رواية لأجلك انت الفصل السادس و الثلاثون 36 - بقلم وداد جلول
رفض ثنائي
تنهد بقوة ليقول:
"لا تغيري الموضوع وغيري فستانكِ هيا"
كزت على أسنانها لتتحدث بغيظ:
"وما شأنك أنت ها"
رفع يده ليتحسس وجنتها ومن ثم يقول:
"غيري الفستان آسيل وإلا ستصبحين من دونه بعد قليل"
ابتلعت ريقها بتوتر ولم تجبه، ليشرد هو بملامحها التي تجعله يجن، لا يعلم أين ومتى وكيف وقع بحبها، كل مايعلمه هو أنه يعشقها حد الهوس، يريدها له ويريد قربها، لعن نفسه ولعن الوعد الذي قطعه عليها، لم يعد يريد ذلك الوعد، لن يكمله سيعيدها له ويهيم بها، كما أنه يرى الحب بعينيها تجاهه، أسند جبينه على جبينها ليتحدث بغير وعي ونبرة هادئة ومتهدجة:
"حباً بالله ما الذي تفعلينه بي؟ لما لا أستطيع أن أبتعد عنكِ؟ قولي لي كيف أحظى بالرضى منكِ لأفعل المستحيل، لا أريد شيئاً سواكِ، قلبي لا يعلم غيركِ، يحبكِ بجميع حالاتكِ، كنت أموت وأتعذب كل يوم ببعدكِ عني، لعنت نفسي ولعنت ذاك الوعد الذي وعدتكِ إياه، لم أعد قادر على هذا الجفاء يا آسيل، أرجوكِ لا تعذبيني حبيبتي، أنا أريدكِ أنتِ فقط، والآن ياروح آسر وقلبه غيري هذا الفستان قبل أن أقلب هذا الحفل لعزاء وأتصرف تصرف غير لائق"
كانت تستمع له مستمتعة بحديثه الذي يجعلها تطير من السعادة، ولكن كلمتة الأخيرة جعلتها تبتسم ابتسامة صغيرة، حركت رأسها موافقة وتحدثت:
"حسناً سأغيره"
ابتسم من عيناه ليقول:
"اشتقت لكِ"
اتسعت ابتسامتها عندما سمعت هذه الكلمة ليقترب منها هو ويلتقط شفتيها برغبة وحب، بينما هي كانت تبادله وتهيم به عشقاً، ظلا على حالهما مدة ليست بطويلة ليبتعد عنها ويستند جبينه بجبينها ويحدثها بأنفاس لاهثة:
"أحبكِ"
ابتسمت بخجل ولم تنظر لعيناه لتقول:
"وأنا أيضاً"
ظل يحدق بها مطولاً وهو يسأل نفسه كيف له أن يضعف أمامها هكذا؟ هو أصلاً ًلا يفكر عندما يكون بجانبها، نظرت له نظرة ترجي لينزل إلى الأسفل تاركاً إياها بقلب ينبض بجنون من السعادة والفرح، بدلت فستانها لتلبس فستان باللون الاسود وقد كان له أكمام يصل لتحت الركبة بقليل، هبطت للأسفل لتراه واقفاً ًمع الشبان والفتيات، بينما هو نظر لها وقد شتم ولعن تحت أنفاسه لإنها تخطف الأنظار كيفما بدت، اقتربت منهم وقد تعجب الجميع من تبديلها لفستانها ولكنهم لم يعلقوا، ظل آسر ينظر لها دون أن يتفوه بحرف بينما هي تجول بنظرها بأنحاء المكان، كان الجو مليء بالرقص والمرح والسعادة، لم يتركوا شيئاً إلا وفعلوه، كانت أمسية جميلة وحفلة رائعة، وقد قضوا أجمل الأوقات، كذلك آسر الذي تحسنت نفسيته من بعد ما رأى آسيل فقد شعر بالسعادة تغمره، وها هما الآن يرقصان مع بعضهما بجو مليء بالفرح، تغمرهما السعادة ولا يريان شيئاً ًغيرها.
انتهى الحفل على خير ليعود كل منه إلى منزله، بينما آسر ودع آسيل بقلبة صغيرة ورحل، لقد طرأ تحسن كبير بعلاقتهما وها قد حان الوقت كي يطلبها للزواج وكفى انتظاراً أيضاً.
------
صباح اليوم التالي استيقظت آسيل بكل نشاط وحيوية، فعلت روتينها اليومي وهبطت للأسفل كي تتناول فطورها مع عائلتها، كانت في غاية السعادة، وقد لاحظ والديها بأنها سعيدة جداً وهذا ما أفرحهما لأجلها، لم يعلمان ما الذي حدث معها ولكنهما اطمئنا عندما رأو تغير حالتها ومزاجها، استأذنت منهم لتصعد إلى غرفتها وتقوم بتبديل ثيابها لتتوجه إلى منزل شهد.
وبينما كانت تمشي في طريقها لصديقتها وقفت سيارة أمامها، نظرت باستغراب لترى آسر هبط من السيارة متوجه إليها بابتسامة واثقة، تفاجئت عندما رأته ولكنها فرحت جداً برؤيته ليقول إسر:
"أتريدين توصيلة أيتها الجميلة"
ضحكت بخجل لتقول:
"في الحقيقة لا يا سيد آسر فها أنا قد وصلت لمنزل صديقتي"
همهم آسر وحرك رأسه بإيجاب ليمسكها من رسغها ويشدها ويركبها السيارة تحت نظراتها المتعجبة منه، توجه بها إلى منزله وقد كان يحاول كسر الصمت بينهما ويسألها عدة أسئلة عادية وغير مهمة، وصلا للمنزل ومازالت متعجبة آسيل منه، دخلا للداخل وما إن دخلا حتى أمسك آسر بآسيل وشدها إليه محتضناً إياها بكل حب واشتياق، بينما هي تعجبت كثيراً منه ولكنها ما إن أصبحت بأحضانه حتى نسيت العالم بأكمله، تحدث بصوتٍ هادئ ومازال محتضنها:
"اشتقت لكِ"
فصلت العناق قليلاً لتتحدث بابتسامة:
"وأنا أيضاً"
ابتسم لها وتحسس وجنتها الطرية ليسرح بملامحها البريئة وابتسامتها الجميلة قائلاً بحب ومن دون أي مقدمات:
"هل تقبلين الزواج بي"
لم تصدق ما سمعته، فرحت جداً عندما سمعت هذه الجملة، ابتسمت بتوسع وحركت رأسها موافقة لتتسع ابتسامة آسر ويصرخ من سعادته، احتضنته بقوة وسعادة ولكنها تذكرت شيئاً مهماً لتتحدث بهدوء وشيء من التوتر:
"ماذا عن والداك آسر"
تلاشت ابتسامته تدريجياً عندما سمعها لتعود إليه ملامح الجمود، ابتعد عنها وخطى خطوتان ليتنهد ويقول:
"انسي أمرهما، لا أريدهما في حياتي أبداً، سنعيش وحدنا أنا وأنتِ فقط"
عقدت حاجبيها بحزن لتقول:
"لماذا تقسو عليهما؟ أجل هما أخطئا في حقك ولكن يجب عليك المسامحة"
زفر يحنق ليتحدث بجمود:
"قلت لكِ أنسي أمرهما، لا شأن لكِ بهذا الموضوع"
حاولت أن تجعل الأجواء هادئة لتحدثه بابتسامة وهدوء:
"ألم تشتاق لهما؟ هما والداك يا آسر غير ذلك كيف تطلب مني أن لا أتدخل وأنا سأصبح جزءاً منك وزوجتك أيضاً"
تحدث آسر بنفاذ صبر:
"آسيل هذا الموضوع يجعلني أشعر بالضيق، لن أسامح ولن أراهما أبداً، حتى أنني لا أريدهما في حياتي ولن أعرفهما على أولادي في المستقبل"
عقدت حاجبيها بقليل من الانزعاج لتقول:
"ولكن هذا الشيء خاطئ، أنت تظلمهما هكذا"
تحدث آسر بشيء من الصراخ والغضب:
"أجل أظلمهما وهما لم يظلماني أليس كذلك؟ آسيل انسي عن هذا الموضوع نهائياً وهذا سيكون جيد لكِ"
احتدت ملامحها قليلاً لتقول:
"لا لن أنسى هذا الموضوع ويجب عليك أن تسامحهما وكل هذا لأجل مصلحتك أيضاً"
صرخ بها ليقول:
"آسيل اصمتي ولا تتحدثي معي هكذا، لست أنا الذي يطيع أوامر أحد هل تفهمين"
زفرت بحنق وامتعضت على طريقة تفكيره لتقول:
"أنا لا أفهمك ولا أعلم لما أنت بهذا التفكير، حتى وإن أخطئا بحقك يجب عليك أن تسامحهما"
نفذ صبره ولم يعد يحتمل حديثها بهذا الموضوع ليقترب منها ويمسكها من معصمها ويقول:
"أسمعيني جيداً، أنا أمشي على الجانب الذي يعجبني هل تفهمين؟ أنتِ لا شأن لكِ بهذا الموضوع وأغلقي فمكِ هذا هل تسمعين"
لم يعجبها رده، نترت يدها من يده لتتحدث بحدة:
"ليس كل شيء يأتي على مزاجك يا سيد آسر، ثم أنني لا أحدثك بشأن أحد غريب، هما والداك ويجب عليك المسامحة لأجلك ولأجل والدك المريض، لقد حدثتني ماريا بكل شيء وحدثتني عن قسوتك تجاههما، لما كل هذا ها أجبني هيا"
احتدت ملامحه ليتحدث بشيء من الحدة والسخرية:
"ومن أنتِ حتى تحكمين على قساوتي وأنتِ لم تتذوقي ربعها فقط ها؟ لا تشغلين عقلكِ الصغير بأموري الخاصة هل تفهمين"
ابتسمت بسخرية لتقول:
"حسناً وأنا لن أكون لك حتى تسامحهما وأرني ما لديك"
صدم من جملتها وهبط قلبه ولكنه ظل على حدته ليتحدث:
"هل تتحدينني آسيل؟ هل ترينني لعبة بين يديكِ؟ في المرة السابقة قلتي لي بأنني كاذب ولا تريدنني والآن تقولي بأنكِ لن تكوني لي إلا عندما أسامح والداي؟ هل أصبحت مسألة تعجيز أم ماذا، لا تتهربي مني، إذا كنتي لا تريدنني فـ بإمكانكِ أن تقولين وانتهينا"
بدأت طرقات قلبها تزداد لتتحدث بهدوء وجمود:
"أنا لا أتهرب منك، ثم أنني لو كنت أتهرب لما كنت نظرت لوجهك البارحة، ولكن أنا أخيرك إما أنا ووالداك أو لا أحد"
صعق من ردها ليبتسم بشر ويقول:
"حسناً، وأنا لا أريد المسامحة فلتفعلي ما يحلو لكِ وللجحيم السابع"
أدمعت عيناها لتقول:
"هل أعتبر من جوابك بأنك لا تريدني"
تحدث بجمود:
"أنتِ التي وضعتي خيارات في موضوعنا لذا تحملي العواقب آسيل، افعلي ما تشائين لن أمنعكِ"
ابتسمت بسخرية وهبطت دموعها لتتحدث:
"حسناً آسر ولكن هذه المرة سأخرج من حياتك للأبد"
نظر لها مطولاً وازدادت وتيرة أنفاسه وطرقات قلبه العنيفة ليتحدث بصراخ:
"حبا ًبالله ما الذي تريدينه؟ لما تفعلي هذا وتعذبينني وتعذبي نفسكِ بهذا الشكل ها؟ أنا حقاً لا أفهمكِ، ماذا تريدين بالتحديد؟ أتهوين تعذيبي أنتِ أم ماذا؟ حسناً كما تشائين اذهبي للأبد لم أعد أبالي بكِ فقد تعبت حقاً"
ازداد بكائها لتتحدث ببكاء:
"حسناً سأذهب ولكن صدقني أنني أحبك وكنت أحدثك بكل هذا لأجلك ولكن أنت من اخترت بعدي هذه المرة ولست أنا لذا لن تراني بعد الآن، سأسافر بعيداً ولن أعود أبداً"
ابتلع ريقه ونظر لها ببرود، ما إن ذهبت حتى بدأت نوبة جنونه وغضبه، ستذهب بعيداً عنه ولكن دون رجعة، ستبتعد ولن تبالي لأي شيء، كما أنها قد سئمت من تفكيره وغروره كحاله هو الذي سئم من كبريائها وتقلب مزاجها، اتجهت إلى منزلها حاسمة أمرها وعازمة على السفر دون رجعة.
___________________
بينما من الجهة الأخرى يجلس بتوتر بالغ، يهز بقدمه ويقضم أظافره بتوتر، لم يتحدث ولم يصدر أية حركة فقط يكتفي بالتحديق باللاشيء وجو التوتر يسوده، تنهد بقوة والتفت ليرى والد شهد يتقدم منه لاستقباله، نهض ليلقي التحية عليه مع ابتسامة توتر، جلس أمامه والد شهد ليقول:
"أهلاً بك حضرة الضابط يوسف"
ابتسم بتكلف ليقول:
"أهلاً بك ياعم، كيف حالك"
تحدث سليم والد شهد:
"بخير وبأحسن حال"
حرك يوسف رأسه موافقاً ليقول:
"وكيف حال شهد والخالة هدى"
ابتسم سليم ليقول:
"بأحسن حال الحمد لله"
ابتسم يوسف وظل صامتاً بينما دخلت عليهما هدى وألقت التحية على يوسف بابتسامة واسعة وانضمت لهما بالجلوس، وهذا مازاد من توتر يوسف، ولم يعلم كيف سيطلب طلبه من والد شهد، بينما سليم عقد حاجبيه باستغراب من حالة يوسف وقد اتضح له بأنه متوتر جداً، حمحم سليم ليقول:
"ما بك حضرة الضابط؟ لما يبدو عليك التوتر"
بلل يوسف شفتيه ليتحدث بتوتر:
"اا أنا أريد أن أتحدث مع شهد، أقصد يعني أريد أن أطلب منك شيئاً"
همهم سليم ليقول:
"حسناً سننادي على شهد ولكن ماهو طلبك"
ابتلع يوسف ريقه ليتحدث بتوتر:
"أا أنا أريد، أقصد أريد يعني أن .."
صمت وابتلع ريقه ولم يكمل ليتنهد بقوة وهو يهز قدمه بتوتر، شجع نفسه ليقول بسرعة:
"أريد أن أتزوج شهد"
جحظت عينان هدى ولم تصدق ماسمعت ولكنها فرحت جداً بطلبه، بينما سليم ابتسم وتحدث بهدوء:
"حضرة الضابط أنا ليس لدي مانع أبداً"
ابتسم يوسف بتوسع ليردف له سليم:
"ولكن أنت تعلم باللذي حدث مع شهد وأنا لا أعلم بردة فعلها ورأيها في هذا الموضوع بصراحة"
حك يوسف مؤخرة رأسه ليقول:
"عمي أنا أريدها لأنني أحبها، أريد أن أقف بجانبها، لا يهمني الماضي وإذا كانت شهد تعرضت للاغتصاب من قبل فهذا لا يعني بأنها أصبحت منحلة أو غير قابلة للزواج ولتكوين عائلة، فأنا أريدها لأنها فعلاً هي مميزة بالنسبة لي ولا أريد غيرها"
ابتسم سليم بتكلف، هو ليس لديه مانع بيوسف أبداً ولكنه خائف على شهد كثيراً ًخصوصاً بعد ما حدث معها ولكنه قد أعجبته إجابة يوسف، نظر له يوسف وكأنه قرأ من عيناه مايجول بخاطره ليردف له:
"صدقني ياعم وثق بي تماماً بأنني لن أؤذيها أو أجرحها أبداً، سأكون رجلها وسندها في هذه الحياة ولن أذكرها بالماضي أبداً لإنني أنا بالأساس قد نسيته"
ابتسم له سليم وحرك رأسه موافقاً ليقول:
"حسناً يا يوسف ولكن يجب عليك أن تقنعها لإنني أعلم بأنها لن توافق"
حرك يوسف رأسه موافقاً بابتسامة لينهض سليم وينده على شهد، لم يمر وقت طويل حتى دخلت شهد عليهم، ألقت التحية على يوسف وجلست بجانب والدتها، نظر لها يوسف وابتسم لها وبادلته الابتسامة، حمحم سليم ليقول:
"شهد حبيبتي، يوسف يريد أن يتحدث إليكِ بموضوع مهم، سأذهب أنا ووالدتكِ للغرفة، تحدثا بهدوء"
نظرت له شهد بحاجبين معقودين لينهض كل من سليم وهدى للغرفة الثانية، بينما شهد توترت قليلاً كونها تجلس مع يوسف بمفردها، حمحم يوسف وسألها عدة أسئلة عادية كي يكسر الصمت قليلاً، ابتلع ريقه من بعدها ليقول:
"شهد الموضوع الذي أريدكِ به هو أنني ."
صمت يوسف ولم يكمل، عقدت حاجبيها باستغراب لتقول:
"أنك ماذا حضرة الضابط، تحدث ما بك"
ابتلع ريقه ليقول:
"اسمي يوسف يا شهد، ألم نتفق من قبل"
ابتسمت بتوتر لتحرك رأسها موافقة بينما أردف لها:
"شهد اسمعيني جيداً، أنا بصراحة أريد أن أحدثكِ بشيءٍ مهم، منذ أول لقاء بيننا وأنا أفكر بكِ ليلاً ونهاراً، أحسست بأنكِ مسؤولة مني ويجب علي مراعاتكِ والحرص عليكِ جيداً، ومع الوقت تعلقت بكِ وأحببتكِ من كل قلبي"
صمت قليلاً ليبلل شفتيه ويردف لها:
"صدقيني أنا أحبكِ كثيراً وأريدكِ أن تكوني زوجةً لي، أنا لن أكذب عليكِ بشيء، لقد كان لدي علاقات كثيرة مع النساء ولكن أقسم لكِ بأنني لم أعد أواعد أية امرأة منذ أن التقيت بكِ ومن قبلها بالأصح، لقد أحببتكِ كثيراً، أنتِ الفتاة الوحيدة التي دخلت قلبي، ولا تظني بأنني أريدك لشفقة أو أي شيء من هذا القبيل، أقسم لكِ بأنني أريدكِ بكل جوارحي ولقد نسيت الماضي لذلك لا تظني هكذا أبداً، والآن هل تقبلين الزواج بي"
ألجمت الصدمة عليها ولم تعد تستطيع النطق حتى، شلت حركتها بكل معنى الكلمة، هي لم تكن تفكر بهذا الموضوع بتاتاً، لا تنكر بأنها متعلقة به وولدت نقطة حب بداخلها تجاهه، ولكن لا تستطيع أن تكون له، فهي ليست مكتملة بالنسبة لها وبرأيها، تظن بأنها ناقصة ولا تستطيع الزواج، لا تصدق أي أحد بحبه ولن تستطيع تصديق ذلك، فعلاً هي تظن بأن يوسف يشفق عليها ويريد الزواج منها فقط من أجل السترة ومن بعدها سيتخلى عنها لا محال، ولكنها لمحت الصدق بكلماته، هي لا تريد أن تجرح قلبه وبنفس الوقت لا تريد أن تنجرح هي أيضاً، بينما يوسف كان يتابع صدمتها، يريد أن يعلم ردة فعلها، ولكنه انتظر كثيراً ولم يرى منها أي ردة فعل وهذا مازاد من قلقه، ابتلع ريقه ليقول:
"شهد صدقيني بأنني أحبكِ كثيراً وأريدكِ زوجةً لي، لن أجد مثلكِ ولن ألتقي بمثلكِ لذا لا تظلميني وترفضين طلبي"
ابتلعت ريقها وبللت شفتيها وهي تنظر للاشيء، تحولت نظرتها لنظرة حنق لتقول بجمود:
"طلبك مرفوض حضرة الضابط"
عقد حاجبيه بحزن وبدأ قلبه يقرع كالطبول ليتحدث بشيء من الخوف:
"اسمعيني أرجوكِ، أنا أحبكِ وأعلم ما الذي يجول بخاطركِ، صدقيني بأنني سأظل سندكِ بهذه الحياة ولن ترين مني أي شيء مزعج، سترين الحب والحنان فقط ياشهد"
ما إن سمعت هذا الكلام حتى هبطت دموعها على وجنتها، صدقته وصدقت مشاعره بالفعل، كونه علم بجوارحها وبـ الذي يجول بعقلها، ولكنها مع ذلك لن تظلمه معها ولن تقبل به، لإنها لا تريده أن يظلم معها، علمت بأنه لن يؤذيها أو يجرحها ولكن هي ستجرحه بخوفها من لمسته وخوفها من الماضي أيضاً، بينما هو عندما رأى دموعها لم يعد يعلم كيف سيتصرف، أصابه التوتر، يريد أن يطبطب عليها ويواسيها ولكن خائف من صدها ومن خوفها أيضاً، مسحت شهد دموعها لتتحدث بانكسار:
"صدقني لن ينفع هذا، أنا لا أناسبك، أنت لا ذنب لك بأن تقضي حياتك مع فتاة مثلي"
عقد حاجبيه بحزن ليتحدث بسرعة:
"لا لا ياشهد لا تقولي ذلك، أنتِ فتاة جيدة وجميلة وأنا أريدكِ لي، صدقيني أنا لا أفكر بهذه الطريقة التي تفكرين بها"
تحدثت بجمود:
"أجل أعلم ولكن مع ذلك أنت لن تتحمل عقدتي وخوفي من أي شيء، لن تتحمل تصرفاتي وبكائي المفاجئ، لن تتحمل تقلب مزاجي واكتئابي، صدقني لن تتحمل لذا لن ينفع ارتباطنا أبداً"
تحدث بإصرار وصدق:
"صدقيني سأتحملكِ بكل حالاتكِ، لن تهوني علي أبداً يا شهد، أنا لا أريد جسدكِ أريد أن تبادليني الحب الذي في قلبي لكِ فقط، أنا على استعداد تام بأنني لن أقترب منكِ ولن ألمسكِ إلى أن تتقبلين الأمر أنتِ، سأساعدكِ وأساندكِ بكل شيء إلى أن تنفكي عن عقدتكِ، وبما أنكِ ستكونين بجانبي فلا داعي للخوف أبداً"
تسمع حديثه وتعلم بأنه صادق، ولكن حالتها النفسية تمنعها من موافقتها وارتباطها بأي أحد، عاجزة، منكسرة، كئيبة، لا تريد شيئاً سوى عودة الزمن للوراء ومقابلتها له بغير هذه الظروف، عندها ستكون محظوظة بالفعل عندما سترتبط بإنسان مثله، ابتلعت ريقها لتتحدث بجمود:
"أنا أرفض الفكرة، اعذرني"
نظر لها وابتسم بحزن ليقول:
"حسناً يا شهد، ولكن أريد أن أعلم شيئاً واحداً، هل تبادليني المشاعر نفسها؟ أقصد هل تحبينني مثل ما أحبكِ"
توترت جداً عندما سمعت بسؤاله، لن تنكر بأنها أحبته ولكنها أخفت هذا الشيء عن الجميع، حتى آسيل ذاتها لم تحدثها بذلك، قررت الاعتراف له، حتى وإن كانت سترفضه ولكنها ستعترف له، تريده أن يعلم بأنها أحبته أيضاً وبادلته المشاعر ولكنها لن تقبل به ولن تقبل بأي أحداً كان، تنهدت بقوة لتتحدث بتوتر:
"أا أجل أحبك وأبادلك المشاعر ولكنني لن أكون لك ولا تطلب مني هذا الشيء أرجوك"
ابتسم بسخرية وصمت، لا ينكر بأنه تهلهلت أساريره عندما علم بحبها له ولكنه حزين من أجل رفضها، ومع ذلك لن يشعر باليأس أبداً، كونها تبادله نفس المشاعر فهذا يعني بأنه سيظل لديه أمل، تنهد بحرقة ليتحدث بابتسامة حزينة:
"حسناً يا شهد كما تشائين، ولكن اعلمي جيداً بأنني لن أترككِ، سيظل عندي أمل بأن تكونين لي في يوم من الأيام، وبالمناسبة إذا لم تقبلي بي كـ شريك حياتكِ، فأريدكِ أن تقبلي بي كـ صديق لكِ ولكن مؤقتاً اتفقنا"
نظرت له بحزن وهبطت دموعها من جديد لتحرك رأسها باستسلام ويأس، بينما هو تنهد بقوة وعادت إليه ملامح الجمود، نهض من جانبها ليذهب ولكنه التفت فجأة إليها ونظر لها نظرة أخيرة بحزن لدرجة أنه أدمعت عيناه من رؤيتها وهي عاجزة، تنهد بحزن وتوجه إلى الخارج ليعود أدراجه إلى منزله مكسور الخاطر حزين من رفض محبوبته له.
___________________
من الجهة الأخرى وصلت آسيل إلى منزلها ودموعها على وجنتيها، تملكها اليأس والتعب، لم تعد تحتمل هذه الأوجاع، ستبتعد عن كل شيء موجع ومتعب، لا تريد شيء سوى راحة بالها وقلبها، حدثت والديها برغبتها بالسفر ولكنهما عارضاها على فكرتها بشدة ولكن مع إصرارها وافقا وسمحا لها بالذهاب، وعدتهما بأنها ستعود وكذبت عليهما ولكنها لن تعود إليهما أبداً إلا عندما تنتهي جميع أحزانها وتلتئم جراحها من محبوبها البارد والمغرور.
بينما آسر من بعد ذهاب آسيل لم يبدي أي ردة فعل سوى أنه بدأ بالشرب والتدخين، لم يعد يعلم كيف يتصرف أو كيف سيرضيها، هي تدخلت بشيء لا يعنيها، كان يحاول أن ينساهما ولا يحتك بهما ولكنها جاءت لتوقظ بقلبه جميع مشاعر الحنين والاشتياق إلى حضن والديه، ومع ذلك سيبقى على موقفة ويحاول أن يعود ليدفن مشاعره تجاه والديه وتجاهها هي أيضاً، ولكنه يعلم جيداً بأنه لن يستطيع نسيانها فهي من ملكت قلبه وتربعت على عرشه.
" أبداً لن تنساني
أبداً لن تنسى
أبدٌ مِنَ الندمِ ينتَظِرُكَ
مَن أضاعني مِن يدهِ
قضى وحيداً كـَ حِصانٌ
لا مربطَ بعدي لقلبِه "
___________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية لأجلك انت) اسم الرواية