رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثامن و العشرون 28 - بقلم بيسو وليد
<“تا.ئهٌ عني أنا، غريبٌ لا أجد ماهيتي”>
«”لؤي”، أنا بحاول أبقى محترم، لِم نفسك شويه معايا وخلّيني محترم»
«إيه، شويه وهنقولك يا شيخ “جـعفر” ولا إيه»
هتف بها “لؤي” ساخرًا وهو ينظر لهُ ليبتسم إليه “جـعفر” أبتسامة جانبية وقال:
«وليه مَكونش “الشيخ يـوسف المحمدي”، يهـ ـدي مَن يشاء يا “لؤي”»
«يا عم ياريت وربنا المعبود هفرحلك مِن قلبي أعملها أنتَ بس وملكش دعوة»
نطق بها “لؤي” بحما.سٍ طـ ـغىٰ على نبرة صوته وهو ينظر إلى صديقه فيما كان “بشير” يتابعهما بهدوءٍ مبتسم الوجه وهو يتخيل رفيقه بهيئته الجديدة تلك، مدّ “جـعفر” يده وربت على كتف رفيقه ثم قال:
«قريبًا إن شاء الله، لمَ ييجي وقتها يا صاحبي»
أنهـ ـىٰ حديثه ثم نظر إلى “بشير” وأشار إليه كي يسبقه إلى الأعلى فيما ودع هو رفيقه الذي أبتسم لهُ وذهب وهو لا يعلم ما الذي جعله يتفوه بمثل تلك الكلمات، هل هذا الحديث قد صَدَرَ مِن شخصية “يـوسف” المسـ ـجون بداخله، تلك الشخصية الحنونة والمهذ.بة والملتزمة، أم مِن شخصية “جـعفر” الذي يجاهـ ـد ويسـ ـعى للتغير وأن يكون أفضل مِمَّ هو عليه، بات لا يعلم أين الصواب وأين الخـ ـطأ ولَكِنّ قريبًا سيجد نفسه على يديها هي وحينها يعلم أنه سيصبح آخرًا وسيكون الفضل لربه أولًا ثم لها
ولج كلاهما إلى داخل الشقة ليقوم “بشير” بإغلا.ق الباب خلفه تاركًا كذلك أغراضه على سطـ ـح الطاولة وحديث رفيقه مازال عا.لقًا بذ.هنه، أقترب “جـعفر” مِن زوجته التي كانت جالسة على الأريكة تهـ ـدهد صغيرتها التي رأت والدها أمامها مبتسم الوجه
حملها بين كفيه وقربها مِنهُ ليُلثم وجنتها بـ قْبّلة حنونة وهو يمسّد على ظهرها بحنوٍ وقد بدأ بشعر بعِدة مشاعر أخرىٰ جديدة تنمـ ـو بداخلهِ مِمَّ جعله هذا يشعر بالراحة والسـ ـكينة وفي هذه اللحظة وُوِ.لدَ صوتٌ آخر بداخله يد.فعه للإفر.اج عن “يـوسف” والز.ج بـ “جـعفر” مكانه
وعلى الرغم أنه يشعر بالراحة تجاه هذا الشعور ألا وهُناك بعض الصعـ ـوبات التي مِن المؤ.كد أنها ستواجهه في التغير إلى الأفضل لا محال، ظل حاملًا إياها على ذراعيه يسير بها هُنا وهُناك يُلثم وجنتها الصغيرة بين الفينة والأخرىٰ وهو يرىٰ سكونها في نفس ذات اللحظة لتؤ.كد إليه أنه هو وحده مَن يستطيع تهـ ـدأتها وحسب
جلس “بشير” بجوار شقيقته ومعه “ليان” التي جلست بجواره تشاهد ما يفعله على هاتفه، ثوانٍ معدودة وجذ.بها برفقٍ إلى أحضانه يُلثم وجنتها بـ قْبّلة حنونة ثم عاد ينظر إلى هاتفه مِن جديد، فيما شردت “بيلا” في زوجها وهي تراه منعـ ـزلًا بـ فتاته عنهم وهي تُفكر ما سـ ـبب زيارته إلى والدته التي بدأت تُسيـ ـطر على عقـ ـله وتبدأ في تغييره رويدًا رويدًا
صدح رنين هاتفها عا.ليًا يعلنها عن وصول رسالة عبر التطبيق الشهير “واتساب” مِن والدته، أخذت الهاتف ونظرت إلى ما قامت الأخرىٰ بإرساله لها لتراها تقول بها:
«”بيلا” أنا قعدت أتكلمت مع “يـوسف” شويه عشان فيه كام حاجة فيه مش عجباني وطالبت إنه يحاول يغيرها وهو وعدني إنه هيحاول أنا أتمنىٰ تساعديه وتو.قفي جنبه نفسي أشوف “يـوسف” أبني اللي أنا أعرفه مش اللي قدامي دلوقتي»
حسنًا حد.سها كان صحيحًا وفي محله ولا تُنكـ ـر أن ذلك أسعدها وبشـ ـدة ولذلك كانت تكتب إليها بسر.عةٍ فائقة تُعطيها الردّ المناسب:
«أكيد طبعًا يا “طنط” هساعده وهقـ ـف جنبه، دي حاجة تفرحني وعلى قد إني مَكُنْتش أعرف كل دا غير لمَ ظهرتي بس أنا حاسة إني محتاجة أشوف الشخص التاني اللي لسه معرفهوش، مش عايزاكِ تقـ ـلقي عليه أنا جنبه ومعاه»
«هو عمومًا وصل مِن شويه صغيرين وحاليًا قاعد قدامي بيلاعب “لين” بس حساه متغيَّـ ـر شوية»
هكذا كان محتوى رسالتها الثانية إلى والدة زوجها التي لَم تُطيل الردّ عليها وكانت تراسلها بسؤالها لها حينما كتبت قائلة:
«متغيَّـ ـر أزاي وضـ ـحيلي أكتر؟»
فيما تفاعلت على رسالتها الأولى بوضع رمز القلب عليها لتقوم هي بالردّ عليها حينما كتبت قائلة:
«مش عارفة بس شيفاه سر.حان شوية كأنه بيفكر فـ حاجة شغـ ـلاه تركيزه مش كامل مع “لين”، هو ز.علان مِن حاجة لأنه مبيسر.حش أوي كدا غير لمَ يكون حدّ ضا.يقه وهو معرفش يردّ عليه الردّ اللي عايز يقوله»
وحينما قرأت هي رسالتها أبتسمت فـ على الرغم أنها لَم تَكُن متواجدة معهم ألا أنها تعلم زوجها جيدًا وتعلم ماذا أصا.به دون أن يُخبرها أحدٌ عن ذلك وقد أخذت تكتُب لها محتوى رسالتها حتى أرسلتها لها حيث كانت تقول:
«هو تنشـ ـن مع مرأة عمه عشان ضا.يقتني بكلامها وهو أضا.يق فـ ردّ عليها بس مكانش الردّ اللي ير.يحه برضوا لأن عمه أتدخل وردّ هو فـ عشان كدا تلاقيه لسه ز.علان عشان مخاد.ش راحته فـ قلـ ـة الأد.ب»
كان في نها.ية رسالتها الرمز الضاحك فيما ضحكت هي أيضًا بعد أن عَلِمَت السـ ـبب الر.ئيسي ولذلك تفاعلت معها في الحديث وهي غا.فلةً عن الآخر الذي ولج إلى غرفته وأغـ ـلق الباب خلفه وهو يحمل صغيرته على ذراعه وعقـ ـله مازال يعمل دون تو.قف
تو.قف أمام باب النافذة الخاصة بالشرفة وهو يعـ ـبث بهاتفه بيده الأخرىٰ حتى أستغرق الأمر ثوان معدودة وكان يضع الهاتف على أذنه قائلًا:
«صاحي ولا نايم؟»
كان سؤالًا واحدًا صغيرًا بالنسبة إليه ها.مًا وبشـ ـدة على الرغم مِن تأخر الوقت بالنسبة للطرف الآخر ولَكِنّهُ أجابهُ بنبرةٍ هادئة وقال:
«صاحي، في حاجة ولا إيه!»
كان متعجبًا مِن مكالمة صديقه في ذاك التوقيت المتأخـ ـر فهو يعلم حينما يهاتفه أحدهم بعد منتصف الليل يكون هناك كا.رثةٌ أفتـ ـعلها أحدهم ليكون هو كـ “الغْوثِ” بالنسبة إليهم، جاءه الردّ مِنهُ حينما قال:
«محتاج أقعد معاك بكرا، دماغي مكـ ـركبة وحاسس إني ضا.يع ومش على بعضي، هتبقى فا.ضي ولا وراك شغـ ـل؟»
أنهـ ـىٰ حديثه وهو يسأله متر.قبًا ردّاً يتمناه القلب ويُر.يح العقـ ـل مِن شتا.ته وضو.ضاءه الصا.خبة التي لا تتو.قف، وكأنه في إحدىٰ مستشفيات الأمـ ـراض النفسـ ـية يقـ ـف بين هذا العدد المهو.ل مِن المـ ـرضى الذين يصر.خون ويتحدثون بنبرةٍ عا.لية وأصواتهم تُغـ ـطي ما حوله مِن أصواتٍ أخرىٰ
أو كـ مشا.جرةٍ حا.دة نُشِـ ـ بَت بين عددٍ لا حصر لهُ مِن حوله جعلته لا يقوىٰ على تحمُـ ـلها أو إسكا.تها، لأول مرة يستمع إلى صوتان متنا.قضين بدا.خله حيثُ صوت طفلٌ صغيرٌ يطلب الحـ ـرية والعد.الة لهُ، يريد فقط الخرو.ج حتى يستطيع تحقيـ ـق ما فشـ ـل الآخر في تحـ ـقيقه، صوته الصغير البـ ـريء يطلب مِنهُ تحـ ـريره وإعطاءه فرصته في إثبا.ت ما يريد تحـ ـقيقه
بينما هناك صوتٌ آخر كبير يصر.خ بهِ ويرفـ ـض خر.وجه، صوته الذي نشأ بدا.خله وسيـ ـطر عليه وأعلن سـ ـطوته عليه في تحـ ـديٍ سا.فر بينهما، صوتٌ يُعلن فوزه على هذا الصوت الصغير البـ ـريء الذي كان أبسط أمانيه نَيـ ـل الحـ ـرية والعودة إلى حيث ما كان، وقد أتضح الفا.رق الكبير بينهما في هذه اللحظة ما بين صوتٌ صغير يريد إظهار سطـ ـوته وهيمـ ـنته مِن جديد متوليًا ز.مام الأمور وصوتٌ آخر خشـ ـن يزمـ ـجر غضـ ـبًا وإعلان ر.فضه بشكـ ـلٍ قا.طع عن حد.وث ذلك الأمر
وما بين صر.اخهما في وجه بعضهما البعض نُشِأ صوتٌ ثالثٌ جديد يصر.خ بكلاهما يأ.مرهما بالتوقـ ـف بعد أن شعر بالضـ ـياع بينهما طالبًا الصمـ ـت حتى يهـ ـدأ ويُر.يح عقـ ـله، هذا ما شعر بهِ حينها وهو يستمع إلى صوتًا حا.دًا يأ.مره بالترا.جع وعد.م إكمال ما أنتوىٰ على فعله
ولَكِنّ صوت أنثوي أختر.ق تلك المشا.دات الحا.دة وهو يُذكره بإخر.اج هذا الصغير مِن محـ ـبسهِ والعودة إلى سابق عهـ ـده وكأنه يضـ ـرب الآخر الضـ ـربة المحتو.مة متحـ ـديةً إياه على موا.جهتها وربح تلك الحـ ـرب إن أستطاع الو.قوف أمامها، ولَم يشعر بنفسه إلى حينما قال:
«مش قا.در أتحـ ـمل أنا مضغـ ـوط أوي»
شعر “رمزي” بالغـ ـرابة بعد أن أستمع إلى حديث رفيقه وتأ.كد أنه في شتا.تٍ مِن أمره لا يقد.ر على مو.اجهته وأخذ القـ ـرار الصحيح والأنسـ ـب لهُ في هذه اللحظة ولذلك تحدث بنبرةٍ هادئة وقال:
«صلِّ على النبي كدا ووحد الله الأول عشان أعرف إيه اللي حصل عشان شكلك كدا حوا.رك حو.ار وأنا محتاج أفهم»
أخذ أنفا.سه بهدوءٍ شـ ـديدٍ بعد أن صلَّ على الرسول الكريم وصمت لبرهة يستجـ ـمع الكلمات المناسبة حتى يبدأ خلـ ـق حديثٌ مرتب كي يستطيع الآخر تفهمه، وقد فعل هذا حقًا حينما بدأ يقول:
«أنا تـ ـعبان أوي يا “رمزي”، حاسس إني تا.يه ومش عارف ألا.قي نفسي، جوايا أصوات منعا.ني مِن إني أخد قـ ـراري الصح، مش عارف أعمل حاجة “يـوسف” محتاج يخـ ـرج ويعيش حياته تاني وير.جع، محتاج يخـ ـرج مِن السجـ ـن اللي أتفـ ـرض عليه مِن سنين، “يـوسف” النـ ـقي البـ ـريء عنده إصـ ـرار يخر.ج بشكل غير طبيعي، وفـ نفس الوقت “جـعفر” رافـ ـض خرو.جه ومعا.ندني، كأنه بيقولي أنتَ بـ “جـعفر” أقو.ى وأشـ ـرس مِن “يـوسف” اللي شايفه ضعـ ـيف»
«حاسس إني سامع صوتهم فـ ودني، ناس بتتكلم بجد ويعا.ندوا بعض، سامع صوت طفل صغير فـ ودني بيعيـ ـط عيا.ط غير طبيعي، إحساس يخليك عاجـ ـز عن عمل ردّ الفعل المناسب بجد، وبرضوا “جـعفر” ما.نعني إني أخد خطوة صح وأجرب، أعمل إيه يا “رمزي”، أعمل إيه أنا حاسس إني شويه وهبقىٰ مجـ ـنون بيكلم نفسه أسمع أنهي صوت الأتنين مأ.ثرين عليا أوي بشكل غير طبيعي»
أستطاع “رمزي” تفهم شتا.ته وحير.ته الوا.ضحة وضوح الشمس أمامه، يشعر بهِ ويعلم كم هذا صـ ـعبٌ ومؤ.لمٌ على شخصٍ مثله فهو لَم يعتاد أن يضع في شتا.تٍ مِن أمره مثل ما يحدث معه الآن، ولأن “رمزي” المتعـ ـقل الوحيد بينهم والحـ ـكيم في مثل هذه الأمر قد أجابه حينما قال بنبرةٍ هادئة متعقـ ـلة:
«أنا محتاج أقعد معاك و.ش لـ و.ش، كلامنا على التليفون مش هينفع الموضوع شكله كبـ ـير وأنتَ تا.يه فـ النص مش عارف تاخد قر.ار صح عشان هيتقـ ـلب عليك، لو بتسهـ ـر عايزك تنزلي المسجد على صلاة الفجر نقعد بعد ما الصلاة تخلـ ـص ونشوف الموضوع دا متقـ ـلقش المسجد بيفضل مفتـ ـوح لبعد الفجر عادي أهم حاجة تجيلي يا “يـوسف”، أتفقنا؟»
تعـ ـمد قول إسم “يـوسف” بدلًا مِن “جـعفر” الذي قد عرفوه بهِ لغرضٍ ما مهمٌ وبشـ ـدة بالنسبة إليه ألا وهو إيضا.ح حـ ـقيقته نُصـ ـب عينيه، أنه “يـوسف” في الأ.صل وليس “جـعفر” هذا الشا.ب الغير خلـ ـوق والذي هو في الأ.صل شخصٌ ذو أخلا.قٍ فا.سدة لا يصـ ـلح سوىٰ للعـ ـراك والبو.ح بكل الكلمات البذ.يئة التي يعلمها، يتفاخـ ـر فقط بوقا.حته التي تفـ ـرض سطو.تها وهيمـ ـنتها فقط على الجميع
لوهلةٍ شعر بالتيـ ـهة بعد أن لقبه بـ “يـوسف” وليس “جـعفر” ليشرد قليلًا حتى أستفاق على صوته حينما أ.كد عليه الأمر ليوافقه ويقوم بإ.غلاق المكالمة معه وتر.ك هاتفه بإهما.لٍ بعد أن جلس على الفراش تاركًا صغيرته على فراشها المتواجد بجوار فراشه، شعر بضو.ضاءٍ غير عادية تقتحـ ـم رأسه ليقوم بإ.غلاق جفنيه بقو.ةٍ محاولًا الهـ ـرب مِنهما بشتىٰ الطرق
جلست بجواره وقامت بضم رأسه إلى أحضانها ممسدةً على خصلاته برفقٍ بعد أن رأته يُحاول لإخـ ـماد تلك الشخصية العنيـ ـدة بداخله حتى يتثنىٰ لهُ إعطاء فرصةٍ واحدة لهذا الصوت الصغير والبـ ـريء، فيما وضع هو رأسه على كتفها دون أن يفـ ـرق بين جفنيه وهو كان ينتظر هذا العناق الحنون الذي يُريحه مِن متاعـ ـب الدنيا وشقا.ءها، عناقٌ حنونٌ في مثل هذه الأوقات هو الحل الأمثل لأمثاله.
________________________
<“بدأت طقو.س السحـ ـر، ومعها بدأ العد التنازلي”>
كانت “ماري” تقف في غرفتها الكبيرة أمام نافذتها جنا.حيها مفرودان خلـ ـفها وتنظر إلى نقطةٍ فا.رغة أمامها الغـ ـضب باديًا على معالم وجهها تنتظر قدوم الآخر لها، فبعد تلقيها لأخـ ـر الأخبار المتعلـ ـقة فيما يحدث في الآونة الأخيرة وقام غضـ ـبها بالتمـ ـلُك مِنها بشكلٍ وا.ضحٍ
«”مولاتي”، الخبر صحيحٌ مئة بالمئة، لقد قام “كين” بقتـ ـل “صمويل” وأتباعه»
ما.لت عينيها إلى الدكو.نة وأزدا.د غضـ ـبها أكثر وهي تتو.عد إلى الجميع بالهلا.ك المميـ ـت، صر.خت بغضـ ـبٍ جا.م بعلـ ـو صوتها بعد أن تفا.قمت النيـ ـران دا.خلها بشكلٍ كبـ ـير ثم د.فعت ما تحمـ ـله الطاولة الموضوعة بجوارها، ألتفتت إليه وقالت بنبرةٍ عا.لية محـ ـملة بالغـ ـضب والشـ ـر القا.تم الذي يكمُن دا.خلها:
«أسمعني جيدًا، تُرسل خطابًا إلى “شيراز” تستدعيها للقدوم إلى هُنا في أسرع وقت، لقد بدأ “كين” باللعب معنا مبكرًا، مقتـ ـل “صمويل” ما هو إلا إنذا.رًا لنا»
«حسنًا “مولاتي”»
تركها وخر.ج مِن جديد لتلتفت هي مِن جديد كما كانت وهي تُفكر في أمرهم وكيف ستستطيع التغلـ ـب عليهم والانتها.ء مِنهم إلى الأبد.
في مملكة مـ ـصاصي الد.ماء
كان “ويسلي” يجلس على طـ ـرف الفراش ينظر إلى “أديتي” التي أصبحت زوجته منذ عِدة أسابيع والتي داهمها الإ.عياء الشـ ـديد وأصبحت تُلازم فراشها منذ يومين، كان “كين” يقف على مقربةٍ منهما يرا.قب هدوء “ويسلي” الغير مطـ ـمئن بتاتًا بالنسبة إليه ويعلم جيدًا أن “ويسلي” سيفعل الكثير فقط لأجلها هي وسيُقدم لها التضحـ ـيات الكبرى حتى وإن كانت حيا.ته فسيكون على أتم الإستعداد
ولجت في هذه اللحظة “إيميلي” لترىٰ هذا الهدوء القاتـ ـل ويستقر بصرها على زوجها الذي كان هادئًا هو أيضًا على غير العادة لتُيقن أنها مسألة حياة أو مو.ت خصيصًا حينما قامت “ماري” بإيذ.اء “أديتي” في الآونة الأخيرة وغضـ ـب “ويسلي” الجهنـ ـمي الذي كان فو.ق توقعاتهم وتو.عده الشـ ـديد بإ.نهاء هذه الحـ ـرب قبل أن تنو.ل المزيد والمزيد في طريقها مِنهم
«”ماري” عَلِمَت مقتـ ـل “صمويل” على يد “كين” والآن هي في قمة غضـ ـبها وقد طلبت بإرسال خطابًا إلى “شيراز” للتخـ ـطيط لِمَ هو قادمٌ»
أنهـ ـىٰ “زاكش” حديثه وهو ينظر إلى “ويسلي” الذي قام بالصرا.خ غـ ـضبًا وهو يمقـ ـتها ويتو.عد لها بالجحيـ ـم فـ بسبـ ـبها هو لا يستطيع الجلوس مع زوجته ومرافقتها كما يريد، باتت كالشو.كة الحا.دة العا.لقة في الحـ ـلق مِن الصعـ ـب نز.عها والتخلـ ـص مِنها بسهولة
«وإن أرسلت خطابًا إلى تلك الحقـ ـيرة “شيراز” فـ يجب علينا كذلك مراسلة أصدقاءنا في الهند وكوريا والمجر والبرازيل، يجب علينا أن نتحـ ـد سويًا وأن نكون على أتم الإستعداد لمحا.ربتهم، يجب أن نراسل “سـراج” و “جـعفر” حتى يتم تجهـ ـيز الفتاة فهي مفتـ ـاحٌ لنا الآن في هذه الحـ ـرب»
هكذا كان حديث “إيميلي” التي كانت تتابعهما تنتظر تلقـ ـي ردّاً حا.سمًا لها في هذه اللحظة والذي بنا.ءً عليه ستتحرك، ليأتي لها الردّ سـ ـريعًا مِن “ويسلي” الذي قال بنبرةٍ مكتو.مة متو.عدًا إلى الأخرىٰ بالو.يلات:
«تحركِ “إيميلي”، لقد أعـ ـلنتُ الحـ ـرب منذ هذه اللحظة»
نظر “كين” إلى “زاكش” الذي نظر لهُ كذلك نظرةٍ ذات معنى ولَم يتحدث ليتحرك تاركًا المكان لهم وهو عا.زمًا على تنفـ ـيذ أول خطوة في تد.مير “شيراز” و “ماري” معًا في رمـ ـي سهـ ـمٍ واحدٍ يصـ ـيب بها الهدفين دون أد.نىٰ مجهـ ـودٍ مِنهُ لتظهر الإبتسامة السو.داوية على ثغره قائلًا:
«باتت نها.يتكِ يا “شيراز” محتو.مة بالنسبة إلينا، تمهلي يا امرأة وفي الصباح لن يكون لو.جودكِ أثرٌ، أقتربت النها.ية»
________________________
<“جاءت سكـ ـينتي على يد الغْوثِ”>
كان “رمزي” يجلس في المسجد بعد أن فتـ ـحه هو بدلًا مِن صديقه الذي شعر بالإ.عياء وطالبه بفتـ ـح المسجد لإقامة الصلاة بدلًا عنه، أنتظر قليلًا حتى رأىٰ “يـوسف” يولج لهُ مرتديًا ملابسه الرياضية التي كانت عبارة عن بِنطال أسو.د اللو.ن وسترة قطنية صيفية باللو.ن الأبيـ ـض، أبتسم إليه وأشار لهُ بالجلوس أمامه على سطـ ـح الأرض وهو يقوم بتحريك حبا.ت مسبحتهِ البيــضاء بهدوءٍ
ر.مق وجهه قليلًا ليرىٰ إضطـ ـراباتٌ عنـ ـيفة تحتـ ـل معالم وجهه وخو.فٌ لَم يره في خضـ ـراوتيه التي كانت كل يومٍ يحتـ ـلها الصفـ ـاء فيما عدى هذه الليلة، كانت خضـ ـراوتيه دا.كنة يحتـ ـلها الغيو.م الكثر تُعـ ـلن عن تعـ ـكير صفا.ؤها، بدأ إفتتا.ح جلسته حينما قال بنبرةٍ هادئة:
«صلِّ بينا الأول على سيد الخلق»
«عليه أفضل الصلاة والسلام»
«لمَ العبد يكون مخنو.ق وجواه أصوات كتير وكلهم عكـ ـس بعض ومش عارف يسـ ـكتهم أو ياخد قر.ار معاهم يبقىٰ الحل اللجو.ء لربنا سبحانه وتعالى، عايز تسـ ـكت كل حاجة حواليك يبقى تقعد تتكلم مع ربنا، ساعات بتسمع صوت مؤ.ذي جواك بيقولك لا خليك متخـ ـذ طريق الأذ.ىٰ وردّ الإسا.ءة والمعاملة بالمثل وقطـ ـع الأر.حام والإفـ ـتراء على البشـ ـر دون وجه حـ ـق واللي يقولك كلمة مش هتعمل فـ البني آدم حاجة دا قلبه حجـ ـر ومعندهوش مشا.عر، كل دا غـ ـلط وأكبر غـ ـلط، إحنا الدِّ.ين بتاعنا مقالناش كدا، مينفعش أعمل أي حاجة مِن دول مهما كان مين المتحدث»
«أنا فاهم وعارف الحالة اللي أنتَ فيها صعـ ـبة عليك وجديدة، كان باين عليك إضطـ ـرابك وأنتَ بتكلمني فـ التليفون، وباين خو.فك وتشتـ ـتك، بس برضوا هديك مساحتك وعايز أسمعك، أتكلم يا “يـوسف” أنا سامعك دا بيت ربنا، أأ.من مكان محدش هيسمعك غيري والباب مقفو.ل أهو قول كل اللي جواك»
أستطاع أن يُعطيه الأ.مان اللا.زم وإلقا.ء الكرة دا.خل ملعبه حتى يستطيع هو لملـ ـمة شتا.ته والبو.ح عمَّ يكمُن د.اخله بصفته شخصٌ غريبٌ بين الشتا.تين، أخذ نفـ ـسًا عميـ ـقًا ثم زفـ ـره وقال بنبرةٍ مضطـ ـربة:
«مبقتش عارف أنا مين وعايز إيه، روحت أقعد مع أُمّي شويه ووقتها قعدت تتكلم معايا، تحكيلي شوية عن الما.ضي، وشوية عن طفولتي وأبويا، لحد ما ذنـ ـقتني بـ سؤال مقد.رتش أردّ عليه ووقتها أجابتي وصلتلها بس محبّتش تضغـ ـط عليا وكملت عادي وقالتلي إنها عايزة تعرفك أكتر لأنها مستغربة علا.قتنا مع بعض، على حسب كلامها وأنا صغير كُنْت كويس وبصلي وأختي بتحفظ قرآن يعني أمّ بتر.بي ولاد.ها صح»
«المشـ ـكلة إنها قارنت “يـوسف” بـ “جـعفر”، الأتنين أصلًا متنا.قضين ومينفعش المقارنة بينهم، كلمتني وطالبتني إني أتغيَّـ ـر، نفسها تشوف “يـوسف” قدامها مش “جـعفر” السوا.بق، أنا مِن ساعتها د.ماغي عمالة تفكر مش مبـ ـطلة، وكلامها أ.ثّر فيا أوي وبدأت أفكر فعلًا فـ الموضوع، حسيت إني محتاج أتغـ ـيَّر بجد وأبقىٰ إنسان تاني، بس بعد ما كلمتك وقفـ ـلت كل دا إتمحـ ـىٰ مِن د.ماغي»
«جوايا صوت بيقولي لا أنتَ كدا صح، الناس حبّاك كدا لو أتغيَّـ ـرت محدش هيتعامل معاك تاني، هيبقىٰ عندك ميو.ل تر.جع تاني، أصوات كتير ها.جمتني وحاولت تمنـ ـعني أخد الطريق الصح وبدأت تقنـ ـعني بأسـ ـباب غـ ـلط فـ غـ ـلط، أنا مش عارف أخر.ج “يـوسف” مِن جو.ايا ولا قا.در أحبـ ـس “جـعفر” مكانه فا.رض سيطـ ـرته بشكل غريب، أنا تا.يه يا “رمزي” ومش عارف أعمل إيه بجد، عندك حل تسا.عدني بيه وتسـ ـكت كل الأصوات اللي فـ د.ماغي؟»
سأله على أملٍ أن يجد الإجابة المُرا.دة وهو ينظر لهُ دون أن يتحدث، فيما كان “رمزي” يُنصت إليه ويستمع لهُ بكل حوا.سه حتى أنتهـ ـىٰ هو وقد تفهم الأمر بشكلٍ أو.ضح حينما أصبح نُـ ـصب عينيه يرىٰ أفعاله وحدقتيه اللتان كانتا تحتضن المكان أكمله عدا.ه هو
زفـ ـر بعمـ ـقٍ ثم نظر إليه نظرةٍ ذات معنى وهتف بنبرةٍ هادئة يحدثه بها قائلًا:
«بُص أنا دلوقتي فهمت كل حاجة، أنتَ جواك صوت “يـوسف” بيحاول يفـ ـرض سيطـ ـرته عليك، بيضـ ـغط عليك عشان تخـ ـرجه وفـ نفس الوقت “جـعفر” را.فض خر.وجه وعايز يفضل هو صاحب السُلـ ـطة وفر.ض الهيمـ ـنة، الصوتين متنا.قضين ورافـ ـضين وجود بعض واحد عايز يفضل هو التوب والجا.مد اللي مفيش مِنُه أتنين، بس لازم تعرف حاجة مـ ـهمة أوي، “يـوسف” هو صاحب السُـ ـلطة، هو اللي لِيه الأحـ ـقية الأ.كبر فيك عشان هو دا الأ.صل، إنما “جـعفر” دا شخص و.قح، عايز ياخد كل حاجة ينسـ ـبها لنفسه حتى لو مش مِن حـ ـقه»
«هو اللي المفروض يكون صاحب القـ ـرار وهو اللي يعلّمك أزاي تتبلـ ـطج وتقـ ـل أد.بك وتشـ ـتم وتخر.ج ألفا.ظ مش لطيفة ويخلّيك زي ما هو عايز ودا أكبر غـ ـلط، غـ ـلطك إنك عارف إنه غـ ـلط ولسه مكمل معاه، مالك البيت قا.در يتطـ ـرد ضيوفه مِن عقـ ـر داره بمنتهـ ـىٰ السهولة لمَ يحس بس إنهم بدأو ينسـ ـبوا المكان ليهم، طب ما أنتَ شبهك شبه دولة الهند عارف ليه؟ عشان هي البر.يطانيين أحتـ ـلوها لمدة ٢٠٠ سنة كاملين وكانوا مستعبـ ـدين أهلها، كانت بشخصيتين متنا.قضين، إيه اللي حصل بعد الـ ٢٠٠ سنة ظُلـ ـم وفسـ ـاد؟ خر.ج واحد صاحب الأرض وخلَّـ ـص على المحتـ ـلين وقـ ـضىٰ على الشخصية الفا.سدة»
«أنتَ كمان مُحتـ ـل يا “يـوسف”، “جـعفر” مُحـ ـتلك ومش ر.اضي يسيـ ـبك تكون “يـوسف” عشان أنتَ اللي أستسـ ـلمتله الأول وسمحتله يعمل ما بدا.له ودي النتيجة دلوقتي، رافـ ـض يسيـ ـبك ورافـ ـض ظهور أصـ ـلك عشان عارف كويس أوي إن لو “يـوسف” خر.ج هو كدا هيكون أنتـ ـهىٰ، عرفت ليه بقىٰ أنتَ كدا ليه دلوقتي كل دا طبيعي طالما صاحب المكان سمح للضيف بالرحرحة يبقىٰ قابل رحرحة مستدامة»
كان حديثه جادًا ومقنـ ـعًا بشـ ـدة، الجـ ـدية كانت عنوانه والصـ ـرامة أخذت جزءً مِن شخصيته الحـ ـقيقية، لا يعجبه رؤية صديقه مشـ ـتتًا بهذه الطريقة دون أن يتحرك هو ويفعل شيئًا، ولذلك أتخـ ـذ الصراحة والجد.ية منهـ ـجًا لهُ في هذه اللحظة حينما رأىٰ تخبـ ـط صديقه وتيـ ـهته الوا.ضحة نُـ ـصب عينيه
أبتـ ـلع “يـوسف” غصته بحذ.رٍ ومـ ـسح بكفه على وجهه وهو يشعر بالأصوات تعلـ ـو مِن جديد بدا.خله، صر.خات “يـوسف” الصغير الذي كان يأ.مره بأن يجعله يخر.ج وينال مكانته الأصلية التي سُلِـ ـبَت مِنهُ دون وجه حـ ـق، وعلى الجهة المقابلة صيـ ـحات “جـعفر” العا.لية التي تغطـ ـي على صوت “يـوسف” حتى لا يُسمع صوته
«بس بقى بطلوا ز.ن أنا تـ ـعبت كفاية!»
صا.ح بها وهو يضع كفيه على أذنيه حتى لا يستمع إليهم ويكفون عن الضـ ـجيج، أُشـ ـفق “رمزي” عليه كثيرًا في هذه اللحظة ولذلك مدّ كفه وربت على فخـ ـذه برفقٍ يشـ ـد أزره وهو يشعر بالضـ ـيق الشـ ـديد حينما رأىٰ ضُعـ ـف رفيقه ومعا.ناته في وقتها الخا.طئ
«أهدىٰ يا “يـوسف”، أهدىٰ ووحد الله»
نطق بها “رمزي” وهو ينظر إلى صديقه الذي كان يشعر بالغــضب بسـ ـببهما ليقوم “رمزي” بضمه إلى أحضانه وهو يمسـ ـح بكفه على رأسه برفقٍ قائلًا:
_بسم الله على قلبك حتى يهـ ـدأ
بسم الله على رو.حك حتى تسـ ـتكين…
أخذ يتلو عليه آيات الذِكر الحكيم ليشعر بهِ يبكي داخل أحضانه والتـ ـيهة هي عنوانه، ظل هكذا لبعض الوقت حتى هـ ـدأ رفيقه وأستكان دا.خل أحضانه، هتف حينها “رمزي” قائلًا بنبرةٍ هادئة:
«”يـوسف” أنتَ كويس؟»
سؤالٌ بسيطٌ خر.ج مِن بين شفتيه ليتلقـ ـىٰ إما.ءة صغيرة مِنهُ تد.ل على الموافقة، زفـ ـر حينها بعـ ـمقٍ وقال:
«تحبّ أساعدك»
حينها أبتـ ـعد عنه “يـوسف” ونظر إليه بتهــيةٍ وا.ضحة وهو لا يعلم ما الذي يجب عليه أن يفعله في هذه اللحظة لأجله ولذلك وافق على حديث صديقه علّه يـ ـنقذه مِن ضو.ضاء رأسه ومدّ يد المعو.نة إليه، فيما أبتسم هو إليه وقال:
«أول حاجة عايزين نبدأ نر.جَّع “يـوسف” تاني واحدة واحدة، يعني حاول كدا تعرف أكتر عنه كـ نوع مِن أنواع الفضول وإبدأ أعمل الحاجات اللي كان بيعملها واحدة واحدة بلاش إند.فاع، حاول تمسك أعصا.بك ومش أي حاجة شـ ـتيمة وقـ ـلة أد.ب حاول هي مش مِن يوم وليلة بس المحاولة لوحدها كفاية، بعدها حاول تنتظم على الصلاة حاول فـ دي بالذات بشكل مستمر عشان دي الأساس»
«وأنا هساعدك يعني وهاخد بإيدك مش عايزك تقلـ ـق مِن حاجة، أخوك معاك وفـ ضـ ـهرك لحد ما تبقىٰ أحسن، حاجة كمان برضوا مضيـ ـقاني مِنكم كلكم بدون إستثناء، حوار شـ ـرب السجا.ير عمال على بطا.ل دا يخـ ـف شوية مش حاجة كويسة إنك تفضل طول ما أنتَ قاعد تحـ ـرق فـ سجا.ير غـ ـلط وحر.ام والأتنين أكبر مِن بعض عارف ليه؟ عشان هي ملعـ ـونة بتد.مر صحة الإنسان وبتجيب أمر.اض و.حشة اللهم أحفظنا»
«”يـوسف” أنا عشان خا.يف عليكم بحاول معاكم ومش هيأ.س، حاول تبـ ـطل حوار السجا.ير دا عشان خاطري أنا واللهِ العظيم بخا.ف عليكم أوي مِنها، بشوفها بس قدامي بالصدفة بتجـ ـنن ومبقاش طا.يق أشوفها أو أسمع أسمها، طب أقولك على حاجة بقىٰ هتجيب معاك مِن الآ.خر وهتخلّيك تبـ ـطلها بجد؟»
ر.مقه “يـوسف” نظرةٍ ذات معنى وكأنه يسأله بعينيه عن بقية حديثه الذي بتـ ـره بسؤاله لهُ ليجاوبه هو بنبرةٍ هادئة وقال:
«دكتور محمد الغليظ قالها بصريح العبارة، اللي بيشـ ـرب سجا.ير، واللي بيشـ ـرب شيـ ـشة، هيتحاسـ ـب علي فلوسه اللي هو حر.قها، هيتحاسـ ـب علي الضـ ـرر الي ضـ ـره لِـ الناس، هيتحاسـ ـب علي الضـ ـرر الي هو ضـ ـره لِـ نفسه، يعني تخيَّل كدا حسا.بك هيكون إيه مِن ربنا عشان مد.يك نعمة أسمها الصحة قصادها فلوس وبدل ما تحل المعادلة صح قومت أستـ ـغليت فلوسك وروحت جيبت بيها سجا.ير وأذ.يت بيها صحتك لحد ما أد.منتها وأنتَ بتشـ ـرب كل سجارة دخا.نها دا بيأ.ذي اللي حواليك في ناس عندها أمر.اض مبتتحمـ ـلش والسـ ـتات الحوا.مل برضوا بيكون غـ ـلط عليهم يعني ضـ ـرر على الكل»
«تقد.ر تجاوبني دلوقتي وتقولي أستفادت إيه مِنها؟ نفـ ـعتك بإيه عشان تد.منها وترفـ ـض إنك تبطلـ ـها، طب هي المعلومات والصور اللي بتكون عليها دي مش بتأ.ثر فيك؟ أذ.يت صحتك اللي هي نعمة ربك عليك لمَ روحت أنتَ أستـ ـغليت فلوسك وبدل ما تصرفها على الحاجة الصح روحت ضيـ ـعتها على شوية ورق وتبـ ـغ بيطلـ ـعولك دخا.ن وبيظبطـ ـولك د.ماغك شوية مِن الصـ ـداع اللي بيفـ ـرتكها مرة واحدة، عندك ردّ قو.ي تقدر تقنـ ـعني بيه؟»
أنهـ ـىٰ سؤاله وإند.فاعه في الحديث معه وهو يسأله مباشرةً منتظرًا تلقـ ـي الإجابة التي كانت لا وجود لها مِن الأساس، شعر “يـوسف” بالخـ ـزي والإحر.اج حينما باتت المو.اجهة محتو.مة، فهو الطـ ـرف الخاسـ ـر بها بالتأكيد ماذا ينتظر؟ أينتظر التربيت على كتفه وتشجيعه لهُ على إكمال طريقه المظـ ـلم ذاك؟ أم يقوم بالوقـ ـوف ضـ ـده والصـ ـراخ بهِ وتحدثه لهُ بنبرةٍ حا.دة وقو.ية حتى يجعل الآخر يستـ ـفيق مِمَّ د.اهمه؟
وحينما رأىٰ عد.م الردّ أو الإستجابة مِنهُ زفـ ـر بعمـ ـقٍ بعد أن هـ ـدأ قليلًا مِن ثو.ران غـ ـضبه ذاك ونظر إليه مِن جديد وقال بنبرةٍ أكثر هدوءًا:
«”يـوسف” أنا مش عايزك تز.عل أو تضا.يق مِني بس أنا بخا.ف عليكم يا صاحبي أنا لو واحد مش فا.رق معاه غير نفسه وبس وإنه مش مهـ ـم صحابه وهو وصحته ومستقبله أهم صدقني مش هتفر.ق معايا بس أنا مش كدا يا صاحبي ولا هكون، بُص يا “يـوسف” أنا عايزك بجد تفكر فـ كلامي كويس أوي وتحسبه مِن جميع الأتجاهات عشان الوضع دا مش كويس تمامًا ليك وحاول تعا.ند ملا.ذاتك وتبطـ ـل شُـ ـرب سجا.ير صدقني دا هيكون فـ مصلحتك أنتَ، وأظن يعني “يـوسف” مش وش شُـ ـرب ولا أي حاجة مِن الحاجات دي، هو حاجة و “جـعفر” حاجة تانية خالص، لازم تعدل المعادلة وتوزن الكفتين عشان يتساوو، أتفقنا؟»
طالعه على أملٍ أن يتلـ ـقىٰ الإجابة المرادة بعد أن جاهـ ـد معه حتى يجعله يكف عمَّ يفعله جاهـ ـدًا وكأنه يجاهـ ـد مع شخصية ليست مِن السهل عليها الإنحنا.ء إليه ولَكِنّ لا بأس إن حاول المرء في ذلك فما الحياة إلا فرص نقوم بإستغلا.لها إما بالشكل الصحيح أو الخا.طئ
فيما نظر إليه “يـوسف” بعد أن فكر مع نفسه في حديث صديقه ليراه مُحقًا وبشـ ـدة في كل كلمة يقولها فحتى الآن لَم يُخـ ـطئ في شيءٍ البتة، ولذلك حينما أستطاع للتوصل إلى الحل الذي كان صاحب الفضل بهِ هو “يـوسف” الطفل البـ ـريء نظر إلى صديقه وحرك رأسه برفقٍ وهو يقول بنبرةٍ هادئة ومتحمسة:
«موافق، هحاول فـ كل حاجة لحد ما حياتي تتحسن تمامًا، بس هحتاجك متخلـ ـيش بإيدك مِني وتسيبني فـ نص الطريق، مش هعرف أرجع وقتها صدقني»
أبتسم “رمزي” أبتسامة هادئة سعيدة وشعر أنه يُحلـ ـق في السماء الصا.فية بحما.سٍ وفرحةٍ غير عادية، فـ الذي رآه الآن هو “يـوسف” الطفل الصغير الساكن في سجـ ـون الظُلـ ـمة وليس “جـعفر” الو.حش الكا.سر، عانقه بسعادةٍ طاغية وهو يمسّد على ظهره برفقٍ وقد قال بصدقٍ تام:
«أوعدك إني ما هسيبك مهما حصل وهفضل ماسك بإيدك، متخا.فش أنا جنبك إبدأ وأنا فـ ضـ ـهرك»
شعر “يـوسف” بالسعادة والراحة تغمـ ـر قلبه ليُشـ ـدد مِن عناقه إليه وهو يشعر بـ قلبه يتراقص فرحةٍ وسعادة دا.خل قفـ ـصه الصد.ري لشعوره بالحُبّ الشـ ـديد مِن الطرف الآخر وإصـ ـراره الشـ ـديد على تنفيـ ـذ ما قاله لهُ منتظرًا رؤية النتيجة الفيصـ ـلية والحا.سمة
«إلا قولي صحيح يا “يـوسف”، هو محدش مِن أخواتك كلمك؟ يعني أختك “جنة” مكلمتكش مِن ساعة ما كانت عندك وشـ ـدت معاك؟
نطـ ـق بها “رمزي” وهو ينظر إلى صديقه الذي شعر بالضيـ ـق فو.ر أن سَمِعَ أسمها، زفـ ـر بعمـ ـقٍ وقال بنبرةٍ حا.نقة:
«لا، متجبليش السيرة الهبـ ـاب دي يا “رمزي” أنا مبطيـ ـقش أسمع أسمهم»
شعر “رمزي” بالر.يبة وهو يرىٰ الضـ ـيق واضحًا على معالم وجه صديقه ليقول بنبرةٍ هادئة:
«طب هي السـ ـت الوالدة مسألتش عليهم، أصل عدى شهرين وأكتر ومجا.بتش سيرتهم، مش حاسس إن الموضوع مُـ ـريب شوية؟»
سأله على أملٍ أن يتلـ ـقىٰ الإجابة المرادة وهو ينظر إليه يتر.قب ردود أفعاله، فيما صمت “يـوسف” يُفكر في حديث صديقه بعد أن أستطاع لـ ـفت أنظاره إلى عِدة أشياءٍ لَم تحدث حتى الآن مِمَّ جعله يشعر بالر.يبة وأخذ عـ ـقله يُفكر في كل ما يحدث حوله وهو يُحاول ربـ ـط الأحد.اث ببعضها البعض.
__________________________
<“عودة الما.ضي في صورة الحاضر والأ.لم واحد”>
كان يقود سيارته ذات الماركة الشهيرة وهو شاردًا يُفكر فيما يحدث حوله وهو فقط وحيدًا، يواجه صعو.باته ومشا.كله اللا متنا.هية وحده وكأنه أقسم على تحـ ـدي كل معا.ركه وحده، وعلى الجهة الأخرىٰ شعوره بالحنين إلى والدته التي لا يعلم عنها شيئًا حتى الآن وشعوره بالحنين تجاهها يز.داد شيئًا فشيء
فكلما يرىٰ إخوته يعانقون والدتهم وهو يقـ ـف بعيـ ـدًا عنهم يشاهدهم يشعر وكأن نصـ ـل سـ ـكينٍ حا.د قد غُرِ.زَ دا.خل صد.ره بكل قسو.ة وكأن الو.اقع يعا.نده ويُجبـ ـره على تقبل أشياءٍ ير.فضها القلب
أبتـ ـلع غصته ومسـ ـح بكفه على وجهه وهو يزفـ ـر بعمـ ـقٍ، أ.زال عبراته مِن على جفنيه ليسمع صوت هاتفه يصدح عا.ليًا يعلنه عن وصول رسالة نصية إليه، نظر إليه بطـ ـرف عينه ثم أخذه ووزع أنظاره بين هاتفه والطريق حتى رأىٰ الرسالة التي أستطاعت إصا.بة ضـ ـربتها الصحيحة
_”بـشير” أنا شخص عزيز عليك أوي دايمًا بتحن لِيه، أنا مستنياك فـ مطار القاهرة تيجي تاخدني، بسرعة عشان أنتَ وحشتني أوي وبقالي كتير أوي مشوفتكش أنا ما صدقت خلّصت مِن العذ.اب اللي كُنْت عايشة فيه عشان أجيلك، متتأ.خرش عليا يا حبيبي.
تعجب مِن محتوى الرسالة بعد أن تأ.كد أن المُرسل أنثـ ـى، وبات الشـ ـك يتسـ ـلل إلى قلبه رويدًا رويدًا والخو.ف يقبـ ـض على قلبه وكأنه يهـ ـدده بإنتزا.عه مِن موضعه ليسقـ ـط هو صر.يعًا في الحال
لربما قاده الشـ ـك إلى شقيقتيه فهما دومًا تمازحانه بالعديد مِن الطرق المختـ ـلفة ولَكِنّ لن يصل بهما الأمر إلى هذه النقطة، شعر بالحيرة الشـ ـديدة ولَكِنّ تد.ارك نفسه سريعًا وأخذ الطريق الخاص بالمطار عا.زمًا على قطـ ـع الشـ ـك باليـ ـقين والتأ.كد مِن شعوره وشكو.كه التي باتت تسيـ ـطر عليه بشكلٍ كبير.
في صالة مطار القاهرة الدولي
كانت تجلس في صالة الإنتظار تنتظر قدومه منذ قرابة الخمس ساعات فقبل أن تراسله كانت تُفكر لعدة ساعات ماذا يجب عليها أن تفعل خصيصًا أنها هي التي رحلت بإرا.دتها، لا تعلم كيف سيستقبلها وكيف سيتعامل معها ولَكِنّها تنتظره الآن بعد أن حسمت أمرها واختارت هذه المرة المسار الصحيح
فيما ولج هو إلى ساحة المطار الكبيرة الوا.سعة وهو يسير ببـ ـطءٍ وينظر حوله علّه يرىٰ أحدًا يعلمه، فيما كانت هي تجلس على المقعد الحـ ـديدي تنتظره وهي تنظر في وجوه الجميع حتى سقـ ـطت عينيها عليه هو، هذا الشا.ب فا.رع الطول ذو الجـ ـسد العريـ ـض بعض الشيء يظهر في كامل وسامته
كان طويلًا بشرته السمـ ـراء تعطيه وسامته الكاملة تزامنًا مع خصلاته النا.عمة السو.دا.ء التي كان يصففها عا.ليًا، بالإضافة إلى لين معالم وجهه التي كانت مازالت رغم تلك الصعا.ب تحتفظ ببر.اءتها الطفولية التي لَم تنتز.ع حتى الآن مِن د.اخله
كان يرتدي حِلته السو.د.اء الكاملة ويرتدي ساعة يده الإلكترونية السو.د.اء التي كانت كالهاتف الذكي الذي يحمله في كل مكان، بالإضافة إلى هيبـ ـته الطاغية التي تجعل الجميع يستـ ـسلم إليه دون أد.نىٰ مجهـ ـود، كان هو وسيظل هو صاحب الرو.ح المرحة والبر.اءة الطفولية
نهضت هي وهي تنظر إليه بعينان ملتـ ـمعتين وسريعًا أحتـ ـلت السعادة قلبها وأتسـ ـعت أبتسامتها على ثغرها لتترك كل أغراضها وتركض إليه سريعًا وهي تهتف أسمه بلوعةٍ حتى أر.تمت داخل أحضانه تضمه بسعادةٍ طاغية وهي تشـ ـدد مِن عناقها إليه
فيما تصلـ ـب جسـ ـده محله وهو يشعر وكأنه قد أصا.به التخـ ـدر بالكامل حينما رأىٰ تلك المرأة تر.تمي د.اخل أحضانه تهتف أسمه بلوعةٍ والعبرات تتسا.قط على صفحة وجهها، حُبِـ ـسَت أنفاسه داخل ر.ئتيه وهو يشعر بخفـ ـقات قلبه تعا.لت دا.خل قفـ ـصه الصد.ري وأن الوقت قد تو.قف بهِ عند هذه اللحظة
أبتـ ـلع غصته بصعو.بة وكأن ثمة حجـ ـرٌ كبير يتمركز في منتصف حلـ ـقُه يمـ ـنع عنه وسيلة التنفـ ـس، جحـ ـظت عينيه وهو ينظر إلى وجهها بصد.مةٍ حقيقية وقد ترا.خت أعصا.ب جـ ـسده بالكامل وهو يراها نُصـ ـب عينيه تعانقه بأشتيا.قٍ وكأنها وجدت ضا.لتها أخيرًا بعد رحلة عنا.ء وبحث شا.قة دامـ ـت لسنواتٍ
تركته صغيرٌ في بداية حياته الشبا.بية دون أن تُكـ ـلف نفسها عنا.ء الألتفـ ـات والمحا.ربة لأجله، نجـ ـت هي بنفسها وتر.كته في الجحـ ـيم وحده ينشأ ويكبر بدونها حتى أصبح شا.بٌ كبير قد بلـ ـغ العام الـ ٢٦، أغـ ـلق جفنيه وسقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه وهو يسمعها تهتف بلوعةٍ:
«وحشتني أوي يا حبيبي، وحشتني يا “بـشير” كُنْت واحشني أوي يا نو.ر عيني، فاكرني يا “بـشير” صح؟ فاكر أمك لسه مش كدا؟ مستحـ ـيل تنساني يا حبيبي مش كدا؟»
بات لا يعلم ماذا يجب عليه أن يفعل، لقد أصا.بته بالحـ ـق في مقتـ ـلٍ بظهورها المفا.جئ بالنسبة إليه، لَم يكُن يعلم أنه سيراها مِن جديد نُـ ـصب عينيه، ولَكِنّ فطر.ته التي نشأ عليها وأحتيا.جه الشـ ـديد لها جعله لا يتد.ارك ما يفعله ليقوم بضمها بقو.ةٍ إلى د.فئ أحضانه بعد أن إزدا.دت عبراته سقو.طًا على صفحة وجهه باكيًا بصمـ ـتٍ دون أن يتحدث ببنـ ـت شفة، فقط يريد أن يظل كما هو دون أن يتحدث أو يبتعـ ـد عنها، يريد فقط أن ينعـ ـم بد.فئ أحضانها.
____________________________
<“عودة أصحاب الحـ ـق”>
كان يجلس في مكتبه في شركته الكبيرة والشهيرة على المستوى الأفريقي بأكمله وهو يدرس ملف صفقته الجديدة بالكامل يمـ ـعن النظر بهِ بتركيزٍ حتى وردته رسالة عبر التطبيق الشهير “الواتساب” مِن صديقه الذي يعمل ضابط شـ ـرطة، أخذ هاتفه بعد أن تر.ك الملف جانبًا وولج إلى محادثة صديقه يقرأ مضمون رسالته:
_مساء الخير يا “نادر”
أنا قد.رت أوصل للبـ ـنت دي وجبتلك معلومات كتير عنها أولها أسمها “بيلا فارس عوض” عندها أخين واخت البـ ـنت توأ.مها وأسمها “كايلا فارس عوض” و “أكرم فارس عوض” و “بـشير فارس عوض”، “أكرم” أكبر واحد وبعديه البنتـ ـين و “بـشير” الأخ الأصغر بس دا مِن أم تانية
_كلهم متجوزين ما عدا “بـشير” وقاعدين كلهم فـ حارة درويش وجوز “بيلا” را.جل أسمه تقـ ـيل هناك يعني تقدر تقول بمعنى أد.ق وأوضح كبيـ ـر المنطقة مفيش حد بيسـ ـلم مِنُه وصاحب حـ ـق.
شرد هو في رسالة صديقه وهو يُفكر بجد.ية تا.مة في تلك المعلومات التي تلقاها مِن صديقه لتأتيه رسالةٌ أخرىٰ تقول:
_جوزها أسمه الحقيقي “يـوسف عدنان المحمدي” دا قصته طويلة ومعـ ـقدة شويه بس صاحب شخصية كبيـ ـرة ومش سهل يتضحك عليه، ومعاه كام واحد مِن صحابه برضوا يعتبروا عـ ـينه اللي بيشوف بيها ومش مِن السهـ ـل يتضحك عليهم.
_موضوعه كبيـ ـر وغر.يب بس هو أصله الحـ ـقيقي واحد ابن ر.جل أعما.ل كان أسمه مسـ ـمع فـ يوم مِن الأيام فـ سوق التجا.ر وبعد ما أتقتـ ـل أخواته كملوا مسير.ته وأسمه لسه حـ ـي فـ السوق، بيحبّ مراته جدًا وصـ ـعب حدّ يقرب مِنها هو مشافهوش قبل كدا
المعلومات دي تكفيـ ـك ولا عايز أكتر؟
قام هو بالردّ عليه حينما كتب إليه عبارات الشكر وقام بإغلا.ق الهاتف وهو يزفـ ـر بعـ ـمقٍ وهو يُفكر كيف سيدخل عقـ ـر دارهم وحـ ـصنهم المـ ـنيع فبعض الكلمات جعلته يعلم أنه ليس مِن السهل عليه خدا.عهم ماذا سيحد.ث إذًا حينما يخبرهم بردّ الحـ ـق لأصحابه؟
__________________________
<“حقا.ئقٌ هي بمثابة نصـ ـل سـ ـكينٍ حا.د يوضع على نحـ ـر المرء”>
كان يجلس أمامها على المقعد الخشـ ـبي في أحد الحدائق العامة وهو ينظر إلى معالم وجهها التي إنكمـ ـشت بتعجبٍ وهي تكرر خـ ـلفه بإستنكارٍ تا.م:
«أخواتك؟! أخواتك مين دول أنتَ وأختك بس ولا.دي، أنا مخلـ ـفتش غيركم يا “يـوسف”»
«إزاي يعني أومال ظهرولي هما منين بشهايد الميلاد والورق اللي بيـ ـثبت إنهم أخواتي!»
كانت نبرة صوته حا.دة وهو ينظر إلى والدته التي أند.فعت تجاوبه بنبرةٍ متلـ ـهفة:
«أقسم بالله العلي العظيم ما أخواتك، أنا مخلـ ـفتش غيركم أنتوا الاتنين، أنا مخلـ ـفتش غيرك يا حبيبي أنتَ وأختك صدقني أنا عارفه أنا بقولك إيه كويس»
زفـ ـر هو بعمـ ـقٍ ومسـ ـح على وجهه بكفيه وهو يشعر بأنه سيُجـ ـن قريبًا لا محال فجميعهم أتحـ ـدوا ضـ ـده كي يجعلونه يصا.ب بالجـ ـنون هذا بالكاد ما جا.ل بخاطره، وضعت هي كفيها على ذراعيه وهي تنظر إلى وجهه المحبب لها وقالت بنبرةٍ هادئة:
«أفهمني يا حبيبي، أنا واللهِ بقولك الحـ ـقيقة، أنا مخـ ـلفتش مِن “عدنان” غيرك أنتَ وأختك، أنا معرفش مين “جنة” و “هاشم” اللي بتقول عليهم دول، وبعدين هما مش لو كانوا ولا.دي كُنْت سألتك عليهم؟»
نظر إليها وقال بتيـ ـهٍ واضحٍ على وجهه:
«ما هو دا اللي هيجـ ـنني يا “ماما”، أزاي، حتى بعد اللي حكيتلك عليه دا وإنه كان هيقتـ ـلني وأنا معرفش أختـ ـفوا راحوا فين هتجـ ـنن كأنهم فـ ـص ملح ودا.بو، طب أزاي ظهرولي وأقنعوني إنهم أخواتي وأزاي هو أتجوز “كايلا”، هتجـ ـنن صدقيني هتجـ ـنن»
ضمته إلى د.فئ أحضانها وهي تمسّد على خصلاته الشقـ ـراء بحنوٍ وهي تقول بتلهفٍ:
«بس أوعى تقول كدا، ربنا يحفظك ليا ويباركلي فيك، أهدى يا حبيبي كل حاجة تتاخد بالهدوء والعقـ ـل مش كدا، أهدى»
ضمها هو بتيـ ـهٍ وهو أصبح كالمجـ ـنون لا يعلم ما يحدث حوله وماذا سيحدث فقط يعيش لتلقـ ـي الصدما.ت والكوا.رث وحل المشـ ـكلات، هو يعيش لذلك هذا ما أقـ ـنع نفسه بهِ بعد أن شعر بالأمور تتكا.لب عليه وتزد.اد صعو.بة
فيما كانت هي تعا.ني لأجله فهي تراه بهذه الحالة لأول مرة وكأنه يتعمـ ـد إظهار ضعـ ـفه وشتا.ته إليها هي فقط، هي فقط مَن يُسمح لها برؤية معا.ناته لا غيرها، شـ ـدد مِن عناقه إليها محاولًا الهـ ـروب مِن وا.قعه المؤ.لم وعالمه المظلـ ـم إلى عالمها الو.ردي الهادئ الذي يعـ ـمه السلام
أخذت تمسّد على خصلاته نز.ولًا إلى ذراعه وهي تقول بنبرةٍ هادئة تحاول مساعدته ولو ببعض الكلمات:
«تعرف يا “يـوسف”، “عدنان” لمَ كان بتضـ ـيق عليه أوي ويلاقي كل حاجة عليه وضـ ـده كان ييجي يحط راسه على كتفي كدا ويقولي أعمل إيه يا “شـاهي”، أقوم أنا أقوله أعمل كذا ومتعملش كذا عشان ميحصلش كذا، كان يقعد كل مرة يجيلي وأنا أطبطب عليه وأقوله أهدى وتعالى نفكر سوىٰ ولمَ نهـ ـدى نخرج بمليون حل مش بس حل واحد»
«عايزاك أنتَ كمان كدا، كل ما تضـ ـيق بيك تعالالي هتلاقي نفسك زيه كدا وهتخر.ج بمليون حل بس طول ما أنتَ متعـ ـصب ومخنو.ق مش هتلاقي حل وهتلاقيها متقـ ـفلة فـ وشك، إيه رأيك مش أنا صح برضوا ولا شايف غير كدا؟»
مازحته في نهاية حديثها وهي تنظر إليه مبتسمة الوجه لتراه ير.فع رأسه ينظر إليها ثم حينما تقابلت المُقـ ـل وتشا.بكت الأبصار أبتسم بعينيه قبل فمهِ ليُلثم وجنتها بحنوٍ ثم يضع رأسه على كتفها مِن جديد ويقول بنبرةٍ هادئة:
«مِن كتر الضـ ـغط اللي عليا مبقتش عارف أفكر أو المفروض أبدأ منين، أنا اللي شوفته برضوا مش قليل عليا، مبقتش عارف أفكر واللهِ د.ماغي بقت تو.جعني أوي، عايز أقعد مع مراتي وأعيش فـ بيتي بهدوء أنا أكتفيت مشا.كل حـ ـقيقي»
مسـ ـحت بكفها على خصلاته وقالت بنبرةٍ هادئة مبتسمة الوجه:
«هتعـ ـيش مرتاح يا حبيبي ومحدش هيضا.يقك تاني، بس لسه شوية كمان، وأنا معاك أهو وقت ما تتخـ ـنق وتلاقي نفسك هتعمل حاجة غـ ـلط تعالالي على طول وأوعدك وقتها مش هتند.م وقتها صدقني، أنا نفسي أشوفك أنت وأختك مرتاحين ومبسوطين»
ربت هو على ذراعها برفقٍ مبتسمًا دون أن يتحدث ليقرر أخذ الصمـ ـت إجابة حتى ينعم بلذ.ة هذا الشعور الذي حُرِ.مَ مِنهُ، دقائق معدودة مرت حتى و.قعت عينان “يـوسف” على بائع الحلوى الذي كان يتجول وهو يُمسك المزمار يضعه على طر.ف شفتيه ويقوم بالنفـ ـخ بهِ حتى يصدر صوته عا.ليًا ويجتمعون الأطفال والشبا.ب حوله يشترون مِنهُ
نظر لهُ قليلًا ثم أبتسم ورفع رأسه عن كتف والدته ينظر إليها مبتسم الوجه قائلًا:
«مش عايزة غزل البنا.ت يا “شـاهي”؟»
نظرت هي إليه ثم نظرت إلى بائع الحلوى الذي كان يبيـ ـع للأطفال لتعود ببصرها إليه وتبتسم لهُ قائلة بحما.سٍ:
«مين قالك، أنا بحبّه أوي»
أتسـ ـعت أبتسامته الحما.سية ونهض هو متجهًا إلى با.ئع الحلوى مخر.جًا محفظته لتتابعه هي مبتسمة الوجه وهي تراه كالطفل الصغير يند.فع بحما.سٍ كبيرٍ يفعل ما أفتقـ ـده منذ أن كان صغيرًا، قام بشراء العديد والعديد مِن الحلوى ليعود إليها مبتسم الوجه فيما ضحكت هي وأشارت إلى الحلوى قائلة:
«إيه دا كله يا “يـوسف”، كل دا جايبه!»
جلس هو بجوارها مِن جديد وتقاسـ ـم الحلوى معها قائلًا:
«بما إنك بتحبّيها أوي وأنا يعتبر طا.لع شبهك ليه منصر.فش كتير على الحاجة اللي بنحبّها وبتفرحنا فـ عز حز.ننا»
ضحكت هي مِن جديد وأخذت الحلوى مِنهُ وشاركته في تناولها وهي تشعر بالسعادة وهي تجاور ولدها الحبيب تشاركه جميع ما يحبّه ويهواه دون مـ ـللٍ أو كـ ـلل، تستمع إليه بحوا.سها وتنصـ ـت إليه بتركيزٍ شـ ـديدٍ ترىٰ ردود أفعاله المفا.جئة والمضحكة والمنبهرة وهو يقـ ـص عليها كيف كان لقاءه بزوجته لتضحك هي عا.ليًا على أفعالهما وتشعر بالحما.س يزد.اد د.اخلها للأستماع إليه أطول وقتٍ ممكن
وفي نها.ية يومهما كان يسير بجوارها بينما كانت هي تتشـ ـبث في ذراعه تسير بمحازاته تستمع إليه وهو يتحدث حتى رأت هي بائع الحلوى مِن جديد لتنظر إلى “يـوسف” وتقول:
«بقولك إيه يا “يـوسف”، ما تيجي نجيبلهم غزل بنا.ت، نجيب للكل أنا المرة دي هعزم الكل عشان مبسوطة أوي»
أبتسم إليها بحنوٍ وأتجها سويًا إلى بائع الحلوى لتقف وتنظر إلى و.لدها قائلة بتساؤل:
«هما صحابك كام فرد هما ومراتاتهم وعيالهم؟»
تعجب هو كثيرًا وعقد ما بين حاجبيه وهو ينظر لها ليراها تقول:
«ما أنا هعزم كل حبايبك، أصل أنا حبّيتهم مِن قبل ما أشوفهم أنا معرفش غير “سـراج” و “رمـزي” الشيخ العسول دا، ها مين تاني وعايزاك برضوا تجمعهم كدا فـ مكان واحد حابة أوي أتعرف عليهم وأسمعهم»
أخبرها بالفعل عليهم جميعًا فيما قامت هي بشراء عددٍ كبيرٍ مِن الحلوى ثم بعدها توجهت إلى إحدىٰ المتا.جر وقامت بشراء العديد مِن التسالي والمشروبات الغازية وهو فقط منصـ ـتًا إليها، تركها تفعل ما تريده هي وإن كانت راحتها في ذلك فلن يما.نعها، ولَكِنّ حينما وجد المبلغ المالي كـ ـبيرٌ بعض الشيء عليها قرر تحمُـ ـل نصف التكـ ـلفة حتى لا تتحا.مل هي فوق عا.تقيها
وها هما يعودان إلى المنزل في حارة درويش يقود سيارتها بهدوءٍ وهي تجاوره في جلسته حتى مازحته بحديثها قائلة:
«إياك ألاقي خر.بوش صغنون فـ العربية يا “يـوسف” أنتَ حُـ ـر متعرفش أنا ممكن أعمل فيك إيه»
ضحك هو على ممازحتها إليه ولذلك نظر لها وقال مبتسم الوجه:
«متخا.فيش، عربيتك فـ إيـ ـد أمينة»
صمـ ـت قليلًا ثم قا.طع هذا الصمت مجددًا رنين هاتفه الذي كان مع والدته تشاهد صور زفافه بسعادةٍ كبيرة، نظرت إليه وقالت:
«واحد أسمه “مُنصف” يا “يـوسف” بيتصل بيك»
«ردّي يا حبيبتي وأفتحـ ـي الأسبيكر عشان تعرفي قد إيه أنا صحابي كلهم مؤد.بين والعـ ـيبة مبتخر.جش مِن بوقهم»
أطا.عته هي وأجابت على المكالمة ومِنها فتحـ ـت مكبر الصوت ليأتي صوت “مُنصف” الذي هتف بوقا.حته المعتادة قائلًا:
«هو أنتَ يا رو.ح أ.مك بتما.رس على أهـ ـلي دور الإختفا.ء المفا.جئ ليه، هو أنا مش مـ ـنبه على أ.هلك تفضل مكانك عشان عايزك فـ حو.ار مُصِّر ليه تخلّيني عيـ ـل مشافش تر.بية»
تفا.جئت هي كثيرًا مِن وقا.حته على و.لدها ولذلك نظرت إليه لتراه يبتسم بإتسا.عٍ ويقول:
«أنتَ كدا كدا عيـ ـل مشا.فش ر.باية فعلًا متحو.رش بس، وبعدين أنا برضوا يا رو.ح أ.مك اللي بما.رس عليك دور الإختفا.ء المفا.جئ أومال تز.ويغتك اللي مِن يومين دي كانت إيه لمَ قصدتك فـ طا.لعة»
أتاه صوت “مُنصف” عبر سماعة الهاتف وقال بوقا.حته المعتادة:
«بُص عشان لو “عزة” طلعت مش هتخلّي فيك حِـ ـتة سلـ ـيمة، يمين بعظيم لو ما جيـ ـتلي دلوقتي حالًا لـ أكون عامل معاك الصح وبزيادة، أمين يا معـ ـلم؟»
أبتسم هو أبتسامة سا.خرة بزاوية فمه وأجابه وهو ينظر إلى الطريق أمامه قائلًا:
«لو هتعرف تعملها أعملها يمين بعظيم لـ أكون مسَـ ـيب عليك “فاطمة” ولو هتعرف تسـ ـد قصادها سـ ـد، بقولك إيه خلا.صة الكلام عشان مش ناقـ ـص قلـ ـة أد.ب أ.هلك على المسا رُبعاية وهكون تحـ ـت البيت عايزك تـ ـلملي الحبايب كلهم بمراتاتهم وعيالهم عشان عاوزكم فـ حوا.ر»
«لا لا لا عندك يابا الحج أستنى كدا، حوا.ر إيه اللي جامع مراتاتنا وعيالنا، ليلة أبو.ك سو.دة أنتَ إنحـ ـرفت أوي كدا لدرجة إنك أشتـ ـغلت فـ تجا.رة أعضا.ء!»
هكذا كان ردّ “مُنصف” السر.يع على حديث صديقه الذي ردد بتعجبٍ خـ ـلفه قائلًا:
«تجا.رة أعضا.ء!»
«آه تجا.رة أعضا.ء أومال، شغـ ـل دَ.س السـ ـم فـ العسل دا أنا عارفُه كويس وأنتَ عيـ ـل خبـ ـيث مِن صغرك أنا عارفك»
كان هذا ردّ “مُنصف” على حديث “يـوسف” الذي عـ ـض على شفته السُـ ـفلى بحـ ـقدٍ تجاه الآخر وصا.ح بهِ بحـ ـقدٍ قائلًا بوقا.حة:
«أنا برضوا اللي خبـ ـيث يا حيوان يا عد.يم الر.باية، أقفـ ـل بدل ما أجي أنا أوريك شغـ ـل الخبا.ثة والحـ ـقد على حـ ـق، وعشان أنا عـ ـيل خبـ ـيث بحـ ـق وحـ ـقيقي يمين بعظيم لـ أكون مسـ ـخن “فريد” عليك يوريك شغـ ـل الحـ ـقد والخبا.ثة على حـ ـق»
أنهـ ـىٰ حديثه ثم مدّ يده وأغـ ـلق المكالمة في وجهه دون أن يكترث إليه لتنظر إليه “شـاهي” وهي مازالت مصد.ومة مِمَّ سَمِعته منذ برهة لتنظر إلى و.لدها الذي أبتسم وهو يثبـ ـت بصره على الطريق أمامه قائلًا:
«إيه رأيك، مش قولتلك صحابي محتر.مين ومؤ.دبين مبتطـ ـلعش مِن بو.قهم العيـ ـبة!»
ر.مقته بأستنكارٍ شـ ـديدٍ وهي تنظر إليه لتتسـ ـع أبتسامته وينظر إليها بطر.ف عينه دون أن يتحدث وعاد ير.كز ببصره على الطريق أمامه وهو يُفكر ماذا سيكون ردّة فعلها حينما ترىٰ “مُنصف” أمامها بعدما تو.اقح معه على الهاتف.
______________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية