رواية فجاءته تمشي على استحياء الفصل الثالث 3 - بقلم خلود بكري
"الفصل الثالث "
«لقاءٌ معقودٌ برابطٍ شرعي »
حل المساء بهدوء في تلك الأيام الدافئة ما بين فصلي الشتاء والصيف، رائحة تلك الزهور المنزعةُ في شرفة المنزل تبعثُ لها الراحةُ والهدوء، قطفت إحدى أوراق النُعناع الطازج وذهبت إلى والدتُها تحضر معها طعام العشاء لحين عودة الاب من عمله فهو يمتلك ورشةٌ خاصة لتصليح السيارات.
أردفت خديجة بتساؤل :-
ـ عرفتي إن خطوبة روضة بكره
قالت بهدوء :-
ـ ايوه يا ماما ربنا يتمم لها بخير
قالت بألم :-
ـ ربنا يفرحني بيكِ يا رونق
نظرت لها بمحبة ثم قالت مبتسمة :-
ـ يارب يا ماما
تابعت خديجة حديثُها :-
ـ بكره بإذن الله اعملى حسابك نروح نبارك لها
قالت رونق بضيق غير ظاهر من حدث والدت روضة معها في الصباح :-
ـ لا يا أمي انا مش هروح ، روحي انتي باركِ ليهم ويبقي سلميلي على روضه وبارك لها بدالى.
تطلعت بها في حيرة ثم أردفت قائلة :-
ـ وأنتِ مش هتيجي ليه معايا؟
حاولت تغير مجرى الحدث لعلمها انا لو علمت والدتُها بما تحدثت بهِ جارتها معها في الصباح ستغضبُ كثيرًا فقالت بابتسامة عاليه :-
ـ بابا جه انا هروح أقابله على السلم
ركضت من أمامهم وهي تلهس ، شعرت كأنها تركضُ منذُ سنواتٍ، فكلام أمُها يؤلمُها، وكلام أصدقاؤها مؤلمٌ أيضًا، ونظرات جيرانُها مؤلمه حتى لو لم يلاحظ أحد، إلا إن كلامهم يرمي بقلبها إلا العذاب ولا أحدٌ يدري ….
" فكلمةً واحده قادره تهدمُ نفسًا، وبكلمة أيضًا قادره تُبنيها"
______'__________________
في صباح اليوم التالي اجتمع الجميع حول مائدة الطعام لتناول وجبة الإفطار فقال محمد والد رونق بهدوء :-
فى عريس هيجي النهارده يشوف رونق جهزوا البيت
ابتلعت ريقُها بتوتر وأخذت تفرك كفيها بخجل فقالت خديجة مبتسمة :-
ـ بجد يا ابو عادل و هيجي امتى
شبه ابتسامة صغيرة ارتسمت على وجهه ثم أردف بجدية :-
ـ عريس ماشاء الله فى مواصفات اللي بنتك عايزها.
خفضت رأسها خجلًا فنظر إليه والدُها بحنان :-
ـ ربنا يجعله من نصيبك يا بنتي ويجعل ما بينكم القبول
تابعت خديجة حديثُها بتحذير :-
ـ بس بلاش يا رونق الأسئلة اللي العرسان تطلع تمشى من غير رد دي يا بنتي احنا مش فى ثانوية عامة.
لا ريب أن كلام والدتُها ألمها فقالت بهدوء يصاحبه ألم حاولت تخفيه :-
ـ حاضر يا ماما
ثم استرسلت حديثُها باحترام :-
ـ بعد اذنكم عشان ألحق معاد الشغل
بعد خروجِها عنف محمد زوجته قائلًا بنبره غاضبه :-
ـ كان لازمته ايه كلامك ده يا خديجة ليه تزعلى البنت
نظرت لها بضيق ثم أردفت قائلة:-
ـ انا مش فاهمه قولت ايه غلط وبعدين ايه لازمته السؤال اللي كل مره عريس يطفش بسببه ده يا محمد .
تطلع بها بقلة حيلة ثم تحدث قائلًا:-
ـ سيبيها تختار اللي هتقدر تعيش معاه يا خديجة
واسترسل حديثه قائلًا :-
ـ الشاب هيجي هو والدته الساعة ٨ بعد صلاة العشاء لما رونق تجي خليها تجهز على الميعاد، يلا انا رايح الشغل ولو فى حاجه كلموني
_______________________
تفكرى يا امي هي ممكن توافق بيا !؟
قالها يعقوب وهو جالس مع والدته يتناولون وجبة الإفطار ،
قالت مبتسمةٌ بثقة:-
ـ إن شاء الله توافق يا ابني ، انا حاسه بفرحه وراحه كده
اعتلى القلق قسمات وجهه فأردف بهدوء:-
ـ والدها قالي إنها عاوزه واحد زي صحابة الرسول .
أومأت له بتعجب ثم قالت بعد مُهله :-
كلامك عنها بيخليني متشوقه اني أشوفها يا يعقوب
التمعت عيناهُ ببريق خاص فقال بهمس :-
هي مختلفة عن أي بنت شوفتها، حجابها فضفاض، وخجوله جدًا، وجهها خالي من أي ألوان التجميل، تحسيها بريئه كده، اول لما شوفتها افتكرت "نبي الله موسى عليه السلام "
وقصته مع بنات شعيب،
نظرت له نجلاء بتساؤل :-
ـ وإيه هي القصة دي يا يعقوب
ابتسم بمحبة ثم أردف بهدوء قائلًا :-
ـ احكيهالك يا أمي
جلست مقابلًا له تستمع إليه بإنصاتٍ فقالت بمحبةٍ صادقة :-
ـ ياريت يا ابني بحب أسمع قصص الانبياء والمرسلين
اعتلى الفرح قسمات وجهه فقال مردِفًا بحنان :-
ـ من عيوني يا ست الكل وبدأ بسرد القصةُ على مسامِعها قائلًا :
سيدنا موسى عليه السلام - كان مسافر إلى أرض تسمى
" أرض مدين "
لما وصل موسى -عليه السلام- إلى أرض مدين لقى الناس بيسقو أغنامهم الماء، باستثناء بنتين قيل إنّهما بنات شعيب -عليه السلام-
وكانوا واقفين بعيد عن الماء، فذهب سيدنا موسى يسألهم عن سبب ذلك،
فقالوا له أنّهما ينتظران الرعاة حتى ينتهوا من سقاية مواشيهم،
حتى يقوموا بسقاية أغنامهم من بعدهم؛ وذلك خشية مخالطة الرجال أو مزاحمتهم،
وقالوا له أنّهم مضطرين أنهم يعملوا كده لأن أباهما رجل مسن لا يُمكنه فعل هذا وليس لديه قدرة أنه يسقي الأغنام
استمع لهم موسى جيدًا وصمم أنه يسقي أغنامهم،
وكل ده ورد في الآية اللى الله عز وجل بيقول فيها ايه :-
قال الله -تعالى-: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ* فَسَقَى لَهُمَا).
ثم استكمل حديثه بنبرةٍ هادئه :
ـ بعد كده البنتين رجعوا إلى أبيهم وقالوا له إن في رجُل صالح سقى لهما الأغنام ، وطلبت واحدة من أبيها أن يستأجره لرعاية الأغنام؛
وده برده بدليل الآيه اللي ذُكرت فى كتاب الله :-
قال الله -تعالى-: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ).
استمعت له بإعجاب فاسترسل حديثه قائلًا وهو يكمل باقي القصة :-
بعد كده سيدنا شعيب والد البنتين حب أنه يشكر موسى على معروفه اللى عمله مع بناته، فأرسل إحدى ابنتيه تبحث عنه .
سيدنا موسى عليه السلام ـ بعد ما ساعدهم على سقاية الأغنام كان جالس تحت ظل شجرة يناجي الله وده دليل أيضًا بالآية الكريمة :
قال الله -تعالى-: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ).
اقتربت منه الفتاة بحياءٍ شديد فقالت له :
إن أبي يودّ لقاءك لأجل أن يشكرك ويعطيك أجر سقاية الغنم، وكانت تمشي على استحياء بمعنى كانت خجلةٌ ومستترة في ملابسها …
وهنا ذكرت الآية الكريمة:
حيث قال الله -تعالى-: (فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا).
بعد كده سيدنا موسى ذهب للرجل والد الفتاتين وأخبره بقصته مع فرعون وظلمه، وكان دور شعيب هنا أنه بشره
بأنّه قد نجا من الظالمين لانتفاء سطوتهم على بلاده؛
ونزلت الآية دي :-
قال الله -تعالى-: (فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ).
بعد كده شعيب عرض على نبى الله موسى أنه يزوجه إحدى بناته وان يكون مهرها أنه يراعي أغنامهم لمدة ثماني سنوات
وقاله إن زودتهم لعشر سنين هيكون تبرعًا منك واحسانًا.
وهنا بقى نزلت الآية الكريمة اللي بتقول :
قال الله -تعالى-: (قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّالِحِينَ).
سيدنا موسى عليه السلام وافق على العرض اللي شعيب قال عليه.
أنهى حديثة ثم أضاف مُستدلًا بالآية الكريمة:-
قال الله -تعالى- على لسانه: (قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّـهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)
وأضاف قائلًا ببسمة هادئه :
خلاصة القصة يا أمي هي أنه سيدنا موسى عليه السلام خرج من مصر إلى مدين بعدما قتل القبطي الذي كان من آل فرعون دون أن يقصد ذلك، والتقى بفتاتين عند مورد ماء مدين فسقى لهما أغنامهما، فعادت إليه إحداهما وقد غمرها الحياء والأدب لتخبره بأنّ أباها يريد رؤيته لشكره على ما فعل، فذهب إليه موسى -عليه السلام- وأخبره بقصته مع فرعون وقومه، ثمّ قام والد الفتاتين بتزويجه إحدى ابنتيه على مهر رعي الغنم لمدة ثماني سنوات، فوافق موسى -عليه السلام.
ـ دي كل القصة الحكمة منها يا امى أنه حياء البنت وأدبها واجب عليها وعلى أهلها أنهم يربوها عليه، أكيد مش هتتجوز نبي زي موسى عليه السلام لكن أكيد هيجي لها رجل صالح زي صلاح قلبها وطهرها يا امى وده الكلام اللي بقوله لـ عائشه علطول ،
"لأن البنت دون حياء كأرض دون نبات "
ثم ختم حديثه قائلًا :-
"الحياءُ حَسَنٌ وفي النساءِ أَحسَنُ."
ابتسمت بمحبةٍ ثم احتضنه بفخر وهي تقول بدمع تملأ مقلتيها :- فخورة بتربيتي فيك يا يعقوب ربنا يزيدك يا ابنى علم، ودين وأخلاق
وحقيقي بحب أسمع صوتك في تلاوة القرآن بيريح قلبي يا ابني من هم الدنيا ووجع قلبي من فراق أبوك الله يرحمه.
ردد وراءها قائلًا ببسمة حانية وهو يقبل كف يديها:-
"اللهم امين يا حبيبتي "
___________________
انتهى الصباح بمتاعبهُ وأعماله على الجميع ، وحلت أمسيه دافئة بعنوان " ما جبر إلا ما بعد صبر "
إرتدت رونق ملابسها وهي عبارة عن إدناء فضفاض من اللون الزيتوني الغامق ولفت خمارُها بإتقان رفضت كلام والدتُها بأن تضع بعضًا ممن مساحيق التجميل على وجهها لتُغير من طلتها ، فاختارت أن تكون بطبيعتها الهادئة دون أي إضافات في ملامحها عاديه لكنها جذابة، بعد مهلة من الأنتظار ارتفع رنين الجرس الخاص بمنزلها فجلست محلها تردد بعض آيات الله سرًا لكي تهدء من توترها الظاهر بدقة على ملامحها الخجولة،
دلفت الأم خديجة بخطوات متزنة وهي تقول بفرح :-
ـ يلا يا حبيبتي الناس بره
ذهبت خلفها بهدوء وملامحها تأبى النظر لاي شيء سوء أرضية منزلهم فقالت بهمس :-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رد الجميع بترحاب شديد فتحدث محمد والدُها بحنان :-
ـ تعالى يا رونق جنبي هنا
قالت نجلاء بهدوء واعجاب صريح :-
تبارك الرحمن آية في الجمال يا بنتي ربنا يحميكي
رفعت عيونها باحترام وبشبه ابتسامه قالت :-
ـ شكرًا لحضرتك ده من لطفك الطيب ..
تحدث محمد بجدية وهو يقول بمرح لتلطيف الجو بينهم :-
تعالوا نقعد في الصالون ونسيبهم شويه
قام الجميع بهدوء وتركوا لهم المجال لكى يتعرفوا قليلًا على بعضهم ،
تنحنح يعقوب وهو يقول بهدوء :-
كيف حالك يا أستاذه رونق
بلعت ريقُها بتوتر وهي تجيب بخجل :-
ـ بخير والحمد لله
استرسل حديثه باحترام :-
ـ اعرفك بنفسى اسمى يعقوب مهندس ميكانيك شغال فى مصلحه حكوميه .
رفعت بصرها لوهلة وهي تقول :-
ـ تشرفت بمعرفة حضرتك
تابع حديثه باهتمام :-
ـ فى أي حاجه حابه تعرفيها عني أو أي سؤال تحبى تسأليه ؟
فركت كفيها بتوتر ملحوظ ومن ثم حاولت استجماع شجاعتها فقالت بهدوء :-
ـ حضرتك عايز تتجوز ليه ؟
تعجب من طرح سؤالها فقال بثبات:-
ـ عشان أكمل اللى ربنا أمرني بيه نصف ديني، زوجة تعيني وأعينها على طاعة الله ..
اعجبت برده فطرحت سؤال أخر :-
ـ الرسول صلى الله عليه وسلم قال حديث عن النساء تعرف معناها وهو
اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولهن عليكم رزقهن، وكسوتهن بالمعروف..
ابتسم بإعجاب أشد لها فقال بهدوء:-
ـ أي أن نتقي الله فيهم و نعاملهم بالحسنى وان يكون الزوج صبورًا وحنون.
تابعت رونق أسئلتها بثبات :-
ـ مستعد انك تصحيني كل يوم قبل الفجر بساعتين لصلاة القيام والفجر ..
قال مبتسمًا بثقة ويقين :-
ـ هنصحى سوى لأن مش بصلى غير القيام والفجر فى المسجد
تنفست براحه وهي تقول :-
ـ ليه اخترتني أنا
قال مردِفًا بصدق :-
عشان لقيت فيكِ اللى كنت بدور عليه من سنين الحياء والأدب والأخلاق،
وهناك ما يقول "سيماهم على وجُههم "
قالت بتوتر من أثر حديثه بعدما أعلنت أخيرًا دقات قلبها تمردها على ذلك القلب المقفل بعقدٍ متين :-
ـ في أي سؤال حابب حضرتك تسأله ليا
تحدث قائلًا :-
عرفت إجابة أسئلتي من طرح أسئلتك وحقيقى هكون محظوظ لو بقيتي من نصيبي
ثم نظر لها بعمق للمرة الأخيرة وهي تنظر له بخجل فقال بهمسٍ بداخله :-
" وقعتُ أسيرًا لعيناكِ وما أنا بعاصىٍ لأتوب "
- يتبع الفصل التالي اضغط على (فجاءته تمشي على استحياء) اسم الرواية