Ads by Google X

رواية صعود امرأة الفصل السادس 6 - بقلم اية طه

الصفحة الرئيسية

 


رواية صعود امرأة الفصل السادس 6 - بقلم اية طه

الصوت: “مافيش حاجة رايحة على الفاضي، بس إنتي الأمل، إنتي اللي هتنجحي في اللي فشلت فيه. إنتي فيكِ قوة وشجاعة أكتر مني علشان توقفي قدامهم وتواجهي كل حاجة، وهتنجحي. إنتي الأمل.”

نجاة ودموعها مالية عينيها: “لا، مش صح يا أما. لو عندي شجاعة وقوة، فهي منكِ إنتي. من غيرك أنا أضعف من النملة وماقدرش أعمل حاجة، ولا حد هيسمح لي. بالله عليكي، يا أما، خليكي معايا. أنا معرفش أعمل حاجة من غيرك. اصبري معايا شوي…”



سميحة بتعبها: “هتقدري يا ضنايا، وهتنجحي. إنتي هتبقي زي الجبل في وشهم… إنتي هتبقي مرايتهم اللي بيشوفوا فيها حقيقتهم… إنتي هتبقي ضميرهم اللي هيعذبهم… إوعي، ثم إوعي، تسيبي طريقي ولا تملّي ولا تفشلي، يا بنتي. قلتها لك مرة وهرجع أقولها لك تاني: لو فشلتي يا ضنايا هتكوني قتلتيْني بيدك، وساعتها أنا مش هسامحك. افتكري كلامي ده زين، فاهمة؟”


نجاة وهي تهز راسها بعلامة النفي وتاخد أمها في حضنها: “لأه، مش عايزة أفتكر يا أما، عايزاكي إنتي اللي تذكريني بيه دايمًا. عايزاكي تكوني معايا… يا أما ده حمل تقيل عليا لوحدي. مع بعض يا أما هنعمل اللي إنتي عاوزاه… طب أقولك على حاجة حلوة: دلوقت الدكتورة تيجي تديكي حاجة تفوقك شوي كده، وناخد بعضنا ونروح من هنا، والله هما مش هيصدقوا. نروح عند جدي أنا وإنتي ونعيش في هنا بعيد عنهم. كده كده مفيش حد عاوزنا ولا فارقين مع حد، واللي كنتي قاعدة علشانه ومستحملة، دلوقت هو مش فارق معاه حاجة، ولا حتى بيفكر فيكي، وقاعد مع ستي، واللي تقول عليه هو يقول آمين. خلاص يا أما، هنحتاج إيه تاني منهم؟ متقلقيش، ده الحيلة بتاعهم هيراعوها أكتر من نفسهم، صح يا أما؟… ها، قولتي إيه؟”

بس السكون مالا المكان، ونجاة من خوفها مقدرتش ترفع راسها من حضن أمها، وقعدت تنادي عليها وتهزها وتبكي بحرقة. لحد ما الدكتورة دخلت الأوضة، جريت على سميحة وتفقدت نبضها من إيدها، وحست على نفسها بإصبعها قدام مناخيرها، لكن اتأكدت إن سميحة راحت عند اللي خلقها. مسحت على جبينها، ودعت لها، وغَطّت وجهها تحت صراخ نجاة اللي مكانتش مصدقة أمها ماتت وهي حضناها. الغطاء غطى وجه أمها، ولما كل الناس في الدار سمعوا الصريخ، محدش فيهم اتقدم لمواساة نجاة الصغيرة اللي فقدت أمها وهي حضنها. مفيش حد غير الدكتورة اللي حضنتها وقالت لها كلمتين علشان تهدي شوي وتسيبهم يغطوا أمها ويعملوا الواجب. بس المسكينة ديه كانت مش فاهمة أي كلمة، كل اللي في بالها إن أمها تقوم تاني وتعيش، ورفضت فكرة إنها ماتت وسابتها في الدنيا الظالمة دي. بس كان في حاجة أفظع حصلت، لما إبراهيم دخل على صريخها، ومسكها من دراعها بقوة وصفعها على وشها، وقعت على الأرض غايبة عن الوعي، وعيونها قفلت، لكن آخر حاجة شافت وسِمعت كانت أبوها بيغطي وجه أمها ويقول: “خلصونا منها بقى”. وعيونها أغلقت.

صحيت الفجر على صوت جدتها وهي بتعنفها علشان تقوم.

خيرية: “قومي يا هانم، هتفضلي نايمة للصبح؟ شوفي العزا واعملي الواجب، الناس زمانهم جايين.”

نجاة وهي تبكي: “أما وينها… لسه في أوضتها والمغسلة جت ولا لسه؟”



خيرية: “أمك في تربتها، وإنتي نايمة ولا دريانة، بس لا والله، إنتي اللي هتعملي كل الواجب، ما أنا غسلتها امبارح.”

نجاة وهي مصدومة، بصت للساعة لقت إنها خمسة الفجر…

نجاة بذهول: “الساعة لسه 5، إنتو غسلتوها ودفنتوها ميتة؟”


خيرية: “بالليل، الساعة 2 كده. الدكتورة جابت كفن من عندها، وأبوك جاب الكفن بتاعها من الدولاب، وخلصنا ودفناها، والناس جاية تعزي. ومين هيعمل الوكل ويخدم عليهم، أنا؟ لا والله. قومي اخلصي، الناس زمانهم جايين.”

نجاة وهي مصدومة: “بالليل… دفنتوها بالليل من غير صلاة؟ ولا حد يطلع وراها؟ كده ليه؟ حرام عليكم، مش بني آدمه دي؟ مش كانت شايلالكم البيت كله؟ تعملوا فيها كده؟ وأنا حتى، أنا بنتها الوحيدة، ماوقفتش على غسلها ولا صليت عليها ولا أكرمتها؟ خليتوا الغريب يغسلها؟ ما حدش فيكم افتكر حاجة حلوة عملتها معاه؟ والله، وحرقة قلبي ما هسامحكم.”

خيرية سبتها بالقلم على وشها، وسحبتها من شعرها لحد باب الأوضة…

خيرية بكل جحود: “أمك ما تقلقيش عليها، هنعمل لها صلاة الغائب بعد الظهر، وكنتي عايزة مين يطلع وراها؟ ليه تكونشِ شيخة البلد وإحنا ما نعرفش؟ ماتت زي أي حاجة بتموت، وطول اللسان اللي عندك دي، أنا هقصهولك، ولأول راجل يدق باب دارنا هجزهولك، ونخلص منك… عيلة قليلة الرباية تعلي صوتك عليا وتناطحيني أكده؟ ده لسه ما تخلق اللي يعملها، تعمليها إنتِ؟ يا كلبة، يا بهيمة، والله لأعلمك الأدب من الأول وجديد، علشان أمك كانت أصلاً عديمة الرباية، هتربيكي كيف؟”

نجاة وبكل قوة تفلت من يد خيرية، وتنظر لها بعيون حمراء من أثر البكاء، تنظر لها نظرة قوة وترفع إصبع السبابة في وشها.

نجاة: “لا تجيبي سيرة أمي على لسانك بكلام عفش عاد… أمي كانت زينة وكويسة ومتربية وبنت أصول، بس أكبر غلطة عملتها في حياتها أنها تجوزت ابنك وعاشت معاكم. مش كفاية أنكم السبب بموتها بإهمالكم فيها، وكمان تتكلموا عليها بعد ما ماتت؟ ارحموا شويه، عيشتوها بجحيم معاكم طول حياتها، على الأقل بعد ما تموت ياما، مش تجيبوا سيرتها، ياما احكوا عنها زين. وبالنسبة لواجب أمي، أنا هعمله لأنه واجب عليا من غير أوامر منكِ، يا ستي.”

وتركتها على السلم، وذهبت إلى غرفتها، وارتدت عباءة سوداء وطرحة سوداء، التي أظهرت بياضها أكثر، وخدودها التي صارت باللون الأحمر من كثرة البكاء. فكانت كالأميرة في جمالها رغم حزنها.

في المطبخ، تقف نجاة على البوتجاز تقلب طناجر الطعام وتجهز الطعام للعزاء، وفجأة تشعر بيد على كتفها وصوت رجولي يتحدث: “البقاء لله… إنتِ كويسة؟ أنا لسه عارف دلوقت والله، وجيت على طول.”

تنظر نجاة لتجد شابًا طويلًا في أوائل العشرينات، شعره كثيف ويرتدي الثياب الصعيدية والعِمّة، وعيونه عسلية وبشرته خمرية.

نجاة بصدمة: “فيصل… إنت هنا كيف وازاي؟ مش إنت متعين جديد في القاهرة، ومينفعش تنزل؟ واصل خالة نعمات قالتلي أكده. فكيف نزلت؟”

فيصل: “أيوة، مكنش ينفع أنزل، بس لما عرفوا إن عندي ظرف وفاة، سمحوا لي بإجازة لمدة 48 ساعة، وجيت على طول. حتى أبوي وأمي لساتهم على الطريق وجاين… أنا بس عارف الظروف هنا وجيت علشان لو احتجتي حاجة، أنا موجود مع الرجالة برا.”

يستدير فيصل للخروج من المطبخ، ليشعر بيد تمسكه بقوة و…

google-playkhamsatmostaqltradent