رواية و بالعشق اهتدي الفصل الرابع عشر 14 - بقلم ندى محمود توفيق
(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2 _
_الفصل الرابع عشر _
لم يدرك متى وكيف حدث ذلك المشهد المؤلم أمام عينيه وانتهى الأمر برؤيته لها وهي على الأرض بعدما صدمتها السيارة وفر صاحبها هاربًا.
رآها مسطحة على الأرض والدماء تسيل من رأسها كانت تمامًا كالجثة الهامدة، الصدمة استحوذته وشلت حركته وتفكيره للحظات، لكن مع صوت أبواق السيارات وحركة الناس والتفافهم حولها فاق من صدمته وراح يركض نحوها مزعور وبارتيعاد ليبعد الناس عنها بقوة ويجثى على الأرض أمامها ممسكًا برأسها فوق يديه غير نباليًا بدمائها ويهتف بصوت مرتعد ومبحوح:
_مريم ردي عليا.. مريم
كان يسمع اصوات الناس من حولها بعضهم يدعو على ذلك السائق الخسيس الذي صدمها وهرب وبعضهم يصيح ليتصلوا بالأسعاف، لكنه لم يكن يبالي بأي شيءيسمعه حتى أنه ليس لديه الصبر وقوة التحمل التي تمكنه من الانتظار حتى وصول الأسعاف، حيث حملها على ذراعيه واتجه بها نحو سيارته وسط محاولات الناس لردعه موضحين له أنه من الخطأ حملها والذهاب بها للمستشفى دون انتظار الإسعاف، لكنه لم يكترث لهم ووضعها بكل حرص بالمقعد الخلفي للسيارة ثم التف إلى الأمام واستقل بمقعده المخصص للقيادة وانطلق به وهو تارة ينظر للطريق وتارة لها بعينان يملأها الرعب والهلع ويقود السيارة بأقصى سرعة ممكنة، كان يتسابق مع الزمن ليصل للمستشفى في اقل وقت ممكن.
دقائق قصيرة ورغم بعد المسافة إلا أنه قطعها في وقت قياسي ووصل المستشفى، دخل إلى قسم الطوارئ راكضًا يطلب المساعدة منهم وبظرف دقائق معدودة كانوا يحملوها على نقالة المرضى ويتجهون بها نحو غرفة العمليات.
جلس هو على أحد المقاعد بردهة المستشفى وانتبه لملابسه الغارقة بدمائها وتذكر ذلك المشهد البشع فراح يدفن رأسه بين راحتي يديه الملطخة بالدماء وهو على وشك البكاء حزنًا عليها، يلوم نفسه أنه السبب ويقول ربما لو لم اطلب منها مقابلتها لكانت الآن بخير.
***
بمكان آخر تحديدًا بمنزل ابراهيم الصاوي......
دققت النظر بالحقيبة واكتشفت أنها ليست لها بل لمنى، وكانت هي تقف بجوارها ويبدو أن استعدت وتجهزت للرحيل، فلاح شبح ابتسامة آسيا المتشفية على ثغرها لكنها اخفته بمهارة وتصرفت بجمود دون أن تظهر أي تعبير على وجهها، حتى سمعت صوت زوجها وهو ينظر لها ويقول بخشونة:
_منى كانت عاوزة تودعك وتسلم عليكي يا آسيا قبل ما تمشي
نقلت آسيا نظرها بين زوجها ومنى وكذلك إخلاص وعفاف بملامح قاسية لكن سرعان ما تحولت لأخرى بشوشة وكل ود وهي تجيب:
_بس بس ده من عنينا!
تحركت بخطواتها في بطء وثقة أثارت حنق إخلاص ومنى التي عندما وصلت إليها دون أي مقدمات جذبتها لحضنها تعانقها بغل، وحدها منى من شعرت بزيف ذلك العناق الثعباني من آسيا وهي تقول لها بكل حزن الجميع يعرف تصنعها له أمامهم:
_هتفضي علينا البيت والله يامنى.. ابقى متقطعيش رچلك عنينا وطلي علينا كل شوية لاحسن أنا بتوحش طلتك عليا إكده كل فترة والتانية
فشل عمران في تمالك نفسه من الضحك على تمثيل زوجته الكوميدي من رأيه وراح يميل بوجهه للجهة الأخرى فورًا ليخفي ابتسامته عن أنظارهم، بينما آسيا فتابعت كلامها ولكن بهمس لم يسمعه سوى منى:
_لتكوني فاكرة إني هكتفي بطرد چوزي ليكي ياسحلية، أنا حذرتك كتير وأنتي مصدقتنيش ودلوك هتشوفي بت خليل صفوان لم توعد كيف بتوفي
ابتعدت عنها بعدما انهت عباراتها والتفتت لعمران ترمقه بنظرة محبة، ثم قالت لمنى بنظرة ماكرة:
_مع السلامة يامنى
اقتربت منها إخلاص وعانقتها مودعة إياها رغم أنها همست لها في أذنها بكلمات لم يسمعها أحد منهم، لكن آسيا هذه المرة لم تبالي فخطتها لم تنتهى بعد وعندما تنفذ أخر خطوة سيصبح دخول منى لهذا تاني شبه مستحيل طالما عمران به.
تحركت منى وهي تحمل حقيبتها لخارج المنزل بعدما ودعتهم، فابتسمت آسيا بنصر واستدارت تصعد لغرفتها مجددًا لكي تكمل خطتها كان سيلحق بها عمران لكن صوت رنين هاتفه أوقفه وعندما أجاب عليه بإيجاز:
_بعدين يابشار بعدين هكلمك
سمع صوته غريب وتائه في الهاتف وهو يجيبه:
_تعالى ياعمران أنا في المستشفى، مريم عملت حادث وفي العمليات دلوك
صاح عمران بصدمة:
_إيه.. طيب مستشفى إيه قولي بسرعة وأنا چايلك
املى عليه اسم المستشفى وبتلك اللحظات كانت إخلاص وعفاف التفوا حول عمران ظنًا منهم أن بشار قد صابه مكروه وراحت إخلاص تصيح بعمران في زعر:
_ماله بشار ياعمران.. ماله چراله إيه؟
رد عليهم عمران بهدوء وإيجاز ليهدأ من روعهم:
_كوبس الحمدلله متقلقوش بس مريم عملت حادث
ضربة إخلاص على صدرها كانت متزامنة مع صيحتها المدهشة في رعب وحزن " يامري " وكذلك عفاف مثلها بينما هو فانظفع لخارج المنزل مسرعًا ليذهب إلى ابن عمه ويقف معه في محنته.
بينما بالغرفة بالأعلى حيث توجد آسيا، أخرجت هاتفها وأجرت اتصال بتفحية عمة عمران ووالدة منى وانتظرت للحظات طويلة حتى وصلها الرد منها وهي تقول:
_الو مين؟
اجابتها آسيا بنبرة عذبة:
_أنا آسيا مرت عمران ياحچة فتحية.. عاملة إيه؟
غضنت فتحية عينيها بتعجب لكن ردت على آسيا بود مماثل:
_بخير الحمدلله يابتي..أنتي عاملة إيه وأخبار حملك وعمران كيفه؟
آسيا بنفس النبرة السابقة:
_كلنا بخير الله يبارك فيكي ياحچة.. معلش أنا بس اتصلت بيكي وكنت عاوزة اكلمك في حاچة إكده تخص منى
ارتعدت فتحية وهتفت بسرعة في فزع:
_مالها منى چرالها حاچة ولا إيه؟!
آسيا بنفس ورزانة تامة:
_لااطمنى هي كيف الحصان حتى زمانها على وصول دلوك عندك
فتحية باستغراب:
_مقالتليش أنها چاية يعني!!
آسيا في صوت ظهر عليه العبوس والحنق:
_أصله حصل مرة واحدة إكده وقررت تمشي، بصراحة يعني ياحچة فتحية أنا لو مكنتش بعزك مكنتش هقولك الكلام ده وكنت ممكن اعمل أي حاچة تاني، بس كمان الموضوع زاد عن حده قوي وأنا مقدراش اتحمل الصراحة اكتر من كدا وقولت لازم أنتي تشوفي حل مع منى
بدأ القلق الحقيقي يتسرب لقلب فتحية وراحت تهتف بلهجة صارمة لآسيا:
_ما تقولي يابتي إيه اللي حُصل وغوشتيني ( قلقتيني)
تنهدت آسيا بحزم وراحت تهتف بصوت أظهرته مغلوبًا ومقهورًا باحترافية:
_بصراحة إكده منى بتاچي إهنه بيت خالها عشان عمران، أنا عارفة من زمان وساكتة هي شايلة في قلبها مشاعر لچوزي وبتحاول تتقرب منه وتخطفه منى وأنا كذا مرة اتكلم معاها بالحسنى واحذرها وهي مش عاوزة تسمع منى، وآخر ما غلبت لجأت ليكي أنتي، صدقيني أنا والله أبدًا ما بتبلى عليها وبشوف اللي شيفاه قصادي حتى لو سألتيها عن علاقتها بعمران مش هتعرف ترد عليكي لأن حتى هو بقى فاهمها ومش بيتحدت معاها واصل واكتر من مرة يحذرها أنها تبعد عني وعنه، انا اتصلت بيكي وقولتلك أنتي عشان تعقليها والمواضيع متكبرش وتتعرف للكل ويبقى فيها مشاكل كبيرة
استشاطت فتحية غيظًا وصاحت بغضب هادر:
_إيه اللي بتقوليه ده أنا بتي متربية زين وعمرها ما تعمل إكده، حد قالك عنها أنها خطافة رچالة ولا بايرة عشان تچري ورا واد خالها المتچوز
حافظت آسيا على أسلوبها المهذب والبرئ وهي تكمل لها موضحة:
_أنا مقصديش أكده طبعًا أنا بقولك فهميها يمكن لساتها صغيرة ومعرفاش الصح من الغلط، وحقك طبعًا متصدقنيش بس چربي إكده واسأليها على الكلام اللي قولتلك عليه ده وشوفيها هترد تقولك إيه وأنتي أمها وأكيد فاهمة بتك زين وهتعرفي إذا كانت بتكدب عليكي ولا لا
لم تحصل على رد من فتحية وفقط كانت تسمع صوت أنفاسها العالية التي تثبت مدى غضبها وزمجرتها، فهتفت آسيا مكملة تنهي حديثها واتصالها كله:
_أنا حبيت اعرفك واقولك.. مع السلامة ياحچة
انزلت الهاتف من فوق أذنها وأنهت الاتصال ثم راحت تحدق في الهاتف مطولًا حتى ورسمت بسمتها الشيطانية والمتشفية على ثغرها.
***
بمكان آخر داخل المقهى حيث يجلس بلال ينتظر عودة حور من الحمام، بعد دقائق طويلة نسبيًا رآها وهي تتجه نحوه وتعبيرات وجهها مريبة وكأن بركان انفجر داخلها وتفوح حكمه البركانية على صفحة وجهها وجعلته أحمر كالدم، ضيق عينيه باستغراب وانتظرها حتى وصلت له فوجدها تهتف بغضب دون أن تجلس على المقعد حتى:
_يلا بينا أنا عايزة امشي
بلال بحيرة وجدية:
_ إيه اللي حُصل، مالك؟
أجابته بنظرة متوعدة ونارية:
_هتعرف مالي بس برا لما ننطلع مش هنا قدام الناس
ظل مكانه ساكنًا يستوعب من تقوله وما حدث بظرف دقائق، فهي ذهبت للحمام بحال وعادت بآخر، لم يلبث للحظة حتى وحدها تندفع لخارج المقهي ثائرة فاستقام واقفًا واتجه نحو ماكينة الدفع ليدفع الحساب ثم لحق بها للخارج، وكانت هي تنتظره بالسيارة، استقل بنقعده المخصص للقيادة بجوارها والتفت لها ينظر باهتمام ويسألها في صوت غليظ:
_ممكن افهم عاد اللي بيحصل؟
رمقته حور شزرًا وهتفت بنظرة مترقبة لرده:
_مين البنت اللي سلمت علينا من شوية
غصن حاجبيه بتعجب من سؤالها عنه مرة أخرى وقال ببساطة:
_أنا مش قولتلك أنها واحدة كانت معرفة من شغل قديم كنت شغال فيه
صاحت به حور منفعلة:
_بلال متكدبش عليا
اتسعت عينيه مندهشًا من صياحها به من اللأشيء ولا إراديًا خرج صوت حادًا ومنزعجًا:
_چرا إيه ياحور، وطي حسك وبعدين أنا هكدب عليكي ليا خايف منك مثلًا
لم تبالي بتحذيره لها لإخفاض نبرة صوتها فتابعت بعصبية وغيرة شديدة:
_أيوة كدبت عليا ومقولتليش أنك كنت مرتبط قبلي وخاطب
رفع حاجبه بصدمة وهتف بصوت رجولي غليظ:
_نعم، مرتبط ده إيه!!!
حور بثقة تامة ونظرة ملتهبة:
_ايوة كنت مرتبط بالبنت دي
تحول صوته وأصبح مخيفًا وصاح بها منفعلًا:
_مين اللي قالك الكلام ده؟!
اعتدلت حور واستحت بوجهها بعيدًا عنه لتحدق الطريق أمامها رافضة النظر لوجهه وهي تهتف:
_هي قالتلي
لاحت ابتسامة متهكمة على ثغر بلال الذي تمتم بدهشة:
_وأنتي صدقتيها!!!
التفتت له ورمقته بنارية لتكمل بغيظ:
_ومصدقهاش ليه هو أنا قولتلي الحقيقة ولا فهمتني حتى
صاح بها فجأة بصوت رجولي مخيف نفضها بمقعدها:
_وأنا قولتلك واحدة كانت كل علاقتي بيها شغل وبس وهي كانت بتحاول تقرب مني وأنا مش بديها سكة، وطبعًا لما شافتك معايا شغل كيد الحريم والغيرة ده أكيد قالت اغيظها واكدب عليها من غيرتها منك، وأنتي صدقتي واحدة غريبة ومش مصدقاني
تبدلت تعبيرات وجه حور وقد بدأ عليه وكأنها شعرت بالندم البسيط بعدما أدركت سذاجة فعلتها والشجار السخيف الذي صنعته بينهم من لا شيء، فالتزمت الصمت ضيقًا واطرقت رأسها أيضًا بينما بلال فتابع مغتاظًا بصوت رجولي أجشَّ:
_لكن أنتي عاوزة بس تعملي مشكلة والسلام وتفسدي أي لحظة حلوة بينا بشكك وعدم ثقتك فيا
رفعت رأسها بسرعة وطالعته بصدمة وهتفت بانزعاج من عبارته الأخيرة:
_إيه اللي بتقوله ده أنا عمري ما شكيت فيك وبثق فيك، هو أنا لو مكنتش بثق فيك كنت هوافق اتجوزك يابلال
بلال بعصبية شديدة:
_لا مبتثقيش لما تصدقي كلام الغريب اني ومتصدقنيش يبقى معندكيش ذرة ثقة فيا، وأنا لو عملت كيف ما بتقولي معاكي هتقولي نفس الكلام
لوت فمها بإحراج وحنق ثم قالت له في وجه عابس:
_اعمل ايه يابلال مهو أنا كمان من غيرتي وعصبيتي انك ممكن تكون حبيت عني حاجة زي كدا مبقتش عارفة أنا بقول إيه
اطلق بلال زفيرًا حارًا بغضب حقيقي وقال بخشونة وهو يشغل محرك السيارة:
_متعمليش حاچة واصل، احنا احسن حاچة نعملها دلوك اوصلك البيت عشان منجرحش بعض اكتر
لوت فمها بأسى وضيق أنها تسببت في زعل وأشجار بينهم بسبب غيرتها وعدم ثقتها بزوجها كما قال للتو...
***
توقفت سيارة جلال أمام أحد المنازل المكونة من طابق واحد بمنطقة شعبية ومكتظة بالناس، وكان خلفه سيارة الأجرة التي خرجت منها فريال واختبأت بمكان بعيد عن أنظاره حتى لا يملكها ووقفت تراقبه وتراقب ذلك المنزل الذي وقف أمامه ويطرق الباب، هي تعرف جيدًا منزل منه هذا ومن يسكن به لكنها تريد التأكد، وبالفعل عندما انفتح الباب رأت منصور يرحب بجلال ودخلوا واغلقوا الباب، فتأففت في صوت عالي بخنق وقالت بعصبية:
_سبق وقولتلك ياچلال مش هسيبك تضيع روحك عشان عمك اللي ميستهلش ده، سامحني على اللي هعمله بعد إكده
ثم استدارت ووقفت تنتظر مرور أي سيارة أجرة أخرى لتأخذها للمنزل مجددًا، وبعد دقائق قصيرة توقفت لها سيارة واستقلت بها وانطلقت عائدة لمنزلها قبل عودة أطفالها أو ملاحظة زوجها لخروجها من المنزل دون علمه ومراقبتها له.
***
داخل المستشفى.....
ساعات طويلة مرت وطال انتظاره وهو يحترق من عذاب ضميره وحزنه وخوفه عليها، حتى أنه لم يبدأ ملابسه الملطخة بدمائها حتى الآن، ينظر ليده الملطخة بالدم كل لحظة والأخرى وهو يتذكر منظرها الأليم وعيناه تدمع، أما قدميه فكانت تهتز بعنف وقوة وهو جالس فوق المقعد الحديدي حتى سمع صوت عمران بجواره يهتف وهو يربت على قدمه:
_ان شاء الله هتطلع زي الفل من العمليات وتقوم بالسلامة، اهدى عاد يابشار
التفت برأسه لعمران وتكلعه بعينان تائهة وهو يقول بوجع:
_أنا شوفتها قصاد عيني مش قادر انسى المنظر ياعمران وقلبي بيتقطع عليها، بس الـ**** اللي عملها وخبطها وچري هچيبه لو نزل سابع أرض
تنهد عمران الصعداء بحزن على حال تلك المسكينة وحال ابن عمه وصديقه وقبل أن يجيبه، لمح الطبيب يخرج من غرفة العمليات فلكز بشار في كتفه لينتبه له فوقف الآخر بلهفة بسرعة وهرول نحو الطبيب الذي كانت تعبيرات وجهه عابسة، فظهر الارتيعاد على وجه بشار مجددًا بعدما أصبح متأملًا في سماع الأخبار الجيدة عنها، وراح يسأل الطبيب بخوف:
_خير يادكتور طمني، هي كويسة صُح؟
مط الطبيب شفتيه للأمام بأسف وقال في صوت حزين:
_احنا حاولنا نعمل كل اللي نقدر عليه أثناء العمليات بس الحادث كان صعب وخطير وللأسف
قذف قلب بشار من مكانه زعرًا وهتف بوجه مرتعد:
_للأسف إيه؟!!
زم الطبيب شفتيه وقال بأسى:
_هي دخلت في غيبوبة وهتفضل تحت العناية المشددة
ظهر الجمود المريب على وجه بشار نتيجة لصدمته وحزنه فراح عمران يسأل الطبيب مستفسرًا أكثر:
_طيب والغيبة دي هتستمر لغاية ميتا يادكتور؟
أجابه الدكتور بيأس:
_للأسف مقدرش احدد معاد معين الغيبوبة ممكن تستمر لسنين بس ان شاء الله هي حالته تستقر وتفوق في اقرب وقت، ادعولها انتوا بس
ابتعد الطبيب وتركهم وعندما التفت عمران بجواره وجد بشار جلس فوق المقعد ودفن رأسه بين راحتي كفيه، فاقترب منها وجلس بجواره وراح يربت فوق ظهره هاتفًا:
_اجمد يابشار امال متقلقش أن شاء الله هتقوم بالسلامة وهتفوق
خرج صوته مبحوحًا يحمل الندم والشجن:
_أنا طلبت منها نتقابل عشان اقولها أني عاوز افسخ الخطوبة، أنا السبب ياعمران يمكن لو مكنتش طلبت منها مكنش ده هيچرالها
هتف عمران بأسف:
_ده نصيب وقدر مكتوبلها يابشار، وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرًا لكم، ومريم بإذن الله هتفوق وترچع لناسها وليك بالسلامة، أجمد أنت بس إكده عشان هي محتچاك چارها في المحنة دي
رفع أنامله يجفف دموعه المتمردة وهو يزيح بوجهه للجهة الأخرى يخفي عبراته عن عمران ثم يستقيم واقفًا ويتجه للحمام ليغسل يديه من الدماء.
***
داخل منزل خليل صفوان.....
توقف "علي" أمام غرفة غزل وبيده الأطار الجديد الذي اشتراه لها وبداخله صورتها كما وعدها، راح يتمعن النظر في الصورة والإطار للحظات ثم مد يده داخل جيبه وأخرج نفس الصورة لكن نسخة منها، لا يعرف كيف اتبع عقله ونفذ ما طلب ونسخ من صورتها نسخة له ليحتفظ بها، رغم شعوره بالخطر مع الوقت والأيام يزداد قربه منه وأن تصرفاته ليست طبيعية لكنه لا يتمكن من حجب نفسه عنها أو حتى التوقف عن التفكير بها.
ظل يتأمل في صورتها وهو يبتسم بملامح أشبه بعاشق ولهان، لكن لم يدم طويلًا عندما فتحت الباب فجأة ويبدو أنها كانت تنوي الخروج فانتفض هو فزعًا وبسرعة دس يده في جيبه يخفي نسخة صورتها، بينما هي فاتسعت عيناها بدهشة وقالت:
_علي.. هو أنا كل يوم كدا هتصدم بيك قدام اوضتي!
ابتسم لها وقال بعبث:
_نعمل إيه عاد القلوب عند بعضيها
ضيقت عينيها باستغراب عندما لم تفهم عبارته وقالت:
_what?!
تجاهل سؤالها ورفع الإطار أمام وجهها هاتفًا بنظرة تحمل معانى جمة:
_وأدي ياغندورة البرواز اللي كسرتهولك امبارح، وكيف ما وعدتك أني هعمله النهاردة وأهو عملته عشان تعرفي بس أن الرچالة بتبقى قد كلمتها
ظهر اشراق وجهها العفوي وجذبت من يده الإطار وقد كان شكله لطيف وجميل فابتسمت بفرحة وقالت له بنعومة:
_حلو أوي، thank you ياعلي بجد، بس ممكن متقوليش غندورة دي وأنا قولتلك اكتر من مرة على فكرة
رفع حاجبه وقال مبتسمًا:
_بس مقولتيش السبب!!
قلبت عينيها بقلة حيلة منه وهتفت في رقة:
_مس عاجبني، وحساه very weird وكمان حاسة أنك بتقوله بأسلوب تريقة أو سخرية مني
طالت نظرته لها وهو يبتسم بطريقة أثارت حيرتها واربكتها ثم وجدته يجيب بكل ثبات:
_بس أنا عاچبني
هزت رأسها بنفاذ صبر منه وقررت عدم النقاش معه أكثر وغيرت مجرى الحديث حيث قالت:
_anyway, بجد أنت امبارح ادهشتني مكنتش متوقعة منك كدا يعني فجأة اتغيرت وبقيت انسان متحضر ولطيف ومش rude في كلامك
غمز لها ضاحكًا وتمتم:
_ليه مش كنت بربري وهمچي
عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بكل عنجهية وتمسك برأيها عنه:
_ومازالت بربري، بس أنا بقول امبارح بس يعني كان اسلوب لطيف وبشكرك عليه مش اكتر
هز رأسه بنظرة دقيقة اخجلتها وقال وهو يخفي ابتسامته:
_امممم ماشي ياغندورة العفو
أطلقت زفيرًا وتأففًا مسموع على نعته لها بـ " غندورة " ثانية فضحك هو وبعدما تحرك خطوة مبتعدًا عنها توقف والتفت لها وقال غامزًا بنظرة ذات معنى:
_چربي تبحثي أو تسألي حد وتعرفي معنى غندورة إيه عندينا إهنه
ظهرت علامات الاستفهام على ملامحها وظلت تراقبه بنظراتها وهو يبتعد عنها، ثم نظرت للإطار الجديد الذي أهداه لها وابتسمت خلت غرفتها مجددًا.
بينما هو فاصطدم بأمه أثناء طريقه لغرفته واوقفته وهي تنظر له مبتسمة بخبث وتسأله:
_كنت واقف بتتكلم مع غزل في إيه يا واد؟
على مندهشًا:
_أنتي بتراقبيني ولا إيه ياما
هتفت إنصاف بحدة مزيفة لتجعله يتكلم:
_متوهش في الكلام ياواد، ورد على سؤالي كنتوا بتتودودوا في إيه؟!
غضن حاجبيها وضيق عينيه بحيرة من أسلوب أمه واسألتها بينما هي فبلحظة عادت للخبث والبسمة المستمتعة وهي تسأله للمرة الثالثة:
_البت عچبتك ودخلت دماغك مش إكده، قول ياواد متتكسفش ده أنا أمك
زادت علامات الاستفهام والدهشة على ملامح " علي " لكن تلقائيًا انطلقت منه ضحكة على كلمات أمه التي تابعت بحماس غريب:
_أنا كنت عارفة ومتأكدة هو أنا هتوه عن ولدي يعني، فاكرني هبلة ومش واخدة بالي أنك لازق ليها طول الوقت وبتغير عليها ومش عاچبك لبسها، بس أن چيت للحق البت كيف القمر وأنا حبيتها قوي زواق ياواد وبتعرف تنقي، إيه رأيك اچوزهالك يا " علي ".. واهو يبقى زيتنها في دقيقنا
اتسعت عينيه بصدمة من تطور الأمر لدى أمه وأنه وصل للزواج ورغبتها في زواجه من ابنة عمته، فهتف بجدية ولهجة قوية:
_إيه ياما اللي بتقوليه ده، مالك إكده أنتي فيكي حاچة ولا إيه، چواز إيه ده وبعدين إيه زينتا في دقيقنا هو مسابقة سحب، وسعي ياما إكده خليني اروح اوضتي الله يهديكي
ابعدها بيده في رفق من أمام طريقه ليعبر فقالت له إنصاف بثقة وهي تراه يصعد الدرج:
_مسيرك تاچيني برچليك إكده وتقولي چوزهالي ياما وهتشوف وتقول أمي قالت يا علي
ابتسم رغمًا عنه على كلماتها وردد بخفوت مغلوبًا وهو بطريقه لغرفته:
_اچوزهالك وزيتنا في دقيقنا!
***
بتمام الساعة العاشرة مساءًا داخل منزل ابراهيم الصاوي بعد عودة عمران من المستشفى، قاد خطواته لغرفته بالأهلى بعد حديث طويل دار بين العائلة كلها بالأسفل وكان هوويسرد لهم تفاصيل ما حدث ويطمئنهم على حالة مريم الصحية أنها مستقرة نسبيًا ولكنها مازالت داخل الغيبوبة.
فتح باب غرفته ودخل فوجد آسيا انتفضت واقفة واتجهت نحوه مسرعة تسأله بحزن:
_طمني ياعمران عاملة إيه خطيبة بشار، أنا زعلت قوي عليها لما عرفت
اخذ نفسًا عميقًا ونزع حذائه عنها وهو يجيب عليها:
_الحمدلله حتى الآن الأوضاع مستقرة بس الله اعلم هتفوق ميتا عاد من الغيبوبة
عبست آسيا وقالت بإشفاق:
_أن شاء الله تقوم بالسلامة قريب وتفوق، أكيد بشار حالته صعبة
هز عمران رأسه بالإيجاب واتجه نحو الفراش يجلس فوقه ليهتف بضيق:
_فضل قاعد هناك مع ابوها مرضيش يرچع البيت، بيلوم نفسه طول الوقت أنه كان عاوز يفسخ الخطوبة وطلب منها بتقابلوا
صاحت آسيا بدهشة:
_إيه يفسخ ده إيه، دي البت كويسة قوي وتتحط على الجرح يطيب، ولا هو عاد لساته بيفكر في رحاب الصفرا دي!
اطلق عمران زفيرًا حارًا بحنق من ابن عمه وتمتم:
_للأسف مع أني حذرته وقولتله هتندم لو هملت خطيبتك عشان رحاب، لساته مجنون بيها ومش عاوز يطلعها من راسه ولا ينساها ويدي فرصة لنفسه ولخطيبته
طالت نظرات آسيا الدقيقة لعمران ثم سألته باهتمام ونبرة حازمة:
_عمران هو انت عارف إيه عن رحاب ومش قايل لحد
التفت له وقال بحدة ليسكتها عن طرح الأسئلة:
_هكون عارف إيه يعني يا آسيا، كل ما في الموضوع أنهم مينفعوش لبعض ويشار في غلاوة بلال عندي وأنا عاوزله الخير
هزت رأسها باستسلام على الرغم من أنها لم تصدقه لكنها أثرت عدم النقاش معه في هذا الأمر أكثر والتزمت الصمت حتى وجدته ينظر لها بابتسامة جانبية ويغمز مبتسمًا:
_أظن إكده معدش ليكي حچة عاد ياغزال، ونفذتلك كل طلباتك
ضحكت بغنج أنثوي واقتربت منه وراحت تلف ذراعيها حول رقبته هامسة:
_ربنا ما يحرمني منك واصل يامعلم
قهقه عليها بحب وهتف مازحًا:
_أما منى دي كانت عاملة أزمة صُح بينا، بيني وبينك ياغزال أنا مكنتش طايق وچودها واللي حُصل ده كان حچة عشان أمسينا
استشاطت آسيا وهتفت بغل شديد ونظرات ملتهبة:
_دي سحلية چاية إهنه عشان تلف عليك وتاخدك مني فكرها هسيبها تقرب منك ده أنا اقرقشها بسناني
ابتسم لها بغرام ومال عليها ليلثم جانب ثغرها بحنو ويهمس في صوت رجولي يسلب العقل:
_هي غزالة واحدة اللي في قلبي ومفيش غيرها يملى عيني
تلونت وجنتيها بحمرة الخجل ومالت بوجهها بعيدًا عنه وهي تضحك بحب وتهمس:
_متكسفنيش ياعمران الله!
هتف ضاحكًا وهو يغمز بوقاحة:
_ده حتى غزل عفيف أمال لو قولت غزل صريح عاد هتعملي إيه؟!
حاربت خجلها منها والتصقت به أكثر لتهمس بهيام ونبرات متيمة:
_ولا حاچة هحبك أكتر بس يامعلم
طال تأمله العاشق بها بعد عبارتها ولم يجيبها بشفتيه ولكن عينيه كانت تقول ألف كلمة وتصف ألف شعور، وبتلك اللحظة فضل الفعل على الكلام حيث انغمسوا معًا في لحظاتهم الغرامية...
***
داخل منزل جلال بعدم عودته من الخارج استقبلته فريال بحفاوة وحب وهي تعانقه فيضمها إليه أكثر، وبعد لحظات تبتعد عنه وتسأله بحنو:
_احضرلك العشا
هز رأسه له بالإيجاب مبتسمًا بحب، فقد كان مرهق لدرجة أنه لا يستطيع حتى التحدث، تركته فريال واتجهت للمطبخ لتقوم بتحضير وجبة العشاء لهم بعد خلود أولادهم للنوم، وبعد دقائق قصيرة نسبيًا انضم لها في المطبخ ومد يده إلى صحن الخيار يلتقط واحدة ويلقيها في فمه متمتمًا بتعب:
_أنا ميت من الچوع يافريال
ابتسمت له بعاطفة وتمتمت:
_بعد الشر عليك ياحبيبي، أنا خلاص كلها دقائق وأكون خلصت
وجدته يقترب منها وينحنى عليها ليقبلها من وجنتها بحرارة فتبتسم له بحب وتقرر أن تسأله أخيرًا:
_چلال أنت مش ناوي عاد تنهي العداوة اللي بينك وبين عمران، اللي حُصل حُصل وانتوا الاتنين مكنش ليكم ذنب في اللي حُصل بزيادة عداوة عاد
اختفت بسمة جلال وتحولت تعابيره للحدة وهو يهتف:
_إيه اللي خلاكي تچيبي السيرة دي دلوك
ردت بكل بساطة ونعومة:
_أنت چوزي وهو أخويا وأنا نفسي أشوف العداوة اللي بينكم تخلص وترچعوا كيف الأول، وصدقني دلوك حتى آسيا نفسها إكده برضوا
جلال بصوت رجولي غليظ وغاضب:
_فريال اللي أنتي بتقوليه ده مستحيل أنا وعمران مش هنرچع كيف الأول أبدًا، ومتفتحيش الموضوع ده تاني أفضل
التفتت له بجسدها كاملًا وصاحت بعينان دامعة وصوت مبحوح:
_أنت حتى مش عاوز تسلم عمك للحكومة عشان ياخد جزائه
مسح جلال على وجهه متأففًا بنفاذ صبر وصاح منفعلًا:
_تاني يافريال تاني!!.. احنا مش هنخلص من الموضوع ده ولا إيه يعني
صرخت بعصبية ونظرات متوعدة:
_تاني وتالت وعاشر كمان ياچلال، وأنا مش هسمحلك تضيع روحك عشان خاطره لو أنت مش فارق معاك عيالك ولا احنا أنا فارق معايا ومش عاوزة عيالي يتربوا وابوهم في السچن
أجابها بحنق ونفاذ صبر:
_أنا هطلع برا احسن، عشان مهما اتكلمت معاكي وفهمتك ملوش فايدة، وأنا معنديش خلق للخناق دلوك
استدار واندفع للخارج يتركها وحيدة وهي تبكي بصمت وتتوعد لمنصور...
***
بصباح اليوم التالي داخل غرفة عمران وآسيا..
كانت آسيا بانتظار خروج عمران من الحمام وهي ممسكة بيدها هاتفها وجاهزة لتجعله يسمع تسجيل أمه ويكتشف حقيقتها.
بعد دقائق طويلة نسبيًا خرج من الحمام وعندما وجدها تجلس على الفراش تنظر له بنظرات غامضة ومريبة سألها بحيرة:
_مالك؟
استقامت واقفة وتقدمت نحوه وهي تهتف بحزم:
_لنا سبق وقولتلك أن أمك اللي زقتني من على السلم صدقتها هي وكدبتني أنا ودي كانت أول مرة متقفش فيها في صفي ياعمران وتاخدلي حقي
تأفف بنفاذ صبر وقال بحدة:
_تاني يا آسيا هنتكلم في الموضوع ده، احنا مش قفلناه وخلص
آسيا بنظرة تحدي وثقة:
_أنت قفلته أنا لا، ودلوك أنا هسمعك الدليل اللي هيثبتلك أنك ظلمتني وچيت عليا باللي عملته معايا وقتها
طالعها بنظرات مستفهمة ومتعجبة واخفض عينيه بيدها يرى هاتفها وهي تمسكه وترفعه لأعلى قليلًا مشيرة له أن الدليل هنا.
***
بمكان آخر تحديدًا بمنزل مروان.......
أنهت خلود للتو مكالمتها معه بعدما اتصل بها ليطمئن عليها ويتأكد من عدم احتياجها لشيء وهي شكرته بامتنان شديد، وأخبرته بأنها بخير ولا تحتاج لشيء، وفور انتهائها من مكالمتهم اتجهت للمطبخ لتنهى أعمالها المنزلية المتبقية وإذا فجأة تسمع صوت رنين جرس الباب، فرفعت رأسها عن الذي كانت منشغلة بفعله واتسعت عينيها بدهشة ورعب، وبعقلها قذف سؤال واحد فقط" لا يمكن أن يكون مروان فلو كان هو كان قد أخبرني في الهاتف أنه قادم، إذ لم يكن هو فمن الطارق إذًا؟ " .....
............ نهاية الفصل ............
•تابع الفصل التالي "رواية و بالعشق اهتدي" اضغط على اسم الرواية