رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم بيسو وليد
يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى
هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها
هاتي يَدَكِ اليُسْرَى، كي أستوطنَ فيها
قولي أيَّ عبارة حُبٍّ حتى تبتدئَ الأعيادْ
_نزار قباني
_______________________
<“حينما يتعهـ ـد الر’جال، يوفون بعهو’دهم”>
في بعض الأحيان وفي لحظةٍ مجـ ـنونة تأتي قـ ـراراتٍ مصيـ ـرية لا ر’جعة بها، تأتيه القـ ـرارات الصحيحة في الأوقات الخا’طئة وكأنها تعا’نده حتى في أكثر الأوقات صفاءًا بالنسبة إليه، ولَكِنّ قد إبتلى الله سيدنا “يـوسف” عليه السلام بحسـ ـد إخوته له وإبعا’دهم إياه عن أبيه، وإلقا’ئهم له في البئر، وبيعه بثمنٍ بخس، واتها’مهم له بالسر’قة واستعبا’ده بمصر، وابتلا’ؤه بمحنة تعـ ـلق قلب امرأة العزيز واتها’مها إياه، وبقاؤه في السجـ ـن بضع سنين، وعلى الرغم مِن ذلك أيضًا صبر ثلاثة عشر عامًا، حياته أيضًا كانت ملـ ـيئة بإبتلا’ءاتٍ مِن رب العالمين حتى يرى إلى أي مدى سوف يصمت ويتحمـ ـل ويتخطى، حُبّ الله للعبد تأتي في كثرة إبتلا’ءاته إليه، كذلك كان “يـوسف” الطفل البر’يء الكا’من بداخله سـ ـجينًا في ذكريات الماضي، الآن هو يتحلى بصبر سيدنا “يـوسف” عليه السلام وقد كانت هُناك آيةٌ كريمة في سورة “يـوسف” تقول:
{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} .. تلك الآية الكريمة التي كانت تذكره بها والدته منذ أن إلتقت بهِ وعاد إلى أحضانها مِن جديد حتى تخـ ـفف عنه قليلًا وتُريه ر’حمة رب العالمين بالعباد.
_أنا مستعد أسافر إن شاء الله لو دلوقتي، بس أخلـ ـص مِن كل الحوارات دي وأ’ريح بنـ ـتي وأرتاح أنا كمان معاها، أنا مش مبسوط وأنا شايفها كدا قدامي يا “سـراج” أنتَ عارف كويس أوي أنا بحبّها قد إيه ومتعـ ـلق بيها فو’ق ما تتصور، أنا ر’بطت كل الأحداث ببعض خلاص وعرفت إني مُغفـ ـل وحما’ر عشان كُنْت كل دا على عما’يا، هما أذو’ني أذ’ى و’حش أوي، د’فعت التمن فيه بـ ـنتي اللي ملهاش ذ’نب، بس والله فـ سماه مبقاش ابن أبويا بحـ ـق وحـ ـقيقي إن ما خدت الطا’ق طا’قين، حـ ـقي وحـ ـق بنـ ـتي وكل واحد إتأ’ذى في الليلة دي كلها هيد’فع التمن غا’لي أوي، وأنتَ عارفني كويس أوي.
كان حديثه ونبرته وتعابير وجهه يتغيرون بين الفينة والأخرى، الحـ ـقد والنقـ ـم هما المسيطـ ـران وردّ الحـ ـق لأصحاب الحـ ـق كان العامل الكبير في تولي زِ’مام الأمور بهِ، ولَكِنّ هذه المرة ليست كسابقتها، فقد تعهـ ـد “يـوسف” ولن يقطـ ـع العهـ ـد مهما حدث إلا أن يأتي بحـ ـق صغيرته التي قد حُرِ’مَت مِن طفولتها على أيدي ذئا’ب و’حشية لا تعلم الر’حمة أو الشفقة.
تقدم مِنهُ “سـراج” خطوتين ثم مـ ـدَّ ذراعه ووضع كفه على كتفه وشـ ـدد عليه برفقٍ يشـ ـدد مِن أذره ثم قال بنبرةٍ هادئة يؤيد بهِ حديثه ويخمـ ـد بها نيرا’نه الملتـ ـهبة والأشبه بجمـ ـرات النير’ان التي تُلقـ ـى على الإنسان دون ر’حمة:
_هيحصل، إديني وقت أظبط الحوار وأشوف الدنيا إيه هناك وأول ما ألاقي الدنيا تمام هديك أوكيه، كل حاجة هتنـ ـتهي خلاص وترجع لطبيعتها وهي هتا’خد جزا’تها، هي متستـ ـحقش مِننا شفـ ـقة ولو بينا وبين نفسنا، إهدى أنتَ وصلِّ على النبي وكل حاجة هتبقى فُل وياسمين ولاڤندر كمان.
نظر إليه “يـوسف” بقـ ـلة حـ ـيلة ثم تقدم مِنهُ وعانقه بهدوءٍ دون أن يتحدث ليبادله عناقه مبتسم الوجه وهو يمسدّ على ظهره برفقٍ يشـ ـد أذره، أبتعـ ـد عنه ليربت “يـوسف” على ذراعه برفقٍ ثم تركه وتوجه إلى منزله أسفـ ـل نظراته التي تابعته حتى أخـ ـتفى مِن أمامه.
ولج إلى شقته وأغـ ـلق الباب خـ ـلفه بإر’هاقٍ بائنٍ على معالم وجهه ليرى المكان حوله هادئًا ويبدوا أن صغيرته قد خلدت إلى النوم حينما لَم يرها تركض نحوه مثل كل يوم، ولج إلى غرفته وأغـ ـلق الباب خـ ـلفه وهو يكاد لا يرى أمامه ليراها تجلس أعلى الفراش تنتظر عودته حتى تطمئن عليه كعادتها.
لَم يكترث لأي شيءٍ وأقترب مِنها ليجلس بجوارها ويضع رأسه على فـ ـخذيها ليشعر بأناملها تتسـ ـلل إلى فـ ـروة رأسه وتبدأ في تد’ليكها كالمعتاد، أغمض عينيه وشعر بالراحة بدأت تتسـ ـلل إلى جـ ـسده ورأسه بعد يومٍ شا’قٍ عليه، في نها’ية اليوم تكافئهُ تلك المكافأة التي تسعده وتغمـ ـر قلبه بالفرحة.
شردت بهِ وبمعالم وجهه الأجـ ـنبية التي تسر’ق أنظارها لهُ وتغمـ ـر قلبها، لَم يتغير كثيرًا عن آخر خمس سنواتٍ مضوا، عادت ذاكرتها لأول تصاد’م بينهما حينما قام بمغازلتها بوقا’حته المعتادة وحد’تها معه التي نالت إعجابه وقد تذكرت تلك الجملة التي أخبرها بها في إحدى الأيام حينما قال بمكـ ـرٍ وهو يطالعها بنظرةٍ ذات معنى:
_كُنْت فاكرك وردة مغمـ ـضة وحاجة كدا مِن بتوع بنا’ت اليومين دول والكسو’ف والر’قة وبتاع، طـ ـلعتِ قطة بتخر’بش وبصراحة يعني أنا بحبّ النوع دا جدًا، خليكِ على السيستم دا على طول بقى عشان دا اللي بيأكل عيش عندي.
لاحت أبتسامة خـ ـفيفة أعلى شفتيها ثم نظرت إليه مِن جديد وقد تذكرت مشهدًا آخر حينما قام أحد الصبـ ـية بمضا’يقتها وقد رآها حينها ليُخرج أسو’أ ما يكمُن دا’خل شخصيته التي تر’بى وعا’ش بها يد’افع عن زوجته ويثأ’ر لها دون سماعه إليها:
_أنتَ متعرفش يا’ض إنها تخـ ـصني ولا إيه، والله فـ سماه لولا إنك عيـ ـل مرا’هق وخا’يب كُنْت د’فنتك حـ ـي، يلَّا يا’ض مِن هنا ودي خـ ـط أحمـ ـر تخـ ـصني حركة ولا كلمة ولا نظرة تاني هز’علك ولو متعرفنيش إسأل عليا ومش هيتوصوا يعني.
كلما تذكرت تلك الموا’قف شعرت بالسعادة تغمـ ـر القلب وتريح العقـ ـل وتهـ ـدئ الر’وح، هذا هو بطلها الخا’رق ولا يوجد آ’خرًا يستطيع منا’فسته في منظو’رها، هذا الذي تمنـ ـته وها هي قد حصلت عليه وأصبح أيضًا أبًا لها ولفتاتهما، وعلى ذِكر ذلك تذكرت في إحدى المرات حينما كانت في فترةٍ تقـ ـلبية تبكي وتغضـ ـب وتتدلل كان هو خير رفيقٍ لها حيثُ قام بإحتوائها وقام بمحاوطتها بكلا ذراعيه ينظر إلى بُنيتيها قائلًا بنبرةٍ هادئة حنونة:
_ولا تز’علي نفسك أنتِ وا’كلة عقـ ـلي بحلا’وة محدش لِيه شو’ق فـ حاجة أنا راضي هو حد يطول يعني، وأنتِ مش بس مراتي، أنتِ بنـ ـتي الأولى وأُمّي اللي بتطبطب على قـ ـلبي والأخت اللي بتد’عمني نفـ ـسيًا ومعنويًا والصاحبة اللي بتسمع وتنصح، وأخيرًا الزوجة القمورة اللي بتعرف تحتو’يني وتفهمني مِن نظرة وحركة، أنا بحبّك أوي، لا مش هديكي حـ ـقك فيها أنتِ تستاهلي الأكتر، أنا بمو’ت فيكِ حـ ـقيقي ومحظوظ إنك فـ حياتي.
زفـ ـرت بعمـ ـقٍ أن تيبـ ـستها تلك اللحظات التي تدغدغ قلبها وتشعرها بالسعادة لتقوم بإ’بعاده قليلًا عنها ثم إستلقت بجواره وعادت تضمه إلى أحضانها مِن جديد وكأنها أُمٌّ تخشى على صغارها مِن قسو’ة الشتاء لتقوم بفر’ض حمايتها عليهم حتى لا يمر’ضون، وهي تفعل ذلك الآن وكأنها تحفظه في كنفها مِن قسو’ة الأيام وغد’ر البشر عد’يمي الر’حمة والإنسانية.
_________________________
<“لم نعُد كما كُنا ولن نعود كما كُنا”>
فا’رقه الأحِباء وغد’روا بهِ وكأنه منبو’ذٌ بينهم، أصبح شـ ـريدًا بلى ملـ ـجأ أو مرسىٰ، يسير ضا’ئعًا وتا’ئهًا بين الجميع وكأنه قد تلقى ضر’بةٌ قو’ية على رأسه أطا’حت بعقله بعيـ ـدًا، شعر بالضـ ـيق يحتـ ـل صدره ويختـ ـنقه رويدًا رويدًا ليجلس على إحدى الأر’صف متكـ ـئ الرأس وكأنه أصبح ر’جلٌ عجو’زٌ في مرحلة الشيخوخة وليس شا’بًا في مقتبل العمر.
كانت “ثريا” تجلس في محلها كالمعتاد تقوم بوضع بضائعها في أماكنها، خر’جت حتى تُلقـ ـي القما’مة لتراه يجلس بهذه الو’ضعية شا’رد الذهن وكأنه في عالمٍ آخر غير الذي يعيشون بهِ، ألقـ ـت القما’مة في سلـ ـة القما’مة ثم أقتربت مِنهُ وجلست بجواره ومِن ثم قامت بتر’بيع قدميها كما إعتادت وقالت دون أن تنظر إليه:
_عجب عليكِ يا دنيا واللهِ لمَ تز’علي الطيبين، ناس بتشيـ ـل ا’لهم وناس بتشـ ـيل الخيبة وناس بتشيـ ـل طاجن ستهم، أنتَ يا قلـ ـب أ’مك شا’يل كله وسا’كت مبتتكلمش، مالك يا حبيبي قولي في إيه وقاعد كدا ليه؟ دا “يـوسف” لو شافك مش هيسوكت، حد ز’علك ولا حاجة؟.
أنهـ ـت حديثها متسائلة وهي تنظر إليه تنتظر إجابته وإخر’اج ما يكمُن دا’خل جَـ ـبعته علّه ينعم بالر’احة قليلًا وتهـ ـدأ روحه وضـ ـجيج رأسه، فيما إبتـ ـلع غصته ومسـ ـح على وجهه وخصلاته عِدة مراتِ ثم ر’فع رأسه ونظر لها وابتسم برفقٍ وقال:
_لا أبدًا، أنا بس حسيت إني ز’هقان قولت أنز’ل أتمشى شوية واقعد على الر’صيف أتابع الناس، بقالي كتير مقعدتش القاعدة دي.
نظرت إليه نظرةٍ ذات معنى وهي تعلم أنه يكذُ’ب عليها، يُشبه “يـوسف” في المكا’برة والإ’نكار، عزيز النفـ ـس لا يُحبّ إظهار ضُعـ ـفه مهما حدث، رأت في عينيه التمر’د والعِزة، رأت بهِ جزءًا مِن شخصية “يـوسف” المتمر’د، أرادت أن لا تضـ ـغط عليه ولذلك أبتسمت إليه وقالت بلطفٍ:
_طب تيجي تشرب معايا شاي بالنعناع؟ بحبّه أوي وأنا عازماك على كوباية شاي بالنعناع.
نظر إليها “بـشير” وابتسم لها ثم قال ممازحًا إياها بعد أن ألقـ ـى بأحزانه وأوجا’عه بعيـ ـدًا عن طريقه:
_لا أنا عايز أشرب فنجان قهوة على السبرتاية بتاعتك الحلوة دي.
أبتسمت هي إليه وقالت بنبرةٍ هادئة حنونة:
_وماله أعملك يا حبيبي و “نورا” عاملة صينية كيكة بالشيكولاتة هتاكل صو’ابعك وراها مِن الجمال تعالى.
نهضت فور أن أنهـ ـت حديثها لينهض هو كذلك خـ ـلفها ويذهب نحو ذاك المحل وهو هادئًا كالمعتاد، ولجت إلى الداخل وجلست على مقعدها القصير وجلس هو أمامها لتبدأ هي بتجهيز القهوة وطلبت مِن “نورا” تجهيز الكعك إليه، فيما حاول هو الإندماج معها وتلا’شي أحزا’نه قد’ر المستطاع.
في مكانٍ آخر وبالتحديد في شقة “يـوسف”
كان يجلس في غرفة المعيشة وفي أحضانه فتاتيه يلا’عبهما وصوت ضحكاتهما يعـ ـلو مع صوت ضحكاته وكأنه عاد صغيرًا معهما مِن جديد، طفلتان يعيشان طفولتهما البر’يئة وقد أراد كذلك هذا الصغير الكا’من بداخله أن يخر’ج ويعيش حياته وطفولته ولذلك رحب بخرو’جه وأطـ ـلق صَراحه لينطـ ـلق هذا الصغير مِن محـ ـبسهِ إلى الحر’ية المطـ ـلقة حيث الدنيا التي حُرِ’مَ مِنها ومِن متا’عها وفُرِ’ضَت عليه العيش خـ ـلف القضبا’ن.
كانت “ليان” تلعب مع والدها الذي قد ترك نفسه يفعل ما يشاء لتكون هذه هي مرته الأولى في فعل ما يشاء “يـوسف” الصغير وليس ذاك الكبير المتعـ ـجرف، أعتدل في جلستهُ وهو يلهـ ـث قائلًا:
_خلاص كفاية، أنا تـ ـعبت.
_بس أنا متعبـ ـتش!.
نظر إليها نظرةٍ ذات معنى ثم وعلى حين غـ ـرة جذ’بها نحوها بحركةٍ خا’طفة وبدأ يلا’عبها مِن جديد ويقوم بدغدغتها قائلًا وهو يطـ ـبق على أسنانه بغيـ ـظٍ مِنها:
_أنتِ بتعـ ـلي صوتك عليا أنا؟ بقيتي قلـ ـيلة الأد’ب وواضح إني قصَّـ ـرت في تر’بيتك، بس وماله يا بنـ ـت الأهـ ـبل، ملحو’قة.
تعا’لت ضحكاتها مرةٍ أخرى عا’ليًا ليعود لملا’عبتها هي وشقيقتها التي كانت تستلقي على ظهرها وتنظر في أماكن مختلفة حتى بدأ هو ملا’عبتها لتعـ ـلو ضحكتها الطفولية الرنا’نة تشارك شقيقتها في الضحك، وكأنها معزوفة سمفونية جميلة وهادئة تطر’ب الأذان وتريح البال وتشغل العقـ ـل.
فيما كانت “بيلا” تجلس بالقرب مِنهم تشاهده لمرتها الأولى بهذه الحالة الغريبة على ناظريها، ولَكِنّها كانت الأفضل على الإطلاق بالنسبة إليها، كانت تقوم بتصويرهم صوت وصورة وهي مبتسمة وتارا تعـ ـلو ضحكتها معهم وتارا أخرى تبتسم بحنوٍ وهي تدعو الخالق أن يظل هذا الحال عليهم وأن يظل معهن هكذا، طيب الطباع وحنونٌ عليهن، يقدر قيمتهن وأنهن المؤنثات الغاليات اللواتي أُصى بهم _سيدنا محمد ﷺ _ رأته فجأ’ة وعلى حين غرة يجذ’بها نحوه بحركةٍ خا’طفة لتشهـ ـق هي بتفا’جؤ ومِن ثم سقـ ـطت بجواره.
نظرت إليه بتفا’جؤ لتراه يبتسم لها ويُلثم وجنتها بحنوٍ ثم قال بنبرةٍ هادئة:
_بتعمل إيه يا عسلية ومبتسم أوي كدا.
نظرت إليه ثم أبتسمت كذلك حينما رأت خضرا’وتيه صافيتين اليوم ويبدو أن رأسه صا’فية للغاية اليوم، أدارت كاميرا هاتفها للأمامية لتظهر صورتهما على شاشة الهاتف، أبتسمت بسمةٌ هادئة وقالت:
_لقيت لحظة مبتتكررش كتير بتحصل قولت موثقهاش ليه؟.
أبتسم هو وعينيه مثبـ ـتتان عليها يطا’لعها بنظراتٍ مختلفة، نظراتٍ مُحبّة ودا’فئة، نظراتٍ تخبرها عن الكثير والكثير بدا’خله، وكأنها لوحةٍ أبدع الرسام رسمها لتسـ ـلب الأنظار والقلوب بجاذبيتها، لثم وجنتها مرةٍ أخرى وقال بمكـ ـرٍ:
_أتوثقت أهي، أي خدمة.
تعا’لت ضحكاتها عا’ليًا على تخا’بثه معها والذي إعتادت عليه مؤ’خرًا لتضع رأسها على كتفه ويقوم هو بضمها بكلا ذراعيه يُلثم جبينها بحنوٍ، قامت بحفظ الفيديو وعادت تفتح الكاميرا مِن جديد لتقول:
_كمل جميلك بقى وتعالى ناخد الصورة الحلوة دي.
وبالفعل إلتقطت “بيلا” الصورة وأحتفظت بها كما أعتادت دومًا لتشعر بهِ يجذ’بها مِن جديد نحوه لتبدأ صوت ضحكاتها هي وصغيرتها يعلـ ـو بين الفينة والأخرى وهم في أكثر اللحظات هدوءًا وسـ ـكينة.
_______________________
<“ليس ما نملكه يكون لنا، وليس ما يمتلكه الناس هو لنا”>
كان “مؤمن” يجلس في مكتبه يقوم بأداء عمله كونه المدير التنفيذي للشركة، أوراق عديدة وملفات كبيرة في إنتظار توقيعه عليها حتى يبدأ التنـ ـفيذ، تعا’لت طرقات عا’لية على باب مكتبه ليسمح إلى مَن في الخا’رج بالولوج ولَم يكُن سوى “جـاد” الذي أغـ ـلق الباب خلفه واقترب مِنهُ قائلًا بأبتسامة:
_مسا مسا على الناس الكويسة، مساءك لوز ومهلبية يا اللي مهنيني وواخـ ـد عينيا.
نظر إليه “مؤمن” بعد أن ترك ما كان يفعله ليقول بنبرةٍ غا’مضة:
_خير يا “جـاد”، الدا’خلة دي أنا عارفها كويس أوي، يا ترى جايب عروسة والحمد لله نَويت تكمل نُص دينك؟.
جلس “جـاد” أمامه وهو ينظر إليه ليقول مبتسم الوجه:
_لا لسه مجاتش واللهِ، بس عندي الأحلى.
أستند “مؤمن” بكلا ذراعيه على سطـ ـح المكتب خاصته وهو يصـ ـب كامل تركيزه على أخيه الذي تحدث مِن جديد وقال بنبرةٍ حما’سية:
_إبسط يا عم وقيم الأفراح كمان، المصنع بتاع تصنيع الخـ ـردة اللي إتقفـ ـل مِن عشرين سنة هيرجع يفتـ ـح تاني ويشتغل ويضـ ـرب فـ العا’لي.
عقد “مؤمن” ما بين حاجبيه وقال بعد’م فهم:
_لا مش فاهم، وضح أكتر تقصد إيه؟ وبعدين يا “جـاد” المصنع دا أتقفـ ـل مِن ٢٠ سنة هيرجع تاني أزاي وإحنا معندناش صناعة ولا عمالة ولا الخامات اللي هنشتغل بيها؟ المصنع دا قِدِ’م ولو رجع أشتغل تاني مش هيحـ ـقق أرباح أساسًا يبقى إيه لازمتها.
إتسـ ـعت أبتسامة “جـاد” أكثر والتي تعجب “مؤمن” مِنها فهو يرى أخيه يتحدث بثقةٍ غير عادية وكأنه يتحد’اه على فتـ ـحه وجـ ـني الأرباح مِنهُ، بدأ “جـاد” يتحدث بنبرةٍ هادئة بها طا’بع الثقة حينما قال:
_لا هيـ ـتفتح والخامات هتتجاب وهنجيب عمالة وإذا كان على اللي هيدير المصنع فهو موجود، خبرة وذكاء وصنعة وخيال واسع يعني هيطـ ـلع المصنع والشركة فـ السما والأرباح اللي خا’يف مِنها دي مش هتلا’حق عليها بكرا، أسمع مِني وأشتري المفيد.
_طب ممكن أعرف إيه الثقة اللي بتتكلم بيها دي كلها، محتاج أفهم واشمعنى أفتكرت المصنع دا دلوقتي يعني ما هو موجود مِن سنين؟.
أبتسم “جـاد” أبتسامة وا’سعة ثم أقترب مِنهُ بجذ’عه العلـ ـوي ليقول بنبرةٍ عا’بثة:
_أصلي لقيت أخيرًا بابا الشغلانة، خبرة وصنعة وإيده تتـ ـلف فـ حر’ير، أستنى هوريك.
أخر’ج هاتفه أسفـ ـل نظرات أخيه المتر’قبة ليقوم بإشهاره في وجهه وهو يقول:
_بُص كدا وقولي إيه رأيك.
أخذ “مؤمن” الهاتف مِن أخيه وهو ينظر إلى الصور التي إلتقطها هو لعمل ابن عمه الذي نال إعجابه بشـ ـدة لتنتا’به الدهشة حينما د’قق النظر في الصورة ليقول بذهولٍ:
_إيه دا؟ دا بر’ميل قد’يم.
أبتسم “جـاد” وأشار نحوه وهو يقول:
_طبعًا، بر’ميل قد’يم أُستغـ ـل أحسن إستغلا’ل وطـ ـلع مِنُه طرابيزة بكرسيين متنجـ ـدين وحاجة فـ منتهى الجمال والحلاوة، شغل عال العال إيه رأيك؟.
نظر إليه “مؤمن” وهو مند’هشًا وبشـ ـدة مِمَّ رأته عيناه منذ لحظات ليقول بتـ ـلهفٍ حينما فكر في الأمر سريعًا ورأى أنها فرصةٌ إليهم مِن ذهبٍ:
_”جـاد”، مين الفنان اللي عمل التصميم الجا’مد دا؟ أنا لازم أقابله ضروري، دا كنز لينا ونادر أوي.
_أنتَ قابلته فعلًا يا “مؤمن”.
تعجب “مؤمن” كثيرًا مِن حديث أخيه ولذلك قال بتعجبٍ:
_قابلته! فين دا.
أبتسم “جـاد” وقال بنبرةٍ عا’بثة وهو ينظر إليه:
_الفنان العبقري الموهوب … “يـوسف عدنان إبراهيم المحمدي”.
تفا’جئ “مؤمن”! بل أصا’بته الصد’مة وهو ينظر إلى أخيه الذي بدأ يتحدث بحما’سِ طغىٰ على نبرة صوته وإنفعا’لات جـ ـسده حينما قال:
_أنا كُنْت زيك كدا بالظبط، مصدقتش وفكرته بيضحك عليا، بس لا طـ ـلع موهوب، عنده موهبة نادرة محدش أكتشفها غيره هو، “يـوسف” لو مسك المصنع دا وأستغـ ـل الحاجات دي وطـ ـلع مِنها مواهبه كلها صدقني مش بعـ ـيد نكون شركة عالمية أكبر رجا’ل الأ’عمال يدخلوا صفقات بالهبـ ـل معانا.
_بس دي مجرد أحلام يا “جـاد”.
_لا مش أحلام يا “مؤمن”، مش هتكون غير وا’قع بيتـ ـنفذ على الأرض، صدقني المصنع دا فا’تحته هتكون خير علينا أنا عارف أنا بقول إيه كويس أديني بس الفرصة وهتشوف بنفسك، أديني أ’فتحه أنا وهتشوف وأوعدك خلال ٥ شهور هتلاقي النتيجة بنفسك وهحقق أرباح خلال الـ ٥ شهور دول عا’لية، سيبني أجرَّب وبكرا تشوف بنفسك.
نظر إليه “مؤمن” نظرةٍ ذات معنى دون أن يتحدث ليرى الثقة والتحد’ي باديين على معالم وجهه، زفـ ـر بهدوءٍ وعاد ينظر إلى الصورة مِن جديد ليقول بنبرةٍ هادئة:
_تمام، هدي بابا خبر وهديك الكلمة الأ’خيرة.
_موافق.
ليس كل ما نملكه يكون لنا، وليس كل ما يمتلكه الناس هو لنا أيضًا، فتلك حقو’ق تعلم صاحبها جيدًا ومتى ستذهب إليه، ويبدو أن وقتها قد حان للر’حيل إلى صاحبها وما’لكها الأصلي.
_________________________
<“وفي ظل بر’ودة الطقس لا بأس أن نطر’ق على الحد’يد وهو سا’خنٌ”>
كانت “نسمة” تجلس في ردهة البيت وهي تتصفح على هاتفها وبجوارها “روضة” زوجة “محمود”، جاءت الحر’باء المتلو’نة الأخرى وهي تراهما يتثامران لتقف بالقرب مِنهم وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها تستمع إلى حديثهما.
_بس تصدقي يا “نسمة”، مراته طلعت عسل أوي أنا حبّيتها أوي، طلعت غلبا’نة وأنا اللي فكرتها مغرو’رة ولا مِن البنا’ت إياهم، ظـ ـلمتها واللهِ.
_وأنا واللهِ، وبنا’تها سُكَّر خالص وطالعين شبه أبوهم، بس تعرفي أنا فرحت أوي برجوعهم ليها يا حـ ـبة عيني كانت بتصعـ ـب عليا أوي، ربنا جبر بخاطرها وردّ’لها اللي مِنها وكمان حما وجدة، تستاهل طنط “شـاهي” كل خير.
أرادت هي إشعا’ل الأجواء حولها ود’س السُـ ـم في العسـ ـل، فلا يكفي حماتها الخـ ـبيثة بل جاءت لإستكما’ل الدور وإشعا’ل الأجواء بينهم، أقتربت مِنهما وهي تقول:
_حلو.
نظرت إليها كلتاهما بكر’هٍ لتجلس هي بالقرب مِنهما وهي تضع ساق فو’ق الأخرى وقالت:
_حلو جَو الأسرة السعيدة دا، عجبني.
_واللهِ هيكون أحلى يا “تماسي” لو بعـ ـدتي عننا وربنا رحمنا مِنك ومِن شـ ـرك.
نطقت بها “نسمة” وهي تنظر ببغـ ـضٍ إليها لتنظر إليها “تماسي” وتبتسم بزاوية فمها قائلة:
_وليه إن شاء الله، شيفاني شيطا’ن لسمح الله قاعد بينكم.
_بصراحة بقى آه، مِن ساعة ما دخلتي البيت دا وأنتِ قلـ ـباه فو’قاني تحتا’ني، “محمود” الشا’ب الوسيم اللي كانت الضحكة منورة وشه مِن ساعة ما أتجوزك والتعا’سة ر’كبته ودلد’لت ر’جليها، عجب يا زمن.
أنهـ ـت “نسمة” حديثها فهي أكثرهم بغـ ـضًا إلى “تماسي”، تبد’لت معالم وجهها سريعًا لتقول بنبرةٍ حا’دة:
_ليه يا حبيبتي كُنْت ضر’بته على إيده وقولتله أتجوزني أبوس إيديك! حاجة غريبة واللهِ على الأقل مش زي اللي أبوها كان مر’مطور هنا.
إنتفـ ـضت “نسمة” مِن مجلسها واقتربت مِنها وهي تنتوي بالهجـ ـوم عليها وإبر’احها ضر’بًا قائلة:
_مين دي يا بـ ـت اللي أبوها مر’مطور، حو’ش يا بـ ـت أمك ملا’ك إيش حال لو مكانتش بتاعت دَ’جَل وأ’عمال.
نهضت “تماسي” وهي تشهـ ـق عا’ليًا وتلوح بيدها في الهواء لتقول بنبرةٍ عا’لية وأسلوبٍ سو’قي:
_أنا يا بنـ ـت الـ****، وربي ما هـ ـسيبك يا بنـ ـت الشحا’ت النهاردة.
أنهـ ـت حديثها ومِن ثم هجـ ـمت عليها تجذ’بها مِن خصلاتها لتصر’خ “نسمة” وهي تقا’ومها فيما تركت “روضة” هاتفها وحاولت إبعا’دهما عن بعضهما البعض وتعالى صوتهن بصرا’خٍ وآ’هاتٍ.
خرجت “نيرة” إبنة عم “مؤمن” وركضت نحوهن لتحاول فـ ـض هذا الإشتبا’ك بمساعدة “روضة” وهي تصر’خ بـ “تماسي” بغضـ ـبٍ قائلة:
_بس يا “تماسي” سيبيها ! سيبيها خلاص بقى مش معقول بجد أنتِ أتجـ ـننتي!.
_أنا هوريكي يا اللي أبوكِ شغال مر’مطور هنا يا ****.
_بس بقى كفاية!.
صر’خت بها “روضة” وهي تحاول إبعا’دها لتنجح بالفعل في ذلك، فيما نهضت “نسمة” وخصلا’تها مشـ ـعثة وصد’رها يعلـ ـو ويهـ ـبط بعـ ـنفٍ وأثا’ر صفـ ـعات “تماسي” تعلـ ـو خديها لتجحـ ـظ عينان “روضة” بصد’مةٍ كبيرة وهي ترى فِعل “تماسي” الذي سيؤ’دي بحياتها بالتأكيد.
جحـ ـظت عينان “نيرة” بصد’مةٍ وهي ترى زوجة ابن عمها بهذه الهيئة، فيما تفا’قم غضـ ـب “نسمة” وبغـ ـضها مِنها لتهـ ـجم هي عليها تجذ’بها مِن خصلا’تها بكل عنـ ـفٍ تثأ’ر لنفسها ولوالدها الحبيب الذي قامت هذه الحر’باء بالتقـ ـليل مِنهُ أمامها.
جاءت “وجيدة” في هذه اللحظة لترى ذاك المشهد المُصد’م بالنسبة لها لتقترب مِنهن بخطـ ـى سريعة تحاول إبعا’دهما عن بعضهما البعض ولَكِنّ حينما رأت محاولاتها فا’شلة إستنـ ـجدت بـ “نيرة” حينما قالت:
_”نيرة” كلمي “مؤمن” خلّيه ييجي بسرعة.
حركت “نيرة” رأسها تؤكد على حديثها لتبتعـ ـد عن موضعهن وهي تقف أمام النافذة تهاتف ابن عمها، وضعت الهاتف على أذنها وأنتظرت قليلًا ولَكِنّ لم يأتيها الردّ وقبل أن تحاول مِن جديد رأت “جـاد” يولج إلى المنزل لتسرع إليه تستـ ـنجد بهِ قائلة بنبرةٍ مر’تعبة:
_”جـاد”! كويس إنك جيت “تماسي” و “نسمة” ماسـ ـكين فـ بعض ومش قا’درين عليهم خالص.
تفا’جئ “جـاد” ليولج سريعًا إلى الداخل فيما حاولت هي مهاتفة ابن عمها الآخر وهي تدعو الله أن يجيبها، فيما صُدِ’مَ “جـاد” كثيرًا مِمَّ يراه ولذلك أقترب مِنهن سريعًا وحاول الفصـ ـل بينهما ولَكِنّ كان غضـ ـب “نسمة” هو المسـ ـيطر عليها في هذه اللحظة.
ولَكِنّهُ لَم ييأ’س وظل يحاول ويحاول حتى أبعـ ـدها أخيرًا وهو يصر’خ بهما قائلًا:
_إيه! في إيه مش كدا إيه المنظر دا! أنتوا إتجـ ـننتوا!.
سقـ ـطت دموع “نسمة” في هذه اللحظة وهي تشعر أنها لَم تستطع الأخذ بحـ ـقها وحـ ـق أبيها بالطريقة التي تُرضيها ولذلك تد’خلت “روضة” سريعًا وهي تد’افع عن “نسمة” قائلة:
_بصراحة بقى يا “جـاد” “تماسي” غـ ـلطت الأول وقالت على عمو “توفيق” إنه مر’مطور وأها’نته وبرضوا “نسمة” إضا’يقت فردّت عليها عشان تاخد حـ ـقها وفجأ’ة “تماسي” قامت مسـ ـكت فيها ضـ ـرب وشـ ـد شعـ ـر ولمَ حو’شتها مِن عليها “نسمة” هي قامت مسـ ـكت فيها وزي ما أنتَ شايف “تماسي” بهـ ـدلت “نسمة” جامد أوي.
نظر “جـاد” إلى زوجة أخيه التي قد تلقت الصـ ـفعات الكثر على وجهها فهذا واضحٌ وضوح الشمس نُـ ـصب عينيه، أضطـ ـر إلى أن يهاتف أخيه بنفسه وقبل أن يضع الهاتف على أذنه سَمِعَ “نيرة” مِن خلفه تقول:
_أنا كلمت “مؤمن” وقالي إنه قرب يوصل.
_____________________________
<“إن قُلت مرحبًا فلا تقُل وداعًا في نفس الوقت”>
كانوا يجتمعون سويًا في الحارة أسفـ ـل بِنْاية “يـوسف” يتحدثون في عِدة أمورٍ حتى أقترب مِنهم “بـشير” بهدوءٍ يقف معهم دون أن يتحدث، ر’مقوه نظرةٍ ذات معنى وأكثرهم كان “يـوسف” الذي تعجب كثيرًا مِن صمته وهدوءه تجاهه لعدة أيامٍ ولذلك وجه حديثه إليه يقول:
_مالك يا’ض هادي ليه ومش على بعضك؟ أنتَ كويس حد ضا’يقك؟.
لَم يتحدث ولَم يفعل شيءٍ سوى الإلتزام بالصمت، نظر إليه “أكرم” ليراه مضطـ ـربًا ويبدو أنه يخـ ـبئ عنهم شيئًا ما ولذلك قال بنبرةٍ جا’دة:
_ما تنـ ـطق يا ابني. حد جه جنبك؟.
حرك رأسه ينفـ ـي حديث أخيه ولذلك إزد’اد تعجب الجميع أكثر ومِنهم مَن لم يكترث إليه وأندمجوا في الحديث مِن جديد فيما عدا “يـوسف” الذي شعر بالقـ ـلق عليه طوال الوقت، فيما خرج “فتحي” رفقة أخيه و “عـصفورة” و “حـديدة” وهم ينتظرون لحظتهم المفضلة حيث يسـ ـقط عد’وهم غر’يقًا في د’ماءه.
وبعد صرا’عٍ عنـ ـيفٍ نشأ بدا’خله قرر تنفيـ ـذ خطوته مخر’جًا مِد’يةٍ مِن جيب بِنطاله وهو يقترب مِنهُ بخطى هادئة حذ’رة دون أن ينتبه إليه أحد ليقف بجواره وهو ينظر إليه بعينان تا’ئهتين، شعر هو بهِ لينظر إليه مبتسم الوجه قائلًا:
_في إيه يا “بـشير” أنتَ كويس؟ شكلك مقلـ ـقني وحاسس إن فيه حاجة غـ ـلط فيك قولي مش أنا أخوك الكبير برضوا؟.
حرك رأسه ينفـ ـي حديثه والعبرات ملتـ ـمعه في مُقلتيه، تأكد “يـوسف” أن “بـشير” غيرُ وا’عيٍ لِمَ يحدث حوله ولذلك وقبل أن يضيف شيئًا آخر كان “بـشير” يقوم بالغد’ر بهِ وهو ويعطيه الضر’بة السا’مة مِن أقرب الأقربين إليه حينما أستقرت المِد’ية في جا’نبه الأ’يسر.
صد’مة كبيرة على الجميع في المساء وأمام مرئ الجميع قام “بـشير” بغد’ر رفيقه الذي كان كالأخ الأكبر والحا’مي إليه، صيـ ـحات وصر’خات تعا’لت ليُخر’جها ببطئٍ وهو يقصد تعذ’يبه، لا يعـ ـي لفعلته بالتأكيد وكأنه أسفـ ـل تأ’ثير شيءٍ يُغـ ـيب العـ ـقل ويطـ ـيح بهِ إلى عالمٍ آخر.
سقـ ـط “يـوسف” أرضًا وهو يضع كفيه على موضع الجر’ح الغا’ئر لتتلطـ ـخ يديه وملابسه الدا’كنة بد’ماءه، فيما كانت يد “بـشير” ومِد’يته ملطـ ـخين بالد’ماء، تلو’ثت يديه بالد’ماء وأصبح قا’تل في هذه اللحظة أمام الجميع.
صد’مة كبيرة إلى “بيلا” وهي ترى أخيها الصغير يقتـ ـل زوجها الحبيب بلحظة غد’رٍ، أُ’صيب جسد’ها بالشـ ـلل الكلي وهي لا تقد’ر على الحركة أو الصر’اخ فقط تشاهد مجحـ ـظة العينين، حاول “رمزي” إسعا’ف شقيقه وهو قلبه يتأ’كله الخو’ف عليه.
والصد’مة الثانية للجميع كانت حينما قام “بـشير” بطـ ـعن نفسه حتى يُنـ ـهي حياته هو الآخر، جحـ ـظت الأعين حتى كادت تخر’ج مِن محا’جرهما، وهُنا شعرت “بيلا” أنها في كابو’سٍ وستستفيق مِنهُ لا محال، أقرب الأقربين لها يفا’رقان الحياة نُصـ ـب عينيها، يا لبشا’عة المشهد كم هو مؤ’لمٌ للغاية، كاد “بـشير” أن يضـ ـرب نفسه الضـ ـربة الثانية والقا’ضية ولَكِنّ منـ ـعته يد “حـسن” و “أكرم” سويًا.
_لا إله إلا الله، قتـ ـل جوز أخته وقتـ ـل نفسه، الناس جرالها إيه إحنا بقينا فـ آ’خر الدنيا ولا إيه.
و’قع حديث السيدة عليها كالصا’عقة بالتأكيد، وسريعًا رأت شريط ذكرياتها مع زوجها المشاكـ ـس نُصـ ـب عينيها منذ أن ألتقت بهِ أول مرة وحتى يوم زفافهما، كل شيءٍ رأته أمامها، وأيضًا شريط ذكرياتها مع أخيها الصغير الذي مازالت حتى الآن لَم تصدق فـ ـعلته الشـ ـنيعة تلك.
خر’جت مِن بِنْايتها وركضت سريعًا إليه لترى “مها” تضمه إلى أحضانها وهي تصر’خ وتبكي وبالقرب مِنهُ يجلس “رمزي” ويديه وجلبابه ملطـ ـخين بد’ماء صديق طفولته وأخيه، ينظر إلى الأرض ومُقلتيه ممتـ ـلئتان بالعبرات التي يحا’رب سقو’طها حتى الآن.
وعلى الجهة الأخرى يجلس “أكرم” أرضًا وهو يضم أخيه الصغير إلى أحضانه ويديه ملو’ثتان بد’ماءه، يبكي بصوتٍ عا’لٍ وهو لا يصدق ما حدث منذ قليل فقد ر’حلا كلاهما في غمضة عين، واحدًا ما’ت غد’رًا والآخر ما’ت منتحـ ـرًا لسـ ـببٍ حتى الآن مازال مجهو’ل.
_أخويا راح! “بـشير” قتـ ـل أخويا يا عالم! أخويا ما’ت غد’ر يا ناس!.
كانت تصر’خ وتخبر الجميع كيف ما’ت شقيقها وبـ ـئر أسرارها وحياتها بالكامل، سقـ ـطت “بيلا” بين الإثنين فجأ’ة دون سا’بق إنذ’ار لتصر’خ “فاطمة” بهـ ـلعٍ بإسمها لتركض سريعًا لها تحاول إفاقتها بمساعدة “شيرين” و “نورا”، فيما كانت “صابرين” تبكي وعبراتها تسـ ـقط بغزارة على صفحة وجهها بعد أن وضعت الفتا’تين في غرفةٍ ما وأغـ ـلقت عليهما لأنها تعلم ما ستفعله “ليان” جيدًا.
وصلت سيارتين الإسعاف في وقتٍ قيا’سي ليبدأو رجا’ل الإسعاف بفحص كلاهما أثنين هنا وأثنين هنا وواحدًا مع الأخرى التي سقـ ـطت ولَم تنهـ ـض، أشار واحدٍ مِنهم إلى مساعده وهو يقول:
_لسه فيه الر’وح يلا بسرعة.
حمـ ـلوا “يـوسف” لتلحـ ـق بهِ “مـها” الذي منـ ـعها “سـراج” وهو يقيـ ـد حركة جسـ ـدها العنـ ـيفة قائلًا:
_أهـ ـدي هنروح وراه دلوقتي بس نتطمن على “بيلا”.
_أخويا! أوعى سيبني، سيبني يا “سـراج”، سيبني بقولك.
تركها بالفعل حينما فقـ ـدت السيـ ـطرة على نفسها لتركض إلى أخيها الذي كان لا يشعر بمَن حوله كالجـ ـثة الها’مدة ترى المسعفين يقومون بإيصال بعض الأجـ ـهزة الخاصة بالقـ ـلب وجها’ز التنـ ـفس الصنا’عي إليه حتى يصلون بهِ إلى المشفى.
بينما على الجهة الأخرى كانوا يفعلون مع “بـشير” المثل بعد أن تأ’كدوا أنه مازال على قيـ ـد الحياة ولكن القلـ ـب بات ضعيـ ـفٍ بشكلٍ ملحوظ ولذلك عَلَى صوت صـ ـفير الجها’ز وأستقام الخـ ـط الذي كان يعلـ ـو ويهبـ ـط ليبدأ المسعف بعمل الصدما’ت الكهر’بائية إليه لتنشـ ـيط القلب مِن جديد.
كان جسـ ـد “بـشير” يعـ ـلو ويهبـ ـط بسـ ـبب الصدما’ت الكهر’بائية التي يتعرض لها دون فائدة، هذا الشا’ب المسـ ـكين الذي تغيـ ـب عقـ ـله في لمح البصـ ـر عن العالم ليقوم بقتـ ـل أقرب الأقربين إليه ومِن ثم يقوم بقتـ ـل نفسه، أمرٌ غير عادي ومثـ ـيرًا للشـ ـك.
فيما كان “أكرم” يبكي وهو مازال لا يصدق ما رآه حتى الآن وكأنه أحد أفلام الر’عب التي ستعرض في صالات العرض عن قريب وليست جر’يمة قتـ ـل حـ ـقيقية حدثت أمام عينيه، وقف “حـسن” بجواره يشـ ـد أذره ويسانده.
سقـ ـطت “كايلا” أرضًا وهي تبكي على أشقاءها وعلى زوج شقيقتها الذي يتم محاولة إنقا’ذ حياته الآن قبل فو’ات الأوان ، فيما كان “أكرم” يتابع المسعف الذي حتى الآن مازال يحاول مع أخيه على إ’نعاش قـ ـلبه دون أيا إستجا’بة مِنهُ حتى الآن.
أقترب “أسـمر” مِنهم والذي قـ ـرر الصمو’د والتما’سك على الرغم أن قـ ـلبه يتأ’كله حيًـ ـا على رفيقه الذي تو’لى رعايته منذ أن كان صغيرًا وحتى أن أصبح اليوم شا’بٌ في العمر السادس عشر، وقف بجوار “مُنصف” وهمس إليه بنبرةٍ خا’فتة قائلًا:
_ابن عمه “جـاد” مش مبطل رن بقاله ساعة وبصراحة أنا قولتله اللي حصل، أنا آسف يا صاحبي بس أنا مش هقدر أخبـ ـي عليهم أنا أديته عنوان المستشفى اللي هيطلع عليها وقولتله يستنى لحد ما يوصل.
ر’مقه “مُنصف” نظرةٍ ذات معنى ثم أبتسم إليه أبتسامة خـ ـفيفة للغاية وربت على كتفه برفقٍ وهو ينظر إلى صديقه وألتـ ـمعت مُقلتيه وهو يتذكر حديثه معه ليلة أمس عن خو’فه على “بـشير” وشعوره أنه ليس بخير ويحتاج إليه، آ’لمه قلبه كثيرًا ليرى السيارتين تتحركان في طريقهما مِن المستشفى وبدأ الجميع اللحاق بهما.
طوال الطريق الشقيقة تتمـ ـسك بهِ وترفـ ـض ترك أخيها الوحيد وحيدًا، ترى المسعف أخيرًا يجلس بعد أن نجح في إنعا’ش قـ ـلبه لتنظر إلى الجها’ز لترى الخط يعـ ـلو ويهبـ ـط، عادت تنظر إليه مِن جديد وفـ ـمها لَم يتوقف عن الدعاء إليه.
وفي السيارة الأخرى كان “أكرم” يرافق أخيه الذي حتى الآن قـ ـلبه لا يستجـ ـيب ويرى المسعف مازال يحاول معه حتى بعد أن مر بهم الوقت ليراه أخيرًا قد عاد قـ ـلبه ينبـ ـض بعد أن أسو’دت الحياة أمامه فو’ق أن جا’ل بخا’طرهِ أن أخيه سيفا’رق الحياة ويتركه.
في المشفى، حيث عائلة “المحمدي” تقف تنتظر قدوم و’لدهم الحبيب و “شـاهي” لا تكف عن البكاء حتى كادت أنفا’سها تُز’هق، فلَم تعُد تمـ ـلُك سواه إن تركها ور’حل لن تستمر ولو دقيقة واحدة على قيـ ـد الحياة، وكانت “وجـيدة” ترافقها طوال الوقت تسا’ندها وتُطمئنها أنه سيكون بخير وكذلك فعل “عماد” الذي كان قلبه يؤ’لمه عليه بشـ ـدة.
أما عن “جـاد” الذي كان يهاتفه وقت حدوث الوا’قعة حتى يخبره بهذا الخبر السا’ر الذي جاء بهِ لهُ الآن يتمـ ـلكه الخو’ف الشـ ـديد على أخيه ورفيقه الذي كان خير رفيقٍ إليه، ألتمـ ـعت مُقلتيه وهو يقف شا’مخًا ينتظر وصوله على أحـ ـر مِن الجمـ ـر، وبعد دقائق أخرى وصلت سيارتي الأسعاف ليكون أول الوا’فدين إليها “بـشير” الذي توقف قلـ ـبه للمرة الثانية.
وضعوه على الفراش المعد’ني المدولب وولجوا بهِ إلى الداخل ركضًا حيث غرفة الإ’نعاش ليُصد’موا جميعهم وأولهم “شـاهي” التي رأت حالة هذا الفـ ـتى كم هي صعـ ـبةٌ ومؤ’لمة خصيصًا حينما سمعت أحد الأطباء يصر’خ بالممرضين بقوله:
_الإ’نعاش بسرعة القـ ـلب واقف للمرة التانية!.
نظروا جميعهم إلى باب الدخول ليروا المسعفان يولجا إلى الداخل وهم يسحـ ـبون الفراش المدولب الذي يعتـ ـليه “يـوسف” والذي هو أيضًا مثل “بـشير”، ركضا بهِ و “مـها” تركض معهم على أملٍ أن ينجـ ـو أخيها الوحيد، وحينما رأته “شـاهي” صر’خت بأسمه بلوعةٍ وهي تلحـ ـق بهم بخطى سريعة ليلحـ ـق بها “جـاد” والجميع مِن خـ ـلفه.
ولجوا بهِ غرفة العمـ ـليات حيث فقـ ـد “يـوسف” الكثير مِن د’ماءه وبدأ يولج في مرحلة الخطو’رة، توقفوا أمام غرفة العمـ ـليات مغلو’بين على أمرهم كلٍ مِنهم يبكي وخا’ئف، الجميع في تنا’قضٍ الآن مع مشاعرهم.
أصبح الآن واحدٍ في غرفة العمـ ـليات والآخر في غرفة الإ’نعاش وأصدقائهم في شتاتين مِن أمرهم أيكونوا هُنا أم هُنا؟ وبين هذا وذاك وهذه وتلك جلس “رمزي” بين الد’ورين فقد كانت غرفة العمـ ـليات في الأعلى والإ’نعاش في الأسفل وقد أتخذ هو الأمر المحا’يد وجلس.
فيما كان “أكرم” مع أخيه وبرفقتهِ “كايلا” التي رافقته وهي تشعر بالخو’ف على شقيقتها التي كانت ما تزال فا’قدةً الو’عي، بكت وهي تر’تمي داخل أحضانه بضعـ ـفٍ وهي الآن تعلم أن مِن المحتمل أن تخسـ ـر أخيها الصغير، ألتمـ ـعت مُقلتيه وفورًا سقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه وهو يطبق بذراعيه عليها يضمها خو’فًا مِن خسا’رتها هي الأخرى.
أقترب مِنهما “صلاح” رفقة زوجته الذي قام “لؤي” بإخباره ما حدث، وقف أمامه وهو يقول بنبرةٍ مضطـ ـربة:
_في إيه؟ “بـشير” ماله و “يـوسف” جراله إيه؟.
_أخويا طعـ ـن “يـوسف” غد’ر وطعـ ـن نفسه يا “صلاح”، أخويا كان ماشي بمطـ ـوة يا “صلاح”، واختي متحمـ ـلتش وو’قعت مِن طولها ومعرفش عنها حاجة دلوقتي، اخويا الصغير في الإ’نعاش القلب وقـ ـف للمرة التانية يا “صلاح”، خا’يف يطـ ـلعوا يقولولي البقاء لله، اخواتي بيضـ ـيعوا.
كانت حا’لته صعـ ـبة للغاية وهو يبكي دون توقف ليصـ ـيب هدفه صحيحًا حينما أصا’بتهما الصد’مة الكبيرة، وضعت “أزهار” كفها على فمـ ـها وهي لا تصدق ما تسمعه وكان “صلاح” لا يقـ ـل عنها شيئًا بجانبها، مسـ ـح بكفه على وجهه وهو يشعر أن عـ ـقله توقف عن التفكير بتا’تًا.
_لا إله إلا الله، ألطف بينا يارب، يارب ألطف بينا.
_أنا هروح أشوف “بيلا” زمانها لوحدها.
أنهـ ـت “أزهار” حديثها وهي تتجه إلى رفيقتها، فيما رافقهما “صلاح” بعد أن قرر عد’م التخـ ـلي عنهما ومساندتهما، الوقت يمر على الجميع ولا أحد قد أطمئن على كلاهما.
كانوا يجلسون أمام غرفة العمـ ـليات ينتظرون خروج “يـوسف” بعد أن أخبرهم الطبيب أنه سيقوم بنقل الد’ماء إليه خصيصًا أنه فقـ ـد الكثير مِن د’ماءه، كان “رمـزي” يطمئن على الأثنين بين الفينة والأخرى وها هو يجلس ويقوم بقراءة القرآن الكريم بصوتٍ مضطـ ـرب بسـ ـبب تماسكه وعد’م السماح لنفسه بالبكاء.
ومع الأسف سقـ ـطت عبراته دون إرادة مِنهُ بعد أن فقـ ـد قد’رته على التما’سك أكثر مِن ذلك، أغـ ـلق مصحفه ومسـ َح بكفه على وجهه وهو يزفـ ـر ويستغفر ربه، وقد تذكر فجأ’ةً حديث “يـوسف” عن إتخاذ خطوته الأولى في عودة علا’قته مع رب العالمين والتقرب مِنهُ وقبل أن يبدأ في ذلك ذهب فجأ’ةً مِن بينهم.
وقد تذكر آية كريمة في سورة “يـوسف” تتحدث عن الصبر ليتلوها قائلًا:
_{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} .. لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبعدها أخذ يدعوا لهم بقلبٍ ملكو’م وهو يتضرع إلى المولى عز وجل قائلًا:
_اللهم أشفهم واعفوا عنهم واغفر لهم وثبـ ـت أقدامهم وخفف أوجا’عهم، يا حي يا قيوم برحمتك أستغـ ـيث، أنزل السـ ـكينة على قلوبنا فأصبحنا لا نملُك القدرة على الصمو’د فقد أُر’هقت أرو’احنا وأصا’بنا العجـ ـز وتشـ ـتت العقـ ـل وتأ’لم القلب، يارب.
نظر إلى جلبابه البُني الذي تلـ ـطخ بد’ماء صديقه ليزفـ ـر بعمـ ـقٍ وهو يدعوا إليهم، جلس “سـراج” بجواره بعد أن أُر’هقت رو’حه ليضع رأسه على كتفه وهو يُغمض عينيه قائلًا:
_تـ ـعبت يا “رمـزي”، تـ ـعبت وقلبي مو’جوع أوي، تـ ـعبان يا صاحبي ومش عارف أقعد على بعضي وأنا معرفش عنه حاجة.
ضمه “رمـزي” إلى أحضانه ومسّد على خصلاته برفقٍ وهو يتلو عليه بعض آيات الذِكر الحكيم حتى تهـ ـدأ روحه وتستـ ـكين، فيما أغـ ـلق “سـراج” جفنيه وهو يشعر بتثا’قلهما محاولًا التحلي بالهدوء قليلًا مع أكثر الأشخاص أ’منًّا بالنسبة إليه.
في إحدى الغرف الخاصة برعاية المر’ضى.
أستيقظت “بيلا” بعد أن تغـ ـيبت عن الو’عي لسويعات، أغـ ـلقت جفنيها مرةٍ أخرى ثم فتـ ـحتهما حتى أعتادت على ضوء الغرفة، نهضت فجأ’ةً بعد أن تذكرت ما حدث ولذلك نهضت مِن على الفراش ومِن ثم خر’جت مِن الغرفة وهي تركض في الممر تنظر حولها بضيا’عٍ تبحث عنه هو، تنتظر قدومه لها وإرتما’ءها دا’خل أحضانه.
أوقفت إحدى الممرضات وهي تسألها بنبرةٍ مر’هقة ومضطـ ـربة قائلة بتساؤلٍ:
_بعد إذنك، في حالة بإسم “يـوسف عدنان إبراهيم المحمدي” وحالة تانية بإسم “بـشير فارس عوض” ألاقيهم فين؟
_الإتنين في العنا’ية المركزة دلوقتي الدور التاني.
شكرتها وركضت إليهما سريعًا وقلبها يتأ’كله الخو’ف عليهما، قلبها ينـ ـبض بعـ ـنفٍ وكأنه كجمـ ـرة النا’ر الملتـ ـهبة وتحتاج إلى الإطفا’ءة وهي كذلك لن تهـ ـدأ إلا عندما تراهما نُصـ ـب عينيها بخيرٍ، وعلى الرغم مِن الد’وار الذي أقتـ ـحم رأسها إلا أنها لَم تستسـ ـلم، وصلت أخيرًا لتراهم يرافقونهما أمام غرفة العنا’ية.
أقتربت مِنهم بخطى شبه سريعة لتقف أمام النافذة الزجا’جية ترى زوجها يلتزم فراشه غا’ئبًا عن الوعي والأجـ ـهزة الحيوية تتصل بجسـ ـده وقنا’ع التنـ ـفس الصنا’عي يعتـ ـلي وجهه وصوت جها’ز النبـ ـض يسير بشكلٍ طبيعي، ألتـ ـمعت العبرات دا’خل مُقلتيها وهي تراه لا حول بهِ ولا قوة.
توجهت إلى الغرفة الأخرى وهي تتجا’هل أحاديث الآخرين لترى أخيها مثله تمامًا لا يعـ ـي لأي شيءٍ لتسـ ـقط عبراتها على صفحة وجهها وتفقـ ـد قد’رتها في السيطـ ـرة على نفسها لتقول بنبرةٍ باكية:
_ليه كدا يا “بـشير”؟ ليه كدا يا حبيبي ليه؟،
سقـ ـطت عبراتها أكثر لتسقـ ـط هي أرضًا على ركبتيها وهي تبكي متجا’هلةً الآ’لم الذي يعصـ ـف برأسها الآن ويدها التي كانت تنز’ف فلن يأتي ذلك شيئًا بجانب نز’يف قلبها وو’جعه، ظلت على هذه الحالة حتى شعرت بشقيقها الأكبر يحاوطها بذراعيه ويعانقها لتستسلم هي إليه علّه يستطيع مدا’واة رو’حها وقلبها ولو قليلًا فقط.
_______________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية جعفر البلطجي ) اسم الرواية