Ads by Google X

رواية و بالعشق اهتدي الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم ندى محمود توفيق

الصفحة الرئيسية

 رواية و بالعشق اهتدي الفصل التاسع والعشرون 29 - بقلم ندى محمود توفيق 

(( وبالعشق اهتدى ))

_ميثاق الحرب والغفران ج2 _

_ الفصل التاسع والعشرون _ 


دفع عمران بكل قوة لديه ثم انحنى على قدمه بالأسفل وأخرج من حذائه سكين حادة صغيرة وأشهر بها في وجه عمران ينوي أن يقتله ولم يتريث للحظة حتى حيث غار عليه وبيده السكين وهدفه أن يغرز تلك السكين في يساره بالضبط، لكن عمران كان يقظ وقبل أن تلمسه السكين مسك بذراع ذلك الشاب واسقط السكين منه ثم لوى ذراعه خلف ظهرها ووجه لكه ضربة عنيفة من الخلف في قدمه جعلته يسقط على الأرض صائحًا بألم، انحنى عليه عمران ينوي أن يكمل ما بدأه ويبرحه ضربًا لكن بقية الذين كانوا بالسجن معهم اسرعوا وابعدوا عمران عنه، فنظر له شزرًا ثم انحنى عليه على أذنه وهمس له بصوت مرعب:

_حتة عيل **** زيك عاوز يعلم عليا أنا.. احمد ربك أني طالع دلوك وإلا كنت خليت الأربع حيطان دول چهنم عليك

ثم انتصب في وقفته ولكمه بعنف بقدمه في بطنه جعله يصرخ متأوهًا، ابتعد عنه وعاد لمكانه منتظرًا وصول العسكري لكي يخرج حرًا.

بالخارج كان بشار وبلال يجلسون بغرفة الضابط يتحدثون معه لوقت طويل نسبيًا، حتى سمعوا طرق الباب وانفتاح ليظهر من خلفه العسكري ومعه عمران الذي دخل بهيبته المعتادة فقال الضابط مبتسمًا:

_تعالى يامعلم مبروك الإفراج

رد عمران بثقة وابتسامة جانبية:

_ما أنا قولتلك ياباشا إكده أو إكده طالع هي مسألة وقت بس مش اكتر 

استقام بلاا واقفًا واقترب من عمران يعانقه بحرارة هاتفًا براحة:

_حمدلله على السلامة يا أبو سليم

ربت على ظهر أخيه بود مبتسمًا بينما بشار فاستقام واقفًا وقال للضابط في جدية:

_دلوك نقدر نمشي ياباشا؟ 

رد الضابط بتأكيد:

_طبعًا اتفضلوا تقدروا تمشوا

ارسل عمران للضابط نظرة توديع بابتسامته الواثقة فرد عليه الضابط بمثلها وسط ابتسامته، وفور مغادرتهم غرفة الضابط وابتعادهم عن آذان الناس من حولهم قال عمران بحزم:

_عملتوا إيه؟!

قال بشار ضاحكًا مازحًا:

_كيف ما قولت يامعلم.. الدماغ دي متكلفة صُح

عمران براحة ونظرة نارية:

_زين.. انا هروح اصفي حسابي مع صابر الـ****

أوقفه بشار بعبارته وهو ينظر لبلال:

_لا ماهو بعد ما طلعنا من المخزن بلال قال للرچالة تبلغ عن صابر واتمسك

اتسعت عين عمران بدهشة ثم رمق أخيه بغضب وقال بصوت مرتفع نسبيًا:

_أنا مش قولت يابلال ملكمش صالح بيه أنا لما اطلع هخلص حسابي معاه وعشان إكده قولتلكم خليه يسلم حد من صبيانه

رد بلال بصرامة وانفعال بسيط:

_اه وتدخل روحك في سين وچيم تاني واحنا ما صدقنا طلعت منها بخير، اللي عملته هو عين العقل.. اتمسك وخلصنا منه بدل ما تدخل معاه في مشاكل تاني احنا في غنا عنها وده راچل يده طايله ومش هيهمه حاچة والله اعلم ممكن يحاول يعمل فيك إيه

عمران بعصبية ونظرة كلها غل:

_أنا لو كنت عاوز ادخل نفسي في سين وچيم كنت عملت فيه حاچة وخلصت منه من زمان لكن أنا حسابي معاه ميخلصش إكده واصل

تأفف بشار بنفاذ صبر ثم ربت على كتف عمران بجدية وقال في صوت رجولي غليظ:

_خلاص عاد ياعمران وبعدين كلام بلال صُح، بزيادة لغاية إكده خلينا نخلص منه الراچل ده،وأنت يلا بينا عشان نرچع البيت.. مرتك وأمك هيتچننوا من القلق والخوف عليك

عندما تذكر ابنه وزوجته وأمه هدأت نفسه الثائرة، واشتعلت في قلبه نيران الشوق لابنه فجعلته يسير قبل بشار وبلال إلى الخارج قسم الشرطة متجهًا لسيارته لكي يعود لمنزله ويروى عطش شوقه لابنه ويطمئن على زوجته.

                                         ***

داخل منزل خليل صفوان.......

خرجت خلود من غرفتها ووقفت تأخذ نفسًا عميقًا، أصبحت تخجل وتخاف من أن تتجول بمنزلها في حرية كالسابق، بل تشعر نفسها وكأنها لصة تخشى أن يمسك بها، ولا سيما إذا كانت تريد الذهاب لغرفة أخيها والتحدث معه وهي تعلم جيدًا أنه مازال غاضب منها ولا يريد رؤيتها والدليل أنه لم يأتي لها في غرفتها ويطمئن عليها منذ أن أعادها للمنزل، لا يزورها في غرفتها سوى أمها فقط.. مما أثبت لها أن جميع من في المنزل لا يريدوها ولم يسامحوها، لكنها عادت لتنال رضاهم عنها وتثبت لهم ندمها الصادق.

تحركت بخطواتها البطيئة والمترددة إلى غرفة " علي " وعندما وصلت لها وقفت أمام الباب بارتباك وخوف من أن تطرق، لكن بعد لحظات طويلة من التفكير حسمت قرارها ورفع يدها ثم طرقت عدة طرقات خفيفة على الباب فسمعت صوته من الداخل يقول:

_ادخل

أردت ريقها بتوتر ثم أمسكت بمقبض الباب وادارته ثم فتحت الباب ببطء و أدخلت رأسها أولًا لتنظر له ومن ثم جزء من جسدها عندما رأته يجلس على المقعد المجاور للشرفة، ونظر لها بقوة عندما رآها فوقفت باضطراب وهي تجفل نظرها عنه وتقول:

_كنت عاوز اكلمك في موضوع إكده ياعلي، ممكن ادخل؟

تنفس الصعداء بحنق ورد بالموافقة في صوته الغليظ:

_تعالي

تقدمت إليه بعد أن أغلقت الباب ثم جلست على المقعد المقابل له وقال بخوف بسيط وهي تتفادى النظر لوجهه:

_أنا هقولك على حاچة الأول قبل ما ادخل في الموضوع الأساسي، بس أبوس يدك ما تتعصب عليا ولا تزعل مني لأني مش عاوزة تحبي عليكي حاجة ولا كمان اكدب عليك 

رفع حاجه بنظرة مريبة وقال بصوت اجشَّ:

_خير سمعيني

ابتلعت ريقها الجاف بصعوبة في توتر ثم قالت بصوت خافت ومضطرب:

_أنا كلمت مروان امبارح، ومقولناش أي حاچة والله بس طمنته أني بخير وشكرته على اللي هو عمله معايا الفترة اللي فاتت

تبدلت تعابيره من الهدوء الغضب وفجأة صاح بها منفعلًا:

_أنا مش قولت ونبهت ياخلود ملكيش صالح بيه الراچل تاني واصل وانسيه، ساعدك وحماكي من جوزك الـ*** ويشكر وخلاص على إكده

ارتعدت وانتفضت فزعًا وخوفًا منه ثم قالت بسرعة معتذرة محاولة تلافي خطأها:

_حقك عليا اعتبرها آخر مرة والله ياعلي خلاص لو مش عاوزني أكلمه تاني واصل اعتبره حُصل ياخوي.. أنا معدش في حد عندي أهم منكم، بس هو امبارح طلب مني طلب وأصر أني أقوله ليك

هدأت نفسه الثائرة قليلًا بعد اعتذارها وكلماتها الذكية التي نجحت في امتصاص غضبه وسألها بخشونة:

_طلب إيه ده؟!!!

 رد خلود تشرح له الوضع ببساطة وحماس:

_أنا قولتلك قبل إكده أنه كان بيساعدني ووكل ليا محامية عشان اتطلق من سمير، ده كان قبل ما يعرف أن چوزي يبقى واد عمه، دلوك امبارح قالي أنه هيخليه يطلقني من غير ما نحتاچ محامين ولا أي حاچة وكمان هاخد حقوقي منه كاملة، أنا مش فارق معايا ومش عاوزة منه فلوس ولا غيره بس كفاية أنه يطلقني واخلص منه، بس مروان قالي أنه عاوز يقابلك ويفهمك كل حاچة وهو ناوي يعمل إيه وياخد رأيك عشان ميعملش حاچة من غير ما يرچع ليك ولناسي يعني، في الأول وفي الآخر القرار بيدك أنت وچدي وأنت اللي تقرر نعمل إيه ونتصرف كيف ياخوي 

طالعها " علي " مطولًا بنظرات ثاقبة ومربكة بعض الشيء دون أن يجيب بحرف واحد على اقتراحها وطلبها، بينما هي فتوترت من نظراته وقالت بخوف بسيط:

_هااا ياعلي قولت إيه، اديك رقمه تكلمه وتتفق معاه وتتقابلوا؟

هب "علي" واقفًا ومسح على وجهه وهو يزفر بقوة ويفكر فيما قالته شقيقته للتو، وهي كانت بمكانها تنظر له بترقب تنتظر رده حتى سمعته يجيبها بصوته الرجولي المميز:

_هاتي الرقم

اعلان اساريرها وابتسمت باتساع ثم وثبت واقفة بسرعة وقالت بحماس:

_حاضر هروح أچيب تلفوني من الأوضة وارچعلك عشان اديك الرقم

أنهت عباراتها واندفعت لخارج الغرفة مسرعة متجهة إلى غرفتها في فرحة لكي تجلب هاتفها وتغطيه الرقم، ظنًا منها أن هذه إشارة جيدة على بداية تحسن علاقة شقيقها ومروان، طالما وافق على مقابلته.

                                   ***

بمنزل ابراهيم الصاوي......

توقف بشار بالسيارة أمام باب المنزل، فحرج أولًا عمران وخلفه بلال ثم بشار بالأخير، تحرك بلال أولًا إلى الباب ثم مد يده في جيب بنطاله وأخرج المفتاح ثم وضعه في القفل وفتح الباب ودخل، كان كل من أمه وزوجة أبيه وعمته وكذلك بنات عمته بالصالة يتحدثون، فور رؤيته لعمته ومنى رفع حاجبه ولوى فمه لكنه لم يعقب والتفت بالخلف إلى أخيه الذي كان يتحدث مع بشار بالخارج قبل أن يدخل، هتفت عفاف باستغراب عندما رأت ابنها يقف عند الباب ويلتفت خلفه هكذا:

_واقف بتبص على مين وراك يابلال ادخل ياولدي؟!

التفت بلال لهم ونقل نظره إلى زوجة أبيه إخلاص وقال مبتسمًا وهو يغمز لها بعيناه مداعبًا إياها:

_قومي ياسلطانة إخلاص استقبلي المعلم

اتسعت عين إخلاص بصدمة وراحت تتلفتت حولها للجالسين ثم وثبت واقفة وصاحت فرحًا:

_ولدي رچع

مروان ركضًا للباب وبتلك اللحظة كان عمران قد وصل للباب ودخل فلم يتثنى له أن يخطو اولى خطواته للداخل حتى وجد أمه ترتمي بين ذراعيه وهو على عتبة الباب وتهتف باكية:

_حمدلله على السلامة ياولدي، الحمدلله أنك رچعت سالم لينا 

أخذ عمران نفسًا عميقًا ورفع يده يضم أمه ويمسح على ظهرها بلطف رغم أنه مازال غاضبًا منها ولم يسامحها لكنه تفهم خوفها وحبها له وقابله بحنو حيث رد بصوت مكتوم:

_أنا بخير ياما الحمدلله

ابتعدت عنه ونظرت في وجهه بعينان دامعة وابتسامة عريضة متمتمة:

_الحمدلله ياولدي 

 اقتربت منه فتحية وعانقته هي الأخرى مهنئة إياه بحب:

_حمدلله على سلامتك ياولدي

رد عليها عمران وهو يضمها وعيناه عالقة على منى الواقفة وتنظر في وجهه دون خجل:

_الله يسلمك ياعمة

التقت عين بشار ورحاب للحظة لكنه اشاح بوجهه بعيدًا عنها فورًا بنفور واضح مما جعلها تزداد نقمًا وحقدًا على مريم التي نجحت في سرقة حبيبها منها.

دار عمران بنظره حوله بعدما ابتعدت عنه عمته وقال باهتمام عندما لم يجد ما يبحث عنه:

_آسيا وين؟

ردت عليه إخلاص مبتسمة:

_في اوضتها فوق ياولدي اطلع لمرتك وولدك

اندفع الدرج مسرعًا يقود خطواته السريعة لغرفته بالأعلى حتى يزيل شوقه لزوجته وابنه ويطمئن برؤيتهم بعينيه أنهم سالمين، بالأخص بعد رؤيته لـ " منى " بالأسفل، أما بشار فقد قاد خطواته هو أيضًا إلى غرفته لرغبته في عدم البقاء بنفس المكان المتواجدة فيه رحاب، لكنها فورًا لحقت به بعد ثواني متحججة بالذهاب للحمام.

توقف بشار وهو يصعد الدرج الأخير المؤدي لغرفته على أثر صوتها الأنثوي، وعندما التفت لها وجدها اقتربت ووقفت أمامه بشكل مباشر وراحت تنظر في عيناه بنظرات ليست بريئة أبدًا، فقد كان هدفها من تلك النظرات أن تلين قلبه وتسيطر عليه مجددًا وتستعيده لها، لكنه تأفف بحنق وقال وهو يصيح بوجهه بعيدًا عنها:

_خير يارحاب؟!!

أجفلت نظرها أرضًا بندم وأسى وقالت له في صوت خافت:

_أنا عارفة أني چرحتك بكلامي في المستشفى، حقك عليا والله ما كنت اقصد يابشار أنا بس من غيرتي عليك مكنتش دارية بروحي ولا عارفة كنت بقول إيه

رفع يده ومسح على وجهه متأففًا بنفاذ صبر ثم أجابها في ضيق:

_أنا مش فارق معايا يارحاب أصلًا وحتى نسيت أنتي قولتي إيه، لأن كل حاچة انتهت خلاص بينا، انتي من طريق وأنا من طريق يابت العمة وطريقي معروف فين ومع مين 

استدار وهم بالرحيل لكنها قبضت على ذراعه لتوقفه وتهتف بأسف وعينان دامعة وهي تتوسله:

_بشار أبوس يدك متهملنيش أنا بحبك، أنت فاهم غلط أنا مرچعتش اكلم خطيبي صدقني ومستحيل ارچعله، سامحني واوعدك أني مش هخرچ عن طوعك وهكون خدامة تحت رچليك بس تعالى نتچوز احنا بنحب بعض

سحب ذراعه من قبضتها ببطء وقال في صوت رجولي قوي:

_شكلك مفهمتيش اللي قولته، بقولك معدش فيه حاچة اسمها احنا يارحاب، خلاص خلصت

تحولت بلحظة من الضعف والعجز إلى القوة والشرعية وراحت تنظر له بنارية بعيناها الممتلئة بالدموع وهتفت:

_أنت مش بتحب مريم دي هتعيش مع واحدة مش بتحبها ولا عاوزها، عشان بس تنتقم مني

مال ثغره للجانب مبتسمًا في استهزاء منها ثم تمتم بنظرة استحقار:

_مين اللي فهمك إني عاوز انتقم منك!!.. وبعدين إيه عرفك أني مبحبهاش مش يمكن أكون حبيتها

سكن للحظات يلاحظ أثر كلماته على تعبيرات وجه رحاب الذي تحول لجمرة من النيران، فاتسعت بسمته ثم استدار وابتعد عنها بخطواته يكمل طريقه لغرفته ليسمعها تهتف باستياء شديد:

_مش هتتچوزك يابشار ومسيرك تلف تلف وترچعلي ووقتها أنا اللي هرفض ارچعلك

ثم تابعت بغل وصوت منخفض وهي تعقد ذراعيها في خصرها:

_حبها قال !!.. ميتا لحقت تحبها أنت، وتحب دي وتفضلها عليا أنا، مش عارفة هي مكملة معاك لغاية دلوك ليه رغم كل اللي قولته ليها!!

                                   ***

فتح عمران الباب ودخل ثم اغلق الباب خلفه ببطء، فلم يجد آسيا وسمع صوت المياه بالحمام وعندما عندما على الفراش رأى ابنه فوقه نائم، فابتسم بشوق وحب أبوي واسرع نحوه ليجلس بجواره على طرف الفراش وينحنى عليه يلثم رأسه بعدة قبلات متتالية هامسًا له:

_اتوحشتك قوي ياحبيب أبوك

وبينما كان منشغل بابنه وتقبيله وإشباع نفسه المشتاقة، خرجت آسيا من الحمام وتسمرت بأرضها عندما رأى زوجها أمامها بجوار صغيرهم، تهللت اسراريها وهتفت بصدمة:

_عمران!!!

رفع رأسه وأزاح عينه عن ابنه لينظر لحبيبته ويقول لها مبتسمًا بعشق:

_غزالي 

امتلأت عيناها بعبرات الفرح وارتسمت على ثغرها بسمة حزينة ثم هرولت إليه وارتمت بين ذراعيه تعانقه بكل قوة وتبكي بين ذراعيه وفوق صدره هاتفة:

_لو مكنتش شفتك تاني ولا طلعت من التهمة دي كان هيچرالي حاچة ياعمران

انحنى على رأسها وقبلها بحب هامسًا:

_بعد الشر عليكي

ازداد بكائها أكثر فوق صدره وراحت تهتف بصوت مرتجف وهي متشبثة به بقوة:

_خوفت قوي ياعمران اخسرك، أنا مقدرش اعيش من غيرك ياحبيبي

ابتسم بغرام ثم ضم كفيه واحتضن وجهها وأبعدها عن حضنه لينظر في عينيه بنظرة تهيم عشقًا:

_أنا قصادك أهو ياغزالي بزيادة بكا عاد ده أنا كنت مستني اشوفك فرحانة لما اطلع مش بتبكي

مالت بوجهها للجانب على كفه ترتاح بوجنتها على باطنه وتقول في نظرات تفيض حبًا وندمًا:

_ببكي من الفرحة أنك رچعتلي سالم ياحبيبي

لمعت عينيه بوميض حماسي وقال ضاحكًا بمرح:

_أيوة إكده هو ده الكلام، بس أنا مش عاوزك تبكي أنا عاوزك تدلعيني، أنا اتوحشتك قوي وانتي مقيمة عليا الحد ليكي فترة طويلة

ضحكت وسط دموعها التي تملأ وجهها ثم رفع أناملها لوجهها ومسحت عبراتها ونظرت له غامزة بدلع وهي تهمس:

_من إهنه ورايح مفيش غير دلع وبس يامعلم

لمعت عيناه برغبة شديدة وأشرق وجهه بسعادة فانحنى عليها ودفن وجهه في رقبتها وبذراعيه لفها حول خصرها وضمها إليه ليهمس لها بلهفة:

_أه ياغزال أنا محتاچ الدلع ده قوي.. ودلوك كمان

قهقهت بصوت عالي ثم أبعدته عنها وهي تلكزه في صدره برقة وتهتف بحزم امتزج بدلالها:

_الله عيب ياعمران ميصحش.. اصبر لما نروح بيتنا وأنا هدلعك آخر دلع يامعلم

ابتعد عنه ونظر لها بهيام ليقول بصوت مسكر:

_إذا كان إكده وماله نصبر عشان خاطر عيون الغزال

ارتفع صوت صحكها الأنثوي فمال عليها وقبّلها من وجنتيها بحميمية ثم ابتعد عنها وتبدلت تعابير وجهه بعدما تذكر منى وراح يسألها باهتمام:

_في حد ضايقك ولا قالك أي حاچة في غيابي يا آسيا؟

أجابته باستغراب وهي تهز رأسها بالنفي:

_لا محدش بالعكس دي أمك بتعاملني احسن معاملة لدرچة أني مش مصدقة كيف اتغيرت إكده

عمران بصوت رجولي غليظ وهو يتأفف بحنق:

_مش قصدي على أمي يا آسيا، أنا قصدي على منى!! 

تحولت نظرات آسيا الغيظ وقالت فورًا بنظرة نارية:

_وهي السحلية دي بتعمل إيه إهنه، وكيف ليها عين تدخل البيت تاني

قالت كلماتها وهمت بالانظفاع للخارج لتذهب لمنى لكنه قبض على ذراعها واوقفها عنوة بصوت المرعب والحازم:

_آسيا رايحة وين؟!

التفتت له وقال بانفعال وغيرة شديدة:

_رايحة اعرفها حدودها خرابة البيوت دي، إيه اللي چايبها النهاردة في اليوم اللي أنت طالع فيه إلا لو في دماغها نية سودة

عمران بحدة:

_محدش كان يعرف أصلًا أني طالع النهاردة وهي چاية مع عمتي هي ورحاب، يعني شكلها زيارة

آسيا بإصرار وحقد شديد على منى:

_ولو لازم اشفي غليلي منها، طبعا تلاقيها فضلت تبصلك تحت وتتلزق فيك كيف عادتها ماهي معندهاش دم ولا كرامة

أطلق عمران زفيرًا حارًا بنفاذ صبر ثم رفع يده ومسح على وجهه متأففًا وترك ذراع آسيا ثم اقترب منها وحاوطها بذراعيه من كتفيها، ثم نظر لعينيها بلطف وقال في رزانة:

_احنا ملناش صالح بتعمل إيه إهنه ولا إيه اللي چابها، احنا معدناش عايشين في البيت ودلوك بقينا كيف الضيوف وهنرچع بيتنا، أنا اللي چابني إهنه عشان أخدك انتي وولدي بس ونروح شقتنا، بلاش عاد تعملي مشاكل وأنا مش متحمل  ملكيش صالح بيها يا آسيا.. تمام؟ 

لوت فمها باقتضاب ثم هزت رأسها له بالموافقة في مضض تجيبه إياه بانصياع لأوامره:

_حاضر

مال على رأسها وقبّلها من شعرها بحنو متمتمًا لها:

_تعچبيني إكده وأنتي مطيعة يا أم الغالي، يلا لمي حاچتك وشنطتك أنتي والواد عشان نرچع شقتنا، أنا تعبان قوي وعاوز ارتاح في بيتي، هروح اتكلم شوية مع بشار وبلال عقبال ما تكوني چهزتي

اتسعت بسمتها بعد كلماته واستعجاله ورغبته في العودة لمنزلهم بأسرع وقت، لترد عليه بكل حماس وامتثال لأوامره:

_أنت تؤمر ياسيد الرچال

                                      ***

 بتمام الساعة التاسعة مساءًا داخل منزل جلال......

كانت فريال جالسة فوق الأريكة بالصالة وحولها اولادها كل واحد يجلس من جهة وتساعدهم هي في حل واجبهم المدرسي، خرج جلال من غرفته بعدما انتهى من حمامه الدافيء، واتجه لهم ليجلس على مقعد بعيد نسبيًا عن الأريكة ويراقب اولاده وزوجته وبالأخص كانت عيناه ثابتة على فريال يدقق في تفاعلها مع اولادهم فرأى العبوس على وجهها وهي تتحدث معهم حتى عندما تضحك تبتسم بوجه مهموم وعينان منطفئة من بريقهم الجميل، فيطلق تنهيدة حارة بحزن على حالها الذي يمزق قلبه، اشتاق لإشراقة وجهها ولمعة عيناها وحماسها، للحظة شعر بأنه لم يفقد ابنته فقط بل فقد زوجته معها.

انتظر حتى انتهى الأولاد من واجبهم وهتف له بصوته الرجولي الحازم:

_يلا طالما خلصتوا على اوضتكم وناموا عشان المدرسة الصبح

رغم العبوس الذي ظهر على وجه معاذ وعمار لرغبتهم في عدم النوم إلا أنهم امتثلوا لأوامر أبيهم وهزوا رأسهم بالموافقة واتجهوا نحو غرفتهم، فـ استقام جلال فورًا من مقعده وانتقل بجوار فريال يجلس بجانبها ملتصق بها ويلف ذراعه حول كتفيها ليضمها إليه وبشفتيه ينزل إلى وجنتيها يقبلها بحميمية هامسًا:

_حتى وأنتي مكشرة حلوة وكيف القمر إكده.. حسي بيا شوية يافريالي

أجبر وجهها على الابتسام لا إراديًا له والتفتت له لتجيبه برقة وثقة:

_طبعًا أنا في كل حالاتي كيف القمر، أنت ميتا شوفتني عفشة أصلًا؟! 

طال النظر في ابتسامتها بهيام وقال في عينان تفيضان عشقًا:

_انا بشوفك بقلبي العاشق وعشان إكده عيوني كل ما بتشوفك بتقع في حبك من اول وچديد حتى لو كنتي في حال إيه

مالت بوجهها للجانب وعيناها لمعت بوميض الغرام والتأثر بكلامته الغرامية وهي تنظر له بلوعة ثم رفعت يديها ولفتها حول رقبته وانحنت برأسها عليه لتضعها على صدره تحديدًا أسفل ذقنه وبالقرب من رقبته، لتهمس له في صوت لفح بشرته السمراء:

_أنت بتعمل كل ده عشان بس تنسيني همي وتبسطني ومتعرفش أن وچودك چاري وحبك ليا ده وحده بينسيني همي ويبسطني

مال بشفتيه على رأسها وطبع قبلة حانية على شعرها، ثم رد عليها مازحًا ليضيف الضحك والمرح في حديثهم وجلستهم:

_إيه يعني قصدك مش عاوزة تروحي الرحلة اللي چهزتالك أنتي والعيال ولا إيه!!! 

ابتعدت عنه وهي تضحك مغلوبة عندما رأت على وجهه الضيق المزيف وقالت مستسلمة:

_أنا قولتلك لو عليا مش عاوزة اروح مكان بس هروح عشانك وعشان العيال كمان يفرحوا شوية ويتفسحوا

اتسعت بسمته وقال بحماس:

_زين.. چهزتي الشنط ولا لسا؟

هزت رأسها بالنفي مجيبة:

_لا لسا

هتف جلال بصوت قوي وهب واقفًا ليردف بحدة:

_امال مستنية إيه؟!.. بقولك هنتحرك الصبح بدري، قومي يلا نچهزها مع بعض

أطلقت زفيرًا طويلًا بقلة حيلة منه وهي تضحك، لكن سرعان ما هبت وواقفة ثائرة وهتفت بغضب عندما أخيها:

_سيبك من السفر دلوك، وقولي أنت كيف متقوليش على اللي حُصل لعمران، أنا كنت بتصل بأمي بالصدفة النهاردة الصبح وقالتلي وكلمت عمران لولا إكده مكنتش هعرف، لا وقالتلي أن أنت اللي نبهت أن محدش يچبلي سيرة كمان

رفع جلال أنامله يحك ذقنه ولحيته مبتسمًا ثم قال بلطف:

_مكتتس عاوز اضايقك اكتر ياحبيبتي وكنت خايف عليكي، وأنا لما آسيا قالتلي كلمت بلال واستفهمت منه الوضع إيه وعرفت أنهم هيتصرفوا ويطلعوه فقولت ملهاش لزمة اقلقك واضايقك ولما يطلع ابقى اعرفك واهو طلع بخير الحمدلله

فريال بعصبية بسيطة:

_مهما كان ياچلال كان لازم تـ.....

قاطعها عن استكمال حديثها وراح يجذبها إليه بجرأة ويغمز لها هامسًا بخبث:

_خلاص عاد مش وقته دلوك اخوكي زي الفل، تعالي احنا نجهز شنطنا عشان كمان انا اختار معاكي اللبس المناسب من اللي يحبه قلبي

فهمت مقصده فلكزته في كتفه برقة وقالت بخجل:

_جــلال.. بعدين متنساش أن العيال معانا

غمز لها ثانية وقال ضاحكًا بلؤم:

_لا ما أنا عامل حسابي وحاچز أوضة في الفندق بأوضتين يعني اتنين في واحد، احنا في أوضة والعيال في أوضة

قهقهت رغمًا عنها على تفكيره الخبيث ووقاحته ثم أجابته مغلوبة على امرها:

_لا أنت مش طبيعي أبدًا

بادلها الضحك وهو مستمر في توزيع قبلاته على شعرها ووجهها، يشبعها بحنانه وحبه وهي كانت أكثر من مرحبة بهذه المشاعر.

                                    ***

اصطف بشار بسيارته أمام البناية التي تقطن بها مريم، وخرج من السيارة وهو يحمل بين يديه أكياس ممتلئة بالهدايا كعادته، كانت مريم تقف في سرقتها بالأهلى تراقبه بنظراتها الجافة دون أن تبتسم حتى، فهي قد عزمت النية على إنهاء كل شيء الليلة بعدما أجرت اتصال به وطلبت منه زيارتها.

ظلت بغرفتها لدقائق حتى سمعت صوت باب منزلهم ينفتح ووالدها يرحب به بحرارة ويتعالى صوت عائلتها ضحكًا ومرحًا مع بشار، ارتدت حجابها وجلست على فراشها ترتب كلماتها وأفكارها حتى تنهي ذلك الأمر بكل هدوء، رغم أنه يصعب عليها الانفصال عنه بعدما أحبته ولكن اتضح أنه لا يستحق حبها وكان يستغله.

انتظرت عشر دقائق تقريبًا ثم خرجت لهم وهي تبتسم بكل طبيعية، لكن عندما نظرت في وجه بشار تلاشت ابتسامتها تلقائيًا، مما جعله يغضن حاجبيها بتعجب من نظراتها الغاضبة منه، وتخيل أنها ربما تكون انزعجت منه لأنه تأخر عليها، وعقد النية على مراضتها عندما يجلسون على انفراد ويوضح لها سبب تأخره ويعتذر منها، أما فكانت تتفادى حتى النظر لوجهه وتراقب حديثه مع والدها بوجه واجم وقاسي، حتى استقام والدها أخيرًا وترك لهم الساحة فارغة.

استقام بشار واقفًا فور انصراف والدها واتجه ليجلس بجوارها وينظر لها بحيرة وسألها باهتمام:

_مالك يامريم أنا عملت حاچة زعلتك، لو اضايقتي عشان اتأخرت عليكي حقك عليا أنا بس كان معايا كام مشوار وكمان الطريق كان زحمة ويدوب عقبال ما وصلت

تحركت وابتعدت عنه لتصنع مسافة كبيرة بينهم وهي تهز رأسها بالنفي وتجيب بمضض:

_لا مش زعلانة يابشار

اتسعت عينه بدهشة بسيطة عندما وجدها تنفر منه وتبتعد عنه ثم قال لها بانزعاج بسيط:

_مش زعلانة كيف يعني يامريم، لو مش مزعلك التأخير قوليلي إيه اللي زعلك عشان افهم وارضيكي حتى

لوت فمها بحنق ملحوظ لكنها حاولت إخفائه والتفتت له تقول مبتسمة بنظرة خبيثة:

_مش هتباركلي؟!.. أنا افتكرت كل حاچة الحمدلله

فغر شفتيه مندهشًا وسرعان ما تخللت اساريره بفرحة غامرة وراح يمسك يدها بحب ويهمس:

_الحمدلله ياغالية الحمدلله، إيه الأخبار الحلوة دي بس، أنا مش قولتلك اطمني ومسيرك تفتكري كل حاچة ومتستعچليش، احكيلي عاد افتكرتي كيف؟

ابتسمت بغيظ وقالت في نظرة نارية:

_أنا فاكرة كل حاجة من بدري أصلًا

اختفت ابتسامة بشار وظهر الوجوم على وجهه الممتزج بالصدمة وراح يسألها بعدم فهم وصوت رجولي:

_كيف يعني فاكرة من بدري.. من ميتا وليه مقولتليش؟

تجاهلت سؤاله كأنها لم تسمعه وراحت تجيب عليه بسؤال آخر ونظرة متأججة بنيران الغيرة والغل:

_صحيح طمني أخبار بنت عمتك رحاب إيه؟

تقوست تعبيرات وجه بشار ولاحت بشائر الغضب الحقيقية في عينيه فور ذكر رحاب وتذكر حديثه معها بالصباح فهتف منفعلًا:

_رحاب إيه وزفت إيه وبعدين أنتي مالك بتسألي عنها كتير إكده ليه؟! 

زمت شفتيها للأمام بجهل مزيف وقالت في عصبية واضحة:

_عادي.. بشار أنت مش حابب تقولي حاجة؟ 

رفع حاجبه بحيرة وقال بعدم فهم:

_حاچة زي إيه؟!

اخذت مريم نفسًا عميقًا واطلقت زفيرًا متمهلًا ثم التفتت له وجلست على الأريكة مقابلته تمامًا لتصبح أمام وجهه ونظرت في عينيه بخزي وقالت في ألم:

_زي مثلًا خيانتك ليا وأنك بتحبها وكنت ناوي تسيبني وتتجوزها، أو مثلًا زي أنك في يوم الحادث أنت كنت عايز تقابلني عشان تقولي انتي من طريق وأنا من طريق وتروح بعدين تتجوز حبيبتك، ويشاء القدر أني أعمل حادث في اليوم ده.. هااا عرفت هي إيه الحاجة دي!!

حدقها بصدمة مطولًا حتى انتهت من حديثها ورأت الندم والحزن في عيناه وهتف مسرعًا يحاول شرح موقفه لها:

_ أنا مش هدافع عن نفسي لأني غلطان من ساسي لراسي، بس مش طالب منك غير حاچة واحدة تسمعيني كيف ما سمعتيها وبعدين اعملي اللي أنتي عاوزاه

امتلأت عيناها بدموع القهر وسألته بصوت مبحوح:

_كملت معايا ليه بشار، صعبت عليك واشفقت عليا مش كدا؟!.. وأكيد قولت لما تخف وتفتكر كل حاچة هسيبها واروح اتجوز البنت اللي بحبها بس عشان ترضي ضميرك ومتحسش أنك السبب في الحادث اللي حصل

رمقها بعينيه متوسلًا وقال بأسى شديد:

_مريم اسمعيني الأول أبوس يدك وخليني احكيلك كل حاچة

صاحت منفعلة وانهمرت عيناها فوق وجنتيها غزيرة:

_مش عايزة اسمع منك حاچة انا سمعت وشوفت اللي يكفيني وزيادة، كنت مستغربة ازاي بتعاملني بالبرود ده قبل الحادث وكنت بصبر نفسي واقول يمكن مش متعود عليا زي ما أنا كمان لسا بتعود عليه ومع الوقت هيحبني، بس اتاري الوضع مش كدا وانت كنت من بداية خطوبتنها بتحب بنت عمتك وقلبك متعلق بيها، طيب اتقدمتلي ليه لما لسا بتحبها وعايزها خطبتني لـــيــه!!! 

مد يده واحتضن كفها الناعم بين كفيها بدفء شديد ونظر في عينيها وأجاب بمشاعر صادقة وحب حقيقي:

_كيف ما قولتي كان قبل الحادث، دلوك كل حاچة اتغيرت وأنا والله العظيم حبيتك وعاوزك تكوني مرتي وتكملي معايا حياتي، أنا معرفش رحاب قالتلك إيه بس عاوزك تعرفي أن أي حاچة هي قالتها حتى لو مكنتش بتكدب فهي كانت ماضي دلوك أنا معدش في قلبي حد غيرك

جذبت يدها من قبضته ونظرت له بعينان غارقة في العبرات ومقهورة، ثم نظرت لأصابعها وأخرجت خاتم خطبتهم ودموعها تسيل بغزارة فوق وجنتيها ثم أمسكت بكفه ووضعت الخاتم في باطنه وقالت له بألم:

_دلوقتي أنا اللي بقولك كل واحد منينا في طريق، وارجع لحبيبتك وربنا يسعدكم

نظر في يده يحدق في الخاتم بذهول وتحول حزنه لغضب بعد عباراتها الأخيرة، وعندما وجدها هبت واقفة تنوي الأنصراف وتركه، وثب هو أيضًا وقبض على ذراعها ليوقفها ويهتف ساخطًا:

_ارچعلها إيه بقولك أنا بحبك أنتي، ومعدتش بحبها ولا عاوزها

سحبت ذراعها من قبضته وقالت بصوت مبحوح وهي تشيح بوجهها بعيدًا عنه:

_مش هينفع يابشار خلاص كل حاجة انتهت 

أمسك بيدها يريد أن يلبسها خاتمها مجددًا وهو يقول برجاء:

_طيب البسي خاتمك يابت الحلال، بلاش تخربي كل حاچة في لحظة غضب، أنا بحبك وشاريكي وعاوزك والله، وعندي استعداد أعمل أي حاچة أنتي تعوزيها عشان اخليكي تسامحيني، متعمليش إكده فيا يامريم أبوس يدك

جذبت كفها من قبضته وقالت باكية وهي تهز رأسها بالنفي:

_لا يابشار مش هلبس حاجة، قولتلك خلاص خلصت مش هينفع نكمل مع بعض، أنا مش هقدر استحمل وأكمل بعد كل ده.

لمعت عيناه وتلألأت بها الدموع التي تراها لأول مرة وراح يتوسلها مجددًا بنظرات مغرمة:

_مريم متحرمنيش منك أنا مش هتحمل فراقك، حقك عليا سامحيني 

ولته ظهرها وهي تبكي بصمت ثم قالت بصوت يكاد يخرج من فرط بكائها:

_بشار امشي لو سمحت، متصعبش الأمر اكتر من كدا أنا عايزة ننهيه بهدوء

خفض نظره لخاتمها الذي بيده وأخذ نفسًا عميقًا ثم رفع نظره لها وهي توليه ظهرها وقال بعناد وغضب:

_ماشي يامريم همشي، بس مفيش حاچة انتهت طول ما أنتي مش عاوزة تسمعيني وتفهمي كل حاچة مني يبقى متنتظريش مني أني اوافقك على الانفصال، وخاتمك هيفضل معايا عشان أنا بنفسي هبلسهولك تاني 

كانت تكتم صوت بكائها بصعوبة حتى وجدته يندفع إلى الخارج حيث باب المنزل ويغادر فانهارت على الأرض باكية بوجع وحزن شديد.....

                                ***

داخل منزل عمران الصاوي.......

فتح عمران باب المنزل ودخل ثم نزع حذائه بجوار الباب وهو حاملًا بين يديه باقة من الورود الحمراء مغلفة بطريقة رومانسية وجميلة، وصاح مناديًا على آسيا بحب:

_ياغزالتي

كانت هي بالصالة تجلس على ذراع الأريكة المواجهة للشرفة وتنظر للخارج، مرتدية ثوب ازرق من القماش الناعم وبقدميها مرتدية حذاء بكعب عالي شفاف وتاركة العنان لشعرها ينسدل على كتفيها وظهرها بحرية.. واضعة قدم فوق الأخرى، وعلى مائدة الطعام كانت الصحون كلها ممتلئة بأصناف الطعام المختلفة الذي حضرتها لزوجها ولـ ليلتهم الغرامية الخاصة.

التفتت تجاه الباب فور سماعها صوت ندائه عليها وابتسمت بدلال وبقت كما هي على حالها دون حركة تنظر تجاه الباب منتظرة وصوله لها، وعندما وصل لبداية الصالة ورآها بهذا المنظر الأثنوي المثير، وجمالها الصارخ تسمر بأرضه وراح يتأملها بذهول وإعجاب، فاستقامت هي واقفة برقة وهي تضحك ثم تقدمت نحوها بخطواتها الرقيقة وهي تتمايل في سيرها بغنج حتى وصلت إليه ووقفت أمامه ثم راحت تلف ذراعيها حول رقبته وتنظر في عينيه بجرأة وتقول:

_حمدلله على السلامة يامعلم

تمعن النظر في نظرة عينيها المثيرة وشعر وكأن كل ما تعمله عن الثبات والتحكم برغباته القت به تلك الساحرة عرض الحائط وتهشم، فراح يتأملها من أسفلها لأعلاها بلذة ثم عاد ينظر في وجهها الذي يلقي عليه تعويذة سحرية من تعويذاتها وقال:

_إكده كتير قوي عليا ياغزال

انطلقت ضحكتها الأنثوية عالية ثم نظرت ليده ولباقة الورد وقالت بفرحة:

_الورد دي ليا ياسيد المعلمين

ابتسم لفرحتها وضحكتها التي اخترقت اسوار قلبه ورفع باقة الورد لتكون في مستوى نظرها وأمام وجهها وقال عاشقًا:

_ليكي ياست البنات طبعًا، مع العلم أنه ميچيش حاچة چنب چمالك وحلاوتك

ابتسمت بخجل من الاطراء التي حصلت عليه للتو منه والمغازلة وقالت ضاحكة بدلع وهي تلكزه في صدره:

_الله وبعدين عاد ياعمران

رد مغازلًا إليها بجرأة أكثر وهو يغمز:

_هو أنا لسا قولت حاچة، دي الدلع للركب الليلة دي

نظرت له بطرف عيناها في حب وقالت بفرحة:

_يعني عچبتك صُح؟! 

القى بباقة الورد التي بيده على المقعد الذي بجواره ثم لف ذراعيه حول خصرها بحميمية وجذبها إليه بقوة لتلتصق بصدره ويقول وهو يدنو منها:

_ده أنتي طيرتي الحتة السليمة اللي في نافوخي مش عچبتيني بس

رجعت برأسها للخلف قبل أن ينل منها وقالت ضاحكة بدلال:

_ طيب تعالي نتعشى الاول أنا محضرالك وكل إنما إيه هتاكل صوابعك وراه

هز رأسه بالنفي وهو مثبتًا نظره على عيناها الساحرة:

_لا مش عاوز آكل مش وقته الوكل دلوك

قالت وهي تترجاه بنعومة:

_عشان خاطري ياعمران ده أنا تعبانة في الوكل ومحضرالك بيدي هتسيبه إكده كله من غير ماتدوق منه حتى، يلا تعالى كل لقمة 

تنهد الصعداء بقلة حيلة وقال محاولًا التحكم بمشاعره واجبارها على الصبر قليلًا:

_ماشي ناكل عشان خاطر عيون الغزال اللي عاشقها قلبي

ضحكت بلوعة واستحياء بسيط بسبب معازلته المستمرة لها، ثم سارت معه باتجاه المائدة وجلس هو في بداية المائدة على المقعد الذي يتوسط في المنتصف وجلست هي على المقعد المجاور له من اليمين، ثم بدأوا في تناول طعامهم ووسط الأكل مدت يدها بقطعة لحم صغيرة إلى فمه لتطعمه بيدها فابتسم لها بعشق وفتح فمه ثم تناولها من يدها بكل تلذذ وهو يقول:

_اممممم تسلم يدك ياغزالي 

ردت بهيام وهي تتأمله:

_بالهنا والشفا ياحبيبي

راقبته وهو يتناول طعامه بشراهة وتلذذ وكانت بين كل لقمة وأخرى تمد يدها بالطعام إلى فمه لتطعمه بيدها فيضحك هو ويهتف غامزًا بخبث:

_وأنا اقول الوكل بيحلو ليه اكتر كل ما توكليني بيدك

ثم أمسك بكفها وراح يلثم ظاهره وباطنه واصابعها وسط همسه المغرم:

_اتاري السر في يد غزالي

قشعر جسدها وسرت قشعريرة فيه من ملمس شفتيه الغليظة ودغدغة شاربه ولحيته لبشرتها، فنظرت لها بعشق وعاطفة جيّاشة لتجده يردف ضاحكًا:

_لو اعرف أني لما اتسچن هتدلع الدلع ده كله كنت سچنت نفسي بنفسي من زمان

ظهر الغضب على ملامحها وقالت بحدة توبخه برقة:

_متقولش الكلام الماسخ ده تاني ياعمران، ولعلمك أنا كنت ناوية اعملك الليلة دي من قبل ما تدخل القسم يعني كدليل إني سامحتك خلاص ومعدش في زعل بينا

عاد يقبل يدها مجددًا وهو يهمس:

_ربنا ما يچيب زعل واصل بينا تاني ياحبيبتي

رددت خلفه " آمين " بعاطفة بينما هو فسألها باهتمام وقلق فور تذكره لابنه الصغير:

_رضعتي الواد زين وغيرتيله، احسن يبوظ علينا الليلة، ده أنا تچرالي فيها حاچة دي

قهقهت عاليًا ثم قالت له بثقة:

_لا متقلقش نايم ومش هيصحى دلوك

هل واقفًا وقال بلهفة وحماس ضاحكًا:

_مش هيصحى إيه ده ملوش آمان، بزيادة وكل يلا قبل ما يصحى

ازداد ضحكها أكثر على منظره فوجدته يغمز لها بمكر ويقول بوقاحة:

_أنا هروح اغسل يدي وانتي استنيني في الأوضة

ضربت كف على كف وهي تضحك ثم راقبته وهو يبتعد عنها حتى توارى داخل الحمام، فاستقامت واقفة وبدأت في حمل صحون الطعام والذهاب بها للمطبخ والثلاجة، دقائق معدودة وكانت قد انتهت من وضع الطعام كله بالثلاجة وغسلت يدها فشعرت بها يعانقها من الخلف ثم يحملها بين ذراعيه ويقول معاتبًا إياها بغيظ:

_بتعملي إيه في المطبخ هو كلامي معدش بيتسمع ولا إيه

هتفت وسط ضحكها بدلال:

_فشر يامعلم، ده أنت كلامك كله مطاع 

نظر لها بطرف عينه مبتسمًا وغمز لها ثم دخل إلى غرفتهم حاملًا إياها بين ذراعيه واغلق الباب خلفه بطرف قدمه.

                                  ***

بصباح اليوم التالي في مدينة مرسى مطروح بأحد الفنادق المطلة على البحر، كانت تقف فريال في شرفة غرفتهم تتأمل مياه البحر من أمامها ومرتدية ثوب أبيض طويل وتاركة العنان لشعرها يتطاير مع نسمات الهواء الدافئة، ومن الداخل كانت تسمع حديث اولادها مع بعضهم ولعبهم وضحكهم وهم يخططون إلى أين سيذهون ويتنزهون في رحلتهم، كانت اسمعهم وتبتسم عليهم دون أن تلتفت لهم حتى انفتح باب الغرفة ودخل جلال الذي ركض عليه أولاده وعانقوه بقوة وصاح عمار بحماس:

_ميتا هننزل البحر يابوي

ضحك جلال وقال بود أبوي:

_شوية إكده بعد ما نفطر ونريح من السفر نبقى ننزل لسا اليوم طويل واحنا مش هنمشي بكرا يعني اصبروا

سأل معاذ بفرحة وهو ينقل نظره بين أخيه وأبيه:

_وبليل كل يوم هنروح نتفسح وناكل في المطعم صُح

نظر جلال لابنه الكبير بدهشة رافعًا حاجبه ثم قال مازحًا وسط ضحكته:

_كل يوم!!!.. اممم وماله ما انتوا ناويين تخربوا بيت ابوكم، نتعشى كل يوم برا ياحبايب ابوكم ولا يهمكم

كانت فريال من الداخل تسمع حديثهم وتضحك على ردود زوجها حتى شعرت بخطواتها تقترب من الشرفة وهو ينادي عليها وعندما وصل لها اشتعلت عينيه والتهبت بالغضب والغيرة وقال:

_فــريال.. واقفة كيف إكده على البلكونة!! 

التفتت له بسرعة على أثر صوته الغاضب وقالت برقة:

_مفيش حد أصلًا موچود ياچلال تحت على الشاطئ ومحدش شايفني

اقترب منها وجذبها  للداخل بحدة ونظرة مرعبة صائحًا:

_وحتى لو محدش شايفك تقفي بقميص نوم على البلكونة دي أنتي نهارك أسود

ازدردت ريقها بتوتر وقالت في خوف منه وابتسامة لطيفة محاولة امتصاص غضبه:

_قميص نوم إيه بس ده فستان وكمان مش مكشوف قوي

جلال بعصبية وقد ارتفعت نبرة صوته:

_انتي كمان بتقاوحي معايا!!.. ادخلي چوا يلا وحسك عينك اشوفك طالعة على البلكونة من غير طرحة مش بفستان

ابتسمت له بحب واقتربت منه ثم لفت ذراعيها حول رقبته ومالت عليه تقبله من وجنته بحب ثم وضعت رأسها فوق صدرها وقالت معتذرة:

_حاضر حقك عليا ياچلالي أنا آسفة أول وآخر مرة

لان وارتخت عضلاته المتشنجة بعد قبلتها وعناقها له لكن غضبه لم يزل بعد حيث قال بسخط:

_بعدي عني عصبتيني وعكننتيني 

 ضحكت عليه وراحت تلثمه بقبلة دافئة على وجنته مجددًا وهي تهمس له بغرام:

_متزعلش مني ياچلالي أنا آسفة

مع كل قبلة كان يشعر بنفسه تنهار بين يديها أكثر فقال لها بحدة وغضب ليظهر أنه مازال ثابتًا:

_فريال 

فهمت المعادلة وضحكت ثم راحت واقتربت منه للمرة الثالثة وهذه المرة القبلة كانت بجوار ثغره وهي تهمس:

_عيون فريالك

أعلن أخيرًا رفع راية استسلامه وكانت ستنطلق على ثغره بسمة لكنها كبحها وقال بحزم وهو يحاول لآخر لحظة أن يحافظ على صموده:

_العيال چوا متنسيش نفسك وتخليني أنا كمان انسى روحي معاكي

ضحكت بخفة عليه ثم ارتمت بين ذراعيه مجددًا تضع رأسها فوق صدره وتعني بعشق:

_ربنا ما يحرمني منك واصل ياحبيبي ويحفظك ليا أنت وعيالي ومشوفش فيكم حاچة عفشة واصل

ضمها إليه أكثر عندما لف ذراعيه حول ظهرها وخصرها وردد خلفها مبتسمًا:

_ولا يحرمني منكم ياروح قلبي

                                       ***

بأحد المقاهي الرجالية كان " علي " يجلس بانتظار وصول مروان بنتءًا على اتفاقهم أن يلتقوا في هذا المكان وبهذا الوقت، واثناء انتظاره له كان يمر الوقت مع " علي " وهو يشرب كأس الشاي الصباحي الخاص به، حتى رأى مروان أخيرًا وهو يقف بسيارته أمام المقهى ويخرج منها ثم يقف ويتلفت حوله بحثًا عنه، فرفع " علي " يده في الهواء ولوح لمروان حتى يراه، فاتجه الآخر نحوه فور رؤيته، استقام " علي " واقفًا بعدما وصل إليه وكان مروان له الأسبقية في مد كفه للمصافحة هاتفًا باعتذار لبق:

_آسف لو اتأخرت عليك

رد عليه " علي " على مضض وهو يمد يده ويصافحه:

_ولا يهمك يابشمهندس

                                  ***

توقف بشار بسيارته أمام منزل عمته وعيناه تطلق شرابات الغل والغضب ثم اخرج هاتفه وأجرى اتصال برحاب، وانتظر ردها حتى إجابته برقة وفرحًا ظنًا منها أنه يريد مقابلته لكي يخبرها بأنه سيعود لها:

_وصلت يابشار

رد عليها بصوت محتقن ومريب:

_أنا تحت بالعربية انزلي يلا

قالت بحماس ولهفة:

_أنت هتاخدني وين

رد بشار بصوت منخفض دون أن تسمعه بعدما أبعد الهاتف عن أذنه:

_على چهنم الحمرا أن شاء الله


.......... نهاية الفصل ..........

  •تابع الفصل التالي "رواية و بالعشق اهتدي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent