رواية وعد في العتمة الفصل السابع 7 - بقلم اسماعيل موسى
التمعت عينى السائق وهو يستمع للمذياع، كانت اذاعة القرأن الكريم والشيخ البنا يرتل ما تيسر من سورة طه، والطريق كالعادة مزدحم بكتل من البشر متلاحمه مثل موج البحر
__عارف يا اخى ايام زمان كانت كل حاجه حلوة، ارتفع صوت السائق وهو يترنح وسط الزحمه، الله يكون فى عونا كل حاجه بقت باهته وماسخة.
استدار دكتور معاذ برأسه تجاه الطريق، اخر ما ينقصة حديث عن الحياه والعيشة وغلاء الأسعار
لكن السائق صمت فجأة وكأنه أدرك ان زبونه لا يرغب فى الكلام، وما كان يضرة ان لو اوميء برأسة وارضى خاطرة
فاضل كتير؟ خاطب معاذ السائق بنبرة مستحثة
رفع السائق كتفة بوهن، كله بأمر الله يا استاذ انت شايف الطريق زحمه ازاى؟
طيب شد شويه لو سمحت انا مستعجل جدآ
__تنهد السائق، مستعجلش على حاجه متهرفعاش يا ابنى
إلى هناك رضيو بحالهم ومش هيروحو اى مكان
نفذ صبر دكتور معاذ، استفذة حديث السائق الممل المتكرر
انت تعرف ايه عنى او عن الشخص الى مستنينيى عشان تصدر أحكام فوضاوية؟
انت رايح المقابر صح؟
مقابر ايه؟ انا رايح اقابل شخص فى العنوان إلى انا اديتهولك
___العنوان دة بيوصل لمقابر مصر القديمه
بص هناك قربنا نوصل، عشان كده كنت بقلك إلى هناك مش هيرحل او يطير
تنهد معاذ بحسرة، انت متأكد ان العنوان صحيح؟
انا شغال على التاكسى من ايام السبعينات يا استاذ ومش ممكن اغلط فى عنوان
ماشى!؟ وشعر معاذ بالحسرة، تأسف للسائق وأخرج هاتفه يتأكد من المكان
كانت السياره تسير نحو المكان الموضح فى العنوان
توقفت السيارة ونزل منها دكتور معاذ، اعتذر للسائق مرة تانيه
ومسح الطريق قدامه، مساحه كبيرة من المقابر ” ‘مشى ورا تليفونه وتوغل وسط المقابر
هو شغال تربى ولا ايه؟
معقول يكون عامل وفيه اعمال حفر داخل المقابر؟
عندما توسط المقابر وصل المكان المحدد، تلفت يمين وشمال
مفيش اى انسان هنا
طلب رقم الهاتف ليتأكد، سمع الازيز المؤذى الذى يجيبه كله مره
حاول أن يسمع صوت رنة الهاتف وبحث تحت الأشجار ووسط الحشائش، ممكن يكون شخص نسى تليفونه او تركه هنا صدفه
انا قربت اتجنن!! صرخ معاذ بعلو صوته فيه حد هنا؟
تردد صداه وسط المقابر وفزعت هرة كان نائمه وسط العشب
فيه ايه يا استاذ مالك بتصرخ كده؟
خاطبه صوت رجل يرتدى جلباب قديم ويضع فوق رأسه لاثه رماديه
لوح معاذ بيده، تعالى هنا لو سمحت، انت حارس المقابر؟
مشى الرجل بترنح، كانت هناك أصابه فى ساقه
انا ابن الحارس، والدى مريض شويه، انت بتصرخ ليه
دكتور معاذ، عرف معاذ نفسه، بص انا بتتبع تليفون شخص والبرنامج وصلنى هنا
قدام المقبره دى، اخرج معاذ هاتفه وطلب الرقم قدام عنين الحارس
سامع؟
سمع الرجل ازيز صاخب يصدر من السماعه، دا التليفون إلى انا عايز صاحبه، لكن مفيش حد هنا
انا معرفش بتتكلم عن ايه يا استاذ، ميت ايه إلى هياخد تليفون معاه؟
صمت عونى مفكرا لحظه؟ معقول يكون التليفون داخل المقبره؟
اتنسى مع الكفن؟
طلب الرقم ووضع اذنه على جدار المقبره، ثم صرخ بفزع هنا اهو تعالى اسمع
بخوف تقدم الحارس نحو جدار المقبره وسمع صوت الهاتف
ايوة دا حقيقى داخل المقبره
تنهد معاذ بارتياح، يعنى مش وهم انا مش مجنون؟
عايزين نفتح المقبره لو سمحت؟
__انت اتجننت يا جدع انت؟ مقبرة ايه إلى نفتحها؟
ركن معاذ للصمت وولع سيجاره، لازم نخرج التليفون
___مستحيل افتح المقبره الا بأمر الشرطه
همس معاذ، بص انا ممكن ابلغ الشرطه ونفتح المقبرة لكن شوف الشوشرة الى هتحصل لما الناس تعرف انك بتدفن الناس بالمتعلقات الشخصيه بتاعتها؟
الموضوع دا هيفتح مشكله كبيره عليك وعلى والدك
الا اذا كان الميت محتاج التليفون عشان يتصل بأهله من العالم الاخر
ارتبك الحارس، والدى إلى كان بيدفن مش انا، عايزين نحل المشكله بسرعه من غير ضجه وشوشرة ايه رأيك؟
احنا فى عز النهار يا استاذ، مش هينفع اعمل حاجه زى كده دلوقتى
لان الحارس هكذا فكر معاذ، بص انا هبقى كويس معاك
النهرده بالليل هاجى مره تانيه ونفتح المقبره من غير ما حد يشعر قلت ايه؟
___دا موضوع خطير يا دكتور
لا خطير ولا حاجه، دى عشر دقايق وخلاص، محدش هيحس بحاجه
فى منتصف الليل وصل معاذ المقابر، كان الحارس فى انتظاره يحمل مصباح ومعول
فتح باب المقبره وهمس ذاكر اسم الله هتدخل معايا؟
تردد معاذ، لكنه دخل معه إلى جوف المقبره استعمل هاتفه ورد عليه الهاتف الآخر برنة متقطعه
هنا اهو
فتح الكفن وكان داخله عظام بشريه لكن مفيش أثر لهاتف
مش معقول؟
لازم فيه حاجه غلط، صوب معاذ المصباح على الكفن ووضع يده بين العظام حركها ببطيء وخوف
كان هناك هاتف مسحوق مدمر لم يتبقى منه سوى خط صغير لشركة هاتف
سبحان الله صرخ الحارس داخل المقبره، دى معجزه يا دكتور
لكن عقل معاذ كان فى حته تانيه
ازاى خط بيرن من غير تليفون وشعر فى تلك اللحظه بكل رعب العالم، انطفيء المصباح واظلمة المقبرة، سمع ازيز صاخب داخل المقبرة اعقبة صوت محشرج
انت التالى
لم يتمالك الحارس اعصابه، إصابته فوبيا الظلام وارتعش جسده ورغم الظلام برقت عيونه ولمعت انفتح فم وبانت أسنان مصبوغه بالدخان وأطلق ابتسامه ساخرة لكنها مرعبه
انت التالى، انت التالى وعلا صوت قهقهقه مفزع، صوت ملاء كل ارجاء الكون الصامت، زحف دكتور معاذ نحو باب المقبره
والرعب ينفخ داخل صدره، وكان يبذل مجهود خرافى لكل خطوة يتحركها كأنه يسير فى الوحل او ان قدمه مربوطه بحبل
القى برأسه خارج المقبره غير قادر على النظر خلفه
متسبنيش هنا صرخ الحارس، متتخلاش عنى زى ما تخليت عن مدحت
لكن اليد البارده التى لمست قدم معاذ السنهورى جعلته يدفع نفسه خارج المقبره وهو يصرخ
كان الرعب حوله فى كل مكان، وظل أشجار المقبرة أشباح تصرخ فى عقله انت التالى
القى معاذ جسمة على الأرض وتنشق نفس من التراب، اغمض عينيه وتنهد، ستمر تلك اللحظه تمالك نفسك يامعاذ
تحرك شيء بين اغصان الشجرة الراقد تحتها معاذ، لكن معاذ لم يكن مستعد لرؤيته او تبين كنهته، وسط محاولاته البائسه للبحث عن الطمأنينه قفز هر فوق وجهه وركض لبعيد تاركا معاذ يصرخ ابتعد عنى
الحقنى يا دكتور انا مش شايف حاجه مش عارف اطلع من جوه المقبره، وحاسس فيه حجات غريبه بتزحف تحت رجليه
باب المقبره مفتوح، بص على النور همسها معاذ بصعوبة
__مش شايف نور كل حاجه ضلمه
ارجوك مد ايدك واسحبنى انا قلبى هيوقف، ما كان لشيء ان يدفع دكتور معاذ ان يضع يده داخل المقبره
رغم ذلك نهض وقال اتبع صوتى، امشى ورا صوتى انا هنا
خرج الحارس من المقبره ولم يشك معاذ للحظه انه تعرض لمس شيطانى
لأنه مشى تجاه بوابة المقابر دون أن يفتح فمه
انت رايح فين؟ احنا هنسيب باب المقبره مفتوح؟
لم يستدير الحارس، راح يهمس كل دا بسببك انت، انت إلى تعديت على حرمة المقابر، دارى جريمتك يا دكتور
دفع معاذ باخر قواه كتل التراب نحو باب المقبره وطمسها بالطين
واشعل سيجاره يستمد منها الأمان وهو يمشى بسرعه لخارج المقابر
وجد الحارس متكوم خارج المقابر بجسد مرتعش
همس دكتور معاذ، كل حاجه خلصت خلاص، انت فى آمان هنا
كان الحارس واضع رأسه بين ركبتيه، قدرت توصل للى انت عايزه؟
ارضيت فضولك يا دكتور؟
دا مكنش فضول، قال معاذ وهو يحرق السيجاره، دا كان بحث عن الحقيقه
__لكن الحقيقه هتدمرك يا معاذ يا سنهورى
تشبثت عينى معاذ بالحارس، أدرك ان من يحدثة ليس الحارس بل شخص آخر داخله
انت ليه كنت بتصرخ متتخلاش عنى زى مدحت؟
انا تعرف مدحت من فين؟
انا لا اعرف مدحت ولا بخييت، انا لقيت نفسى بقول كلام معرفهوش
بخيت؟ كان نفس الشخص الآخر الذى شنق قبل مدحت
طيب تعالى اوصلك بيتك، أسند عليه، استطاع معاذ ان يوصل الحارس لمنزله
تركه تحت مدخل العماره حتى لا يتعرض لسين وجيم
وكان لا يزال غير قادر على امساك اعصابه
أستقل سيارة آجره نحو منزله، رقد فى المقعد الخلفي مثل جثه هامدة
رن هاتفه مما جعله يرتعش من الخضه، انت عايز منى ايه؟
صرخ معاذ وهو يحملق برقم الهاتف
عايز منى ايه؟ بصراخ مما دفع السائق للنظر نحوه
فتح معاذ سماعة الهاتف باستسلام، لم يكن هناك ازيز صاخب
بل صمت، تبعه
انت التالى
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية وعد في العتمة) اسم الرواية