنه باين عليه إنه شخصية جميلة وتستاهل تتحب ، لكن الحيوان ده ميستهلش غير الحرق 

همت بأن تجيب عليها ولكن سمعت صوت أشارة في هاتفها بأن هناك من يحاول الاتصال بها فتهتف على عجالة : 
_ طيب يامي هكلمك بعدين عشان هو بيتصل دلوقتي 

أنهت الاتصال مع صديقتها وأجابت عليه بهدوء وهي تتجه نحو شرفتها لتنظر منها وتتأكد من قدومه : 
_ أيوة يازين .. إنت وصلت ؟

_ أيوة وصلت أنا مستنيكي تحت بالعربية ، إنتي خلصتي ولا لسا ؟ 

قالها في نبرة صوت ساحرة لتجيبه هي بإيجاب : 
_ أيوة خلصت هلبس الشوز وأنزل 

أسرعت وارتدت حذائها ثم ألقت نظرة أخيرة على مظهرها في المرآة وسحبت حقيبتها الصغيرة وهاتفها وانصرفت مودعة والدتها الكامنة في غرفتها بصوتها المرتفع حتي يصل لمسامعها تخبرها بأنه أتي وهي ستغادر ، فتجد الرد من أمها لطيفًا موصية إياها كأي أم أن تنتبه لنفسها ، ثم ترحل وتصعد بمصعد البناية الخاصة بهم وبعد لحظات تجد نفسها أمام الطابق الأرضي فتخرج وتقود خطواتها للخارج حتى وصلت لسيارته وفتحت باب المقعد المجاور له وتنحني بجزعة لتركب بجانبه وترسل له ابتسامة رقيقة فتقابل منه ابتسامة عريضة وأول شيء يهتف به في مغازلة صريحة بها : 
_ ماشاء الله إيه القمر ده بس ! 

توردت وجنتيها بحمرة الخجل وأخفضت نظرها هامسة في استحياء :
_ شكرًا

اتاها صوته الرجولي حازم والممتزج بابتسامته التي لطفت الجو : 
_ شوفتي شكلك أحلى بكتير إزاي من غير الروج والمكياج !

ضحكت بخفة وقررت أن تتصرف معه على طبيعتها وعفويتها مع القليل من التحفظ في كلامها بالطبع ، فإن كانت لا تتمكن حتى الآن من الوقوع في حبه ربما يكون تصرفها معه بتلقائية كأنه أنه صديق لها ينجح في جعلها تحبه : 
_ أنا أساسًا مش بحط مكياج وإمبارح ماما اللي يسامحها هي اللي غصبت عليا أحط والنتيجة إنها جابتلي الكلام وأخدت كلمتين حلوين منك إمبارح ، فأطمن كانت أول مرة وآخر مرة .. مش لازم تفكرني كل شوية بقى 

كانت تتحدث بعفوية واضحة أحس بها مما أسعده أنها بدأت تتأقلم معه ، ونبرتها المرحة وطريقتها وهي تتحدث جعلته يطلق ضحكة رجولية مرتفعة نسيبًا هاتفًا في حدة مزيفة : 
_ عارفة لو كنتي منقبة كنت أنا بنفسي اللي هقولك حطي لإن محدش هيشوفك غيري 

عندما تحدث عن النقاب ابتسمت تلقائيًا ، فهي كانت تود ارتدائه منذ زمن وحين عرضت الفكرة على خطيبها السابق لم يوافق ، وبالطبع كيف يوافق وهذا التقاب كان سيمنعه من رؤيتها ونظرًا لأنه كان لا يود الزواج من البداية وكان مستعدًا لخيانتها ويعلم أنه لن يستمر معها فكان يريد التمتع من رؤيتها ومحادثتها بحرية وهي كانت ساذجة وسمحت له بهذه المسافة وأن يتخطى الحدود والعرف والدين .
هتفت في حماس حقيقي وأعين تلمع بسعادة : 
_ زين إنت عاوزني البس نقاب ؟! 

نظر لها مستعجبًا سؤالها المفاجيء وطريقتها الحماسية ولكنه أجاب ببساطة وابتسامة دافئة : 
_ النقاب فيه قولان لأهل العلم واختلفوا بين وجوبه وجوازه والعلماء اللي قالوا بجواز كشف الوجه هما هما اللي قالوا بوجوب تغطيته في زمن الفتن ومفيش شك في إن احنا في زمن الفتن دلوقتي ، دي أول حاجة وثاني حاجة إن الوجه محل الأثارة حتى للزوج من زوجته في فراش الزوجية ، فأنا أكيد هفضل إن مراتي تكون لابسة نقاب وخصوصًا لو كانت في جمالك كدا لإن دي الفتنة بعينها حتى لو مش بتحطي مكياج ، وأنا مقدرش أقول على النقاب فرض لإن العلماء ذات نفسهم اختلفوا فعشان كدا لو إنتي مش حابة تلبيسه أنا مقدرش أجبرك عليه لكن اللي أقدر أجبرك عليه هو اللبس المحتشم والحجاب الشرعي بمعني إنه ميكونش واصف أو لازق أو شفاف يعني بيبقى واسع وبيغطي منطقة الصدر كلها وإنك متطلعيش من بيتك متزينة ومتعطرة وتطلعي بهدوم فضفاضة ومتظهرش محاسن ومنحنيات جسدك ، فهمتيني ؟

 أماءت له بالإيجاب وهتفت وهي مازالت تحتلها السعادة وتسأله بتأكد : 
_ يعني إنت مش هتمانع لو لبسته ؟ 

قال بابتسامة مستنكرًا سؤالها : 
_ بعد ده كله ولسا بتسألي همانع ولا لا !! .. بس إنتي ناوية تلبيسه بجد يعني ؟

تشدقت باسمة في خفة : 
_ أنا من زمان نفسي البسه بس مكنتش متشجعة أو لاقية اللي يشجعني الصراحة وإنت دلوقني شجعتني فأنا هصبر شوية لغاية ما أكون متأكدة من القرار ده علشان لما البسه إن شاء الله مقلعهوش تاني وربنا يثبتني 

أوقف السيارة جانبًا ثم نظر لها وغمغم بحنو : 
_ يلا وصلنا 

_ إيه ده بسرعة كدا !! 

هتف مشاكسًا إياها ومازحًا : 
_ هتحسي بالطريق ازاي وإنتي من ساعة ما ركبتي العربية وبتتكلمي !! 

فغرت شفتيها بصدمة من رده الصادم والغير متوقع ولكنها شاركته المزاح : 
_ أنا !!!! ، ربنا يسامحك بس على فكرة بقى إنت اللي بدأت الكلام 

اطلق ضحكة صامتة قبل أن يمسك بكفها ويقربه من شفتيه ليقبله برقة هامسًا في عاطفة : 
_ بهزر .. اتكلمي براحتك ياحبيبتي ، على قلبي زي العسل 

توترت بشدة من تقبيله لكفها وسحبتها برقة تنظر حولها متفحصة المكان الذي جاءا إليه لتهتف : 
_ إيه هناخد رحلة نيلية صغيرة ! 

ترجل من السيارة ثم التف ناحيته فتنزل هي بدورها وتسير معه ناحية اليخت النيلي الصغير وتقول عابسة : 
_ على فكرة أنا بخاف من الميا بليل 

_ وهو أنا بقولك انزلي عومي احنا هنركب يخت  

سارت معه حتى وصل أمامه وصعد هو إليه ولحقت به ثم تطلعت حولها في الماء وسمعته ينادي عليها من الداخل فدخلت له وجلست على الأريكة الجليدية والبنية اللون ، المتلصقة في أساس اليخت نفسه ، ثم أحست به بدأ يتحرك في الماء فنظرت من الزجاج تتابع الماء ومنظرها الليلي المريب ، حتى وجدته يجلس بجوارها ويمد يده إليه بمشروب دافئ نظرًا لأنهم في الشتاء ، فأخذته من بيده بابتسامة ممتنة ثم قال هو يفتح حوارًا للحديث : 
_ هااا قوليلي بقى بتخافي من الميا ليه ؟ 

تردد قليلًا ولكنها قالت بإحراج : 
_ هقولك بس متضحكش 

_ تمام قولي ! 

غمغمت في خفوت : 
_ بسبب الأفلام الأجنبي ، عشان أنا من صغري بحب أتفرج الأجنبي وخصوصًا الأفلام اللي بتبقى في الميا وفيها سمك قرش والتماسيح وسمك البيرانا فعملتلي عقدة من الميا وبقيت بخاف ما أنزلها 

أطلق ضحكة متأججة بعفوية على طفوليتها لتزم هي شفتيها وتقول بتذمر وعبس :
_ قولتلك متضحكش 

كتم ضحكته وقال معتذرًا وهو يحاول منع نفسه من الضحك مجددًا : 
_ حاضر ، بس احنا في النيل وإيه اللي هيجيب سمك القرش والبيرانا للنيل 

عادت لطبيعتها وغمغمت ببساطة : 
_ عارفة بس أنا عمومًا بخاف من البحر ولما بنزل بيكون أخري رجلي بس وعلى الشط كمان ، وبليل لو قطعتوا إيدي مستحيل أحط صباع واحد في الميا وأصلًا منظرها بليل بيخوفني معرفش ليه بس بحس برهبة من الميا وبليل بذات ، صحيح إنت ليه جبتني هنا ؟! 

_ ملقتش مكان حلو نقعد فيه وحدنا على رواق غير ده 

هزت رأسها بالتفهم ثم لفت ذراعيها حول نفسها تأخذ وضعية الحضن وكفيها يفركان على أعلى ذراعيها نزولًا وطلوعًا بسبب شعورها بالبرد محاولة تدفئة نفسها وإذا بها تشعر به يلف سترته الجليدية والثقيلة حولها مغمغمًا : 
_ اشربي اللي جبتهولك هيدفيكي ، أنا لو أعرف إنك مش بتلبسي هدوم شتوي كنت قولتلك عشان تعملي حسابك 

نظرت له وقالت باهتمام بسيط : 
_ طيب وأنت كدا هتبرد ! 

_ لا أنا عامل حسابي متقلقيش 

لم تعقب مجددًا واكتفت بأنها لفتها حولها جيدًا وأدخلت ذراعيها في الأزرع لتنل أكثر قدر من الدفء فجسدها أصابته قشعريرة البرد العنيفة ، ولكن رائحة عطره الرجولي النفاذة والرائعة تسللت لأنفها من خلال سترته التي ترتديها ، لم تنكر أنها رائحة مغرية ومثيرة خصوصًا أنها تحب عطر الرجال وتتعمد من وضع عطر أخيها في المنزل دون الخروج به ، وبينما هي منسجمة في احتساء المشروب الدافىء وبدأ الدفء يعود لجسدها مجددًا ، وجدته يقترب ويطبع قبلة على رأسها من فوق حجابها ثم يجذبها لصدره مملسًا على ذراعها بلطف كنوع من إبعاث الدفء لها والسكينة ، فهمَّت هي أن تبتعد عنه ولكنها تراجعت وفكرت بعقلها هذه المرة الذي يخبرها بأنها إذا ارادت نسيان الماضي وبدء حياة جديدة معه يجب عليها أولًا أن تسمح لنفسها بأن تنعم بين تفاصيل العشق وتتركه يحبها بحرية وتجرب العشق كاملًا ومن ثم تقرر هل تحبه أم تفضل الأبتعاد ، فسكنت وهدأت بين ذراعيه وعادوا يتبادلون الأحاديث مجددًا !! ....

                                ***
تمسك بهاتفها وتحدق بصوره الذي أرسلها لها الرجل الذي كلفته بمهمة مراقبته لتعرف إلي أين يذهب ، كانت هادئة معه تمامًا منذ الأمس واستحملت طريقته القاسية ولم تعقب ولكن وصل للخط الأحمر الذي لا تهاون فيه ، يجب عليه احترام زواجهم حتى ولو كان بالنسبة له اتفاق وصفقة بينهم ، وسواء شاء أم أبى هي زوجته وغيرتها عليه مخيفة تصل للجنون . ويؤسفها القول بأنه سيرى مخالب القطة الشرسة وكيف تكون قوة المرأة الحقيقة ! ....
ظلت واقفة وتجوب الصالة إيابًا وذهابًا وهي تضرب بهاتفها على كفها بخفة وعيناها معلقة على الساعة التي قاربت على الثالثة فجرًا وكلما يمر الوقت تهيج نفسها الثائرة أكثر ، وأخيرًا سمعت صوت الباب ينفتح فاندفعت نحوه ثائرة لتجده ينظر لها بعدم اكتراث ويتوجه نحو غرفته المنفصلة عن غرفتها ويغلق الباب ليبدأ في تبديل ملابسه ولكنها لم تبالي بشيء سوى تفريغ جموحها بهذا المنحل ، ففتحت باب الغرفة ودخلت وتجده فك جميع أزرار قميصه ويهم بنزعه ولكنه توقف نتيجة لاقتحامها عليه الغرفة وصاح : 
_ في إيـه ؟!! 

رفعت شاشة هاتفها في وجهه تريه إحدى صوره وهو في ملهى ليلي صائحة بدورها : 
_ إيه ده ياحسن !! 

التقط الهاتف من يدها ودقق النظر في الصور ليجدها صوره اليوم بالفعل ليلقي به على الفراش ويصرخ بها بصوت جهوري : 
_ وإنتي مالك إيه ده ، إنتي هتحاسبيني ولا إيه ! ، وبعدين جبتي الصور دي من فين لتكوني مكلفة حد يراقبني مهو مش بعيد عليكي أصل هنتظر إيه من شيطانة

بالأمس كانت أنثى وتخشى صوته وغضبه والآن هي لا تدري عن مفهوم الأنوثة بشيء وصوته لا يهز شعرة واحدة منها ، حيث اندفعت نحوه ووقفت أمامه مباشرة هاتفة في شراسة : 
_ أهااا هحاسبك ، أنا ممكن استحمل معاملتك ليا لكن خيانتك علني كدا وفي أول يوم جواز مش هسكت عليها 

ضحك باستهزاء من فرط انفعاله وصاح مستشيطًا غيظًا : 
_ إنتي عبيطة يابت ! .. خيانة إيه !!! ، هو أنا إمتى حبيتك ولا كان في بينا حاجة عشان اخونك أصلًا 

اقتربت منه أكثر وهو لا يظل ثابتًا في أرضه ووجدها تهتف مباشرة أمام وجهه في صوت يشبه فحيح الأفعى وأعين شيطانية : 
_ إنت اتجوزتني عشان تكرهني فيك وتنتقم مني على اللي عملته معاك ومتخلنيش افضحك ، وأنا وافقت وقفلت على موضوع الصور والتسجيل وقولت مش مشكلة هستحمل ، يعني احنا في بينا اتفاق ومن شروط الاتفاق إنك تبعد عن القرف ده .. خاف مني ياحسن عشان أنا ممكن أقلب عليه الطرابيزة بجد وافضحك وأقول إنك بتخوني وأقول على كل بلاويك وهتبقى خسرت أهلك وعمك وبرضوا هفضل وراك وهقولهم إني مسمحاك وإني مش عايزة اطلق وبكلمتين ودمعتين مني الكل هيصدق حبي النقي ليك وإنك قذر وحيوان ولما يلاقوني مصممة إني مطلقش هيوافقوا والكل هيبقى في صفى أنا وهتبقى إنت الوحيد اللي طلعت خسران من اللعبة .. ده نبذة بسيطة عن اللي ممكن أعمله فيك  

كان جامدًا تمامًا ودمائه تغلي في عروقه وعقله يرسل له إشارات متتالية أن يقبض على رقبتها ويخنقها ليتخلص منها نهائيًا ولكنه تظاهر بالثبات لتكمل هي بنبرة أكثر شراسة من السابقة : 
_ مش بعد السنين دي كلها هسمح لحد ياخدك مني إنت ليا لوحدى .. تعرف أنا ماشية بمبدأ إيه ، لو الحاجة مش هتكون ليا يبقى مش هتكون لحد غيري أبدًا  

هذه مجنونة ، حتمًا فاقدة لعقلها !! ، كان يقولها لنفسه فلا يمكن أن يكون حبها له وصل لهذا الحد من الجنون . فهتف منذهلًا مما تقوله : 
_ إنتي مستحيل تكوني طبيعية ، إنتي محتاجة تروحي مستشفى مجانين وتتعالجي بجد 

لم تبالي بما قاله فهي الآن في ذروة غضبها ، واستمرت في الحديث قاصدة استفزازه :
_ لو أنا عملت زيك وشوفت صوري وأنا في كباريه وفي حضن راجل ، أنا عارفة إنك مش طايقني ومش هتفرق أوي معاك بس هتحس بإيه لإني في الأول وفي الآخر مراتك للأسف 

هتف ضاحكًا بسخرية وعدم مبالاة : 
_ روحي اعملي هو أنا منعتك

لن تتركه إلا حين تثير جنونه كما أثاره حيث قالت بنبرة صوت وهي تطلق كلمات تعرف مدى تأثيرها عليه جيدًا : 
_ متأكد ! ، أصل أنا دلوقتي زي ما قولتلك أنا مراتك يعني أي كلمة هتاجي في حقي هتكون في حقك إنت وإنت اللي هتتفضح يعني أهلي مش هتطولهم الفضيحة قد ماهتطولك ، والناس بقى لسانها مش بيسكت هيقولوا إيه اللي يخليها تعمل كدا إلا لو كان جوزها مش راجل ولا مؤاخذة مش عارف يحكمها ولا يشكمها وكلام كتير كدا أنا اتكسف ما أقوله بس إنت فاهم

نجحت في إثارة عواصفه حيث أحمرت عيناها بسبب جملتها الأخيرة الذي فهم مقصدها منها جيدًا فتحول لجمرة نيران ملتهبة وبحركة مفاجأة جذبها من خصلات شعرها هاتفًا في صوت يأتي كالرعد في أذنها : 
_ إنتي عاوزة إيه !؟ ، عاوزاني أمد إيدي عليكي وأوريكي أنيل من اللي شوفتيه إمبارح ، رسيني إنتي عاوزة إيه عشان أفهم والبّيلك طلباتك

دفعت يده عنها بعنف صائحة محذرة إياه :
_ اوعى تفتكر نفسك إنك قدرت عليا إمبارح أنا اللي سبتك بمزاجي ، وإياك ياحسن تجرب تمد إيدك عليا تاني فاهم .. 

ثم استدارت وغادرت تاركة إياه يتستشيط وبترنح من الأنفعال ولا يعلم ما الذي يمعنه عن تلقيها ألوان العذاب والضرب المختلفة التي تستحقها ، فربما لأن ليس من شيمه استخدام العنف مع النساء سواء بالضرب أو التعذيب ، ولم ينشأ على هذه العادات السادية !! .....

                                 ***
... عروس !!!! .. تتلقى التهنئيات من الجميع منذ صباح اليوم ، لما الكل سعيد ماعداها ؟ ، بالبرغم من أنها هي التي يفترض بها أن تكون أسعدهم ! ، ترتدي فستان زفافها ولا تشعر به على جسدها .. كأنه رداء للعيد قامت بشرائه ولم تنتظر قدوم العيد وارتدته قبل الآوان في مكان وزمان غير مناسب فلم تشعر بفرحته كما يجب ، وتكثر ملامسته والنظر لنفسها في المرآة لعلها تجد سعادتها الخامدة في الأعماق ولكن كلما تنظر لا ترى سوى عبوس وألم وحسرة على حظها السيء الذي حرمها السعادة في مثل هذا اليوم الذي لا يتكرر سوى مرة واحدة ! ، وانقباض قلبها يزداد كلما يقترب انتهاء الزفاف لا تعرف سبب هذا الانقباض ، فيأتي دور عقلها الذي لا يهدأ عن تشويشها وإتعابها ويقول " لما الحزن ياعروس !؟ ، فأنتِ من اخترتي الزواج وإنتِ لا تحبيه .. وأخبرتكِ أنه لا يصلح لك وعلاقتكم لن تستمر كثيرًا ولكنك أصرّيتي على قرارك الخاطىء ، هذا الرجل لا تستحقيه يامخادعة ، هو يستحق امرأة تحبه كما يجب أن يُحب .. ولكن بقائه معك أكبر خطأ ارتكبه وكلاكما سيدفع ثمن هذا الخطأ ! " هذه المرة عقلها قال الحقيقة كاملة ولكنها تجهل الإجابة عن سؤاله عن سبب حزنها !! ، ربما يكون سببه عدم تمكنها من حبه وهي تريد أن تنعم بحياة زوجية سعيدة معه ، أو ربما يكون لأن ضميرها يأنبها بشدة أنها كذبت عليه واستغلته طعم في بادئ الأمر لترضي كبريائها الذي دمره خطيبها السابق !! ، وهي لا تنكر أنها كانت ترغب في زواج يعيد لها كرامتها ولكن بعدما تعرفت عليه جيدًا تغيرت أهدافها لتصبح محاولات للتمسك به والوقوع في شباك عشقه ولكن يزال ضميرها يذكرها دومًا بهدفها منذ البداية والذي ربما يكون قائم حتى الآن !! .
فاقت من شرودها على صوت رفيف وهي تسألها عن أحولها ولما شاردة فتقابلها بابتسامة مزيفة وتنظر للجميع بأسى وبعد لحظات تجد صديقتها تسرع نحوها بوجه مذعور وتهمس في أذنها :
_ ملاذ أحمد برا

انتفضت جالسة وقالت بتوتر شديد :
_ إيــــــه ، وهو عرف إزاي إن فرحي النهردا !!؟

_ معرفش أنا تلفونك كان معايا ورن فرديت ومعرفش إنه هو ، لقيته بيقولي خلي ملاذ تطلعي وإلا هعملها مشكلة

تطلعت لصديقتها بتردد وخوف ولكنها حسمت أمرها وشعرت بأنها فرصة لكي تستعيد كرامتها المهدرة ، فاقتربت من أذن مي هاتفة :
_ أنا هطلعله ولو حد سألك عليا قوليلوا روحت الحمام أظبط الفستان

قبضت على ذراعها بعنف هاتفة بارتباك امتزج بالغضب :
_ تطلعيله إيه إنتي اتهبلتي ولو حد شافك هتقولي إيه !!

لم تصغي لها وقالت بإصرار : 
_ متقلقيش محدش هيشوفني أساسًا مكان الرجالة بعيد من هنا شوية 

_ طاب استني هاجي معاكي ! 

قالتها مي بعدم حيلة عندما وجدتها مصرة ولكنها رفضت رفضًا قاطعًا وتحركت نحو الحمام أولًا حتى لا تجعل أحد يشك بها ومن ثم تسللت دون أن يشعر بها أحد ، وجدت مي هدى تسألها بتساءل : 
_ راحت فين ملاذ ؟

هتفت بارتباك بسيط : 
_ راحت الحمام تظبط الفستان وجاية ، قولتلها أروح معاكي قالتلي لا هعرف اتصرف لوحدي 

أماءت لها بإيجاب في ابتسامة عذبة أما رفيف فقد راحت تجيب على أخيها الذي كان صوته متلهفًا : 
_ رفيف قولي لو في حد قاعد بشعره يلبس الطرحة أنا واقف برا وهدخل اشوفها 

أجابت على أخيها ضاحكة : 
_ إيه يازين شغل العيال ده ، ما خلاص كلها ساعتين وتاخدها وتروحوا بيتكم وتشوفها 

قال بعدم صبر واغتياظ : 
_ عايز أشوفها مشوفتهاش وإنتوا خلتوها تلبس الفستان وخدوتها علطول عندكم من غير ما أشوفها حتى 

أكملت ضحكها هاتفة تقترح عليه حل وسط : 
_ مينفعش تدخل بص إيه رأيك هصورها وابعتهالك تشوفها طالما إنت مش قادر تصبر كدا 

_ طيب صوريها بس يلا بسرعة

_ حاضر بس هي راحت الحمام دلوقتي لما ترجع هصورها وابعتهالك 

دهش عندها رآها تتجه نحو الخارج للباب الرئيسي وهي تتلفت حولها كأنها تخشي من أن أحد يراها ، ماذا تفعل هنا ألم تقل شقيقته بأنها ذهبت للحمام .. أنزل الهاتف من على أذنه وتسلل خلفها دون أن تشعر فيجدها تقف مع رجل لم يراه من قبل ويسمع حوارهم الذي كالآتي ...
_ إنت إيه اللي جابك مش مكفيك اللي عملته معايا وكمان جاي عاوز تعملي مشكلة في فرحي 

انطلقت منه ضحكة ساخرة وهو يهدر في غضب : 
_ فرحك !! ، ده على أساس إنك في قمة السعادة ، أنا متأكدة إنك لسا بتحبيني ومش قادرة تنسيني 

هزت رأسها بالنفي وهي تجيبه بألم :
_ لا !! 

قال في ثقة تامة واستنكار : 
_ بجد !! ، كدابة ومتعرفيش تكدبي لو مكنتيش بتحبيني مكنتيش وافقتي تطلعيلي .. وكمان مكنتش هشوف الدموع دي في عينك ، مفكرتيش إيه رد جوزك لما يعرف إنك لسا بتحبي خطيبك القديم و إنك مبتحبهوش .. أنا بقول إننا بقينا متعادلين وإنتي كمان بقيتي كدابة ومخادعة والأفضل إنك تنهي المهزلة دي ونرجع لبعض  

تبغضه بشدة ، لوهلة شعرت بأنها تستحقره أكثر من السابق ، والآن هي تكره ضعفها له ودموعها الحارقة المتجمعة في عيناها ، لا تريد أن تكون تحت رحمة عشقه ستجاهد في نزعها وستكون هذه البداية .
هتفت في تحدي وصوت مهزوز : 
_ لمس السما اسهلك من التفكير في إننا ممكن نرجع لبعض ، وعارف أنا اتجوزت ليه ؛ عشان انتقم منك واخليك تحس بنفس الأحساس اللي حسيته لما خونتني يا أحمد ، يمكن أكون لسا بحبك فعلًا بس تأكد إن المشاعر دي زائلة ومش هتستمر كتير و.....

توقفت عن الكلام حين وجدته يصوب نظره على شيء بالخلف فالتفتت فورًا وهمست برعب جلي وصدمة : 
_ زين !!! 

...... نهاية الفصل .......

  •تابع الفصل التالي "رواية ضروب العشق" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent