رواية ارهقني عشقها الفصل الثامن 8 - بقلم وداد جلول
قبليني
"جبل ، جبل بني جبل مابك"
كان ذلك صوت والدته الذي كان يناديه ليوقظه من أحلامه وأوهامه وتخيلاته المنحرفة التي كان يتخيلها بحق تلك الفتاة البريئة ، جفل من صوت والدته لينظر لها بحاجبان معقودان وقد كان وجهه متعرق بشدة ليقول :
"ماذا هناك"
نظرت له والدته بتعجب لتقول :
"ما بك بني أنا أناديك منذ مدة ، هيا العشاء جاهز"
أنهت جملتها وتوجهت لمائدة الطعام بينما هو ظل ينظر بتعجب للاشيء وقلبه يقرع كالطبول ، نظر للأمام ولم يجد ليلى تنهد بقوة وأغمض عيناه محاولاً التماسك وهو على أتم اليقين بأن أفكاره المنحرفة وتخيلاته تلك ستقوده للجنون في يومٍ من الأيام ...
مرت العطلة على ليلى بسرعة شديدة والسبب بأنها كانت مرتاحة كلياً من تحكمات جبل وأوامره فهو لم يعد يجالسها كثيراً ولا يجتمع بها إلا على مائدة الطعام ، وقد شعرت ليلى بالراحة نوعاً ما ، طبعاً جبل مؤكد بأنه سيحاول قدر الإمكان بأن لا يحتك بها أو يجالسها كثيراً بسبب تلك التخيلات والأوهام التي تخوض الحرب العالمية في عقله ..
في الصباح استيقظت ليلى لتفعل روتينها اليومي وتهبط للأسفل متوجهة لمائدة الطعام ، تعجبت من عدم وجود جبل على مائدة الطعام ولكن ما لبثت حتى تهلهلت أساريرها عندما علمت من عمتها بأنه مازال نائم ، لأول مرة ومنذ مدة مكوثها في هذا المنزل تتناول فطورها بأريحية دون إحراج أو خوف بسبب ذلك الجبل ، أنهت فطورها وقبلت عمتها على وجنتها ومن ثم خرجت راكضة للخارج بسعادةٍ تامة ..
وصلت إلى جامعتها والابتسامة لم تفارق ثغرها ، تعجبت صديقتيها من مزاجها الهادء والابتسامة التي تشق وجهها ، دائماً كانت ليلى تأتي إلى جامعتها عابسة الوجه بسبب أوامر جبل وتحكماته بها ، كانت متشوقة جداً لرؤية صديقتيها سناء ورهام وقد أخذتهما بالأحضان والقبلات ومن ثم دخلن للجامعة لتبدأ وتقص عليهما كل الأحداث التي حدثت معها منذ بدء العطلة ..
لم يكن لديها الكثير من المحاضرات لذلك انتهت فوراً وتوجهت برفقة صديقتيها إلى المقهى الملحق بالجامعة وهي تضحك بصخب وتبتسم من اللاشيء ، جلسن ثلاثتهم لتطلبن قهوة بالحليب ، كانوا يتحدثن بأمورٍ عدة وهن يضحكن ويبتسمن ، صدح صوت رنين هاتف ليلى معلناً عن وصول رسالةٍ لها ، فتحتها وقرأتها وقد كانت الرسالة من جبل :
"حالما أصل سأشق لكِ شفتيكِ التي تضحك وتبتسم ، بعد خمسة دقائق تكونين أمام باب الجامعة وسأكون هناك"
لا تعلم لما طرقات قلبها تسارعت ، ابتلعت ريقها بصعوبة والخوف بان عليها ، كيف علم بأنها تضحك وتبتسم ؟ يا إلهي هل يراقبها ؟ هل يلاحقها ؟ كيف علم كيف ؟ تنهدت بقوة لتنهص مسرعة متوجهة إلى خارج إطار الجامعة وطبعاً قد تجاهلت نداءات صديقتيها وتعجبهما من تقلب مزاجها ، حالما خرجت ليلى رأته متكئ على سيارته ضاماً يديه إلى صدره وبروده المعهود طبعاً ظاهر عليه ، توجهت له وقلبها يدق بعنف لتلقي التحية عليه بخفوت ، لم يرد التحية وإنما أمرها بالصعود ليتوجه بها إلى وجهة هو ذاته لا يعلمها ، لم يعلم لما أتى ليراها فقط كل ما يعلمه بأنه اشتاق لها ولرؤيتها ويريد بأن يراها ، طبعاً لقد علم بشأن ضحكاتها وابتساماتها من مصادره الخاصة وهذا مادفعه أيضاً للمجيء إليها ، غير ذلك هو لم يراها في الصباح فقد تأخر بالاستيقاظ ، صدح صوته البارد والساخر قائلاً :
"هل أنتِ فرحة لإنكِ لم تريني في الصباح"
ابتلعت ريقها بصعوبة ونظرت له نظرة خائفة ، سحقاً له تكاد تقسم بأنه يقرأ لها أفكارها ، بللت شفتيها لتقول بتوتر :
"لا بل تعجبت من عدم وجودك في الصباح"
ابتسم بسخرية ليقول :
"إذاً أنتِ فرحة برؤيتي الآن أليس كذلك"
حركت رأسها موافقة ليفعل المثل بحركتها ولكن ببطئ ، كانت تريد أن تكسب وده لعل وعسى يتغير معها ولو قليلاً ، ابتلعت ريقها لتتحدث بصوتٍ ناعم :
"مم لم أراك طيلة العطلة إلا قليلاً ، ما السبب ياترى"
نظر لها بتفاجئ وحقاً يكاد يشعر بأن قلبه سيقلع من مكانه ، ابتلع ريقه ليقول :
"وهل يهمكِ الأمر"
ابتسمت بتوتر لتقول :
"بالطبع"
نظر لها بتمعن محاولاً قراءة أفكارها من عينيها ، لوهلة شعر بأن ليلى انجذبت له وأرادت بأن تعطيه فرصة ليعبر لها عن حبه ولكنه حقاً علم من نظرتها بأنها تريد أن تكسب وده لصالحها ولصالح أن يخفف من أوامره عليها ، ابتسم من أنفه ولم يجيبها وظل بارد الملامح وجامد الوجه طيلة الطريق ، تعجبت من حاله ولكنها لم تشأ أن تضغط عليه أو أن تحدثه كي لا تزعجه ، وصل بها إلى المنزل وقبل أن تهبط أمسكها من معصمها ناظراً لها تلك النظرة المميتة ليحدثها بحدة :
"لا تحاولين التذاكي علي يا ليلى لإنني أفهم عليكِ جيداً ، ثم أنني أعلم جيداً بأنكِ أنتِ تكرهينني ولا تهتمين لحالي لذا لا داعي لتلك الحركات هل تفهمين"
ابتلعت ريقها بصعوبة لتقول بحزن :
"ولكنني كنت أسأل واستفسر فقط صدقني"
ابتسم بسخرية لتتحول نظرته إلى الغضب والحدة ليقول :
"أريد أن أعلم كيف تختبئين وراء ذلك الوجه البريئ ، أنتِ حقاً خبيثة وتريدين مصلحتكِ فقط"
ترقرقت عينيها بالدموع وهي تكاد تقسم بأن يدها ستقتلع من مكانها لتقول :
"صدقني لست كذلك"
همهم لها ببرود و حدة ليتحدث بهمس :
"مم حسناً سأصدقكِ ولكن بشرط"
نظرت له بأعين دامعة لتحرك رأسها بمعنى ماذا ليبتسم بخبث ويقول :
"قبليني"
جحظت عيناها لتقول :
"ما الذي تهذي به أنت ها"
ابتسم بسخرية ليقول :
"ألا تريدين أن أصدقكِ حسناً إذاً قبليني"
تحدثت بحدة وغضب :
"لا يهمني إن صدقتني أم لا فلتذهب للجحيم"
أنهت جملتها الحادة ونترت يدها من يده وهبطت من السيارة بغضبٍ بالغ وهي حقاً لا تعلم كيف أتتها الجرأة لتفعل كل مافعلته ، بينما هو ظل منصدم من فعلتها وما لبث حتى استفاق على نفسه وتوجه بغضب عارم للشركة متوعداً لليلی بالجحيم ..
الساعة الثانية عشر بعد منتصف الليل
كانت ليلى تجلس في غرفتها وهي تذاكر قليلاً ، سمعت صوت حركة في الأسفل ، تعجبت كثيراً لتنهض بحذر متوجهة للأسفل بخطوات بطيئة وحذرة ، لم تصدق ما رأته وما شاهدته ، كان جبل يسند فتاة على الحائط ويقبلها بعنف غير عالم بتلك التي تنظر له بصدمة واشمئزاز ، لم يعلم جبل لما جلب الفتاة معه إلى منزله ، هل جلبها ياترى من أجل أن يغيظ ليلى ويدعها تشعر به أم ماذا ! ظلت ليلى واقفة بمكانها منصدمة من ما تراه ، لم تستطع أن تشاهد أكثر من ذلك فقد شعرت بالقرف والاشمئزاز منه ، جاءت لتتوجه للأعلى ولكنها اصطدمت بتلك التحفة الأثرية مما جعلها تصدر صوتاً قوياً ، جفل جبل من الصوت وابتعد عن الفتاة ليرى ليلى واقفة أمامه بتوتر ، نظر لها بقوة وقلبه يطرق بعنف ، لم يكن يريد أن تراه معها ولكنها رأته وانتهى الأمر ، توجه لها بخطواتٍ بطيئة ولكنها صعدت للأعلى هاربة منه ومن مظهره الذي جعلها تشمئز منه ، بينما هو ظل واقفاً بمكانه يحاول أن يستوعب ما فعله ، شعر بيدين نحيلتين تمتد على كتفيه ليستدير ويجدها تلك الفتاة التي جلبها معه ، طردها من المنزل وأغلق الباب بقوة ليتوجه فوراً إلى غرفة ليلى ، أراد بأن يدخل ولكنه تراجع عن خطوته ولم يشأ بأن يبرر لها أفعاله ، تنهد بقوة مغمض العينين ليتوجه إلى غرفته ويتمدد على سريره ومن ثم استسلم للنوم ...
" وكُنتُ أُريدكِ
أُريدكِ بكُلِ مابهذهِ الكلمة مِن معنى وطلب "
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية ارهقني عشقها) اسم الرواية