رواية زمزم قلبي الفصل الثالث عشر 13 - بقلم بيان الجارحي
🖊📜: صدمت عندما سمعت الطبيب يقول” الي كنت شاك فيه ياباشا،انا بعتذر بجد،هي مصابة بمرض الس..ل الرئوي،لو تم علاجه بأسرع وقت كدا مش هيكون في خطر على حياتها،هو يختلف تماما عن مرض الكان..سر،علاج الس…ل الرئوي بيتم عن طريق مضادات حيوية وأدوية عدة وفق نظام غذائي،عكس الكان..سر تماما لانه علاجه من خلال جلسات كيماو..ية،لكن بإذن الله ربنا يكتب ليها الشفاء متقلقوش.
لوهلةٍ صدمت صحيح لم أفهم ما قاله،لكن سماعي لأسماء تلك الامرا..ض كان كفيلاً بأن يدب الرعب إلى قلبي
سمعت عمي يسأل الطبيب”ازاي حصل ليها كدا،اقصد انه اكيد في أسباب للإصابة بمر…ض زي دا”
أجاب الطبيب حينها بقول” من خلال التحاليل الي عملناها لاحظت انها بتعاني من سوء تغذية،وسوء التغذية بيلعب دور في الاصابة بمر..ض زي دا”
حينها شعرت بأنني أصبحت ابنة عشرين عاماً،وقلت بنبرة حزن وسخرية” شيء متوقع”
تعجب الطبيب وقال” الفترة الي مرت دي ازاي كان اكلك،اقصد ايه الي كنتِ بتاكليه او بتشربيه”
لم يعلم الطبيب بأن بسؤاله هذا جعل جرو…حي تنز…ف نز..فا شديدا،فأجبته” تقريبا مكنتش باكل،كنت فاقدة الشهية”
آهٍ لو علم الطبيب كيف كنت اعيش مع عائلتي،كانوا يتركونني بالمنزل وحدي دون أي طعامٍ او شرابٍ،ويخرجون لا أعلم إلى أين كانوا يذهبون،كنت أصرخ مراراً بأن لا يتركونني وحدي،لأنني كنت أخاف،كنت أرتعب،لكن لا حياة لمن تنادي،بدأت اشعر بالتعب والدوار يلتف حول رأسي ويحاوطه كالسياج الذي يحاوط حديقةً او قصراً،أخبرت امي مرارا بأنني أشعر بالتعب لكنها لم تهتم،أخبرت أبي بأنني متعبة،ولكنه لم بهتم لي،اهتم بأخوتي وتركني كالغريبة.
استيقظت من أفكاري على صوت الطبيب وهو يقول” على كل حال متقلقش ياباشا هنبدأ بالعلاج بأسرع وقت ”
إيهاب: مدة العلاج كم يا دكتور
حينها أجاب الطبيب بابتسامة مطمئنة” بص يا بشمهندس إيهاب احنا هنبدأ بالعلاج وخلال أسبوعين هيبدأ المر..ض يخف والشفاء أسرع،لكن لو عدى أسبوعين من غير أي حاجة،كدا هيكون معها مر..ض س..ل مقاوم للأدوية واتمنى ميحصلش الخيار التاني وعلى العموم مدة العلاج هتكون ست أشهر واتمنى بعد ست أشهر ينكتب ليها الشفاء”
خرجوا من الغرفة بعد أن ابتسم عمي بقلق،بدأت برحلة العلاج والتي كانت عبارة عن مضادات حيوية وأدوية أخرى،واتباع نظام صحي ملائم للأدوية التي أتناولها،مر أسبوع وعائلة عمي لم تفارقني،وعائلتي مختفية،مر الأسبوع الثاني،وتأكد الطبيب بأن مر..ض الس..ل الذي أصابني ليس مقاوم للأدوية وأستطيع الشفاء منه بإذن الله.
مر الأسبوع الثالث والرابع والخامس هكذا إلى أن أنهيت ستة أشهر،ستة أشهر رأيت فيهنَّ تعب لم أراه من قبل،صحيحٌ بأنني كنتُ اتناول الأدوية بإنتظامٍ واتناول الطعام بشكل جيد،لكن المكوث بالمشفى وأنتَ منعزلٌ عن الآخرين شعورٌ سيء،فقد منع الطبيب دخول أي شخص إلى غرفتي حتى لا يتأذى احد او يصاب بالعدوى،وفي حال دخول أحد الي،يرتدي كمامة طبية ولا يبقى طويلا بالغرفة،خمس دقائق ويخرج.
اليوم هو آخر يومٍ في رحلة علاجي،أجرى الطبيب لي بعض التحاليل ليتأكد من شفائي مئة بالمئة،مرَّ اليوم وحل المساء وأخيراً رأيت الطبيب وهو يدخل الغرفة ويرافقه كلٌ من بشرى وراجح، وقف الطبيب وبدأ يقرأ في التحاليل ثم رفع نظره وقال” احنا عملنا الي علينا والشفاء والتوفيق وكل حاجة من عند ربنا،احنا عملنا اليوم تحاليل لنتأكد من شفاء زمزم هانم،ايه مستعدة تعرفي النتيجة”
لا أنكر أنني ولوهلةٍ ارتعبت قليلا،وعلت نبضات قلبي خوفاً من النتيجة،لكنني استعنت بالله وقلت: مستعدة يا دكتور اتفضل
الطبيب بابتسامة مطمئنة: وكدا اقدر اقول انه الغرفة دي محتاجها مريض غيرك،الحمدلله هي الآن بخير وكل حاجة سليمة ومفيش اي حاجة بتعاني منها.
لم أنسى احتضان بشرى لي وفرحها،لم أنسى دخول زوجة عمي واحتضانها لي كان حضنها دافئ،لم أنسى فرحة الجميع عندما خرجت من المشفى،ولكن!
عندما أخبر عمي ابي بما مررت به لم يهتم ابدا،كذلك امي واخوتي من دون رؤوف،فهو الوحيد الذي زارني صحيح لم يطل في زيارته ولم يحدثني الا بضع كلمات وهي”سلامتك،ازيك”
بعد مرور أسبوع
كنت أعيش مع عمي في منزله بعد أن أخبر أبي بأنه سيأخذني لأعيش عنده بضع أشهر ووافق دون أن يسأل السبب،عدت للمدرسة،لم أكن مقربة من احد،كنت أحب الجلوس وحدي برفقة كتبي بعيدا عن العالم،كنت متفوقة بدراستي،وأحصل على درجات عليا،مرت السنة الأولى والثانية والثالثة هكذا إلى أن أصبح عمري سبعة عشر عاما،في خلال هذه السنوات عرفت أن العائلة الحقيقة ليست تلك التي تولد بها،بل تلك التي تحتويك في أوقات حزنك وسعادتك،عرفت أن الأم ليست تلك التي تنجب،بل تلك التي تربي وتحتوي وترعى،تلك التي تكون نورا لدربك،تلك التي تكون لك صديقة ورفيقة ومحبة واخت،عرفت أن الأب ليس ذاك الذي يرافق اسمك،بل ذاك الذي يكون لك سندا وصديقا ورفيقا واخا،عرفت أن ليس جميع الأخوة يستحقون لقب الأخوة،بل هناك إخوة يكونون لك شمسا في نهارٍ غائم،ويكونون لك قمرا في ليلٍ يأسره الظلام،عرفت من يحبني ومن يكره..ني عرفت كل شخص على حقيقته مع ذلك لم اطوي عائلتي من صفحات كتاب حياتي،بل بقيت أحبهم واخاف عليهم.
لم أقدم الثانوية ولم أدرسها بسبب تعب أبي ودخوله في غيبوبة،بسبب اخوتي الذين حطمو…ه وحطمو..ا آماله،تعب عليهم كل هذه السنين،وافنى حياته لهم،وسلمهم أعماله،لكنهم وللأسف لم يكونوا قادرين على حمل هذه الأمانة وقوت عيشنا،وصرفوا كل شيءٍ على أمور لا ترضي الله،وأمور اخرى،إلى أن فقدوا جميع ما اورثه ابي لهم،بإستثناء المصنع الذي بقي فقط،انقلبت حياتهم رأسا على عقب،بعد أن كانوا الكل بالكل ويعيشون حياة جميلة،أصبحوا يعيشون حياة سيئة،دخل أبي في غيبوبة وأسر المرض جسده،وأصبح عاجزا غير قادر على فعل اي شيء،عشت مع عمي وبصراحة العيش معه أفضل بكثير،فقد كانت أمي تعاملني كالجارية وللأسف لربما الجارية تعاملها معاملة حسنة،في حال كنت أريد زيارتهم كنت اذهب ثلاثة أيام بالأسبوع فقط وأعود منطفئة إلى منزل عمي،لكن لم أكن قادرة على البعد عنهم،وصحيح تأزمت حالة ابي ولم يستطع الاطباء فعل اي شيء سوى أن يتركوا الأجهزة عليه،وبسبب حالة أبي،لم أستطع الدراسة وتأثرت بحالته وتعبت نفسيتي ولم أكن قادرة على فعل اي شيء سوى الصلاة والدعاء له.
مرت هذه السنة وجاءت السنة التي بعدها،وأصبح عمري ثمانية عشر عاما
مازال حال أبي كما هو صحيح أنه استيقظ وخرج من المشفى وكما قلت كان عاجزا غير قادر على فعل اي شيء،ولكن وللأسف تأزمت حالته اكثر بعدما رأى معاملة اخوتي له ومعاملة امي له،ومقاطع…ة الناس لنا،تأثرت نفسيته كثيرا وأهمل صحته اكثر وأكثر،فعاد للمشفى وحالته متأزمة أكثر من اللازم،وللأسف بعد اسبوعين دخل في غيبوبة.
وللأسف لم أقدم الثانوية بسبب ما حصل معي💔💔
في يوم من الأيام كنت في منزل أبي،استيقظت من النوم،رأيت أمي تدلف إلى غرفتي وتقول” البسي حجابك عندنا ضيوف،اطلعي سلمي عليهم”
لوهلةٍ صُدمت مما قالته،فالساعة لم تتعدى السابعة والنصف صباحاً،لم أجادلها كثيرا،وذهبت غسلت وجهي ثم ارتديت لباسا فضفاضا وحجابي،ثم خرجت من الغرفة
رأيت أمي واخوتي يجلسون مع أمرأة يبدو أنها أم لذلك الشاب الذي يجلس بجانبها،شعرت بانقباض في قلبي ولم أشعر بالراحة قط لنظراتهم
لكنني سلمت على المرأة بكل هدوء ثم جلست بجانب أمي
فجأة نهض رؤوف واستأذن وخرج من المنزل بسبب رنين أحد أصدقائه عليه وبعد مرور دقائق نهضت أمي وقالت بابتسامة” اهو البنت عندكم،احنا هنطلع من هنا بس قبل كدا الفلوس تكون معانا”
صُدمت مما تقوله أمي وقلت”ماما انتِ تقصدي ايه،ومين دول”
لم ولن أنسى نظرتها في تلك اللحظة ولن أنسى كلامها الذي كان بمثابة خنجرٍ أصاب قلبي وجعله ينزف نزفا لم يعلم بمقدار وجعه الا الله”بصي انا كدا كدا عمري ما حبيتك بنتي اه،بس كرهت..ك معرفش ليه،فأنا مش شايفة اي لازمة لقعدتك هنا أو لوجودك بالحياة اصلا،دا دكتور مرزوق ودي والدة حضرته،ثم اقتربت مني بهدوء وقالت” دول بتا…جروا بالأ…عضاء بالسر محدش يعرف عنهم حاجة،وأهو ولأول مرة هنستفيد منك بحاجة”
صدمة،رعب،قلق،توتر،بكاء،كل هذا حصل معي مرة واحدة،سمعتها وهي تقول “اهي عندكم اعملوا إلى تعملوه،سمعت صوت المرأة وهي تقول”الفلوس بالبنك اتفضلي استلميهم”
سمعت ضحكة أمي واخوتي ضحكة لن أنساها مدى حياتي،فجأة خرجوا وتركوني لوحدي معهم،صرخت صرخات متتالية لعلَّ صرخاتي توقظ أمي،لكنها لم تستمع لي،وجدتهم يقتربون مني وعلامات الش…ر بادية على وجوههم
مهلا،أليس لديهم أي قلب ألا يعرفون الرحمة أبدا او الرأفة،هربت منهم وانا اصرخ إلى غرفتي،أغلقت الباب بسرعة بالمفتاح،وبدأت أبحث عن هاتفي لاتصل بأي أحد يساعدني،صوت شهقاتي وبكائي كان يعلو أكثر وأكثر،صوتهم وهم يأمرونني بأن أفتح الباب كان مرعباً،كانوا يحاولون كسر الباب،خوفي، خوفي ازداد،وأخيرا وجدت هاتفي،ضغطت على أول رقم رأيته،ثواني وجاءني الرد وكان ابن عمي راجح،لم أستطع الرد بسبب كسر الباب ودلوفهم إلى الغرفة،بدأت بالصراخ ليصل صوتي إلا ابن عمي ليأتي وينقذني حاولت التحدث وقلت” سيبوني،عايزين مني ايه،سيبونيييي،ابعدوا عنييي”
ضحكت المرأة وقالت”ايه يا حبيبتي،انا دافع لأمك مليونين جنيه،وجاية تقولي ليا ابعدوا عني،مش هنطلع من هنا إلا واحنا مخلص..ين عليكِ”
لحظة!
بدأت بالصراخ مرة أخرى ولكن للأسف،لم أسمع صوتي،صوتي اختفى،حاولت أن أجد أي شيء لألقيه عليهما لكن لم أجد للأسف💔💔💔 فجأة لم أشعر بأي شيء،شعرت بأن هناك غمامة سوداء فوق رأسي،شعرت بأن الظلام أسر عيوني،وفقدت الوعي تماما.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية زمزم قلبي) اسم الرواية