رواية خداع قاسي الفصل الخامس والعشرون 25 - بقلم ديانا ماريا
الجزء 25
لم ينتظر أمجد وحملها وهو ينادي الممرضة فأحضروا سرير طبي على الفور لتفحص علياء طبيبة نسائية.
سألتها الطبيبة: مدام علياء أنتِ عندك تاريخ مرضي قبل كدة؟
جلست علياء أمامها بوجه متعب: أنا كان عندي مشاكل في الخلفة قبل كدة وحملت بس سقطت للأسف من جواز سابق.
أومأت الطبيبة وهي تكتب أمامها فسألها أمجد بقلق: فيه حاجة ولا إيه يا دكتورة؟
هزت رأسها قائلة بنبرة عادية: لا لا مفيش حاجة بإذن الله احتمال كبير التهاب بسيط بس عايزين نعمل الأشعة دي على الرحم علشان نتأكد أنه كل شيء بخير.
ثم أعطتهم الورقة مع ابتسامة عملية فنهض أمجد وعلياء بعد أن حقتنها الطبيبة بمسكن للألم.
كانت جودي جالسة على حافة سرير داليا بعد أن غمرتها بحكاياتها المختلفة لتشعر داليا بالود ناحيتها وناحية لطفها.
قالت جودي بابتسامة: أنا مبسوطة بجد أنه خالتو اتجوزت باباكِ هو شخص محترم وكويس مش زي اللي كانت متجوزاه قبل كدة كان إنسان وحش خالص، الحمد لله أنها اتجوزت عمو أمجد وأنتِ كمان باين عليكِ لطيفة، أنا كنت زعلانة أنها مش بتخلف لحد ما شوفتك.
تغيرت قسمات وجه داليا وذكريات سوء تعاملها مع علياء خاصة حين جرحتها بكلماتها بأمر من والدتها تعود إليها لتعيد شهورها بالذنب خاصة أن علياء لم تلمها أبدا على ما فعلته وسامحتها.
دلفت عايدة لتسألها جودي بعفوية: أمال خالتو علياء وعمو أمجد فين يا ماما؟
تنهدت عايدة: علياء تعبت فأمجد خدها يكشف عليها.
انتبهت داليا لكلامها وفي وذلك الوقت دلف أمجد يسند علياء فوجهت داليا حديثها لعلياء بقلق:مالك ألف سلامة عليكِ؟
قالت علياء بابتسامة شاحبة: مفيش شوية تعب بس.
تطلعت لوالدها: طب والدكتور قال إيه يا بابا؟
أجاب أمجد بحواجب معقودة وهو يلاحظ لأول مرة اهتمام داليا بزوجته: هتعمل إشاعة ونشوف بس بإذن الله حاجة بسيطة.
وفي حركة أثارت دهشة الكل مدت داليا يدها لتضعها على يد علياء: خدي بالك من نفسك واسمعي كلام الدكتور علشان صحتك.
ارتسمت ابتسامة على وجه علياء رغم ذهولها ولكنها لم تستطع الرد فاكتفت بهز رأسها بينما يراقب أمجد الموقف بدهشة ممزوجة بالفرح لأن هذه أول بادرة تقبُل من داليا لعلياء.
بعد ذهاب عايدة وابنتها أتت عمتها حتى تطمئن عليها، تقدمت بخطوات مترددة وداليا جالسة بهدوء.
وقفت متوترة للحظات حتى اندفعت نحوها بشكل فاجئ داليا وعانقتها بشدة وهي تبكي: حقك عليا يا حبيبتي أنا غلطت كنت عبيطة ومفرقتش أنتِ بنت أخويا في النهاية.
ربتت داليا على ظهرها بتسامح: ولا يهمك يا عمتو.
نظرت لها نورا بندم: سامحيني يا بنتي، أنا الكره عماني ونسيت أنك بنتي وأنا اللي ربيتك على إيدي.
قبلت جبينها وعانقتها مرة أخرى لتبادلها داليا العناق ليزفر أمجد بعمق ارتياحاً لأن كل العقد التي واجهته بدأت تنحل واحدة تلو الأخرى.
خرجت داليا في اليوم التالي وحين دلفت للمنزل وجدت مفاجأة كبيرة في انتظارها، هناك وقفت عائلتها المكونة من والدها وعلياء وعمتها وزوجها وأولادهم مع أيضا عايدة وجودي وأصدقائها القدامى يقفون أمام طاولة كبيرة معدة بكل يمكن للاحتفال بعيد ميلادها الذي لم يحدث فقد كان هناك كعكة كبيرة عليها شمعة بعمرها وأيضا مقبلات وحلويات شهية.
حين دخلت صفقوا جميعاً مرحبين بعودتها فوقفت داليا بعيون دامعة تحدق إليهم وغصة في خلقها تمنعها من الكلام تأثراً بما تراه أمامها إلا أنها وبشكل خاص نظرت لوالدها عبرت من خلالها عن كل ما في داخلها ولا تستطيع أن تقوله في مجرد كلمات فتقدم والدها وهو يعانقها بشدة.
تعلقت داليا برقبته ودمعة تنهمر من جانب عينها: أنا بحبك أوي يا بابا.
مسح أمجد على شعرها بحنان: وأنا كمان يا حبيبتي أنتِ مش عارفة غلاوتك عندي كبيرة إزاي.
شعرت داليا بحال أفضل وقضت وقت ممتع مع جودي ورفقائها، في وسط تلك الضوضاء تسللت علياء لغرفة نومها وشردت وهي تتذكر كلمات الطبيبة حين ذهبت إليها وحيدة بعد أن أصرت ليبقى أمجد مع داليا.
قالت الطبيبة بابتسامة: لا الأمور تمام، التهاب بسيط في بطانة الرحم ومع شوية أدوية هتبقي تمام، أنتِ ماشية على دوا معين ولا حاجة من ساعة الجواز؟
هزت رأسها: لا يا دكتورة زي ما قولتلك لما أجهضت فرصي في الخلفة بقت صعبة جدا وجوزي دلوقتي عارف كدة ومتقبله.
عقدت الطبيبة حاجبيها: بس أنا شايفة أنه الموضوع مش بالصعوبة دي يا مدام علياء، يعني مع شوية أدوية ومعالجة صحيحة إحتمال جدا حضرتك تحملي.
اتسعت عيون علياء بدهشة: حضرتك بتقولي إيه؟
أكدت لها الطبيبة بجدية: بقول لحضرتك حملك مش مستحيل زي ما مفكرة، أهم حاجة تتعالجي صح.
اضطربت أنفاسها وهي تحدق للأرض تشعر بالضياع، هل ما تسمعه هو حقيقة أم مجرد خيال منها؟
رفعت وجهها تسأل الطبيبة باضطراب: حضرتك متأكدة أني.... أني ممكن أبقى حامل؟
رفعت الطبيبة كتفيها: والله كل شيء وارد مقدرتش أقولك إحتمال مؤكد بس هو مازال إحتمال كبير جدا أنه العلاج يجيب نتيجة وتحملي في النهاية مفيش حاجة بعيد على ربنا.
ابتلعت ريقها بصعوبة قائلة بصوت متحشرج: بس أنا مش هقدر أعمل كدة يا دكتورة، أخاف اتأمل ويطلع على الفاضي.
نظرت لها الطبيبة بعطف: أنا متفهمة ترددك يا مدام بس صدقيني هيبقى في مصلحتك على العموم فكري براحتك لسة قدامك وقت لحد ما الالتهاب يروح.
كانت ماتزال تشعر بالحيرة والعذاب معا فهي لا ترغب بالمخاطرة على أساس أمل واهي.
حين لاحظ أمجد اختفائها بحث عنها ليجدها على هذه الحالة فاقترب منها بقلق: مالك يا علياء؟
تطلعت له بعيون دامعة فصُدم: إيه اللي حصل للدرجة دي؟
سردت له ما قالته الطبيبة بصوت مرتجف ثم تابعت بانكسار: مقدرش يا أمجد، افرض العلاج منفعش بعد ما أكون اتأملت على الفاضي واستنيت؟ مش هقدر استحمل خيبة الأمل دي أبدا.
فوضع ذراعه حولها وهو يتنهد: طب يا حبيبتي اعملي اللي يريحك متضغطيش على نفسك لو عايزة أنا معاكِ لو مش عايزة براحتك برضو، أهم حاجة متزعليش كدة.
همست بألم: طب لو العلاج جاب نتيجة؟ فيه أمل أني أبقى أم بعد ما كنت خلاص اتأقلمت وعيشت أني مش هخلف أبدا يا أمجد! أنا تعبانة ومش عارفة أعمل إيه.
لم يستطع أن يجيبها فهو يريدها أن تتخذ ذلك القرار بنفسها حتى لا تشعر بالضغط.
قال برقة: أنتِ شوفي أنتِ عايزة تعملي إيه وأنا معاكِ فيه ولو ربنا أراد وكان لينا نصيب نخلف هكون أسعد إنسان في الدنيا أني جيبت ولد أنتِ أمه ولو ملناش نصيب مش هيتغير أي حاجة بالنسبة هفضل أحبك زي ما أنتِ كفاية وجودك في حياتي.
ابتعدت عنه قليلاً بدهشة: بتحبني؟
ابتسم بحب: طبعا بحبك يا علياء إزاي مش هحبك، وقفتي جنبي في أصعب أوقات حياتي ورغم كل اللي حصل مزهقتيش ومشيتي، لقيت معاكِ كل حاجة كنت بدور عليها إزاي محبكيش؟
احمرت وجنتي علياء من الخجل بينما برقت عيناها من السعادة: وأنا كمان يا أمجد، حبيتك وحبيت حنيتك ولطفك والأمان اللي لقيته معاك وكنت بدور عليه دايما.
ضمها له بحنان فاستندت برأسها على كتفه براحة، لم تذق النوم تلك الليلة فقد كانت مستيقظة تفكر حتى ألمها رأسها، كانت تنظر بين الحين والآخر إلى أمجد الذي ينام بجانبها حتى تنهدت وقررت أخيرا.
مرت خمسة أشهر على مداومة علياء للدواء وقد قررت المخاطرة والتجربة ودعت الله ألا ينكسر قلبها حتى وإذا لم يتحقق أملها.
في يوم كانت تقف في الحمام تفرك يديها ببعضهما بتوتر وهي تنظر لاختبار الحمل بترقب حتى أن ضربات قلبها بدأت تتسارع، أخذت عدة أنفاس عميقة حتى تهدئ من روعها ثم تقدمت لتنظر إلى الإختبار وحينها شهقت بصوت عالي وهي تضع يديها على فمها بعدم تصديق إن نتيجة الإختبار إيجابية! أنها حامل!
كادت تسقط من شدة وقع المفاجأة عليها فاستندت على حوض الحمام أمامها، طرق أمجد الباب حتى يطمئن عليها لأنها أطالت البقاء وحين لم ترد نادها بقلق: علياء أنتِ كويسة؟
بدأت علياء تبكي بصوت مسموع فدلف أمجد على الفور يقول بهلع: مالك حصلك حاجة؟
لمح بطرف عينه الاختبار فحدق إليه مذهولا، ترنحت علياء، فاستندت بظهرها على صدر أمجد ليمسكها بإحكام.
قالت علياء بصوت مبحوح من شدة البكاء: شايف يا أمجد؟ أنت شايف اللي أنا شايفاه صح؟ أنا حامل يا أمجد حامل! يالله مش قادرة.
رد أمجد بتأثر: اه شايف يا حبيبتي الحمد لله على كرم ربنا، بطلي عياط يا حبيبتي غلط عليكِ.
إلا أن علياء لم تتوقف عن البكاء حتى بعد أن أكدت الطبيبة حملها.
قالت للطبيبة بصوت متهدج: بس إزاي ده يا دكتورة ده كان مستحيل! وبعدين مش أنا سني كبير وهيبقى خطر على الجنين؟
رفعت الطبيبة حاجبيها بتعجب وقالت بابتسامة تفهم لحالة علياء: يا مدام علياء أنتِ اللي بتقولي كدة؟ أمال الستات اللي بتحمل في الأربعينات والخمسينات دول وبيجيبوا أطفال أصحاء دول إيه؟ المفروض حضرتك أذكى من كدة.
أمسك أمجد بيديها بين يديه مبتسما بسعادة وبعد أن أعطتها الطبيبة التعليمات والفيتامينات اللازمة مع التشديد على نفسيتها حتى لا يتكرر ما حدث سابقا، كانا عائدين إلى المنزل بسعادة فقالت علياء فجأة بنتبه: وداليا؟ هنقول لداليا إزاي؟
تابعت بقلق: يعني مش عارفة هي هتتقبل فكرة أخ أو أخت جديدة يشاركوها فيك وأنت عارف هي بتحبك أد إيه.
فكر أمجد في ذلك الأمر إلا أنه شعر أن ابنته لن تمانع خصوصا بعد تغير شخصيتها بشكل كبير في الفترة الأخيرة وكان توقعه صحيح حين أبدت داليا حماس وفرح لنبأ الحمل بل أسرعت وعانقت علياء فراقي أمجد المشهد بابتسامة عريضة وتنفس بعمق وهو يحس أخيرا بأنه بدأ يحيا حياة طبيعية كما تمنى دائما.
كان إحتفال عيد ميلاد داليا السادس عشر يسير على ما يرام حتى وقفوا جميعا لتطفئ الشمع فبدأت علياء تحسب بآلام شديدة أيقنت أنها آلام المخاض فحاولت التماسك إلا أن كام الألم شديداً لدرجة أنها صرخت بصوت عالي فحدق إليها الجميع بذهول.
أدرك أمجد الموقف فأسرع بها للمستشفى على الفور ولحقهم الجميع، كانت علياء تجلس على السرير السعادة تشع من وجهها رغم التعب البادي عليه وأمجد بجانبها واضعاً يده حول كتفها وهما الإثنان يراقبان بهدوء داليا الجالسة وبين يديها أخيها المولود حديثاً.
قالت نورا بمرح: وسبحان الله يا علياء الميعاد بالمظبوط على عيد ميلاد داليا علشان بعد كدة يبقى اتنين مش واحد!
غمرت داليا وجهها في عنق أخيها قائلا بحب: كنت عايز تطفي الشمع معايا يا روحي، هنطفيها مع بعض بإذن الله كل سنة، علشان أنت بتحبني وأنا بحبك أوي.
غمرت وجهه ويده بالقبلات وهي تمسك بيده الصغيرة في يدها، ألصقت وجهها بوجهه واشتمت رائحته بعمق قائلة بابتهاج: يالله ريحتك حلوة أوي مجنناني.
قالت علياء بمداعبة: هتسميه إيه يا داليا؟
رفعت رأسها بدهشة: اسميه؟ أنا اللي هسميه؟
أومأ أمجد بسرور: أيوا إحنا قررنا أنا وعلياء أنك أنتِ اللي هتسميه.
تأثرت داليا بتلك المبادرة ونظرت لهم بامتنان ثم لذلك الطفل الذي ينام بسلام بين ذراعيها بشغف.
بعد ظهور نتيجة الثانوية العامة خططت أسرة أمجد ووالد جودي لرحلة صيفية معا احتفالاً بهما.
كانت داليا تجلس بجانب جودي التي أصبحت صديقتها المقربة وبمثابة الإخوة وكان مرحها ساعد داليا على تخطي الكثير أيام محنتها بينما يجلس كل من أمجد مع علياء بالأمام وعايدة بجانب زوجها أما سليم فيلعب مع ريان ذو الثلاث سنوات ويسليه لتبقى أدهم شقيق جودي الأكبر والذي فضل الجلوس وحيدا في الخلف، كانت داليا تلتقيه في مناسبات قليلة كل تلك السنوات وقد تبين لها أنه لا يشبه جودي أبدا في الطباع فهو شخصية هادئة ذات ميول غامضة وقليل الكلام.
حين وصلوا تحمسوا للسباحة فبدلت الفتيات ملابسهما لثوب السباحة المكون من بنطال تعلوه سترة بأكمام وغطاء الرأس.
كانت الجميع يجلس على الشاطئ باستمتاع، يتبادل الكبار الأحاديث وسليم يقوم ببناء قلعة رملية لريان الذي يراقبه بانبهار بينما كانت داليا تستعد للسباحة في البحر، لاحظت أدهم يجلس بعيدا ويراقب المنظر بهدوء.
لم تهتم وتسابقت هي وجودي بمرح وسبحا لبعض الوقت حتى مع ريان الذي كان يتعلق برقبة داليا، كانت جودي على وشك الخروج فسألت داليا: أنا هطلع مش هتيجي علشان نأكل؟
هزت رأسها باسترخاء: لا هفضل اعوم شوية وبعدين الحقك.
خرجت جودي بينما بقيت داليا تتأمل ما حولها باستمتاع هادئ حتى شعرت فجأة بألم لا يتحمل في ساقها، علمت داليا أنه التقلص العضلي فحاولت السباحة لتخرج إلا أنها بدأت تهبط عن السطح، أدركت أنها تغرق فحاولت مناداة أي شخص على الشاطئ ولكن صوتها لم يسفعها، ابتلعت كمية كبيرة من الماء بسرعة وبدأت عضلاتها في الارتخاء وهي تهبط تحت سطح الماء وعلى وشك أن تفقد الوعي حين امتدت يد فجأة وسحبتها من يدها ثم بذراعين تحملانها.
سعلت داليا بشدة في البداية والرؤية أمامها مشوشة للغاية ثم استندت بيدها على صدر منقذها، أخذت عدة أنفاس متسارعة محاولة ملئ رئتيها بالاكسجين، رفعت رأسها لأعلى وبدأت تتضح أمامها الرؤية لتهتف بخفوت: أدهم!
بقلم ديانا ماريا.
بارت طويل أهو يا حلوين قولوا رأيكم فيه بقى بدل تم 😂❤️
•تابع الفصل التالي "رواية خداع قاسي" اضغط على اسم الرواية