رواية لِبچَشان كاملة بقلم عفاف العريشي عبر مدونة دليل الروايات
رواية لِبچَشان الفصل الاول 1
الصحراء الغربية _ عام ١٩٨٤
عباءة الطبيعة السوداء المزينة بحبات اللؤلؤ المنيرة بتوهجها الأخاذ، يجلس على الأرض الرملية الناعمة تداعب حبيباتها الصفراء اللامعة يديه بحنو يشعر بالدفء الذى يفتقده بين أحضان الطبيعة،..
يشاهد جوهرة السماء التي تشق ظلام ليله الدامس ويحادثه قائلاً:
- اليوم هو الذكرى السادسة يا ليل!..
استشعر رده الصامت بينما نسمات الرياح العليلة المشبعة برائحة الياسمين.. ليستأنف الحديث بعد صمتٍ دام لبرهة:
- كنت أقول أنني لن أستطيع العيش بدون دفء أحضانها ولكنى اليوم أيقنت أنها من تجالسك هل تراها، إنها هنا بجانبي وبجانبك دائماً ولكنك الأقرب إليها.
حول ناظريه إلى تلك النجمة المتلألئة بجانب القمر جوهرة السماء الرائعة ثم قال وهو يقبض على كومة الرمال يستمد منها الدفء ليديه الباردة:
- أبعد كل ذلك العمر يلتقى البدر بليله ويترك الشمس تبكي دماً في لحظة لقاء الفراق يُنادى كلاً منهما الآخر ولكن بلا جدوى لتموت الشمس ويحيا القمر ويموت هو لكى يحيا نجمه الوحيد، نجمه الوهاج في لحظة شروق انكسارهما.
صمت يحبس عبراته التي تُلح بالحرية قائلاً بخفوت ومازال لا يزيح عينيه عن قمر ليله:
- اليوم هو الرابع عشر من يوليه يوم اللقاء وهو ذاته الفراق لقد أوحشتني كثيراً، جلستُ هنا في موضعنا المُعتاد ولكن بدونها، بدون بدر ليلي وهل تستطيع الأسماك الحياة خارج بحيرتها، لقد أغرقتني في محيطها وذهبت، كيف لي أن أصدق هذه الحقيقة الكاذبة يا بدر؟!
سقطت عبراته تتصارع على وجنتيه وهو يحادث قمر منتصف الشهر كما إعتاد معها.
كان كالغريق الذى لم يطلب النجاة أمام جمال محيطها وهدوء أمواجه والسكينة الدافئة في أعماقه، كيف يتجاهل أو يتغابى أمام ياسمينها الزاهي الذى يستنشقه بهدوء وهو جالس في شرفة منزلهما، ولكن الآن في رحلة سفاري بمفرده يُخيم كما إعتاد أن يفعلا سوياً، بكى إلى أن اكتفى إلى أن أضحت يديه ممتلئة بالدموع لتختلط بالرمال اللامعة تحت ضوء القمر، دموعه المالحة المُحرقة لقلبه الذى يحترق يومياً طالباً اللقاء،..
وهل يعود من ذهب بلا عودة..
جوفه المليء بنار الشوق يحرقه ويحرق من لا ذنب له.
أيعقل أن اليوم هو ذكرى وفاتها السادسة.
أراد أن يبوح لها بكل شيء أراد ذلك حقاً، ولكن يا ليت الزمان يعود لكى نختار محطات راحتنا وسكينتنا ولكن هكذا هو قطار العمر، هو المُغامر من الدرجة الأولى دائماً ما يقوده جنونه المعتاد لكى يتخبط في محطات الحياة.
ولكنه سقط على رصيف الحُب قبل عقدين من الزمان في ليلة التقاء نجمه مع بدره.
أفاق من شروده على صوت هاتفه ليلتقطه ويجيب بهدوء بعدما استعاد رباطة جأشه:
- أجل يا صغيري أنا في طريق العودة بنى.
ابتسم بحنو وهو ينصت إلى رد طفله المتذمر:
- أبى لقد تأخرت كثيراً على غير العادة أرجوك عُد سريعاً، هل نسيت أن اليوم هو عيد مولدي أم ماذا؟!
ضحك بخفوت وفرت دمعة خائنة من عينه ليزيلها ويقول:
- غبى من ينسى يوم ميلاد النجم المُنتظر
ضحك طفله بحماس على هذا اللقب المحبب لقلبه وأخبره أن يعود أدراجه سريعاً للاحتفال مع أصدقائه.
مال بجذعه على الرمال خلفه وهو يتذكر زوجته المتوفاة قبل بضعة سنوات.
تذكر أن اليوم هو التقاء النجم والقمر والشمس بعد نصف ساعة، نظر لخاتم يده الأزرق الذي يزين سبابته وزفر بشوق يريد اللقاء في أسرع وقت ممكن ولكن لا يريد لقاء من ينتظرونه فهو ليس على استعداد ولكن صبراً للقادم.
كيف يجتمع مع من طردوه شريداً، ولكنه مجبر على هذا يريد الغفران ذهب إلى سيارته وعاود الجلوس بموضعه أخرج كتاباً سميكاً للغاية تتعدى صفحاته المئات.
هم بالنهوض مجرد القدمين وهو يشاهد انكسار الليل وظهور النجم الأحمر الخافت أمامه وخلفه قمره وفوقه نجمه المتوهج ليرفع يده اليسرى وبالتحديد سبابته فقط ويُمسك بالكتاب باليمنى.
قال بضعة كلمات بلغة غريبة بصوت عالٍ، اهتزت الأرض أسفله بشدة إلى أن استحالت إلى بحيرة من الرمال المتحركة مرت عليه لحظات خاطفة لأنفاسه عندما رأى الضوء الأزرق المنبعث من الخاتم، سقط الكتاب من يده إثر ترنحه.
سقط غريقاً في بحيرة اختفت بعدما ابتلعته لتعود الأجواء كما كانت تزامناً مع اختفاء النجم الأبيض فوقه، لم يتبقى شيء سوى صوت الرياح والهدوء الموحش،
لم يتبقى سوى عُلبة فضية ساقطة فوق الكتاب الضخم بغلافه الأزرق القاتم الخالي من الكلمات.. ولكن ظهرت كلمتان إحداهما بلغة غريبة والأخرى أضاءت تزامناً مع توهج رسمة لطائر مجهول في جانب العلبة،
كلمة بحروفها الزاهية..( لِبچَشان).
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية لِبچَشان) اسم الرواية