رواية ديجور الهوى الفصل السادس و الخمسون 56 - بقلم فاطمة طه
تبكي بشدة..
منذ أن أنهى ذلك الملعون المكالمة وهي في حالة قهر، تبكي وتنوح ولم تختلف سوسن عنها في شيء بل كانت ما تشعر به أقوى رُبما…
في الفترة الأخيرة بدأت تحاسب نفسها، تحاسب نفسها منذ أن كانت ابنه الثامنة عشر……….
تبكي هي الأخرى وتشعر بالتوتر الرهيب تحاول تهدئه شمس ولكنها كانت في حالة مختلفة عن أي انهيار سابق، رُبما لأنها كانت في أقصى مراحلها نضجًا، أقصى مراحلة وصلت لها من الخجل مما كانت تفعله، لم تصل يومًا إلى تلك المرحلة، لم تكن يومًا مدركة ذنب ما فعلته بتلك الطريقة كانت تعلم أنه شيء خاطئ لكنها المرة الأولى التي بدأت تدرك حتى ولو قليل الغفلة التي كانت بها…
تجلس سوسن على المقعد رغم بكائها إلا أنها كانت في حالة يقظة تلقي بصرها على الطاولة تنظر إلى هاتفها وهاتف شمس تنتظر اتصال من منير لا تعلم كيف سيكون…
أو رنين الجرس إلا أنها تنتظر رد فعل منه…..
لن يصمت منير، سيلومها، سوف ينتقم منها…
رُبما سيمتنع عن إثبات نسب شمس، من الممكن أن تتوقف الإجراءات؟!
هي لا تعلم ليست واعية لدرجة كافية بتلك الأمور القضائية ولكنها تخشى أن يتعطل كل شيء، فأخبرها ليلة أمس بأنه بضعة أيام وسوف تكن هويتها في يدها بعدما ذهبت للتصوير من أجل البطاقة الشخصية..
صدع صوت الجرس هنا انتفضت سوسن في مقعدها؛ بينما ظلت شمس على حالتها تدفن وجهها بين يديها على الأريكة جالسة في حالة انهيار تام لا تدري إلى متى سيظل الماضي يلاحقها….
هل أتى منير؟!
هذا السؤال الذي كان في عقل سوسن، لكنها كانت مجبرة أن تنهض وتفتح الباب بأعين مرتعشة، لتجد بشرى أمامها في حالة لم تختلف كثيرًا عن حالة شمس لكنها رُبما قد حاولت أن تتجاوز الصدمة وتتعامل بصورة طبيعية..
تحدثت بشرى بنبرة مقتضبة:
-مساء الخير؛ فين شمس؟!.
غمغمت سوسن وهي تمسح دموعها:
-جوا، اتفضلي يا بنتي..
ولجت بشرى إلى الداخل وهي تشعر بالاستغراب…
لا تعلم لما تلك المرأة تبكي؟!!
هل وصل لهم الخبر؟!.
وولجت إلى الداخل لتجد شمس في تلك الحالة، هذا شيء عجيب جدًا؛ فأكدت عليها جدتها بأنها لا تعرف رقمها ولا تستطيع الوصول إلى الرقم، هاتف والدها برمز لا تعرفه وهي لا تحسن التعامل مع الأجهزة الحديثة، ووالدها يرغب في رؤيتها وفي حالة صحية حرجة جدًا…
إذن كل هذا يعني بأن شمس ووالدتها لا يعرفا شيئًا..
إذن لما هذا البكاء؟!….
نهضت شمس من فوق الأريكة لتقف أمام بشرى لتمسح دموعها وتحدثت بصمود رهيب لا يليق بوضعها حقًا، لكنها ترى أمامها ابنه منير الحقيقية، فتاة تستحق أن تكون ابنته على الأقل، مهذبة، محتشمة، لبقة، متعلمة، بها كل الصفات التي ليست بها…
-طبعا باعتك علشان يلغي كلامه بس أنا برضو مش هسكت عن حقي مهما كان عذره…
نظرت لها بشرى بعدم فهم، متمتمة بنبرة مكتومة:
-يلغي كلامه ايه؟! أنتِ بتتكلمي عن ايه؟!..
تحدثت شمس بنبرة مقهورة لكنها كانت قوية رغم الذل التي تحمله بين طياتها:
-اكيد شاف الفيديوهات وحابب يرجع في كلامه، بس مهما كنت ده ميديش لأي حد الحق يحاسبني لأنه اكيد مش منتظر مني أكون زيك، زي بنته اللي عايشة عمرها كله معاه ورباها…
سألتها بشرى بـ ريبة:
-فيديوهات ايه؟! أنتِ بتتكلمي عن ايه؟!.
ضيقت شمس عيناها متحدثة بتردد وبدأت تدرك من أن بشرى لا تعرف شيء من الأساس:
-أومال أنتِ جاية ليه؟!..
تحدثت بشرى بنبرة عفوية رغم شكها في الحديث ومحاولاتها في ربط الأحداث:
-أنا جيت علشان تيجي معايا اسكندرية بابا في المستشفى وعايزك..
شهقت شمس بمشاعر غريبة تشعر نفسها هي الجاني عليه رُبما أمر فيديوهاتها هو ما جعله يصل إلى تلك الحالة…
لكنها لم تصل إلى حد صدمة ابنة بمرض أبيها أو أن شيء أصابه…
هتفت بشرى باقتضاب:
-فيديوهات ايه اللي بتتكلمي عليها؟!!.
تحدثت سوسن بارتباك شديد:
-شمس بس مش عارفة هي بتقول ايه و….
قاطعها شمس بجسارة لا تليق إلا بامرأة متهورة مثلها:
-مش محتاجين نكدب أكتر من كده، ولا نحاول نزين الموضوع مدام هو عرف هي كمان هتعرف.
نظرت لها شمس بقوة رغم أن دموعها غلبتها وهبطت أثناء حديثها وهي تغمغم:
-أنا كنت شغالة رقاصة وفترة من الفترات انتشرت ليا فيديوهات على النت، بس توبت وبحاول أصلح من نفسي بس محدش مديني الفرصة تقريبًا..
جحظت عين بشرى وهي تحاول استيعاب ما تسمع!!
ملامحها لا تدل على أنها تمزح معها، ولا تعتقد بأنها ستمزح معها أو تلقي دعابة بعدما عرفت أن والدهما في المستشفى…
تحاول أن تربط الأمور ببعضها..
هل هذا المقطع هو ما اوصل والدها إلى تلك الحالة؟!
تمتمت سوسن بحزن:
-أنا السبب في كل ده شمس ملهاش ذنب في حاجة، أنا اللي كنت بشجعها انا والراجل اللي كنت متجوزاه بعد ابوكي وهو اللي بعت لأبوكي، لو ابوكي عايزني ابوس رجله أنا مستعدية لأي حاجة بس يسجل شمس باسمه وميرجعش في كلامه….
صرخت شمس في وجهها أن تصمت لا ترغب في أن تشعر بهذا الكم من الإذلال مهما كانت مخطئة….
هتفت بشرى بانفعال طفيف وهي تضع يدها على أذنيها:
-اسكتوا؛ اسكتوا شوية سيبوني استوعب اللي بسمعه منكم…
هتفت شمس بجدية:
-أنا عارفة اني غلطت وحتى لو أي حد أثر عليا في الاول أنا كان عندي عقل بس أنا مكنتش الشخصية اللي واقفة قدامكم وأنا….
تحدثت بشرى بنبرة منفعلة مقاطعة أياها:
-انا مش عايزة اسمع كلام، عايزاكي تخشي تلبسي ونمشي علشان واضح أنك ماخدتيش بالك أن بابا في المستشفى وعايزك، وكانت من فترة قريبة قبل شهور كان عنده جلطة تانية، ودي جلطة جديدة…
______________
“الـشـرقـيـة”
رسالة وصلت لها من إيمان كانت تنص على أنها ذهبت في الصباح وفعلت ما أرادته منها، أعطت إفادتها لصالح شريف، بأن الأمر كله كان شجار هي لا تعلم سببها لكن لم يكن متعمدًا أبدًا، ورُبما وقتها هي تحاملت عليه بسبب الصدمة التي تمر بها أي فتاة حينما تفقد الرجل التي كانت على وشك الزواج به…..
رغم أن فردوس توقعت بأن إيمان ستفعل تلك المرة إلا أنه كان يراودها الشك حتى أنها قرأت الرسالة أكثر من عشر مرات تنتظر أن تلمح أي حرف أو أي كلمة توضح معنى أخر غير أنها فعلت ما ترغب به..
هي فقط حاولت جعلها أن تتحرر من عقدها..
تحرر ضميرها..
في كل الأحوال الشهادة الخاصة بها لا تهم مدام فردوس سوق تتنازل…
تنهدت تنهيدة مطولة بعدما تركت هاتفها على الفراش وجلست في نصف جلسة تستند بظهرها عليه…
تحاول أن تشعر بالاستجمام بعدما أخذت حمام دافئ يناسب تلك الأجواء الشتوية، تفكر فيما فعلته، هل قرارها صحيح؟!
لا تعلم رغم العقلانية التي تتمتع بها والعقل الذي لا يشاركه أحد في قراراته ولا تفعل شيء وإلا هي مقتنعة به مئة في المئة إلا أنه شيء بداخلها يصدع بـ صوت إيمان بأنها تفعل ذلك من أجل حبها إلى كمال وبأنها تبيع كل شيء من أجله حتى حق شقيقها فلا تلومها على افعالها فهي فعلت هذا بدافع الحب أيضًا..
سرعان ما نفضت تلك الأفكار من عقلها
وأخبرت ذاتها..
“فردوس أنتِ تفعلين الصواب، لا تتراجعي أبدًا”.
قاطع خلوتها مع ذاتها صوت طرقات على الباب، تحدثت فردوس بنبرة عالية:
-مين؟!.
-انا….
قالتها دعاء لترد عليها بنبرة عادية وهي تعتدل في الفراش:
-ادخلي..
فتحت دعاء الباب لتدخل وهي تحمل طبق به قطع مختلفة من الفواكة الموضوعة بشكل شهي، فهي تتناول الفواكة بكثرة وتشتهيها جدًا في تلك الفترة من حملها….
هتفت فردوس بنبرة هادئة:
-ادخلي واقفة عندك ليه؟!.
غمغمت دعاء بنبرة عادية:
-لا رايحة ورايا حاجات اعملها، يلا عايزة حاجة؟!.
نهضت فردوس من فوق الفراش وسارت بضعة خطوات لتقترب منها متحدثة باستغراب:
-يعني أنتِ خايفة تطمني عليا اني عايشة ولا ايه وماشية؟!!.
تحدثت دعاء بجدية بعدما هزت رأسها نافية:
– نسيت تخيلي وكنت همشي فعلا، معرفش دي أعراض زهايمر ولا ايه ما علينا، الحاج توفيق عايزك، وأنا طالعة قالي اناديكي، مستنيكي في المكتب…
_____________
…بعد مرور عدة دقائق…
بدلت فيهما فردوس ملابسها وارتدت حجابها، وهبطت إلى المكتب كان الباب مفتوحًا حينما رأها توفيق تحدث بنبرة هادئة وبشوشة، بشاشة لم تظهر عليه منذ أيام طويلة..
-اقفلي الباب وادخلي يا بنتي..
أنصاعت فردوس إلى أوامره وقامت بإغلاق الباب خلفها ثم ولجت لتجس بجواره على الأريكة متمتمة بنبرة هادئة:
-دعاء قالتلي أن حضرتك عايزني..
تمتم توفيق بنبرة جادة:
-ايه اللي ممكن اعمله ليكي علشان ارد اللي هتعمليه؟!.
نظرت له فردوس بحيرة لا تعلم..
هل اتصل به هذا المحامي بتلك السرعة؟!!..
حينما لمح الاستفهام يظهر على ملامحها…
تحدث توفيق موضحًا:
-هلال قالي أنك كلمتيه وأنك هتتنازلي، أنا بجد مش مصدق لغايت دلوقتي أنك هتعلمي كده بجد، من فترة طويلة من قبل ما تعرفي الحقيقة لما اقترح عليا هلال حوار الدية ده علشان برضو نستمر في أنه قتل خطأ مجاش في بالي انك تعملي صلح أو تتنازلي..
السؤال الذي راود الجميع لم يبعد عن ذهنه هو ايضًا ليسألها:
-ليه؟!.
تحدثت فردوس بنبرة جادة وصادقة:
-علشان بشيل شوية من اللي اخويا عمله، بشيل من اللي عليه، وبشيل احساسي من الذنب بحاول اريح نفسي، ولأني…
توقفت عن الحديث وطال صمتها ليتحدث توفيق بنبرة فضولية لكنها مغلفة بالحنان:
-ايه يا بنتي؟!.
قالت فردوس باختناق:
-كمال مش هيتحمل أكتر من كده، وانا مش هتحمل اشوفه يوم عن يوم وهو بينطفي قدامي اكتر، كمال مبينامش كويس مبقاش يأكل كويس، حتى لو هو مبين اللي هو فيه عادي لكن أنا حاسة بيه، المرة دي هو مختلف عن كل مرة، ولأن انا في ايدي اريحه وهو اتحمل مني كتير…
أنهت حديثها وهبطت دمعة من عيناها ولا تدري لما أصبحت عاطفية إلى ذلك الحد في الفترة الأخيرة، يبدو أنها هي نفسها تعودت على صلابة مشاعرها خلال السنوات الماضية، وعودتها التدريجية إلى فردوس القديمة تدهشها…
غمغم توفيق بنبرة صادقة بعد تنهيدة خرجت منه:
-كنت خلال السنين اللي فاتت أنا مستحمل وجودك علشان كمال وزي ما قولتلك لما رجعتك البيت غصب عني أنتِ بقيتي جزء مننا وحد من بيتنا منقدرش نبعد عنه، بس دايما كنت بسأل نفسي ليه كمال مش شايف غيرك، ليه مش بيسييك ينكن دلوقتي فهمت.
سألته فردوس بعدم فهم:
-فهمت ايه؟!..
تحدث توفيق بجدية وشفافية وهو يعترف بداخله لن رُبما سنوات عمره التي تجاوزت السبعين منذ سنوات عديدة لم تكن كافية بالحكم على معدن فردوس:
-يمكن هو كان شايف فيكي اللي محدش شايفه، حاسس بحاجة محدش حاسسها غيره، وفاهمك اكتر من اي حد، ربنا يريح بالك يا فردوس زي ما ريحتي بالي النهاردة…
_______________
“الإسكندرية”
ذهبت زينب إلى قسم الحسابات الخاص بالمستشفى..
كانت نرمين تجلس على المقعد بينما منير نائم على الفراش لا تعلم سر الدموع التي تهبط منه ويقوم بمسحها فورًا..
لم ترى منير صاحب القلب الحجري كما تسميه يبكي من قبل، ياترى ما الذي حدث؟!
تحدثت نرمين بنبرة منزعجة وخائفة، قلقة لن تنكر، ولا تعلم لما تشعر بالخوف عليه إلى هذا الحد، رُبما السنوات و (العشرة) قد تجبرك على الشعور بتلك المشاعر:
-أنتَ كان المفروض تعمل قلب مفتوح من المرة اللي فاتت أنتَ بس اللي بتعند وخلاص وبعدين ايه اللي حصل ورفع ضغطك مرة واحدة كده؟!..
ما الذي حدث؟!
الذي حدث بأن الفتاة التي أعطاها امه وبعد بضعة أيام ستكون معها الهوية التي تثبت نسبها بأنها ابنته، اكتشف أنها راقصة……….
مازال يتذكر تلك المقاطع التي كانت على وشك أن تفقده عقله أثناء تواجده في المطعم وقتها لا يتذكر ما الذي حدث تحديدًا سوى بأنه وجد العُمال أتوا به إلى المستشفى وتواصلوا مع أسرته…
هو يعاقب على أفعاله…
يتم معاقبته..
العدالة الإلهية…
لم يجب منير على سؤالها بل كانت اجابته شيء مختلف تمامًا وغريب أن يخرج من منير، الذي لم يعترف يومًا بأنه قد اخطأ في حق أحدهم:
-حقك عليا يا نرمين على أي حاجة عملتها في حقك..
نظرت له نرمين بأعين متسعة؟!
لا تعلم هل سقط على رأسه أم أن تلك من أعراض الجلطة؟!.
لكنها لا تظن بأن الجلطة لديها عرض يُسمى الإعتذار………..
تحدثت أخيرًا بصوت فاتر:
-بتعتذر على ايه؟!.
قال منير بجدية:
– على أي حاجة ضايقتك مني لو كان الإعتذار يكفي…
الحقيقة أنه لا يكفي لكنه أذهلها ولا تعلم ماذا به؟!.
____________
كام الطريق طويلًا…
طوال الطريق شمس تبكي بطريقة ازعجت بشرى لأنها توترها وهي تحاول التماسك قدر المُستطاع، في الحقيقة لولا معرفتها بأنها منذ أشهر علمت بأن لها والد على قيد الحياة، لكانت ظنت بأن تلك مشاعر تصدر من ابنه محبة لأبيها…
لكنها على الأغلب تشعر بالحرج…
يقفا الاثنان أمام بوابة المستشفى رفعت بشرى يدها ومسحت دموع شمس التي أغضبتها أو رُبما شعرت بالشفقة والعاطفة تجاهها..
مشاعر غريبة ومختلفة جدًا…
تمتمت بشرى بنبرة مكتومة بعدما رفعت رأس شمس:
-أنا معرفش اية اللي خلاكي تكوني كده وحاولت اجمع اي تصورات في دماغي وصلتك للحالة دي، ومقدرش اقول اني طايقاكي، وحتى لو كنتي السبب في اللي حصل لبابا من غير ما تقصدي، بس لو أنتِ توبتي بجد أرفعي رأسك وبطلي عياط لأن متخليش اي حاجة عملتيها تأثر عليكي مدام خلاص بقت ماضي..
ثم مسحت دمعة أخرى فرت من عين شمس تحاول بث بها القوة، تحدثت بشرى بنبرة جادة وهي ترى نظراتها:
-أنا مكنتش البنت اللي تحبي تعيشي حياتها زي ما أنتِ متخيلة، ولا أنا البنت اللي بتعرف تواسي بس مش هعرف اقولك حاجة غير اياكي تنزلي رأسك مهما كان الثمن….
____________
بعد مرور نصف ساعة…
كانت تجلس شمس على المقعد المتواجد في الغرفة بعدما أخذت زينب (نرمين) إلى الكافتيريا الخاصة بالمستشفى حتى لا يحدث صدام بينها وبين شمس، ذهبت معهما بشرى تاركة شمس مع والدها بناءًا على رغبته….
تحدثت شمس بحرج كبير:
-أنا اسفة..
غمغم منير بنبرة واضحة:
-أنا هعمل عملية القلب المفتوح وأنتِ هتيجي معايا بني سويف من هنا ورايح هتكوني في بيت العيلة..
تحدثت شمس باستغراب:
-يعني ايه؟! يعني مش هتوقف الإجراءات؟!
هز رأسه نافيًا وهو يغمغم بجدية شديدة:
-لا، لو دراعي اتكسر هجبسه، لو بنتي عندها مشكلة هربيها، ايه اللي شوفته ده ؟!.
-انا توبت والله عن كل حاجة، أقسم بالله توبت وبطلت من بدري، ومبقتش أرقص، هو الـ*** هو اللي معاه الفيديوهات..
تمتم منير بانزعاج جلي:
-ده جوز امك صح؟! وامك كانت مشغلاكي رقاصة؟!..
تحدثت شمس باقتضاب:
-متلومهاش لوحدها، هي فيها اللي مكفيها، انا مكنتش صغيرة واكيد كان ليا دماغ حتى لو أثرت عليا، مينفعش هي تستحمل الذنب كله لوحدها..
غمغم منير وهو يكز على أسنانه:
-الهانم خليتك رقاصة وأنتِ بدافعي عنها؟! أنتِ تنسيها وهتيجي بني سويف وهتعيشي معايا..
قالت شمس باستنكار:
-وأنتَ فاكر اني هسيبها؟!.
-منتظرة اسيبك علشان تنزلك تاني وتلم النقطة من وراكي؟!..
قالها بسخرية واضحة لتتحدث شمس بخفوت:
-مهما عملت هي امي، اللي قعدت تسعة وعشرين سنة معاها مهما كانت حلوة أو وحشة هي امي وانا استحالة أبعد انها مهما حصل ومهما كانت أسبابك، أنا قولتلك اني توبت ومحدش بيقدر يجبرني على حاجة استحالة اسيبها تعيش لوحدها لو كان أخر فرصة ليا في الحياة العيش عندك….
تمتم منير باختصار حينما وجدها:
-هحاول اشوف ليكم بيت عندنا في أقرب فرصة تقعدوا فيه انتِ وهي يكون قريب من بيت العيلة، وتكونوا تحت عيني، والراجل ده أنا هعرف أتصرف معاه حتى لو كان فين….
لو بقى يوم واحد في حياتك…
مهما كان مقدار الخطأ الغارق به…
والفساد الذي يلاحقك…
لا تردد بتصليحها…
وجدت شمس نفسها تقول رغمًا عنها:
-خلاص متتعصبش، ولا تضايق نفسك علشان صحتك مش ناقص يجيلك جلطة تانية واكون السبب فيها…
“في حديقة المستشفى”
-أنتَ كنت عارف أن شمس رقاصة صح؟! هي دي الظروف اللي أنتَ كنت بتتكلم عنها؟!!.
كان هذا حديث بشرى وهي تضع الهاتف على أذنيها…
ليأتيها صوته من الهاتف:
-أيوة كنت عارف وحسيت اني مينفعش اقولك…
تمتمت بشرى باختناق:
-ابويا كان متجوز على امي، وطلعلي اخت فجأة وطلعت رقاصة، الحياة جميلة جدًا..
“في ظروف بتمر على الواحد مش بيكون له دخل فيها، ولا بيكون له يد فيها، وفي ناس في حياتنا مهما كانوا أحنا منقدرش نغيرهم، ولازم نتقبلهم بعيوبهم قبل مميزاتهم”
تحدثت بشرى بانزعاج وأصبحت لا تدري ما الذي يخرج من فمها:
-طبعًا بالنسبالك ده عادي مدام حضرتك كنت متستر على مجرم..
توقفت عن الحديث واستوعبت ما تقوله…
مما جعلها تظن بأنه سيغضب أو ينزعج من هذا الأمر…
ليتحدث هلال بجدية وبساطة:
-دي حقيقة، تجربة شريف وحياته خلتني أعيد النظر في حاجات كتير في حياتي، انا قومت سلوكي من أول وجديد وقناعاتي بعد تجربة شريف ومش بس شريف بعد كل قضية بشوفها بكتسب حاجة جديدة، بس قضية شريف انا عيشتها بتفاصيلها كلها..
أبتلع ريقه ثم أسترسل حديثه:
-وعارف اني اللي عملته غلط بس لو رجع الزمن هعمله تاني لأن شريف جزء لا يتجزأ من حياتي ولو الموضوع ده عاملك أزمة ومش قادرة تكملي معايا أنا هتفهم ده……..
أثناء سماعها لكلماته تذكرت محاولاتها لمواساة شمس..
وهي متناسية تمامًا من هي!
من كانت؟!.
متناسية أن سبب دمار علاقة والدتها بوالدها، هي سوسن أمها، حسنًا لم تكن السبب الرئيسي ولكنها القشة التي قصمت ظهر البعير…
تجاهلت كل ما سمعته وطلبت منه المواساة بطريقة غير مباشرة:
-بابا في المستشفى وغالبًا هيعمل عملية قلب مفتوح أنا عنده في المستشفى وجبت شمس معايا من القاهرة…
______________
“في قسم الشرطة”
طلب هلال رؤية شريف في الليل، والزيارات عمومًا ليست مسموحة بشكل كبير في تلك الفترة، بل يراه هلال أو كمال بعد محاولات كثيرة…
يجلس شريف على المقعد أمام هلال بملامح هادئة، وتحدث بعفوية شديدة:
-دي أحلام العصر أنك بقيت هنا يا هلال، والله فاكر كسلك لما عزمتك على فرح كمال ساعتها كسلت تيجي، اديك اهو بقالك أيام قاعد هنا؛ واللي هتتجوزها ساكنة في محافظة تانية ده أكبر عقاب ليك…
أنه يمزح في أكثر وقت ضيق يمر به..
لا أحد يعلم بأنه سعيد حقًا، أو وصف أدق بكثير هو مرتاح؛ لا يصدق بأن بعد مرور سنوات أكثر أيامه التي سينل بها نوم هادئ ستكون في قسم الشرطة..
تحدث هلال بعد أن رُسمت ابتسامة على وجهه:
-اهو معاك الواحد بيشوف العجب وأنا لسه عند وعدي انتقامي منك هيجي في يوم وهنفذه المهم معندناش وقت كتير أنا حبيت أبلغك بأخر التطورات..
تحدث شريف بنبرة حاول جعلها مهتمة لكنه لا مبالي تلك الفترة إلا بالجنية التي تشغل عقله حتى نفسه قد نساها:
-تطورات ايه؟!..
غمغم هلال بتوضيح بسيط:
-إيمان جت النهاردة الصبح وقالت اللي شافته ساعتها وشهادتها كانت في صالحك المرة دي، وكذلك الراجل التاني هيجي بكرا تقريبًا، المهم مش ده أصلا موضوعنا، كلامهم مبقاش له لازمة..
تمتم شريف بعدم فهم:
-يعني ايه كلامهم ملهوش لازمة؟! وغريبة يعني أن اللي اسمها إيمان دي غيرت كلامها..
هتف هلال بنبرة عادية:
-اعتقد أخت حسن، مرات اخوك راحت ليها، مش ده اللي عايز اتكلم فيه، فردوس هتتنازل هي اللي قدمت بلاغ ضدك من سنين واتهمتك بشهادة الناس، وهي هتتنازل وكده حق المدعي أو الحق الجنائي هيسقط، هيتبقى الحق المدني، بسبب هروبك…
نظر له شريف بعدم فهم وهو يكرر كلمات هلال غير مصدقًا ما يسمع:
-فردوس تتنازل؟!..
عاد يكررها أكثر من مرة وكأنه لا يستوعبها…
تمتم هلال ليوقف تلك الصدمة:
-أنا نفسي اتصدمت زيك بصراحة لما لقيتها بتتصل بيا، أنا عارف أنها عرفت الحقيقة بس برضو متوقعتش أبدًا أنها ممكن تتنازل بالشكل ده…
تحدث شريف ومازالت الصدمة تتملكه يحاول تذكر ذلك الموقف الذي رأته فيه في المستشفى ولم تتفوه بحرف حتى على ما يبدو لم تخبر العائلة بالأمر هو لا يفهمها:
-ليه؟!.
هلال يتشابه مع شريف في عدة صفات..
أو لا يعلم رُبما كل صديق يجعل صديقه يشبهه بمرور الوقت كلاهما يكتسب صفات متواجدة في الأخر…
ليتحدث هلال بعفوية:
-تصدق اني سألتها نفس السؤال مع إني مليش علاقة قولتلها ليه من صدمتي، قالتلي أنها يمكن تشيل عن أخوها في حسابه ومتزودش عليه..
هتف شريف بنبرة متوترة ومرتبكة لا يدري لما شعر بالارتباك يحتله:
-يعني ايه؟!.
– يعني بإذن الله هي شهور قليلة أو سنة هنحاول تكون أقل مدة وتخرج لولا هروبك كان زمانك حر بمجرد أنها تتنازل…..
______________
منذ أن قام شريف بتسليم نفسه..
يوم كمال مختصر في ذهابه للعمل، بعدها يذهب إلى قسم الشرطة، ثم يعود إلى المنزل ويحاول التهويين على شقيقته ووالدته، ثم يعود أخر الليل إلى غرفة نومه، يتحدث مع فردوس رُبما لدقائق ليست طويلة وبعدها تظل محاولاته للنوم مستمرة….
وبالفعل وصل إلى المحطة الأخيرة في اليوم..
ولج إلى الغرفة ذهب إلى المرحاض أخذ حمامه وبدل ملابسه ثم جلس على الاريكة يحاول أن يشغل نفسه في مشاهدة التلفاز تحت نظراتها المترقبة….
بعد وقت يبدو أنه قد شعر بالملل..
قام بإغلاق التلفاز ثم المصابيح لتقوم هي بإضاءة الاباجورة المتواجدة ناحيتها فهي لا تحب الجلوس في غرفة معتمة تمامًا….
استلقي في الفراش وتدثر بالغطاء ليتحدث بنبرة هادئة هو يشعر عمومًا بأن هناك شيء تكتمه بداخلها..
-في حاجة يا فردوس عايزة تقوليها؟!.
يبدو أنه لا احد اخبره…
هكذا تستنج من هيئته…
وأسلوبه…
تمتمت فردوس بهدوء وهي تنظر له في غموض منتظرة أي إشارة بأن توفيق أخبره بالأمر:
-أنا نازلة بكرا…
سألها كمال باستغراب:
-ليه هتروحي فين؟!.
-هروح للمحامي اللي اسمه **** *******.
ضيق كمال عيناه ليسألها بعدم فهم:
-ليه؟!.
هنا تأكدت بأنه لا يعرف شيء..
ولا تعلم لما ترك توفيق لها مهمة إخباره؟!..
تنهدت ثم غمغمت بنبرة خافتة:
-يعني محتاجة أمشي في الإجراءات واتنازل عن قضية شريف لأني انا اللي قدمت البلاغ ساعتها وأنا الوحيدة اللي باقية من أهل حسن واللي يحقلي أعمل ده…
قال كمال بعدم تصديق وإنكار لما يسمع:
-فردوس أنتِ بتتكلمي بجد؟! أنتِ عايزة تتنازلي؟!…
تحدثت فردوس وهي ترفع أصابعها وتضعها على وجنتيه:
-أيوة دي أقل حاجة ممكن اعملها علشانك وعلشان نفسي اني اكون مرتاحة الضمير، واني اشيل ولو شوية من اللي عمله، ولأن شريف اتعاقب بالفعل حتى لو انا مش عايزاه يتعاقب هو خد عقابه باللي عمله…
سألها كمال للمرة الثانية غير مصدقًا:
-فردوس أنتِ بتتكلمي بجد؟!.
هزت رأسها مؤكدة، ثم تحدثت بجدية وصدقٍ:
-والله ايوة.
ستظل تتذكر تلك الضمة مرة أخرى…
حينما ضمها إلى أحضانه، كانت ضمته تنافس عناقه لها حينما رأها أمام باب غرفته في الفندق، ومن أجل هذا العناق…
من أجل هذا الرجل..
أيقنت بأنها يجب عليها التنازل عن أي شيء من أجله هو فقط..
يستحق ألف مرة أن تفعل هذا…
لذلك تركت كل شيء وبادلته أحضانه، والغريبة بأنها شعرت بدموع بللت كتفها، هل كمال بكى حقًا؟!….
هي لا تعلم ماذا فعلت به هي أعادت له روحه دون أن تدري….
______________
انتهت من وضع الأقراط التي تناسب…
التي لن تظهر من الأساس ولكنها أعتادت الأمر..
كانت ليلة أمس ليلة مختلطة، بها مزيج مختلف من المشاعر، كلاهما رأى وجه جديد، كلاهما باح بما لم يبح به، كلاهما قدم امتنانه للآخر…
لأن فقط هما من يعرفا قصتهما…
يعرفا شعورهما على الأقل..
التفاصيل التي لا يعرفها أحد…
كان كمال ينتظرها بالأسفل، وهي وضعت حجابها وقامت بتجهيز نفسها أخذت تقوم بالبحث عن بطاقتها الشخصية لا تدري أين وضعتها لكن بعد رحلة بحث لم تستمر طويلًا وجدتها..
وخرجت من الغرفة ثم أغلقت الباب خلفها لتجد في نهاية الرواق تقف أفنان وتنظر لها؛ وكانت تلك المرة الأولى التي يحدث بينهما تواصل بصري واضح وصريح بعدما عرفت فردوس الحقيقة كلها…
تواصل بصري طويل…
سارت فردوس حتى وصلت لها وتوقفت عندها حينما وجدتها لم تتحرك على ما يبدو هي تنتظرها ليست مجرد صدفة تواجدهما في الوقت ذاته، وقبل أن تمر ثواني على وقفتها الك تحدثت أفنان بامتنان حقيقي:
-شكرًا يا فردوس، شكرا أنك هتتنازلي…
عرفت أفنان من جدها في الصباح الباكر لتتوقف قليلًا عن الحزن، تفكر فقط بأن شقيقها سيكون حرًا بعد مدة لن تكن طويلة كما أخبرهم هلال…..
رفعت فردوس يدها ووضعتها على كتف أفنان قائلة بنبرة عاطفية من الدرجة الأولى وهي تمنع نفسها بصعوبة من البكاء….
-دي أقل حاجة ممكن الواحد يعملها ليكي أنتِ بالذات يا أفنان، دي أقل حاجة والله العظيم وياريت الواحد يعرف يرجع ليكي أي حق من حقوقك أنتِ..
احتضنتها أفنان بعاطفة قوية وبادلتها فردوس بحزن حقيقي رُبما هي لديها عدة أسباب لفعل الأمر..
لكن مهما فعلت لن تقوم بإعطاء أفنان أي حق من حقوقها…
هي مازالت لا تستوعب حتى ما مرت به في صغر سنها، الاغتصاب هي فكرة لا تستطيع المرأة -التي لم تمر بها- حتى تخيل بشاعتها جسديًا ونفسيًا أكثر من أي شيء، ولا يوجد شيء قد يعوض أي فتاة أو أمرأة تعرضت لهذا الأمر أبدًا مهما حاول الجميع…
_____________
” في مكتب عادل ”
كانت تقوم بمسح الأرض وملابسها ملطخة حاولت تصليح الأمر ولكنه لم يفلح أبدًا…
أين أنتِ يا بشري؟!
هذا هو السؤال الذي يأتي على خاطرها..
ثم سخرت من نفسها وكأن وجود بشرى في حياتها سيقوم بإصلاح ما فعلته وهو أن المشروب الغازي أنسكب على ملابسها وطعامها، حتى الأرض لم تسلم من الأمر؛ مازال الوقت باكرًا هناك من يتواجد في المحكمة وهناك من لم يأتي حتى….
تحدثت ملك مخاطبة ذاتها:
-مش لو كنت جبت كنز ومطفستش وجبت لتر مكنتش البهدلة دي حصلت..
سمعت صوت مراد الجالس معها في المكتب والذي أتى حديثًا بعد الأوراق الذي كان يقوم باستخراجها ينهي المهام الخاصة بالعمل له وبعد ساعة تقريبًا سيهبط مرة أخرى…
علم بأن هلال هو من يترافع عن قضية شريف وربط الأمر عند رؤيته إلى شريف هنا ولكنه لم يخبر فردوس بشيء ولا بشرى..
لا أي أحد…
-ده اللي بيحصل عموما لما واحدة تفطر بيتزا وتشرب معاها لتر حاجة ساقعة…
تنهدت ملك باختناق ثم تحدثت بانزعاج واضح:
-هو ليه مفيش خصوصية؟! ليه مفيش خصوصية بجد عينك في أكلي، وفي اللي بشربه…
غمغم مراد وهو مازال جالسًا في مكانه:
-الخصوصية دي لما اجي افتح تلاجة بيتكم واشوف جواها ايه مش لما تكوني بتأكلي قصادي وشغالة ترغي وصدعتينا بعد ما غرقتي وبهدلتي الدنيا.
تمتمت ملك بذهول من طريقته الحادة بالنسبة لها في تلك الفترة الحساسة التي تمر بها وتنزعج من أي شيء تحديدًا منه هي تنزعج إذا تنفس بطريقة لم تعجبها..
ثم سألت نفسها لما تلك الفترة حساسة بالنسبة لها؟!
لم تجد سبب واضح ومنطقي إلا أنه كل فترات حياة المرأة تكون حساسة..
-أنتَ بجد بقيت قليل الذوق..
غمغم مراد بسماجة:
-والله من ذوقك..
كادت أن تصرخ في وجهه..
لما تقع في حب رجل، لوح الثلج أفضل منه ويقوم بمراعاة من يتواجد أمامه أكثر من ذلك..
تحدثت ملك بانزعاج جلي:
-خليك في نفسك وفي شغلك وسيبني في اللي أنا فيه..
تمتم مراد بهدوء بعدما نهض من مكانه ووقف أمامها تقريبًا:
-خلاص متقلبيش وشك، اطلب ليكي فطار، مدام مفطرتيش هتقعدي مبوظة ومش طايقة نفسك ومتعصبة، اطلب ليكي من السوبر ماركت ولا من المطعم؟!..
هبطت دمعة من عيناها لا تعلم سببها الحقيقي وكاد أن يسألها عن سبب دموعها إلا أنها ادهشته كليًا وهي تغمغم:
-فطار أيه اللي افطره بقا؛ البيتزا راحت ده انا جيباها من بليل علشان أفطر بيها، اطلبلي بيتزا طيب.
أنهت حديثها وهي تمسح دموعها بتلقائية لينظر لها مراد متحدثًا باستنكار:
-ثانية واحدة كده؟!! بيتزا أيه اللي اطلبها والضهر لسه مأذنش؟! ده مين اللي هيبيع بيتزا دلوقتي؟!! أنا أعرف الناس تفطر فول وطعمية، تفطر جبن ولانشون، تفطر فطير وعسل، تشرب شاي بلبن لكن يعني ايه بيتزا؟!.
هتفت ملك بانزعاج جلي:
-انا يا سيدي عايزة افطر بيتزا أنا حرة روح اقعد على مكتبك وسيبني في همومي..
-همومك دي أن البيتزا اللي كنت هتفطري بيها بقت بطعم الكولا؟!..
تمتمت ملك بانفعال:
-هأكلها واخلص يمكن يجيلي تسمم أو تلبك معوي وتخلصوا، أو اقدم استقالتي للمستشار وأخلص، واقعد في البيت..
قال مراد بهدوء:
-كلي أي حاجة، ولما المحلات تفتح نطلب ليكي بيتزا، واقعدي ساكتة بقا…
هتفت ملك باعتراض واستنكار:
-هو انا بتكلم فوق دماغك، ما براحتي يا اخي ما كل الناس قاعدة اهي وأنا بكلم نفسي ومحدش اعترض ولا فتح بُقه مالك أنتَ بيا..
جاءت مريم من الرواق وهي تسمع هذا النقاش مما جعلها تعقب:
-احنا مش في حضانة هنا، كل واحد على مكتبه يلا.
____________
بعد مرور عدة أيام…
لم يعد لها شيء في القاهرة…
بعد رحيل شريف لم يعد لها أي شيء…
حزمت امتعتها هي ووالدتها التي لم تكن راضية مئة بالمئة عن العيش في بني سويف ولكن ليس هناك مجال للمناقشة أصر منير على انتقالهم قبل حتى أن يخضع إلى عملية القلب المفتوح…
قام بتدبير منزل له بالقرب من منزل عائلته، ويبتعد عن منزله مع زوجته (نرمين)..
أرتدت شمس حجابها وعبائتها السوداء وسارت بضعة خطوات وأقتربت من باب الشقة لتتحدث والدتها سوسن التي جاءت من الداخل:
-رايحة فين يا شمس؟! هو الراجل الي هيوصلنا جه؟!.
تحدثت شمس بعفوية:
-لا، بس انتِ نسيتي؟! مش المفروض نسلم المفاتيح لصاحب الشقة، اللي هو المعرض بتاعه تحت وثائر أجرها لينا منه…
قالت سوسن معقبة بسخرية:
-طب استني نديهوله اما نقفل الحاجة وننزل يا ذكية..
قالت شمس بنبرة عادية:
-خلاص الراجل اتصل وقال قدامه عشر دقائق ويكون عندنا هنستنى لغايت امته؟! لما نمشي هو يطلع يقفل الدنيا براحته…
“بعد مرور دقائق كانت تقف أمام الشقة الخاصة به”
أخبرها أحد العاملين بالأسفل بأن ظافر في شقته لم يهبط إلى الآن..
صعدت ليفتح لها ولد يبلغ من العمر ثمانية سنوات تقريبًا وبمسافة أبعد يقف طفل في عمره أو أكبر منه يحمل طفلة صغيرة…..
تحدث محمد بانزعاج:
-مين؟!…
قبل أن تجيب كانت هناك امرأة تأتي وهي ترتدي خمار منزلي يمسك يدعا طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات وتقريبًا يبكي…
هتفت يقين بضيقٍ وهي تنظر على طفلها قبل أن تعرف هاوية الطارق:
-مش قولت محدش فيكم يفتح الباب غير لما أجي؟!.
تحدث محمد أثناء محاولة شمس أن تستوعب الأمر:
-هي اللي فضلت تزن وترن كتير وأنا مصدع..
أنهى حديثه ثم ابتعد وهو يسمع توبيخ يقين التي أقتربت من الباب متمتمة وهي تتفحص هاوية المرأة التي تقف أمامها:
-مين حضرتك؟! اتفضلي..
هتفت شمس بحرج:
-انا اللي ساكنة في الشقة اللي في الدور الـ ****.
تمتمت يقين بنبرة هادئة مقاطعة حديثها:
-طب ادخلي…
غمغم طفلها الذي مازال ممسك بكف يدها اليسرى فهو يشعر بالغيرة الشديدة منذ ولادة الطفلة الصغيرة:
-ماما أنا عايز فراولة.
تحدثت يقين بنفاذ صبر:
-حاضر يا ريان حاضر، ادخل شوف بابا خرج من الحمام ولا لسه يلا، خده يا راشد
أنصاع راشد إلى أمرها، طفلها العاقل الذي دومًا يشبهه ظافر برشاد رحمه الله -شقيقه الأكبر- في كل شيء..
تمتمت شمس وهي تحاول اختصار الأمر وهي تمد يدها بميدالية المفاتيح والورقات النقدية:
-ده مفتاح الشقة وده إيجار الشهر ده أحنا ماشيين دلوقتي…..
كانت تتفحصها يقين من أسفلها إلى أعلاها بالكاد استطاعت سماع ما تقوله، هي منذ مدة ترغب في رؤيتها ولا تدري من تلك المرأة التي أتى بها ظافر لتقطن في شقة المرحوم شقيقه، ما هذا الاهتمام؟!!
لكن بعد ولادتها وكل ما مرت به لم تسنح لها الفرصة لفعل ذلك…
هتفت يقين أخيرًا وهي تقول أي شيء بعدما طال شرودها وقلقها:
-دقيقة هنادي ظافر لأني مقدرش أخد حاجة منك لأني مش مسؤولة عن أي حاجة..
-انا جيت مش محتاجة تنادي..
سمعت صوته من خلفها، وسار بضعة خطوات ليقف بجانبها متمتمًا ببشاشة تزعج يقين، بشاشته مع النساء تزعجها وهكذا تصف الأمر لكن في الواقع هو بشوش مع الجنسين ولكنها لا تعترف أبدًا بل تتهمه دومًا بأنه يتحدث بطريقة تزعجها مع النساء رغم إدراكها الكلي من أن تلك معاملته للجميع تقريبًا…
تحدثت شمس هنا بهدوء:
-دي المفاتييح وإيجار الشهر، وبجد شكرًا جدًا على كل حاجة..
تلك المرأة هنا…
لكن ثائر مختفي منذ مدة طويلة…
وهذا شيء عجيب وحينما يتصل به يجد هاتفه مغلق، حتى حساباته تم إغلاقها على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه اختفى كليًا..
هتف ظافر بأول شيء أتى في عقله:
-هو ثائر كويس؟!.
شعرت شمس بالحرج..
لكن شمس هي من تستطيع التصرف بكل سرعة..
حسنًا هي لا تعلم تصرفها يكون صحيحًا أم لا؟!
لكنها تستطيع التصرف وأن تقوم بخلق كذبة بكل سهولة…
تمتمت شمس بارتباك:
-يعني هو في شوية مشاكل عنده في البلد وهو رجع خلاص، وأنا كمان راجعة البلد وحبيت أشكرك على كل حاجة وأنك اديتنا الشقة في الوقت ده..
هل هناك مشاكل تجعل شخص يختفي بتلك الطريقة؟!
بعدما كان تقريبًا يأتي هنا؟!…
أنه لشيء عجيب…
غمغم ظافر بنبرة هادئة تحت نظرات زوجته المشتعلة:
-على العموم ممكن تخلي المفتاح معاكي يمكن تحتاجيه وهترجعي تاني او نسيتي حاجة…
قاطعته شمس بنبرة ذات معنى لم يفهمها سواها:
-مش هرجع تاني أبدًا..
ثم أسترسلت حديثها بنبرة عادية:
-لا انا متأكدة ان كل حاجة تمام شكرًا بجد..
ردت هنا يقين بغيظٍ:
-العفو يا حبيبتي ما تتفضلي بدل الوقفة كده…
قالت شمس بعفوية ولم تفهم سر غضب المرأة:
-لا معلش أنا مستعجلة، مع السلامة…
بعد دقائق كانت شمس قد غادرت وكانت يقين على وشك أن تتحدث بعد أن أغلقت الباب ليتحدث ظافر لاحقًا الأمر:
-أنا رايح اصلي العصر وياريت أخرج الاقي الغداء علشان انزل……
قبل أن تعقب على شيء..
لم يعطيها فرصة برحيله ولم يتركها راشد أن تذهب بعدما خرج من غرفته وأعطاها الصغيرة التي تقوم بالبكاء…
ليصبح هناك أهم من غيرة أشتعلت بداخلها دون سبب واضح…
__________
“معمل التحاليل”
منذ عدة أيام قليلة بدأت داليا في العمل، مازالت تشعر بالصعوبة البالغة وكأنها أخذت على الراحة والجلوس في المنزل مرت سنوات طويلة منذ تركها للعمل؛ هي الآن تشعر وكأنها طالبة حديثة التخرج لأول مرة تصبح في عمل، رُبما الاختلاف الوحيد هي ليست متوترة رغم نسيانها الكثير من الأشياء وأنها في فترة التدريب بالرغم من عمرها، ولا تحمل أي أمل على العكس تمامًا هي بدأت تعود إلى العمل بعد خسارتها كل شيء…
تحمد ربها بأن والدها وافق على عملها لم يستمع إلى كلمات أعمامها بأن أي فتاة بعد طلاقها للمرة الثانية لا يجب عليها أن تعيش حياتها بتلك الحرية بل يجب عليها أن تجلس في المنزل حتى لا تطالها الشائعات في بيئة كالبيئة الذي يقطنا بها.
لكن والدها شجعها في فعل ما تريده تحديدًا وهو يراها تذبل يوم بعد يوم والواضح بعد وفاة والدها..
الساعة أقتربت من الخامسة مساءًا…
هو موعد انتهاء عملها..
لذلك بدأت في تحضير حقيبتها من أجل الذهاب لكن أتت فتاة من الاستقبال تخبرها بأن هناك رجل قد جاء وأنها ستقوم بإدخاله من أجل أن تسحب عينة دم له…
هزت داليا رأسها بهدوء لتخرج الفتاة وبعد ثلاث دقائق تقريبًا كان خالد يدخل من الباب متحدثًا بنبرة هادئة:
-مساء الخير..
نظرت له داليا بذهول..
لا تعلم من أين أتى؟!…
كيف عرف مقر عملها هي حتى حرصت على عدم تنزيل أي شيء على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي والأهم من ذلك بأنها لم تخبر نورا التي بالتأكيد ستخبره، هي جربتها عدة مرات وفي كل مرة أخبرته بكل شيء لذلك لم تحاول إخبارها بأنها بدأت في عمل جديد؟!!!
ماذا يفعل هنا؟!!!!!
تحدثت داليا بغباء:
-أنتَ بتعمل ايه هنا؟!.
تمتم خالد بهدوء:
-جاي اعمل cbc صورة دم كاملة هي مقالتش ليكي ولا ايه؟!.
حقًا؟!
هل أتى إلى هذا المعمل المتواضع لعمل تحاليل لنفسه تاركًا الفروع الخاصة بمعامل تحاليل والده هل هي مغفلة؟!..
كانت تنظر له بشذر لتجده بكل تلقائية جلس على المقعد المخصص للحالات بعدما خلع سترة ورفع أحدى أكمام سترته الصوفية وأتخذ الوضعية المناسبة متمتمًا بهدوء:
-اكيد منستيش تسحبي ازاي؟!…
تنهدت داليا بضيقٍ وذهبت لترتدى قفاز طبي وتتناول (أبرة) طبية وقامت بسحب العينة منه وهو يراقبها بهدوء، أنهت الأمر ووضعت العينة في الأنبوب ودونت عليها اسمه لتتحدث بنبرة ليست هادئة وليست غاضبة كانت بينهما:
-عرفت منين اني شغالة هنا؟! لأني معتقدش أنها صدفة وأنك لما تعوز تحلل هتروح معمل تاني، بالإضافة أن نورا متعرفش اني شغالة هنا.
هتف خالد بنبرة عفوية:
-هي صحيح مكنتش تعرف بس يعني قدرت تعرف بطريقتها.
جهاد…
ومن غيرها…
كانت هكذا تحدث داليا نفسها لن يرحمها أحد من تحت يدها اليوم، لكنها تمالكت نفسها وهي تقول:
-ايه اللي جاب حضرتك طيب؟!
غمغم خالد بنبرة هادئة:
-جاي اتكلم معاكي واديني حالة ياستي مش هكلفك وقت ولا هقولك نتقابل ولا هكلمك في التليفون..
قالت داليا بثبات:
-أنا مبتكلمش مع حالات والله بسحب العينة لو معندهمش أي استفسار أو سؤال بيمشوا..
-طيب انا عندي سؤال ممكن يا دكتورة؟!.
عقدت ساعديها متحدثة بنبرة فاترة:
-اتفضل.
تحدث خالد باختناق:
-يعني لغايت امته هلف وراكي وحتى مش عايزة تفكري فيا ولو لمرة واحدة كـ شريك حياتك رغم أن أي حد بتديله فرصة غيري ومش فاهم السبب، حتى لو كنت مختلف عنك ده مكنش مبرر..
تنهدت داليا وتحدثت متذكرة شيء هام قبل أي شيء:
-هو أنتَ ليه بتفتح الكلام في الموضوع ده من تاني؟! مش كنت خطبت؟! أنا شوفت نورا كانت منزلة ستوري ليك، يعني المفروض تكون نسيت كل ده…
قاطعها خالد بنبرة عفوية:
-مفيش راجل بينسى، تحديدًا لو حب بجد عمره ما بينسى مهما عدت سنين، وخطوبتي اتفسخت..
نظرت له داليا بذهول!!
كيف؟!
لم يمر تقريبًا سوى أيام، لو رُبما تجاوزت الثلاث أسابيع..
لا تتذكر تحديدًا لكن الأمر لم يمر عليه شهر حتى، هذا ما تتذكره..
هتفت داليا بتردد:
-وايه اللي يخليك تفسخ الخطوبة؟!..
قال خالد بجدية:
-يعني الموضوع كان صالونات زي ما بيتقال عليه هنا، ومحسناش أن اسلوبنا نافع مع بعض، ده كان الحل الأفضل وهي كانت ترشيح بابا عموما وأنا محستش اني ينفع اتجوز واحدة وأنا مش بحبها، ده مش أسلوبي…..
ابتلع ريقه ثم نهض من فوق المقعد ووقف أمامها متمتمًا:
-اديني فرصة يا داليا..
تحدثت داليا بنبرة مكتومة وكانت عقلانية من الدرجة الأولى رغم أنها لأول مرة تشعر بمشاعر مختلفة بداخلها، مشاعر تولدت منذ أن رأت صور خطبته رغم تحفظاتها السابقة عليه، ورغم كل شيء هي من داخلها انزعجت عند رؤية تلك الصورة..
-خالد، أنا خارجة من تجربتين طلاق، خارجة من وفاة والدتي اللي أنا مهما شرحت ليك هي كانت مهمة في حياتي ازاي مش هتفهمني دي كانت حياتي كلها، مش هقدر اشرحلك انا نفسيتي عاملة ازاي، أنا مقدرش اديك فرصة، ومقدرش أخد أي قرار في حياتي الفترة دي، أي قرار هاخده هيكون قرار غير سليم فأرجوك احترم ده، وحاول تشوف حد..
قاطعها خالد بإصرار:
-حاولت ومعرفتش، حاولت ألف مرة ومعرفتش اشوف غيرك، ممكن متطلبيش مني المحاولة لاني والله ما عارف..
ابتلع ريقه ثم نظر لها وقد لمحت عيناه بشكل أربكها كانت مشاعره صادقة إلى حد كبير:
-أنا مسافر أمريكا الشهر الجاي علشان بابا يبدأ كورس العلاج بتاعه هرجع بعد كام شهر هسيبك تفكري في كلامي اللي قولته النهاردة وانا ولا فارق معاكي كل تجاربك اللي بتتكلمي عليها، انا مش فارق معايا غيرك أنتِ وبس، لو ادتيني فرصة انا هكون في بيتك بعدها علطول…
في الوقت نفسه دخلت الفتاة متحدثة بنبرة عملية:
-خلصتي يا دكتور؟! في حالة برا وهي طفلة صغيرة ومامتها مقلقة جدًا من أن اي حد يسحبلها ومش عاجبها أي ممكن تشوفيها؟!
قالت داليا بتوتر:
-حاضر هحط العينة واجي انا خلصت..
-وأنا خلصت..
ثم ختمها بصوت خافت لم يسمعه سواها:
-كلامي..
________________
….بعد مرور عدة أسابيع…
تحديدًا اليوم وهو جلسة النطق بالحكم على شريف، كان يوم صعب جدًا على الجميع، حتى على فردوس…
الجميع مترقب..
كان أول كلمة خرجت من فم شريف:
“الحمدلله”.
حتى والدته التي عزمت على الحضور كانت صامتة، صابرة، تتمنى أن يكتب الله لها أجر على صبرها هذا…
كانت تنظر طول الجلسة على شريف الواقف بثقة وملامحه هادئة ومطمئنة هو بالفعل يشعر بطمأنينة غريبة لم يحصل عليها منذ سنوات طويلة…
وجد حريته في السجن….
كان ينقص هذا المشهد فقط رؤيتها….
شمسه…
عاد الجميع إلى المنزل…
وذهبت أفنان في نوم عميق واستيقظت بعد مدة ليست بالكثيرة على صوت هاتفها وهو اتصال من داغر، أجابت عليه أفنان..
-ألو يا داغر..
-عاملة ايه؟!.
تمتمت أفنان بنبرة حاولت جعلها عادية لكنها كانت حزينة رغم قصر المدة بعد تنازل فردوس:
-بحاول أكون كويسة وأصبر نفسي أن الشهور دي هتعدي بسرعة وأن السنة أرحم من أي حاجة تانية كانت ممكن تحصل…
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ديجور الهوى) اسم الرواية