رواية حصونه المهلكة الفصل العاشر 10 - بقلم شيماء الجندي
“تداوي”
استقام “تيم” بهدوء ثم مال بجسده يجلب الغطاء الرقيق يدثر به شقيقته النائمه بسلام بعد أن ناولها دوائها بعناء يومي اعتاده منها و تقبله بصدر رحب و لين أخوى …
أزاح خصلاتها الحريريه جانباً واضعا قُبله صغيره أعلى جبهتها الصغيره ثم راح يتأمل جمالها البرئ بنظرات حزينه علي ما آلت إليه أحوالها ، فهي فور أن ساءت حالتها أمام عينيه و كادت تقتل نفسها و بعد أن قاومت الجميع بصرخات مرتفعه صمت آذانهم و ابكتهم جميعاا حتي الجد سالت دموعه لحالتها ، سقطت مغشيه عليها داخل أحضانه ، ليعاني الويلات بافاقتها و التى لم تهبه إياها إلا حين حضر الطبيب و احقنها إحدى الإبر ثم أعطاه بعض التعليمات و هو يحذره أنه انهيار عصبي حاد و عليه التوجه بها إلى طبيب فور افاقتها ، حينها اتخذ قرار بعدم البقاء و إلا فقد شقيقته للأبد … لملم ما يمكن من ملابسهم بمعاونه إحدى الخادمات ثم حملها برفق و هى بعالم اخر هابطا بها بين ذراعيه و يتبعه الخدم بنظرات حزينه على سيدتهم الصغيره الحانيه الرقيقه ، التي لم و لن تستحق ما حدث لها ابدااا …
لم يخضع لتوسلهم الباكي بالبقاء بل اتجه بها إلى سيارته يريح جسدها الصغير برفق ثم أغلق عليها بهدوء عائداً إليهم يقول بصوت قوي رجولى :
– انا مش عارف اوصف كميه القرف اللي شوفتها النهارده بايه ، محدش فيكم معصوم من الغلط حتي انااا .. انا اللي سلمتها ليه .. انا اللي معلمتهاش لما واحد ××× يقرب منها تدافع عن نفسها ومتخافش كدااا ، و أنا اللي وثقت في كلام جدي .. و أنا اللي خدت علي قفايا و استغفلتي مراتي عشان تاخد حق أبوها هي و أخوها من أضعف مخلوق بينا…
صرخت “ندى” المنهاره بأحضان أخيها ترتجف إلى تلك الحقائق التي صدمتهاا هي الأخرى :
– مكنتش اعرف ياااتيممم و الله ….
صاح بها خارجاً عن طور تعقله المزيف يجأر بصوته :
– اخرسي خااالص .. لولا إني راجل و مش ممكن أمد ايدي علي واحده كنت دفنتك … حتي لو متعرفيش .. كنتِ عااارفه أنه ضربهاا … استنجدت بيكي و أنتِ دوستي عليهاااا .. أنا كنت راجل و قد وعدي ليكِ و مجبتش سيرتها قدامك عشان بس متزعليش ، و أنتِ كانت مكافئتك عظيمه لياا ، ملعون أبو اليوم اللي حبيتك فيه ، ملعون أبو دي جوازه بهدلت حته مني و لحمي و دمي يتعمل فيه كده و أنا عايش علي وش الدنيا ، قولي لل×××× اللي مرميه في حضنه ورقه طلاق أختي لو موصلتش في خلال يومين يجهز نفسه عشان المره دي مش هسيبه غير و روحه في ايديا …
رمقهم بنظرات استحقاريه مخزيه ثم أسرع بخطواته تاركاً لهم قصر اللعنات هو و تلك الغاليه راحلين عنهم بلا نيه للعوده …
أفاق من شروده يلقي نظره أخيره حزينه علي وجهها الشاحب و تلك الدوائر السوداء التي أحاطت عينيها ثم تنهد يخرج من الغرفه بخطوات خفيفه مغلقاً الباب بهدوء حتي لا يفيقها من غفوتهااا …
وقف يتأمل تلك الشقه التى لم يتخيل أنه سوف يطأ إليها هو و شقيقته ابداا لكن عليه مناوراه الجميع و اخفاء شقيقته عن الأعين إلى أن تتم فتره علاجها بعيداً عن اعتذارات واهيه من أشخاص قد نُزعت الرحمه من قلوبهم !! بالطبع .. لن يتخيل فهد أنهم هناا بشقه والداااه !! التي لايجرؤ علي دخولها من فرط الذكريات السيئه التي تُخبئها تلك الجدران له !!!
مر أسبوع و هو يقطن بتلك الشقه من الحي الراقى هو و شقيقته متخذا جميع إجراءات أمنها و سلامتها و علاجهااا ايضاا !!!
جلس أعلى الأريكة الحديثه لينظر إلى الهاتف الذي صدح صوته بالأرجاء يُعلن عن مكالمه هاتفيه من صاحب فكره تواجدهم هناا !!
-ايوه يانائل حصل حاجه !!
هكذا خرجت الحروف القلقه من فم” تيم” ذو النبره الحزينه و البحه المجهده ليستمع إلى ضحكات ابن عمه و التي تبعها صوته المتعقل المرح بنفس التوقيت :
– ايه الرد ده ياابني هيحصل ايه يعني متقلقش أنا واخد احتياطاتي و بكلمك و أنا فى النادي عشان جواسيس القصر !!
ثم أطلق ضحكه صغيره ليستمع إلى تنهيده “تيم” ثم كلماته حين قال بهدوء :
– تمام خلي بالك دايما مش عايز يوصلوا ليها ابداا ، انا مبقتش ضامن تفكيرهم …
ترك “نائل” المزاح ثم قال بصوت رزين هادئ متسائلاً :
-هي وافقت ان الدكتور يتابع معاها .. ؟!
أتاه الرد بصوت مليئ بالحزن يقول :
– ايوه بس بتاخد الادويه بالعافيه و لسه ما بتتكلمش مستسلمه و سرحانه أغلب الوقت .. بعد ما خرجت من المستشفي كانت علي الأقل بتكلمني بتعبر أنها خايفه أى حاجه .. لكن دلوقت ساكته .. ساكته بس …
تنهد ليأتيه صوت ابن العم الرجولي المساند له هامساً :
– متزعلش .. هترجع تتكلم و تبقي احسن من الاول كمان و بكره تقول نائل بشرني .. خلي بالك ياابن عمي أختك اقوي واحده فينا كلنا اللي شافته مش سهل كده و بعدين الموضوع الأخير و اللي عرفته طبيعي يخليها تفقد النطق .. مش الدكتور طمنك قدامي و قالك أنه موضوع وقت و أنها محتاجه جلسات كتير .. اصبر شويه يا تيم عليها و هي واحده واحده هتستجيب ليك أنت اقرب حد ليها ….
تنهد “تيم” و هو يقول مؤكداً علي حديثه :
– انا خايف عليها يا نائل لكن لو علي الصبر استناها عمري كله أنت عارف “أسيف” عندي ايه ، انا بس نفسي اطمن عليها أو ترجع تشاركني أي كلام ، أنا بتعذب و أنا شايف نظراتها و سكوتها كده و مش عارف هي حاسه بايه …
أتاه صوت ابن العم و قد عادت مزحاته عله يخفف عنه قائلاً :
– الله فيه ايه يلاا ما تجمد كده والبت أسيف هتبقي زي الفل و هتتخانق فيك كمان مش تتكلم بس ، عيني عليكِ ياأسيف بقي الراجل النكدي ده اللي بيحسن نفسيتك !!
ابتسم “تيم” أخيراً و قد بدأ يستعب أن ابن عمه يحاول تشتيت تفكيره ليجيبه ممازحاً
– ملكش دعوه احنا عيله نكد و بنتحسن لما ننكد علي بعض !!
أتاه صوت “نائل” المستنكر يردف بسخريه :
– اه انا عرفت الغلبانه دي طولت ليه .. تعرف لو كانت معايا كان هما يومين و اخليهالك بتتنطط من الفرحه مش أسبوع …
ثم أردف بجديه :
-و بعدين خد هنا الحبسه دي مش هتنفع ليها بجد لازم تنزلها زي ماقالك الدكتور !!!
تأفف “تيم” يردف بغضب طفيف :
– تنزل فين بس يانائل دي امبارح فضلت واقفه ورايا ساعه أول ما خرجتها الصاله و البواب خبط يدينا طلبات .. أنا حقيقي مش عارف اساعدها اول مره أفشل مع أسيف كده !!
أتاه صوت “نائل” فجأة صارخاً بحماس :
– واد ياتيم !! تصدق حل البت أسيف ده عندي …
اعتدل “تيم” يحذره بجديه :
– نائل بلاش هزار سخيف في الموضوع ده !!
ليأتي صوته مؤكدا حديثه يقول بجديه تامه :
– يااابني مش بهزر .. فاكر “يزيد الشافعي ” !!!!
عقد “تيم” حاجبيه يحاول تذكر ذاك الاسم لحظات ثم أردف بتساؤل :
-ابن عيله الشافعي اللي كانوا صحاب العيله !!
أتاه الصوت الحماسي الرجولي يقول :
– الله ينور عليك …
ليسأل “تيم” و لازال يعقد حاجبيه :
– و ده ايه علاقته بعلاج أسيف .. مش ده هاجر مع عيلته من زمان ؟! انا مش قولتلك بلاش هزار ..
أتاه صوت “نائل” نافذ الصبر و هو يصيح به :
– يابني قولتلك مش بتنيل اهزر .. الواد يزيد رجع من فتره كده و قابلني هنا في النادي و كان عاوز يجي يسلم علينا بس أنت عارف اللي كنا فيه و أنه مكنش ينفع يجي ، المهم هو قالي أنه أخصائى نفسي يعني يعمل هو الجلسات النفسيه لأسيف والدكتور يتابع ادويتها و اعتقد الدكتور كان صاحب عمي و هيرحب بده ….
صمت “تيم” لحظات حتي امسك “نائل” الهاتف يتفقده يظنه أغلق .. لكنه أعاده لأذنه يسمع صوته القلق يقول :
-طيب و تفتكر أسيف هتقبل ده ؟! دي لحد دلوقت يتفضل قاعده ماسكه فيا لما الدكتور بيجي و هو قد أبوها !!
اعترض “نائل” و قال بجديه :
– تيم عمايلك دي مش هتخليها تتعالج .. جمد قلبك شويه يااخي ،انت شوفت آخره اعتمادها عليك دمر شخصيتها ..
وقف ” تيم” واتجه إلى الشرفه ذات الباب الزجاجي الذي يفصله عن ضوضاء السيارات بالأسفل ليفتحها و يقف بها حازماً أمره بكلمات جاده :
– خلاص حاول تظبط معاه بس الدكتور يتعرف عليه الاول عشان أشوف هيقدروا ينسقوا مع بعض و لا ايه بس خلي بالك يانائل بلاش اي مكالماات في القصر لياااا و امسح المكالمه ساامع !!
تنهد “نائل” ثم قال ببعض التوتر :
– بقولك ايه ياتيم .. ندى ….
قاطعه “تيم” بصرامه يردف بقوه :
– مش عايز اسمهااا يجي علي لسانك و أنت معايا متخلنيش اندم إني سمعت كلامك ونفذت فكرتك !!!!!
تنهد “نائل” يردف بحزن :
– طيب خلاص خلاص !! هكلم يزيد دلوقت وارد عليك .. سلاام …..
اغلق “تيم” الهاتف ثم استند بمرفقيه إلى السور يتابع حركه السيارات بشرود يحاول استنشاق بعض الهواء النقي لصدره الموجوع .. و أفكاره كلها تدور حول شقيقته .. مندهشاً أنه لم يعد لديه فضول ناحيه زوجته المخادعه !!! هل كرهها بالفعل !! إنها الحب الوحيد بحياته .. كيف له أن يتناساها هكذا !! هل محبته لشقيقته طغت علي محبه أي شخص آخر ؟!! إنه مكلوم … مطعون بصميم قلبه .. يريد من يداويه هو ايضااا لقد أضحت جميع عائلته تعاني من الأمراض النفسيه بمختلفها … لقد وهبها قلبه و اعطاها ثقته و محبته اللامتناهيه .. لتطعنه هي بظهره … تخدعه !
تأفف بنفاذ صبر و دفع يديه إلى خصلاته الغزيرة يجذبها بقوه و قد دمعت عيناه من فرط تشتت أفكاره .. لكنه رجل هل يبكي و ينهار !! و شقيقته من يؤازرها في محنتها تلك إن فعل ذلك !!!
نفض رأسه ثم عاد إلى الداخل منتظراً مكالمه ابن العم المتعاون لأقصى الدرجات من أجلهم حيث يخبأ عن الجميع أنهم لازالا بمدينه الاسكندريه رافضاً الإفصاح رغم محاولات العمه و العم و الجد لاستدراجه لكنه أبلغ الجميع أنه لم يرَ أياً منهم منذ الليله المشؤمه ….
-***-
طرقات فوق باب غرفته تبعها دخول “سمر ” لتسرع أنامله إلى خديه يُزيح دموعه النادمه الخائنه التي أصبحت صديق له فور تيقنه من الحقائق لقد تواصل مع طبيب أبيه بنفسه و تأكد بالوثائق أن أبيه كان مختل نفسياً أودعه غل و حقائق مزيفه ليبني عليها غريزه انتقاميه لاذعه انتهت بمأساه مرهقه للقلوب و الأجساد و راح ضحيه بطشه ملاك شبيه لأمه للغايه توسلت رحمته الآلاف المرات لكنه أبى و استكبر …….
حاول بصعوبه إرجاع عقله إلى ذلك الصوت الذي يحادثه منذ مده قصيره من الوقت شعر بيد العمه تمتد إلى يده تريت عليها ثم إلى خده ، رُبااااه لقد نسي ذلك الشعور بالحنان منذ أن كان بالعاشره من عمره !!! منذ عشرون عامااا !!! أغمض عينيه بصمت و قد فشل في استجماع كلمات العمه لكنها لكزته برفق في كتفه تعيد سؤالها :
– هتصلح ازاي اللي حصل ده يابني !!
ضيق عينيه فور أن بدأ عقله يوضح كلماتها إليه و قال باستنكار و سخريه رافعاً جانب شفتيه لتتضح بشكل أكبر ذقنه الغير حليقه و يصدح صوته المبحوح :
– ابنك !!!!
اندهشت من استنكاره ليُكمل حديثه بتساؤل .. :
– تفتكري أنا استاهل إني اكون ابنك بجد ؟!!
تنهدت و هى تُغمض عينيها الدامعه تبتسم له بهدوء و هى تحاول ابتلاع الغصه بحلقها هامسه له بمراره :
– ياريتك اتربيت معايا يافهد ، كلكم ولادي فيه أم تستحمل تشوف ولادها كده ؟! انا صحيح مخلفتش لكن أنا أكتر حد يعرف قيمه النعمه دي ياحبيبي … لازم تصلح من نفسك مش عايزه اشوف ابوك فيك ياافهد ..
صدحت ضحكاته بصوت مرتفع و دمعاته تسيل فوق ذقنه و هو يقول بصوته الأجش :
– و أنتِ لسه مشوفتيهوووش !!! ليه مشوفتيش منظر بنت اخوكي و هي سايحه في دمها بسببي .. أنا كنت بعمل كده شهررر كامل و انا شايف ان كل ااه بتطلع منها بتريح امي و ابويااا .. ابويااا اللي طلع مجنون و انا زيه بالظبطططط
اعترضت “سمر” تصيح به و هى تنتقل إلى جانبه بالفراش الكئيب تحيط وجهه بكفيها الناعمه الملساء تقول باصرار بالغ :
– لا يافهد أنت مش زي ابوووك .. ابوك كان مريض و حالته ساءت لكن أنت لسه في الأول انت محتاج لتأهيل نفسى بس عشان تقدر تسامح نفسك و أسيف تسامحك …
أغمض عينيه ثم وقف يبتعد عنها صارخاً بعنف :
– انا عمري ماهسامح نفسي و هى عمرها ماهتساامحني .. أنا بعتلها ورقه طلاقها خلاص و الحكايه خلصت بينا و هعيش بذنبها و ده كل اللي اقدر اعمله …
أتسعت أعين “سمر” لتصرخ به :
– ايه الكلام الفارغ ده !! خلاص مش عاوزها معاك أنت حر … لكن خليك عارف كويس أنك لو ماتعالجتش هتبقي زي أبوك و أسوأ منه كماان .. علي الأقل أمك كانت راضيه باهانات أبوك ..لكن أسيف أنت اجبرتها و استغليت ضعفها و رعبها منك …
اطاح بالمنضده بقدمه و هو يصرخ بعنف و دموعه تهطل كالاطفال
– كفااااايا بقاااااا … عرفتتتت عرفت أني أقذر إنسان و إني مش راااجل عرفت إنها بتكرهني و إن كلكم كرهتوووني… عرفتتتت إني نسخه منه ومريض زيه سيبني بقاااااا …
تنهدت “سمر” بأسي ثم اندفعت إليه بعد أن جلس فوق الكرسى يضع رأسه المنكسه بين يديه غارسأ أطراف أنامله بخصلاته بقسوه و صوت أنفاسه يملأ الغرفه .. وقفت بجانبه ثم دست رأسه بأحضانها الحانيه الاموميه الدافئه تربت علي خصلاته برقه و تدريجياً انفك جسده المتيبس و أغرقت دموعه ردائها بعد أن دفن رأسه بصدرها يبكي بشهقات متتاليه كطفل صغير تائه ضائع فشل بالتكفير عن ذنب صغير أمام أبويه …
استسلم لأحضانها و ذكريات الطفوله تختلط بذكريات الحاضر تختلط بصورتها هي فقط … “أسيف” و هي تبكي أمامه ملطخه بالدماء … ليصبح القاضي و الجلاد لذاته و ضرباته لأسيف ترتد الآن بصدره بل و تُشكل أمام عينيه حبل غليظ يلتف حول رقبته يخنقه خنقااا …
استمع إلى همس العمه المطمئن له و التى لم تنفك عن زيارته منذ أسبوع علي عكس جميع أفراد العائله التى وجهت إليه أصابع الاتهام فقط حتي شقيقته خرجت من أحضانه فور مغادره “تيم” تصرخ به بأنه السبب و أنه الوحيد المسؤول عن ترك زوجها لها و هذا ما كان يخشاه ..
ألم يفعل ذلك كله بأسيف ليرضي شقيقته و يترك حبيبها لها !!! حتي لا تلومه يوماا .. ها هي تقف أمام الجميع تصرخ به بما فتت ما تبقي من قلبه الذي ظنه قد مات منذ زمن لتحيي نبضاته تلك البريئه زائره أحلامه !!!
-احجزيلي عند الدكتور ياعمتي !!!
خرجت الكلمات الحزينه من فمه بصوت مبحوح مرهق لتصدر إماءه خفيفه عن العمه بالإيجاب ثم همست بلين تُشجعه :
– ايوا كده يافهد .. لازم تتفاهم مع دكتور عشان يقدر يساعدك ياحبيبي انت من حقك حياه سويه .. حتي لو بعيد عن أسيف !!!!
-***-
وقفت تراقب أخيها الباكِ بأحضان العمه بأعين قاسيه قد نساها الجميع كعادتهم ، هبطت يدها تضعها فوق باطنها المسطحه … تبتسم بخبث ثم اندفعت إلى داخل الغرفه تقول ببرود ناظره إلى العمه بعنف و كره ثم وجهت أنظارها لأخيها :
– مش هتقول لأختك مبروك يافهد !!
عقد حاجبيه يحاول فهم ما يحدث و عقله صار مشتتاً للغايه لتوزايه العمه بالاندهاش ناظره إليها بصدمه ثم إلى يدها التي تضع فوق باطنها بحركه ايحائيه واضحه لتهتف بنبره جديه :
– انتي حامل ياااندي !!!!!
ابتسمت الأخرى ثم اتجهت إلى الأريكة تجلس فوقها و ضحكاتها تملأ الغرفه سعاده و قد اعتدل أخيها يوليها اهتمامه بعد أن رأي حالتها الغريبه ليستمعا إلى صوتها القوي تقول :
– اه يااقلب ندي .. انا حامل وجوزي سايبني و قاعد في حضن أخته عشان يعالجها و أخويا دمر حياااتي بانانيته و طمعه فاكر أنه كده هيبقي راجل جاب حق ابوه ..
أتسعت أعين العمه من وقاحه كلمات الابنه و الأخت لشقيقها و خشت أن يتراجع فهد عن العلاج فور أن رأى للتو معايره و اهانه واضحه لرجولته من شقيقته !!!
نظر إليها فهد و قد احتلت الصدمه ملامحه يردف باستنكار مشيراً لنفسه :
– انا مش راجل ياندي !!! واناني !!؟ انااااا
لقد توقف عقله عن استيعاب الأمر ليجدها تقف مطله عليه من الأعلى و هي تصرخ به بحده و غل و قد قست نبرتها لابعد الحدود … :
– طبعا مش راجل اومال فاكر لما تستقوي علي بنت تبقي ايه .. كنت بغطي عليك لمصلحتي و اديني باخد عقابي ، فاكرني مش واخده بالي أن اسيف كانت عجباك ؟! لا ياحبيبي كنت شايفه و فكراك متجوزها حب ليها و لما لقيتك أسلوبك كده قولت أحسن يكسرها و يبعدها عني أكتر .. انا شاركتك في الو×××× دي عشان أبعدها عن تيم واخده ليا لوحدي .. بس اهوه في الاخر بعد عني اناا !! و أنت اتفضحت و خدت علقه تمام و قليله عليك كمان تيم الضفر اللي بيطيره برقبه عشره منك !!!!!!!
شهقت العمه حين أنهت تلك المخادعة كلماتها القاسيه التي جلدت بها شقيقها الذي وقف بأعين متسعه يراقب شقيقته الصغري تلقي كلماتها المبغضه له و الطاعنه لرجولته … حسنا هو يستحقها و لكن كان عليه سماعها ممن فعل بها الأفاعيل و ليس من تلك الشقيقه التي تحقر الآن من أفعاله التى فعلها لأجل حبها .. لقد فعل ذلك ليرضيها هي !! لتنعم بحياه دافئه !!! ليلبي رغباتها و ها هي تصفعه أشد الصفعات قسوه تعايره بما وقع به لأجلها … كم هي قاسيه الدوائر حين تدور !!!!!!!!؟!
حاول “فهد” السيطره علي أنفاسه لتصرخ به العمه و هي تزيح ابنه أخيها بعيداً عن أعينه الحمراء المرعبه :
– اوعي يافهد متكررش حكايه أسيف .. دي مجنونه ومش حاسه بتقول ايه !!!!
ارتعش بدن “ندي” من نظرات أخيها التي تراها لأول مره بحياتها و هي تكاد تُجزم ان “أسيف” عاااانت أشد معاناه معه .. استجابت ليد العمه التي دفعتها لتهرع من أمامه بخوف و اصطدمت ب”نائل” أثناء خروجها بسرعه لتنظر له بغضب ثم رحلت لغرفتها مسرعه تغلق الباب و تحيط بطنها جالسه فوق الارضيه الصلبه تبكي بعنف علي حالتها الغير مستقره !!!!!!
-***-
بعد مرور أسبوعين ..
وقف “تيم” بالصاله الفسيحه، يجوب بانظاره برضا تام على تلك التغييرات التي أحدثها بالشقه الراقيه حيث تخلص من معظم الأثاث السابق و أبدله بأثاث عصري حديث راقي …
عقد حاجبيه حين استمع إلى صوت حركه بغرفه شقيقته ليعقد حاجبيه مسرعاً إليها بخطوات أشبه بالركض …
ابتسم حين وجدها تقف بغرفه الملابس الصغيره ترتب ملابسها بهدوء ثم جذبت إحدى ملابسها و منشفه خاصه و استدارت لتجده واقفاً أمامها يستند إلى الباب بجسده عاقداً ذراعيه أمام صدره يبتسم إليها ابتسامته الرائعه …
خطت نحوه بهدوء ثم اماءت له بخفه .. ليتنهد بحزن على صوتها الذي كاد أن ينساه .. لكنه نجح بمواراه ذلك و هو يُحيط وجنتيها بيديه واضعاً قبله حانيه علي خصلاتها جاذباً إياها إلى أحضانه يحيط كتفيها بذراعه برفق و هى صامته مستسلمه كعادتها لكن هى تشعر بتحسن حيث بدأت تحاول مع حالها بعد ان تعددت جلسات يزيد معها .. ليقول لها عاقداً حاجبيه :
– أنتِ عارفه إن يزيد جاي كمان شويه !!
اومأت بهدوء ليقبل رأسها ثم يسألها بلطف :
– طيب انا هقول ل “اتينا ” تجهز الفطار تكونى أنتِ خلصتى شاور و هو يكون وصل تمام يا قلب أخوك ِ !
كالعاده يحصل علي هزه رأس لطيفه منها فقط .. لتعتدل متجه إلى مرحاض الغرفه ثم نظرت إليه لحظه قبل أن تغلق الباب بنظرات هادئه للغايه …
وضعت الملابس بهدوء ثم اتجهت إلى المياه بعد أن نزعت ملابسها لتقف أسفلها باستسلام و تغمرها المياه من رأسها لاخمص قدميهاا …
تنهدت بحزن و سالت موعها هي تشعر بشقيقها و ألمه ترى خذلانه و حزنه بعينيه لكن كم هو حنون يدفن مشاعره داخله لأجلها ، يداوي ألمها و هو يحتاج من يداويه .. مؤلم شعور الخذلان و الصفعات و هى جربت ذلك بنفسهاااا … أصبحت شغل أخيها الشاغل يتابع أعماله إلكترونيا .. و يصب اهتمامه عليها هي فقط .. يعرض عليها جميع العروض لأجل التخفيف عنها لكنها تقابلها بالرفض .. ليس تمنعاا لكن قلبها المفطور لم يعد يحفل بالأمور السابقه .. قد تغيرت … تغيرت كثيراااااا !!!!!!!
-***-
جلس “يزيد” أعلى الأريكة يتناول قهوته و هو يقهقه مع “تيم” و يقص عليه مواقف طريفه حدثت له بالخارج .. ليستمع إلى صوت “تيم” يهمس و هو ينظر للداخل بعينيه قائلاً :
-الدكتور وقف لأسيف الدوا امبارح و قالى هى مش محتاجه مهدئات دلوقت ، عرفت ده !!
هز “يزيد” رأسه بالإيجاب و هو يقف بطوله الفارع يضع الفنجان أعلى الطاوله الصغيره بالشرفه ثم استند بمرفقه إلى الشرفه لتظهر تقاسيم بنيته الرياضيه القويه بوضوح ورد عليه بصوت رخيم هادئ :
– ايوه هو بلغني بده متقلقش .. بالمناسبه انا النهارده مش عايزك تقعد مع أسيف في الجلسه دي …
عقد “تيم” حاجبيه يردف مسرعاً برفض :
– لا طبعا .. أنت متعرفش أنا اتحايلت عليها قد ايه إنها تخضع للجلسات دي و لولا قولت إني هبقي معاها لولا وافقت ..
تنهد “يزيد” و أردف بهدوء بعد أن أنهى “تيم” كلماته :
– متقلقش ياتيم .. أنا اتفقت مع نائل إنه هيجي و هيبقي الموضوع طبيعي قدامها هو عاوزك في شغل ضروري و هتقعدوا قدامنا هنا في الليفينج لازم أسيف تبدأ تنهي اعتمادها الكلي عليك …
عقد ” تيم” حاجبيه يردف بغضب طفيف و هما يستمعا إلى صوت الجرس … فمن الواضح أن “نائل” وصل :
– دي أختي لو معتمدتش عليا هتثق و تعتمد علي مين !!!
ابتسم “يزيد” يردف بهدوء و صدق :
– يابني هو انا اكره محبتكم دي بالعكس أنا كنت اتمني يبقي عندي أخت زى أسيف كده بس مكنتش هبقي معاها زيك .. لازم أسيف تثق في نفسها وقدراتها منغيرك وده جزء مهم جدااا في تأهيلها النفسي .. صدقني كل حاجه بعملها لمصلحه أسيف مش اكتر !!
– ماتوافق بقي ياعم ومتصدعناش !!!
كانت تلك كلمات “نائل” الذي اندفع يحتضن ابن عمه و يكمل قائلاً :
-تصدق يلاا القصر يقرف منغيركم …
ابتسم كلا من” تيم” و”يزيد” و لكنهما اندهشا حين انطلقت صافره من فم “نائل” يصرخ بمرح بابنه عمه :
– ايه يااااسوفي يااااقمر الحلاوه دي !!!
تلقي ضربه قويه من يد ابن عمه الذي رمقه بنظره غاضبه ليهمهم معتذراً و هو يتأمل ابنه عمه بثوبها الوردي الرقيق الذي أعطاها هيئه جميله زادت فتنتها و ظهر بهاء ملامحها الفاتنه مره اخري و ابتسم “يزيد” إليها بلطف حيث بدأت أعينه تتأملها باعجاب واضح لتبادله ابتسامه صغيره من ثغرها الوردي الجميل ….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حصونه المهلكة) اسم الرواية