رواية لأجلك انت الفصل الخامس و العشرون 25 - بقلم وداد جلول
رجوع خفي
في المستشفى في غرفة شهد
كان يوسف عندها ووالدها ووالدتها يجلسون أمامها بصمت، تململت بفراشها لتقابل الضوء، عقدت حاجبيها لتبدأ بالصراخ والضرب على السرير، فزع من في الغرفة ليتقدموا منها وتصرخ شهد بهم:
"ابتعدوا عني"
ظلت تردد هذه الكلمة ليبتعدوا عنها وتعاود والدتها وتتقدم منها ولكنها صرخت بأعلى صوتها لتبتعد والدتها عنها من حالتها الهستيرية ليتقدم يوسف منها ويمسكها ويصفعها على وجنتها، التفتت بوجهها للناحية الأخرى من قوة الصفعة، صمتت ونظرت له بأعين متسعة ووجهها أحمر كالدم، شفتاها ترتجف وعيونها زائغة، ظلت تنظر إلى ذلك الغريب الذي يقف أمامها، تنهد يوسف ليحدثها بحدة:
"اهدئي وكفاكِ صراخ ياشهد"
صرخت به بأعلى صوتها:
"ابتعد عني أيها الضابط اللعين، اين كنتم عندما اغتصبوني ها أين كنتم؟ اللعنة عليكم جميعكم، اللعنة على الجميع"
ظلت تصرخ وتضرب بحالها إلى أن نهضت وسحبت المصل من يدها بعنف لتقول بصراخ:
"أريد أن أموت أريد أن أموت"
توجهت إلى الشباك الموجود بغرفتها لتفتحه وتصعد عليه لتلقي بنفسها للأسفل ولكن يدان حاوطتها و منعتها من ذلك وهي يدان يوسف، مسكها بقوة قبل أن تلقي بنفسها تحت مقاومتها وجنونها ليضعها على السرير بعنف ويصرخ بها:
"كفى"
جفلت من صوته ليدخل إليها الطبيب وبيده حقنة، ما إن رأت شهد الحقنة بيده حتى أمسكت بيد يوسف وقالت:
"أرجوك لا تدعهم يعطوني حقنة أرجوك لا أريد حقنة أرجوك"
تنهد يوسف وبدأ يهدأها ليقول:
"حسناً اهدئي فقط، حسناً انظري إلي ياشهد"
نظرت له وهي تهمهم باستمرار وترتجف بين يديه ليردف لها:
"لن أدعهم يعطونكِ حقنة أبداً ولكن عديني بأن تهدئي وتكفي عن الصراخ اتفقنا"
نظرت له وأصبحت وتيرة تنفسها عالية لتحرك رأسها موافقة ويردف لها أيضاً:
"حسناً أحسنتي، أيها الطبيب اخرج هيا"
حرك الطبيب رأسه بإيجاب وخرج ليتنهد يوسف وهو يمسك يد شهد ويحدثها بكلمات مهدئة ليقول لها:
"حسناً ياشهد فقط اهدئي، كل شيء وله حل ولكن لا يجب عليكِ البكاء والصراخ هكذا، اسمعيني ألا تريدين أن تخرجين من هذه المستشفى المملة"
حركت رأسها بإيجاب بسرعة ليقول لها:
"حسناً اتفقنا ستخرجين من هنا عما قريب ولكن يجب أن تعديني بأن لا تفعلي ذلك وتصرخين بعد الآن وسنصبح أنا وأنتِ أصدقاء ما رأيكِ"
نظرت له مطولاً نظرة بريئة وبأعين دامعة لتحرك رأسها موافقة دون أن تتفوه بحرف، ابتسم لها ونظر لها نظرة تشجيع، بينما هي أمسكت بالغطاء وأعادت تغطية نفسها متمسكة به بقوة لتجول بنظرها بأنحاء الغرفة، ابتلعت ريقها وظلت تنظر إلى اللاشيء، تنهد يوسف بقوة وحزن على حالتها، كل شيء حدث كان تحت نظر أمها وأبيها يراقبانها والدمعة لا تفارقهما، تنهدت أمها بحزن ومسحت دمعتها التي هبطت على وجنتها فوراً، ظلت شهد صامتة وشاردة الذهن تحدق بالفراغ، بعد وقت قليل جداً بدأت بالبكاء بصمت، نظر لها يوسف وكأنه سيبكي معها ليوجه حديثه لوالديها:
"اتركانا بمفردنا قليلاً بعد إذنكما"
خرجا بصمت ليبقى يوسف وشهد التي مازالت تبكي بمفردهما، تنهد يوسف ليقول:
"اسمعيني ياشهد، كونكِ تعرضتي للاغتصاب هذا لا يعني نهاية الحياة، أعلم بأنكِ تعذبتي كثيراً وأنا أشعر بشعوركِ هذا، ولكن يجب عليكِ أن تكوني قوية وتتحدي الصعاب لإنكِ أنتِ فتاة جميلة وقوية ولن تقف حياتكِ عند هذا الأمر هل تفهميني؟ ستخرجين من المستشفى وتكملي دراستكِ وتتفوقي وتعيشين حياتكِ بهدوء وسيأتي الشاب الذي يستحقكِ وتعيشين معه قصة حب جميلة وتتزوجان وتنجبان الكثير من الأولاد، لذلك ياشهد يجب عليكِ أن تكوني قوية هل تسمعيني"
أنهى جملته بمرح وابتسامة صغيرة، وكل هذا وشهد ما زالت تبكي وكل كلمة يزيدها يوسف يزيد من حدة بكاء شهد، ظلت تشهق وتبكي وكأن يوسف لم يتحدث ليتنهد بقلة حيلة ويمسك بيدها المرتجفة لتجفل عن بكاءها وتنظر إلى يدها الصغيرة التي بين يديه، نظرت له نظره ذات مغزى ليبادلها النظره وكأنه فهم من نظرتها بأنها تتوسله ليبقى معها أو بشكلٍ أصح أن يدعمها ويقف بجانبها، ابتسم لها ابتسامة صغيرة لتبادله الابتسامة من بين دموعها وتتوسع ابتسامته أكثر عندما رأى ابتسامتها، حدثها بحماس:
"حسناً ياشهد أتعلمين لدي أخت بعمركِ وهي جميلة مثلكِ ممم حسناً أنتِ أجمل منها بقليل ولكن لا تقولي لها لإنها مجنونة اقسم لكِ بأنها توسعني ضرباً دائماً، وتأكل من مخدارتها كثيراً ماذا أفعل بها ها هيا قولي لي"
ابتسمت لتقول بصوتٍ مبحوح:
"أتمنى أن يكون لي أخ مثلك وأمزح معه وأوسعه ضرباً كما تفعل أختك معك"
اختفت ابتسامة يوسف قليلاً عندما سمع جملتها ولكنه عاد وضحك ضحكة بلهاء ليقول:
"مم حسناً أتعلمين سآخذكِ معي إلى منزلي وأعرفكِ على ماريا أختي إنها مجنونة كثيراً أنا متأكد بأنكما ستتفقان معاً وسيصبح لدي ..."
صمت قليلاً ولم يكن يريد أن ينطق بكلمة اختي ولكنه حمحم ليقول:
"مم سنكون ثلاثتنا أصدقاء دائماً ها ما رأيكِ"
حركت رأسها موافقة ليسرح يوسف بها ويبتسم ببلاهة، تذكرت شهد شيء ما وتحدثت بصدمة:
"هل قلت لي بأن أختك تأكل مخدرات؟ كيف تسمح لها بذلك"
ضحك يوسف على سذاجتها وبرائتها ليقول:
"أجل أجل مخدراتها الخاصة هي الشيبس والشوكولا وغيرها من التسالي، أنتن الفتيات تتطلبن كثيراً، يا إلهي دائماً أختي تسبب لي الصداع كل يوم تأتي إلي وتقول لي يوسف أريد المخدرات خاصتي أرجوك أريدها حالاً"
أنهى جملته وهو يقلد أخته بصوت ناعم لتضحك شهد من على طريقة كلامه بينما هو فرح جداً لإنها خرجت من جو الاكتئاب، ظل ينظر إليها بقوة لتنتبه شهد لنظراته وتعقد حاجبيها بقوة، انتبه يوسف إلى نظراته ليحمحم ويقول بجدية:
"إذاً يا شهد الآن أريد أن آخذ أقوالكِ بالحادث، وأسألكِ عدة أسئلة لعل وعسى نستطيع من خلالكِ معرفة مكانه والقبض عليه"
ما إن سمعت هذا الحديث حتى صدمت و دب الرعب بأوصالها لتقول بصوت مرتجف:
"ألم تقبضوا عليه بعد"
أمسك يدها بقوة وحدثها مطمئناً:
"لا ليس بعد، لقد هرب يوم الحادث، ولكننا سنجده اطمئني، وبالنسبة لكِ فلا تقلقي لإننا وضعنا عدة رجال هنا كي لا يقترب من هنا، اطمئني"
بدأت تجهش بالبكاء وتنتحب، نظر لها يوسف بضياع ليقول لها مهدئاً:
"اهدئي يا شهد أعلم بأنه صعبٌ عليكِ تذكر تلك الأحداث وأنتِ تحاولين نسيانها أعلم صدقيني ولكن كل شيء أفعله هو لمصلحتكِ، فقط ثقي بي ولن تندمين"
نظرت له شهد وهي تبكي لتشيح بنظرها عنه للجهة الأخرى وتصمت ليتنهد بقلة حيلة، هو يعلم بأنه سيتعب معها ليصل إلى أقوالها ويخرجها من حالتها ولكنه لن يتركها مهما كلفه الثمن، هدئها قليلاً إلى أن غطت بنوم عميق لينهض من مكانه ويتجه إلى منزله تاركاً قلبه مع شهد، لقد تقدم بخطوة جيدة ولصالحه اليوم كونها شهد قد بدأت تنسى وتضحك على حديث يوسف، هذا يعني بأنها ارتاح قلبها له قليلاً وقد سعد بهذا الشيء، ابتسم عندما تذكر ضحكتها ليتنهد بقوة ويستمر بقيادة سيارته وهو سارح بملامح شهد وبراءتها وضحكتها.
__________________
مكان مظلم، مليئ بالروائح الكريهة والحشرات الكثيرة، يجلس ذلك الرجل على كرسي خشبي متهالك، مقيد اليدين وشريط لاصق على فمه وعصبة على عينيه، سمع الرجل صوت حركة في المكان ليبدأ ويهمهم، اقترب منه وائل ليفك العصبة التي على عينيه ويفك الشريط اللاصق، أخذ نفساً عميقاً لينظر إلى الذي يقف أمامه ويجحظ عيناه بقوة وطرقات قلبه تتزايد، علم بأن هذا اليوم آخر يوم في حياته بما أنه وقع بيد وائل، هو نفس الرجل الذي كان بغرفة آسيل، ظل وائل صامت لا يتفوه بحرف فقط يحوم حول ذلك الرجل الذي يدعى عماد، وضع وائل يده على يد عماد ليقرب وجهه من وجه عماد ويقول:
"أريد أن أعلم بكل شيء وأنت ستتحدث رغماً عن أنفك هل تفهم"
ابتلع عماد ريقه بخوف ليردف وائل:
"ماذا يوجد بينك وبين آسيل"
ظل عماد صامت ولم يتحدث فقط يحدق بوائل بخوف لتأتيه صفعة على وجهه جعلت وجهه يلتف للناحية الثانية من قوتها، تحدث وائل بغضب:
"هيا تحدث"
ابتلع عماد ريقه ليتحدث بتقطع:
"ااا لا يوجد شيء بيننا"
اقترب وائل منه ليقول:
"إذاً كيف دخلت إلى غرفتها ومن الذي أدخلك ها"
تحدث عماد بخوف:
"سيد وائل ارحمني أرجوك"
أمسك وائل بوجهه واعتصره بقبضته ليتحدث بغضب:
"أقسم بأنني سأريك الجحيم انتظر قليلاً"
توجه وائل للخارج ليعود وبرفقته ثلاثة شبان، أمرهم بأن يعلقو عماد من يديه ويبدأو بتعذيبه ليطيعوا أوامره بصمت، علقوه وبدأ وائل يبرحه ضرباً بيديه وبأدوات حادة أيضاً إلى أن غاب عماد عن الوعي، أصبحت حالة وائل مزرية والعرق يتصبب من جبينه، توجه للخارج ليعود وبيده وعاء كبير مليء بالماء ليسكبه عليه ليعود عماد إلى وعيه، وجه وائل حديثه لعماد ليقول:
"تحدث بكل شيء تعرفه هيا أيها اللعين"
تحدث عماد بتعب:
"فك وثاقي أولاً أرجوك"
حرك رأسه موافقاً بحدة ليأمر الشبان بفكه ورميه على الأرض، ليفعلوا كما طلب ويتحدث وائل:
"حسناً تحدث"
تنهد عماد بتعب ليقول:
"السيدة سهى هي من أمرتني بدخول غرفة زوجتك واتفقت معي على أن يبين الأمر بأنني عشيقها لتأتي أنت وتراها معي وتتخلص منها، وهي قد ضمنت سلامتي وأمرتني أن أهرب ولا أعود أبداً"
كاد وائل أن يجن ويفقد أعصابه ولكنه تمالك نفسه ليتحدث بحدة:
"وما علاقتك بوالدتي"
ابتلع عماد ريقه ليقول:
"أنا كنت عندها في الغرفة هي عشيقتي و.."
لم يكمل جملته لإن وائل لكمه على وجهه ليحدثه بغضب:
"كيف يحدث ذلك ها"
أنهى جملته بصراخ ليتحدث عماد:
"لست أول من يدخل غرفتها، والدتك تقوم بجلب الرجال إليها كل يوم من وراءك"
ابتلع وائل ريقه ليتحدث بصدمة:
"ما الذي حدث بينك وبين زوجتي"
تحدث عماد بسرعة:
"أقسم لك لم يحدث شيء، زوجتك لا شأن لها بكل الذي حدث، والدتك هي من ورطتني بهذا الأمر وقد طلبت مني بعدها أن أقوم بأخذها وأسفرها بعيداً عن هنا ولكنها قالت لي بأنها هربت قبل موعد التنفيذ بيوم"
نظر وائل إليه مطولاً ليقول:
"هل هناك أحد آخر شارك معكم في هذه القصة"
ابتلع عماد ريقه ليتحدث بتوتر:
"أحلام"
جحظت عينان وائل ونظر له بعدم تصديق، كيف لها أن تشاركهما هذه المرأة بهذه القصة وهي قد فعلت الذي فعلته، ألم يكفيها كل مافعلته؟ يا إلهي كم هي إمرأة لعينة، حرك وائل رأسه بإيجاب ليقول له:
"حسناً وماذا أيضاً"
تحدث عماد:
"فقط هذا كل شيء"
تنهد وائل بقوة ليقول:
"حسناً من هم الرجال الذين كانوا يأتون لوالدتي"
تحدث عماد:
"انا لا أعرف غير اثنان منهم فقط صدقني"
حرك وائل راسه بإيجاب ليقول:
"حسناً ياسيد عماد لا تقلق سأجلب لك ونيس وهي والدتي، سأريكما الجحيم أنتما الاثنان"
أنهى جملته بغل ليتوجه إلى منزله ويأتي بوالدته إلى عذابها تاركاً عماد يتآكل من خوفه ومن غضب وائل الذي لا يحتمل على الإطلاق.
-----------------------
أطل ذلك الشاب بريبة متلفتاً حوله يمين ويسار، كان يريد أن يراها ويشبع ناظريه منها، يريد أن يطلب منها المسامحة، رغم بشاعة مافعله إلا أن قلبه الذي كان حاقداً من قبل وأصبح مليء بنيران عشقها الآن جعله يقدم على هذه الخطوة، أن يراها، أن يطلب العفو والغفران، أن يقبل قدميها فقط لكي تسامحه.
لو أنها تقبل به زوجاً، لو أنها تجن معه وتهرب معه بعيداً بحيث لا رجعة لهما إلى هذه البلاد، إلا أنه متيقن من الإجابة، متيقن من كمية الكره والحقد اللذان تكنانه له.
تقدم ببطئ وحذر عبر رواق المستشفى واضعاً قبعة المعطف على رأسه كي يخفي هويته ولا أحد يراه، يريد فقط أن يرى شهده ويطلب المسامحة وبعدها سيقتل نفسه أمامها، فليكون فداءً لها، لا يهم، المهم أن تعفو عنه.
وقف فجأة في منتصف الرواق عندما رأى رجلان من العساكر ليبتلع ريقه ويستدير ببطئ ليعكس اتجاهه ويعود أدراجه.
لم يحسب حساب أن يكون هناك أحد يراقب الوضع، أساساً لم يعلم كيف خطر لهم أنه سيذهب لرؤيتها، تنهد بضيق ونفاذ صبر ليعزم على تنفيذ مايجول بخاطره اليوم ليلاً، سيرى شهده ولو كلفه الأمر حياته يعني سيراها.
" بدوُنكِ
تكرهُ الطرقَات مشيِي
تُخاصمنِي على قلبِي النحيلِ
بدوُنكِ
تمرضُ الأشياءُ حولي
وأكبرُ ألفَ حُزنٍ بعدَ جيلي "
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية لأجلك انت) اسم الرواية