رواية من نبض الوجع عشت غرامي (ج2) الفصل السابع عشر 17 - بقلم فاطيما يوسف
أحس بانقباض قلبه وعيناه تتفحص المسبح من بعيد وأقدامه جرت مسرعة وكأنه يشعر بوجود خطب ما وما إن وصل ورآها حتى اتسعت مقلتيه ذهولا من الموقف وهو ينادي بأعلى صوته عليها :
ـــ رحمممممممممممة ، رحمممممممممممة .
خلع جلبابه على الفور حتى يكاد أن يتقطع بين يديه وقفز داخل حمام السباحة سريعاً وقلبه وعينيه من الهلع يشيبان الرؤوس ظل يسحب بيديه سريعاً وفي أقل من خمس ثواني كان قد وصل إليها ورفع جسدها عن الماء بين يديه وهو يحتضنها بشدة ثم أبحر بقدميه حتى أخرجها من المسبح ووضعها أرضاً وبدأ بضغط يديه أسفل معدتها حتى تخرج المياه من بطنها ظل يفعلها كثيرا إلى أن وجدها لم تفيق فهوى قلبه بين قدميه فزعا عليها فأمسك ذراعها كي يرى نبضه وجده بالفعل لم يتوقف عن نبضاته فحملها على الفور وهرول مسرعاً بأقدام تسابق الزمن ووضعها في سيارته وانطلق على الفور الى المشفى ،
كان ينظر اليها وهي مغشياً عليها في الكرسي الخلفي طيلة الطريق وهو يدعو الله ان تكون بخير فهو ان فقدها لن يستطيع العيش يوماً واحداً بعدها فهي أصبحت له كل شيء في عمره ،أصبحت له النفس الذي يخرج من رئتيه، فبدونها ستكون الحياة صحراء جرداء قاحلة،
فمن غيرها أذاقه الحُلوَ بنعيمه ؟
ومن غيرها أذاقه شهد الحياة الدنيا ؟
ومن مع غيرها سيبتسم ويشعر بأنه كائن حي على وجه الارض غير تلك الرحمة التي أرسلها الله له وبالفعل كانت رحمة لقلبه المسكين الذي عاش سنوات من الفقدان المرير عقب ذكرياته الأليمة مع جنس حواء ،
وصل الى المشفى ثم حملها بين ذراعيه ودلف داخل الاستقبال وهو ينادي بأعلى صوته :
ــ حد يلحقنا بسرعة قبل ما نبضها يقف .
أقدم اليه عدد من الممرضين ويليهم طبيبان واستلموها من بين يديه وهرول وراءهم ولم يتركها وهو يوضح لهم ماذا جرى لها وهو ينهج بشدة :
ــ رجعت من الصلا لقيتها غرقانة في حمام السباحة حاولت افوقها ما عرفتش فجبتها على اهنه طوالي ممكن تتصرفو بسرعة .
دلفوا بها إلى غرفة الفحص السريع وبدأوا بإنعاشها ولكن يبدو أن الحالة خطيرة للغاية وهو يقف معهم يمسك يدها والرعب يزداد داخل قلبه عليها وكل تفكيره الآن انها ستضيع من يده ،
أما هي نائمة بحالة يرثى لها فتحدث الطبيب سريعاً وهو يرى شفتيها الزرقاء :
ــ لازم تدخل العناية المركزة حالا الجسمُ محروم من الأكسجين ودي ممكن يسبِّب ضرر لأعضاء الجسم خُصُوصًا الدِّماغ يالا بسرعة بلغيهم يجهزو العناية.
أما ذاك الماهر ردد بفزع لما استمع إليه :
ــ يعني ايه حد يفهمني هي كويسة ولا له ! وليه عناية مركزة هي حالتها خطيرة للدرجة دي ؟
تفهم الطبيب فزعه وتحمل علو صوته فهو الآن رجل مرتعب على زوجته التي بين ايادي الله :
ــ للاسف حالتها صعبة جداً ولو ال ٢٤ ساعة عدوا عليها هتوبقى بخير فادعي ربنا تعدي على خير ، بعد اذنك ممكن تخرج دلوك علشان نشوف شغلنا لان التأخير ثانية واحدة خطر على حياتها فخلينا نسعف الحالة .
اتسعت مقلتيه هلعاً من كلام الطبيب له ثم ارتخى جانباً على الحائط كي يفسح لهم المجال لإسعافها ،
نقلوها سريعا إلى غرفة الرعاية وهو لم يفارقها رغماً عنهم وارتدى هو الآخر ملابس العناية وهو يقف بجانبها وقد بدأو بتوصيل خراطيم التنفس لها وإمدادها بالاكسجين وهو فقط ينظر إليها وعيناه تحكى لها آلاف الحكوى وكأنها تترجاها أن ترأف بحالته هو لا بحالتها وهي الآن ملقاه على تخت الموت ،
فعل لها الأطباء كل الإسعافات الأولية وظلا أكثر من ساعتين يجرون إسعافاتهم حتى تركوها لأثر الأجهزة تتفاعل معها وهو مازال بجانبها لم يتحرك ، وما إن خرجوا حتى جلس على الكرسي الموجود بجانب التخت وأمسك يدها واحتضنهم بين كفاي يداه وبدأ يقبلهم قبلات خوف من الفقدان وهو يضع إحدى يدها على وجنته ويردد لها كما لو أنها تسمعه :
ــ متسبنيش يارحمة ، مش هقدر أعيش ثانية من غير وجودك في حياتي ، إنتي بالذات خسارتك معناها موتي .
ومع كل كلمة تخرج من شفتيه ينهيها بقبلاته لباطن يديها كي يشعرها بدفء وجوده وهذا ما أوصله له عقله وهو يشعر بأن قلبه يتمزق وجعا بين أضلعه على نصفه الآخر ومُكمِلَه ،
بعد مرور ساعة وهو على حالتها صدح آذان العصر فشعر بأنه يريد أن يناجي ربه أن يرعاها ويجعلها في كنايته وأن يحفظها له ،
ثم وضع يدها برفق وقبلها من جبينها وتركها وذهب إلى المسجد كي يؤدي فريضة العصر ويدعوا الله لها أن يشفيها ،
بعد أن أنهى صلاته جلس يناجي ربه بقلب خاشع :
ــ يارب تخليها لي وتشفيها ، مش هقدر على فقدانها هي كمان ، لاااا هي فقدانها من حياتي يعني موتي مش هقدر أعيش من غيرها ،
انت اللي وضعت حبها الكبير في قلبي يارب متحرمنيش منها ولا توريني فيها وحش يارب .
وظل يدعوا ربه ويناجيه ثم خرج من المسجد وقام بمهاتفة سلطان فهو أبيها كي يبلغه ما حدث لها وما إن علم حتى أصابه الفزع هو الآخر فذهب لزينب الذي ما إن رأته حتى نظرت إليه بغل يملأ العالم بأكمله مما فعله بها وكاد أن يتحدث معها إلا انها منعته بيدها قبل أن يلفظ بكلمة واحدة:
ــ متتكلمش معاي خالص من ساعة ما اتجرأت ومديت يدك علي ، ومليكش صالح بيا خالص أني هعيش وياك منظر بس قدام الناس علشان خاطر ولادي يا خاين العشرة يا ابو يد طَويلة واستقويت بيها علي .
لم يكن لديه طاقة على الإطلاق لمجاراة تلك المتشبسة العنيدة حتى أبلغها بما جعلها فزعت وقفزت من مكانها هلعاً :
ــ ولا كلام دلوك ولا يحزنون قومي بتك غـ.ـرقت في حمام السباحة جوزها راح يصلي الجمعة ورجع لقاها غرقانة وخدها على المستشفى ودلوك في العناية المركزة بين ايادي الله ، لو هتاجي وياي يالا .
انصعقت مما قال بل فُزعت ونطقت برعب وهي تضـ.ـرب بيدها على صدرها :
ــ انت هتقول ايه بتي رحمة العروسة اللي مبقلهاش أسبوع !
انت بتكدب علشان ترعبني يا سلطان.
ضـ.ـرب بعصاه في الأرض وهو الآن لم يتحمل تساؤلها وابنته بين الحياة والمـ.ـوت:
ــ هو أني ههزر دلوك قومي البسي علشان نروح نشوف حوصل ايه على ما أبلغ عمران .
قامت على الفور وهي تندب بلسانها وقلبها يدق بنيـ.ـران الخوف داخلها وأشرعت في ارتداء ملابسها بهوجاء ،
أما في الخارج أبلغ عمران الذي انصعق هو الآخر وقام بتبليغ حبيبة هي الأخرى وجميعهم من صدمتهم كأن الطير أكل رؤوسهم ،
بعد وقت قليل وصلوا جميعا متتالين إلى المشفى بأوجه يملؤها الرعب على تلك الرحمة ،
هرولت زينب مسرعة إلى ماهر وهي تسأله على حالة ابنتها :
ــ في ايه طمني ياولدي بتي زينة صح ؟!
أجابها بأسى يملأ معالم وجهه وعينيه محمرتان من اثر الحزن :
ــ ادعي لها يا أم عمران الحالة مطمنش خالص وربنا يستر.
عدَّدت بعويل وهي تخبط بيدها على رأسها:
ــ آه يابتي ياصغيرة وملحقتيش تفرحي بجوازك ولا شبابك .
نهاها سلطان وقطع عويلها صارخا بها :
ــ وه انتِ هتعددي على البت وهي لسه عايشة على وش الدنيا بدال كلامك دي ادعي لها ربنا ياخد بيدها وتقوم بالسلامة ،
قطمت عويلها وأبدلته بدعواتها وهي تشهق بشدة ثم وجه سلطان أنظارها إلى ماهر متسائلاً إياه :
ــ هو الدَكتور قالك ايه يا ابني ؟
أجابه وعينيه متعلقة بغرفة العناية النائمة فيها وقلبه ينفطر ألما عليها :
ــ قال لي لو عدت الاربعة وعشرين ساعة على خير هتفوق لو معدتهمش هندخل في حوارات تانية ربنا الستار منيها .
أقبل عمران مهرولا عليه هو الآخر ومعه سكون وحبيبة التي خُـ.ـطف لونها هي الأخرى على شقيقتها الصغرى وسألهم على حالتها وعلموا ما بها أجمعهم والخطر بداخلهم بدأ يتصعد فحالتها يبدوا أنها صعبة للغاية ،
عدد من الساعات هو الفارق لراحة قلوبهم على صغيرتهم المحببة إلى قلوبهم ولكنها تمر عليهم كالسنوات ،
ظلوا يدعون إليها كثيراً وأعين بعضهم تذرف دمعاً ،
على الجانب يجلس عمران بجانبه سكون تهدئه ومن داخلها تتآكل خوفاً على رحمة فهي طبيبة وتعلم مدى خطورة الحالة وأن الغريق لن يُنجى بسهولة :
ــ متقلقش ياعمران هتوبقى زينة وربنا هياخد بيدها وهترجع لنا بالسلامة بإذن الله .
تعلقت عيناه الحزينة بالغرفة الماكثة بها شقيقته ليقول بدعاء:
ــ يارب ، يارب ، حكم إنتي متعرِفيش رحمة داي بالنسبة لي ايه ! هي مش أختى الصغيرة بس ، له داي بنت قلبي اللي كنت بحكي لها كل اسراري وكانت تحلها معاي بحكمة ورغم شقاوتها إلا إن عقلها كَبير ويوزن بلد لو جرى لها حاجة مش هتحمَل والله العظيم ما هتحمَل .
ربتت على ظهره بحنو وهي تهدهده بكلماتها البلسم الشافي لقلقه :
ــ لااا إن شاء الله مش هيجرى لها حاجة طالما طلعت من المسبح فيها النفس يوبقى إن شاء الله هتروق مجرد ما جسمها ياخد الأكسجين اللي ناقصة ويستكفى هتوبقي زينة متقلقش ياعمران.
سألها بتشتت :
ــ بجد يا سكون ولا انتِ بتهديني وخلاص ؟
أكدت له بما لم تتأكد منه هي الأخرى فبالفعل حالتها صعبة ومن المحتمل حدوث جلطة دماغية أو شلل نصفي بسبب الغرق ولكن لم تريد ان تشعفه عليها :
ــ بجد ياقلب سكون ربنا بإذن مهيضرناش فيها .
ثم جالت ببصرها وجدت زينب تبكي بشدة فاستاذنت من عمران ان تذهب اليها كي تهدئها وتقف بجانبها ولكنه توجس خيفة من رد فعل زينب فهي الآن جانية عليهم بشدة لخروجهم من عرينها فقام معها ووقفت سكون بجانبها تطمئنها :
ــ متبكيش يا ماما الحاجة هي هتتحسن بإذن الله اني دخلت اطمنت على مؤشرات القلب والتنفس لقيتها ماشية الحمدلله بمعدل كويس .
رمقتها “زينب” بنظرات لائمة وسط حزنها وصَعُبَ عليها حالها أن ترد على طمئنتها لها ثم أدارت وجهها للناحية الأخرى مما أزعج عمران كثيراً فاحتضنها من كتفها وقبلها من رأسها بحنو جعلها ابتسمت له بتقبل لموقف والدته مما جعل حركته تلك تشـ.ـعل نيـ.ـران الغيرة داخل “زينب” فهي ظنت أنه بتلك الحركة يكيدها بأنه الداعم لزوجته ضد أفعالها ،
لم يعجب سلطان تصرفها هو الآخر فتحمحم متسائلاً سكون كي ينزع عنها الحرج من موقف زوجته ويحفظ لها ماء الوجه :
ــ يعني حالتها هتتحسن يابتي ولا هتفضل في الحالة الخِطرة داي ؟
أحست “سكون” باللطف من رد فعل “سلطان” معها فأجابته بابتسامتها الملائكية :
ــ طبعاً يابابا متقلقش اني هدخل لها دلوك وهطمَن عليها وهطمنكوا وبإذن الله ربنا مش هيوجع قلوبنا عليها .
رمقها “سلطان” بنظرات ممتنة راقت “لعمران” وشعللت في قلب “زينب” أكثر ونظرت لها بأعين تكاد أن تفتك به :
ــ مننحرمش منك يازينة البنات روحي يابتي وطمنينا ربنا يجعل في وشك القبول ويراضيكي ويرضيكي يارب .
أمنت على دعائه بابتسامة ثم تركتهم وتلاها “عمران” فهو صمم ان يدلف معها كي يطمئن على شقيقته ويهدأ قلبه المولع ،
أما “سلطان” بادل “زينب” بنظرات التحدي التي شنتها عليه :
ــ انت قاصد تكيدني صوح ! طب اعمل لزعلي منيهم اعتبار ولا اني أصلا مليش اعتبار عندك يا عشرة عمري بالاسم بس !
أجابها بقوة وغيظ وهو يعيرها بنظرات حادة لائمة :
ــ إحنا في ايه ولا ايه يامرة إنتي !
اشغلي حالك ببتك اللي بين أيادي الله جوة داي ولا انتِ ما بتتعظيش !
ربنا عمل فينا اكده علشان خاطر جاية على الغلبانة اليتيمة اللي عماله تقتي فيها كل شوية اداكي فوق دماغك علشان خاطر تبعدي عنيها وبرده مش سالمين منك ولا من نظراتك ولا من نارك يا زينب ،
قال على راي المثل قال
الحما حما لو كانت نازلة من السما .
حدجته بريبة لتنهره بحدة :
ــ ماشي يا حنين يا ابو قلب طيب واني ام قلب شرير ربنا يخليك للغلابة واليتامى واني ربنا يجحمني عشان اني ست قاسية .
نفخ “سلطان” بضيق من كلماتها ثم نهرها بحدة وهو يضـ.ـرب كفا بكف :
ــ لا حول ولا قوة الا بالله، لمي تعابينك يا زينب اني ما متحملش دلوك واعصابي تعباني بسبب اللي احنا فيه ، هو انتِ ايه ما بتحسيش يا ولية انتِ !
الله الوكيل لو ما قفلتي خشمك ده لهكون مكسر العصاية دي على راسك دلوك قدام الخلق طالما مش متعظة حتى ،قبر يلم العفش .
زمجرت بغضب شديد من طريقته الحادة معها ثم توعدت له :
ــ طب وأيمان الله يا سلطان لهكون فايتاها لك ومش قاعدة لك فيها وابقي شوف مين هيعبرك بقي تاني لما بتي تخرج بالسلامة.
دب بعصاه أرضاً من تشبش رأس تلك الثائرة هادراً بها :
ــ طب ابقي عتبي برة عتبة البيت اكده من غير اذني وأني هكون كاسر لك رجلك قبل ما تعمليها ومش هخليكي فيكي حتة سليمة .
حدجته بنظرات نارية لتقول بإصرار:
ــ لما تشوف هتُضرُب وهتكسِر كيف وبردوا هنفذ اللي في دماغي ومش هطوِلك شعراية مني تاني اللي لما تتأسف على اللي انت عميلته معاي .
نفض جلبابه بحدة ليعنفها قبل أن يمشي من جانبها :
ــ حرق أبو اللي جابك يابت نفيسة ، أدي المكان ليكي اهري وانكتي في حالك لحد ما راسك توج من الهرى والنكت اللي هترطيه من خشمك ، حرمة بدرجة عقرب .
اختمرت الفكرة برأسها وقررت تنفيذها بعد أن تركها مغتاظاً من هرائها وهم في تلك الحالة وهي تحدث نفسها بضيق عارم :
ــ ماشي يا سلطان إن ما عرفتك كيد الحريم بحق مبقاش حرمة بدرجة عقربة زي ما هتقول وانت اللي جبته لحالك .
وظلت على حالها ذاك فاقتربت منها حبيبة عندما وجدتها تحدث حالها هكذا :
ــ في ايه يا ماما هتكلَمي حالك ليه ؟
مطت شفتيها بامتعاض وهي تجيبها :
ــ فيه ان الدنيا اتقلب حالها وما عادش لست البيت هبيتها ولا كرامتها وكله بقي هينهش فيها ودي كلاته علشان رايدة الخير للكل .
مطت حبيبة شفتيها هي الأخرى بعدم فهم وهي تسألها :
ــ وه حوصل ايه دي أني فايتني كَتير بقي عاد ؟
التوي ثغرها بحسرة وهي تلقي اللوم على حبيبة هي الأخرى:
ــ أه مانتي التانية من ساعة ما خلفتي ولادك وانتي ما بقيتيش تسألي في امك إلا لما ياجي لك كيفك شكل ما يكون ربيت وكبرت للغايبة والغايب وما بقاش ليا حد اشكي له همي واني وحدي لا اب ولا ام ولا اخ ولا حتى واد ولا بت مفيش غير الوحيدة اللي بين ايادي ربنا اللي كانت واخدة بالها مني وهتحبني وتخاف علي ،
ثم أكملت ببكاء عليها :
ــ ربنا يشفيكي يابتي ويرجعك ليا بالسلامة وتقومي على خير ، حسدوكي يا الغالية على جوازتك وملحقتيش تتهني بجوزك ولا يتهني بيكي .
رفعت حبيبة جفونها ببطء ثم قالت باعتذار من تقصيرها في حق والدتها وقد تعلقت عينيها بالغرفة الملقاة فيها شقيقتها بين أيادي الله :
ــ معلش يا أمي حقك علي انتِ عارفة التوم مطلعين عيني ومش مخليني أبص وراي حتى غير اني قاعدة مع حماتي بردو مش وحدي وبعدين ربنا يخلي لك عمران ومرته ماليين عليكِ الدار هتعوزي مننا ايه تاني احنا ، وبعدين برده يا امي مش وقتَه الكلام في الموضوع دي ورحمة دلوك بين ايدين ربنا لما نروح بيها نتعاتَب براحتنا،
ربنا يقومك بالسلامة يا خيتي .
تأففت بامتعاض لحماقتها فيما قالته عن “عمران” وزوجته :
ــ أها عمران ومرته ! بس يا بتي بس كفاياني حسرة على اللي أني فيه شكل الدنيا قررت تديني فوق دماغي لحد ما تجيب اجلي اهو الواحد يرتاح ويقابل رب كريم من الهم اللي هو عايش فيه .
لم تريد حبيبة أن تستفسر عن ما تقصده والدتها لا الزمان ولا الظرف ولا المكان يسمحوا بتلك الهرائات من وجهة نظر حبيبة ففضلت الصمت وأصبحوا جالسين كل منهم ينهشه القلق على تلك الملقاة داخل غرفة الرعاية ،
أما بداخل العناية المركزة وبعد مرور عدة ساعات أخرى يجلس ذاك الزوج المنفطر ألماً على حبيبته وهي الآن بين أيادي الله متعبة بشدة ويتحدث معها بشجن كما أنها تسمعه :
ــ حرام عليكي يارحمة بزياداكي بقي ،
بقى لك أكتر من عشر ساعات غايبة عني وعن وعيك فوقي بقي يابت قلبي ، فوقي خلي قلبي اللي هيبكي بين ضلوعي يبطل نبض وجع ممتحملش ، ليه تعملي في حالك وفيا اكده ، إنتي عارفة اني مليش غيرك وانتي بالذات لو مقمتيش منها ورجعتي لي هعيش ميت بالحيا ، ماهر الريان الصلب اتولد على يدك ورجع شاف الحياة الحلوة وبهجتها بسببك ولو رحتي فيها مهيرجعش تاني واصل ، ارحمي قلبي وفوقي يارحمة إنتي قوية وقدها وقدود وهتقدري وهترجعي لي ،
ثم نظر إلى السماء مناجيا ربه بأسى :
ــ ياااااااااااارب رجعها لي يارب وقومها منها سالمة غانمة يارب .
وظل يتحدث معها كما أنها تسمعه كي يسكن صوته عقلها الباطن فهذا ما يبلغه قلبه به أن يفعله .
“*”****”****”***”******
في المشفى التي تعمل بها فريدة فاليوم موعد سهرتها في المشفى ،
كانت تقف في الشرفة المطلة على غرفة فارسها متيمِها ومالك روحها بحالمية ،
كانت تنظر إليها وتتمنى أن يخرج الآن كي تراه وتستقر عينيها في عينيه فقد شعرت بالاشتياق إليه كثيراً وأصبح يومها لم يكتمل بدونه وبدون مشاغباته معها وبدون كلامه المعسول الذي يلقيه على مسامعها ،
أصبحت تفكر به ليلا ونهارا وصار النوم يجافي عينيها كثيراً وعقلها لم يتوقف عن التفكير به وقلبها لم يتوقف علي أن يحلُم به ويبدوا انها أصبحت مغرمة بها ولن يحلو يومها أو يكتمل بهاه بدون أن تعرف كيف قضى يومه ؟
كيف كان مِزاجُهُ ؟
هل دخل دوامة فارس المنفصم اليوم أم لا ؟
كل تلك الأسئلة كانت تراود عقلها وما زالت عينيها متعلقة على باب مكتبه وداخلها يرغب شوقا في النزول إليه وأن تتحدث معه ولكن لا يصح فهو في كل مرة ذهبت إلى مكتبه تكون رغما عنها منه ، ظلت على حالها هكذا ساعة بأكملها إلى أن رأت مشهداً جعلها انصعقت ، ذاك المشهد الذي رأته قبل ذاك تلك الممرضة دالفة إليه غرفة مكتبه فلم تفكر كثيرا فهرولت مسرعة وهي تهبط الأدراج سريعاً حتى التوت قدمها مع آخر درجة وتأوهت بشدة وهي تجلس مكانها تمسك قدمها بيدها وكأن القدر يمانعها علي أن تدلف لذاك الفارس معذبها ولكنها أصرت علي القيام وتعرجت بقدمها كي تصل إليه فهي لديها تصميم أن تدخل عليه في ذاك التوقيت خصيصا كي تواجهه أمام خطيئته وتعطيه درساً لن ينساه حتى تجعله يفيق من تلك الدوامة التي تنتابه في اليوم عشرات المرات ،
ظلت تعرج بقدمها التي تؤلمها بشدة ومن الواضح أنها أصابها كسر حتى وصلت إلى الغرفة التى أغلقتها تلك السافرة للتو والتهى معها ذاك الفارس ونسي إغلاقها من الداخل ،
فتحت الباب فجأة وعلى حين غرة باغتتهم بوقوفها أمامهم ورأته في أقذر مشهد يمكن أن تراه أنثى لحبيبها ، ذاك المشهد الذي جعلها أغمضت عينيها من قذراته وعدم تحمله أي أنثى عاشقة لرجلها الأول ،
حيث وجدته يحتضن تلك السافرة ويقـ.ـبلها بطريقة مقززة ، تلك الثواني التي رصدتها عينيها وجعلتها في تلك اللحظة تود أن تكون عمياء ولا أنها ترى ذلك الفارس في ذاك المشهد المريع لقلبها المسكين في العشق الأول ،
#الجزء_الثاني_من
#البارت_السابع_عشر
#بغرامها_متيم
#الجزء_الثاني
#من_نبض_الوجع_عشت_غرامي
أما هم نظروا إليها بصدمة من تلك الممرضة أما ذاك الفارس نظر إليها نظرة مهتزة في البداية ثم تبدلت نظراته المهتزة إلى جاحدة هادرا بها :
ــ انتي إزاي يابني أدمة إنتي تقتحمي المكتب بالشكل الهمجي ده ، هو انت هنا في الصعيد بهايم للدرجة دي معندكوش أداب الاستئذان ؟
لم تعتري كلامه أدنى اهتمام ثم نظرت إلى الممرضة آمرة إياها بحدة لاذعة :
ــ يالا يا سـ.ـفلة يا سـ.ـهلة يا رخـ.ـيصة استري حالك واخرجي من اهنه حالا ومتتكررش تاني وخلي بالك دي تاني تحذير مني ليكي المرة الجاية وعهد الله لا هكون جايبة المستشفي كلها ورايا وأعملك أحلى تشريفة تليق بوساختك يا مجـ.ـرمة ،
ثم تحركت خطوتان حتى وهي تعرج بقدمها ولكزتها في كتفها وكأنها تنتقم منها بتلك الحركة ورددت وهي تجز على أسنانها بغضب شديد فقد انطبع مشهدهم القذر في ذهنها ومن الصعب أن تنساه :
ــ وعهد الله المرة الجاية لهكون جاية بأمن المستشفي وأخليهم يلفوكي في ملاية واللي ما يشتري يتفرج عليكي ويوبقى إنتي الجانية على نفسك .
أطلقت تلك الممرضة نظراتها المشمئزة وهي ترتدي تنورتها التي عبث بها ذاك الفارس على الفور وعدلت من كنزتها المفتوحة وهتفت بوجه مكشوف هي الأخرى :
ــ دي من بعض ما عندكم يا دكتورة يا صاحبة الصون والعفة ما اني بردو بشوفك وانتِ داخلة أوضة الدكتور وهتقعدى وياه بالساعة لحالكم هتكوني بتعملي ايه غير اللي هعمله يعني فمتعشيش دور الطاهرة الشريفة كلنا في الهوا سوا يا حبيبتي.
اندلعت ثورة الغضب من تلك الفريدة وهي تنظر لذاك الفارس نظرات لائمة تحمل بين طياتها الجَلد وعلى حين غرة باغتت تلك السـ.ــافرة بصـ.ـفعة على وجهها جعلت الأخرى ترنجت على أثرها وهي لم تصدق أن تلك الصفـ.ـعة هوت على وجهها مع إطلاق فريدة سـ.ـبابها لمكشوفة الوجه تلك :
ــ اخرصي قـ.ـطع لسانك يا مجـ.ـرمة إنتي عايزة تشبهيني بيكي وبقرفك دي !
وضعت تلك الممرضة يدها على وجهها وهي لم تصدق إلى الآن أنها صفعت للتو ثم اقتربت منها ورددت بفحيح لتلك الأبية :
ــ بقى انتِ يابت البوابين تمدي يدك علي !
طب يمين على يمينك لأكون أني اللي جايبة لك الأمن اهنه لما تدخلي له ياحية وهشوف مين هيلبس مين الملاية يا داكتورة ؟
بادلتها فريدة نفس نظرات التحدي دون ان تكترث لهرائها وبعيناي قويتين تشع منهما كرامة الأنثى الذي أُهين أبيها للتو فتتت قوتها الواهية :
ــ دي بعدك ونجوم السما أقرب لك من انك تشوفيني في منظر زي دي ،
فوقي يا سافلة مش كلنا زي بعض ولا كلنا في الهوا سوا اني اه بت بواب زي ما انتي ما قلتي بس البواب ده طلعني دكتورة قد الدنيا ويمشي يفتخر ببته وسط الخلق ، اني مش هجيب سيرة ابوكي ولا امك ولا هعايرك بيهم عشان هم غلابة ما يستاهلوش ان هم يتعايروا بسبب واحدة رخيصة زيك هتجيب لهم العار ، وان كنتِ عاملة حسابك على اللي في دماغك فدي بعدك لاني داخلة اهنه لزميل ليا بنتناقش في مرضى مشتركين فيها احنا الاتنين ،
ثم أكملت وهي تلكمها في صدرها مما جعل الغل يكاد يضئ النيـ.ـران من عيناي تلك المستفزة :
ــ ولو جبتيهم حداي اهنه مش هتشوفي نفس منظرك السافر لاني مش شبهك اصلا ولا عمري هبقى شبهك ،
فمهما تعملي مش هتقدري توصلي للي في دماغك علشان اني لما ابقى داخلة اهنه اولا بسيب الباب مفتوح ثانيا بدخل قدام كل الناس مش في انصاص الليالي واللي خلاني ادخل دلوك اني شفتك زي ما شفتك قبل اكده فاحترمي نفسك ولميها علشان هي متبعترة قوي وان ما لمتيهاش اني اللي هلمها لك،
يلا يا بت اطلعي بره من هنا وحذاري أشوفك تعتبي باب الأوضة دي تاني .
اقتربت منها تلك الممرضة وهي تنظر لها بغيظ شديد ثم قررت أن ترد لها القلم الذي هوى على وجهها قبل أن تخرج فهي لن تستطيع ان ترده لها اذا ذهبت من أمامهم الآن ثم ناظرتها بغلظة ورفعت يدها وكادت أن تهبط على وجهها وقد تبدلت نظراته الغليظة الى مبتسمة باستفزاز لتخيلها أنها اخذت حقها في صفعتها الآن ولكنها لم تلحق ان تشعر بانتصارها فقد علق يداها ذاك الفارس في الهواء وهو ينظر لها بفحيح مما أرعبها ملقيا تهديده عليها :
ــ هتعملي ايه يا بت انتِ اوعاكي اشوفك تتكلمي معاها بالطريقة دي تاني يا اما هخليكي تروحي لعزرائيل راكبة طيارة حذاري طريقة الكلام ولا رد فعلك اللي شفتها دلوقتي تتكرر تاني والا انتِ عارفة هيحصل لك ايه وهوديكي فين ومش عايز اشوف خلقتك دي تاني في المستشفى خالص يعني تاخدي بعضك وتلمي نفسك وتقدمي استقالتك وما اشوفش وشك هنا تاني يا اما هخليكي تتندمي انك اتولدتي في الدنيا دي علشان يبقى لسانك ده يحترم نفسه بعد كده ،
ثم أكمل بأمر قاطع لا يقبل النقاش :
ــ ودلوقتي اعتذري لها حالا على الطريقة اللي كلمتيها بيها يا زفتة انتِ يا اما مش هيحصل لك طيب .
ارتعبت تلك الممرضة بشدة من تحذيرات فارس فلم تكن تتوقع أن يقف في صف تلك الفريدة خاصة أنه في بداية دخولها عليهم هدر بها وعنفها بشدة ولم تتحمل أمر استقالتها فهي تحتاج الى عملها بشدة فاقتربت منه وهي تتوسل إليه :
ــ أرجوك يا فارس بيه هعتذر لها مش هاجي ناحيتها خالص بس ما تخلينيش اسيب شغلي اني بصرف بيه على بيتي وعلى عيالي عشان متجوزة راجل ما لوش لازمة في الدنيا ،
ثم وجهت أنظارها إلى فريدة تتوسل اليها هي الأخرى كي تجعله يسامحها ويعفو عنها فهي علمت مدى جبروته ، كما انه يهددها بتلك الصور والفيديوهات التي يمسكها عليها ورأتها بأم عينيها وهي تقترب منها كي تسحب راسها وتقبلها بتحايل ولكن فريدة كانت تبعد رأسها ولا تريدها ان تقترب منها فهي تشعر بالاشمئزاز منها بشدة :
ــ ارجوكي يا دكتورة ما تخليهوش يأذيني انتِ عارفة احنا غلابة وشغلي دي مصدر رزق واكل عيشي اني وولادي واني والله بعتذر لك وحقك عليا وهطلب نقلي من الدور دي خالص لا القسم دي خالص وهروح القسم اللي جنبنا مش هتشوفي وشي تاني بس ما تخليهوش يعمل فيا حاجة ولا يفضحني .
أبعدتها فريدة بيدها وهي تشير ناحية الباب أن تخرج من الغرفة :
ــ طب يلا روحي شوفي شغلك واطلبي نقلك من الدور دي خالص ومش عايزه اشوف وشك تاني اهنه ويا ريت تحافظي على اكل عيشك ورزقك اللي ربنا بيبعته لك بالحلال ما تلوثيهوش بالقرف اللي انت بتعمليه دي وتبرري تقصير جوزك معاكي بإنك تعملي الخطيئة وتغضبي ربنا اللي سترك مره واتنين والتالته مش هيسترك واحمدي ربنا انك وقعتي تحت يدي اني لأني ما بحبش الفضايح لحد يلا اتفضلي .
هرولت من أمامهم وهي تدعي لفريدة بالستر بأنها تركتها تعمل وتسترزق دون أن تقدم استقالتها وأجزمت داخلها أنها لن تمر من هذا القسم مره ثانية وأن تبتعد عن ما يؤذيها فقد تأدبت تلك المرة بشدة ،
اما فريدة نظرت إلى فارس ولم تستطيع أن تصمت فأقدمت إليه ووقفت أمامه ثم لكمته في صدره بقوة وهي تعيره بنظراتها النـ.ـارية الثاقبة :
ــ انت ايه يا اخي ها !
ايه اللي انت فيه دي ! ازاي توصل نفسك انك ترتكب ذنب وكبيرة من الكبائر واهنه في مكان زي دي مستشفى لمعالجة المرضى ؟!
انت ازاي بتقدر تعمل اكده فوق بقى اني تعبت منك ومن افعالك اللي قربت تجنني ؟
نظر لها ببرود مميت اصطنعه لحاله كي لايضعف أمامها وكأنها لم تقل شيئا ثم أخرج سيجاره وبدأ ينفس دخانه بشراهة أذهلتها فهو لم يكترث لغضبها ولم يعي له أدنى اعتبار فأخذت منه السيجار ودهسته تحت قدميها مما جعله اقترب منها بهوجاء وهزها من كتفها مرددا بجحيم أذهلها :
ــ شكلك نسيتي نفسك واديتيها حجم اكبر من حجمها معايا انا فارس عماد الالفي يا هانم فوقي لنفسك واعرفي انتي واقفة قدام مين وبتتكلمي مع مين !
وما تتدخليش في حاجة ما تخصكيش انا حر أعمل اللي على كيفي مش انتي ربنا اللي هتحاسبيني ويالا اطلعي برة بدل ما اعمل حاجة تخليكي تندمي عليها طول عمرك يلا .
انتفضت أعينها بحدة وهي تطالع ذاك الفارس الذي تحول لشرس كالذئب المخيف بنظراته القاتمة وعينيه الحمراوتين ثم هتفت بإصرار:
ــ مش هخرج يا فارس وريني بقى هتعمل ايه علشان خاطر ما يحصلش طيب النهاردة بسببك وبسبب دماغك الناشفة دي ، فوق يا فارس بقى اني تعبت منك ومعاك بقى لي كذا شهر معاك وانت على الحالة دي فوق بقى حرام عليك ، ازاي تعمل في نفسك اكده وتدمر نفسك بالطريقة المجرمة دي .
أجابها متهكما بكلمات خرجت من بين أسنانه بحدة :
ــ انا مش فاهم انتِ ليه مصرة تتعبي نفسك معايا امشي انا ما فيش مني فايدة مش عايز اشوفك تاني يا اما هتتأذي بسببي ،
ثم أبدل طريقته الحادة إلى أخرى هادئة وكأنه المتحكم الوحيد في انفعالاته وذلك من حالته التي يحياها ودمرته بأكمله :
ــ امشي يا فريدة أحسن لك انا مش عايز اقلب حياتك المستقرة الهادية لعواصف ولا انا انفعك ولا انتِ تنفعيني .
قطبت جبينها وهزت رأسها بعدم فهم وتسائلت متعحبة :
ــ مش بمزاجك تقرر تبتديها وبمزاجك تقرر تنهيها احنا خلاص مصيرنا بقى واحد واني محتاجة منك انك تفوق وكل ما تيجي تدخل دوامتك المهلكة ليك ولروحك تفتكر كلامي اللي هقوله لك دي ؛ بص للسما وقول لربنا يا رب فوقني يا رب ارحمني من ضعفي استنجد باللي خلقك ما تستنجدش بالضعف يا فارس انت حد جميل وراقي ولازم تواجه عماد انك مش هتستمر في اللي هو عايزه منك .
تنفس بحدة وصدره يعلوا ويهبط وهو يخبرها بما يضيق في صدره وانطلق به لسانه :
ــ أصلك متعرفيش هو بيعمل ايه عماد ما سابش حاجة غلط وحرام الا وعملها ما بيهمهوش ضعيف ولا ست ولا راجل ولا كبير ولا صغير ،
ثم لا حظت تمدد ملامحه بضحكة هادئة ثم همس في مسامعها بصوت هدر أرعبها وجعلها تبتعد بخطواتها قليلاً :
ــ أصل عماد بيتاجر في الأعضاء وبيأجر رحم ستات للتقال اوي اللي في البلد وزراء ومستشارين ومستويات علشان مراتاتهم مش عايزه تحمل وتبوظ جسمها بالحمل او اللي ما لهاش في الحمل اصلا ،
ثم أكمل بنفس نظراته المرعبة التي يطالعها بها وهو يكمل مدى قساوهة ما عاشه مع ذاك العماد :
ــ تعرفي كان بيعمل كده مع عبير كان بيأجر الرحم بتاعها كل سنتين مرة لحد ما الرحم بتاعها ما بقاش يتحمل وهي كمان جسمها ضعف من كتر ماخلاها تعمل العملية دي ولما ما لقاش منها منفعة في الحوار ده بدا يتسرسب على أعضائها من غير ما تعرف ولا تاخد بالها مرة كلية ومره طحال لحد ما قرر في الآخر لما بقت على سرير المرض جسمها ما بقاش متحمل مضادات ولا مخدرات ما بقتش قادره تتحرك جالها جلطة من اللي عملوا فيها واللي هي عرفته بالصدفه لما راحت كشفت على نفسها وعملت فحص كامل لجسمها وطلع واخد منها الأعضاء دي اتجلطت في ساعتها قرر ان هو ياخد منها قرنية عينيها لبنت واحد له مركز كبير قوي في البلد وهي كانت عينيها الوحيدة اللي سليمة اللي فيها سمعته بالصدفة وهو بيتفق مع الراجل ده وكان متفق كمان مع الدكاترة اللي هيعملوا لها العملية ولقيتني بعيط تحت رجليها وبقول لها فاكرها مش سامعاني ولما اكتشفت كده اترجتني ان انا اشيلها المحلول وأريحها من الدنيا لأنها كانت قاطعة الأكل والشرب خالص وعايشة على المحاليل .
شهقت فريدة شهقة عالية وهي تضع يدها على فمها تكتم شهقتها إثر ما استمعت إليه فلم تكن تتخيل أن يكون ذاك العماد بتلك الفظاعة من فظاظة القلب وحدسها لم يكاد يصدق ما استمع اليه الآن ولأول مره ترى ما تشاهده في التلفاز في المسلسلات والأفلام بام عينيه متجسدا أمامها وهي تحرك رأسها برفض قاطع لما قاله ذاك الفارس وردد لسانها باستنكار :
ــ معقوله يكون في بني ادم عايش على وش الدنيا بالطريقة دي !
ازاي مامتك استحملت كل دي !
وازاي اصلا تقدر تبص في وشه !
وازاي قادر تقول له يا بابا !
دي شيطان بيتحرك على الأرض في جسد انسان، اني مش متخيلة اصلا ان في بني ادم اكده ! قول انك مزودها شوية واني اللي سمعته دي من بحر الأوهام .
كل تلك التساؤلات فرضتها فريدة على مسامع ذاك الفارس الذي ابتسم بسخرية لمجرد دهشتها لما استمعت إليه فما بالك أيتها الفريدة لو عشتيه لحظة بلحظة !
لو أتاكي وجعه ودق في معالم جسدك يوما بيوم !
لو عشتي الخذلان يوماً واحداً من أقرب الناس اليكِ ؟!
الخذلان من أقرب الناس قد يخلف في القلب جرح لا يلتئم أبداً، الخذلان لا يطاق ولا يحتمل، فقد يجعله يكره القلب والروح وإذا انكسر في القلب شيء لن يعود فخذلان الأحبة هزيمة لا انتصار بعدها و يوم الخذلان عظيم لا يمكن أن يمحى من الذاكرة ،
فقد كان متألقاً في خداعي، فأنا أشهد له أنك مخادع عظيم ، وضجيج الجرح ما زال يؤلمني، فطريقته في الأذى كانت قاسية ،
كل تلك الكلمات التي كانت تصارحها بها عيناه وكأنها فهمت ووعت لما يقوله وهي تشفق عليه لما أوصله لتلك الحالة بل إنه تحمل ما لم يتحمله بشر منذ أن كان طفلاً صغيراً وهو يعاني من ذاك الشيطان الذي يعيش معه وجعله فقد طفولته وأحب الناس إلى قلبه بل ودمره كلياً حتى وصلوا الى تلك المرحلة من العناء،
فهل تستطيعين فريدة اخراجه من هذه الدوامه والظلام القاحل الذي يعيش به ؟!
كيف ستداوين كل تلك الجروح والندبات التي تملئ قلبه بتلك الدرجة ؟!
وهو ايضا محقٌّ في تلك الدوامة التي يعيش بها ولربما كانت تلك الدوامة هي من جعلته يعيش إلى الآن فهي أخف من أي قضاء ومن الممكن أيضاً ان تكون تلك الدوامة التي يهرب بها من الواقع المرير كانت قضاء الله له كي يجعله يستمر وأن لا يؤذي بحياته إلى الموت فسبحان الله رب ضرة نافعة ،
ثم وجدت حالها تقترب منه وتنظر في عينيه بقوة وهي تبثه الثقة في نفسه :
ــ بس انت من جواك رافض الوحش اللي بيعمله عماد وبتستنكره وطالما اكده يوبقى انت حد كويس قوي يا فارس فاني عايزاك تنسى اللي فات وتمحيه من حياتك بأستيكة وتبعد عن عماد وتهدده انه لو جه ناحيتك هتـ.ـموت نفسك وهتبلغ عنه وهو طالما ما جاش ناحيتك من البداية يبقى بيخاف عليك جدا لأنه اكده هيعتبرك راس ماله في الحياة وفي وجهة نظره انت اللي هتحافظ وهتستلم الامبراطورية اللي هو عميلها فعلشان اكده مهما يحاول يهددك ما تستسلمش وما تدخلش جوه الدوامة اللي بتخليك تشوف نفسك زيه بالظبط ، أرجوك يا فارس اني محتاجاك في حياتي ومحتاجة وجودك وانت آمن ،
اني وانت بقى قدرنا واحد لازم تفوق يا فارس لازم تنسى الماضي بألمه وجرحه وعذابه .
تنهد بأنفاس عالية لكلماتها التي اقتحمت مخيلته وقلبه وعقله وما عاد قادرا على الاحتمال أكثر من ذلك بين الماضي الحاضر وبين الألم والأمل وبين الجبر والصبر وشعر بأنه أصابه الدوار في رأسه فترنج قليلاً في وقفته فعل الفور أسندته بدرع حامي له وكأنها تؤكد له أنها لن تتركه ابدا مهما كان ومهما حدث ، ثم جعلته يجلس على الأريكة الموجودة وهو يسترخي بجسده ثم رددت على مسامعه آيات من القرآن الكريم كي تجعله يهدأ وبالفعل شعرت بانتظام انفاسه ودقات قلبه العالية هدأت قليلاً وهي تبتسم في وجهه لتقول بأمل مغلف بالتمسك بالحياة وحقهم فيها :
ــ ممكن تاخد نفس عميق وتهدى خالص وصدقني طول ما انت قريب من ربنا طول ما انت هتوبقى بخير ،
عبير ماتت يا فارس الوجع اللي كان بيهددك وبيخليك تدخل جوه الدوامة دي بقت بين ايدين ربنا فما بقتش محتاجة انك تتوجع عشانها ما بقتش محتاجة غير انك تقول ربنا يرحمك يا امي ربنا يرزقك الجنة على حس تعبك في الدنيا هي مش عايزة منك غير اكده وكمان عايزة تشوفك ناجح في أمان بعيد عن عماد فانت لازم تتحدى الوجع وتتحدى اي ظرف هيخليك تمشي في طريق عماد ،
انت جراح شاطر جدا ابدأ حياتك لوحدك بدماغك ودراعك والحسنة الوحيدة اللي عملها لك في حياته انه علمك كويس ، امشي طريقك زيك زي اي شاب وكأنك يتيم ما لكش اب ، ابنيها بعيد عنه اهنه في بلدنا وان شاء الله اني واثقة انك هتوبقى حاجة كبيرة قوي .
رفع جفونه ببطء ثم قال بنبرة أجش مبحوحة تأثراً بحديثها في إعلانها عن احتياجها له وأن يظل بالقرب منها :
ــ ياه شايف في عينيكي حب كبير قوي عمري ما كنت اتخيل اني أقابله في يوم من الأيام واعيشه واحسه واخاف عليه واخاف حد يمسه او يجي ناحيته يعني دلوقتي احساسي ناحيتك يا فريدة خوف من الفقدان وخوف من المستقبل اللي جاي خوف عليكي قوي وانا مش ضامن انا اصلا هعيش ولا لا ..
منعته أن يكمل :
ــ هششش متمكلش أرجوك ومتجيبش سيرة المووت احنا لسه في أول يوم حب ورجا من ربنا ان انت توبقى لي ، اوعدني يا فارس وعد المحبين انك هتجاهد علشان توبقي وياي ، اوعدني انك مش هتدخل دوامة فارس المنفصم تاني أني عايزة منك وعد صريح ليا وأني واثقة انك هتوبقى قد الوعد .
ابتلع أنفاسه بصعوبة وهو متردد أن يعدها بشئ ويخلفه معها ثم همس برجفة :
ــ أنا عايز أبقي معاكي ونفسي تكوني ليا وأضمك لقلبي وعيوني متشوفش غيرك بس خايف أوعدك موفيش .
دب القلق في صدرها مع تنهيدة حارة خرجت من ثغرها وهي تظن أنه لن يُشفى وان كلامه معها لم يؤتي ثماره ، شعرت للحظة بفقدان الأمل ولكن دقات قلبها السريعة من نظراته المتمنية لها اعادت لها الثقة به وهي تؤكد له انه سيستطيع ان نطقها :
ــ انا واثقة يا فارس انك لما توعدني هتنفذ الوعد علشان عبير الله يرحمها ربت فارس بجد اسم على مسمى ،
ثم أكملت حديثها وهي تعطيه أملاً في الحياة من جديد وهي تومئ رأسها للأسفل بخجل :
ــ عارف يا فارس انا حبيت عبير قوي من كلامك عنها وبجد لما نتجوز بإذن الله ويكون لينا بيت صغير يجمعنا مع بعض في حلال ربنا هدعي لها كتير قوي انها جابت للدنيا انسان زيك عشان يكون من نصيبي وكمان أول ما اخلف بنوتة هسميها عبير على اسمها ودايما هكلمها عنها واقول لها تيته كانت قد ايه جميلة وقد ايه كانت راقية قوي ونقعد ندعي لها ونقرأ لها قران كتير قوي هخليك تشوف عبير قدامك على طول ،
اني واثقة و متأكدة في ربنا انه هيجبرك قوي يا فارس .
تبسمت عيناه أملاً وعشقاً وشعر اليوم أنه ولد من جديد على يد تلك الرائعة الراقية وشعر الآن بمدى رحمة الله به بأنه أوقعها في طريقه ثم هتف بامتنان لها وهو يعدها الآن :
ــ شكراً انك موجودة في حياتي يافريدة ، شكراً انك رحمة ربنا ليا في أشد أوقات احتياجي لحد يخرجني من اللي أنا فيه واللي انا عيشته ، شكراً ليكي انك اتحملتي تعب نفسيتك بسببي وبسبب اللي انتي عانتيه معايا
ثم تذكر الممرضة التي كانت معه منذ قليل وأكمل وهو يشعر بالخجل من حاله :
ــ شكرا انك استحملتي تشوفيني في وضع زي اللي انت شفتيني فيه مع الممرضة وأصريتي ان انتي ما تمشيش وطلعتيني من وحل خطيئة كنت هرتكبها ،
ثم تمعن النظر في مقلتيها ونطق متأثراً بحالمية وجودها معه فدوماً يبعثها الله كطاقة النور في أشد أوقات عتمته :
ــ إنتي شعاع النور وسط ضلمة الفارس وانتي المكان الآمن لخوف الفارس وانتي كل حاجة حلوة في حياة الفارس ، ربنا يخليكي للفارس ويديمك نعمة في حياتي يافريدة.
ما أحلى تلك المشاعرالتي تنتابنا عند اللقاء، وما أرق تلك الأحاسيس، وما أصدق تلك القلوب، وما أجمل اللقاء! لقاءٌ نسيمُه الشوق وعبيره الإخلاص، ينبع من بساتين الحب في ربيع العمر، في أرض القلوب في لحظة اللقاء ، ما أجمل العيون ونظراتها وما أجمل الأحاسيس وتصويراتها لحظة لقاء الحبيب، فهي إبحار في فضاء الدفء والحنان في أجمل مراكبها، مراكب الدموع السعيدة دموع الفرح وبسمة السعادة وشعور القلوب.
وهكذا كان لقاء الفارس المظلم بضياء النور فريدة الفريدة حقاًّ
“*”*”*”*”*”*””*”***********
أمام تلك البحيرة أتت “شمس” كي تتنفس هوائها الجميل وسط الخضرة الرائعة فمنذ ان أتت هنا تلك المرة الماضية وهي أحبت ذاك المكان بل وتوغل عشقه في قلبها وأشعرها بالراحة والسكينة فهي الآن تجلس بقلب مطمئن لأول مرة منذ أن مات والدها فقد استيقظت ولم تجد زينب في المنزل كان التوقيت قبل غروب الشمس وبالتحديد في الساعة السادسة مساءً فقد شعرت بالاختناق وهي تجلس في المنزل وحدها طيلة اليوم ولم تريد ان تهاتف “زينب”كي لا تزعجها ففكرت الإتيان إلى ذاك المكان دون تردد ،
في نفس المكان كان يجلس ذاك العامر الذي أغلق الهاتف للتو وعلى معالمه الغضب الشديد فقد كانت ماجدة تهاتفه وتخبره برفض طلبه منهم وعلقت على القسمة والنصيب ،
كان يحمل بين يديه ابنته مها التي لم تسكت عن البكاء مما أزعجه كثيرا فحتى لحظات الحزن لم يستطيع الآن الخلوة بنفسه كي يرمم ما يشعر به قلبه من جروح وندبات فكان بكاء تلك الصغيرة كالسوط لروحه فهتف بضيق وهو يوجه كلامه لتلك الصغيرة وكأنها تعي ما يقول :
ــ انتِ هتبكي كانك حاسة بابوكي وبنـ.ـار قلبه القايده بين ضلوعه سميتك على اسمها علشان خاطر احنن قلبها عليا بيكي وبردوا ما شافتنيش كأن القدر حالف يعاند معايا ومعاها ،
كأن القدر حالف لا يندمني عمري كلاته على الذنب اللي ارتكبته اني هعيش شارد طول عمره ،
متبكيش يا حبيبتي ما كنتش عايز غيرها ام ليكي ولا كنت عايز غيرها زوجة لي ،
ثم دق على قلبه بيديه بشدة وهو يعنفه :
ــ شيلها من جواك يا قلبي حرام عليك عذاب نفسك حرام عليك السنين دي كلاتها حرام عليك عذابي اللي هيهون عليك شيلها من قلبك وانساها وعيش حياتك عيش لاولادك زي ما هي هتعيش وزي ما هي قدرت تقسى وتنسى .
كان بكاء الصغيرة يزداد تصاعدا مما جعله نظر الى السماء وهو يهددها ونيران القهر تنهش بصدره :
ــ يا رب قويني يا رب على اللي اني فيه مش قادر اتحمل ولا عارف اتحمل اديني القوة والصبر والنسيان ان اني اقدر اعيش واكمل اديني القوة ان اني أقدر اتخطاها يا رب ده كل آمالي في الدنيا ،
ثم أكمل بوجع وهو يتأوه ويداه على موضع قلبه :
ــ أااااااه ، نسيانك صعب قووووي مرض ملهوش علاج .
كل ذلك والصغيرة ما زالت تزداد في البكاء فقام من مكانه يتمشى بها في تلك الحديقة ونبض الوجع يزداد في قلبه من حالته التي يحياها ،
كان صراخ الصغيرة صعباً للغاية وكأنها تشعر بوجع أبيها وتحطمه حتى أن صراخها لفت انتباه شمس الجالسة في ذاك الركن وظلت تنظر إليهم وجدته حائراً بالصغيرة ولم يستطيع فعل شيء معها ظلت تنظر لهم كثيرا ما يقرب من نصف ساعة وبكاء الصغيرة لم ينتهي بعد فشعرت بالشفقة علي والدها وهي تراه قد نفذ الصبر من صبره وهو لم يستطيع تهدئتها فتحلت بالشجاعة وقامت من مكانها وذهبت إليه وهي تمد يدها له كي يعطيها الصغيرة متسائلة إياه :
ــ ممكن تديها لي احاول معاها يمكن تسكت معايا ، هي فيها ايه او مامتها فين سايباك لوحدك ليه ؟
التفت الى مصدر الصوت الأنثوي الرقيق الذي وصل إلى مسامعه الآن ، وجد أمامه ذلك الوجه الذي يحوي من الجمال الرباني والهدوء والنعومة جعلته تحمحم مجيبها وهو يرفض بذوق أن يعطيها ابنته :
ــ معلش مش عايز اتعبك وياي هي مش بتسكت مع حد خالص وهي أصلاً مقريفة على طول اكده .
زينت البسمة محياها وهي ما زالت تمد يدها له فهي تعشق الأطفال بشدة وهي ما زالت تعرض المساعدة عليه:
ــ طب ممكن تديها لي وتقعد انت تستريح شوية وانا هعرف اتعامل معاها ازاي انا بحب الأطفال جدا .
لمس تصميمها على أن يعطيها ابنته والحق يقال انه أُهلَك بشدة من بكائها ولم يستطيع أن يجعلها تصمت مهما أعطى لها من الطعام أو الشراب ومهما دار بها في المكان بكاؤها يزداد فاعطاها لها وهو يردد بنبرة دعابية :
ــ اتفضلي يا ستي انتِ اللي جبتيه لحالك حكم البنات دلوعة قوي بطبعها واني بتي شكلها هتطلع في الدلع ما عندهاش يا اما ارحميني وهتطلع عيني قالوا هيقولوا البنات هاديين وهم في النكد ما لهمش مثيل .
تبسمت تلك الشمس ضاحكة من كلامه ثم قالت بوجه بشوش وهي تهدد ابنته بين يديها :
ــ حرام عليك مش كل البنات ما تظلمناش ما عندك اهو انا بنت لكن هادية خالص هي هتلاقيها بطنها بتوجعها فسيبني انا هعرف اتعامل معاها ، انا شفتك وانت عمال تأكلها وتشربها وهي مش مستجيبة معاك خالص،
ثم مدت يدها له وهي تطلب منه :
ــ ممكن تديني حاجتها هنقعد انا وهي هناك كده وسيبني بقى اتعامل وياها وانت اقعد ارتاح شويه علشان تاخدها لمامتها وهي ساكتة هتلاقيها يا عيني ما بتعرفش تنام منها خالص .
اختفت البسمة من على وجهه عندما ذكرته بوالدتهم ثم ردد لسانه تلقائيا بحزن :
ــ أمهم ماتت بعد ما ولدتهم بأسبوع اصل هي ليها اخ توام .
اتسعت مقلتيها بحزن شديد مما قاله ثم رددت بأسف :
ــ انا متأسفة جدا ما كنتش اعرف والله ربنا يرحمها يا رب .
لاحظ الحزن الشديد على معالمها :
ــ له ولا أسف ولا حاجة دي حكم الله ولازم نرضى بيه ، بس اني شايف ان لهجتك مصراوية مش من الصعيد عندينا اهنه ؟
أومأت رأسها للأمام وهي تؤكد ما قال :
ــ أيوه انا مصرية بس قاعدة هنا عند جماعة قرايبي بقضي معاهم شويه وراجع مصر تاني من يومين جيت المكان الجميل ده وحسيت ان انا متعلقة بيه فلقيت نفسي جيت النهاردة تاني ،
ثم احتضنت الصغيرة بين يديها وشددت على احتضانها بحنو بالغ وأكملت بوجه هادئ رقيق :
ــ بس شكل ربنا بيحبني وجابني النهاردة مخصوص عشان اشوف البنوتة القمر دي اللي سكتت بين ايديا اهي عشان تعرف بس ان احنا عندنا مغناطيس لبعضنا وبنعرف نتعامل كمان مع بعضنا .
اخيرا زارت البسمة وجهه بعد ان كان حزيناً يناجي ربه فيما يتعلق الحزن بقلبه ثم ظل يتحدث معها وهو يسألها عن أشياء تخصها وهي الأخرى تسأله بمحض الصدفة والحديث دار بينهم وكل منهم شعر بالارتياح تجاه الآخر واتفقا على ان يأتيا كل يوم في ذاك الميعاد هو وابنته وأن يحضر ابنه الآخر معهم كي تراه وكل منهم أحس بأن وقته مر مع الآخر دون أن يدري ،
تكمن السعادة الحقيقية في المشاركة فهُناكَ أشخَاصٌ يَتحدثُونْ مَعكَ وَقتْ الفَراغ، وأشخَاص يَتفرغُون لِمُحَادثتك ولكن صَاحِب الأسلوب الرائع والكلمة الجَميلة كلْ شِيء مقبُول منه حتى العتاب ليس من الواجب علينا إجبار الناس على حُبّنا فقليل مِن الأخلاق تمثل كثيراً من الحب فإن السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها اليوم لو كانت السعادة تعني الحياة بلا قلق، لكان المجانين هم أسعد الناس فالناس تبحث عن السعادة أما السعادة فتبحث عمن يستحقها فربما كلمة تشجيع صادقة أو خدمة إنسانية تقدمها لمن يحتاجها يكون لها مفعول السحر على مَن حولك ومِن شأنها أن تملأ قلبك بالفرح.
ت
- •تابع الفصل التالي "رواية من نبض الوجع عشت غرامي" اضغط على اسم الرواية