رواية جوازة ابريل الفصل السادس 6 - بقلم نورهان محسن
الفصل السادس (سقط عن أنظارها)
صدق من قال أن الكلمات تلمس وتُغرق وتُنقذ وتُدفء ، تجعلك تطير وتتسع ، وأحيانًا أخرى تلصقك في الأرض لتتمزق بلا رحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عند باسم
داخل شركة الشندويلى
فى مكتب عصرى الأثاث
خطى باسم خطوات ثابتة إلى الداخل ، ورأى امرأة فائقة الجمال تجلس على الكرسى أمام المكتب ، وتضع قدمًا فوق الأخرى ، وتحدق شاردة في الفراغ ، فتنحنح منبهاً إياها لحضوره ، وقال بهدوء : مساء الخير
استفاقت على صوته الجذاب ، وتدحرجت نظراتها إلى وجهه ، حيث نهضت من مقعدها لتقف فى مواجهته ، قائلة بصوتها الأنثوي الناعم : مساء النور .. انا هيام جبران .. ابقى حرم عزمي ابو المكارم
قدمت هيام نفسها له بلهجة واثقة ، وهي تمد يدها لمصافحة يده ، فأحب جزء منها لمسته الخفيفة على راحة يدها ، بينما عقب الآخر بلباقة : تشرفت بحضرتك وجوزك اكيد غني عن التعريف
أضاء وجهها الفاتن بإبتسامة أظهرت أسنانها ، وتابعت بصدق : مبسوطة اني قدرت اقابلك
بادلها باسم البسمة ، وهو يشير إليها ، في انتظار جلوسها ، ثم قعد مقابلها مباشرة ، ليسألها بسرعة : تحت امرك .. بس علي ما اظن ان حضرتك مش جاية بخصوص اعلان لمعارض سيارات جوزك ولا انا غلطان؟
ضحكت هيام بخفة ، وأجابته مؤكدة : بالعكس مش غلطان .. انا عايزة الاعلانات بخصوص فروع البيوتي سنتر بتاعي انا
أردفت هيام مسرعة بعد أن ألقت نظرة على ساعة معصمها : سوري مضطرة امشي لاني مرتبطة بمواعيد مهمة .. ممكن نكمل باقي كلامنا وقت تاني
كان يتمنى أن تبقى لفترة أطول حتى يتمكن من فحص كل ملامحها ، حيث أنها أثارته بنظراتها الغامضة ، لكنه أومأ برأسه بالموافقة متمتماً : اوي .. اوي
استأنف باسم حديثه حيث التقط قلمًا وقطعة صغيرة من الورق من على المكتب ، وحنى ظهره قليلاً ، ودوَّن عليها بعض الأرقام : دا رقمي الخاص .. هستني اتصالك عشان نحدد معاد للمقابلة الجاية
أنهى باسم كلماته تزامنًا مع إلتفاته نحو المرأة الجالسة ، التى تتابع حركاته بتمعن ، أما هو أعطاها الورقة ، فأخذتها من بين أصابعه ، فلمستها بغير قصد ، ممَ تسبب لها في رعشة طفيفة ، لكنها سيطرت عليها ، قائلة بإيجاز : ميرسي جدا علي وقتك .. عن اذنك
قامت من مقعدها بمجرد أن أنهت عباراتها القصيرة ، ممسكة بحقيبة يدها من فوق الطاولة الصغيرة ، ليصافح يدها مرة أخرى ، وتمتم بابتسامة مهلـ*ـكة : اتفضلي .. مع السلامة
اكتفت هيام بالإبتسام فقط وهي تلاحظ نظرات الإعجاب تنبعث من رماديتيه ، ثم وزعت نظراتها بين يدها التي احتفظ بها في يده ، لفترة أطول من الطبيعى ، وبين عينيه الداكنتين المثبتة على ملامحها ، ممَ جعلها تشعر بالارتباك حتى أفرج عن كفها ، بعد ثوانٍ ، لتسير نحو باب المكتب في صمت ، قاطع سكونه ، صوت الكعب العالي الذي ترتديه أمام عينيّ الأخر ، الذي ينقش تفاصيلها في ذاكرته ، بدءًا من ثوبها السكري الذي يلتصق بجسدها الممتلئ بإعتدال ، خصرها بشكل رائع ، وصولاً إلى شعرها الأسود ذو الخصلات القصيرة التى تصل بالكاد إلى كتفيها.
وصلت هيام إلى باب الغرفة ، وهى تشعر بنظرته مثبتة عليها ، لذلك ألقت نظرة خاطفة عليه من الجانب بابتسامة لطيفة زينت ثغرها ، قبل أن تغادر المكان تمامًا.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند ابريل
خرجت ابريل في الفناء الخلفي للمطعم ، لتغمض عينيها بانزعاج من أشعة الشمس القوية فوقها ، حيث كانت الساعة قرابة الثالثة عصرًا ، ممَ دفعها للذهاب إلى إحدى الأشجار لتقف متكئة عليها تحت ظلها ، ثم خفضت نظرتها نحو الهاتف الذي كان لا يزال يرن بإلحاح ، فتلقّت المكالمة بتردد حيث أن للقلب أسبابه التي لا يعرفها العقل ، قائلة بصوت خافت جدًا ، محاولة التحكم في إيقاع قلبها السريع ، لكنها فشلت : ايوه!!!
أتاها صوت أحمد العميق : ازيك يا ابريل؟!
بدلاً من رد التحية بمثلها ، وجدت لسانها يسأل متلهفاً بدون مقدمات : ستي حصلها حاجة؟!
أجابها أحمد مسرعاً : لا اطمني .. ماتتخضيش كدا .. هي كويسة .. محدش حصله حاجة
زفرت ابريل أنفاسها براحة شديدة ، قبل أن تتمتم بخفوت : الحمدلله
عاد أحمد يسألها بلطف : طمنيني .. صحتك اخبارها ايه؟
أجابته ابريل تلك المرة ، لكن بتكلف شديد : كويسة الحمدلله
إستفسر أحمد بإستفهام ، غير مكترثٍ له كثيراً : وباباكي صحته اتحسنت؟
اقتصرت إبريل في الأجابة : بقي كويس
سرعان ما إنعقد حاجبيها بتعجب ، من معرفته هذا الأمر أقرنته فى تساؤل : بس انت عرفت منين انه كان تعبان ..؟
لم تنتظر إجابته حيث أن عقلها أضاء بها ، فغمغمت بتبرم : خالتي صابرين اللي قالتلك
قال أحمد مؤكداً إستنتاجها : اكيد يا ابريل .. اخبارك كلها بتوصلني وعلي طول بسأل عنك
تجاهلت عمدًا نبرة صوته المثقلة بالمشاعر ، قائلة بنبرة جافة : شكرا يا احمد .. عامل ايه في الجواز؟
إرتفع جانب فمه بإبتسامة ، ثم سألها ساخراً : بتسأليني كدا ببساطة .. وكأن ماكنش بينا حب سنين طويلة يا بنت خالى؟
أجابتْ ابريل ببساطة ، حيث لم تكذبُ عليهِ ، ولم تجيبُه بحقيقةُ مشاعرها أيضاً : دا كان ماضي واتقفل .. يا ابن خالي .. وصلة القرابة اللي بينا مانقدرش نتنكر منها
همس أحمد بصوت مختنق يملأه الحنين : وحشتيني يا توته .. وحشتني مكابرتك ومناكفتك فيا .. كل حاجة فيكي وحشتني
إضطرب قلبها من حديثه غير المريح ، ونبرته الحانية ، لذلك وجدت أن أفضل طريقة للدفاع هي الهجوم ، لتهتف بإستنكار : وحشتك !! انت بأي حق بتقول الكلام دا !! وايه سبب اتصالك بيا من الاساس يا احمد؟!!
وصل إلى مسامعها ، صوته المندهش بإبتسامة حزينة : انتي كمان زعلانة اني بكلمك !! خلاص نسيتيني ومابقتيش عايزة تسمعي حتي صوتي يا ابريل!؟
نبرته جعلت مشاعر متضاربة تتدفق بداخلها ، لم تكن ترغب في الشعور بها ، لكن يبدو أنها عالقة في ذاكرتها ، ولم تستطع التخلص منها بعد ، لكنها قاومت ذلك قائلة بجفاء : مالوش لازمة الكلام دا يا احمد .. ماتسألش اسئلة عارف ردها هيكون شكله ايه!!
أطلق تأوهً غير مقتنع بما يسمعه منها ، ليردد بإصرار : وانا مش مصدق انك قدرتي تنسيني يا ابريل بالسهولة دي ..
رددت ابريل كلماتها السابقة بآلية : علاقتنا ببعض موضوع قديم واتقفل من سنين
سرعان ما هربت الكلمات من فمه ، مُستغلاً الفرصة التي أتيحت له من ردودها عليه : انا مقفلتوش .. انتي اللي نهتيه
خرجت تنهيدة بطيئة من جوفها ، فمن الواضح أن الحديث معه لا جدوى منه ، وهي لا تعرف ما يريد منها الآن ، فقالت بنبرة باردة : ماتقلبش في القديم .. كل واحد فينا اختار طريقه وانا هتجوز..
شعر أحمد مع كلمتها الأخيرة بالنار تسرى في عروقه ، لينطق سؤالاً بصوتٍ منخفضٍ يشوبه عدم التصديق : بكل بساطة كدا هتقدري تتجوزي واحد غيري؟!!
اصبحتْ ملامحها حادةً من سؤاله ، لتقرن أفكارها بإجابتها المستاءة : اكيد مش متوقع مني اتر.هبن مثلا؟!
رد أحمد بتريث : اكيد مش هتتر.هبني .. بس مين كان سبب فركشة خطوبتنا ؟! مش انتي !! مع ان ابسط حقوقي اننا نقرر دا مع بعض يا ابريل
ألم قليل نمى في داخلها اثناء إستماعها كلماته ، فابتلعت ريقها بصعوبة ، ثم عقبت ساخرة : الكلام دا عمره أربع سنين .. والحق للي بتقول عليه انت ضيعته علي نفسك .. عشان الراجل اللي بيوافق ان علاقته مع بنت بيحبها تنتهي .. ايا كان السبب ايه كأنه بيقولها بالفم المليان .. انا موافق انك تروحي تتجوزي راجل غيري
خاطبها أحمد بصوت غاضب مكبوت ، يحمل بين طياته خبايا كثيرة : وطبعا مش هتتجوزي اي راجل والسلام .. انا سمعت ان خطيبك مركزه كبير وعنده فلوس كتير .. يعني صبرتي ونولتي في الاخر .. مش بس كدا دا انتي كمان اتخطبتيلوا وانتي في اخر سنة في الكلية رغم ان دراستك اهم حاجة عندك بس طبعا متحبيش تضيعيه من ايدك .. وحتي لو هتتجوزيه وانتي ماتعرفيش عنه حاجة .. والاكيد مابتحبيهوش .. بس طالما عنده للي يشبعك هت....
بترت ابريل سيل كلماته المسمومة ، هاتفة بنبرة رادعة محذرة : ماتكملش كلامك الفارغ دا .. والزم حدودك يا احمد
صاح أحمد بصوت محتد : كلامي مش فارغ .. بس انتي منا.فقة يا ابريل وعمرك ماحبتيني زي ماحبيتك
بقيت ابريل صامتة ، تلهث بقوة ، وعضلات صدرها ألمتها بسبب قوة حركته من تنفسها السريع ، واحمر وجهها من فرط إستيائها ، وبدلاً من إنكار اتها.مه ، ردت بسؤال ساخر مرير : بأمارة ايه حبتني ؟! اقولك انت اصلا خسا.رة فيك حتي اني ارد عااا...
قاطعها صائحاً بغضب نابع من قلبه المحتـ*ـرق : وانتي وحدة معندكيش قلب يا ابريل وانا.نية .. بتحبي الفلوس زيك زي ابوكي اللي رمي امك وهي حامل فيكي عشان مراته الاولانية ماتطردوش من جنتها .. حتي امك فضلت عيالها اللي خلفتهم بعدك عليكي .. وابوكي فضل عاش مع مراته وولاده ونسيكي
استمعت أبريل لسيل كلماته التي خرجت من فمه دون وعي ، بملامح جامدة وعيون دامعة جراء الذكريات المؤلمة التي اجتاحت رأسها ، فصدق من قال أن الكلمات تلمس وتُغرق وتُنقذ وتُدفء ، تجعلك تطير وتتسع ، وأحيانًا أخرى تلصقك في الأرض لتتمزق بلا رحمة ، بينما أدرك أنه يؤذي مشاعرها ، لكنه لم يستطع الصمت ، واستمر في كلماته بنبرة أقل حدة : زي ما انتي نسيتي اني كنت ليكي كل حاجة .. تنكري اني عوضتك عن الدنيا وللي فيها .. مش دا كان كلامك ليا!!
رددت أبريل خلفه بتهكم متحشرج ، أثناء احتضان ساعدها المتدلي بيدها الأخرى في حركة تلقائية ، تدعمها دائمًا على تهدئة أعصابها التالفة : اه عوضتني .. وفي الاخر عملت ايه يا احمد ؟! طلعت ماتتخيرش عنهم وكل اللي كان همك انك تمشي كلام امك .. حتي لو من جواك عارف ان حجتها ماكنتش مقنعة .. يمكن لو كان قرار جوازنا بسرعة دا نابع منك انت .. كان ممكن نلاقي حل وسط اقدر بيه اكمل مشوار بدأته وتعبت عشان اوصله واخلص تعليمي وانا في بيتك .. بس انت أمنت علي كلام مامتك حتي لو كانت غلط .. لمجرد انك تفرض كلامك عليا وتثبت رجو.لتك .. ودلوقتي بكل بجا.حة بتقولي اني انا اللي انا.نية
بقى صامتاً كأنه يحاول تجميع الكلمات المناسبة ، لكنه فشل ، بينما ابريل اصبحتْ لهجتها اكثر صرامةً ، حينما أضافت بقوة : بس دي حجة خايبة بتقنع بيها نفسك عشان تريح ضميرك .. مطلع نفسك الضحية قدامه عشان مايفكركش انك مابتمسكتش بيا واتخليت عني
الجملةُ ترددتْ في رأسه عدة مرات ، ليهدر بخشونة مبرراً موقفه : ماتخليتش عنك يا ابريل .. انتي اللي ماستنيش الموضوع يهدي عشان نفتحو تاني ونرجع لبعض .. ماصدقتي تسمعي كلام ابوكي اللي قالك تعالي عيشي معايا قومتي سافرتي معاه القاهرة ومابصتيش وراكي
رسمتْ شفتيها ابتسامةٌ كبيرةٌ معزولة عن المرح ، وظهرتْ في لهجتها نوعاً من التساؤل الساخر : انت لسه بتقاوح في ايه بعد اربع سنين ؟!
أخذت ابريل نفساً عميقاً ، ثم واصلت حديثها بثقة تامة ، ونبرة مليئة بالإزدراء : انا سافرت القاهرة ماهجرتش .. ولو فارقة معاك كنت حاولت تكلمني زي مابتقول .. ماكنش رد فعلك هيبقي انك تروح تتجوز صحبتي .. بس انت جبا.ن يا احمد وضعيف .. وانا من لحظة ما اخدت رأي امك في موضوع دراستي وهي قررتلك وانت وافقت .. عرفت ان مهما باعوا واشتروا فيا انت مش هتكونلي ضهر يعرف يحميني وياخد حقي .. ولا ليك صوت من دماغك دايما مستني الناس تقررلك
أخبرها أحمد بنبرة أجش ، مدافعًا عن نفسه : لا يا ابريل انتي فاهمة الحكاية غلط .. انا محدش حبك في الدنيا وخاف عليكي قدي .. ولسه بحبك و ربنا يعلم ازاي حالتي وانتي بعيدة عني؟
صمتت ابريل ، أو بالأحرى إنعقد لسانها عن الرد ، ولم تعرف ماذا تجيب عليه ، أما أحمد شعر بأفكارها تتعثر ، فاستأنف الحديث بصوت مرتجفاً لوعة ولهفة : انا تعبان يا ابريل .. ذكرياتنا مع بعض .. صورتك مابتفرقنيش حتي وانا مع نادية...
أوصدت فيروزيتها بقوة محاولة السيطرة على غضبها قدر المستطاع ، فكلماته تجعلها تائهة بين الصواب والخطأ ، حيث يحثها جزء من قلبها على الاستماع إليه ، لكن عقلها أوقظها بعنـ*ـف ، عندما سمعته ينطق اسم نادية ، لتعود إلى الواقع المؤلم.
ومض بريق في عينيها بمجرد أن فتحهما ، وحاولت جاهدة أن تكتم دموعها ، فكان عليها أن تبقى صامدة حتى النهاية ، لتزفر ببطء ، وهى توقف سيل كلماته ، قائلة بتقطع مصاحباً لها عند الإنفعال : لو سمحت .. كفاية لحد كدا .. الكلام دا مالوش داعي .. انت دلوقتي واحد متجوز .. وانا خلاص هتجوز .. فاهم يعني ايه هتجوز؟
شددت ابريل على الكلمة الأخيرة بقوة ، لتؤكد له مصداقيتها ، ممَ أثار بداخله مشاعر حا.رقة ، صائحا بصوت يملأه العذاب : انا مخنو.ق يا ابريل .. همو.ت .. مش متخيلك تكوني مع واحد غيري .. هيكون له كل الحق فيكي .. بعد ما كنت انا اللي هتعيشي معاه بقية عمرك .. انتي فاهمة
هدر أحمد بأخر كلمة بصوت مرتفع بينما ابريل تساءلت بصوت مبحوح حانقاً : مين اللي بيكلم معلش ؟! احب افكرك ان انت اللي رحت تتجوز بعد كام شهر من فسخ خطوبتنا .. وجوازي امر كان هيحصل هيحصل .. وانت من لحظة ماسيبتني وانت عارف اني مصيري اتجوز
صمت أحمد لوهلةٍ ، ثم سألها مستنكراً : وانتي فاكراني عايش مبسوط ومستريح .. انا بعض صوابعي من الندم عشان ضيعتك مني يا ابريل ..
سحب أحمد نفساً عميقاً ، وأضاف هامساً بنبرة رجاء يستوطنها الوهن : ماتتجوزيهوش يا ابريل .. فكري كويس عشان خاطري .. انتي كمان مش هتعرفي تعيشي مع حد غيري .. محدش هيقدر يفهمك ويخاف عليكي قدي
إمتعضت معالمها استنكاراً ، ثم همست بحدة من بين أسنانها ، وبصوت دل على مدى نفورها : انت ازاي انا.ني بالمنظر دا !! بأي حق دلوقتي بتقول الكلام دا !! انا مش هقبل علي نفسي اكون درة وحدة مالهاش ذنب انها اتجوزت واحد زيك .. عايز كل حاجة في الدنيا رضا امك وعايز تتجوز خطيبتك القديمة وعايز مراتك وبنتك كمان .. انت مخلوق من ايه يا اخي؟!!
قالت جملتها الأخيرة بصوت حاد ، لكن شيئًا واحدًا فقط لفت انتباهه ، تلاه رده السريع : انا علي استعداد اطلقها ونتجوز يا ابريل وامي مش هتعترض انتي خلاص خلصتي دراستك ومابقاش في مشكلة قدمنا
ارتجف جسد أبريل من الصدمة ، وهزت رأسها دون وعي ، مستنكرة ما سمعته ، وهي تتمتم بإنشداه : تطلق مراتك .. انت اكيد اجننت !!
أخبرها أحمد مؤكداً ببرود : وفيها ايه !! انا مش هظلمها وكل حقوقها هتاخدها
ازداد نشيج صدرها نتيجة الضيق الذي أجتاحها ، فهذه هي المرة الثانية التي تشعر فيها بخيبة أمل فيه ، لتخرج كلماتها متقطعة مليئة بالفتور : قد كدا سهل .. عندك تبيع وتشتري في الناس !! مش مهم عندك لا مشاعرهم ولا حياتهم .. المهم راحتك انت .. مش كدا بجد خسا.رة يا ابن خالي .. عشان رغم اننا متربين مع بعض وكبرت قدام عينك .. بس ماقدرتش تعرفني كويس..
أغلقت المكالمة دون إعطائه فرصة للرد عليها ، فلا يمكنها سماع المزيد من هذا الهر.اء بعد الآن ، إذ أنه عاد بأنانية إلى فتح ستائر الماضي ، والتي مهما حاولت نسيانه ، لا تزال هناك بقايا مظلمة تطارد روحها الضائعة بين الطرقات ، متسائلة بمرارة ما الخطأ الذي ارتكبته منذ أن جاءت إلى العالم بين أب وأم تركوها وحيدة ، ولم يهتموا بها؟
تغضن حاجبيها فى تساؤلات كثيرة ، هل سيصبح هذا مصير إبنة أحمد أيضاً ؟ هل ستدفع هذه الطفلة البريئة ثمن أنانية والدها وضعف والدتها ؟ كيف يصور له عقله أنها ستسمح لنفسها بجعل هذه الطفلة تخوض ما تعاني منه ؟ حتى لو هناك بقايا مشاعر في قلبها تخصه ، لكن بعد هذا النقاش فقد سقط عن أنظارها تمامًا.
أطلقت ابريل تنهيدة حارة من صدرها ، وهي تمسح العرق حول جبهتها ، محاولة قدر الإمكان إبعاد حديثه عن أفكارها ، لتسير وقدماها ترتجفان ، وكأنهما لا تستطيعان حملها ، حتى دخلت المقهى.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
عند أحمد
فى المنصورة
حدق أحمد في شاشة الهاتف للحظات ، بملامح لا تنذر بالخير ، ثم ألقى هاتفه بقوة على السرير ، وأخرج سيجارة من جيبه بتوتر ، ليضعها بين شفتيه ، ناظراً للخارج من خلال نافذة غرفته القديمة ، حيث أنه نزل يجلس فى شقة والدته بعد الظهيرة ، ثم تمتم بنبرة خشنة ، غير مصدق : بتقفلي في وشي يا ابريل ماشي .. بس انا خلاص رجعت .. والجوازة دي مش هتم!!!
خرجت كلماته قوية وواثقة ، مع نفثه لدخان السيجارة من فمه ، رغم أنه تمنى أن تعود الأمور معها إلى سابق عهدها ، إلا أنه توقع رد فعلها على الأمر ، حيث أن عنادها لن يتغلب عليه بسهولة ، لذا عليه تنفيذ ما يدور فى ذهنه بأقرب وقت.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت
داخل نفس المطعم الذى تعمل به إبريل
على إحدى الطاولات
باسم يجلس بصحبة فتاة أقل ما يقال أنها بارعة الجمال ، فسمار بشرتها يجعلها جميلة ومميزة ، ولديها أيضًا عيون عسلية داكنة تشع منها الرقة ، وتتميز بجسمها ممشوق القوام.
سألته رزان بنبرة ناعمة ، متعجبة من صمته : مالك يا باسم .. في حاجة شغلاك!؟
خرج باسم من أفكاره على صوتها ، لينزع نظارته السوداء ، كاشفاً عن رماديتيه العميقة مثبتاً إياها بعينيها ، وأجاب سؤالها بالنفى : لا .. عادي
أخبرته رزان بنوع من الملل ، وهى تداعب أظافرها : اصلك من وقت ما قعدنا وانت مقولتش حاجة
اقترب باسم منها عبر الطاولة ، وخاطبها بنبرة خافتة بلطف : معلش يا روز .. سرحت شوية في جمالك .. كالعادة كل ما بشوفك بتبهريني اكتر
أعطاها ابتسامة صياد مخا.دع ، عندما تأكد من ملامحها الخجولة أنها ابتلعت الطعم الذي ألقاه لها ، بينما طرقت الأخرى رأسها ، وحمحمت بابتسامة مرتبكة : عادي .. المهم تكون مستريح
خاطبها باسم بنبرة رجولية عميقة ، يضرب علي الحديد وهو ساخن : عايز اقولك حاجة معرفش هتصدقيها ولالا .. ؟!
اعتدلت رزان تسأله ، والفضول يطغى عليها ، كونه لا يتحدث عن شيئاً يخصه كثيراً : ايه هي؟
ازداد باسم قرباً ، وعيناه الرمادية الثاقبتان تحدقان بعمق في عسليتها ، ثم همس بصوت جعله عميقًا وصادقًا بإتقان محترف : انا مبكونش مستريح وانا قاعد مع اي حد .. زي بكون مستريح معاكي انتي يا روز
أعجبها نطقه اسمها بنبرة صوته الجذابة ، لذلك لم تمنع ابتسامتها من التسلل لأطراف ثغرها ، وقبل أن تتمكن من الرد جاءت النادلة ، لتقطع حديثهما وهي تضع بعض المشروبات أمامهم بإبتسامة لطيفة.
وضع باسم يده تحت خده ، ناظرًا إلى عبوة مشروب البيبسي الغازي ، التي مددت رزان يدها لتمسكها ، ليسألها بحيرة : مش عارف فيها ايه لو تسيبهم يفتحوهالك ويجيبوهالك جاهزة في الكوباية ؟
تخلت رزان عما في يدها بضحكة محرجة بعد كلام باسم ، قبل أن تزيح خصلات شعرها إلى وراء أذنها ، لتجيب عليه بكل بساطة وصدق : هو انا كدا .. طبع فيا سميها وسوسة او حرص بالزيادة .. بس برتاح لما افتحها بنفسي
لم باسم يعير كلامها انتباهً ، ليتحدث بصوته العميق الخافت : تعرفي انك حلوة ومميزة اوي في عيني .. اكيد وصلك احساسي وقد ايه معجب بيكي ولما بكون معاكي ببقي مبسوط ومرتاح جدا
رمقته رزان بعسليتها المتسعة ، مندهشة من تغدقه لها بتلك الكلمات الرقيقة ، بينما انتظر الآخر ردها ، لكنها بقيت صامتة ، فسألها بنوع من الإصرار ، وهو يمد يده ممسكاً بيدها بحنان عبر الطاولة : وانتي ايه شعورك من نحيتي ؟
شَعرَت رزان بالأدرينالين يرتفع في دماءها من لمسته لأصابعها ، لتجيبه بنعومة : انا كمان بحس نفس احساسك
نظر باسم لها بطريقة تجعل أي أنثى تغرق برماديتيه الذائبة عشقاً ، قبل أن يعقب بهدوء : عارفة اني من وقت طويل وانا رافض موضوع الارتباط ومش حابب افتح قلبي لحد .. بس لما عرفتك اتغيرت نظرتي للدنيا وبقيت بحس براحة وسعادة لما بتكوني معايا
أخذ باسم نفساً عميقاً ، ثم تابع بنفس الهدوء ، وهو يمسح بإبهامه على أصابعها ، متحسساً جلدها الناعم ، ممَ أرسل ذبذبات لطيفة في جسدها ، فأسدلت رموشها بصمت تستمع إليه : معرفش هتصدقيني ولالا ..؟ بس انا حقيقي حاسس بمشاعر قوية جوايا بقي صعب اسيطر عليها .. انا بحبك يا رزان ونفسي اقضي باقي عمري كله معاكي انتي .. نفسي تشاركيني كل حياتي ونكون لبعض كل حاجة
أضاف باسم بنفس اللهجة الخافتة ، وهو يلقي نظرة خاطفة عليها ، ويدرس تغيراتها التعبيرية ، وكفه لا يزال ملفوفًا فوق يدها : اقبلي بحبي واوعدك هخليكي اسعد انسانة في العالم .. تتجوزيني يا رزان!!
رفعت رزان رأسها بعيون واسعة بتفاجئ من طلبه الغير متوقع ، وشهقة خافتة فلتت من فمها الشبه مغلق.
رزان : من أصل لبناني ، لكنها ترعرعت في مصر مع عائلتها التي انتقلت إلى كندا منذ سنوات ، و بقيت فى في القاهرة لتحقق حلمها بالعمل كعارضة أعلانات ، وهى تطمح بأن تصبح ممثلة مشهورة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
على الجانب الأخر ، فى نفس المطعم
عند ابريل
اعتدلت رضوى فى وقفتها ، بمجرد أن رأت أبريل قادمة تجاههم ، متسائلة والفضول يطغى عليها : ايه عملتي ايه !!
ردت ابريل بنظرات ساهمة : ولا حاجة
سألتها رضوى مستمرة في إتباع فضولها الرهيب ، خاصة عندما لاحظت آثار الإرهاق الواضحة على ملامحها : باين علي وشك انكو اتخا.نقتو .. مش كدا!!
نفخت ابريل خديها مللاً من إلحاحها ، وهتفت بتبرم : بعدين هحكيلك يا زنا.نة .. مالك يا اميرة مش واقفة علي بعضك ليه؟
قالت أبريل ذلك بدهشة ، وهي تراها واقفة صامتة تقضم أظافرها بطريقة عصبية ، سبقتها رضوى وقالت بصوت خافت ، وهي تدنو برأسها إلى مستواها ، وكأنها ستخبرها بأحد أسرار الدولة الخطير.ة : اصل حصلت حاجة زي الطين من شوية وانتي برا فأخدتها تهدي علي جنب
زوت ابريل بين حاجبيها بعدم فهم ، ثم هتفت متسائلة بصوت متحشرج : ايه يعني اللي حصل .. ماتكلموا قلقتوني؟!
ألقت رضوى نظرة سريعة على أميرة ، تنتظر ردها ، لكن الأخيرة أشارت إليها نظرة حزينة ، لتجيب بدلاً عنها ، فتنحنحت رضوى قبل أن ترد عليها بفم ملتوي : اصل اللي مايتسمي حازم هنا
إرتسمت التساؤل على وجه إبريل ، وهي تلوح بكفها وتوجه سبابتها إلى الأسفل ، مستفسرة بهمس : هنا فين ؟ في الريسترو!!
أومأت رضوى برأسها مؤكدة لها ، فتوالت في ذهنها عدة تساؤلات حول سر هذه الزيارة غير المتوقعة ، لتسأل بسخرية لاذعة : وايه اللي جاب الواطـ*ـي دا هنا ؟؟ هما بيتحدفوا كلهم مرة واحدة كدا ليه ؟؟
لطمت رضوى على خديها ، وهى تهز رأسها يميناً ويساراً ، بينما تخبرها بنبرة ملحنة إذ كأنها تقف على منصة المسرح : وياريته جاي لوحده .. دا جاي ومعاه وحدة .. انما ايه موزة
حدجتها أبريل بنظرات معاتبة ، ثم طرحت سؤالها ، والفضول يسيطر عليها : واحدة مين دي؟
وزعت أميرة نظراتها بينهما لبضع ثوان ، ثم تشدقت بفتور يستوطنه الحزن : خطيبته القديمة كان خطبها قبل مني .. وسابني لما عرف انها ورثت ورجعلها وبقت ضحيته الجديدة .. جايبها لحد هنا بكل بجاحة عشان يحر.ق دمي بها عشان مارجعتلوش شبكته
فغرت ابريل فاهها بصدمة ، جراء ما وشت به صديقتها ، وعاودت سؤالها مجددًا : يا نهار ابو.ه اسو.د وانت هتسكتي علي بجا.حته دي يا اميرة؟!
إرتفع كلا كتفيها بعجز ، وهى تخبرها بضيق : يعني هعمل ايه!! دا انسان مستفـ*ـز وزبالـ*ـة .. جه لحد هنا عشان اشوفهم مع بعض واضايفهم كمان .. وهو متأكد اني مش هقدر افتح بوقي وافضحه قدامها .. عشان مايتقطعش عيشي من هنا
وضعت ابريل أطراف أصابعها تحت ذقنها بتفكير ، ولم تتجاهل نظرة القلق في عيني صديقتها ، إنها محقة من السهل أن تفقد وظيفتها على يده ، أما هى تركت العمل بالفعل ، فما هو المانع إذن ، ثم أقرنت أفكارها الما.كرة ، بقولها بصوت خفيض مملوء بالعزم والوعيد : الواد دا فيه شئ لله .. جاني في وقته بالظبط .. هو علي تربيزة كام؟
ردت رضوى مسرعة بترقب : 9 .. بس هو انتي هتعملي ايه بالظبط؟
إلتمعت فيروزيتها ببريق غريب ، وأجابت عليها بغموض لا يوضح شيئاً ممَ تنوى عليه : هخليه تر.ند السوشيا.ل ميد.يا انهاردة ولمدة اسبوع .. وان ماطلعتوش من هنا بفضيـ*ـحة مجلـ*ـجلة ما بقاش انا ابريل
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
في نفس الوقت
عند باسم على الطاولة
رفت رزان بعينيها عدة مرات ، لعلها تستوعب ما تفوه به ، فسألها هو مبتسماً : مالك متوترة كدا ليه؟
أجابته رزان بنبرة مهزوزة : اااصلك فجئتني يا باسم!!
ابتسم باسم داخليًا ، ثم أطرق بنظرته إلى أسفل لمدة ثانيتين ، ثم نظر إليها مرة أخرى ، قائلاً ببطء متعمدًا ، حتى لا يجعلها تشعر بالخوف والتردد مما قاله : عارف انك اتخضيتي شوية من طلبي المفاجئ .. بس مفيش داعي خالص للتوتر دا كله اذا عايزة وقت تفكري م...
وكما كان متوقعا جاء ردها التالي عكس ذلك ، بل كانت كلماته أكثر تحفيزا لها ، حيث قاطعته بسرعة ، وعادت ابتسامتها تزين ثغرها ، وهي تجيب عليه وتغلب السعادة والخجل على صوتها الناعم : لا مش كدا .. انا اتلخبطت بس شوية .. اصلها بجد مفاجأة .. كنت فاكرة اننا اصحاب وماتوقعتش انك تطلب مني الجواز بالسرعة .. واحنا مع بعض بقالنا كام شهر بس!!!
قالت رزان كلماتها بحيرة شديدة ، وعسليتها هائمة برماديتيه العميقتين ، ليُجيب باسم بنبرة هامسة حنونة : وانا في الكام شهر دول حبيتك بجد فيهم و مش قادر علي بعدك دقيقة وحدة
ابتسمت رزان بتأثر على كلماته ، فبادلها الإبتسامة بأحلى منها ، مكرراً عرضه مرة أخرى ، وهو يتأملها بنظرات ذات مغزى : تقبلي تكوني مراتي وحبيبتي؟؟
سألها باسم بترقب ، لتبلل الأخرى شفتيها استعدادًا لإجابته ، لكن سبقها صوت أنثوي تقول بصوت حاد موجه إلى رزان : اوعي تصدقيه!!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية