رواية محكمة الحياة الفصل الثاني 2 - بقلم مروة البطراوي
محكمة الحياة
الفصل الثاني
_لا اقعدى كدة و احكيلي
الجديد،مش هما يا بنتي مش بيكلموا بعض ،و قلت لك كده أريح،بس انتي مش بتريحي نفسك.
-أنا كل يوم ببعدهم عن بعض،بس الصراحه ماما النهارده زودتها و علت صوتها،و دعت عليا و عليه و هو مقدرش ميردش عليها.
زفرت جدائل بيأس قائله
-معلش يا جميله،هي وضعها أصعب منكم،ربنا يصبرها على فراقه،مهما ان كان وحش هو برضه ابنها،و انتي بتشوفي لهفه الأمهات ازاي علي اولادها لما يكونوا بس سخونين.بس دي مش أول مرة،اكيد انتي راضتيهم .
-لا و النتيجه بابا ساب ليها البيت و يا عالم هيرجع علي العشا و لا لا و هي و لا علي بالها.
ابتسمت جدائل بحنو قائله
-تعرفي يا جوجو باباكي عمره ما هيفرط فيكي لأي راجل بالساهل.
-مين دي اللي تتجوز !أنا هفضل سنجل طول عمرى،يا بنتي أنا مش بتاعت مسؤؤليه.
تعالت ضحكات جدائل قائله
-ماشي يا أوختي،روحي بس راضي نعمان الغلبان.
-معلش يا جدائل راضيه انتي و فهميه ظروفي مش حابه أقرب منه و لا يتقرب مني.
ربتت جدائل علي يد جميله قائله
-متخافيش يا حبيبتي أنا عرفته انك مش بتفكرى في الارتباط.
احتضنتها جميله قائله
-حبيبتي يا جدوله ربنا يديمك سند و ضهر ليا و أخت.
ربتت جدائل علي ظهرها قائله
-يالا بينا بقي نبدأ كشوفات عندنا شغل كتير النهارده و مش عايزين نقصر.
-أوكيه يا أحلي جدائل،و بعدين أنا بحب ألعب مع الأطفال ،احممم قصدي أكشف عليهم.
**************************
تتذكر حبها لشقيقها و تشبثها به،و ذوبانها بين ذراعيه الحنونين،و هي تضع علي أنفها عنق الكنزة الصوفيه الزرقاء لتتماشي مع لون عينيها،غامت عيناها بالدموع حيث أصبح بيتهم قاتم من بعد رحيله تحاول جاهده أن تعيد له الحيويه و لكن دون جدوى
في منزل عائله الزيات المكونه من كامل الزيات المستشار المتقاعد و أولاده الابن الأكبر المحامي أكمل الزيات و الأوسط كمال الزيات و الصغيرة جدائل الزيات صديقه جميله ،كانت تجلس مع ابنة عمها كامليا الزيات و التي من المفترض أنها ستكون زوجه أكمل
هبط من فوق الدرج كمال ليقوم بمضايقه كامليا كعادته حيث اقترب عيد ميلاد كمال و هي اقتنته له كنزة،عقد حاجبيه ثم سخر منها قائلا
-مش كنتي تقولي أجي معاكي و أقيس بنفسي ما يمكن ما تطلعش مقاسي.
-بس هي فعلا مقاسك.
تحدثت معه باستياء من سخريته و عزيمه أن تبين له ان الاهتمام له و ليس لشقيقه ليته يفهم و يستوعب قبل فوات الأوان،فهي لا تكل و لا تمل من التقرب منه،و هي تعلم جيدا أنه يرفضها،و يتعمد معاملتها بقسوة حتي تبتعد عنه،يريد ترك المنزل و العائله بسببها و الرحيل،و لكن يتراجع فهو عاشق لابتسامتها و لكن لا يستطيع البوح لأنها تحت مسمي خطيبه شقيقه و فقا للقانون الذي وضعه كامل الزيات.
جلست جدائل بجوار كاميليا تشفق علي حالها هي الأخرى
-ايه يا كامليا لسه مش حاسس بيكي بردو.
نظرت لها كاميليا بقلق قائله
-كمال تقيل أوى يا جدائل بقاله فترة حاسس بس حتي لو حاسس محدش يقدر يخالف رأي باباكي.
جدائل بقلق
-ربنا يستر يا حبيبتي و ان شاء الله خير أكمل الوحيد اللي يقدر يطلعكم من ده كله بس ازاي مش عارفه.
جاء علي ذكر اسمه ليزيد من حالتهم القلقه و المتوترة خشيه من أن يكون قد سمعهم
-أخويا حبيبي اكمل كموله.
أسرعت كامليا لتنهض و تغادر
-أنا هروح بقي يا جدائل و ابقي تعالي بليل اسهرى معايا.
استوقفها أكمل ليملي عليها خبر يشعرها بفرحه عارمه
-مبروك يا كاميليا أنا أقنعت بابا انك تقدمي علي الماجستير.
نظرت له كاميليا بفرحه قائله
-بتتكلم جد يا أكمل ،أنا مش مصدقه نفسي.
اقتربت منها جدائل بسعاده و احتضنتها و عيونها تتدمع بالفرح
-ايه يا جدائل بتعيطي انتي كمان ليه ما انتي أخده الماجستير و لسه الدكتوراه.
جدائل و هي تقبل كاميليا
-دي دموع الفرح كاميليا كان نفسها في كده من زمان.
*****
علي الجانب الأخر بعد عوده جميله من عملها و جدت قدرية تسند بذراعها المتربعه علي صدرها علي حافه باب الغرفه و جميله كانت تتدندن
-مالك مروقه و بتغني ليه؟
أقبلت عليها جميله تقبلها
-الحمد لله مبسوطه ما أخدتش شغل كتير.
لوت قدريه ثغرها بسخريه و بدأت في التقليل منها
-جاي ليكي نفس تفرح أخوكي لو مكانك كان فاته اتحسر علي نفسه و هما بيسهلوا له الشغل و بيعتبروه هايف زيك.
خرج من غرفه مكتبه في هذه اللحظة هشام بعيون حاده مثل الصقر
-مين يا قدريه اللي كان اتحسر علي نفسه،مش عارف ليه ديما كنتي واخده مقلب فيه،ابنك كان رامي الشغل علي المحامين في مكتبه و كان بيمسك القضايا المشبوهه و بس.
لم تصمت قدريه بل ردت عليه بكل غضب و تعالي صوتها أكثر و أكثر لدرجه استفزته و كاد أن يمد يده عليها ليضربها و لكن ما حدث كان أكبر منه و منها حيث وقع مغشيا عليه من جراء ارتفاع ضغط الدم لتصرخ جميله و تبكي قائله
-باباااا.
و سرعان ما هاتفت جدائل صديقتها الوحيده لكي تنقذهم من هذا المأزق التي سرعان ما أخذت شقيقها أكمل و ذهبوا اليهم سريعا
جميله ببكاء
-بابا بلاش علشان خاطرى أرجوك أنا مليش غيرك ،حقك عليا،أنا فعلا غلطانه و ماما عندها حق،بابا فوق يا حبيبي أنا مقدرش أعيش من غيرك.
مع رنة جرس الباب فتحت لهم قدريه و هي متصلبه تنظر لهم باشمئزاز،دلفت جدائل و لم تبالي الي نظرات قدريه و جلست بجوار جميله
-أكمل الظاهر ان الموضوع هيطول اتصل بدكتور ،ليه يا جميله ما اتصلتيش بالاسعاف كان أسرع مننا.
لم تتمالك جميله نفسها لأنها انهارت بجوار والدها،أخرج أكمل هاتفه و تحدث الي شقيقه
-كمال تعالي بسرعه علي بيت المستشار هشام المرشدي و هات معاك دكتور بسرعه متتأخرش.
تحدثت قدريه الي أكمل بصوت منخفض
-كل مرة بيقع كده كأنه بيمثل،الظاهر المرة دي بجد،كويس ان بنتي صاحبة أختك،و انت كمان تربية هشام المرشدي.
ثم رفعت يديها عاليا و هي تصفق قائله
-تحس انك المفروض تكون ابنه و هو أبوك،هو شايفك بتعوضه عن ابني بس أنا محدش يقدر يعوضني عنه و لا يحل محله.
كانت جميله تستمع الي والدتها و هي تحدث أكمل لتحتضنها جدائل برفق
-متخافيش يا ماما،محدش هيحل مكان أخويا،زى ما لا يمكن حد يحل مكان بابا،و أرجوكي كفايه بقي أنا تعبت أوى و محتاجه أرتاح.
شددت جدائل من احتضانها لترد قدريه قائله
-حقك عليا يا حبيبتي أنا بس بوضح للمتر أصل بقي بيظهر بشكل كبير بعد موت أخوكي،و ابوكي بقي يتعلق بيه بشكل أكبر،و في سر أكيد هنعرفه قريب.
جميله ببكاء
-عارفه يا ماما،كل اما النار بتهدي انتي بتولعيها زى ما يكون اللي حصل لأخويا تار و احنا كلنا ملزومين ناخده ليكي.
جاء كمال و لكم أن تتخيلوا من جاء به للكشف علي هشام،جاء بكاميليا و الأدهي أنها هي التي أصرت علي ذلك،لأنها تخصص باطنه و قلب،دلفت لتكشف علي هشام ثم خرجت ليسألها أكمل
-طمنيني يا كاميليا علي صحه المستشار هشام.
-كويس أنا عطيته حقنه هتظبط السكر،بس لازم بكره يعمل رسم قلب.
-الحمد لله،طيب و حالته النفسيه ايه
-وحشه جدا،أصلا أنا عارفه من جدائل كل حاجه و اللي بيحصل ده كله غلط عليه و علي جميله.
-شكرا يا كاميليا تعبناكي معانا.
استمع الي شهقات جميله علي والدها و كم أزعجته فطلب من كاميليا أن تنادي علي جدائل لعله ينصحها تسكت صديقتها و لو قليلا
أكمل بحزم
-مينفعش اللي هي عملاه جوه ده،كاميليا لسه بتقول ان كل اللي بيحصل ده غلط،أنا مش هينفع أكلمها،كلميها انتي بصفتك صحبتها و زى أختها.
جدائل ببكاء
-كاميليا قالت لك ايه بالظبط.
-اطمني و طمنيها هو بخير بس أعصابه تعبانه و طبعا انتي شايفه السبب الست قدريه محملاه كل حاجه.
كانا يقفان في صاله المنزل
-طب هنعمل ايه في الست دي،لو علي جميله أنا ممكن أخدها تقعد في الملحق بتاع فيلتنا مع كاميليا أهم يونسوا بعض،بس عمو هنسيبه لطنط دي ممكن تموته.
-المشكله ان المستشار هشام عنده سكر و بيجيله غيبوبات كتير من يوم وفاه ابنه،و ست زى قدريه ممكن تسيبه يموت أو تدفعه لكده،يعني وجود بنته مهم.
خرجت جميله لكي تسمع عن ماهيه حاله والدها
-تعالي يا جميله اقعدي مع أكمل علشان يفهمك حاله عمو علي بال ما أدخل المطبخ أعمل حاجه خفيفه ليه،فرصه و مامتك قافله علي نفسها.
جميله بحزن و هي تكفكف دموعها
-حاضر يا جدائل.
رفض أكمل أن يجلس معها ورد بحزم
-انا هقعد في عربيتي أستني كمال لما يجيب الدوا و انتي خلصي و اخرجيلي.
-ماشي يا حبيبي ،طب و جميله مش هتكلمها وتفهمها حاله والدها ايه بالظبط كده.
-لا أنا مش فاضي دلوقتي و بعدين ما انتم دكاترة مش محتاجين توضيح ،خلي كاميليا تكلمها.
ظلت شارده بعد خروجه و جدائل تعض علي شفتيها من الخجل منها لتقوم بانهاء عملها سريعا و تتركها و ترحل،دلفت من بعدها جميله الي والدتها تنظر لها لتجدها شارده تسألها
-جميله!أبوكي عامل ايه دلوقتي.
انتبهت جميله الي سؤالها فمسحت دموعها قائله
-متخافيش يا ماما،بابا هيقوم و هيبقي أقوى من الأول.
شعرت قدريه بحرقه جميله علي والدها خاصه من بكائها المستمر
-و طبعا أنا السبب لأني شيلته فوق طاقته،طب ليه مش بتحسي بيا زى ما بتحسي بيه.
جميله ببكاء
-لا متقوليش كده يا ماما،أنا حاسه بيكي،أنا بس كل اللي طالباه منك هونيها علي نفسك و علينا،بابا ملوش ذنب،طول عمره مستعد يفيدنا بروحه.
-خديني معاكي أروح أطمن عليه.
دخلا الي غرفته ليقابل هشام وجه قدريه بوجه جامد خالي من التعابير
-متتعبيش روحك يا قدريه،أنا كويس،لسه ما موتش زى ما بتتمني بالظبط.
-أنا عايزة حق ابني يا هشام مش عايزاك تموت و لا حاجه،اكيد أنا مش هتمني الخراب أكتر.
-خليكي عادله و منصفه و لو لمرة واحده،حق أخويا عند ربنا،اتغدر بيه و احنا مش في غابه،انتي كده عايزانا كلنا نموت.
-أه يا ابني أه هما السبب و مش عارفين يجيبوا حفك،حقك اتهدر و قلبي اتهدر معاك.
جلس هشام نصف جلسه
-مش انتي لوحدك يا قدريه اللي قلبك محروق،قلت لك أنا حكمت بالاعدام علي اللي قتله،مقدرش أعمل أكتر من كده،ارحميني و ارحمي نفسك.و ارحمي البت الغلبانه دي،كفايه المشاكل اللي داخله علينا.
-مشاكل؟مشاكل ايه تاني يا بابا؟
زفر هشام بعمق
-مبعوت ليا تهديد بقتلك يا جميله،و طبعا محدش هيقدر يحميكي.
-جميله؟كمان دي هشام و انت ايه ازاي مش قادر تحمي اولادك،دي أخرة خدمتك.
-ما هو ده السبب اللي خلاني وقعت من طولي النهارده،الناس دي عايزين ينتقموا مني علشان حكمت بالعدل.
-ايه الكلام اللي بتقوله ده يا بابا،طب أخويا و كان مختلس و كان معاه قواضي مشبوهه،أنا بقي هيعملوا معايا ايه،ده مجرد تهديد علشان تسيب الشغل.
هشام بغضب
-ما هو علشان كده،عايزك تحت عيني،قدمي استقالتك يا جميله،و اوعي تأمني لحد من اصحابك،احنا منعرفش الضربه ممكن تجيلك من مين.
قدريه ببكاء
كملت اولادي اللي حفيت علشان أجيبهم الدنيا،انت بشغلك و سلطتك و نفوذك ضيعتهم من بين ايديا.
دلفت جميله الي عالم جديد تحمل به كل هموم الدنيا و لكن عليها ألا تزيد من قلق والدتها أكثر فهونت عليها قائله
-خلاص يا ماما،أنا هسمع كلام بابا،و مش هنزل شغلي تاني،أصلا أنا مش غاويه شغل و بحب القعده في البيت و الفرجه علي التي في.
قدريه ببكاء
-أنا خلاص مش هكلم معاك تاني يا هشام،بس انت فاهم انت وصلتنا ايه،ضيعتنا كلنا،أنا مش بعاتبك علب نزاهتك و عدلك،بس كان في ايدك تسيب القضيه مش تعاند و تكمل و تستغني عن اولادك.
-قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا يا قدريه،كله قدر و مكتوب على الجبين.احنا عندنا بنتنا نعوض فيها اللي راح مننا.
قدريه بحزن
-مليش نفس لحاجه.
**************
مضت عده أيام و لم تذهب جميله الي عملها و لكنها ملت من الجلوس في المنزل فدائما والدتها تنام أو تتصنع النوم،طلبت منها جدائل أن تذهب اليها فذهبت.
دلفت الي حديقه منزله و أخذت تدور مثل الأطفال حتي انتبه لها و هي تنتفض من دوران الأرض من حولها،تجمدت و هو يلحقها حتي لا تقع علي الأرض،انتبهت له و الي يده التي تمسكها بعصبيه مفرطه،بدأ قلبها ينبض بشراسه و كأنه يبعث لها اشارات عاطفيه،شعرت بحماقتها و هي تتصارع أنفاسها تحاول السيطرة علي نفسها،كانت أنفاسه مثل النيران التي ألهبتها،حضوره في هذه اللحظة كان طاغيا ،لم يكن هذا من ذي قبل،عينيه لم تتحقق منها و من رسمتها و من لونها،كل تفاصيله أصبحت موضحه أمامها،بالرغم من أنها رأته عده مرات و كان لا يفصل بينهم أي شئ و لكن هذه المرة مختلفه تماما،هي تعرفه جيدا منذ عام تقريبا،قابلته مرات كثيرة و لكن هذه المرة اشارة مقدمه لها لما سيحدث بعد ذلك.
•تابع الفصل التالي "رواية محكمة الحياة" اضغط على اسم الرواية