رواية لأجلك انت الفصل التاسع و الثلاثون 39 - بقلم وداد جلول
سعادة بعد الألم
كان يستمع له بتركيز وبكل حواسه ونظرة البرود بعينيه، هو لا يهمه شيء ولا يخاف من شيء، يمارس عمله بكل جد، ولم يكلف بمهمة ذات مرة إلا ونفذها على أكمل وجه، ولكن الآن الموضوع يختلف فهذه المهمة صعبة وخطيرة جداً، ولكن لا يوجد صعب وخطير على آسر، همهم له ليحدثه آسر بإيجاب:
"تحت أمرك سيدي، متى التنفيذ؟ طبعاً يجب علينا أن نراقب المكان وننطلق بأقرب وقت من موعد الصفقة أليس كذلك"
حرك سلمان رأسه بإيجاب ليقول:
"أجل طبعاً ستنطلقون من هنا في تمام الحادية عشر وسأعطيك العنوان لتنطلقون فوراً"
حرك آسر رأسه بإيجاب ليقول:
"بإذن الله"
تحدث سلمان:
"لقد جهزت طقم العساكر والحراسة وستترأسهم أنت وأتمنى لكم الحظ الموفق"
ابتسم آسر من عيناه ولم يتحدث ليسمع صوت سلمان يقول:
"اها بالمناسبة لقد وصلني أخبار بأن الضابط يوسف قد أقيمت خطبته البارحة أليس كذلك"
ابتسم ابتسامة صغيرة ليقول:
"أجل سيدي لقد أقيم حفل زفاف أخته وهو استغل الأمر وخطب الفتاة التي يريدها"
همهم له سلمان بابتسامة ليتحدث بنبرة لعوبة:
"وأنت متى سيحين دورك وستخطب"
اتسعت ابتسامته ليقول:
"غداً"
ضحكا اثناهما ليقول سلمان:
"هذه أخبار جيدة ومفرحة يا آسر، أنت تعلم جيداً بأنني قبل أن أعتبرك ضابط فأنا أعتبرك كأخي الصغير وأتمنى لك الحياة الهنيئة برفقة محبوبتك"
ابتسم آسر مجيباً:
"شكراً لك سيدي، طبعاً ستكون أول المدعوين"
همهم سلمان ليقول:
"بالطبع لن أفوت فرصة كهذه وسأكون أول الحضور لكي أشاركك فرحتك"
ابتسم له بامتنان وحرك رأسه بإيجاب ليردف سلمان بنبرة جدية:
"حسناً أيها الضابط أتمنى لكم الحظ الموفق، هيا اذهب لكي تجهز نفسك وطبعاً السرية التامة لا تنسى ذلك"
نهض آسر بسرعة ليلقي التحية ويتحدث بإيجاب:
"تحت أمرك سيدي، بالطبع لن أنسى"
حرك سلمان رأسه بإيجاب ليستأذن منه آسر ويتوجه إلى مكتبه كي يجهز أموره، بينما سلمان ظل جالساً يحدق بالفراغ، لا ينكر بأنه قلق على آسر وعلى من معه فهو يعرف آسر منذ أكثر من ثمانية سنوات وكان دائماً المرشد والناصح له، يخاف عليه وعلى يوسف كأنهما أخوته ومسؤول منهما، هو بطبيعة عمله يمثل الصرامة والجبروت أمام جميع الضباط ولكن آسر ويوسف حالة خاصة بالنسبة له، تنهد بقوة ودعا ربه بأن يعود سالماً لإنه لن يتحمل إذا حدث له أي مكروه، هو لم يكن يريد أن يبعث به إلى هذه المهمة ولكنه مجبر كونه من أكفأ الضباط لديه وأكثرهم خبرة وذكاء، لذا اضطر إلى تكليفه بهذه المهمة كما أنه يثق به ثقة عمياء ويعلم بأنه يداري عمله بكل حكمة وروية.
بينما آسر في مكتبه وقد بدأ بجمع لوازمه، واستعد للمهمة بشكل كامل، كان يريد أن يحدث آسيل ويطمئن عليها ويخبرها ولكنه لا يريدها أن تقلق عليه وتظل على أعصابها، زفر بقوة وبدأ يفكر، ماذا إن حدث له أي مكروه؟ ماذا إن لم يعود؟ ماذا سيحدث لها عندها؟ وكيف سينفذ الوعود التي وعدها بها عندها؟ هو لا يهمه نفسه ولكن يريد العيش فقط من أجلها ومن أجل والديه، توكل على ربه ولم يأبه لشيء ودعا ربه بأن يعود سالماً فقط من أجل من بحاجته، تنهد بقوة وأكمل جمع حاجياته ليتوجه إلى مهمته.
--------
الساعة 11:45
يختبأ آسر بسيارته وبرفقته الحراس والعساكر، ينتظر في ذلك المكان الذي ستتم فيه الصفقة، كانوا يختبئون بمكان بعيد قليلاً عن مكان التسليم كي لا أحد يراهم، فـ أي خطوة خطأ يقومها أحدهم سيموتون جميعاً عندها، يراقب الوضع بتركيز، كما أنه وزع عدة دوريات بكامل المنطقة كي يحاصروهم من جميع الجهات، ظل ينتظر إلى أن ظهر أحد الرجال ولا يبدو عليه من رجال محمود لإنه هبط من سيارته وتوجه إلى مصنع الأدوية وعلى الأغلب بأنه أحدٌ من رجال الطرف الآخر الذين سيقومون بتسليمهم الشحنة، انتظر قليلاً ليرى عدة رجال يتوجهون لداخل المصنع وورائهم تأتي شاحنة كبيرة ومؤكد بأنها شحنة المخدرات، بدأوا الرجال ينزلون الصناديق ونقلها للمصنع وكل هذا وآسر يتابعه بتركيز، كان ينتظرهم إلى أن يدخلوا جميعهم للمصنع وعندها سيسهل عليه القبض عليهم، مرت قرابة النصف ساعة وهم يحملون الصناديق المليئة بأكياس البودرة، إلى أن اجتمعوا كلهم في المصنع ليبدأوا بتفريغ الصناديق ووضع أكياس البودرة الصغيرة بـ علب الأدوية.
بينما آسر هم بالنزول من السيارة ليتوجه للمصنع طبعاً بعد أن جمع بحوزته جميع الدوريات وحدثهم عبر اللاسلكي، وأبقى دوريتان تراقبان الوضع من الخارج، تسلل آسر للمصنع برفقة العساكر بهدوء ودون إصدار أية حركة، وزع العساكر على كامل المصنع ليحاصروهم، بينما بقي هو وعدد قليل من العساكر، ظل ساكناً بمكانه لا يتحرك إلى أن خرج أحد الرجال وقد قام بتدبر أمره وضربه على رأسه حتى أغمي عليه، أعطى آسر أمر الهجوم لجميع العساكر الذين كانوا يحاصرون المصنع من الداخل ويحتبئون في ركنٍ ما، ليهجم آسر ومن معه على رجال المصنع ويدخلوا العساكر المتبقيين، كانوا يوجهون أسلحتهم على الرجال، بينما رجال المصنع تسمروا في مكانهم وقد أمرهم آسر بأن يرفعو أيديهم للأعلى وفعلوا مثل ما حدثهم، أمر العساكر بأن يجمعوهم واحداً واحداً ليأتي من يترأسهم وهو محمود ويقف بوجه آسر موجه مسدسه عليه، ليبتسم آسر ابتسامة جانبية بينما محمود ابتسم بشر ليقول:
"لا تعلم كم أنا سعيد بهذه اللحظة، فقط لإن الضابط آسر يقف أمامي"
ابتسم آسر بسخرية ولم يتحدث ليردف له محمود:
"اتطنني غبياً كي أدعك تقبض على رجالي بهذه السهولة، وهل تظنني لا أعلم بأنك أنت من تدبرت أمر رجالي عندما كانوا يبيعون المخدرات في الجامعات"
ابتسم آسر ببرود ليقول:
"وهل رأيت شيئاً بعد؟ نحن مازلنا في البداية، أنت لم ترى شيء صدقني"
حرك رأسه وهو جاحظ العينين ليقول بنبرة غل وتشفي:
"تشاهد على روحك يا ابن زين الدين"
نظر له آسر نظرة قاتلة ليبدأ دوي إطلاق النار هنا وهناك بين رجال محمود والعساكر الذين برفقة آسر، بينما آسر كان يتولى أمر محمود فعندما ألتقط منه المسدس استطاع بأن يهرب منه ويمر من بين هذه المعركة ويختبأ، بينما العساكر استطاعوا بأن يقتلوا عدداً كبيراً من الرجال وقد ساندهم آسر لتتم السيطرة عليهم والقبض عليهم جميعاً، انتهوا من جمع الرجال والقبض عليهم وقد كان هناك إصابات للعساكر، وقد تم نقلهم للمستشفى وتم القبض على الرجال الذين استسلموا وتم الاستيلاء على شحنة المخدرات من قبل العساكر. أما آسر بالنسبة له المهمة لم تنتهي بعد لإن محمود استطاع أن يهرب منه واختفى ولم يعد آسر يراه من شدة الظلام الذي حل، ظل آسر في المصنع وهو يعلم جيداً بأن محمود مازال موجوداً هنا، لم يبقى أحد في المصنع سواه، سمع آسر صوت حركة خفيفة آتية من المخزن الداخلي، اتجه بخطوات بطيئة وحذرة ليدخل إلى المخزن بترقب وحذر، صدح صوت ضحكة خشنة ليلتفت آسر إلى مصدر الصوت ويرى محمود أمامه موجهاً مسدسه نحوه، بينما آسر كان ينظر له ببرود وكذلك كان موجهاً مسدسه نحوه ليسمع صوت محمود يقول:
"العناد في دمك يا آسر"
تحدث آسر بجمود:
"محمود سلم نفسك وهذا أفضل لك، سيخفف عنك العقاب عندما تسلم نفسك"
ضحك ضحكة قوية وساخرة ليقول من يين ضحكاته:
"أتصدق لقد أقنعتني ولكن أريدك أن تتمنى آخر أمنية في حياتك لكي أنفذها لك لإنني لن أسلم نفسي ولن أستسلم، وها أنا أدعك تختار أمنية أخيرة، عد هذه الجمائل"
ابتسم ابتسامة شر ليقول:
"عد أنت آخر لحظات حياتك"
ضحك بسخرية ليقول:
"أنت تحمل المسدس الخطأ يا سيد آسر، فالمسدس الذي بين يديك فارغ الرصاص"
لم يعلم آسر إذا كان صادقاً أم كاذباً، فآسر الآن يحمل مسدس محمود الذي أخذه منه عندما واجهه أول مرة ولكنه كان يستعمل مسدسه الأساسي عندما كان يساند رجاله وقد أفرغ رصاصه وحمل هذا المسدس، ظل جامداً لا يبدي أي ردة فعل ولا يسمع سوى صوت ضحكات محمود الساخرة، تملكه الغيظ من ضحكاته الساخرة وحسم أمره ليضغط على الزناد ولكنه لم يخرج أي رصاصة لإنه بالفعل كان يحمل المسدس الخطأ، ازدادت ضحكات محمود بينما آسر رمى المسدس أرضاً ووضع يديه في جيبه، تحدث محمود ساخراً:
"ألم أقل لك، يا إلهي كم أنت عنيد، هيا هيا اختر أمنيتك الأخيرة"
لم يخف آسر ولم يرمش له جفن، ظل جامداً ليقترب منه بخطوات واثقة وكلما اقترب يبتعد محمود ليقول له:
"لا تقترب وإلا سأطلق النار صدقني"
ابتسم بشر ليقول بتحدي:
"ها أنا أمامك هيا أطلق النار"
في الواقع محمود رجل ذو شخصية شريرة ولا يهاب شيء ولكن نبرة آسر واقترابه منه جعل الخوف يتملكه لا إرداياً، وقف آسر أمامه ليبتسم ابتسامة جانبية ويقول:
"أرني ما لديك يامحمود"
حسم محمود أمره وقام بتلقين المسدس ليوجه المسدس على آسر، بينما آسر استغل قربه منه ليحاول أخذ المسدس منه بحركة سريعة، تجمدا اثناهما بمكانهما بسبب صوت تلك الرصاصة التي أطلقت وقد أصابت أحدهم، ظل آسر واقفاً وابتلع ريقه ولم يعد تحمله قدماه ليسقط أرضاً بسبب تلك الرصاصة التي أطلقت عليه من قبل محمود، ابتسم محمود بتشفي ليوجه مسدسه مرة أخرى عليه وينهي حياته، صدح صوت إطلاق رصاصة أخرى ولكن لم تصب آسر فيوسف هو من أطلق الرصاصة وقد استقرت الرصاصة برأس محمود ليسقط أرضاً جثة هامدة، وها هو يوسف قد أتى في الوقت المناسب عندما علم بهذه المهمة وعلم أيضاً بعدم رجوع آسر وبقية العساكر، ليتوجه إليه فوراً دون التردد حتى، اقترب يوسف منه بسرعة وحدثه بلهفة:
"آسر هل أنت بخير؟ آسر أجبني"
لم يسمع الرد منه لإنه أغمي عليه، دخل جميع العساكر إليه وقد جاءت سيارة الإسعاف لتنقل آسر إلى المستشفى.
End flash back.
استفاقت من صدمتها لتنهض وتتوجه إلى المستشفى بأقصى سرعة، نشر الخبر فوراً واتجه الجميع إلى المستشفى، بينما أدخلوا آسر إلى غرفة العمليات، كانت آسيل تجهش بالبكاء كحال والدة آسر وماريا، لم يكفوا عن البكاء طيلة مكوثهم، ينتظرون الخبر الشافي والمفرح بتوتر وهم على أعصابهم، جاءوا الجميع إلى المستشفى طبعاً الشبان والفتيات ووالدا آسيل ووالدا آسر ووالدا شهد ووالدة باسل، كما أن سلمان كان يقف بملامح حادة ونظرة الندم ظاهرة بعينيه، ندم أشد الندم على إرساله إلى هذه المهمة، شعر بأنه هو السبب بحال آسر الآن، الأعصاب مشدودة، والتوتر بالغ، والخوف ظاهر، كل منهم يدعي له بالشفاء العاجل، كانت آسيل تتآكل من جوف قلبها على محبوبها الذي بين الحياة والموت، ولكنها تدعي بسرها له والخوف يجتاحها.
مضت ساعتان ليخرج باسل وينتفض الجميع ويحومون حوله منتظرين الجواب منه، متأملين بالخبر السار في حالته الصحية، رفع باسل الكمامة من على فمه وتحدث بعد تنهيدة قوية:
"الرصاصة دخلت في صدره أي أن فوق القلب بإنش واحد، ولقد استطعنا إخراج الرصاصة بصعوبة بالغة ولكنه بغيبوبة الآن ولا نعلم كم سيظل على وضعه، كما أننا أثناء العميلة عرضناه للصدمات الكهربائية لإن قلبه قد توقف ولكننا نجحنا بالعملية"
ابتلع يوسف ريقه ليقول بخوف:
"حسناً ولكن ماهي أقصى مدة للغيبوبة"
أجاب بأسف:
"لا أعلم صدقني، محتمل يومان أو شهران أو سنتان، على حسب قوة جسده وإرادته وتحمل قلبه"
عادت وتيرة البكاء لوالدة آسر، بينما آسيل لم تبدي أي ردة فعل سوى الصمت والجمود، ليقوموا الممرضين بنقل آسر إلى العناية المشددة.
----------
مر شهران على الحادثة وآسر مازال في غيبوبته، لم يحدث شيئاً جديداً منذ ذلك اليوم، آسيل تأتيه كل يوم وتجلس بجانبه ولا تدعه أبداً، تحدثه وكأنه يسمعها، تتألم لرؤيته بهذه الحالة، ولكن مع كل ذلك لم يتملكها اليأس أبداً، فهي على أمل لقاءها بعيناه الساحرتان يوماً ما، ولن تمل أو تكل منه أبداً، أقسمت على عدم ابتعادها عنه والوقوف بجانبه، بينما يوسف لا يختلف بشيئاً عن حال آسيل فهو أيضاً كل يوم يأتي إليه ويجلس أمامه ويحدثه بكل شيء حدث في العمل أو في أي مكان يهمه، كما أن ليث وباسل لا ينفكان عن رؤيته ويأتيان لرؤيته دائماً وباسل لا يتركه أبداً كونه الطبيب المشرف على وضعه الصحي. بينما هناك من يتآكل من ندمه على تسببه بهذه الحالة لآسر وهو سلمان، أيضاً لا ينفك عن زيارته، كل يومان يأتي ويشجعه ويحدثه بأن يستيقظ ليعود لهم من جديد، الجميع يدعون له بالخير والشفاء العاجل، كما أن الجميع كانوا ينتظرون بأن يستيقظ لكي يعود لهم لإنهم اشتاقوا له بحق.
--------
جالسة في غرفته، تضم يده بين يديها الصغيرتين، تقبلها بين الحين والآخر، تنظر له بكل حزن واشتياق، تذرف دموعها بسببه وعلى حاله، تلومه وتعاتبه على غيابه الطويل عنها، بينما هو ممدد على سريره بحالة سكون، لا يبدي أي ردة فعل، تنظر له وتشهق ويحتد بكاءها، في كل يوم تأتي إليه، تنتظره بفارغ الصبر على أمل الاستيقاظ والرجوع لها، اشتاقت لغضبه عليها، اشتاقت لحنانه، لمغازلته، ولبروده المعتاد، تدعي له دائماً بسرها، تبثه كل أنواع حنانها وشوقها حتى وهو بغيبوبته، قلبها ينزف، عينيها تذرف، يديها ترتعش، قدماها لا تقوى على الحركة، دعت الله أن يشفيه، تظاهرت أمام الجميع بالقوة، وهي بداخلها بركان من الخوف، تمنت لو تخفف عنه آلامه وتشاطره المرض، تنعت الدنيا بالحقارة لإنها تتمنى منها الأماني ولا تأتيها إلا بالمآسي، تسأل نفسها؟ كيف لها أن تقف مكتوفة الأيدي وهو في غيبوبته لا تستطيع الحراك، كيف لهذا الزمن القاسي الذي لم يتوقف عن صفعها ليل نهار أن لا يرأف بحالها؟ أن لا يبكي لدموعها؟ أن لا يكون جليسها بسهر الليالي؟ كيف له أن يجعلها بعيدة عنه فهي في واقعها الأليم وهو في غيبوبته التي ليس لها وقت لكي تنتهي؟ كل يوم تمسك بيده وقلبها خاشعاً في محراب الرحمن تدعوه بدعوة متضرعة أن يشفيه، تضع رأسها على يده وتغمض عيناها داعية لربها بأن يستيقظ، لتشعر بيده تتحرك، رفعت رأسها بصدمة لتشعر به يشد على يدها وهو مغمض العينين، ابتسمت بسعادة لتسمعه يهمس باسمها، لم تسعها الدنيا من فرحتها عندما رأته بهذه الحالة، توجهت فوراً للخارج لكي تنادي على باسل ليأتي برفقتها وبسرعة كبيرة مقترباً منه وهو يفحص حالته الصحية، ابتسم بسعادة بالغة عندما رآه يفتح عيناه وينظر لهما بوهن، اقتربت منه آسيل ليوجه كامل حواسه لها وتقبله من جبينه وهي مبتسمة بسعادة، بينما هو ابتسم بوهن ليقول بصوت خافت:
"أحبكِ"
اتسعت ابتسامتها لتقول:
"أعشقك"
قالتها وأمسكت بيده وقبلتها بكل حنان بينما باسل يقف مكتف يديه وينظر لهما بابتسامة فرحة.
علم الجميع باستيقاظ آسر من غيبوبته ليجتمعوا عنده على الفور وهم في غاية سعادتهم.
-------
وها هو آسر يخطو خطواته خارجاً من المستشفى بعد مرور أسبوعين على استيقاظه من الغيبوبة، برفقة محبوبته التي لا تسعها الدنيا من الفرحة ويوسف، تحدث يوسف بمزاح:
"أيها الأحمق بسببك قمت بتأجيل موعد زفافي"
همهم له آسر ليقول:
"ممم لم يحدث شيء ستقيمه في الشهر القادم وسيقام حفل زفافي أنا أيضاً"
قالها وهو ينظر إلى آسيل التي أخفضت رأسها خجلاً، بينما يوسف قفز من سعادته ليقول:
"سيكون هذا رائع ياحبي"
ضربه آسر على بطنه ليتأوه بشدة ويقول آسر:
"لست حبيبك"
تحدث يوسف:
"إذن أنت حبيب من"
أشار آسر بيده على آسيل التي ابتسمت بخجل، ضحك يوسف بخفوت وصمت، بينما آسر وجه نظره إلى آسيل التي كانت تحاول قدر المستطاع بأن تتجنبه من شدة خجلها، لتسمعه يهمس في أذنها:
"حبيبتي لا أريد الخجل عندما نتزوج، كوني جريئة اتفقنا"
أنهى جملته غامزاً لها لتتورد وجنتيها خجلاً وتخفض رأسها للأسفل، ليتجهوا إلى السيارة وينطلق بهما يوسف إلى وجهتهما.
-------
بعد مرور ثلاثة أيام توجه آسر لخطبة آسيل برفقة والديه وقد وجد القبول منهم ليتفقوا على موعد الزفاف بعد شهر من اليوم وطبعاً سيقام حفل زفاف يوسف معه، لم يشعروا بمرور الأيام وقد مضى شهر كامل وجاء اليوم الموعود الذي ينتظره آسر ويوسف بفارغ الصبر.
وسامة، أناقة، طلة بهية، وشخصية محببة، ورجولة صارخة، كل هذه الصفات اجتمعت بهذان الشابان اللذان يقفان بشموخ وبابتسامة محببة، يحاول آسر التحكم بأعصابه وينتظرها بفارغ الصبر، لم يعد يستطيع الانتظار أكثر من ذلك، لقد صبر كثيراً وهو ينتظر الآن ودقات قلبه المتسارعة وعجلته تشهدان على ذلك، تنهد بضيق ليرى ملاكه البريء تتوجه إليه، كانت غاية في الجمال والبرائة، كالملاك الصغير، تتوجه إليه بابتسامة خجولة، توقف العالم عنده في هذه اللحظة عندما رآها بأبهى طلة لها، سحر بها، وأغرم بها أكثر من ذي قبل، لا يصدق بأن كتلة الجمال هذه ستكون له إلى الأبد، وقفت أمامه واخفضت رأسها بحياء بينما هو ارتسمت على وجهه ابتسامة بلهاء وقد أبهر من شدة جمالها، أمسك بيدها وقبلها بحب لتبتسم له خجلاً.
بينما يوسف كان ينتظر شهده على أحر من الجمر لتهبط إليه والبراءة والجمال ظاهران على وجهها، ارتسمت ابتسامة محببة على وجهه عندما رآها بهذا الجمال، أنوثتها تجعله يركع لأجلها، جمالها وشدة برائتها التي لم يرى لها مثيل، ابتسامتها وضحكتها وكلماتها الناعمة تتغلل في كيانه، اتجهت له بحياء لتتسع ابتسامته ويقترب منها ليطبع قبلة مطولة على جبينها، توجهوا أربعتهم إلى المنصة كي يعقدوا القران تحت تصفيقات الجميع، كان الحفل مميز بشكل ملفت للأنظار، ومع وجود كتلتا الجمال هاتان زاده جمال وجمال.
عُقد القران على خير وكل منهم يصرخ من شدة سعادته، لتبدأ رقصة كل ثنائي ويتوجهون لحلبة الرقص، كان آسر ينظر لآسيل بهيام، يتفحص تفاصيل وجهها بحب، كأنه مغيب عن العالم، بينما هي لمسته لها تجعلها ترتعش بقوة، تحاول الهروب من نظراته ولا تحدق به خجلاً منه.
أما شهد ويوسف كانا مغيبان عن الواقع تماماً، يهيمان ببعضهما فقط من النظرات المسترسلة بينهما، كانا فرحان جداً، لا تنكر شهد بأن بعض التوتر والخوف يتملكها ولكن بوجود يوسف لا داعي للخوف، انتهت الرقصة ليعودان إلى أمكنتهم، كان آسر يريد الرحيل فقط، لم يعد يطيق الانتظار، زفر بقوة ليرى ماريا تتجه إليهما وتبارك لهما وتجلس بجانب آسيل وتهسهس في أذنها، لم يعلم بماذا حدثتها، ولكنه يعلم جيداً بأن الخير لا يأتي من وراء هذه الفتاة، شهقت آسيل بخفة لتقول:
"كيف لي أن أفعل ذلك ماريا"
ابتسمت بخفة لتقول:
"صدقيني سيجن جنونه فقط افعلي مثلما حدثتكِ اتفقنا"
حركت رأسها وابتسامة خبيثة نمت على شفتيها لتردف لها ماريا:
"حسناً سأذهب إلى شهدي"
أنهت جملتها وهي تراقص حاجبيها لتضحك آسيل بخفة، ضيق آسر عيناه ليقول:
"ماذا كانت تقول لكِ"
تحدثت بابتسامة:
"لا شيء فقط تحدثني عن حياتها مع باسل"
همهم آسر ليقول:
"مم اها كانت تحدثكِ عن حياتها مع زوجها أم أنها تعلمكِ ما يجب عليكِ فعله في هذه الليلة"
جحظت عيناها بقوة بينما هو ابتسم ابتسامة ماكرة لتقول له:
"أنت ليس لديك أخلاق صدقني، لعين"
حرك رأسه ليقول بتوعد وهو موجه نظره للأمام:
"سأريكِ هذا اللعين ما الذي سيفعله بكِ"
نظرت له بشيء من الخوف لكنها لم تبالي ونظرت للأمام بغرور، بينما ماريا توجهت إلى شهد لكي تحفر في رأسها أفكارها المجنونة، ولكن يوسف منعها من الاقتراب منها لإنه يعلم جيداً بأن شقيقته ستوسوس لها ولن تدعها وشأنها، كما أنه علم بـ الحديث الذي قالته لرنيم في يوم زفافها، لذلك منعها ولم يدعها تقترب منها خوفاً عليه وعلى شهد.
انتهى الحفل بسلام ليتوجه كل ثنائي إلى منزله بحماس، بينما أيضاً الجميع رحلوا متمنيين لهم الحياة الهنيئة طوال الدهر، اتجه آسر بزوجته إلى الجناح الذي حجزه من أجلهما، كحال يوسف أيضاً الذي خصص له جناح في نفس الفندق، توجهوا جميعاً إلى هناك ليدخل كل شاب بعروسه إلى جناحه الخاص، بدأت آسيل تجول بأرجاء المكان وقد أذهلت من منظره، فقد كان رائعاً بكل معنى الكلمة، بينما آسر كان يتابعها بعيناه ويتابع نظرة الانبهار، وأخيراً تحقق حلمه وأصبحت له بعد طول انتظار، اقترب منها ليقول:
"هل أعجبكِ"
حركت رأسها بابتسامة ناعمة وحماس ليبتسم ابتسامة جانبية، توجها لتغيير ثيابهما وتناول العشاء، لم يمضي وقتاً طويلاً ليدخلان إلى غرفتهما، كانت آسيل تفكر بكلام ماريا هل تنفذه أم لا؟ ولكنها أعجبتها الفكرة لذا ستنفذها، اقترب منها آسر ووضع يديه على خصرها وقد كان عاري الصدر، جحظت عيناها بقوة عندما رأته بهذا المنظر، كذلك صدمت من عضلاته البارزة وضخامة جسده، انبهرت من هذا المنظر وسرحت، أما آسر كان يحاول كتم ضحكته على منظرها المضحك، فهي يكاد فمها يصل للأرض، حمحم آسر ليتحدث بابتسامة:
"مابكِ"
تحدثت بعيون جاحظة:
"ها"
ضحك آسر عليها بقوة بينما هي انتبهت إلى نفسها وتوترت بشدة، اقترب منها ليلامس جبينه بجبينها، أغمض عينيه مستمتعاً بهذه اللحظة، الأن يستطيع أن يفعل معها ما يحلو له ولا أحد سيقف بوجهه، توترت آسيل لتبتعد عنه بتوتر ليعقد آسر حاجبيه ويقول:
"ما بكِ آسيل"
جالت بنظرها بأنحاء الغرقة لتقول:
"اا لن ينفع ذلك، لا أستطيع"
تحدث بشيء من الحدة:
"ماذا تقصدين"
بللت شفتيها لتقول:
"قلت لك لا أستطيع أريد النوم"
كانت ستمشي ولكن يده منعتها من التحرك ليعقد حاجبيه ويقول:
"لماذا لا تستطيعين ها؟ ما الذي حدث لكِ"
أصابها التوتر لتقول:
"مم لا أستطيع فأنا لا يُسمح لي الآن"
رمش آسر عدة مرات وابتلع ريقه، دعى بسره بأن لا يكون الذي في باله صحيحاً ليقول بنبرة مترقبة:
"هل أنت في اللعنة الشهرية آسيل"
حركت رأسها بإيجاب وأخفضت رأسها بخجل لينظر لها بغيظ ويقول بصوت أشبه للصراخ:
"ولما لم تقولي مثلاً؟ وأنا اللعين أنتظر هذا اليوم بفارغ الصبر، اللعنة على حظي"
كتمت ضحكتها وصمتت، بينما آسر يجول بأرجاء الغرفة وقد تملكه الغيظ والغضب، زفر بقوة ليقول:
"والآن اذهبي ونامي، اللعنة على هذا اليوم"
حاولت جاهدة أن تخفي ابتسامتها، بينما آسر أصبح يزفر بشدة ولعن هذا اليوم تحت أنفاسه مئات المرات، بدأ يقضم أظافره بغيظ وهو عابس الوجه، أما آسيل كانت تتابعه بابتسامة مستمتعة، ولكنها لم تستطع تحمل رؤيته بهذا الشكل لتنهض وتتوجه له، جلست بقربه ووضعت رأسها على كتفه بينما هو زفر بقوة ليقول:
"آسيل اذهبي من هنا، لا تغيظيني أكثر هيا اذهبي"
ضحكت ضحكة صغيرة لتقول:
"حبيبي أريد أن أقول لك شيئاً ولكن من دون أن تصب علي كل غضبك اتفقنا"
نفخ خديه ليقول:
"ماذا"
ابتسمت لتقول:
"كنت أمزح معك فقط، أنا سليمة"
نظر لها بصدمة وما لبث ليتحول إلى غيظ كبير، نهض ليمسكها من يدها ويتحدث بغيظ و حدة:
"آسيل هل تريدين أن أموت بسكتة قلبية أم ماذا؟ أجيبي"
هزها بعنف لتتأوه وقد شعرت بغضبه لتقول مدافعة:
"صدقني هذه ماريا هي من قالت أن أفعل ذلك"
عض لسانه بغيظ ليتحدث بغضب مكتوم:
"اها هي من قالت لكِ أن تفعلي ذلك"
حركت رأسها بإيجاب ليحرك رأسه ويتوعد لماريا بأشد العقاب، جرها ورائه إلى السرير ليدفعها بقوة وتتأوه قليلاً، اعتلاها ونظر لها بغضب لتبتلع ريقها وعلمت بأن ليلتها لن تمر على خير، تحدث آسر بهمس:
"ستنالين عقابكِ"
اقترب منها والتقط شفتيها بقبلة عميقة وقوية لدرجة أن شفتيها نزفت، ابتعد عنها ليرى دمعة ساخنة سالت على خدها ليمسحها بإبهامه ويلامس أنفه بأنفها ويقول:
"أنا أسف"
عاد لتقبيلها مرة أخرى ولكن كان هادئ جداً لتبادله هي من بعدها ويتعمقا بالقبلة، رحلا لعالمهما الخاص، عالمهما الذي يشوبه الدفئ والحنان والعشق اللامنتهي لديهما، لم يعكس شخصيته الحادة عليها بهذه الليلة بالذات وهي بين يديه، احترم بأنها ليلتها الأولى وكان يبثها حبه وحنانه، بينما هي فقد رأت الجانب اللطيف والمحب منه، لم تعلم بأنه بتلك الحنية والهدوء، يهيمان ببعضهما أكثر وأكثر، غير آبهين للعالم الخارجي ومن فيه، فقط هو وهي.
" تحققَ الحُلم
أصبحتَ حبيبي الآنَ بينَ يدي
تركتَ أهلكَ مِن أجلي وجئِتَ إلي
وبأمرِ الله وسنةِ نبيهِ أصبحتَ سيدي وصياً علي
تحققَ الحُلم
لم يعُد يقفُ شيء بَيني وبينكَ
لم يعُد بـ ِاستطاعة أحدٌ أن يمنعني مِن رؤيتكَ عِندما تشتاقُ إلي
وصارَ باستطاعتي أن أختبئَ منكَ حتى تبحثُ عني بلهفةِ عاشقٍ إلي
---------
بينما عند يوسف وشهد، جالسان في غرفتهما، التوتر ظاهر على شهد، بينما يوسف لم يحبذ إخافتها منه أو الاقتراب منها لذا بدأ يحدثها بأمور عدة كي يزيح التوتر عنها، هدأ من روعه قليلاً فهو خائف أكثر منها، لا يعلم لما، علماً بأنه كان زير النساء وكان الأمر طبيعي جداً له ولكن الآن الوضع مختلف، فهي محبوبته وزوجته وكل شيء في حياته، لذا ستكون معاملته معها مختلفة تماماً، حمحم ليقول:
"حبيبتي هل تريدين النوم"
ابتلعت ريقها بتوتر لم تعلم بماذا تجيب، حركت رأسها نافية بصمت، هو لا يريدها أن تخاف منه أو أن يجبرها على شيء، زفر بقوة وهو لا يعلم كيف يتعامل معها، أيقترب أم لا؟ يريدها أن تعطيه الإشارة الخضراء فقط ومن بعدها تسهل أموره ولكنها صامتة لا تبدي أي ردة فعل، اقترب منها وحاوط خصرها بيديه وابتسم لها لتبادله الابتسامة بتوتر ليقول بهدوء:
"شهدي حبيبتي أعلم بأنكِ متوترة جداً ولكن أنا لن أجبركِ على شيء، كوني مطمئنة اتفقنا"
ابتلعت ريقها وحركت رأسها بإيجاب ليردف:
"حسناً هيا إلى النوم"
توجها سوياً للسرير وتمددا ليناما، اقترب يوسف منها وأحاط بذراعيه جسدها الصغير، بينما هي أغمضت عيناها وكانت تشعر بالخجل، لم تعلم ماذا تفعل، أتوافق أم لا؟ فهو لا ذنب له، هو رجل ولديه رغبات وهي زوجته وعليها أن تطيع رغباته، عقدت حاجبيها بحيرة ولم تعلم ماذا تصنع، هي لا تشعر بالخوف بوجوده ولكن الحادثة التي حدثت معها جعلتها تخاف من العلاقة الزوجية ذاتها، رفعت نظرها لترى يوسف مغمض العينين ويده تعبث بشعرها، بحركة لا إرادية منها بدأت تعبث بشعيرات صدره العاري، فتح يوسف عينيه وبدأ قلبه يطرق بعنف، اقشعر بدنه من لمستها، ظل ساكناً وهو يفكر هل يعقل بأنها تريده أم هي حركة عفوية، ظلا على حالهما مدة قصيرة لينظر لها يوسف وترفع رأسها لتتلاقى أعينهما، ابتسم لها ابتسامة جانبية لتبادله، تجرأ ونزل لمستواها ليلتقط شفتيها بقبلة هادئة ومحبة، بينما هي صدمت أولاً ولكن بعدها تخدرت لتبادله فوراً، مزيج من المشاعر كان يشعر بها يوسف كأنه يحلق في السماء، شعور لا يوصف اجتاحه عندما قبلها، نعم لم تكن أول امرأة يقبلها ولكن شهده حالة خاصة وكتلة جمال تخصه، أما شهد كانت غارقة معه لأبعد حد وتشعر بالسعادة التي لا توصف، ابتعد عنها قليلاً وبأنفاس لاهثة وصوت متهدج تحدث:
"هل تسمحين لي"
رأت نظرة الرغبة والحب، حركت رأسها بخجل ليبتسم بسعادة ويعاود تقبيلها من جديد، لم يشعر بالرفض منها بادلته وتجاوبت معه، كان حريص جداً عليها، يبثها أنواع الغزل والحب أثناء فعلته معها، يهيم بها ويخاف عليها ويعاملها برقة كأنها لوح زجاج شفاف يخاف أن ينشعر أو يكسر، احترمها وعاملها بروية، يشعر بالسعادة وهي بأحضانه ومتجاوبة معه، لا يصدق بأنها بين يديه وبإرادتها، رحلا سوياً لعالمهما الخاص ليعزفان أحلى الأنغام بحب وحنان ومشاعر متبادلة.
" حُلوتي
ملاكي
إفتحي ذِراعيكِ ودعيني أتوه
دعيني أنسى نفسي ومَن أنا
وأخُذُ
جُرعة مُفرطة منكِ "
_____________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية لأجلك انت) اسم الرواية