رواية و بالعشق اهتدي الفصل السابع 7 - بقلم ندى محمود توفيق
(( وبالعشق اهتدى ))
_ميثاق الحرب والغفران ج2_
_الفصل السابع_
صادف وقت دخول جليلة للغرفة وصول جلال للمنزل وعندما وصل لغرفته ورأى أمه تقف بجوار الباب تحدق في الحقائب بتعبيرات يستحوذها الذهول، فأخذ نفسًا عميقًا وتنحنح خلفها بنبرته الرجولية ليجذب انتباهها لوجوده، فالتفتت هي بجسدها للخلف فورًا واستقرت نظراتها المتألمة عليه لبرهة من الوقت قبل أن تسأله:
_إيه الشنط دي ياچلال؟
تقدم نحوها بخطوات هادئة وهو يجيب بجدية:
_بكرا الصبح هنقل أنا وعيالي ومراتي على شقتي ياما
رغم أنها كانت تتوقع ذلك الرد لكن عند سماعه اختلف كثيرًا وكأنه صابها في مقتل فاتسعت عينيها وأدمعت وراحت تهرول نحوه وتمسك بيده تترجاه:
_لو هتمشي عشان اللي حصل وأني دخلت منيرة حقك عليا ياولدي، أنا والله ما كان في نيتي اعمل مشاكل بينك وبين مرتك أبدًا، معقول أنا هبقى عاوزة واحدة سحارة وعقربة كيف منيرة دي ترچعلك تاني بعد اللي عملته فيكي وكنت هتروح فيها بسبب السحر والأعمال اللي كانت بتعملها، أنا بس دخلتها عشان أشوفها عاوزة تقول إيه وكنت هطردها بعدين، لكن ورحمة أبوك الغالي ما كان في نيتي حاچة وحشة
قالت عبارتها الأخيرة وقد انهارت في البكاء العنيف، انفطر قلبه لبكائها وحن عليها فراح يمسح فوق ذراعها ورأسها بحنو متمتمًا:
_أنا عارف ياما ومش همشي بسببك.. لكن أنا مش مرتاح إهنه في البيت وكل يوم في مشكلة مختلفة وأنا عاوزة ارتاح مع مرتي وعيالي، وعاوز اشوف فريال ماخدة راحتها في بيتها أنا حرمتها من حقها ده من وقت چوازنا وعمرها ما حست أنها ليها مملكة خاصة بيها ولا أنا كنت عارف اتمتع وانبسط معها ومع عيالي
هتفت جليلة بلهفة محاولة إقناعه وسط دموعها التي تنهمر دون توقف:
_طب أنا اوعدك مفيش حد هيضايقك أنت وفريال واصل وخدوا راحتكم ياولدي بس خليك چاري أبوس يدك
تنهد جلال بقلة حيلة وعاد يهتف بجدية محاولة شرح وجهة نظره لها بوضوح أكثر:
_ياما ملوش علاقة بحد أنا بقولك أنا مش مرتاح وعاوز آخد راحتي في بيتي لوحدي، بزيادة عاد وأنا اللي أبوس يدك ما تعملي حاچة وخلينا على الأقل اقضي الليلة اللي فاضلة ليا إهنه مرتاح وانقل على شقتي وأنا مبسوط مش متعكنن
ظهر الجمود فجأة على معالم جليلة ونظرات العتاب كانت في عيناها ثم قالت له بغضب ولهجة صارمة:
_فريال هي اللي عاوزة تنقل وحطتها في دماغك صُح
تبدلت ملامحه من السكون والدفء للانزعاج ليقول بحدة:
_فريال ملهاش صالح ياما أنا اللي قولتلها وأنا اللي عاوز، هي لا قالت عاوزة شقة ولا عاوزة تنقل كله أنا اللي عملته
ابتعدت وتراجعت خطوة للخلف وهي ترمقه بشجن وتقول في يأس:
_يعني أنت خلاص مصمم وهتهملني
فرد ذراعه وضمها إليه في حنان وقبَّل رأسها ثم أردف:
_مقدرش أهملك ياست الكل، وأنا مش رايح آخر الدنيا وكل يوم هاچي اطمن عليكي وأقعد معاكي شوية، كفاية بما عاد عشان خاطري أنا مش هقدر امشي وأنتي زعلانة ومش راضية إكده
توقفت عن البكاء أخيرًا ورغم عدم رضاها التام عن رحيله لكنها التزمت الصمت وتقبلت الأمر الواقع فوجدته يبتسم ويعود يقبل رأسها من جديد.
***
بعد انتهاء حفل الخطبة بينما كان الجميع يرحل تدريجيًا كانت آسيا تقف في الزواية في انتظار وصول فريال ليرحلوا ليعودوا معًا للمنزل لكنها انتفضت على أثر صوت غليظ من خلفها يهتف:
_واقفة إكده ليه يلا تعالي هوصلك البيت
التفتت خلفها بعدما ميزت الصوت الرجولي الذي كان لزوجها وقالت له بهدوء:
_أنا هرچع مع فريال
عمران بجدية:
_فريال هترچع مع أمي والباقي.. يلا هتقعدي واقفة إكده كتير ولا إيه!
تنهدت الصعداء مغلوبة وهزت رأسها له بالموافقة ثم سارت خلفه باتجاه السيارة وهي تبتسم كلما تتذكر مشهد الغرفة وهم معًا وكيف لم يتمكن من الصمود أمامها وخر مستسلمًا أمام شوقه لها وقبَّلها.
فتحت باب السيارة واستقلت بجانبه في المقعد المجاور له، انطلق بالسيارة وهو يشق بها الطرق والصمت كان سيد الموقف بينهم تارة هو يختلس النظرات إليها دون أن تلاحظه وتارة هي، ومع طول الطريق وضعت رأسها على المقعد واسترخت تمامًا فغطت في ثبات هاديء، عندما توقفت السيارة أمام منزل خليل صفوان راح يتمعنها بعينان مهمومة، لو تعرف مالذى يعانيه داخله الآن وصراعه الذي لا ينتهي بأى شكل، يرغب في العودة بها لمنزلهم حتى لو رغمًا عنها لكن كلماتها الأخيرة بيوم زيارة الطبيب مازالت عالقة بذهنه ولم ينساها، جرحته وزاد امتعاضه منها.. لكنها مهما تفعل لا تنجح في جعل ذلك القلب يغضب منها ويظل ينبض بعشقها ويصرخ من عذاب شوقه لها.
أخذ نفسًا عميقًا وانحنى عليها يهتف في صوت رخيم:
_آسيا فوقي احنا وصلنا
لم يحصل على ردة فعل منها ولم تتحرك فكانت غاطة في نوم عميق، ابتسم لا إراديًا واقترب منها أكثر ليهمس في أذنها ببحته الرجولية التي تذهب العقل:
_ياغـزالي
ظهرت بسمة غرامية على ثغرها وسط نعاسها ومالت برأسها لجهته وهي تبتسم ومغلقة عيناها، فقد ظنته حلم مما يعني أنها لم تفق بعد بشكل كامل، وجدها ترفع ذراعيها دون وعي وتلفها حول رقبته وتنحني عليه لتعانقه وهي تردد بصوت يكاد يُسمع بصعوبة من تأثير النعاس عليها:
_عمران
رفع حاجبه بتعجب وقد ازدادت ابتسامته اتساعًا وبقى ساكنًا دون حركة يتركها متشبثة به وتعانقه بقوة، لحظات قصيرة وفتحت عيناها تدريجيًا وكأن عقرب لدغتها انتفضت بعيدًا عنه وهي ترمقه مندهشة وتقول بخمول وصوت ضعيف:
_إيه ده.. في إيه؟
رأت على وجهه بسمة عابثة كلها مكر وهو يجيبها باستمتاع:
_حمدلله على السلامة ياغزال، وصلنا!
طالعته ببلاهة لثواني وكأنها مازالت حتى الآن لم تدرك ما حدث للتو وراحت ترفع أناملها تفرك عينيها وتمسح على وجهها ثم تسأله بصوت خافت يظهر عليه الإحراج من معانقتها له:
_هو أنا نايمة من بدري
رأته يكتفي بابتسامته الخبيثة دون إجابة عليها، فحاولت تفادي النظر إليه وعندما أدركت أن لا مفر منه فنظرت له وقالت بضيق وخجل:
_بتبصلي إكده ليه أنا كنت نايمة ومش حاسة بروحي على فكرة
لاحت في عيناه نظرة شيطانية ماكرة وهتف غامزًا:
_وأنا كمان مكنتش حاسس بروحي في الفرح، إكده نبقى متعادلين
اشاحت بوجهها عنه ثانية للجهة الأخرى وهي تبتسم بنفاذ صبر ثم نظرت له وقالت في جدية:
_متقدرش تنكر أنك اشتقتلي بس مش عاوز تعترف أنك غلطان في حقي وظلمتني
اختفت بسمته ورد عليها بامتعاض حقيقي:
_وهو إنا ميحقليش ازعل بعد اللي عملتيه وقولتيه ليا في العربية يوم الدكتور
زمت شفتيها وهتفت بحزن وهي تتمنع عنه بدلال:
_يحقلك بس أنا كمان يحقلي، ولغاية ما تدرك غلطك وتقرر تعتذر أنا في بيت أبوي يامعلم
أنهت عبارتها وفتحت الباب السيارة لتنزل لكنه قبض على ذراعها يوقفهت بنبرة منزعجة:
_رايحة وين؟!
ردت عليه بكل هدوء وهي تبتسم:
_تعبت ومحتاچة ارتاح.. تصبح على خير
لوى فمه وهو يصر على أسنانه بغيظ منها ثم ترك يدها مجبورا واخذ يتابعها وهي تدخل لمنزل والدها وداخله يشتعل من نيران الغضب والشوق معًا.
***
بتمام الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل..
خرجت غزل من المطبخ بعدما انتهت من تحضير كوب عصير من الليمون البارد لها وكانت في طريقها للصالون لتجلس به وحدها بينما تشرب مشروبها بتلذذ، بعد خلود الكل للنوم أصبح المنزل هاديء.
تسمرت بأرضها باضطراب عندما وصلت للصالون ورأت " على " يجلس على الأريكة ويبدو أنه هو أيضًا مثلها كان بحاجة لمزيد من الاسترخاء في الهدوء بعيدًا عن الضجيج في هذا الليل، تردد وخجلت من الجلوس وبينما كانت على وشك الاستدارة والعودة لغرفتها أوقفها صوته الغليظ سامحًا لها بنبرة بدت لأول مرة طبيعية ومهذبة:
_تعالى اقعدي ماشية ليه؟
التفتت له برأسها وابتسمت في تكلف تجيبه:
_مش حابة ازعجك أنا هطلع اقعد في my room
أخذ علي نفسًا عميقًا وأخرجه زفيرًا متهملًا قبل أن يسألها بنبرة بدت مهتمة ولكنها احستها لا مبالية ويتصنع الاهتمام:
_انتي قولتي اسمك إيه؟
رفعت حاجبها باستنكار وقد تبدلت ملامحها الغيظ لاجئين في شراسة جميلة:
_أنا مقولتلكش أصلًا من الأول عشان تحاول تفتكره دلوقتي، واسمي غزل!
رأت على ثغره بسمة نصر وكأنه يحتفل بداخله أنه نجح في انزعاجها، فاشتعلت كيدًا منه وعنادًا قررت الجلوس لكي تزعجه هي أيضًا كما يفعل ذلك المزعج.
جلست على الأريكة المجاورة لتلك التي يجلس عليها، ومر عليهم وقت طويل وهم يلتزمون الصمت حتى سمعته يسألها بكل تحضر عكس تصرفاته السابقة معها:
_وأنتي عاد خلصتي دراسة ولا لسا بتدرسي؟
طالعته بطرف عيناها في خنق وردت عليه في مضض:
_خلصت السنة دي كانت the last year
هز رأسه وهو يمط شفتيه ببرود ويجيب متعمدًا إثارة جنونها:
_امممم لساتك عيلة يعني
لم يفشل في جعلها تستشيط وتهتف بغضب:
_أنا مش طفلة، أنا عندي 22 سنة وبعدين ده جسم طفلة ولا شكل طفلة
اخفض نظره لجسدها يتفحصها بتدقيق وهز رأسه بالرفض وهو مستمر في تمعنها وسط همسه:
_لا طبعًا كل ده جسم طفلة كيف!!
لمست شيء غير مريح في تمتمته التي لا تسمعها فراحت تسأله بحدة:
_what did you said?
ابتعد بنظراته عن جسدها وتطلع في وجهها بابتسامة سمجة مجيبًا:
_قولت كل خير ياغندورة
تأففت بنفاذ صبر وقالت له في غيظ حقيقي:
_مين غندورة.. قولتلك اسمي غزل
رفع حاجبه ورد مبتسمًا:
_والفرق إيه مهو الاتنين نفس المعنى
زمت شفتيها بانزعاج وقالت وهي تهم بالوقوف:
_أنت واضح أنك مصمم تعصبني أنا غلطانة أني قعدت معاك
زم شفتيه بعدم حيلة وهو يقول في استغراب متصنعًا البراءة:
_يعني هو نتكلم زين مش عاچب نتكلم عفش مش عاچب!
سكتت للحظات وهي تحاول استيعاب من هو " زين " ومن "عفش " محاولة ربط الجملة ببعضها فقالت له في النهاية مغلوبة:
_ممكن تتكلم مصري عشان مش فاهمة أنت بتقول إيه!!
ضحك لا إراديًا ورد عليها ساخرًا:
_ليه وهو أنا بتكلم إيه افغنستاني!!
لوت فمها في تعابير وجه متقرفة تدل على عدم إعجابها بمزحته السخيفة:
_اشكرك على المحادثة اللطيفة دي كانت جلسة قصيرة اتمنى متتكررش تاني، تصبح على خير
كتم ضحكته بصعوبة وحافظ على تعابيره الباردة ليرد عليها وهي تتجه لغرفتها بصوت مرتفع قليلًا متعمدًا ازعاجها:
_وأنتي من أهله ياغندورة
التفتت له برأسه ورمقته بنارية ثم اشاحت بوجهها وهي تأفف وتهمس بسخط شديد:
_اوووف بني آدم مش طبيعي
***
بمكان آخر تحديدًا بمنزل حور أخيرًا جلست هي وبلال بمفردهم، رغم أنها كانت تحاول الهرب منه قدر الإمكان لكن لا مفر وفي النهاية وجدت نفسها في الغرفة معه وحيدة.
استمرت في التلفت حولها وتفقد السقف وتفحصه وكأنها تراه للوهلة الأولى، كانت تقريبًا تنظر على كل شيء إلا وجهه وهو يتابعها بصمت منتظر منها أن تدرك أنه موجود بجوارها ولديه وجه يمكنها النظر إليه إذا أرادت فهو ليس شفافًا!.
انحنى عليها وهمس بالقرب من أذنها في مرح:
_حور طمنيني عليكي أنتي شيفاني طيب ولا إيه أنا حاسس نفسي غير مرئي!
التفتت له وانتفضت مفزوعة واجابته بتعلثم:
_ايوة شيفاك طبعًا يابلال في إيه؟!
تصنع الدهشة وهو يجيبها:
_صُح والله شيفاني.. طب قولي شيفاني من وين بظبط يمكن اشوف نفسي معاكي، في انهي ركن في الأوضة يعني شيفاني قاعد فيه مثلا بما إنك مسبتيش حتة مبصتيش عليها غير مكاني
ضحكت بصمت في خجل وراحت تهتف مغلوبة:
_بس بقى يا بلال بلاش رخامة
ابتسم لضحكتها وتمتم بفرحة:
_أيوة إكده اضحكي ياعروسة، فكي واتكلمي معايا
أطرقت رأسها أرضًا وقد تلونت وجنتيها بالأحمر من فرط الحياء أما هو فقد مد يديه ليمسك بكفيها ويحتضنهم بين يديه ثم يرفع واحدًا تلو الأخرى لشفتيه يقبل ظاهره وهو يثبت نظراته على عيناها الزائغة، شعر بارتعاشة جسدها فور ملامسة شفتيه لبشرتها الناعمة فازدادت ابتسامته اتساعًا والح عليه قبله العاشق أن يتجرأ أكثر فالآن لم يعد هناك شيء يعيقه بعدما أصبحت زوجته، اقترب منها ينوي خطف قبلة سريعة لكنها انتفضت وابتعدت بسرعة متقهقهرة للخلف وراحت تهتف له بارتباك شديد:
_لو قربتلي هنده على بابا
ضيق عينيه بذهول وراح يقول لها بجدية:
_بابا إيه هو أنا هاكل منك حتة
هزت رأسها بالنفي وهي تقول بلهجة طفولية من فرط اضطرابها:
_لا أنا عارفة أنت كنت عاوز تعمل إيه!
هتف مازحًا وهو يضحك:
_يبقى أكيد كمان عرفتي أن غرضي شريف
أصبحت كالبندورة من فرط الاستحياء وراحت تهمس له بتوتر:
_بلال والله اعيط
مسح على وجهه مستغفرًا ربه وهي زفر بنفاذ صبر ويتمتم:
_يارب صبرني ادى أخرة اللي يتچوز طفلة، احلفلك بإيه إني بقيت چوزك دلوك خلاص ده حتى لسا البصمة في صباعك
ترجته والأطفال وهي تبتسم ببلاهة اضحكته:
_معلش معلش خدني على قد عقلي واعتبرني هبلة ولسا مستوعبتش اللي حصل، أنت جوزي دلوقتي ماشي بس ممكن نقعد مؤدبين وزي الناس المتحضرة
تجمدت تعابير وجهه وتحولت للغيظ منها وهو يقول بتهكم مجيبًا عليها:
_أنا تملكني الفضول اعرف الناس المتحضرة دي كيف بتقعد مع مراتهم.. ممكن تحكيلي يابنك المعرفة والثقافة؟
قهقهت عاليًا رغمًا عنها وردت بعدما اعتدلت في جلستها وجلست التربيعة أمامه وهي تشرح له مما طلب بكل حماس ومرح:
_يعني مثلا بيفضلوا يتكلموا عن حصل إيه في الخطوبة وكتب الكتاب ويضحكوا ويهزروا ويقولوا خططهم لتجهيز شقتهم وفرحهم و...
توقفت عن الكلام عندما رأته يستمع إليها وهو ويهز رأسه بكل عدم مبالاة ويتصنع الاهتمام بكلماتها ثمينة المعنى كما تظن هي، قرأته يسأله بكل برود يؤكد على أن ما قالته للتو لم يكثرت له بمقدار ذرة:
_خلصتي؟ .. ايوة أنا امتى هاخدها برضوا؟
حور بعدم فهم:
_هي إيه دي؟!
رد بجرأة ووقاحة صدمتها:
_البوسة!
لكزته في كتفه بقوة مغتاظة وهي تصيح به بخجل شديد:
_إيه الوقاحة دي يا بلال انا مكنتش اعرف أنك كدا، صدمتني فيك!
رفع يده يحك مؤخرة رأسه بعدما مال برأسه بعيدًا عنها وتمتم مغلوبًا وهو يهز رأسها في اماءات متتالية:
_اتصدمتي فيا!!.. امممم هي باينة من أولها
التفت لها ثانية وقال لها بابتسامة متكلفة محاولًا اخفاء غيظه:
_بقولك إيه ياحبيبتي معندكمش ليمون؟
حور بإيجاب واستغراب من سؤاله:
_آه عندنا ليه؟!!
بلال وهو مازال محتفظ ببسمته المريبة:
_طب ما تقومي تعمليلي كوباية احسن أنا حاسس أني بدأت أفقد اعصابي ومحتاچ حاچة تهديني
غضنت حاجبيها بحيرة من أمرة وقلق بسيط فوجدته يحثها على النهوض وهو يدفعها للنهوض بلطف ويبتسم لها بحب، ففعلت بصمت وهي لا تتوقف عن التحديق به بتعجب واتجهت للمطبخ لكي تحصر له كوب من عصير الليمون كما طلب منها!.
***
بصباح اليوم التالي داخل منزل ابراهيم الصاوي....
اتجه عمران لغرفة أمه مباشرة بعدما رأى منى تجلس في الصالون منذ الصباح وترتدي ملابس منزلية مما يوضح أنها ليست ذاهبة ثانية.
طرق الباب وفتح الباب ثم دخل فرأى إخلاص تؤدي صلاة الظهر، جلس على طرف السرير ينتظر إنهاء صلاتها ثم هتف لها بغضب:
_منى بتعمل إيه إهنه ياما.. أنا مش قولت مش هتدخل وتقعد إهنه تاني
استقامت إخلاص واقفة من فوق المصلاة والتقطتها من فوق الأرض وطوتها ثم وضعتها على ظهر المقعد وقالت لابنها بهدوء تام:
_أنا اللي طلبت منها منها تاچي ياولدي
صح عمران منفعلًا:
_أنا مش بسأل مين اللي قالها تاچي.. أنا كان كلامي واضح لما قولت مش هتقعد إهنه تاني ياما وأنتي كسرتي كلمتي ومعملتيش حساب ليا
اقتربت منه بسرعة وقالت بحنو محاولة امتصاص غضبه واقناعه ببقائها:
_لا ياولدي أنا مقدرش اكسر كلمتك أبدًا، بس أنت شايف صحتي بقت كيف الحمدلله ومش بقدر اعمل مچهود كبير واختك حامل وتعبانة ومش هتقدر تقعد چاري وحتى مرتك مش قاعدة فأنا طلبت منها تقعد چاري يومين بس واهي تساعديني وتشيل عني شوية
عمران بنفاذ صبر وصوت جهوري مخيف:
_أما أنا مش عاوز مشاكل ووچع راس ولا عاوزها
أمسكت بيده وهي تتوسله محاولة استعطافه:
_ياولدي عشان خاطري وافق، هي مش هتقرب منك واصل وهتبقى قاعدة جاري طول الوقت وكلها يومين وتمشي، ولو على المشاكل متقلقش مفيش أي حاجة هتحصل ومرتك مش قاعدة ولغاية ما ترچع هتكون منى مشيت من زمان.. متكسرش بخاطري عاد وخليها قاعدة معايا اليومين دول انا محتچاها
طال تمعنه للنظر في وجه أمه ونظرة الرجاء التي بعينيها جعلته يلين وتهدأ ثورته قليلًا ليجيبها في النهاية بحزم وضيق:
_طيب ياما بس يومين بظبط وترچع بيتهم
ابتسمت إخلاص بفرحة وعينان ممتلئة نصر وشيطانية:
_حاضر ياحبيبي متقلقش يومين بالتمام هتمشي
أصدر تأففًا حارًا باستياء واستدار وغادر الغرفة ليتركها تسعد وتحتفل باولى انتصاراتها على آسيا...
***
على الجانب الآخر داخل غرفة آسيا، وجدت فريال تقتحم عليها الغرفة وتدخل وعلى وجهها قسمات لا تبشر بالخير، فضيقت آسيا عيناها وقالت لها متعجبة:
_أنتوا لساتكم ممشتيوش أنا قولت دول مشيوا من زمان
اندفعت فريال نحوها مسرعة وهي تقول بإيجاز:
_ماشيين دلوك بس سيبك منينا واسمعي اللي هقوله
اصغت آسيا آذانها لتسمع ما تريد قوله لها فقالت فريال بانزعاج وجدية تامة:
_امي اتصلت بيا تتطمن عليا وبالصدفة وقعت في الكلام وقالت أن منى في البيت
فغرت آسيا عيناها وشفتيها بصدمة تردد:
_بيت إيه؟
فريال بنبرة مرتفعة بعض الشيء:
_في بيت أبوي يا آسيا يعني بيت مين واللي فهمته أنها رايحة تقعد فترة هناك مش زيارة كام ساعة وماشية
أظلمت عيني آسيا وتحولت ملامحها لأخرى كلها شر وحقد وأخذت تهمس بابتسامة مخيفة:
_تقعد فترة.. أه السحلية رچعت للموت برچليها
وباللحظة التالية فورًا دون تفكير كانت تندفع نحو خزانتها وتخرج حقيبة ملابسها وتبدأ في دي ملابسها بها بطريقة عشوائية هتفت فريال بدهشة وعدم استيعاب:
_هتعملي إيه؟!
آسيا بابتسامة تحمل وعيد شيطاني:
_هنضف البيت من الحشرات واعلق السحلية من زورها على باب البيت عشان تبقى عبرة لبقية السحالي
ضحكت فريال لا إراديًا رغمًا عنها واقتربت من آسيها تردف برزانة:
_طيب اهدي يا آسيا هترچعي البيت بشنطتك وكيف هتشليها لوحدك وأنتي حامل وتعبانة إكده
التفتت لها ورمقتها بنارية هاتفة:
_هدحرجها قصادي على الأرض يافريال حلو إكده
حاولت كبح ضحكاتها وهتفت بصوت رخيم:
_اسمعي الكلام طيب الأول واهدي
انفجرت آسيا بشكل مرعب وكأنها تحولت بلحظة لشبح عاد لينتقم ولن يرحم أحد:
_ملكيش صالح بيا يا فريال سبيني اعمل اللي عاوزاه
فهمت فريال أنها أخذت قرارها ولن تتراجع وفي الغالب منى ستصبح مع الاموات عندما تصل لهم، تمتمت في جدية:
_طيب هبعت معاكي معاذ وعمار يشيلوا منك الشنطة لغاية البيت
لم تجيبها أكثر بل لم تسمعها من الأساس فقد كان عقلها مشغول بتلك الأفعى أو السحلية كما تسميها التي استغلت عدم وجودها لتتودد لزوجها وتقترب منه.
***
بعد مرور ساعة تقريبًا داخل منزل ابراهيم الصاوي اتجهت منى للباب لكي تفتح بعدما سمعت صوت الرنين العنيف، ولم تكن تدرك ما الذي ينتظرها خلف ذلك الباب، ربما لو علمت لما خطت خطوة نحوه.
وقفت وامسكت بالمقبض لتديره وتجذب الباب عليها فتجمدت ملامحها عندما رأت آسيا أمامها وتبتسم له بطريقة مريبة وتقول بمزح لم يكن الهدف منه الضحك أبدًا:
_سبحان الله أول مرة اشوف سحلية بتفتح الباب!
....... نهاية الفصل ........
•تابع الفصل التالي "رواية و بالعشق اهتدي" اضغط على اسم الرواية