رواية صعود امرأة الفصل الرابع عشر 14 - بقلم اية طه
فضل فيصل يفكر في كلام وعد وكلام سته فوزية ويتكلم مع نفسه: “هو أنا فعلا غيران عليها؟ طب أنا غلطت برد فعلي دا؟ طب أنا ليه عملت كده؟ علشان هي زي أختي ولا حاجه تانية وكنت غيران؟ وممكن فعلا أكون زي عم إبراهيم زي ما وعد بتقول ولا لأ؟ إيه دا؟ أنا مش عارف أعمل إيه والصح فين والحقيقة فين، ومش قادر أحدد مشاعري…”.
فجأة يقطعه صوت فاطمة بتنادي عليه للغدا… يطلع فيصل ويقعد على الطبلية ويلاحظ غياب نجاة.
فيصل: “هي أمي فين؟ وباقي العيلة؟”.
وعد ترد بعد ما تجاهلت فوزية: “أمي بتأكل جدك جوا… وأبوك انت عارف نزل يبيع المحصول مش هيرجع قبل أسبوع…”.
فيصل: “آه… صح أنا نسيت”، وعيونه تحوم حوالين الدار يفتش عن شخص معين.
وعد: “عن إذنك يا ستي، أنا قايمة…”.
فوزية: “ماشي يا حبيبتي… ركزي كويس في مذاكرتك”.
فيصل: “أنتِ ما كلتيش يا وعد، رايحة فين؟”.
وعد: “أنا هجاوبك بس علشان عيونك اللي تعبت من كتر اللف عليها، طالعة أكل مع نجاة فوق علشان مش راضية تطلع من أوضتها”.
فيصل: “عيون إيه والكلام دا اللي بتقوليه؟ دا أنا غلطان اللي سألتك! إن شاء الله عنك ما طفيتِ… لسانك بقى طويل يا وعد ودا آخر إنذار ليكي، فاهمة؟”.
ويسيبهم ويروح المكتب وهو بيزعق: “عاااايز شاي حالًا…”.
تطلع سعاد أم فيصل: “إيه في إيه؟ ماله فيصل ولدي بيزعق كده ليه؟”.
وعد: “علشان الحقيقة بتتعب شويه، وابنك طول ما هو ما كبر دماغه كده هيفضل يتعب، والأيام مش هتسيب حاجة لحد…”.
وتطلع وعد لغرفة نجاة وتحاول تخليها تاكل… إنما تحت، فيصل في المكتب وتدخل عليه فاطمة بالشاي.
فيصل: “إيه ده؟ فين الفايش اللي مع الشاي؟”.
فاطمة: “حضرتك ما قلتليش يا سعادة البيه، هروح أجيبهولك على طول”.
فيصل: “هو أنا لازم أقول ولا إيه؟ ما نجاة كانت تجيبه من غير ما أقولها”، وهنا الكلمة ترن في ودنه… فعلا، نجاة كانت تعرف اللي محتاجه من غير ما يقول، ودي أول حاجة لازم يعرفها…
فيصل يبلع الشاي بقرف: “إيه ده يا بنتي؟ ده منظر شاي؟ مين اللي عمل الشاي ده؟”.
فاطمة: “الست هانم سعاد يا بيه…”.
فيصل بزعيق وعصبية: “يا مااااا… يا مااااا…”.
سعاد ملهوفة من المطبخ: “إيه في إيه يا فيصل بتزعق كده ليه؟”.
فيصل: “انتِ اللي عاملة الشاي ده يا ما؟”.
سعاد باستغراب: “أيوه، في إيه يا فيصل يا ولدي مالك أكده متعصب اليوم؟”.
فيصل: “ده شاي يا ما؟ أنا بشربه كده؟ وبعدين فين الفايش اللي معاه؟ انتِ نسيتيني ولا إيه؟”.
سعاد: “أنا يا بني أنساك؟ طب إزاي؟ انت ولدي نور عيني… بس انت اللي مش بيعجبك حاجة منا خالص، لازم الست هانم هي اللي عملاها علشان تعجبك. نعملك إيه؟ حتى انت نسيت طعم الشاي بتاع أمك”.
فيصل بتردد: “تقصدِ إيه يا ما؟ خلاص يا ما، سبيني دلوكِ أخلص الشغل اللي ورايا وأنا هبقى أعمل الشاي لنفسي…”.
كانت نجاة داخلة المطبخ بالصدفة وسمعت حوار فيصل، ونجاة كانت تضحك وتبكي في نفس الوقت. عملت الشاي والفايش وسبتهم لفاطمة تدخلهم لفيصل بس من غير ما تقول إنها اللي عملتهم…
فاطمة تدق على الباب…
فيصل وهو مشغول بالأوراق: “اتفضل…”.
فاطمة: “اتفضل يا بيه، الست هانم باعتتلك الشاي والفايش دول وبتقولك إنها خلاص ظبطت الشاي…”، وبتطلع من المكتب.
فيصل يشرب الشاي: “استني يا فاطمة، انتِ قولتي مين اللي عمل الشاي ده؟”.
فاطمة بتوتر: “الست هانم يا بيه…”.
فيصل بحزم: “أنهى هانم يا فاطمة؟”.
فاطمة بخوف من حزمه: “الست وعد يا بيه…”.
فيصل بتريقة: “وعد هي اللي عملت الشاي ده؟”، ويرجع لحزمه: “انتِ بتكدبي يا فاطمة، وانتِ عارفة إني مبحبش أكده. اتفضلي، انقلعي من هنا، ملكيش لقمة عيش معانا…”.
فاطمة ببكاء: “لا يا بيه، خلاص حقك عليا يا بيه، أنا غلبانة، وماليش غيركم، دا أنا معاكم وأنا عيلة صغيرة…”.
فيصل بقوة: “إلا الكذب يا فاطمة وانتِ عارفة، وآخر مرة هسالك، مين اللي عمل الشاي ده؟”.
فاطمة من وسط بكائها: “الست نجاة…”.
فيصل: “ومقولتيش كده ليه من الأول؟”.
فاطمة ببكاء: “والله يا بيه، هي اللي قالتلي مقولكش إنها اللي عملت الشاي، وحلفتني ووصتني بكده يا بيه…”.
فيصل باستغراب: “كل ده ليه؟ ما هي متعودة تعملي الشاي، ليه تحلفك علشان ماتقوليش؟”.
فاطمة: “يمكن علشان زعلانين مع بعض يا بيه، أنا أمي كده يا بيه، كانت لما تزعل من أبوي الله يرحمه، تعمل الأكل وتخليني أنا أدخله ليه أو الشاي زي دلوق، لأنها زعلانة منه، بس بتبقى عايزة تهتم بيه بردو… وأنا بس سمعت كلام الست نجاة يا بيه، بالله عليك ما تمشينيش من هنا…”.
فيصل: “لا خلاص، مش هتمشي، احنا أصلاً منقدرش نستغنى عنك يا فاطمة، احنا خلاص اتعودنا عليكي، بس آخر مرة تكذبي عليا، تعالي قولي كل حاجة، وما تقلقيش، أنا مش هعرف حد إنك قولتيلي ولا حاجة…”.
فاطمة تجري عليه وتحب على يده: “تشكر يا بيه، ربنا يخليك ويعلي مراتبك، قادر يا كريم…”.
فيصل ينتشل يده منها: “انتِ إيه اللي بتعمليه ده؟ استغفر الله العظيم، ما تعمليش أكده تاني… ويلا روحي شوفي كنتِ بتعملي إيه…”.
تخرج فاطمة فرحانة إنها مش مشيت من عندهم، فهي من عمر 7 سنين وهي بتشتغل عندهم، وحاليًا سنها 20 سنة ومحتاجة للشغل بعد وفاة أبوها… أما فيصل، فكان يفكر في كلام فاطمة إن نجاة عملت كده علشان بتهتم بيه، وحس إن راسه هتنفجر من التفكير، وأخد قرار إنه لازم يحكي مع حد، فطلع لوعد وافتكر إنها عند نجاة، فانتهزها فرصة علشان يشوفها…
فيصل على باب نجاة: “يا وعد، انتِ هنا؟”.
وعد: “أيوة يا أبية، اتفضل…”.
نجاة تقف وتتكلم مع وعد: “أنا نازلة الجنينه تحت أكمل مذاكرتي، ولابسة عباية واسعة والحجاب على راسي، وكمان هلبس الشال الطويل علشان عارفة إن في غفر برا، وحتى لو مفيش، أنا أكده بعمل كل مرة، قولت أقولك يا وعد علشان تبقي عارفة، ومش ألاقيكي المرة دي جايباني من شعري ولا متهماني بحاجة تانية…”.
وتاخد كتبها وتخرج، ولكن…
فيصل بحزم: “تعالي هنا يا نجاة، مش شايفاني واقف ولا إيه…؟”.
نجاة وهي لم تلف: “خير يا أبية فيصل، عايز حاجة تانية مني؟…”.
فيصل بحزم أكثر يشدها من إيدها ويلفها ليه: “عيب لما تكلمني وانتي مدّياني ضهرك كده، وإيه أبية فيصل اللي بتقوليها دي؟ وعد مش بتقولها، انتي هتقوليها؟ وبعدين إيه عاوز مني حاجة تانية؟ أنا عاوزت أولاني أصلا؟نجاة: معلش يا أبيه فيصل، كنت عايزه أروح إذاكر مستعجله، وبعدين اتعودت أقولك يا أبيه، أصلك ماقولتليش وأنا صغيرة زي ماقولت لوعد، لاختك متقولهاش تاني، سبتي أقولها، فمتجيش دلوق بعد ما لساني أخد عليها وتقول لي بطليها. وحضرتك طلبت مني ما أطلعش من أوضتي وما أخرجش من البيت، ومطلعش من أوضتي دلوقتي إلا لشديد القوي.
فيصل بحنية: يابنتي، أنا ماقولتش الكلام ده ليكي وانتي صغيرة، أنا قولته لعمتي الله يرحمها، وستك، وهما قالولي أسيبك تقوليه عشان تهابي مني وتعملي لي حساب. وأنا مكنتش عايزك تقوليها زي وعد، لإنكم انتو الاتنين معزتكم واحدة عندي. بس عمتي وستك هما اللي أصروا. وبعدين، أنا عارف إني عصبت عليكي الصبح وقلت حاجات مش صح، بس لما أنا بتعصب، مابكونش عارف أنا بقول إيه ولا بعمل إيه. وانتي ما عشرتنيش كفاية يانجاة، لأنك مكنتيش بتشوفيني غير في فترات دراستك، ودي بتكون فترات دراستي أنا كمان، بكون مسافر، ولما برجع، بتكون امتحاناتك خلصت وروحتي. علشان كدا في حاجات فيا انتي متعرفيهاش. بس عايز أقولك إنك زيك زي وعد، ولو كانت وعد مكانك كنت هقول نفس الكلام وهتصرف نفس التصرف.
نجاة محاولة منع البكاء: ونجحوا والله. أمي وستي الحمد لله، بقيت بهابك أهو وبخاف منك، مع إني الأول كنت بحترمك وبعزك، لأن مقامك عالي عندي. كنت بسمع الكلمة علشان زعلك مابيهنش عليا وعلشان بحترمك. أما دلوق، أنا بخاف منك بجد، وهسمع الكلام بدافع الخوف زي ما بعمل مع أبوي وأخويا. وانت بتقول إني زي اختك، تمام، بس لو كانت أختك مكانى كنت هتشكك فى تربيتها كده زي ما عملت معايا فاخلاقها.
فيصل بحزن: إنتي دلوقتي بقيتي خايفة مني يا نجاة؟ ليه؟ كل المعزة وكل اللي حكيتيه دا راح في عصبية واحدة وأول مرة أتعصب عليكي فيها؟ بقيت وحش ويتخاف مني؟ طب بصي، يا بنت الناس، الله يعلم إني أنا ووعد بعاملكم إزاي، ومعزتكم عاملة إزاي عندي، وبعاملكم مش زي باقي الناس اللي بعاملهم. أنا حنيتي كلها عليكم. وحاجة تانية، يا بنت عمتي، أنا قلتلك قبل كده ما تقرنيش بيني وبين أبوكي وأخوكي تاني، مفهوم؟ خليكي يا نجاة، أنا اللي هخرج. أنا كنت جاى أطمئن على إخواتي، وخلاص، اطمنت.
نجاة بقوة وهي توقف فيصل: أنا مش أختك، أنا بنت عمتك، مفهوم؟ متقولش إني أختك دي وابقى اضحك على حالك. وقول إنك مش زي أبويا وأخويا، بس لو قعدت شويه كده وشوفت هتلاقي نفسك زيهم، ما بتفرقش عنهم حاجة.
فيصل بغضب: إنتي عايزة إيه وتقصدي إيه بكلامك ده؟ مرة اتعصبت عليكي، نسيتِ كل مرة كنت بعاملك فيها إزاي؟ من مرة واحدة؟ إنتي ليه قاسية وجاحدة كده؟ ولا نسيتِ أنا بعاملك إزاي وبشوفك إزاي؟ على العموم، مش أنا اللي لازم أقعد مع نفسي. انتي اللي لازم تعملي كده، وواجهي نفسك شويه بأفعالك.
وسابها وخرج من الأوضة، وهي وقعت على الأرض، والدموع تنهمر من عيونها كالشلالات. وتجري عليها وعد وتحتضنها وتقول…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية صعود امرأة ) اسم الرواية