رواية لأجلك انت الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم وداد جلول
عقدُ قِران
"حسناً إذاً ألم تشتاقي لي ياسمية هانم"
ضحكت سمية على جملة ابنتها وقد شاركها هشام لتتحدث بحنان:
"اشتقت إلى جميلتي بحجم السماء، متى سأفرح بكِ"
تذكرت آسيل كلام آسر عندما حدثتها والدتها بهذه الجملة، لتسرح بملامحه وعلى محياها ابتسامة بلهاء، بينما هشام وسمية نظرا لها بتعجب على حالها ومن ثم نظرا لبعضهما بعدم فهم، تحدثت سمية وهي تلوح بيدها أمام وجه آسيل لتقول:
"هيييي أين سرحتي يا فتاة؟ هل وقعتي بالحب أم ماذا"
التفت آسيل لوالدتها لتتحدث ببلاهة:
"ها حب ماذا أمي؟ لا لا لست واقعة لأحد اطمئني"
صمتت سمية واكتفت بابتسامة بسيطة بينما آسيل عبست ملامحها وقد تذكرت شيء لتردف:
"هل تريدين التخلص مني وتزويجي بسرعة ها"
تحدثت سمية بسرعة:
"لا لا أنا لم أصدق متى عدتي إلي، لا أريد التخلص منكِ، هيا انهضي وبدلي ثيابكِ من أجل أن أطعمكِ بيدي"
ابتسمت آسيل بحماس لتقول:
"أجل أجل أريدكِ أن تطعميني بيدكِ حسناً سأنهض"
نهضت آسيل بسرعة بالغة متوجهة لغرفتها وكلها اشتياق لأيامها الماضية بهذا المنزل، بينما سمية ارتاح قلبها عندما رأت ابنتها أمام عيناها، أما هشام فقد كان يتنهد بقوة ويتصارع بأفكاره، أيحدثها بالرجوع أم ينتظر قليلاً بعد؟ ولكنه لم يعد يطيق الانتظار، اشتاق لها ويريدها له، انتشله من أفكاره صوت سمية لتقول له:
"أين وجدت آسيل ياهشام"
أجاب بهدوء:
"لقد جائني اتصال اليوم من قبل ضابط ويدعى آسر وقال لي بأنه يعرف آسيل، وهو من استقبلها في بيته وحماها وبعدها سفرها إلى تركيا خوفاً عليها من زوجها لإنه علم بكل شيء عنها، وذهبت اليوم أنا وهو وجلبناها"
ابتسمت سمية لتقول:
"أريد أن أشكر ذلك الضابط على معروفه"
تنهد هشام ليقول:
"حسناً أتوقع بأنكِ تعرفينه هو يكون صديق الضابط يوسف ذاك الشاب الذي كان مسؤول عن قضية شهد"
تمعنت به لتتحدث باهتمام:
"اها أظن بأنني رأيته فقط لمحة صغيرة، حسناً لا بأس"
حرك هشام رأسه موافقاً ولم يتحدث بشيء، فقط ظل يحدق بها مطولاً وقد انتبهت هي إلى نظراته ولكنها أشاحت بنظرها عنه بتوتر ظاهر عليها، تنهد هشام بقوة ونهض ليجلس بجانبها، تجرأ ومد يده على وجنتها ليمررها بهدوء وهو ينظر لها بهيام، بينما هي كانت متوترة جداً، لا تعلم أتبعده أم تظل ساكنة لكنها ظلت صامتة ولم تبدي أي ردة فعل سوى التوتر، ابتسم لتأثيره عليها وظل ينظر لها ويمرر يده على وجنتها، ابتلعت سمية ريقها لتتحدث بتوتر:
"ااا هشام هذا لا ينفع"
تحدث هشام بهدوء:
"إذاً بعدكِ عني ينفع مثلاً"
التفتت له ونظرت لعيناه لتتحدث بتوتر:
"لا أريد أن أتحدث بهذا الموضوع"
ظل على حاله ليقول:
"لماذا تهوين تعذيبي سمية"
نظرت له نظرة حزن لتقول:
"أنت من عذبتني وليس أنا"
تحدث بنبرة حزن:
"كنت مجبور على ذلك"
أشاحت بوجهها عنه وصمتت بينما هو أردف لها:
"عودي إلي سمية أرجوكِ أنا أحبكِ كثيراً صدقيني"
نظرت له بصدمة ولم تستوعب ماقاله، رمشت بعيناها عدة مرات ونهضت واقفة لتقول وهي تتهرب منه:
"اا ولكن أنا لا أحبك"
أمسكها من معصمها ليقول بتحدي:
"كاذبة فعيناكِ تقول غير ذلك"
أشاحت بوجهها عنه ولم تتحدث بينما هو اقترب منها واشتم رائحة عطرها التي تسكره، زفر براحة وكأنه استنشق عطر الجنة، بينما هي كادت تفقد حصونها أمام لمسته وقربه منها، حاولت التملص منه ولكنه كان محكم قبضته عليها، أدار وجهها إليه ليتقابلا عيناهما وينظران لبعضهما بحب ظاهر عليهما، لم تشأ سمية أن يتركها ولكنها كانت تفكر بعقل، هي تريد تعذيبه قليلاً ولكنها دائماً ما تضعف أمامه، ظلت تنظر له ولملامحه التي تعطيه جاذبية خاصة وقدر حقيقي من الوسامة، فـ برغم كبر سنه وعمره الذي تجاوز الثالث والأربعين إلا أنه مازال وسيماً ولا يبدو عليه الكبر، بينما هو كان ينظر لها بحب وهيام، شعر بنفسه بأنه سينجرف بمشاعره، يريد أن يبتعد عنها ولكن قلبه يأبى ذلك كحالها هي، لم يعلم كيف تجرأ واقترب ليلتقط شفتيها ويقبلها بهدوء وحب بالغ، بينما سمية كانت مغيبة عن الوعي من قبل أن يقبلها، لذلك استسلمت لقبلته وبادلته فوراً، كان هائماً بها، يكاد لا يصدق بأنها بين يديه، يزداد تعلقه بها يوماً بعد يوم، لم يتذوق شفاه كشفاهها، بينما هي كانت مغيبة عن عالمها تماماً وهي تقبله، ابتعدا قليلاً عن بعضهما وألصق جبينه بجبينها لينظر لها بعشق، ولكن هي لم تتجرأ على فتح عيناها من شدة خجلها منه، ابتسم لخجلها وتحدث بأنفاس لاهثة:
"هل تتزوجيني"
فتحت عيناها على وسعها عندما نطق بكلمته ولم تعرف بماذا تجيب ليردف لها:
"ماذا قلتي هل تتزوجيني"
نظرت له مطولاً وهي غير مصدقة، لا تعلم كيف تضعف أمامه بهذا الشكل الكبير، تتسائل لما ظلت على حبها وعشقها له، ظنت بأنها بزواجها من وسيم ستنساه وستتعلق بوسيم، ولكن لم يحصل أبداً، كانت تقنع نفسها فقط بأنها تحبه ولكن هي تحب زوجها السابق، كحال وسيم الذي كان يقنع نفسه بأنه يحب سمية ولكنه كان يحب ابنتها، هي تريده وتريد العودة إليه، ولكنها خائفة أن يتكرر نفس الموقف، ولكن لحظة! لما سيتكرر؟ ولما تخاف؟ الذي كان السبب ببعدهما عن بعضهما قد سجن فلماذا تخاف ولماذا تقلق؟ ابتلع هشام ريقه وظن بأن بصمتها هذا هي غير موافقة، نظر لها نظرة ترجي لتبتسم له وتحرك رأسها موافقة، اتسعت ابتسامته وكاد يطير من فرحته، حملها ودار بها وسط ضحكاتهما وكأنهما مراهقان يجددان شبابهما، انزلها على الأرض ليحتضنها بقوة ويدفن وجهه برقبتها ليشتم عبيرها الذي يعشقه حد النخاع، فصلا العناق ليتحدث هشام بابتسامة واسعة:
"غداً سنقيم الزفاف ما رأيكِ"
نظرت له بحاجبين معقودين لتقول:
"لا، لا أريد زفاف فقط سنكتفي بعقد قراننا"
امتعض ليتحدث:
"ولماذا ها؟ سنقيم حفل زفاف وأنا من سيقرر"
همهمت سمية وأمسكت بياقة قميصه لتتحدث بدلع:
"حسناً لا مانع لدي ولكن يجب عليك أن تنتظر شهران أو أكثر وستكون هدأت الأحوال، أنت تعلم ما الذي حدث بأخر فترة لذلك انتظر قليلاً"
نظر لها وكاد أن يبكي ليقول باستنكار:
"سمية حبيبتي لا أريد حفل زفاف فليذهب للجحيم الزفاف، حسناً سنتزوج غداً ًونعقد القران ها اتفقنا"
ضحكت ضحكة رنانة لتقول:
"حسناً كما تشاء"
ابتسم لها بحب ليتحدث:
"ًتعالي لنخبر آسيل، ستفرح كثيراً بهذا الخبر"
حركت رأسها ليهمان بالخروج من الصالة ولكن آسيل قد سبقتهما ودخلت قبلهما لتعقد حاجبيها باستغراب وتقول:
"ماذا يحدث؟ هل وافقت سمية هانم عليك يا سيد هشام أم أنها مازالت تكابر"
أنهت جملتها بابتسامة مكر لتجحظ عينان سمية ويضحك هشام بشدة على جملتها ويحدثها من بين ضحكاته:
"حسناً بنيتي باركي لنا سنعقد قراننا غداً أنا ووالدتكِ، ما رأيكِ"
قفزت آسيل من سعادتها لتقول:
"حقاً؟ يبدو أن وجهي خير عليكما، لقد أتت السعادة منذ عودتي إليكما، كم أنا جميلة وكيوت"
أنهت جملتها بغرور وبساطة لينفجرا والديها بالضحك عليها، اتسعت ابتسامتها لتقفز عليهما وتقوم باحتضانهما بسعادة بالغة ليبادلانها الحضن بفرحة كبيرة.
ها قد عاد شمل العائلة ولكن هل ستكون آسيل سعيدة معهما أم ستشعر بنقص من بعدها عن ذلك المغرور؟ لا أحد يعلم.
_________________
استيقظ آسر متأخراً على غير عادته، فقد قضى في الأمس ليلة طويلة مع الرفاق بالشرب والسجائر وغيرها، التفت للساعة ليراها قاربت على الثانية عشر ظهراً، زفر بضيق واتجه إلى الحمام لفعل روتينه اليومي وخرج بعد دقائق ليرتدي ثيابه متجهاً لعمله، تنهد بضيق عندما مرت بباله تلك الفتاة التي تعذب فؤاده، مازال يفكر بها والأصح مازال يفكر بطريقة ما لكي يعيدها إليه ويقنعها به، غير ذلك بأنه قد وضع حارس أمام منزلها لكي يراقب تحركاتها ويأتيه بأخبارها كلها، توجه للأسفل بعد أن ارتدى بذلته ليرى الشبان الثلاثة مجتمعين بالصالة، عقد حاجبيه باستغراب فقد ظن أنهم رحلوا منذ زمن ولكن أخطأ ظنه، ألقى عليهم تحية الصباح وجلس معهم، تحدث باسل موجهاً حديثه لآسر:
"هل ستذهب للعمل"
حرك آسر رأسه بإيجاب ولم يتحدث ليردف باسل:
"إذا لم يكن لديك عمل فلتبقى اليوم لا داعي للذهاب لإن يوسف لن يذهب اليوم"
تنهد آسر بقوة ليقول:
"ليس لدي عمل ولكنني سأشعر بالملل إذا بقيت في المنزل"
تحدث ليث بسخرية:
"يارجل وماذا نفعل عندك نحن"
أجاب آسر:
"ظننتكم رحلتوا، لما لم ترحلوا"
امتعضت وجوههم ليتحدث يوسف بغيظ:
"أيها اللعين هل تطردنا مثلاً"
حرك آسر رأسه موافقاً بابتسامة مستفزة ليزفر باسل بقوة ويقول:
"بالمناسبة ليلة أمس كنت تهذي باسم آسيل، من تكون تلك الفتاة"
امتعض وجه آسر واحتدت ملامحه عندما ذكر اسمها ليجيب بغضب مكتوم:
"لا شأن لك"
تحدث ليث بابتسامة مكر:
"هل البارد اللعين واقع في الحب"
نظر آسر له بحدة وزفر بضيق ولم يتحدث ليصدح صوت رنين هاتفه ويجيب ببرود:
"ماذا تريد"
تحدث العسكري برسمية عبر الهاتف:
"سيدي هناك شاب قد سلم نفسه، هو متورط بجريمة حرق رجل منذ عدة أيام والآن جاء ليسلم نفسه وقد قمنا بسجنه ريثما تأتي"
تحدث باهتمام:
"ما اسمه"
أجاب العسكري:
"وائل عبد الرحمن"
جحظت عينان آسر وقد تذكر أمر زوج آسيل، انتفض من مكانه ليحدث العسكري:
"حسناً أنا قادم"
أغلق هاتفه وتوجه مسرعاً لسيارته متوجهاً إلى القسم بينما الشبان تعجبوا من حاله ومزاجه المتقلب ولم يعلموا ما الذي حدث معه، زفر يوسف بقوة ليقول:
"ماذا عن الفتيات؟ لقد ظلتا بمفردهما في المنزل ولم نطمئن عليهما"
تحدث باسل بعفوية:
"مم حسناً فلنذهب إليهما بما أن آسر قد ذهب"
همهم يوسف وحرك رأسه بإيجاب موجهاً نظره لباسل الذي كان يحاول أن يبدو طبيعياً وليس له أي غاية من ذهابه إلى هناك، تحدث يوسف بإيجاب:
"حسناً هيا بنا وسنتناول الفطور معهما، ولكن ماذا عن والدتك يا باسل"
تحدث باسل بسرعة:
"لا تقلق بشأن والدتي فخالتي عندها الآن، لقد حدثتها منذ قليل وقالت لي هكذا"
حرك يوسف رأسه بإيجاب وتوجهوا ثلاثتهم لمنزل يوسف.
بينما آسر كان يقود بأقصى سرعة ليصل إلى الفرع، لم يمر بضع دقائق حتى وصل حالاً، هبط من سيارته متوجهاً بسرعة إلى مكتبه ليدخل إليه العسكري، وجه آسر نظره له ليقول:
"هل جلبتم الجثة"
تحدث العسكري بإيجاب:
"أجل سيدي وقد عرضناها على الطبيب الشرعي وفحصها وتبين لنا بأن الجثة قد مضى على حرقها مدة عشرة أيام تقريباً"
همهم آسر ليقول:
"وهل تأكدتم من هويته"
تحدث العسكري:
"أجل سيدي جثة رجل يدعى عماد"
حرك آسر رأسه بإيجاب ليقول:
"وأين الجثة الآن"
تحدث العسكري:
"في المستشفى سيدي، لم نستطع تغسيل جثته لإن نصفها تحولت لرماد"
حرك آسر رأسه بإيجاب ليأمر العسكري بالانصراف وجلب وائل إليه، لم يمر دقائق حتى دخل العسكري وبرفقته وائل الذي كان مكبل الأيدي، خرج العسكري وبقي وائل، ظل آسر ينظر إليه مطولاً، لا يعلم لما تملكه الغضب عندما تذكر حبه الأعمى لآسيل، لا يريد أن يشاركه أحداً بحبه لها، أقسم في نفسه بأنه سيأخذ لها حقها، كونه هو من أخذها وظلمها وأوسعها ضرباً، فلن يتهاون معه أبداً، تحدث آسر بجمود موجهاً حديثه لوائل الذي كان يقف ببرود ليقول:
"تعال واجلس"
لم يعترض ولم يغير من ملامحه فقد توجه للكرسي وجلس بصمت، أردف آسر له:
"كيف حرقت ذلك الرجل"
تحدث وائل يبرود:
"لقد سكبت عليه البنزين وأشعلت الكبريت وحرقته"
همهم آسر ليتحدث:
"مم ولماذا"
تنهد وائل ليقول بجمود:
"انتقاماً لزوجتي"
ظل آسر على بروده ليقول:
"وماذا حدث لزوجتك"
تحدث وائل:
"جعلوني أشكك بها وبأخلاقها وكانوا يريدون تهريبها ليسفروها بعيداً عني وغير ذلك والدتي جعلتها توقع على ورقة طلاقها"
همهم آسر ليقول:
"إذا خسرت زوجتك تحرق رجل مثلاً"
تحدث وائل بلا مبالاة:
"أحرق الجميع أيضاً من أجلها"
ابتسم آسر بسخرية ليقول:
"ولما لم تحرق الطرف الثالث الذي هو أحلام إذاً"
نظر وائل له بصدمة، كيف له أن يعلم بأمر أحلام؟ ومن أين علم؟ وما شأنه بالموضوع أساساً؟ صدم من حديثه ولم يعرف بماذا يتحدث ليردف آسر ببرود:
"لا داعي للصدمة يا سيد وائل، فا أنا أعلم بالقصة كاملة، وأعلم من تكون زوجتك وأعلم بكل شيء، لا داعي لاستجوابك إذاً، ستوفر علي مجهود كبير"
مازالت الصدمة ملجمة على وائل، لم يستوعب شيء، تحدث بعدم فهم:
"كيف لك أن تعرف كل شيء؟ ومن أين تعرف زوجتي"
تحدث آسر باستفزاز:
"كانت زوجتك، الآن لم يعد يوجد بينكما أية صلة تذكر"
احتقن وجه وائل ليقول بغضب مكتوم:
"لا شأن لك فقط قل لي من أين تعرف آسيل"
ابتسم آسر بسخرية ليقول:
"عندما هربت منك وجدتها أنا ومكثت عندي قرابة الشهر ومن بعدها سافرت والآن عادت لوالديها سالمة غانمة"
كان يستمع بعدم استيعاب، صدم من كلامه، لو كان يعلم بأن آسيل قد عادت ماكان سيسلم نفسه، بل كان سيعود لاختطافها ويسافر بها بعيداً عن كل شيء، أدمعت عيناه ولم يتحدث بشيء، بينما آسر كان يتابعه ويتابع نظراته وحركاته ليردف له:
"هل تحبها"
هبطت دموع وائل ليبتسم ابتسامة سخرية وسط دموعه ويقول:
"أكثر من أي شيء"
تحدث آسر بجمود:
"لقد سألتها نفس السؤال وقد قالت لي في وقتها بأنها لم تحبك بل أحبت معاملتك معها، ولكنك ظلمتها واتهمتها بالباطل لذلك بعدها عنك كان عقابك"
نظر له وائل ولم تتضح الرؤية عنده بسبب دموعه ليقول بضعف:
"ولكنني رأيت كل شيء بعيني، لم أكن أعلم بأن والدتي ستكون لعينة وتتهم آسيل بالباطل"
تنهد آسر ليقول:
"لا أعلم إنه القدر"
ابتسم وائل بسخرية ليقول:
"و يا لسخرية القدر"
كان آسر وجهه خالي من التعابير، جامد، بارد، لم يتعاطف معه رغم أنه يعلم بأنه يحتاج الآن للشفقة لإنه خسر كل شيء وسيقضي عمره كله في السجن، ولكن آسر كان حاقد عليه كونه تسبب بكل هذه المأساة لآسيل، وعلى من نكذب فهو أيضاً سبب لها الوجع وقد عانت الفتاة من الجميع، قرر آسر بأنه لن يؤذي وائل ولن يعذبه، سيكتفي بتحويله إلى المحكمة ومن بعدها سيتولون أمره بأنفسهم، وعندها ستكون آسيل له هو فقط.
____________________
تمشي في طريقها وهي شاردة الذهن، مصدومة من الذي حدث في غيابها، لا تعلم كم الألم الذي عانته صديقتها في غيابها، لم تصدق عندما علمت من والدتها بأن شهد قد تعرضت للأغتصاب من قبل سهيل، بكيت بحرقة عليها، كانت تريد أن تذهب لها منذ ليلة أمس ولكن والدتها منعتها وأمرتها بأن تتريث للصباح الباكر فقط، لم تنم طوال الليل وهي تفكر بوجع صديقتها، أحست بنفسها كم هي سيئة لإنها تركتها وحيدة، ولكن قدر وحكم عليها لذلك لا داعي لإن تلوم نفسها، كلتاهما تعرضتا للأوجاع والآلام.
وصلت إلى منزل صديقتها لتقرع الجرس وكلها شوق لها، لم تمضي ثواني حتى فتحت لها تلك الفتاة البريئة بوجهها الملائكي وملامحها الجذابة، تلاقت عيونهما ببعضهما، ابتسمت شهد بسعادة عندما رأت صديقة عمرها واقفة أمامها، احتضنتها بشدة وبادلتها آسيل العناق بشوق بالغ، ظلتا مدة قصيرة ومن بعدها دخلتا للداخل، كانت شهد بمفردها بالمنزل، جلست آسيل أمامها وبدأت بالبكاء من دون سابق إنذار، تعجبت شهد من بكائها وهي تحاول تهدأتها، تحدثت آسيل من بين دموعها:
"سامحيني شهدي، أنا السبب بكل شيء، أنا من تركتكِ بمفردكِ"
نظرت لها شهد وقد فهمت ماتقصده صديقتها، ابتسمت بسخرية وتحدثت:
"لا حبيبتي أنتِ لا شأن لكِ، بل هذا ما كتب علي"
نظرت لها آسيل بضعف لتنظر لها شهد بانكسار، كلتاهما تتألمان من وجع ما، ولكنهما الآن قد أصبحتا سوياً لذلك لن يوجد للحزن مكان بينهما، ابتسمت شهد بسعادة كي تغير مجرى الحديث وتقول محتضنة آسيل:
"لقد اشتقت لكِ كثيراً جميلتي"
ضحكت آسيل ضحكة صغيرة لتبادلها العناق وتقول:
"وأنا أيضاً شهدي"
ظلتا على عناقهما مدة ليست بطويلة، ابتعدتا عن بعضهما لتقول شهد:
"ها آسيل، حدثيني ما الذي حدث معكِ؟ وهذه اللعينة زوجة أبيكِ ماذا فعلت لكِ"
تنهدت آسيل بقوة ومن بعدها بدأت تسرد عليها جميع الأحداث التي سبق وحدثت معها، حتى أنها حدثتها عن آسر لتتوسع شهد عيناها وتقول:
"يا إلهي لقد رأيت هذا الذي يدعى آسر برفقة يوسف في المستشفى، اها وماذا حدث بينكما قولي لي آسيل هيا قولي"
أنهت جملتها بابتسامة حماسية لتضحك عليها آسيل وتحدثها بكل شيء عن آسر، شهقت شهد عندما أخبرتها بأنه قبلها، ولكنها عادت وضحكت لتقول بشغب:
"وبماذا شعرتي ها ها"
عبست ملامح آسيل وضربتها ضربة خفيفة على كتفها لتقول:
"أيتها الحمقاء اصمتي لا أريد سماع صوتكِ"
ضحكت شهد لتقول:
"هل وقعتي بالحب يافتاة"
همهمت آسيل وتحدثت:
"لا، أقصد أجل، لا لا أقصد أجل أنا أحبه كثيراً شهدي"
ضحكت شهد عليها ضحكة قوية، لم تكن تعلم بأن صديقتها عندما خاضت مغامرتها قد خاضت تجربة الحب أيضاً، تحدثت من بين ضحكاتها:
"أيتها الحمقاء الحب ظاهر في عينيكِ، لا داعي للكذب"
نظرت لها آسيل وابتسمت ابتسامة واسعة، ولكن ما لبثت إلى أن تحولت هذه الابتسامة إلى ابتسامة شر لتقول بتشفي:
"ولكن لم أريه شيئاً بعد، سأجعله يندم على تركي وحيدة، سأريه"
نظرت لها شهد بعيون جاحظة وقد تحدثت بخوف مصطنع:
"أعانه الله عليكِ"
عبست آسيل لتقول:
"اصمتي"
ضحكت شهد لتقول بحماس:
"بالمناسبة لقد أصبح لدي صديقة جديدة، سأعرفكِ عليها تدعى ماريا وتكون شقيقة يوسف ذلك الضابط الذي يكون قريب آسر"
تحدثت آسيل بحزن مصطنع:
"هل استبدلتني فوراً؟ أكرهك بشدة وبهمزة وبكسرة"
ضحكت شهد على جملتها لتقول بوجه بريئ:
"لا حبيبتي أنا لا أستبدلك أبداً، أنتِ الأساس ومن بعدكِ يأتي الطوفان"
ضحكت الفتاتان وقد عادت السعادة إليهما من جديد، ستخوضان الحياة بتجارب مختلفة ومواقف مختلفة لتريان ما الذي سيكون بانتظارهما من مزيد إن كان السيء أم الجيد.
_________________
جالسين في صالة المنزل، كل منهم صامت لا يتفوه بحرف، يجلسون بملل واضح عليهم ولكن ليس باسل الذي يمل من حبيبة قلبه، كان ينظر لها وهو سارح بملامحها الطفولية، يتابع حركاتها البريئة والعفوية، ابتسامتها الشغوفة وضحكتها الرنانة، يتابع أدق تفاصيلها، بينما ليث كان يتابع رنيم ولكن رنيم لم تعره أي اهتمام، كان يفكر كيف سيرضيها وسيملك قلبها، كحال باسل الذي يفكر بطريقة ما كي يقنع ماريا بفكرة زواجه منها، بينما يوسف كان شارد الذهن يفكر بشهد، كيف سيعترف بحبه لها وكيف سيقنعها به؟ ثلاثتهم يفكرون بملكات قلوبهم، وجه باسل حديثه لماريا:
"كيف حال جامعتكِ ماريا؟ هل تدرسين"
لم تنظر له فقط أخفضت رأسها خجلاً منه، لا تعلم لما يتملكها الخجل عندما يحدثها هو بالذات، تحدثت بصوتٍ خافت:
"بخير مم أجل أدرس"
همهم لها ليقول:
"جيد بالتوفيق"
نظرت له نظرة خاطفة وابتسمت ابتسامة صغيرة ليبادلها الابتسامة وتشيح بنظرها عنه فوراً، بينما رنيم كانت تتأفأف بملل لتقول بضجر:
"ماريا لقد مللت أوف"
نظرت لها ماريا ببرائة لتقول:
"وأنا أيضاً"
تدخل يوسف بالحديث:
"
مم تشعران بالملل؟ حسناً ماريا هاتفي شهد لتأتي إلى هنا كي تعرفيها على رنيم وتجلسن سوياً، ها ما رأيكِ"
تحدثت ماريا بغرور:
"مم لا لقد حدثتها منذ قليل وقالت لي بأن صديقتها قد عادت وهي جالسة برفقتها الآن"
همهم يوسف ليقول:
"حسناً فلتأتي هي وصديقتها"
تأفأفت ماريا لتقول:
"لا لا لا أنتم شبان ولا يجب أن تجلسوا مع الفتيات، لن أدعها تأتي إلى أن ترحلوا"
امتعض يوسف ليقول:
"أيتها الحمقاء ها هي رنيم تجلس بيننا، لما شهد بالذات لا تريدين أن تجلس معنا"
تحدثت ماريا بغرور:
"أخاف عليها منك"
تدخل ليث بالموضوع ليقول:
"من تكون شهد أيضاً؟ في الأمس آسيل واليوم شهد ماذا يحدث"
كانت ماريا ستتحدث وتفضح أخاها ولكنه أسرع وأطبق فمها بيده وهي تهمهم بعصبية ليقول:
"أيتها الغبية أقسم إذا نطقتي بحرف سأزوجكِ للرجل الذي يأتي كل يوم ويأخذ القمامة من هنا، هل تفهمين"
نظرت له وهمهمت وحركت رأسها بإيجاب لتقول:
"أيها الأحمق"
تحدث يوسف من بين أسنانه:
"اصمتي وإلا سأزوجكِ به"
نظرت له وقد أوشكت على البكاء لتقول:
"لا أريده عاااااا"
بكت بكاء مصطنع وقد طرش يوسف بمعنى الكلمة من صوتها ليصرخ بها:
"اصمتي"
صمتت فوراً عندما سمعت صراخه ليتحدث بنبرة أمرة:
"هاتفيها هيا"
تدخل باسل ليقول:
"من هو الذي ستزوجها به"
تحدث يوسف باستفزاز:
"لا شأن لك"
ابتلع باسل ريقه بتوتر وظن بأن يوسف يتحدث بمحمل الجد، بينما رنيم وليث كانا يكتمان ضحكتيهما وماريا تجلس كالبلهاء لاتفهم شيء، حمحم باسل ليقول:
"أنا برأيي ماريا مازالت صغيرة على الزواج، أليس كذلك ماريا"
نظرت له ماريا وحركت رأسها بابتسامة حماس ليبادلها الابتسامة، بينما يوسف قرر أن يلعب بأعصاب باسل ليقول له باستفزاز:
"ممم حسناً وأنا الذي كنت أريدك أن تخلصني منها وتأخذها وتتزوجها كي أرتاح منها، حسناً حسناً سأدبر لها عريس آخر، ما رأيك أنت يا ليث"
كاد باسل يشق نفسه من شدة غبائه ورنيم نظرت ليوسف بحدة بينما ليث انفجر ضاحكاً على منظر باسل ورنيم، تحدث باسل بتوتر:
"حسناً لا مانع سأخلصك منها سأخذها لا بأس"
أنهى جملته ووضع يده خلف رقبته بعفوية بينما يوسف همهم له بابتسامة مكر، أما عن ماريا فكادت تنفجر من شدة خجلها، عضت على شفتها السفلى من شدة خجلها وقد انتبه باسل على هذه الحركة، شعر بأنه سينفجر وشعر بالحرارة تسري في جسده، تنهد بعدم راحة ونهض بسرعة البرق متوجهاً للخارج تحت نظرات التعجب من الجميع، تنهد باسل عندما خرج من المنزل بأكمله، لفح الهواء وجهه وأخذ نفس عميق ليزفر بقوة، لم يعلم لما تصرف هكذا، فقط شعر أنه بحاجة للهواء، للعزلة، للوحدة، يريد أن يتألم من حبها ولكن بعيداً عن أنظار الجميع، لا يريد الشفقة من أحد، فقط يريد شفقتها وإحساسها بقلبه، ولكن هيهات فهي بعيدة كل البعد عنه، لا تشعر به، لا يعلم أيخبرها أم لا، يخاف أن ترفضه، هو ليس مستعد لصدمة أخرى منها، سيحاول أن يمهد لها، ومن بعدها سيشجع نفسه ويعترف لها بحبه، شعر بأن هناك أحداً خلفه ليستدير ويراها هي أمامه، قلبه يكاد ينفجر، سيخرج من مكانه، نظر لها مطولاً وهي كانت تنظر للأرض لتقول بصوتٍ ناعم:
"اا ما بك؟ لما خرجت فجأة؟ هل حدث معك شيء"
صوتها تغلغل لمسامعه، يشعر بأن صوتها سمفونية عذبة الألحان، لا يستطيع تمالك نفسه، سينقض عليها لا محالة، حمحم بتوتر ليقول:
"يحدث معي كل شيء"
نظرت له بتعجب ولم تفهم مقصده ليبتسم ابتسامة سخرية ويقول:
"أعلم بأنكِ لم تفهمي قصدي"
تحدثت بتوتر:
"لا أعلم ما الذي تقصده ولكن الجميع يسأل عنك في الداخل هيا تعال"
نظر لها بحزن، يكاد يبكي من غبائها، كيف لها أن لا تفهم عليه؟ كيف لها أن تعذبه هكذا؟ ولكن مهلاً! هو لم يعترف لها بشيء، ولم يحدثها بشيء، فكيف لها أن تنتبه لحبه لها، زفر بقوة وتوجه خلفها للداخل ليدخلان اثناهما ويجلسان في مكانهما، ما إن رأى ليث ماريا وهي تدخل حتى وجه حديثه ليوسف:
"اا يوسف هل بإمكاني أن أتحدث مع ماريا قليلاً"
نظر له يوسف بحاجبين معقودين ليقول:
"ولما"
تحدث ليث بتلعثم:
"اا فقط هناك موضوع أريد أن أحدثها به"
همهم يوسف وأشار لهما بالانسحاب دليلاً على موافقته، توجها الاثنين تحت نظرات رنيم المشتعلة ونظرات باسل الحزينة، لم يتفوه أحدهما بحرف فقط اكتفيا بالصمت، بينما ليث وماريا كانا يجلسان في حديقة المنزل، كان ليث يحاول جمع الكلام ليتحدث ولكن ظل يزفر بقوة، تعجبت ماريا من حاله لتقول:
"ما بك يا أخرق؟ هيا تحدث ما هو الموضوع الذي تريد أن تحدثني به"
تنهد بقوة وتحدث:
"الموضوع من أجل رنيم"
همهمت ماريا لتقول:
"حسناً ما بها"
تحدث ليث:
"أريد أن أتزوجها"
تعجبت ماريا لتقول:
"حسناً وما شأني أنا؟ إذهب وحدثها بذلك الشيء"
تحدث ليث بغيظ:
"أيتها الحمقاء اسمعيني جيداً، أنتِ تعلمين بكل شيء حدث معي في السابق من أجل رنيم، وعندما عدت إلى باريس ورأيتها وجدتها مازالت تتبارد علي وتغيظني بتجاهلها، لذلك أحببت ان أشعرها بالغيرة قليلاً وقلت لها بأنني سأخطب ولكن هي لم تبدي أي ردة فعل، أجل أعلم بأن هذا التصرف خاطئ ولكن صدقيني أنا فعلت كل هذا من أجل أن تشعر بي، أرجوكِ ساعديني"
كانت تستمع له بتركيز واهتمام، همهمت ووضعت إصبعها أسفل ذقنها دلالة على أنها تفكر بشيءٍ ما لتقول:
"الذي فعلته خطأ"
نظر لها بغيظ ليقول:
"أجل أعلم لذلك أريدكِ أن تساعديني، أريد أن أتزوجها"
صفقت ماريا بمرح لتقول:
"هيييي سنحضر حفل زفافكما أليس كذلك"
تنهد ليث بحنق ليقول بنفاذ صبر:
"أيتها اللعنة اللعينة الملعونة أفهمي، أقنعيها بي أولاً ومن بعدها تحضرين حفل زفافنا"
عبست بوجهها لتقول:
"لا تتحدث معي هكذا وإلا لن أقنعها أبداً"
كاد ليث أن ينفجر ولكنه حاول تهدأة اعصابه وتمالك نفسه ليقول:
"حسناً لن أزعجكِ ولن أضايقكِ وسأجلب لكِ التسالي فقط ساعديني"
صفقت بمرح لتقول:
"يهوووو حسناً لا تقلق سأتولى أمرها وأقنعها بك ولكنني أريد أن أرسم خطة وستتبعها معي ومن بعدها ستكون رنيم لك"
تحدث ليث باهتمام:
"ما هي الخطة"
تنهدت ماريا لتقول:
"دعني أفكر بخطة محكمة وسأخبرك لاحقاً"
ابتسم ليث ابتسامة واسعة لتبادله ماريا ويضربان بكفان بعضهما دلالة على اتفاقهما، نهضا سوياً متجهان للداخل وليث كله أمل أن تنجح خطة ماريا ليتزوج رنيم ويجعلها ملكه للأبد.
__________________
في المساء في منزل هشام يجلس بجانب المأزون من أجل عقد قرانه على سمية، لم يكن يوجد أحد فقط آسيل وسمية وشهد ووالديها، كان هشام يكاد يطير من السعادة لإنه استطاع إرجاع سمية له كحال سمية التي لم تختلف عن هشام بشيء من سعادتها وطمئنينة قلبها، بينما آسيل شعرت بالراحة والأمان، بما أن والدها سيكون بجانبها ووالدتها أيضاً فلن يعد يصعب عليها شيء، ستعيش بسعادة وهناء مع أسرتها الكاملة، وأيضاً لن ننسى وجود أولاد هشام اللذان عندما علما بأفعال والدتهما بحق أختهما لم يستطيعان العيش معها وقد عادا ليعيشان مع والدهما وقد رحبت بهما سمية وقررت بأنها ستكون الحضن الدافئ لهما وستعاملهما كما تعامل آسيل بالضبط، بينما أحلام لم تعد مثلما كانت، بعد هشام عنها جعلها تدخل بنوبات غضب، لم يعد أحد يقترب منها خصوصاً بعد أن أرسل هشام بشريط الفيديو لوالدها، وقد صدم والدها من ابنته أشد الصدمة وتبرأ منها ولم يستطع استقبالها في منزله، لذلك ذهبت وأخذت شقة بمفردها ولكن أولادها لم يتحملوها أبداً لذلك عادا لحضن والدهما، وهذا ما أثر على أحلام بشكل سلبي فأصبحت كالمجنونة وغاضبة طوال وقتها، وآخر التطورات بعث بها والدها إلى المصحة كي تتعالج من مرضها وهي الآن بالمصحة تعاني أشد المعاناة.
تمت فرحتهما وعقد قرانهما وأصبحا الآن زوجان أمام الناس أجمع، استقبلا المباركات من الجميع وهنؤوهما وتمنو لهما الحياة الأبدية سوياً، رحل الجميع ولم يتبقى سوى هشام وسمية، وقد رحلت آسيل وأخوتها مع شهد ووالديها فقط هذه الليلة، اقترب هشام من سمية وجلس بجانبها ومرر يده على وجنتها بحنان بالغ وهو يهيم بها بنظراته، بينما سمية كادت تنفجر من خجلها، ابتسم لها وبادلته ليحملها ويصعد بها إلى غرفتهما، وضعها على السرير وجلس بجانبها، اقترب منها ليطبع قبلة صغيرة على وجنتها، تحدث هشام بحب:
"وأخيراً أصبحتي لي ولم يعد هناك شيئاً يفرقنا"
ابتسمت بخجل وتحدثت:
"أسأل الله أن نظل سوياً ويجمعنا مع بعضنا إلى آخر العمر"
اتسعت ابتسامته ليقول:
"وهذا ما سيحدث بإذن الله"
لم يعد يستطيع التحمل أكثر من ذلك، أصبحت زوجته أمام الله وأمام الناس فلما الانتظار؟ اقترب منها ليلتقط شفتيها ويندمجان سوياً بحب بالغ ويهيمان ببعضهما في هذه الليلة الجامحة من بعد فراق دام سنين وها هما الآن مندمجان سوياً في عالمهما الخاص.
__________________
عند آسر في مكتبه، لم يستطع أن يذهب للبيت، من بعد قصة وائل يفكر ويفكر، يشعر به ويؤنبه ضميره لأجله، لقد ذاق العذاب مثلما ذاق آسر العذاب بألوانه، وكلاهما ذاقا العذاب من نفس الفتاة، سيحاول جاهداً أن يخفف حكمه، سيجعله يعيش، ليس مع آسيل لإن آسيل له وحده، هو أناني ولن يفرط بها أو يتركها له، ولكن سيحاول جاهداً أن يخفف عنه كونه لمس له العذر، وذاق العذاب في حياته كحاله هو، سيأخذ عقابه لإن كل من أخطئ لا بد أن يأخذ جزائه ولكن سيحاول التخفيف عنه، تنهد بقوة ليسمع صوت رنين هاتفه، أجاب مسرعاً لإنه كان ذاك الحارس الذي وضعه من أجل مراقبة آسيل، ليجييه الحارس ويأتيه بالأخبار وآخر التطورات، همهم آسر وأغلق الهاتف، والآن نقطة لصالحه، كون والد آسيل عاد لزوجته فهذا من صالحه، فرح بهذا الخبر وأقسم على أنه لن يتنازل عنها مهما حدث، زفر بقوة وأخرج هاتفه وفتح على صورتها الوحيدة التي لديه في الهاتف، نظر لها بحب وابتسم ليقول بينه وبين نفسه:
"لنرى كم من الصعب ترويضكِ يا صغيرتي الجميلة"
" غابَ عني الحزنُ ولبِستُ فيهِ لباسَ المرح
إليكِ أنتِ يا من سرقتِ ببسمتُكِ قلباً لم يرى إلا الحُزن
فـ حولتِ حُزني بلمعةِ عينكِ إلى لحظةَ فرحٍ صورتُها
بعقلي ..
أحببتُ عيناكِ وعشقتُ روحكِ ... ياملاكي "
____________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية لأجلك انت) اسم الرواية