Ads by Google X

رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم بيسو وليد

الصفحة الرئيسية

     


 رواية جعفر البلطجي الجزء (3) الفصل الثالث و الثلاثون 33 - بقلم بيسو وليد

تَغَيَّرَتِ المَوَدَّةُ وَالإِخاءُ
وَقَلَّ الصِدقُ وَاِنقَـ.ـطَعَ الرَجاءُ
وأَسلَمَني الزَمانُ إِلى صَديقٍ
كَثيرِ الغَد’رِ لَيسَ لَهُ رَعاءُ
وَرُبَّ أَخٍ وَفَيتَ لَهُ بِحَقٍّ
وَلَكِن لا يُدومُ لَهُ وَفاءُ
أَخِلّاءٌ إِذا اِستَغنَيتُ عَنهُم وَأَعد’اءٌ
إِذا نَزَلَ البَلا’ءُ يُديمونَ المَوَدَّةَ ما رَأوني
وَيَبقى الوُدُّ ما بَقِيَ اللِقاءُ
وَإِن غُنّيتُ عَن أَحَدٍ
قَلاني وَعاقَبَني بِما فيهِ اِكتِفاءُ
سَيُغنيني الَّذي أَغناهُ عَنّي
فَلا فَقرٌ يَدومُ وَلا ثَراءُ
_الإمام علي رضي الله عنه
_________________________
غد’رٌ في لحظةٍ خطـ ـيرة، طـ ـعن الأخ أخيه الكبير غد’رًا وتلو’ثت يديه بد’ماءه، ما كان عليه أشبه بشخصٍ لا يعـ ـي لأي شيءٍ يحدث حوله، عقله تغـ ـيَّب واليد التي كانت تعانق وتربت هي نفسها التي طعـ ـنت وغد’رت وتلو’ثت بد’ماء شخصٍ بر’يء مثله، تلبـ ـسه الشيـ ـطان وسوَّ’لت لهُ نفسه بإر’تكاب أكبر الجرا’ئم وأكثرهم عقو’بة، قَتَـ ـلَ وقُتِـ ـل والإثنين أشـ ـد عقو’بة، صغيرٌ لَم يعلم سوى ما كان يريد العد’و أن يعلمه، وحينما حـ ـقق مبتغاه فـ ـر ها’ربًا حتى لا يتم كـ ـشفه.
<“جاءها الغد’ر مِن أكثر الأشخاص وفا’ءًا لها”>
كانت تجلس أمام غرفة كليهما وعبراتها تسقـ ـط على صفحة وجهها، لا تصدق ما حد’ث وما أوصله إليه أخيها الصغير الذي فا’جئهم جميعًا بفعلته تلك وأكثرهم كان رفيقه الذي كان يراه أخيه الصغير الذي لَم تنـ ـجبه والدتها، كلما تذكرت مشهد زوجها السا’قط أرضًا غر’يقًا في د’ماءه يؤ’لمها قلبها بشـ ـدة، حينما سقـ ـط وتقـ ـطعت أنفا’سه ونز’فت د’ماءه وخا’رت قوا’ه وسـ ـقط الأ’سد كانت تسقـ ـط مملـ ـكته معه، سقـ ـط وسقـ ـطت معه مستـ ـسلمة لهفو’ات الريا’ح وعوا’صف الشتاء السقيـ ـعة.
أستسـ ـلمت لكل شيءٍ حولها معلنةً عن ر’فع را’يات الإستـ ـسلام أمام الجميع بعد أن ر’حل حا’كم ممـ ـلكتهم وفا’رقهم دون سا’بق إنذ’ار، ويأتي المشهد الثانِ لأخيها الذي فا’جئهم جميعهم _مفاجأة مِن العيا’ر الثقـ ـيل_ حينما قام بطعـ ـن نفسه بنفس السـ ـكين التي أنهـ ـى بها على حيا’ة رفيقه لتكون ضر’بةٌ أخرى تكسـ ـر ظهر البعيـ ـر، وكأنه أقسم على جعل هذه المـ ـملكة في حا’لة حز’نٍ ستد’وم لسنواتٍ وليست لعِدة أشهرٍ فحسب.
وقبل أن ينهـ ـي حياته تمامًا ويعطي نفسه الضر’بة الفيصـ ـلية منـ ـعه أكثرهم خو’فًا وخـ ـشيةً عليه، أكثرهم أمـ ـنًّا وأما’نًا بالنسبة إليه، أخيه الكبير والحا’مي الأول لهُ، منـ ـعه أخيه وأبيه وبئـ ـر أسراره عن كا’رثةٍ فـ ـجة ستطيـ ـح بالجميع إلى الهلا’ك، ولَكِنّ حينما تأتي الضر’بة الأولى تكون في بعض الأوقات الضر’بة القا’ضية للمرء وقد كانت هكذا بالنسبة إليه.
بكت أكثر بعد أن فقـ ـدت قد’رتها في السيـ ـطرة على نفسها أكثر مِن ذلك وهي تضع يديها على فمها فمازالت لا تصدق ما حد’ث حتى الآن وتأمل أن يكون كابو’سٍ أسو’د سينتـ ـهي في أية لحظة وستستيقظ مِنهُ لتراه يضمها ويطمئنها أنه بخير كالعادة وما هو سوى كابو’سٍ أسو’د وأنـ ـتهى، مازالت تأمل أن يكون كابو’سًا.
جلس “أكرم” بجوارها بهدوءٍ دون أن يتحدث فيما أكملت هي بكاءها وكلاهما في عا’لمٍ آخر بعـ ـيدين عن بعضهما البعض، حركت رأسها تنـ ـفي ما يجو’ل في رأسها مِن هذه المشاهد المؤ’لمة لقـ ـلبها لتقول بنبرةٍ باكية:
_مستحيـ ـل يكون دا حـ ـقيقي، بتمنى كل دا يطلع حلم، لا كابو’س، دا أكيد كابو’س وهصحى مِنُه وألاقي “يـوسف” دا’خل عليا بيهـ ـديني ويقولي دا كابو’س يا “بيلا”، مش معقول كل الكو’ابيس اللي شوفتها دي كلها تكون حـ ـقيقة دلوقتي أنا كُنْت كل كابو’س بقوم مِنُه مخضو’ضة ومرعو’بة عليه، أقوله أنا خا’يفة عليك وهو يكد’ب إحساسي ويقولي مفيش حاجة أنتِ كويسة وتعبا’نة شويه، كل حاجة حصلت يا “أكرم” وسا’يبني لوحدي.
ألتمـ ـعت العبرات في مُقلتي “أكرم” الذي نظر إليها ليراها تبكي وهي تنظر أمامها وتبكي لتُكمل هي حديثها بعد أن نظرت إليه لتقول:
_حتى “بـشير”، “بـشير” الشا’ب الهادي النسمة اللي بيتحـ ـط على الجر’ح يطيب، و’جع قلبي معاه ومش مر’يحني ولا مخـ ـليني دا’يقة طعم الرا’حة بقالي أسبوع، أنا حسيت إنه مش مظبو’ط وعلى طول بيتخا’نق مع “يـوسف” ويتحـ ـججله حتى لو معملهوش حاجة، كان لسه متخا’نق معاه إمبارح على حاجة تا’فهة، بس على قد كل دا “يـوسف” كان بيطبطب ويو’اسي فيه ويلتـ ـمسله أعذا’ر، بس لا “بـشير” مش مظبو’ط وفيه حاجة غـ ـلط دا مش أخويا اللي أعرفه، قلبي موجو’ع أوي يا “أكرم” حساه متجر’ح وشغال نز’يف مش عارفه أداو’يه.
سقـ ـطت عبراته على صفحة وجهه ليضمها إلى أحضانه مشـ ـددًا مِن ضمته إليها وكأنه يأخذ أوجا’عها إلى قلبه هو، لا يهم إن كان سيكون جر’حٌ آخر إليه بل الأهم إليه أن يرى شقيقته بخير دومًا والأبتسامة لا تفا’رق وجهها، مسّد بكفه على رأسها دون أن يتحدث فلا يملُـ ـك القد’رة على الحديث والمو’اساة فقد هربـ ـت الكلمات مِن فمهِ وأصبح ملتز’مًا الصمـ ـت.
لثم رأسها بقْبّلة عمـ ـيقة بعض الشيء وحاول تما’لُك نفسه فهو الو’حيد الآن الذي يجب عليه أن يكون عو’نًا إليها والوقوف بجوارها في هذه المـ ـحنة الصعـ ـبة عليهم، هو الآن ر’جُلها في غيا’ب “يـوسف” و “بـشير” ولذلك يجب أن يتحا’مل حتى يستطيع موا’ساتها وتهـ ـدأتها، فيما ضمته هي تضع رأسها على صدره وأخذت تبكي في صمـ ـتٍ وهي تدعو إلى الخالق أن يد’اوي قلبها وأن يعودا كلاهما إليها مِن جديد متعا’فيان.
على الجهة الأخرى بالقرب مِنهما
تقدم “رمـزي” مِن أصدقائه الذين كانوا يجلسون طوال الوقت منتظرين الإطمئنان على صديقهم وأخيهم الأقرب إليهم مِن أنـ ـفسهم، وقف أمامهم وقال بنبرةٍ هادئة:
_أنا همشي، هروح أخد شاور وأغيَّـ ـر هدومي وأصلي وأكل لقمة كدا وأرجع تاني وهكذا كل واحد ينسـ ـحب يشوف أموره ويرجع.
ردّ عليه “سـراج” بنبرةٍ هادئة ينعكـ ـس عمَّ يدور بدا’خله مِن خو’فٍ يسا’ور قلبه وأ’لمٍ يعتصـ ـر صد’ره:
_خُد “أكرم” فإيدك عشان يشوف الدنيا عنده ويرجع معاك وبالمرة يغيَّـ ـر هدومه اللي مليا’نة د’م دي.
ألقـ ـى “رمـزي” نظرةٍ خا’طفة على “أكرم” الذي كان يجاور شقيقتيه يضمهما إلى أحضانه يو’اسيهما رغم أحتيا’جه لتلك الموا’ساة وبشـ ـدة، عاد ينظر لهم مِن جديد وقال:
_طب هشوفه كدا وزي ما قولتلكم، ولو حصل جديد عرفوني.
تركهم وتوجه إلى “أكرم” فيما نهض “مُنصف” وتوجه إلى الخا’رج وهو يجيب على زوجته، نظر “حـسن” إلى “لؤي” الذي كان يجاوره ليراه في حا’لةٍ مؤ’لمةٍ كما تو’قع، رأى الآ’لم والحز’ن يغلفان مُقلتيه، مشهدهما سويًا لا يفا’رقان مخـ ـيلته، يرى صديقه أمامه يُطعـ ـن غد’رًا مِن أخيه الصغير الذي كان أسفـ ـل جنا’حيه وظـ ـله.
قام الطيـ ـر الصغير بالغد’ر بصاحبهِ وأنطـ ـلق ير’فرف في الهواء الطـ ـلق ينا’ل حر’يته تاركًا صاحبهِ يسـ ـقط أرضًا ينز’ف كما الذ’بيحة في يوم العيد، مشهد سقو’طه أرضًا ممسكًا بجر’حه الد’امي والعبرات ملتمعه في حدقتيه التي أكتـ ـستهما الحمـ ـرة، لا يشعر بما يحدث حوله سوى صر’خات الجميع حوله وذ’عرهم عليه.
وكذلك هذا الشا’ب الصغير الذي ترك نفسه لهفو’ات الريا’ح القو’ية التي ضر’بته وأطا’حت بهِ بعـ ـيدًا، هذا الصغير الذي كان رفيقه والد’اعم إليه والجدا’ر الحا’مي لهُ في أصعـ ـب أوقاته، ألتمعت العبرات في مُقلتيه ليمـ َسح بكفيه على وجهه تزامنًا مع شعوره بيد “حـسن” تربت على ظهره مو’اسيًا إياه بعدة كلماتٍ.
________________________
<“شما’تة الأقرباء هي أولى اللد’غات السا’مة للمرء”>
أحيانًا يكون عد’و المرء نفسه، شخصٌ مر’يضٌ يسعد لرؤية أقرباءه يعا’نون، لا أعلم أين المـ ـتعة في أن ترى شخصًا أمامك يعا’ني ويشـ ـكو والحز’ن قد ألتـ ـهمه منذ زمنٍ وأنت ما عليك سوى أن تضحك وتسعد وتقيم الأفراح وتسير متقا’فزًا بسعادةٍ وكأنك حـ ـققت المستـ ـحيلات أو حـ ـققت بطولة أولمبية وجئت لتسعد بها أمام المحر’وم مِن متا’ع الدنيا، هذا ما فعلته “زيـنات” حينما تلقـ ـت خبر محاولة قتـ ـل “يـوسف” أصبحت تركض في أركان المنزل وهي تزغرد عا’ليًا بسعادةٍ مفر’طة.
هذا ما تمنته ودعت بهِ المولى عز وجل، كانت تتمنى رؤية “شـاهي” مكسـ ـورة الجنا’ح وضعيـ ـفة مثلما رأتها مِن قبل، خر’جت “نيرة” على صوت تلك الزغاريد لترى زوجة عمها سعيدة وكأن الأفراح زارت منزلهم بعد إنقطا’عٍ تا’م، خرجت “نسمة” كذلك وهي تنظر لها لتتلاقى المقـ ـل في أحاديثٍ صا’متة تلـ ـقى العديد والعديد مِن الأسئلة العديدة، أقتربت “نيرة” مِنها بخطى هادئة لتجاورها في وقفتها قائلة بنبرةٍ خا’فتة أقرب للهمس:
_هو فيه إيه، مرات عمي بتزغرط كدا ليه؟ يكونش “يـوسف” ابن عمي فا’ق؟.
ألقـ ـت “نسمة” نظرةٍ متهكـ ـمة ثم قالت بإستهـ ـزاءٍ بائن:
_حماتي هتزغرط عشان “يـوسف” فا’ق؟ طيبة يا “نيرة” أوي دي بتتمنى مو’ته كل لحظة أنتِ متعرفيش حاجة.
عقدت “نيرة” ما بين حاجبيها لتنظر لها قائلة:
_ليه يعني هو كان وا’كل ورثها يعني.
_مش عارفة بقى المهم تعالي نشوف بتزغرط ليه دي، عقبال ما نزغرط كلنا وهي خا’رجة مِن هنا مطـ ـلقة.
تركتها “نسمة” وأقتربت مِن حماتها ومِن ثم لَحِقَت بها “نيرة” لترى ماذا حدث، فيما أقترب مِنها “محمود” وهو يعقد ما بين حاجبيه ليقف بالقرب مِنها قائلًا:
_في إيه يا أُمّي عمالة تزغرطي كدا ليه في إيه، إيه الفرحة اللي أنتِ فيها دي أنا مش فاهم حاجة؟.
ألتفتت إليه “زيـنات” وهي تكاد تطـ ـير مِن الفرحة لتقول بنبرةٍ سعيدة للغاية:
_ز’فت الطـ ـين اللي ما يتسـ ـمى في العنا’ية المركزة دلوقتي ويارب ما يخر’ج غير وهو ميـ ـت بقى.
أحتـ ـلت الدهشة وجوههم جميعًا فيما بينهم “محمود” الذي تأ’كد مِن حديث والده عن كر’ه والدته إلى “يـوسف”، نظرت “نسمة” إليها بتفا’جؤ لتقول بدهشةٍ وا’ضحة:
_إيه اللي حضرتك بتقوليه دا يا ماما ربنا يبارك فـ عمره ويقو’مه عشان خاطر أمه اللي عا’شت قلبها موجو’ع عليه هو وأخته دا بدل ما تدعيله يقوم بالسلامة ويرجع لبيته دا برضوا أب وعنده بنا’ت محتاجاه.
ألتفتت إليها “زيـنات” تنظر لها بعد’م رضا والضـ ـيق يحتـ ـل معالم وجهها لتقول بنبرةٍ حا’قدة:
_لا طبعًا أنا أتمناله الخير، دا مِن ساعة ما جه وهو قا’لب حياتنا فو’قاني تحتا’ني، خلّيه يغو’ر وير’يحنا مِنُه ومِن قر’فه هو وأمه.
لأول مرة يشعر “محمود” بالإشمئـ ـزاز مِنها، أصابـ ـت الر’عشة جسـ ـده حينما رأى كم الشـ ـر والغـ ـل ينبعان مِن والدته التي كانت منذ يومها تكر’ه الجميع وتنعـ ـتهم بالـ “القذ’رة” نعم كانت متو’اقحة مع الجميع ولا تكترث سوى للمال ونفسها فقط، أعـ ـماها طمـ ـعها عن كل شيءٍ جميلٍ حولها، أهـ ـملت زوجها وأصبحت لا تكترث لمتطلباته كر’جلٍ ومعه أهـ ـملت ولديها كانت تستـ ـغلهما فقط لمصا’لحها هي وحسب.
اليوم هي تؤ’كد إليه ذلك، ولَكِنّ كان “محمود” الأكثر سو’ءًا في حظو’ظه فمع جشـ ـع والدته وطمـ ـعها تزوج بفتا’ةٍ تشبهها في كل شيءٍ، إنسانةٌ فو’ضاوية ما يهـ ـمها المال والمظهر الخا’رجي والتنزه مع صديقاتها وعدم الإكتراث إليه، رفـ ـضت أقتـ ـرابه مِنها ومـ ـنعته مِن حـ ـقوقه كزو’جٍ متخـ ـذة حُجة فسا’د مظهرها الجميل الخلا’ب حُجة قو’ية.
_بعد إذنك متد’عيش على “يـوسف” ولا تتمنيله الشـ ـر!.
صا’ح بها فجأة دون أن يشعر بعد أن أستمع إلى المزيد والمزيد مِن الدعوات عـ ـليه ليخر’ج عن طو’ر هد’وءه وثبا’ته مدا’فعًا عن الغا’ئب والرا’حل في هذه اللحظة عنهم بجسـ ـده، تهتـ ـكت أنفا’سه فيما توجهت الأنظار عليه ومِن بينهم “زيـنات” التي ألتفتت إليه بكامل جسـ ـدها تر’مقه بإستنكـ ـارٍ تا’م بعد أن رأت إنفعا’له ود’فعاه عن ابن عمه.
أبتسمت بسخـ ـريةٍ واضحة وخر’ج صوتٌ مِن حنجـ ـرتها متـ ـهكمًا بعد أن أستمعت إلى كلماته لتقول بنبرةٍ هادئة محـ ـملة بالسخـ ـرية:
_لا واللهِ؟ ومِن أمتى يا رو’ح أ’مك بتد’افع عن ابن عمك دا، ومِن أمتى بتقول عليه ابن عمك دا أنتَ حيالله تعرفه بقالك شهور بس ومع ذلك مجمعتكوش صدفة حلوة مع بعض، فبأي حـ ـق تدا’فع عنه يا حيـ ـلة أ’مك إيه هو أبوك لحـ ـق عملك غسـ ـيل مـ ـخ.
أها’نته حينما قـ ـللت مِن شأنه بطريقةٍ غير مباشرة أمام نسا’ء منزله وهي للحـ ـق لا تكترث لذلك فلا تـ ـهتم لمشاعر غيرها فلِما تؤ’لم رأسها، فيما طا’لعها هو بنظرةٍ حا’دة بعد أن حاول لجـ ـم إنفعالا’ته وغـ ـضبه قد’ر المستطاع حتى لا يصر’خ بها ويخر’ج شيا’طينه فيكفيه تلك الفتا’ة التي حتى الآن مُلقبة بزوجته، وحينما رأى التمر’د في عينيها أتخـ ـذ قراره وانسـ ـحب مِن ساحة المعر’كة منهز’مًا كعادته أسفـ ـل نظرات التـ ـهكم والتـ ـقليل مِن شأ’نه مِنها.
يسعد المرء دومًا بفر’ض سطو’ته على مَن حوله، ظنت أنها الخيا’ل تفر’ض سطو’تها على الخيل الحُـ ـر وهي تظن أنه سير’ضخ إليها ويسير نهـ ـج خطواتها، تناسـ ـت أن الخيل حُـ ـر وعنيـ ـد حينما يشعر بقو’ة ما’لكه وتحـ ـكمه بهِ يعانـ ـد ويصـ ـر على ما يريد خا’رجًا عن طو’عيته، وهذا ما فعله “محمود” الخيل الثانِ الذي خر’ج عن طو’عيتها متخـ ـذًا العنا’د والغضـ ـب منهـ ـجًا في حياته مع أمثا’لها.
“لا تقوم بترو’يض خيلٍ حُـ ـر…
وأنت في الأساس لست خيا’لًا ماهرًا”
________________________
<“صورة الما’ضي ترافق صورة الحاضر في مشهدٍ عجـ ـيب”>
صورة الما’ضي ترافق صورة الحاضر في مشهدٍ عجـ ـيب للجميع، صورة ما’ضيها تعانقها وصورته في الحاضر تد’اويها، تنا’قض عجـ ـيب ولحظةٌ ليست في الحسبـ ـان ولَكِنّ ما بين هيا’هب الريا’ح وشـ ـدة هطو’ل الأمطار في بلدةٍ ما وبين نسمات الهواء النـ ـقية وسطوع قر’ص الشمس في السماء الصا’فية في بلدةٍ أخرى في نفس ذات اللحظة لهو شيءٌ بد’يعي مِن رب العالمين وليس تنا’قضًا ففي كل الأحوال ليس كل ما يحد’ث حولنا يكون متنا’قضًا.
وكذلك كانا هما الآن حينما كانت تجلس بعيـ ـدًا تبكي لأجل أخيها الصغير وتنتـ ـحب في صمـ ـتٍ والخو’ف ينهـ ـش قلبها والأ’لم يعتـ ـصر صد’رها، فحينما رأته مستلقيًا على الفراش بأستسـ ـلامٍ تا’م والأجهـ ـزة متصلةٌ بجسـ ـده العا’ري مِن الأ’على آ’لمها قلبها بشـ ـدة فقد ذكرها بنفسها في الما’ضي حينما كانت تقبع مكانه تسع سنواتٍ دون أن يطمئـ ـن عليها أحدهم أو يهتـ ـم لأ’مرها.
صورة الما’ضي تتجسـ ـد في أخيها الصغير مِن جديد أمامها وكأنها تعا’ندها على عد’م تر’كها سعيدة دون أن تعكـ ـر هي صفو’ها، تقدم هو مِنها بخطى هادئة ثم جاورها في جلستها محا’فظًا على المسافة بينهما فلَم يستطع تما’لك نفسه أكثر مِن ذلك خصيصًا حينما رآها في هذه الحا’لة، حركته مشاعره وأر’غمه فؤاده على السير نحوها ومو’اساتها فهو مازال يهو’اها وينتظر مِنها القبول.
ألتزم الصمـ ـت لمدة خمس دقائق وهو يحاول في كل مرة أن يتحدث معها ويخبرها أنه سيكون بخير وسينهض وغيره ولَكِنّ كانت الكلمات تقـ ـف في حلـ ـقه وكأنها أبـ ـت الخروج لمو’اساتها، وبعد أن نشـ ـب بداخله صرا’عٌ قو’ي ما بين نفسه وبين عنا’ده ر’ضخ عنا’ده ومعه عقـ ـله إليه وتو’لى القـ ـلب السيـ ـطرة على مجرى الأمور.
_متخا’فيش عليه هيبقى كويس ويقوم بألف سلامة إن شاء الله، خلّي أملك فربنا أكبر مِن كدا يا آنسة، ربنا سبحانه وتعالى ر’حيم بعباده ولطيف بيهم ووحده قادر على كل شيء إيه اللي يخليكِ تبقى كدا بقى.
كان صوته حنونًا ودا’فئًا كد’فء قلبه الذي عانق قـ ـلبها البا’رد إلى دف’ء أحضانه هو يطـ ـمئنه ويخبره أن كل شيءٍ سيكون بخير وأنه بجواره لن يتركه و’حيدًا وسيظل مرافقًا إليه كيفما شاء، نظر إليها وهو يتمنى في هذه اللحظة أن يضمها ويطـ ـمئنها أن كل شيءٍ سيكون بخيرٍ وأنه بجوارها دومًا يرافقها كظـ ـلها.
ولَكِنّ حـ ـقيقة الأمر والو’اقع سلـ ـطتهم أكبر بكثيرٍ على أحلامه الوردية فعلى الرغم مِن ذلك كانت أحلامه محر’مة كذلك مثلما كانت غيرها، ولَكِنّ أيضًا لا بأ’س إن حاول هذه المرة أمام ر’غبته علّه ينا’ل المراد وتتحـ ـقق أمنيةٌ وحيدة مِن ضمن عِدة أماني كثر إن نا’لها فقد نا’ل معها جميع أمانيه فقد أصبحت هي الأماني جميعها في أمنيةٍ واحدةٍ فقط.
ر’فعت بُنيـ ـتيها الباكية تنظر إليه لتتقابل بُنيـ ـتيها مع عسـ ـليتيه الصا’فية في لحظةٍ يجتمع بها فنجان قهوة سا’خن مع صحنٍ مـ ـليء بالعسل يجاوره قـ ـطعٍ مِن الخبز الطا’زج في ليلةٍ شتوية با’ردة، كلاهما رأى شيئًا مختلفًا في الآخر في لحظةٍ غير مناسبة بالنسبة للجميع، أما بالنسبة لمحُبٍ مثله فتكون هذه أكثر اللحظات والأوقات تناسبًا فبتلك اللحظة تو’لد قصة حبّ جديدة بين طر’فين كانا في إحدى الأيام غر’باء.
تا’هت هي بين عينيه وكأنه مغنا’طيسًا يجذ’ب المحُبين نحوه أو حلوى شـ ـهية محر’مة على المرء، عيناه تجذ’ب الما’ثل أمامه، تفا’صيل عينيه والخيو’ط العديدة التي تزينها تجعل الما’ثل أمامه منبهـ ـرًا بها وبروعة الخالق فقد كانت تتلائم مع بشرته البرونزية وخصلاته السو’د’اء الغجـ ـرية الكـ ـثيفة بالإضافة إلى لحيته السو’د’اء الخـ ـفيفة المنـ ـمقة ووسامته التي جعلت هيئته أمام الفتيا’ت المرا’هقات مد’مرة وكأنه فتى أحلامهن المنتظر.
رأى تيـ ـهتها بين معالم وجهه وعينيه ولذلك تأ’كد مئة بالمئة أنه بالحـ ـق وسيمًا فقبلها كان يرى نفسه شا’بٌ عادي كغيره مِن الشبا’ب رغم أعتر’اف الجميع ومد’يحهم لوسامته وحُسن مظهره ولَكِنّ حينما رأى تلك النظرة نحوه تأ’كد مِن ذلك ففي هذه اللحظة رأى حقًا أنه وسيمٌ في عينيها هي لا غيرها.
أبتسم أبتسامة خـ ـفيفة حتى تهـ ـدأ حِـ ـدة الأجواء مِن حولهم ولكي لا يشعرها بالخجـ ـل أكثر مِن ذلك وقال بنبرةٍ مغـ ـلفةٍ بالحز’ن على الشا’بين:
_أنا عارف إنك خا’يفة على أخوكي، وأنا كمان خا’يف على أخويا زيك ومر’عوب عليه، كل واحد فينا لِيه أخ جوه خا’يف عليه طول الوقت نفس اللي أنتِ عا’يشاه دلوقتي أنا كمان عا’يشُه بس بحاول أطـ ـمن نفسي وأذكر ربنا كتير دي حاجة بتر’يحني أوي فالأوقات اللي زي دي، أنتِ كمان أعملي كدا وهترتاحي أوي وهما الأتنين هيفوقوا ويبقوا لوز اللوز.
زفـ ـرت بعـ ـمقٍ وقامت بإز’الة عبراتها عن صفحة وجهها ومِن ثم أعتدلت في جلستها لتنظر إليه بعينين باكيتين قائلة:
_عارف، أنا أول مرة أتحط فالمو’قف دا، ويكونوا أتنين أخوات ليا كمان صعـ ـبة أوي، “بـشير” أخويا الصغير حنين أوي وطيب وغـ ـلبان أوي وقلبه أبيـ ـض ودي حاجات عـ ـلقتني بيه أوي، بحب حنيته عليا حتى لو غـ ـلطت فحـ ـقه مبيتـ ـعصبش بالعكس بيحضني ويطبطب عليا وهو اللي يعتذر كمان … مرة قالي أصل أنا اللي وصلتك للمرحلة دي فواجب عليا أعتذرلك، وقتها عيطت وحضنته وفضلت زي العيلة كأني أنا اللي بقيت صغيرة وهو الكبير فضلت أعيط وهو مشتـ ـكاش بالعكس أستحـ ـملني كتير أوي، عشان كدا حبّيته وأتعـ ـلقت بيه.
كان يستمع إليها طوال حديثها مبتسم الوجه ويشعر بكل كلمة تقولها، يشعر بما هي عليه فهو مثلها فالما’ثل بالغرفة أخيه الكبيـ ـر وليس فقط ابن عمه، هو دومًا أخيه الو’في والد’رع الحا’مي لهُ، تحدث هو هذه المرة مـ ـضيفًا على حديثها قائلًا مبتسم الوجه:
_أنا كمان زيك على فكرة، إحنا مشتركين فالنقـ ـطة دي، “يـوسف” برضوا زي “بـشير” عندك أخويا وصاحبي، معايا على المُـ ـرة قبل ما يبقى معايا على الحلوة وعلى طول فضهـ ـري وقت ما أحتاجه ألاقيه يقولي أمين، عشان كدا أول ما شوفته بالمنظـ ـر دا متحملـ ـتش وقلبي و’جعني وحسيت إن الدنيا أسو’دت فوشي، الأتنين غا’ليين علينا كلنا وأخواتنا، متخا’فيش هما الأتنين هيقو’موا ويبقوا بخير ويفرحونا برجعتهم.
أبتسمت أبتسامة خـ ـفيفة وهي تنظر إليه طوال الوقت تستمع لهُ وترى التشابه بينهما، شعرت بالإنجذ’اب إليه بشكلٍ غير عادي، شعرت بالراحة معه والأ’مان برفقته، جذ’بها نحوه بأبسط أفعا’له وو’قع هو في حُبّها بأبسط الحركات، أبتسم هو كذلك إليها يبادلها بسمتها وفي هذه اللحظة بدأت قصة حُبٍّ جديدة بينهما وما بين إنجذ’ابه لها وشعورها بالرا’حة بجواره لَم يستطع كلاهما الفوه عمَّ يشعران بهِ إلى بعضهما البعض وألتزما الصمـ ـت عن البوحِ وكأن الإعتر’اف بهِ جر’يمةٌ فـ ـجة.
“وما بين وصال القهوة والعسل…
وولِدَت نكهةٌ لذيذة بين لذة القهوة وتسـ ـكير العسل”
________________________
<“كيف لسا’حرٍ ماهرٍ مثله أن ينقـ ـلب سحـ ـره عليه”>
لطالما كانت تلك هي العبارة الأشهر على مرّ السنين _إنقـ ـلب السحـ ـر على السا’حر_ كانت ومازالت أشهر عبارات تبد’ل الأمور في غمـ ـضة عين إن لَم يكُن في اللحظة ذاتها سيكون في وقتٍ آخر، ولَكِنّ في حالة “ڤيكتور” لَم ينقـ ـلب السحـ ـر عليه بل خد’مه وأكمل خـ ـط سيره مِمَّ هو قادمٌ عليه.
كانوا يجتمعون في منزل “آلبرت” في جو’ف الليل كعادتهم، يلتفون حول بعضهم البعض في دائرة كبيرة تجمع الجميع، مصا’صي الد’ماء … المستذ’ئبين … السحـ ـرة … الشيا’طين، الدائرة الأخـ ـطر على مر العصور تشكَّلت وأكتملت في أكثر أوقاتهم المفضّلة، أبتسم “كين” وأفتتح ذاك المجلس بقوله الهادئ:
_أنا اليوم سعيدٌ وبشـ ـدة يا رفاق، أكتملت دائرة النها’ية أخـيرًا والتي ستقـ ـضي على شيراز نها’ئيًا هي وأمثالها القذ’رة.
_نعم يا صاح أنت محق، ستنـ ـتهي هذه الملعو’نة أخيرًا وينتـ ـهي معها شـ ـرها.
كانت هذه إجابة “ميشيل” على حديثه وسريعًا أند’مجوا جميعهم مع بعضهم البعض في الأحاديث الكثيرة التي أخذوا يثر’ثرون فيها، فيما كانت “إيميلي” تقف في عا’لمٍ آخر ترى عِدة أشياءٍ تحد’ث في هذه اللحظة وترى حقا’ئقٌ لَم يكُن أحدٍ مِنهم على در’ايةٍ كافية مِنها.
نظرت إليهم حيث بدأوا يخـ ـططون إلى أولى خطواتهم وهي فقط ما يجول أمام ناظريها مشهد محاولة قتـ ـل كلًا مِن “يـوسف” و “بـشير” الذي كان مـ ـغيبًا عن الواقع.
_لا نستطيع التحرك خطوة واحدة الآن.
أوقفت حديثهم بهذه العبارة وهي تنظر في أوجه الجميع دون أستثناء لترى إمارات التعجب والحـ ـيرة هما المسيـ ـطران عليهم الآن لتقوم هي بتوضيح الأمر لهم حينما قالت:
_”جـعفر” و “بـشير” كلاهما الآن في حا’لةٍ خـ ـطيرة، “بـشير” تغيَّـ ـب عن الو’عي مِن قِبَل شخصٌ في حارتهم يتا’جر في المواد المخد’رة يُدعى “فـتوح” هو مَن وضع المخد’ر في كوب العصير الخاص بـ “بـشير” وحينما أرتشفه هو تد’مر كل شيء تغيـ ـب عقـ ـله عن الو’عي وأستغـ ـل هذا الحقـ ـير الوضع وثر’ثر بعدة كلماتٍ سا’مة تد’فع الآخر إلى قتـ ـل “جـعفر” وهذا ما حد’ث أستطاع فعل ذلك ضر’به بمِد’يته وبعدها حاول قتـ ـل نفسه وقام بضر’ب نفسه كذلك ولَكِنّ منعـ ـه أخيه وصديق “جـعفر” مِن طـ ـعن نفسه مجددًا، الوضع الآن خطـ ـيرًا رأيت ذلك متأ’خرًا.
_مـاذا؟! ولِمَ لَم يخبرنا “سـراج” هذا اللـ ـعين، تـ ـبًا.
هد’ر بها “كين” بنبرةٍ غا’ضبة ومنـ ـفعلة فيما نظرت هي إلى الجميع ومِن ثم ألقـ ـت قنبـ ـلتها الثانية في أوجههم قائلة:
_الكا’رثة الثانية أن “شيراز” الآن ستقابلني في منزلٍ مسكو’ن لأمرٍ ها’م ويجب عليّ الذهاب الآن
_”إيميلي” هل جُـ ـننتي يا امرأة؟ هل تعلمين ما تقولينه أم أن أحدهم أسقـ ـط عـ ـصا حد’يدية على ر’أسكِ!.
مِن جديد يهـ ـدر في وجهها بنبرةٍ أشـ ـد غـ ـضبًا وعـ ـنفًا عن زي قبل ليتقدم مِنها بخطى وا’سعة ثم وقف في موا’جهتها وهتف بنبرةٍ حا’دة وهو يشير إليها قائلًا:
_هذه الحقيـ ـرة ستقوم بإستغلا’لكِ بسـ ـببها “أديتي” تصا’رع المو’ت الآن و “ويسلي” سيقتـ ـلنا جميعًا إن ر’حلت وأنتِ الآن ستذهبين إليها بقد’ميكِ، ستذهبين إلى المو’ت أيتها المجـ ـنونة ماذا حدث لكِ “إيميلي”.
_سأفعل الصواب يا “كين” حتى وإن كانت حياتي فد’اءًا لذلك فسأفعل، ثمة صوتٌ بدا’خلي يخبرني أن أذهب فلن أخـ ـسر شيئًا بعدها، سأذهب ولا أريدكَ أن تقـ ـلق بشأني، سأكون بخير ولَكِنّ هذا مِن أجل سلا’مة الجميع يا عزيزي، لا تقلـ ـق سأكون بخير.
أنهـ ـت حديثها وهي تنظر إليه ببعض القلـ ـق حينما رأت الغضـ ـب والر’فض باديًا على معالم وجهه ونظرته لتيقن أنها ستحتاج إلى بعض الوقت حتى تقوم بإقنا’عه عن فعل هذا مهما كلـ ـفها الأمر.
وفي مكانٍ آخر بعيـ ـد كل البُعـ ـد عنهم.
حيث منزلٍ أشبه ما يقال عنه مسكو’نًا.
ولجت “إيميلي” إلى الدا’خل وهي تنظر حولها بنظراتٍ ثا’قبة متر’قبة ما يحد’ث حولها حيث المنزل المظـ ـلم والملـ ـيء بالأتر’بة والوبا’ر، رأت جسـ ـدًا يقف بعيـ ـدًا عن مر’ماها لتيقن أنها “شيراز” ولذلك تقدمت مِنها بخطى هادئة وبدا’خلها صوتٌ يحسها على الإكمال، وقفت خـ ـلفها مباشرةً لتبتسم الأخرى بعد أن شعرت بها.
_كُنْتُ أعلم أنكِ ستأتين “إيميلي”، لَم تخـ ـيبي ظنوني يا امرأة.
نطـ ـقت بها “شيراز” مبتسمة الوجه ثم ألتفتت إليها بكامل جسـ ـدها لتتثنى لها رؤيتها بشكلٍ أوضح، فيما كانت “إيميلي” تنظر إليها وهي حتى هذه اللحظة تجـ ـهل سـ ـبب مجيئها لمقابلتها وحدها في هذا المنزل الذي أقل ما يقال عنه أنه مسكـ ـونٌ، أخذت “شيراز” نفـ ـسًا عمـ ـيقًا ثم زفـ ـرته قائلة مبتسمة الوجه:
_والآن يا عزيزتي، أريد أن أتحدث معكِ وأخبركِ بشيءٍ ها’مٍ وبشـ ـدة وأنتِ منذ هذه اللحظة المنصتة فحسب أتفقنا.
_______________________
<“تخـ ـطيط شيـ ـطانٍ رجـ ـيم يعـ ـيش و’سط الأُناس”>
كان يجلس في محله كما أعتاد وهم يلتـ ـفون حوله يستمعون إليه وسط غو’مة الهواء الأبيـ ـض المحـ ـيط بهم بسـ ـبب لُفا’فات تبـ ـغهم وغيره، أخذ نفـ ـسًا عمـ ـيقًا مِن لُفا’فا تبـ ـغه دا’خل ر’ئتيه ثم زفـ ـرت بعـ ـمقٍ وقال بنبرةٍ جا’مدة:
_كدا فُل وياسمين علينا يا جا’مدين، لا مِن شاف ولا مِن دري الحتـ ـة اللي جابها “حد’يدة” دي عا’ل العا’ل حبة قد رشة الملح أتحطوا فـ العصير طيـ ـروا عـ ـقله وخلّوه فالعا’لم الموازي، ولسه تحـ ـقيق وسين وجيم وحبـ ـس يعني كدا “جـعفر” نقدر نقول عليه إن لله وإنا إليه راجعون، الفاتحة على رو’حه يا رجا’لة مقدمًا لحد ما يجيلنا خبر مو’ته أكيد.
وبالفعل قاموا بقرأة سورة الفاتحة على رو’حٍ ظنوها فا’رقت الحياة ورحلت عن عا’لمهم وكأن حـ ـقها ر’حل معها وحياتهم ستسير كما يريدون، لا يعلمون أن هذه ما هي سوى بداية جحـ ـيمهم وأن بفعلتهم تلك فُتِحَت عليهم أبو’اب جـ ـهنم أجمع، مسـ ـحوا بكفوفهم على وجوههم فور أن أنهـ ـوا قرأتها ليلتفت “عـصفورة” بجسـ ـده إلى “حد’يدة” الما’ثل على الجهة الأخرى وقال:
_المفروض دلوقتي بقى نعمل إيه؟.
ر’مقه الآخر نظرةٍ ذات معنى وأبتسم إليه بسمة الذ’ئب الجا’ئع لينظر أمامه نظرةٍ ملـ ـيئةٍ بالمكـ ـرِ والخبـ ـث قائلًا:
_هنعمل كل خير طبعًا هو إحنا عمرنا ما عملنا حاجة غير الخير، أتفرج يا حبيبي وهتشوف بنفسك إيه اللي هيحصل.
على الجهة الأخرى في الحارة.
وصل “رمـزي” ليتقابل مع “ثُريا” التي خر’جت سريعًا مِن محلها حينما رأته يمر مِن أمامه لتوقفه بنداءها إليه، فيما توقف هو وألتفت إليها بكامل جسـ ـده لتقف هي أمامه قائلة بنبرةٍ مـ ـليئةٍ بالخو’ف والقلـ ـق على ولدها الثانِ بالنسبة إليها بعد أن قامت برعايته منذ الصغر وإحتو’اءها إليه حينما كان يتشا’جر مع “جميلة” وتقوم بمعا’قبته وطر’ده مِن المنزل والمـ ـبيت في الشارع، كانت تأ’ويه في منزلها بجوار و’لدها وتو’فر إليه جميع سُبُـ ـل الراحة:
_طمني يا ا’بني على ا’بني، هو كويس دلوقتي أنا عمالة أتصل بـ “حـسن” الشبكة مش مجمعة خالص وقلبي وا’كلني عليه أوي الساعة داخلة على ١٢ أهي وهيبدأ يوم جديد وأنا معرفش إيه اللي جر’ى، طمني عليهم هما الأتنين الدكتور قال إيه ولا إيه اللي حصل.
حينها ر’حم قلبها المتأ’كل على شقيقه وصديق طفولته وعلى شا’بٍ رآه صالحًا وطيب القلـ ـب لا يعلم شيئًا عن الغد’ر، قـ ـرر تهـ ـدأة رو’حها وإخماد نيرانها بكلماته التي كانت كقطـ ـع الثلج الصـ ـقيع في فصل الشتاء يسـ ـقط على مشعـ ـل النيران يطفـ ـئها ويبر’د سخو’نتها:
_الحمد لله قدر ولطف، الأتنين خر’جوا ودخلوا العنا’ية المركزة الدكتور قال لازم يفضلوا فيها لحد ما يعدي ٢٤ ساعة يعدوا فيها مرحلة الخـ ـطر والأ’جهزة الحيو’ية بتاعت الجسـ ـم تشتغل بشكل طبيعي وبعدين هيخر’جوا، هو بس اللي خا’يفين مِنُه دلوقتي “بـشير”.
بداية حديثه أرا’حتها بشكلٍ ملحوظ صدر على ليـ ـن معالم وجهها ثم عاد الخو’ف ينهـ ـش قلبها بعد أن أخبرها عن خو’فهم مِن هذا الشاب المسـ ـكين لتسأله هي عن السـ ـبب بقلبٍ ملكو’م لأجله ليأتيها الردّ مِنهُ قائلًا بنبرةٍ مر’هقة:
_خا’يفين القلـ ـب يقف تاني، وقف مرتين مرة هنا ومرة فأوضة العـ ـمليات، لو فضل يقف كتير مش هيكون كويس عشانه وهيأ’ثر عليه بشكل ملحوظ، أدعيله يا أم “حـسن” أدعيله لعل ربنا يستجيب دعواتك ويقومه لأخواته اللي قلبهم محر’وق عليه.
آ’لمها قلبها حينما أستمعت إلى حديثه لتبا’در في دعاءها وتدرعها إلى المولى عز وجل الذي هو على كل شيءٍ قدير، زفـ ـر هو بعمـ ـقٍ ثم أستأذنها وتوجه إلى منزله بعد أن سمحت إليه وعادت مِن جديد إلى محلها ولسا’نها لا يتوقف عن ترديد الأدعية إليهما، فيما ولج هو إلى شقته ليسمع صوت القرآن الكريم يصدر مِن الراديو الذي كان يعـ ـلو الطاولة متوسط الحجـ ـم بصوت الشيخ مشاري.
حا’لة هدوءٍ تسكن المكان هي الأقرب والأحب إلى قلبه في مثل تلك اللحظات، نز’ع حذ’اءه ثم توجه أولًا إلى المرحاض يغتسل، فتـ ـح صنبور المياه وقام بغر’ف المياه بكفيه وأ’لقاها على وجهه عِدة مراتٍ كي يستفيق مِن حالة الكسـ ـل والثقـ ـل التي أقتـ ـحمت جسـ ـده دون سا’بق إنذ’ار ليكون الشيـ ـطان في هذه اللحظة هو البارع والمتحـ ـكم بهِ ولَكِنّهُ يعلم ذلك جيدًا ولذلك خر’ج وهو يُمسك المنشفة يجـ ـفف وجهه وهو يستعيذ بالله.
توجه إلى الغرفة وولج ليرى زوجته تجلس على المقعد وتتلو آيات الذِكر الحكيم مِن المصحف الشريف ليقرر عد’م مقا’طعتها وتوجه يطمئن على صغيرته التي كانت تغـ ـط في ثباتٍ عميـ ـقٍ تحلُم أحلامًا ورد’ية ثم بعدها توجه إلى خزانته يخر’ج ملابس أخرى نظيـ ـفة ليقوم بإغلا’ق الخزانة ويلتفت إلى زوجته التي أنهـ ـت تلاوتها وتركت مصحفها لتنظر بعدها إليه قائلة بنبرةٍ هادئة:
_حمدلله على سلامتك يا حبيبي أتأ’خرت أوي.
أقترب مِنها بخطى هادئة ليترك ثيابه على الفراش ثم أنحنى بجذعه العـ ـلوي نحوها يلثم رأسها بقْبّلة حنونة ثم جلس على طر’ف الفراش ونظر لها بمعالم وجهٍ مر’هقة ومتـ ـعبة وقال:
_الله يسلمك مِن كل شـ ـر يا حبيبتي، أعمل إيه بس ميصحش أسيـ ـبهم فظرف زي دا، حا’لتهم صعـ ـبة أوي ووالدته بصراحة و’جعت قلبي هي وأخته حا’لتهم أصعـ ـب مِمَّ توقعت، وو’اجع قلبي وقلوب حبايبه كلهم معاه بصراحة أنا سبحان مَن صبرني فالموقف دا بجد أنا لحد دلوقتي مستغرب ثبا’تي دا، مشهد الأتنين مش مفا’رق د’ماغي وكأني شايفهم قدام عيني دلوقتي وصوت صر’يخ كل واحدة، لا يا “تـسنيم” حـ ـقيقي صعـ ـب.
أعتدلت هي في جلستها ثم ضمت كف يده بين كفيها الدا’فئين تمسّد عليه برفقٍ ثم نظرت إلى وجهه وقالت بنبرتها الهادئة والد’افئة:
_ربنا أنز’ل عليك السـ ـكينة في اللحظة دي وأداك القو’ة اللي تخليك لسه واقف على رجلك لحد دلوقتي عشان تو’اسيهم وتطمن قلوبهم التعبا’نة المرعو’بة على ولادهم، إيه يا “رمـزي” هو أنا اللي هقولك يعني يا حبيبي ما أنتَ عارف، وبعدين ربنا كبير وقا’در على كل شيء يُحـ ـيي العظا’م وهي ر’ميم، ربنا يهون عليهم ويبر’د نا’رهم يارب ويطمنهم عليهم سوى ويرجعولنا بالسلامة تاني، دا مِن ساعة اللي حصل والحارة سا’كتة ومضـ ـلمة وكأن ميـ ـتلها ميـ ـت، واللهِ صدق اللي قال عليهم ولا’دها.
أنهـ ـت حديثها وهي تنظر إليه لترى إنغلا’ق جفنيه وترا’خي جـ ـسده لتقوم بالضـ ـغط على كفه برفقٍ حتى يستـ ـفيق وتُعيد حديثها مِن جديد قائلة بنبرةٍ هادئة:
_قوم يا حبيبي خُد شاور عشان جسـ ـمك يهـ ـدى وتعالى أرتاح شوية أنتَ مش قا’در تسـ ـند طولك كتر خيرك معاهم بقالك ٥ ساعات وكدا كدا مش مسمو’ح غير بمرافق واحد يعني كلهم هيرجعوا وهيفضل معاهم واحد بس ممكن تبدلوا مع بعض عشان برضوا ميبقاش الحِمـ ـل كله على واحد بس، قوم يلا.
نهضت بعد أن أنهـ ـت حديثها تحـ ـسه على النهوض ليخضـ ـع لها وينهض وهو يكاد لا يعـ ـي لِمَ يحدث حوله فقـ ـد خا’رت قو’اه وأر’هقه التعـ ـب وبلـ ـغ أشـ ـده لتأخذ هي ملابسه وتتوجه معه نحو المرحاض وهو مستسـ ـلمًا تمامًا لِمَ يحد’ث، وصلا إلى المرحاض ليتر’كها ويولج مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه فيما كانت هي ستولج إلى المطبخ لإعداد وجبةٍ خفيفة يتناولها قبل نومه ولَكِنّ قا’طعها رنين هاتفه الذي صد’ح عا’ليًا في الخارج.
توجهت نحو الخا’رج لتقترب مِن الطاولة بخطى هادئة تأخذ الهاتف الذي كان يعلـ ـو رنينه لترى إسم “مُـنصف” يترا’قص على شاشة الهاتف ولذلك لَم تستغر’ق كثيرًا وأجابته قائلة:
_السلام عليكم ورحمة الله، أيوه أنا، بخير الحمد لله فنعيم الله، هو يعني مبقالهوش كتير لسه داخل البيت دلوقتي، تمام حاضر هبـ ـلغه أول ما يخر’ج لأنه بياخد شاور دلوقتي، تمام شكرًا يا أستاذ “مُـنصف”.
أنهـ ـت حديثها المتهذب معه ثم أنهـ ـت المكالمة وألتفتت تنظر إلى باب المرحاض وما أخبرته بهِ كان صحيحًا فقد أخبرها أنه الوحيد الذي سيرافق رفيقيه هذه الليلة وأخبرها كذلك عن عودة الجميع إلى منازلهم حتى يأتي صبيحة يومٍ جديدٍ عليهم حافلًا بالأخبار السارة والمبهجة بعد أن أُتـ ـعبت القلوب وأُر’هقت العقو’ل.
________________________
<“السكوت عن الحـ ـق شيـ ـطان أخـ ـرس”>
فـي صـبيحة الـيوم الـموالي.
كان “جـاد” جالسًا أمام غرفة العنا’ية المركزة ينتظر الإطمئنان على استقـ ـرار حا’لة “بـشير” الذي حتى الآن كانت نبـ ـضات القلب منتـ ـظمة بشكلٍ طبيعي وقد حمد الله أنه تخـ ـطى مرحلة الخطو’رة وأصبح الوضع فقط مسألة وقتٍ لا أكثر، مسـ ـح بكفه على وجهه مستغفرًا ربه ثم أنتصـ ـب في وقفته وتقدم مِن النافذة الز’جاجية ليرى ابن عمه ورفيق رو’حه مازال ملتزم الفراش منذ ليلة أمس لَم يتغـ ـير شيئًا، وعلى الجهة الأخرى كان “بـشير” على نفس الوضعية ألا مِن ولوج بعض الممرضين والطبيب المشرف على حالته بين الفينة والأخرى للأطمئنان على حالته الصحـ ـية والجسـ ـدية.
أنتشـ ـله مِن بقـ ـعة شروده رنين هاتفه الذي تعا’لى في جيب بنطاله يعلنه عن أتصالٍ مِن زوجة عمه، أجابها بنبرةٍ هادئة وقال:
_أيوه يا مرات عمي، أنا فالدور التاني يا حبيبتي، أنتِ فين طيب وأنا هجيلك … تمام يا حبيبتي خليكي وأنا جايلك.
أنهـ ـى حديثه معها ثم أقـ ـفل المكالمة وتحرك للأخذ بزوجة عمه التي فقـ ـدت الطريق في الوصول إلى و’لدها، أقترب مِنها لتعـ ـلو الإبتسامة ثغره قائلًا:
_ما أنا قولتلك التاني إيه اللي جابك الرابع بس.
أخذ بيدها لترافقه هي في السير قائلة:
_معرفش بقى د’ماغي مش فيا مِن خو’في عليه طول الليل معرفتش أنام خالص، حاسة إن لو عيني بس غفـ ـلت ثانية هيحصـ ـل حاجة، و “مـها” كانت برضوا زيي بس الحمد لله “سـراج” جه وقعد معاها لحد ما نامت غـ ـصب عنها.
_هيفو’ق وهيبقى زي الفُل متخا’فيش عليه أنا عارف “يـوسف” شـ ـديد مِن يومه ومبيستـ ـسلمش على طول بيحب يكسب ويكمل، أنا واثق فيه واللهِ وعارف إنه هيقو’م ويبقى بخير وزي الفُل.
هكذا كان جوابه عليها مطمئنًا إياها، وحينما وصلا إلى غرفة العنا’ية وجدا الطبيب مع “يـوسف” يفحصه بعد أن بدأ يستعيد و’عيه تدريجيًا، وحينما وقفت أمام النافذة الز’جاجية ورأت جفـ ـنيه يتحركان تهـ ـللت أساريرها وتملّـ ـكتها السعادةِ وتبد’ل حالها في طُر’فة عينٍ لتعلـ ـو الأبتسامة ثغرها وهي تحمد ربها وتشكره بفرحةٍ بعد أن ألتمعت العبرات في مُقلتيها.
أبتسم كذلك “جـاد” بسعادةٍ كبيرة حينما رأى رفيقه أستيقظ مِن جديد وقد رأى الطبيب يحادثه ويطمئن عليه ويقوم بإلقا’ء العديد مِن الأسئلة على مسامعه، ضمها “جـاد” إلى أحضانه وهو مبتسم الوجه وقد تغـ ـللت الراحة صد’ره ليسمع هاتفه يعلنه عن أتصالٍ هاتفي مِن زوجة ابن عمه الما’ثل في الداخل ليجيبها مبتسم الوجه قائلًا:
_أيوه يا “بيلا”، “يـوسف” فا’ق دلوقتي، أيوه واللهِ والدكتور معاه دلوقتي أهو بيتطمن عليه، ماشي خـ ـلّي بالك مِن نفسك.
أنهـ ـى المكالمة معها ثم عاد يتابع ابن عمه بعينيه حتى خر’ج الطبيب بعد بضع دقائق إليهم ليقترب مِنهما بخطى هادئة حتى توقف أمامهما وقال بنبرةٍ هادئة مبتسم الوجه:
_الحمد لله هو كويس وزي الفُل وأعضا’ء جسـ ـمه الحيو’ية أشتغلت كويس أوي وحالته تطو’رت بشكل ملحوظ مِن بليل للصبح هو بس المشـ ـكلة الوحيدة اللي هيوا’جهها هو الجر’ح لمَ يبدأ يلـ ـم هيحتاج بس عنا’ية بشكل مستمر أنا فهمته إنه هيعا’ني شوية بسـ ـببه بس الحمد لله هو زي الفُل أهو هنبعتله ممرضتين يشيـ ـلوا الأ’جهزة مِن عليه وهناخده على أوضة عادية.
أطمئن قلبهما عليه لتشعر “شـاهي” بالراحة الشـ ـديدة تغمـ ـر صد’رها وهي ترى و’لدها بدأ يتعا’فى مِمَّ جال بهِ ومعها “جـاد” الذي أعـ ـتلت الإبتسامة ثغره وشعر بالإطمئنان على رفيقه، وقبل أن يتر’كهما وير’حل أو’قفه “جـاد” بسؤاله على “بـشير” قائلًا:
_طب معلش يا دكتور ممكن تطمنا على حالة “بـشير” يعني في تحسن زي “يـوسف” ولا إيه الدنيا.
توقف الطبيب مرةٍ أخرى أمامهما وعدل مِن وضعية نظارته الطبية وقال بنبرةٍ هادئة:
_في الحـ ـقيقة حتى الآن “بـشير” حا’لته لسه مش مسـ ـتقرة آه القـ ـلب بقاله كام ساعة شغال تمام الحمد لله بس لسه مازلنا خا’يفين، في أحتمالية القـ ـلب يرجع يقف تاني، بس بنتمنى بصراحة إنه ميقفش لأن دا هيسـ ـبب مضا’عفات لِيه، بس الحمد لله على كل حال أحسن مِن ناس بكتير ومِن هنا لحد ما الوضع يتحسن هنشوف.
أنهـ ـى حديثه ثم تركهم وذهب لتعود “شـاهي” بنظرها تستقر على و’لدها الذي حرك رأسه نحوهما ليرى السعادة تتقافـ ـز مِن مُقلتي والدته وابن عمه الذي أشار إليه بإبهامه مبتسم الوجه ليبتسم إليهما أبتسامة وا’هنة.
أبتسمت إليه بحنوٍ ثم قامت بإرسال قْبّلة هو’ائية إليه ليبتسم إليها برفقٍ مِن جديد وهو يشعر بترا’خي جسـ ـده وكأنه تخد’ر مرةٍ أخرى، زفـ ـر بعـ ـمقٍ وأغـ ـلق جفنيه وصوت نبـ ـضات القلب نا’بعًا مِن الجها’ز الما’ثل بجواره يصدح في أركان الغرفة.
وبعد مرور خمسة عشر دقيقة.
وصلت “بيلا” إلى المشفى ومِن ثم توجهت إلى الطابق الثانِ حيث غرفة العنا’ية المركزة، وحينما وصلت بخطى واسعة تكاد تكون أشبه للركض وقفت أمام النافذة الز’جاجية لترى فراش زوجها فا’رغًا، عقدت ما بين حاجبيها ونظرت حولها وهي متعجبة مِن عدم تواجده بالداخل.
_يا ربي هيكون راح فين بس.
همـ ـست بها وهي تنظر حولها بخو’فٍ حينما جا’لت بخا’طرها الأفكار السو’د’اء التي لا نها’ية لها ولذلك حينما رأت إحدى الممرضات أوقفتها بنبرةٍ متلـ ـهفة:
_أستني، هو المر’يض اللي كان هنا راح فين؟
نظرت الممرضة إلى الدا’خل حيث الفراش الفا’رغ ثم نظرت إليها وقالت بنبرةٍ هادئة تطمئنها:
_آه قصدك الأستاذ “يـوسف عدنان”؟.
_أيوه هو.
_الأستاذ “يـوسف” فا’ق وخرج كمان وراح أوضة عادية هتلاقيه فأوضة ٦٥ الدور التالت على إيدك اليمين.
شكرتها “بيلا” ثم أطمئنت على أخيها أولًا ثم بعدها ذهبت إلى زوجها بخطى واسعة تزا’منًا مع إز’دياد نبـ ـضات قلبها دا’خل قفـ ـصها الصد’ري فهي مازالت تخشى عليه ولن تهـ ـدأ رو’حها إلى حينما تراه يتحدث ويطمئنها بنفسه أنه بخيرٍ وأن الخطو’رة التي كانت تهـ ـدد حياته لَم يعُد لها أ’ثر.
ولجت دون أن تطرق على الباب لتتوجه الأنظار لها مِن بينهم هو، هو الذي حينما رآها أمامه أطمئن قلبه وهـ ـدأت رو’حه وخمـ ـدت أصوات رأسه، فيما طا’لعته هي بعينين ملتمعتين ثم أغـ ـلقت الباب خـ ـلفها وبدأت تقترب مِنهُ بخطى هادئة، تراه يبتسم لها حتى تطمئن عليه، بالطبع قرأ ما يخـ ـلد في ذهنها فهي بالنسبة إليه كتابًا مفتو’حًا يستطيع قراءة ما يدور بدا’خل رأسها وما تفكر بهِ وكذلك ما تشعر بهِ حينما يحد’ث شيئًا ما معهم.
نهض “جـاد” الذي كان يجلس على الجانب الأيمن لهُ حتى يترك لها فرصة الأطمئنان على زوجها مبتعـ ـدًا عن مر’ماها، أقتربت مِنهُ وجلست أمامه على طر’ف الفراش تنظر إليه بعينين ملتمعتين تراه يجاهـ ـد آلا’مه حتى لا يخيـ ـفها خصيصًا حينما بدأ يبطـ ـل مفعو’ل المخد’ر، لَم تستطع أن تظل بعيـ ـدةً عنه أكثر مِن ذلك ولذلك أر’تمت بأحضانه تعانقه واضعةً رأسها على صدره تنعم بد’فء أحضانه التي حُرِ’مَت مِنها دون سا’بق إنذ’ار.
فيما ر’فع هو ذراعه الأيمن وضمها إلى أحضانه ممسّدًا على ظهرها بحنوٍ كعادته حتى تطمئن أنه مازال بخيرٍ ولَم يصيـ ـبه مكـ ـروه، سمحت لعبراتها بالسقو’ط على صفحة وجهها وهي تشعر بالرا’حة قد عادت إليها حينما رأته بخيرٍ أمامها، أقترب “جـاد” مِن زوجة عمه ثم أنحـ ـنى بنصفه العلـ ـوي نحوها وهمـ ـس بجوار أذنها:
_مرات عمي “بيلا” مش لازم تعرف دلوقتي حاجة عن حا’لة “بـشير” هتتـ ـعب مرة تانية ويمكن أكتر مِن المرة اللي فاتت كمان، لو سألت عليه نقولها إنه كويس وكلها مسألة كام ساعة بس مش أكتر.
حركت رأسها برفقٍ تؤ’كد على حديثه ليسـ ـتقيم هو مجددًا في وقفته ينظر إلى ابن عمه الذي كان يتحدث مع زوجته ويطمئنها أنه بخيرٍ حتى تهـ ـدأ رو’حها مِن ذاك العذ’اب المُلا’حق إليها دومًا.
في حارة درويش.
كان “أكرم” يقف أسفـ ـل بِنْايته ينتظر شقيقته التي ستذهب معه إلى المشفى حتى تطمئن على أخيها الصغير، سَمِعَ صوت “فـتوح” يعلـ ـو يخبر الصـ ـبية بنقـ ـل أغرا’ضه إلى الجهة الأخرى حيث المكان المحبب إلى “يـوسف” ويُفضل دومًا الجلوس بهِ حتى يستطيع رؤية الجميع ومشا’كستهم.
_يلا يا ا’بني أنتَ وهو أنقـ ـلي كل الإ’زاز والحاجات دي هناك كدا خلّي الناس تشوف شغلنا الحمد لله النحـ ـس أتفـ ـك وربك هيكرمنا مِن الوا’سعة.
ر’مقه نظرةٍ قا’تلة بطر’ف عينه وهو يرى الصبـ ـية بالفعل ينقلو’ن الأغراض نحوه حيث كان هو يقف في ذاك المكان ليأتيه صوت “فـتوح” مِن جديد يقول:
_على جنب يا ريا’سة عشان نشوف شغلنا بقى ونشـ ـم نفـ ـسنا شوية الحمد لله الحارة نضـ ـفت وهديت على الآخر.
أنتفـ ـخت أود’جته وأ’علن الحر’ب على الجميع وقبل أن يتحرك ويند’مه على تفوهاته تلك منـ ـعته يدٌ قو’ية، توقف مكانه وألتفت ينظر إلى الفاعل ليراه “لؤي” هو الذي منـ ـعه مِن فعل أي شيءٍ، شعر “أكرم” بالغضـ ـب يتفا’قم بدا’خله ليسمع “لؤي” يقول بنبرةٍ حا’دة وهو ير’مق الآخر بنظراتٍ قا’تلة:
_متا’كلش هم ولا ترد عليه وتعمله قيمـ ـة عشان الأشكال اللي زي دي متستا’هلش إننا نضـ ـيع ثانية واحدة مِن وقتنا عشانه، سـ ـيبه وخلّي صاحب الردّ هو اللي يردّ، يلا عشان هو فا’ق دلوقتي خلّينا نتطمن عليه وبعدها نتطمن على “بـشير”.
_بس أنا عايز أردّ عليه، عايز أكـ ـتمه ابن الـ*** دا كل ما تحصله مصـ ـيبه يسو’ق العو’ج علينا وإحنا نسكوت.
_مين قالك إننا هنسكوت، الردّ هيعجبك لو كان على رواقة يا باشا سيبه بس يهو’هو دلوقتي مع نفسه، مبنردش على الأشكال اللي زي دي دلوقتي.
وبعد عِدة محاولاتٍ تحرك “أكرم” معه بعدما أقتربت مِنهُ شقيقته على مـ ـضضٍ وهو ير’مقه بحـ ـقدٍ متو’عدًا إليه بالو’يلات حينما يعود برفيقيه إلى الحارة، فيما هاتف “لؤي” صديقه “حـسن” وأخبره أن رفيقهم قد أستفاق أخيرًا حتى يذهب إليه ويطمئن عليه.
_________________________
<“صاحب الحـ ـق واحد وأصحاب السـ ـلطة كثر”>
كان يجلس في غرفته الموسيقى تصد’ح عا’ليًا مِن سماعة الأذن التي كان يرتديها يقوم بضر’ب كيس الر’مال القابع أمامه بغـ ـلٍ كعادته فهذا الشا’ب الو’حيد بينهم أجمع مَن ورث غـ ـلظة أبيه وحِد’ة طباعه وحُبّه كذلك للنسا’ء، توقفت الموسيقى بسـ ـبب ذاك الإتصال الذي أتاه ليفـ ـصله عن متـ ـعته وإند’ماجه، زفـ ـر بضـ ـيقٍ وأقترب مِن هاتفه الذي كان يعلـ ـو الطاولة ليرى المتصل “ناريمان” تلك الفتا’ة التي تعرف عليها منذ عِدة أشهرٍ في النادي الذي يذهب لهُ دومًا حينما سـ ـكبت عليه كوب النسكافيه السا’خن دون قصدٍ مِنها ليقوم هو بالصرا’خ عليها ونعـ ـتها _بالغبـ ـية السا’ذجة_ لتحاول هي الإعتذار مِنهُ عِدة مراتٍ حتى وافق هو على مـ ـضضٍ ثم بدأت رو’حه الصبيا’نية بالظهور لتبدأ في تنفيـ ـذ دورها على أكمل وجه.
نز’ع قفازيه وأ’لقاها على الأريكة بإ’همالٍ ثم أخذه مجيبًا عليها بأنفا’سٍ لا’هثة قائلًا:
_على طول مبو’ظة مودي وفا’صلة متعـ ـتي، نفسي تتصلي مرة فالوقت الصح بس هقول إيه غير إنك فصـ ـيلة.
أتاه ضحكتها التي تعا’لت على حديثه لتقول بنبرةٍ ضاحكة:
_مبقاش “ناريمان السيد” يا أستاذ، أنتَ بتغـ ـلط فيا على فكرة وأنا لن أسمـ ـح.
_لا هتسمـ ـحي عادي.
ردّ عليها بتخا’بثٍ كعادته ليأتيه الردّ مِنها حينما قالت:
_هنشوف وكلمتي اللي هتمـ ـشي يا “أمـير” ووريني هتعمل إيه، المهم مش دا موضوعنا إحنا خارجين بليل نسهر جاي ولا إيه الدنيا.
_طبعًا يا بنـ ـتي هاجي أنتِ بتقولي إيه بس، نتقابل على ١٠.
وبعد أن أتفقا سويًا على الموعد أغـ ـلق المكالمة ثم ألتفت خلـ ـفه ليرى أخيه يقف على باب الغرفة ينظر إليه، كالعادة يعلم ما هو مقبلٌ عليه ولذلك تجا’هله وتوجه إلى كيس الر’مل حتى يُكمل ما يفعله، فيما زفـ ـر “نـادر” بضـ ـيقٍ بعد أن أستمع إلى حديثه ليولج مغـ ـلقًا الباب خـ ـلفه وبدأ يتقدم مِن أخيه الذي عاد يلكـ ـم كيس الر’مل مِن جديد ليقف بالقرب مِنهُ مستندًا على الطاولة خـ ـلفه يعقد ذراعيه أمام صد’ره.
دام الصمـ ـت بينهما كل ما يُسمع صوت الضر’بات على الكيس، دقائق معدودة مرّت ليقـ ـطع “نـادر” هذا الصمـ ـت قائلًا:
_هتفضل طا’يش كدا لحد أمتى يا “أمـير”.
_حاجة تخصـ ـني، خلّيك فنفسك أحسن.
ردّه كان و’قحًا على الجميع دومًا، لَم يحتر’م مَن هم أكبر مِنهُ سنًا بل يز’داد في وقا’حته دون أن يو’قفه أحدهم عن فعل ذلك، تغا’ضى “نـادر” عن ذلك حتى لا يقتـ ـله وقال بنبرةٍ با’ردة:
_طب أعمل حسابك إنك هتيجي معايا بليل.
_ودا أمـ ـر بقى يعني و’جب عليك تؤ’مر وو’جب عليا الطا’عة ليه، شايفني خد’ام عندك.
أشعـ ـل فتـ ـيلة غضـ ـبه في لمـ ـح البصر ليتحرك “نـادر” بحركةٍ شبه عنيـ ـفة يوقفه عن ما يفعله ليد’فعه بحد’ةِ طفـ ـيفة بيديه قائلًا بنبرةٍ حا’دة:
_آه يا “أمـير” و’جب عليك الطا’عة إذا كان عاجبك.
حافظ الآخر على تو’ازن جسـ ـده ليقف أمامه النـ ـد بالنـ ـد ينظر إليه ويتحـ ـداه بقوله الحا’د كذلك:
_وأنا مش مجبـ ـر على حاجة وكله بكيـ ـفي ومش هروح فحتة أنا عندي خروجة بليل مش فا’ضيلك.
_لا تفكـ ـس خالص للخروجة دي عشان أخوك أهم مِنهم بقاله يومين مر’مي فالمستشفى بين الحيا’ة والمو’ت وأنتَ قاعد حاطط إيديك فالميَّـ ـة البا’ردة.
التمر’د هو لعبته المفضلة دومًا ولذلك أتخذه مو’ضع دفا’عٍ إليه ليقف أمام أخيه يصر’خ بهِ قائلًا:
_أخويا؟! صدقت نفسك ولا إيه يا “نـادر” ولو هو أخويا أنا مالي بيه ما يو’لع يا عم دا إحنا لسه عارفينه مِن أسبوع بقى أخويا اللي مِن أبويا، مش مجبـ ـر أروح لحد خر’جني بره الليلة دي أنا طاو’عتك المرة اللي فاتت بكيـ ـفي بس مش كل مرة هتسـ ـلم الجَر’ة مش هييجي أهم مِن صحابي عايز تروح روح أنتَ كفاية إني سمحتلك تديهم فلوسنا.
_أخـرص.
صر’خ بها تزامنًا مع صـ ـفعه إليه بقو’ةٍ ليحوم الصمت المكان فجأ’ة بعدها بينهما، الصد’مة والتفا’جؤ مِن “أمـير” الذي كان متفا’جئًا بشـ ـدة والغضـ ـب الشـ ـديد مِن “نـادر” الذي طفـ ـح بهِ الكيل مع هذا الشا’ب الطا’ئش الذي لا يقد’ر عليه أحد في هذا البيت، لحظة جنو’نية تلـ ـبسته تـ ـخفي معها ما سيحدث بعدها وما هو ردّ هذا الشاب الطا’ئش على أخيه الكبير الذي كان يود في هذه اللحظة قتـ ـله أو تأ’ديبه مرةٍ أخرى حتى يشعر بغيره ويقد’ر أوجا’عهم وحز’نهم.
مرحبًا بالخلا’فات وإختلا’ف الآراء ومرحبًا بالمشـ ـكلات والصر’خات فقد حان دوركِ لتو’لي مهـ ـمتكِ المفضلة بينهما.
“حينما تشـ ـتد الريا’ح وتقتـ ـلع الأشجار..
وحينما يتمر’د الشا’ب ويخر’ج عن طو’ع أخيه،
وجب عليه الضغـ ـط على زر الإنذا’ر وإيقا’فه عن أفعاله قبل فوا’ت الأو’ان.”
____________________

google-playkhamsatmostaqltradent