رواية جوازة ابريل الفصل الرابع 4 - بقلم نورهان محسن
الفصل الرابع (نقطة رجوع)
أسوأ المتاهات التي من الممكن أن يمر بها المرء هي متاهة العقل ، أن يكون ساكن جدًا من الخارج ، وبداخل عقله يركض في تلك المتاهة متأملاً الوصول إلى آخرها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Flash Back
قبل الأحداث الأخيرة بأربعة أيام ، وهم بمثابة محور الأحداث.
من هنا تبدأ الرواية
✾♪✾♪✾♪✾♪✾
: هيا .. استعداد!!!
صدح صوتاً عالٍ فى مكان واسع يعج بالسيارات والجماهير.
داخل إحدى السيارات صاح شخص يجلس بجانب مقعد السائق يرتدي خوذة : بقولك ايه .. ما بلاش منه السباق دا
أنهى جملته بنبرة قلقة ، رد عليه الآخر بسخرية ، وهو جالس بجانبه وهو يرتدي خوذة مماثلة : مالك يا اشرف !! اومال راح فين القلب الحديد
أضاف بصوت أعلى إرتفاعاً ، وهو يضغط بكفيه على عجلة القيادة : جمد قلبك كدا هي اول مرة
_انطلاق...
بعد فترة وجيزة
: حاسب يا باسم
صرخته المذعورة مزقت جوانب السيارة ، بعد أن اصطدمت إحدى السيارات بهم ، ليحاول باسم السيطرة على السيارة ، لكنها استدارت بعنـ*ـف ، مما تسبب في انقلابها عدة مرات ، وتحطمها بقسـ*ـوة على الأرض.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى مدينة القاهرة
تشرق الشمس في الصباح الباكر معلنة بداية يوم حافل بالعديد من الأحداث.
عند ابريل
داخل منزل كبير في أحد المجمعات السكنية الضخمة محاط بأسوار عالية ، وحراسة خاصة من أجل الحصول على الأمان الكافي ، والعزلة الكاملة عن الازدحام والتلوث ، في مجتمع خاص يضم ثقافات معينة تحترم خصوصية الفرد وتوفر له القدر الذى يحتاجه من الرقى الحضاري.
تحديدا فى غرفة فسيحة تدل علي رفاهية سكان المنزل ، ذات طلاء جدران باللون الأخضر الفاتح الذي يبث شعوراً بالراحة والإنتعاش ، ويدمج معه بتناسق ألوان الأزرق والرمادي الخافتين للسجاد والسرير ، وغرفة الملابس الصغيرة والستائر ، ليعطي منظراً أنيقاً ، وتبث الصفاء في نفوس من ينام فيها.
تجلس ابريل على السجادة بجانب سريرها ، مربعة القدمين ، تضبط قاعدة الهاتف على وسادة عالية ، ثم تنقر على زر الاتصال ، وبعد بضع ثوان ، يطل وجه امرأة عجوز مبتسمة ببشاشة من خلال الشاشة ، فتفرقت شفتيها الممتلئتين بابتسامة مشرقة ، وخديها اللذان تزينهما غمازات تضيفان على وجهها البهجة : يا صباح النشاط والعسل يا توحا قلبي
ردت تحية عليها بنفس الإبتسامة : صباح الهنا علي قلبك يا ضنايا
أدرفت تحية بإندهاش : يخر.بيت اللي اسمها ايه دي اللي بتلعبيها كل ما اكلمك الاقيكي بنفس القعدة دي يا ابريل
ضحكت ابريل تهز رأسها سلبًا ، ثم قالت موضحة لها : يا توحا قولتلك كتير دي رياضة صحية جدا اسمها يوجا
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى إحدى البنايات شاهقة الإرتفاع.
عند باسم
دوى صوت الهاتف الخلوي ، ليهب جسده بإنتفاضة على السرير الكبير ، وهو يوزع نظراته الزائغة في تلك الغرفة الفسيحة التي أضاءت بمصباحين كهربائيين بضوء خافت على جانبي السرير ، والشمس الساطعة في الخارج لا تجد طريقة للدخول من خلال الستائر المغلقة ، ليتنهد بارتياح عندما أدرك أن ما رآه لم يكن سوى مجرد حلم ، بل كابوس معتاد أن يراه منذ فترة طويلة.
التقط باسم هاتفه من الطاولة الجانبية للسرير ، وأجاب دون النظر إلى رقم المتصل من بين أنفاسه اللاهثة : ايوه!!
رد الطرف الأخر ، قائلا بسخرية : زي ما توقعت لسه الباشا نايم؟!
اتكئ باسم برأسه على الوسادة ، مغمضاً العينين ، ثم رد متذمراً : وهو حد بيصحي بدري كدا يا صلاح؟!
قال صالح متهكماً بنبرة ساخطة : بتقول صلاح حاف كدا لأبوك يا عد.يم التر.بية .. ثم البني ادمين الطبيعيين بيصحوا بدري مش زيك صا.يع وبيصحي بعد الضهر
رافق ضحكته سعال خفيف ، ثم سأله بنبرة أجش متجاهلا كل ما قاله له : انت ازي صحتك يا بابا؟!
تشدق صدغ صلاح بجانبية ، قائلا بصوت شبه ساخر : زي الحديد يا روح ابوك وفي الشركة من بدري كالعادة
أفرج باسم عن جفونه ، ناظرًا إلى ساعة الهاتف ، ليجد أنها لم تكن سوى التاسعة صباحًا ، فقال بصوت هادئ : كنت هكلمك علي فكرة انهاردة عشان عايزك في موضوع
صاح صلاح بنبرة تعجب ، وهو يضحك مستهزئًا بكلماته : والله !! ضروري يكون موضوع مهم اللي يخليك تلاقي وقت تكلمني وسط انشغالاتك اللي مابتخلصش
هز باسم كتفاه للأعلى ، وهو يلوى شفتاه مغمغماً : بتتريق يا حج ..
تنهد صلاح بقلة حيلة ، ثم هتف بحزم : نهايته .. ماتتأخرش علي اجتماع انهاردة ومفيش اعذار .. وبالمرة نشوف كمان موضوعك المهم دا
رد باسم منهياً الحديث : تمام جاي
أغلق الهاتف ، وألقاه بجانبه على السرير ، ثم استلقى على بطنه ، وعاد إلى النوم مرة أخرى.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى نفس الوقت
داخل غرفة إبريل
نهضت ابريل من مكانها بمجرد أن أنهت جملتها ، متبيناً طولها الضئيل إلى حد ما ، لكنها تتمتع بقدّ متناسقًا يجمع بين النحافة والأنوثة معًا ، موليها ظهرها لتذهب إلى غرفة ملابسها الصغيرة ، معقبة بسؤال : المهم طمنيني عليكي لسه رجلك بتوجعك؟
أجابتها تحية موضحة لها حتى تطمئن : دهنت المرهم قبل ما انام و اهو الحمدلله علي كل حال خلاص بقي العضمة كبرت
أنهت تحية جملتها بضحكة ساخرة على نفسها ، وابريل جاءت من الداخل ، قائلة بتذمر خفيف : تحية ماتقوليش كدا .. ما انتي لسه شباب اهو
عدلت تحية مفرش الطاولة أمامها ، وقهقهت بخفة ، ثم تساءلت بدهشة : بطلي البكش يا بت .. انتي بتلبسي كدا و رايحة علي فين .. ايه وراكي جامعة؟
ردت أبريل بتصحيح ممزوج بالمرح ، بينما كانت مشغولة في تزرير قميصها الأبيض ذي الأكمام الطويلة بخطوط زرقاء فاتحة بعد أن دسته في بنطالها الأسود : انتي لسه فاكرة يا توحة .. ما انا خلاص اتخرجت وقريب هتوظف كمان في شركة مقاولات كبيرة .. ادعيلي انتي بس
خرجت الكلمات من جوفها بحنان : ربنا يوفقك يا بنتي .. المهم خطيبك موافق علي شغلك دا ولا هيضايق؟!
أجابت ابريل على سؤالها بالنفي ، وهي تحمل هاتفها لتتوجه به إلى منضدة الزينة ، لتضعه فوقه قبل الجلوس على الكرسي : لا طبعا هو موافق .. اصلا انا متفقة معاه اني عايزة اشتغل حتي بعد الجواز وهو ماعندوش مانع ..
رددت تحية بهدوء : ربنا يهدي سركو يا حبيبتي ..
استأنفت تحية حديثها مقوسة فمها بعبوس : شوفوا بكش البت ماقولتيش برده رايحة علي فين يا غندورة؟
ضحكت ابريل بخفة ، وهي تتخلى عن المشط الذي كانت تمشط به شعرها الأشقر الطويل ، المتدلى إلى منتصف ظهرها ، ثم التفتت إلى الشاشة بعيناها الشبيهة بعيني جدتها ، وردت عليها بإيضاح : انا يا ستي رايحة للبنات في المطعم .. عشان اخد باقي حاجتي واعمل المخالصة واخد باقي مستحقاتي عشان خلاص الفرح فاضل عليه اسبوعين بس
بادلتها تحية الإبتسامة بسعادة ، ثم قالت تدعو لها بحنو : الله يفرح قلبك يا حبيبتي ..
سرعان ما زمت شفتيها ، مردفة بإستياء : معرفش مطعم ايه دا اللي كنتي متمسكة بالشغل فيه وانتي من اقل حاجة بتتعبي .. والله ابن حلال مصطفي دا انه اقنعك تسيبيه
أنهت تحية كلامها ، وهي تحرك رأسها برضا دون أن تلحظ تعابير ابريل التي استاءت ممً قالت ، ثم هتفت بعناد ما بداخلها : يا ستي انا مكنتش تعبانة فيه ولا حاجة .. كنت بشتغل في اجازة الصيف وباقي السنة في التدريب تبع الكلية .. ثم بقي هو ما اقنعنيش بحاجة شئ طبيعي اني بعد ما اتخرج اتوظف بشهادتي اللي حاربت عشان اخدها
قالت ابريل جملتها الأخيرة بفخر ، وهي تعقد كلتا يديها إلى صدرها ، لتهز تحية رأسها بابتسامة ملتوية من عناد حفيدتها الذي لن يتغير أبدًا ، ثم قالت بتوبيخ لطيف : يادي راسك النشفة ما براحة شوية علي الراجل .. وايه مش ناوية تيجي بقي نفسي اشوفك لحم ودم بدل ما بشوفك جوا شاشة كدا
نطقت تحية كلماتها بنظرات مليئة بالشوق الكبير ، وامتلأت عيناها بالدموع ، فخرجت تنهد من أعماق الأخرى ، معبرة عن مدى اشتياقها لها أيضًا ، بينما اقتربت بوجهها أكثر من الشاشة ، وهى تتمنى أن تكون بإستطاعتها الآن معانقتها ، لكنها قالت بلطافة : يعني انا اللي مش نفسي يا ستي .. خلاص بقي ماتعيطيش عشان خاطري .. معلش اهي تصبيرة لحد ماتيجي تقعدي معايا شوية قبل الفرح .. ووقتها مش هخرج من حضنك غير علي حضنه هو
اختتمت ابريل حديثها بنبرة عابثة ، لتمسح تحية دموعها في طرف حجابها ، ضاحكة بخفة على كلمات حفيدتها التي بدلت الجزع داخل قلبها إلى مزحة غيرت مزاجها للأفضل ، قبل أن تنتقدها بسخط مصطنع : اتلمي يا قليلة الحيا.ء .. يعني انتي بجد مبسوطة معاه يا ابريل
صمتت ابريل لعدة ثوانٍ ، ثم ردت عليها بنبرة مطمئنة : الحمدلله يا ستي .. مصطفي انسان هايل في كل حاجة .. طيب ومتفاهم وناجح في شغله ومحترم هعوز ايه تاني يعني؟
نظرت ابريل إليها لبضع لحظات ، ثم رفعت يدها ، مشيرة إليها بإصبعها بحركات دائرية ، وأضافت بابتسامة مليئة بالتحذير : الدور عليا انا بقي .. اوعي تضحكي عليا وماتاخديش الدوا في مواعيده يا توحا .. انا متابعة مع صابرين وبتقولي علي كل حاجة
تعالت ضحكات تحية على تلك التي لا تتوقف عن قول التعليمات بطريقة هزلية ، ثم تمتمت مستسلمة : ماشي يا سنفور المحطة بتتفقي عليا انتي وخالتك الفتانة ..
أضافت تحية بعد أن تبدلت تعابيرها إلى الجدية : دا انا اللي المفروض اسألك اخبار صحتك ايه بتاخدي ادويتك ولا لا يا ابريل؟ انا ببقي قاعدة هنا وقلبي قلقني عليكي
هزت ابريل رأسها علي الفور مؤكدة لها : اطمني عليا انتي عارفاني قد ايه منظمة في كل حاجة ومهتمة بصحتي علي الاخر
ردت تحية بإريحية : جدعة انا بستريح لما بتسمعي الكلام .. وياريتك سمعتي كلامي وماكنتيش ضربتي شعرك في الخلاط كدا بقيتي شبه الفر.نجا خالص
ضيقت ابريل فيروزيتها بدهشة ، ثم صاحت ضاحكة : فر.نجا!! يا توحا الفر.نجا خرجوا من مصر من قبل ماتتجوزي انتي وجدي يا حبيبتي ..
أدارت ابريل رأسها تتطلع فى المرآة على هيأتها ، وهى تحرك خصلات شعرها بأطراف أصابعها ، وأضافت بعبوس لطيف : وبعدين مالو شعري .. بذمتك يا توحا مش حلو الاصفر ولايق عليا اكتر من البني
قالتها ابريل بإستفهام ، لتجيبها تحية بإبتسامة حنونة : حلوة وزي البدر .. بس اللون الرباني اللي مولودة بيه كان مالو ..
التفتت ابريل برأسها نحو الشاشة ، وهى تبعث لها قبلة فى الهواء مغمغمة بصدق : ربنا يديمك ليا يا توحا ومايحرمنيش منك ابدا .. انتي نعمة ربنا عليا انتي الحنان و الدنيا كلها عندي يا توحتي
_ ويخليكي ليا يارب ..
سألتها مستفسرة : ها امك ماكلمتكيش ؟!
تغيرت تعابير وجهها بعد سؤال جدتها ، لكنها سرعان ما ردت بنبرة عادية : لا يا ستي
علمت تحية أنها تشعر بالضيق ، لذلك حاولت كالعادة أن تريحها بالأعذار الواهية التى قد حفظتها الأخرى عن ظهر قلب : يمكن مشغولة يا حبيبتي مع اخواتك .. وعشان انتي عارفة ليل اختك علي وش ولادة ربنا يكون في عونها .. ابقي كلميها انتي ..
اخذت ابريل نفسا طويلا ، ثم تمتمت بهدوء : حاضر يا توحا..
أردفت ابريل سريعا تزامناً مع نهوضها : ستي .. هقفل معاكي عشان ماتأخرش خدي بالك علي نفسك
_ وانتي كمان يا حبيبتي ربنا يحرسك ويحميكي من كل شر يارب
بمجرد أن قالت تحية جملتها الأخيرة ، أرسلت لها ابريل قبلة في الهواء ، ثم نقرت على الشاشة لإغلاق المحادثة بينهما ، لتلتفت إلى المرآة ، ثم أمسكت بالفرشاة الصغيرة ببعض التوتر ، لتبدأ بوضع ثمة من مساحيق التجميل على بشرتها.
خطرت كلمة جدتها "أمك" على ذهنها عدة مرات ، لتبتسم بعفوية ساخرة ، فالأمومة هي علاقة روحية ترابطية تتكون من أحاسيس ومشاعر تشعر بها المرأة تجاه أطفالها ، ولكن تلك العلاقة لم تكن موجودة بينها وبين والدتها قط ، رغم أنها ابنتها الكبرى ، لكنها تعاملها دائمًا على أنها خطئاً جثيماً حدث في حياتها ، فظلت تكافح بكل طاقتها لإبعادها عنها ، وقد اعتادت على ذلك الشعور ، لكنها لم تستطع التغلب على عقدة النبذ التي مرت بها منذ أن وعت تلك الحياة ، وجدت والديها منفصلين عن بعضهما البعض ، حيث كانت والدتها الزوجة الثانية لأبيها الذي تزوج من امرأة أخرى بدون علم زوجته ، وعندما كانت حاملاً بها طلقها الأب حتى لا يفقد زوجته الأولى ، ثم تزوجت والدتها من رجل آخر ، وهي لا تزال طفلة لم تبلغ عامين من العمر ، لتترك مسؤوليتها الكاملة لأبيها ووالدتها المسنين ، بينما يرسل لها والدها مبلغًا شهريًا دون أن يكلف عناء الطريق ويأتي لرؤيتها ، كما الحال مع والدتها التي لا تسأل عنها إلا نادرًا بعد تلقيها توبيخًا من والدها لإهمالها فى ابنتها ، وكثيراً ما يحاولون إقناعها بتربيتها في حضنها مع أخواتها الثلاث الصغار في الإسماعيلية ، ربما تتحسن صحتها الهزيلة ، لكن ما هو بعيد عن العين بعيد عن القلب ، ومع مرور السنين نسوا أن لديهم طفلة صغيرة مفترضاً أن يسألوا عنها ، أما هي فقد عاشت متجنبة التفكير فيهم ، تصب تركيزها على الدراسة ، والإهتمام بصحتها الضعيفة فقط.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى محافظة الفيوم
تحديدا داخل اسطبل الخيول
إنكمشت ملامحه بذهولٍ ، مستفهماً بصوت أجش : يا خبر ابيض انتي لسه بتعيطي يا دكتورة لميس؟!
اشاحت لميس وجهها بعيدًا عن ذلك الرجل الذي بدا أنه في الخمسين من عمره ، وازالت بمحرمة ورقية دموعها العالقة على وجنتيها المقتحنة بالدماء لتقول بصوت متحشرج : لا انا تمام .. بس زي ما تقول كدا اول مرة ليها رهبة شوية
قالت لميس ذلك بضحكة صغيرة بعد أن التفتت نحوه ، وقد استحالت عيناها البندقية إلى اللون الأحمر ، فأومأ لها برأسها مقدراً ما شعرت به ، وقال بهدوء وقور : عشان اول مرة فرس يتولد علي ايدك .. بس انتي اتعاملتي بشكل كويس جدا مع الحالة وكنتي قدها واكيد هعتمد عليكي كتير الفترة الجاية
فرحت لميس كثيرا بمدحه على أدائها ، لتنفرج شفتاها بابتسامة أظهرت جمال غمازة ذقنها ، لتهتف بامتنان : ميرسي جدا يا دكتور كله بتوجيهات حضرتك
بادلها الإبتسامة متمتماً : ربنا يكرمك يلا هستأذن انا
ادارت لميس عينيها نحو الكوب الممتلئ فوق الطاولة القريبة منهم ، متسائلة بتعجب : مش هتشرب شايك يا دكتور؟!
هز رأسه سلباً ، ليقول بلطف : مرة تانية .. سلامو عليكو
: سلام ورحمة الله وبركاته
قالت لميس بإحترم تزامنًا مع خروجه من المكان ، ورفعت ذراعيها لضبط شعرها الذي ربطته من الخلف مثل ذيل الحصان ، ثم بعد لحظات قليلة ، وجدت رجلاً عجوزًا يقترب منها من الداخل ، لتو.بخه برفق : ايه عم متولي .. كل دا كنت فين؟
أجاب متولى موضحاً ، بينما يمشى ورائها بين مقصورات الأحصنة : كنت لا مؤاخذة بطمن علي الفرس مرتاح في مكانه الجديد
صمتت لميس قليلاً تمسد جبهتها بتفكير ، ثم قالت بتبرم : طيب كنت عايزة اسألك عن حاجة .. بس نسيتها .. اللهم ذكرني
تبسم متولى ، وقال بتعاطف : معلش ليكي حق تنسي من كتر التعب اللي تعبتيه جنب مهرة
حركت لميس رأسها بالإيجاب ، متمتمة بحبور : اهم حاجة ان ولادتها عدت علي خير الحمدلله
رد متولى ، ماسحاً حبات العرق التى تلمع على جبينه : الحمدلله ربنا سلم انها ولدت قبل سفرك بيوم واحد
وافقته لميس مبتسمة بمرح ، وهي تنظر إلى الحصان الذي كان رأسه بارزًا فوق السياج الخشبي المغلق عليه : معاك حق مش متخيلة ان ولادتها كانت ممكن تفوتني لو سافرت من هنا وهي عملتها من هنا .. بعد 11 شهر قاعدة جنبها مستنية اللحظة دي
صدح صوت ضحكاته من حماسها ، بينما استدارت لميس متوقفة عن السير ، لتقول سريعا : اخيرا افتكرت خليت غضبان يشوف الفرس المولود
تشدق صدغه ، قائلا بابتسامة جانبية : و دا كلام يا دكتورة لميس!! شافه اومال ايه مش ابنه .. وماتتصوريش فرحته بيه قد ايه!!؟
ابتسمت لميس له ، ثم التفتت تستكمل طريقها محذرة إياه : طيب المهم تخلي مهرة بعيد عنه
هتف متولى بثقة : ماتقلقيش يا دكتورة هي دي اول مرة .. عمري كله قضيته معاهم وحافظ كل عوايدهم
وصلت لميس إلى مدخل الإسطبل ، قائلة بلطف : ربنا يديك الصحة يا عم متولي .. هروح انا علي البيت محتاجة انام جدا بجد
رد متولى عليها ببشاشة : مع السلامة يا بنتي
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت
فى مدينة "المنصورة" درة التاج الذى يلمع فوق رؤس كل أبناء الدقهلية
تحديداً داخل حى من احيائها المتوسطة
فتح أحمد باب المنزل بمفتاحه ، ليدلف إلى الداخل ووضع حقائبه على الأرض ، ثم استدار وأغلق الباب خلفه ، ليدور مرة أخرى ، ففاجأ بقفز شخص عليه ، واحتضنه بقوة ، بينما ترنح هو للوراء ، لكنه وضع يديه خلف خصرها ، ممسكًا بها بإحكام ، ونطق اسمها متعجباً : نادية!!
صدق من قال أن العناق هو لملمة أرواح ضاق بها اتساعها ، وهذا هو شعورها عندما احتضنته بعد غياب طويل ، لتهمس بلهفة قرب أذنه : احمد يا حبيبي .. وحشتيني اوي
لم تتلق أي رد منه ، إذ أصيب ذهنه بالصدمة ، حيث لم يكن يعلم هذا الشعور الذي كان يحوم بداخله منذ اللحظة التي رأى فيها ظهورها ، بهذا الشكل الجديد عليه.
انتبه أحمد لها ، وهي تحدق به بسعادة بعد أن خرجت من حضنه ، لتردف بعيون تشع بالحب : حمدلله علي سلامتك يا حبيبي .. نورت بيتك
سألها أحمد متمعناً النظر بها : تسلمي يا حبي .. ايه اللوك دا جديد ولا ايه؟!
أنهى أحمد كلماته ، وهو يلتقط خصلة من شعرها الأشقر المصبوغ ، لتجيبه نادية ببساطة : من باب التغيير يا روحي .. مش حلو عليا!!
سألته نادية دافعة شعرها للخلف بنعومة ، فأجابها بإعجاب : بالعكس شكلك زي القمر فيه
تابعت نادية بسؤال أخر ، لكن بنبرة منخفضة أكثر : والفستان .. ايه رأيك فيه عجبك!؟
تأمل أحمد قوامها الممتلئ فى الأماكن الصحيحة في ذلك الفستان الأزرق الذي يحتضن الجزء العلوي منها ، ويكشف بشرة رقبتها القمحية بسخاء ، ثم ينسدل إلى كاحليها بتصميم مجسم الشكل وبنصف أكمام ، ليعاود النظر إليها هامساً بصوت رجولي أجش : محليكي اوي هياكل منك حته يا عسل العسل
لمست نادية يدها كفه ، ثم اقتربت منه بجراء.ة ، ووضعت قبلة على خده بهدوء ، مغمغمة بنعومة فطرية : ربنا يخليك ليا يا حبيبي
حمحم أحمد بخفة ، ثم توجه إلى إحدى الأرائك ، ليجلس عليها باريحية ، ثم سألها ، ملتفتاً برأسه يمينًا ويسارًا : اومال فين زينب؟
أجابت نادية متتبعة إياه ، ثم أجابت على سؤاله ، وهى تجاوره على الأريكة : اول ما صحيت من النوم نزلت بتلعب عند ستها
قطبت نادية جبينها بدهشة ، وتابعت مستفسرة : هو انت ماعديتش عليها ولا ايه؟
قال أحمد نافياً : هغير هدومي وابقي انزلها .. بس الاول عايز اشرب ريقي ناشف اوي
نهضت نادية على الفور ، لتقول سريعا : خلاص خش غير .. وانا هجيبلك تشرب
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عودة إلى مدينة القاهرة
فى سيارة هالة
تقود هالة سيارتها متوجهة إلى مكان عملها ، هائمة مع جارة القمر ذات الصوت الملائكي "فيروز" ، فهي فنانتها المفضلة في كل الأوقات.
تنهدت هالة بصوت عال ، وظل عقلها يدور في دوامات الأفكار التي تتداخل وتتشابك في رأسها ، وتزداد تعقيدًا كلما تعمقت في تفكيرها ، حتى تذكرت ظهورها الطفيلي في حياتها ، بدأ الأمر منذ تلاوة الفاتحة ، حيث أخذ يتردد اسم تلك المرأة بين أفراد عائلته في المنزل بشكل عفوي شديد ، وحتى على شاشة هاتفه ، تم تداول مكالمات ورسائل بينهم أمام عينيها ، هذا ما جعلها تسأل عن هوايتها ومن تكون ، وقد تفاجأت جدا ، من بساطة رده عليها من وجهة نظره ، عندما قال بمديح رهيب :
"دي البيست فريند بتاعتي .. قريب هعرفك عليها .. هتحبيها اوي .. هي لذيذة جدا وطيبة جدا وجدعة جدا جدا"
خرجت هالة من شرودها على صوت رنين هاتفها ، الذي تم تثبيته على حامل معدني في لوحة الإعدادات ، لتنظر إلى شاشته التي أضاءتها صورة فتاة ذات وجه جميل ، ثم حولت انتباهها مرة أخرى إلى الطريق ، وهي تضع سماعاتها اللاسلكية في أذنيها ، لتنقر على الشاشة هاتفة ببحة خفيفة في صوتها : ايه يا حبيبتي!!
ردت الأخرى بإستفهام ، حينما لاحظت تحشرج صوت الأخرى : مال صوتك انتي لسه نايمة ولا ايه؟!
ضيقت هالة ما بين حاجبيها بدهشة ، ثم أجابت مستنكرة : نوم ايه بس !! الساعة داخلة علي عشرة يا لميس .. انا رايحة علي المستشفي .. انتي اللي باين علي صوتك نيمانة خالص؟!
رفعت لميس يدها لتفرك عينيها بخفة ، وهى تخبرها بنبرة مرهقة : اه والله يا هيوش فضلت طول الليل سهرانة جنب عزيزة لحد ما ولدت .. مغفلتش ولا لحظة
صدح صوت هالة بدهشة : ايه دا بجد ولدت .. طب الحمدلله هي عاملة ايه وجابت ايه؟!
ابتسمت لميس بإتساع ، لتجيبها بحماس مفرط : جابت فرسة انما ايه جميلة اوي اوي ماشاء الله .. هبقي ابعتلك صورتها
تساءلت هالة بنبرة هادئة : طيب انتي اساسا جاية علي امتي؟
اخذت لميس بضعة ثوانٍ تفكر ، ثم ردت عليها : علي بعد بكرا ان شاء الله هكون عندكو
زفرت هالة بصوت عال ، ثم قالت بإحتياج : ياريتك تيجي بكرا يا لميس .. بجد انا متوترة جدا ومحتجاكي معايا بكرا
سألت لميس بإهتمام : اشمعنا يعني بكرا؟!
أخبرتها هالة بصوت مضطرب : ياسر عزمني نخرج بكرا بليل
هتفت لميس بشقاوة : يا بختك يا عم .. اومال عايزاني اجيلك بكرا ليه بقي؟
تابعت هالة حديثها موضحة لها : اصل هتكون جميلة موجودة هي وخطيبها وهو عزم يارا كمان
تراجعت الإبتسامة عن شفتيها تماما ، محذرة إياها بعدم رضا : تاني يا هالة مش كفاية اللي حصل في المقابلة الاولانية عايزة تخرجي مع البت دي عشان يتحر.ق دمك من تصرفاتها السهتو.نة دي
إنكمشت ملامحها الجميلة ، وكأن الحديث الدائر أصابها بالضيق بسبب مصداقيته المطلقة ، لترد هالة بصوت متكدر : اعمل ايه يعني يا لميس ماينفعش ارفض لان في ناس تانية هتكون موجودة .. وهو مصمم تيجي عشان يعرفنا اكتر علي بعض؟!
جعدت لميس حاجبيها من نبرة صوتها ، ممَ جعلها تشعر بأنها مرغمة على أمرها ، فصاحت معارضة متذمرة : ايه هو الكلام دا !! انتي هتتجوزيها هي ولا هتتجوزيه هو يا بنتي ؟؟ وبعدين ازاي بيتعامل ايزي كدا .. ولا هو مش حاسس ان الوضع غريب .. واحدة هيخطبها رايح يخليها تقابل صحبته .. والله هموت واجي بسرعة عشان اشوف الكيادة دي .. عندي فضول رهيب اني اشوفها بجد
قالت لميس كلماتها دفعة واحدة ، ممَ تسبب في وجوم الآخرى ، قائلة بسخرية : هانت يا اختي مستعجلة علي ايه
زفرت لميس أنفاسها بقوة لم يخف تذمرها ، مستكملة حديثها : دي جبارة يا هالة اول مرة تشوفيها قعدت قدامك تقوله ماتحطش هوت سوس كتير في الاكل عشان قولونك مايوجعكش .. فاهمة دي معناها ايه يا خايبة؟! دي بتفهمك بخبا.ثة كدا انها عارفة ادق تفاصيله وعارفة صحته بتتعب من ايه ويا حبيب امه قولونه بيتعب من ايه؟!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نهاية الفصل الرابع
#رواية_جوازة_ابريل
#نورهان_محسن
اتوضحت حاجات كتير في الفصل دا
شرح بسيط لحياة ابريل السابقة
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية