رواية ارهقني عشقها الفصل الثالث 3 - بقلم وداد جلول
تخيُّلات
تحدثت بغضب :
"لقد احترت معك ما الذي سأرتديه مثلاً"
تحدث بهدوء :
"أي شيء لا يجعلكِ جميلة"
نظرت له بصدمة وجحظت عيناها من كلامه ، ما الذي يقوله حبا بالله ؟ هذا ليس إنسان طبيعي أبداً ، تحدثت بنفاذ صبر :
"متى سأنتهي من هذه القيود"
ألتفت لها ونظر لها نظرة مميتة جعلتها تبتلع ريقها وتلعن نفسها على تفوهها بهذه الكلمات ليتحدث بحدة :
"لن تتخلصين مني أبداً يا ليلى"
لم تتحدث وإنما ابتلعت غصتها ليهم بالقيادة متوجهاً إلى المنزل ، كانت ملامحه منكمشة ، عقدة حاجبيه ، فكه المشدود ، وقبضته التي تضغط على مقود السيارة ، نظرت له ليلى نظرة جانبية لتراه بهذا الشكل ، أعادت بنظرها للأمام فوراً ، انتبه هو لها ولكنه لم يكن بالمزاج الجيد لكي يحدثها أو يخلق معها حديث كما يفعل في كل مرة ، كما أنه كان غاضب جداً من كلمتها الأخيرة ، تريد التخلص منه وتريد التحرر ، ولكنها لا تعلم بأنها لن تتخلص منه ولو فارقته الروح ، وصل بها إلى المنزل لتهبط من السيارة دون التفوه بكلمة ، نظر إلى مكانها الخالي ليغمض عيناه ويأخذ نفساً عميقاً ومن ثم يزفر بقوة ..
لا يصدق نفسه كم يعشقها وكم يغار عليها ، كم يخاف عليها وكم يغضب منها ، يتمناها ويتمنى قربها ، لا يريد شيئاً سِوى قلبها ، أهلكته وأرهقت قواه في حبها ، والذي يمزق قلبه هو خوفها منه وتجاهلها له ، لا يحبها أن تخاف منه ، يريد ان يكون لها الأمان والحضن الدافئ ، يريدها بأن تعتبره أمانها وسندها ، يريد بأن تحب وتهوى قربه ولكن كل هذه الأشياء لا تفعلها ولا تعتبرها ، تأتية أوقات تجعله يتمنى بأن يبكي فقط بسببها ، هي تتعذب وهو يتعذب ولكن كل واحد منهم يتعذب بطريقة مختلفة ، هي تريد التحرر من قيوده وهو يريد بأن يكون سجين لقلبها مدى الحياة ، كبُر وشب وهو يعشقها ، وإلى الآن لم يستطع التخلص من حبها الذي ليس معروف نهايته أين ، في كل مرة يراها يبدأ قلبه يخفق بجنون صارخاً بإسمها ، خبئ حبها في قلبه مند زمن ولم يعلم أحداً بما في قلبه ، مئات النساء تمنت قربه وقلبه ولكنه أبى ذلك ، يأخذهن للتسلية والمتعة فقط وليس للحب ، هي من ملكت قلبه وتربعت على عرشه ولن يأتي أحداً ويأخذ مكانها ، أقسم بكل ما لديه بأن قلبه وعقله وروحه لها هي فقط ...
يمشي بثقة ونظرة البرود تحيطه ، كتلة وسامة معهودة ، هيئته المحببة وهندامه الأنيق والمرتق ، عطره الآخاذ والذي يذهب بالعقول ، نظرات الموظفات وتهامسهُنَّ عليه لا تجعله فرحٌ ومسرور ، تلك النظرات التي يشاهدها بجميع موظفاته يتمناها منها هي وليس منهن ، دخل إلى مكتبه لتلحق به السكرتيرة الخاصة به والتي تموت برجولته وبهيئته ، تحاول بان تلفت انتباهه وتوقِعُه ولكنها لا تعلم بأنه واقع لفتاة يعتبرها كل ما يملك ، يعلم بإعجاب سكرتيرته به ولكنه لا يعيرها أي اهتمام ، ليس لإنها ليست جميلة أو لإنه لا يريد ذلك ، بل لإنه هو لا يحب بأن يقترب من نساء الشركة الخاصة به ، يكون علاقات مع النساء بالخارج ولكنه يحترم عمله ويحبه لذلك لا يقترب ..
حاولت بأن تشد انتباهه لها في حركاتها ودلعها عندما كانت تعطيه مواعيد اليوم ولكن نظره لم ينزاح عن الأوراق المتراكمة أمامه ولم يعرها اي اهتمام ، ومازاد من حنقها وغضبها المكتوم هو بروده وطردها من المكتب بشكل غير مباشر ، خرجت من المكتب والغيظ يأكلها ليعود هو بجسده إلى الخلف ويغمض عيناه متخيلاً صغيرته أمامه ، هو لا يعجبه واقعه معها لذلك يلجأ دائماً لتخيلاته التي ترضيه وتصبره على جفائها هذا ، متمنياً دائماً بأن تصبح تخيلاته هذه حقيقة في يوم من الأيام ..
في المساء
تجلس فتاتنا في غرفتها ، تحاول بأن تذاكر لإمتحان الغد ، تنهدت بقوة عندما انتهت من دراستها لتنهض وتجول في غرفتها وهي تفكر بأي قصة لكي يسمح لها جبل بأن تذهب لخطبة صديقتها التي ستقام بعد يومين ، تعلم بأنه لن يقبل ولكنها تريد الرحيل وتتخلص من قيوده قليلاً وترفه عن نفسها أيضاً ، ألتفت عندما سمعت صوت الباب يفتح عليها لترى عمتها تدخل عليها بكوب عصير بارد ، ابتسمت لها لتعطيها الكوب وتدعها تشربه ، نهضت عمتها لتخرج من غرفتها بعد أن اطمئنت عليها ولكن مناداة ليلى لها جعلها تلتفت لها ، تحدثت ليلى برجاء :
"أمي أرجوكِ أنتظري قليلاً أريد أن أقول لكِ شيئاً"
ابتسمت لها لتعود وتجلس بجانبها وتقول :
"مابكِ حبيبتي"
ابتلعت ريقها لتقول :
"خطبة صديقتي بعد يومين ولقد قامت بدعوتي أرجوكِ تحدثي مع جبل لكي يسمح لي بالذهاب"
ابتسمت سلمى بخفة لتقول :
"حبيبتي هو لن يعارض عندما يأتي حدثيه أنتِ"
نظرت لها بحزن لتقول :
"بلى سيعارض أنا أعرفه"
همهمت لها سلمى لتقول :
"حسناً سأفعل ما بوسعي"
ابتسمت لها وهي واضعة كل آمالها بها لتخرج سلمى من غرفة ليلى ، تنهدت ليلى بقوة وهي متأملة وتدعي بسرها لكي يوافق على ذهابها ، لم يمضي وقتاً طويلاً حتى وصل جبل إلى المنزل ، كيف ومتى بدأ صوته يرتفع لا نعلم ، كانت والدته تحدثه بشأن رحيل ليلی للخطبة ولكنه غضب جداً عندما علم بذلك وبدأ يصرخ واستشاطَ غضباً بسببها ، والدته تحاول دائماً بأن تمتص غضبه قدر الإمكان ، لذلك عندما يغضب لا تتحدث معه أبداً ولهذا لم ترد بأن تضغط عليه ..
صعد جبل متوجهاً إلى غرفتها والغضب يأكله ، لم يغضبه شأن استشارته برحيلها ولكن الذي أغضبه هو بأنها وضعت عمتها لكي تتواسط لها وتحدثه ، يكره عادتها هذه ولقد مل وتعب من خوفها هذا ، فتح باب الغرفة عليها ليراها جالسة على سريرها تمسك الكتاب في يدها وتتصفحه بملل ، دخل وأغلق الباب خلفه ، جفلت عندما رأته يدخل عليها وخافت جداً ولكنها تماسكت ، نسي كل شيء ونسي غضبه ونسي لما هو غاضب أصلاً عندما رآها بذلك القميص الزهري الذي يصل إلى ركبتيها ، كم بدت جميلة وبريئة بهذا القميص ، ابتلع ريقه وعقله يصور له الكثير والكثير من الأفعال المنحرفة بشأن هذه الصغيرة ، لاحظت نظراته لها وتعجبت كثيراً ، أول مرة يناظرها هكذا ، اقتربت منه لتلوح له بيدها ويفيق هو من شروده ، حمحم ليسمع صوتها الناعم والذي تغلغل في كيانه لتقول له :
"مابك جبل أين كنت سارح"
تنهد بقوة ليعود إلى نظرة الجمود ويقول :
"إلى أين تريدين الذهاب"
ابتلعت ريقها بتوتر لتتحدث بصوتٍ خافت :
"إلى خطبة صديقتي"
همهم لها ليقول بهدوء :
"هل سيكون هناك شبان"
نظرت له بنظرة أمل لتقول بابتسامة صغيرة ولهفة :
"لا صدقني لا يوجد شبان هي من قالت لي صدقني"
حرك رأسه بإيجاب وبطئ ليسرح بابتسامتها ويغيب عن العالم نهائياً ، كان بعالمه معها عالم الحب المتبادل بينهما ، استفاق على نفسه ليحمحم وينظر لها ببرود ومن ثم يخرج من غرفتها وطرقات قلبه تزداد أكثر وأكثر ، ما إن خرج من الغرفة حتى قفزت من سعادتها لإنه سمح لها بالذهاب ، تكاد لا تصدق بأنه وأخيراً سمح لها بالتحرر قليلاً ، تنهدت بقوة لتتوجه إلى فراشها وتندثر فيه مستسلمة للنوم لتغط في سباتٍ عميق ...
بينما ذلك العاشق توجه إلى غرفته لتبدأ أوجاعه ومعاناته بسببها ، متخيلها أمامه وبجواره وبحضنه ، يبثها كل أنواع الحنان ويمطرها بكلمات الغزل والعشق الجارف ...
" قَد يؤلمُكَ العالم أجمع ويُسعِدكُ شخصٌ واحد .. ذلكَ الشخص هو نفسهُ الذي يؤلمُكَ دائماً ويعجز العالم كلهُ على أن يُسعِدكَ "
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ارهقني عشقها) اسم الرواية