رواية جوازة ابريل الفصل الخامس عشر 15 - بقلم نورهان محسن
الفصل الخامس عشر (حبل خانق)
كلمة قد تحييك ، أو كلمة قد تقتلك...
كلمة كاذبة تهز مملكة الثقة...
وكلمة الحب تتغلغل إلى قلبك العاصي...
كلمة حق تنحني لها احتراما...
كلمة الغضب مثل الماء المغلي الذي يحرق كيانك...
كلمة العهد تمهد الطريق لأحلامك...
كلمة الفراق تتركك جرحاً يستمر بالنزف حتى الموت...
كلمة الحب تجعلك تملك الأرض ومن فيها...
الكلمة ... سيف ، ورصاص ، وحبل خانق ،
فالكلمة هي وعد ، وعهد، وميثاق، وعقد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فى هذه الأثناء
دخلت منى من الخارج بعد أن فتحت لها الخادمة الباب ، حيث ذهبت إلى منزل حماتها ، لتأخذ رأيها في الفستان الجديد الذي اشترته لحفل خطوبة هالة ، فهى دائما تعجب باختيارها الأنيق في اختيار الملابس ، ومستحضرات التجميل.
تلاشت ابتسامتها على الفور ، عندما اقتربت من المكان الذي كانت تجلس فيه دعاء ، لتتوقف عن المشي ، وشعرت بتجمد الدم في عروقها بمجرد سماعها كلمات حماتها التالية.
لاح على فم دعاء ابتسامة ساخرة ، قبل أن تأخذ نفسا عميقا لتهدئ أعصابها قليلا حتى لا تبتعد عن مسار حديثهما ، وأخبرتها مؤكدة كلامها : طبعا اخواته يا وسام وكل حاجة .. واكيد ماقصدش كدا .. بس انا عايزة اشوف عز مرتاح واطمن عليه .. دايما حاسة ان فرحته ناقصة و دا وجعني
تكلمت وسام بتأثر شديد : اكيد حقك .. بس ادي الله وادي حكمته ... دي حاجة في ايد ربنا سبحانه وتعالي
مسحت دعاء على صفحة وجهها ، وعلقت بضيق : ايوه وربنا كمان بيقول اسعي يا عبد وانا اسعي معاك .. بقاله تلت سنين معها وعلي طول في خناق وزعل بسبب الخلفة .. لو عليا انا .. يديني الاوكيه بس .. وانا من بكرا اجيبلو مية بنت يختار منهم اللي تعجبه وكلهم بنات عائلات كويسين جدا ويتجوزها .. ومني مالهاش حق انها تزعل .. هو مش هيبقي اول ولا اخر واحد ودا حقه الشرعي
وقفت منى متجمدة فى مكانها ، بوجه متألم وحسرة قلب ، وهى تبتلع تلك الغصة في جوفها بصعوبة ، وكل كلمة منها تمزق أوتار قلبها ، وتكسر روحها دون اكتراث ، فهى بالكاد تصدق أذنيها ، هل هذه المتحدثة نفسها حماتها ذات القلب الرقيق ، التي تكن لها الحب والتقدير الكبير؟
كانت الصدمة بمثابة صفعة على وجهها ، أيقظتها على واقع مرير.
امتعض وجه وسام سخطاً من أسلوبها العنيد ، وقالت بتحذير : بلاش تفتحي في السيرة دي معاه يا دعاء .. وقتها مش هيوافق بالعكس .. وقتها هياخد موقف منك انتي وهيقولك انتي بتخربي حياته
أخرجت صوتًا ساخرًا من فمها ، قبل أن تقول بإستنكار شديد : يعني هفضل ساكتة كدا مش هاعمل اي حاجة اعقلو بيها؟!
تأفأفت وسام بنفاذ صبر ، ليس هناك أسوأ من الإصرار على التدخل في شؤون الآخرين ، حتى لو كان ذلك بدافع الإهتمام بمصلحتهم الخاصة ، فربما يأتي هذا بنتائج عكسية ، لذا صاحت مستنكرة : قولتلك ماتعمليش مشكلة علي حكاية عارفين اخرها انتي اكتر واحدة عارفة راس ابنك يا دعاء
هتفت دعاء بصوت متذمر عالٍ : ماشي بس مش دا اخرها .. هو راح بيها كذا مرة لدكاترة اشكال والوان وماحصلش حمل .. الاتنين كويسين بس ربنا مش كارمهم مع بعض خلاص خليه يجرب يتجوز تاني دا حقه وشرع ربنا اللي حلله بيه
مررت وسام أناملها عَلى شعرها ، الذي تعبث به الرياح ، مخاطبة إياها بنبرة متضايقة : عز بيحب مراته يا دعاء ولو هو عايز كدا لازم قراره يبقي من نفسه
دعاء صوتها الناعم خرج منزعجاً ، وهى تريح يدها على ذراع الكرسى : وهو في حد في الدنيا مابيتمناش يجيبلو حتة عيل يشوفه بيكبر قدام عينه ويفرح بيه .. بكرا يكبر ويبقي لوحده من غير عزوة وضهر يصلبو في شيبته ودا اللي خايفه منه انه يندم في المستقبل ومني ساعتها مش هتنفعه بحاجة خصوصا لو طلبت تسيبو عشان تخلف هي كان..
توقفت عن الحديث عندما أدركت أنها قالت الكثير في فورة غضبها، ورغم شعور وسام بالأسف عليها وتفهم مشاعرها ، لكنها علقت بشكل منطقي : انا رأيي انك ماتدخليش في المسائل الحساسة دي يا دعاء .. عشان هيجي من وراها مشاكل كتير .. ومني طيبة وبنت حلال وبتحبه جدا .. وربنا هيفرح قلبهم بالذرية لما ربنا يريد .. بس الصبر طيب
جرت منى قدميها تتجه نحو باب المنزل دون تفكير ، لتغادر بخطوات مرتبكة ، لا تريد سماع المزيد من كلام حماتها الذي كان بمثابة أشواك مؤذية في روحها التعيسة بشأن هذا الموضوع ، ومهما كذبت على نفسها ، ستظل تلاحقها سكاكين الحقيقة ، لتصيب قلبها بقسوة ، فلا شيء سيشفع لها كل ما تقدمه من أجل حبها لزوجها ، سيبقى دائما غير كافى.
أدارت دعاء رأسها نحو الباب ، بنظرات لمعت بالخبث حينما غادرت منى ، وظهرت على شفتيها ابتسامة منتصرة ماكرة ، قبل أن تتحول إلى تنهيدة مسموعة ، لتلفظ كلماتها بنبرة بائسة أتقنتها جداً : طيب يا وسام .. خلاص ربنا يسهل .. اقفلي السيرة اعصابي تعبانة ومش مستحملة
هتفت وسام بتعجل ، وهى تنظر إلى العاملين أسفل الشرفة : طيب طيب .. هسيبك تهدي وانا هروح اشوفهم خلصوا ولا عملو ايه في الجنينة عشان الخطوبة هالة!!
دعاء : والدة عز ، شخصية مناورة ، تعاني من تقلبات مزاجية بين الحين والآخر ، إذ يمكن أن تشتعل بالغضب فجأة وتبدأ بالصراخ والبكاء ، إلا أنها تعود بعد مضي وقت قصير إلى الهدوء والبشاشة مثل طباع إبنها ، ترى أنها لا تُخطئ ، ودائمًا على صواب ، وتعطى لنفسها مبرر لكل تصرف تقوم به ، تهوى صنع أطباق جديدة وغريبة.
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت
عند ابريل
رددوا معًا كلمات الأغنية بابتسامة عريضة ، والسعادة طاغية على وجوههم.
وقفت أبريل وتمايلت في مكانها مع صدى الموسيقى في الغرفة ، الصادرة من هاتف يوسف ، وكانت تمسك طرفي الفستان ، بين عمر ويوسف ، وهم يدوروا حولها يرقصون ، ويصفقون لها.
_انا دلوعة وملكة
_مجنونة جداً وماليش مالكة
_خليك دوغري وسكة
_يا حبيبي أنا فهماك
_أيوه جميلة وكيوتة ... بس أنا مش بسكوتة
_ عندى الغلطة بموتة ... أنا مش عايزة اعملها معاك
_ إكشف وريني ورقك
_قولي أنا معجب قولي بحبك
_بين للناس حُبك ... دلع فيا ليل ونهار
_عايزة حكاية مجنونة... ويبقوا يقلدونا
_عايزانا نبقى تريند .. أنا وانت فنشرات الاخبار
_أنا عايزة حبيبي يفاجئني
_ياخدنى بعيد ويسرقني
_محدش غيرى يسبقني
_نعيش فخيال ... ونعيش بإحساسنا
_هنمشى بكيفنا وبراسنا ... هنرقص يلا رقصنا
_يروق البال
جلست أبريل على الكرسي ، وكانت لا تزال تضحك ، فسألها يوسف وهو يضحك بإستغراب : هتكملي الرقصة وانتي قاعدة؟
وضعت ابريل يدها على صدرها ، وهي تتنفس لاهثة ، وتشير إليه بيدها ، لترد عليه في همس : كملوا انتو .. انا مش قادرة كفاية كدا خلاص
خرجت كلماته الهازئة من بين ضحكاته : اومال في فرحك هتعملي ايه ؟! دا يدوب تسخين للدرمغة اللي جاية
أخبرته ابريل بلامبالاة : بعد ما اغير الفستان بقي .. بس كويس كنت محتاجة شوية الحركات دي عشان لما اكل ضميري مايوجعنيش..
نهضت ابريل فجأة من مقعدها ، وبدت على وجهه علامات الدهشة من انتفاضتها تلك ، وهي تسأله بغباء : هو انا طخينة يا يوسف؟!
عض يوسف على شفته السفلية ، محاولاً منع نفسه من الابتسام قبل أن يجيبها بالنفي : لا يا حبيبتي مش طخينة خالص .. تحبي اثبتلك!!
أومأت ابريل بقوة بأعين متفرسة ، حتى جاء جوابه بنبرة هامسة : شوفي كنت جايبلك معايا ايه؟!
ركزت ابريل عيناها اللامعتان على قطعة الشوكولاتة التي أخرجها من جيبه الخلفي ، وقالت بفرحة متحمسة : يا حبيبي!! ربنا يخليك ليا يا احلي اخ .. هاتها بسرعة قبل ماتدخل علينا الساحرة الشريرة
أنهت ابريل جملتها ، وهي تعض على شفتها بحماس ، وتميل رأسها ، ونظرت إلى الباب خلف يوسف ، قبل أن تحاول أخذ لوح الشوكولاتة منه ، لكنه هز رأسه يمينًا ويسارًا ، وعلق بممانعة : لا يا روحي .. سامحيني مش هقدر اكسر كلام الساحرة الشريرة .. عشان ماتسخطنيش عربية بطاطا
تجعدت ملامح إبريل حينها ، وأجابت عليه بهمسة غاضبة ، مشيرةً إليه بإصبعها السبابة بتهديدٍ شرير : انا اللي هسخطك لو ماجبتش اللي في ايدك وهاكل البطاطا بتاعتك كلها
رفع يوسف حاجباه يتصنع الدهشة ، هامساً ببراءة زائفة : اهون عليكي تعملي فيا كدا؟!
لم تلقى بالاً لأسلوبه الهزلى ، إذ كان لها هدف محدد ، فحاولت التأثير عليه بإحدى أساليبها الماكرة بصوت ناعم متوسل ، وهي تلعب بشعرها : اكيد لا يا جو .. بس يرضيك نفسي في حاجة .. وانت عارف وتحرمني منها .. افرض موت دلوقتي .. العمر قصير يا جو
هز يوسف رأسه بنفى حاد ، قبل أن يخاطبها بجدية : بعد الشر عليكي .. مستحيل اعمل كدا اصلا
ساد الصمت لثواني معدودة ، واقتربت أبريل بابتسامة ملتوية ، عازمة على أخذ الشوكولاتة منه ، لتلوح لمحة من التلاعب في عينيه ، ورفع ذراعه قبل أن تتمكن من الإمساك بها ، وأضاف بنبرة مشاكسة : بس .. برده لا .. ماتنسيش الساحرة قالتلك ايه؟!
أشار يوسف بعينه نحو فستانها بتحذير ، فهزت إبريل رأسها باستهانة ، وهي ترفع ذراعيها محاولة الإمساك به ، لكنها لن تتمكن من القفز ، إذ كان فرق الطول بينهما كبيرا ، فيما تراجع يوسف بحركة سريعة إلى الخلف ، مم دفعها للإمساك بقماش قميصه ، وهي تهسس من بين أسنانها بانزعاج ، أمام وجهه بطريقة مضحكة : انت مش هتيجي بالذوق ياض
لف يوسف أصابعه على كفها فوق ملابسه ، مطقطقاً بلسانه قبل أن ينهيها محذراً : عيب عيب .. انا اخوكي الكبير
ابتسمت أبريل بشر ، لتكور يدها الأخرى في قبضة ، وقالت باستخفاف ساخر : بكام شهر بس .. يعني مسموحلي اضربك عادي جدا
_لا انت ولا هي
أنهى عمر حديثه ، الذي كان يشاهد هذا العرض بضجر تام ، قبل أن يخطف لوح الشوكولاتة من يد يوسف سهواً ، وهو يضحك عبثًا ، ويتجه للخارج ، وهو يجري كالرمح ، ممَ جعل يوسف يجفل ، ثم صرخ عليه يناديه بنبرة منزعجة : واد يا عمر يا ابن الهرمة بتغفلني .. تعالي هنا والله لا اعلقلك
نظرت إليه أبريل بشماتة ، وأشارت بإصبعها إليه ، وقالت بضحكة هازئة : علي صوتك كمان .. خلي ريهام تسمعك وهي اللي هتعلقلك
حدجها بإغتياظ قبل أن يفاجئها بصفعة رقيقة على خدها ، ثم ركض بسرعة.
شهقت أبريل في مفاجأة ، وهى تنظر لباب الغرفة في حالة صدمة ، ثم ركضت خلفهم حافية القدمين بعد أن رفعت الفستان عن الأرض ، قائلة بتهديد : والله ما هسيبكوا انتو الاتنين انهاردة
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
خلال ذلك الوقت
فى غرفة هالة
هالة مستلقية على السرير ، غارقة في أفكارها ، بالكاد تستطيع سماع الضجيج الموجود بالأسفل على الرغم من تردد صداه حولها بسبب صخب دوامات عقلها ، تنظر إلى السقف فحسب ، فلا ترى بعينها إلا الفراغ والعدم.
جزت هالة على أسنانها بعنف ، وهي تتذكر مشهد جلوسهم أمام عينيها ، يثرثرون ويضحكون دون أن يعيروها أدنى اهتمام ، ثم ارتسمت على شفتيها ابتسامة ساخرة عندما تذكرت أن غدًا هو يوم خطوبتها ، والجميع في حالة من الهرج والمرج استعدادًا ، لتلك الحفلة السعيدة.
فلماذا لا تشعر بالسعادة؟ هناك شيء بداخلها يمنعها من ذلك ، ولعل صمتها هو سبب هذا الحزن الذي يعتريها ، هي الوحيدة التي تجني ثمار ذلك الصمت ، إنها لا تشعر بأرضية صلبة يمكنها الوقوف عليها ، بل ترى لوح من الزجاج الشفاف بينها وبين ياسر ، يراها من خلاله ، لكنه لا يسمع صريخها ، ولا يشعر بنيران غيرتها ، ولا يفهم مشاعرها.
تنهدت هالة بصوت مسموع قبل أن تجلس ، وأسندت ظهرها على ظهر السرير ، وزمت شفتيها في ارتباك إعتلى ملامحها ، من الأمر الذي فكرت في فعله.
حركت أطراف أصابعها الرفيعة ، وأظافرها المطلية باللون الأبيض ، لتمسك الهاتف بجوارها ، ووجدت عدة مكالمات منه ، لم يرد عليها أحد ، فقامت بفتح أحد التطبيقات المسمى "واتساب" ، لتظهر لها رسائله التي أرسلها للاطمئنان عليها ، معربًا عن قلقه من عدم الرد عليه ، ويسألها عن سبب تجاهلها له ، فأخذت نفسًا عميقًا ، وهي تضغط على بعض الحروف على لوحة المفاتيح.
"أنا لا أتجاهلك...
ولكني أخشى إذا تحدثت معك عما يدور بداخلي ، أن ترد بشيء ينهي الحديث ، ويوضح ما لا أريد تصديقه ، فنحن في زمن نحاسب فيه ، وندفع ثمن ردود الفعل ، أما الفعل في حد ذاته شيء لا يذكر ، وأنا أخاف دائما من الخسارة إلى أقصى حد ، ولكنى لا أريد أن أكون غبية ، ومخطئة فى حق نفسى."
ترددت هالة كثيراً ، وهي تنظر إلى زر الإرسال ، فوجدت نفسها تتذكر كلامها لوالدها بشأن فسخ تلك الخطبة بالأمس عندما عاد من العمل ، فكان جوابه أنها ابنته الرزينة ، الواثقة من نفسها ، ذات العقل الناضج المنفتح ، من هي هذه الفتاة التي تستطيع هزيمتها بمجرد حركات حقيرة ، وتريد أن تهز ثقتها بنفسها ، وبشريك حياتها المستقبلى الذي لم تتح لها الفرصة بعد للتعرف عليه ، بما فيه الكفاية للحكم عليه ، ولا يجوز لها أن تظلمه ، إلا إذا واجهته وخذلها باختيار شخص آخر ، وكلمات والدتها بأنه لا يوجد سبب منطقي أن يرتبط بها ، وهو يريد فتاة أخرى ، وحينما تصبح الخطوبة رسمية ، سيلتزم بالمسؤولية معاها.
بكلمة منها الآن تستطيع إنهاء كل شيء ، لكنها ستمنح هذه العلاقة فرصة أخيرة ، حتى لا تغادر ، وهى تشعر بذرة من الندم ، ستترك له الحبل الخانق مع الآخرى ، يلفه حول رقبته بنفسه ، وتأخذ دور المتفرج ، لتراقب بهدوء ، هل سيتمسك بها أم أن علاقته بيارا ستستمر أياً كان مسماها ، عندئذ سيشنق نفسه بنفس الحبل ، فالخذلان لا يغتفر ، الخذلان لا سماح فيه أبداً ، وحينها لن تتردد لحظة فى فسخ تلك الخطوبة ، ستسمع صوت عقلها الذى يقول لها غادرى ، ولن تتراجع عن قرارها مرة أخرى.
عند هذا الحد محت كل ما كتبته له ، ثم رمت الهاتف بجانبها ، وهي تزفر بعصبية ، أغمضت عينيها بقوة ، ونكست رأسها بين ركبتيها ، لينسدل شعرها كالستار من حولها ، في نفس الوقت الذي فتح فيه باب غرفتها ، لتظهر رأس لميس من خلال الفتحة ، قائلة بلطف : اخيرا صحيتي
اكتفت هالة بابتسامة صغيرة ردا عليها ، وهى ترفع وجهها إليها ، وباعدت شعرها إلى الخلف بلا اكتراث ، بينما اقتربت منها الأخري بخطوات هادئة ، تتساءل باهتمام : حاسة نفسك احسن شوية!!
هزت هالة رأسها بالإيجاب ، وهي تتكئ بظهرها علي السرير ، وتعقد ذراعيها ، ثم سألتها بنبرة ذات مغزي ، تحمل في طياتها عدم الرضا : روحتي تشوفي باسم برده!؟
جلست لميس مقابلها على حافة السرير ، وهى تثني عليها رجلها تحتها ، وبدأت يدها تعبث بشعرها ، وتدوره حول أصابعها دليلاً على حرجها ، وهي تقول بلهجة مرتبكة : عملتلو شوربة ووديتهالو وويسو بتشربهالو بالعافية
ضحكت لميس بخفة في نهاية جملتها ، عندما تذكرت ملامحه المستاءة ، تحت أنظار هالة المعترضة على تصرفاتها ، فهى أيضاً لا تقف على أرض صلبة ، ومن الواضح أنهم سيندمون على قرارات قلوبهم الحمقاء ، وقبل أن تبدي اعتراضها ، سارعت لميس بتغيير دفة الحديث : بقولك ايه .. يلا البسي وخلينا ننزل نشوف الجنينة بعد ما العمال وضبوها بقت عاملة ازاي!!
قالت لميس ذلك بحماس ، لترد هالة بتكاسل ، وهى تعبث بشعرها : ماليش مزاج
نفخت لميس الهواء من فمها ، وقلبت عيناها بسأم ، ثم صاحت بإستياء : بطلي رخامة .. مش معقول هتفضلي حابسة نفسك كدا .. يلا مش هسيبك الا لما تقومي .. مش جاية من اخر الدنيا عشان اقعد مع ام جابر الشغالة
قالت لميس جملتها الأخيرة بتذمر ، وهي تميل عليها ممسكة بها بإحدى يديها تسحبها نحوها ، فأمسكت هالة بالوسادة التي بجوارها ، وألقتها على رأسها ، فتأوهت لميس بتفاجأ ، لتتوقف تدفق ثرثرتها ، قبل أن تهتف هالة بضجر : خلاص كفاية رغي هقوم
غمغمت لميس بضحكة منتصرة ، وهي تعيد ترتيب خصلات شعرها المبعثرة : مابتجيش غير بكدا
☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼
فى ذات الوقت
عند ابريل
داخل فيلا فهمى الهادي
ارتفعت ضحكاتهم في كل الأرجاء ، وهي تنزل الدرج خلف يوسف بخطوات بطيئة بعض الشيء بسبب ثقل الفستان الذي كان يتطاير خلفها في الهواء ، بينما تنظر إلى الأسفل عند قدميها ، وهي تحاول اللحاق بخطواته السريعة ، ومن دون أن تلاحظ توقف يوسف على حين غرة ، ضربت رأسها بظهره ، ممً جعل شعرها يغطي وجهها ، وهي تحاول التوازن ، فأمسكت به من قميصه ، وسألته بصوت لاهث : وقفت .. كدا ليه .. فجأة؟!
وصل إلى أذنيها صوت أنثوي رقيق ممزوج بالحرج ، قادم من أسفل درج السلم : اسفة لو سببت ازعاج ليكم .. عشان جاية من غير معاد!!
تحركت إبريل إلى اليمين على الدرج ، مائلة برأسها إلى الجانب ، تريد أن ترى صاحبة الصوت بفضول من خلف جسد يوسف ، الذي كان بمثابة حاجز يمنعها من رؤيتها ، بينما أنهى يوسف ما تبقى من درجات السلم بخطوات بطيئة ، يبلع لعابه بإضطراب ، ثم تحدث بنبرة حاول أن تبدو طبيعية : لا ابدا يا حنين .. مفيش ازعاج .. انتي جاية لماما
نفت حنين بهدوء متحفظ : لا مش عشان مدام سلمي
أضافت حنين بنبرة هازئة ، وهي تنقل بصرها بين يوسف ، وأبريل التي كانت واقفة تعدل ذيل الفستان ، قبل أن تثبت عينيها عليها مرة أخرى : انا جاية للعروسة اللي وراك يا يوسف
عقدت إبريل حاجبيها متعجبة من كلام تلك المرأة ، ذات المظهر الجميل ، وهواية غير معروفة بالنسبة لها ، فكانت المرة الأولى التي تراها فيها قبل أن تتأملها بنظرة فاحصة ، وهي تنزل الدرج بحذر.
ترتدي فستاناً فضفاضاً باللون الأزرق الداكن ، وذراعين طويلتين ، وحزاماً من نفس لون الفستان على الخصر ، ونسقت معه حقيبة بيضاء لامعة ، وحذاء عالي يماثلها فى اللون ، وأكملت إطلالتها بحجاب باللونين الأزرق والأبيض في إطلالة عصرية مميزة ، كما أنها استخدمت ألوان مكياج بسيطة وناعمة تناسب بشرتها البرونزية ، أنهت تأملتها ، قبل أن تتمتم ابريل بنبرة متفاجئة : عشاني انا!!
جاء دور حنين ، لتشمل بنظرات غريبة ، تلك قصيرة القامة التى تقف أمامها بوجهها المحمر ، على بعد خطوات منها ، لم تستطع أبريل ترجمت نظراتها ، فرفعت بصرها إلى يوسف تسأله بعينيها ، لكنه تهرب من نظراتها في الاضطراب.
في هذه الأثناء كانت تشعر حنين بالغرابة ، وتتساءل في داخلها ، هل مقدر لها أن تأتي فى هذا الحين لرؤية منافستها بفستان زفافها؟
وما سبب حيرتها في نفسها ، هو أنها توقعت انقباضاً وضيقاً سيستهدف قلبها فور رؤيتها ، ولن تروق لها على الإطلاق ، لكن ما تشعر به الآن مختلف عما إعتقدت أن تشعر به ، باستثناء النيران المشتعلة بداخلها تحرقها بشدة.
نفضت أفكارها المتشابكة من عقلها ، والتوى فمها فى شبه ابتسامة متكلفة ، وقالت بهدوء : اسمك حلو .. زيك بالظبط .. ماكنتش متخيلاكي بالجمال دا .. خسارة ان دي اول مرة نتقابل فيها ؟!
بادلتها أبريل نفس الابتسامة بعدم فهم ، قبل أن تهمس بصوت خافت ، وتزايدت نبضات قلبها ، بسبب تلك المرأة الغامضة التي كانت تحدق بها ، منذ عدة ثوانٍ فى صمت : ميرسي جدا؟!
عقدت يديها معاً ، وتغلبت على توترها بنظراتها المتحدية تجاه يوسف الذي كان متوتراً من حضورها غير المتوقع ، ثم قالت بجدية موجهة في حديثها لأبريل : تسمحيلي من فضلك .. عايزة اكلم معاكي شوية في موضوع شخصي؟!
اتسعت عيون أبريل بدهشة أكبر ، وأعادت شعرها خلف أذنها ، وسألتها بغرابة : موضوع شخصي بينا احنا الاتنين؟!
رددت حنين مؤكدة : ايوه اذا سمحتي!!
ابتلع يوسف لعابه بتوتر شديد ، إذ أحس بحرارة شديدة تجتاح جسده ، ممَ سيحدث عقب هذا الحديث ، بينما رمقته أبريل بنظرات متوجسة بسبب حالته القلقة ، خاصة عندما خرج صوته مندفعًا بعض الشيء : طيب معلش يا حنين اديها خمس دقايق تطلع تغير الفستان الاول
نظرت إليه حنين بتحدي سافر ، وتحدثت بثقة وتصميم : مفيش داعي هما دقيقتين مش اكتر مش هعطلها كتير
فرك يوسف جبهته مضطربًاً من إصرارها ، ثم مسح على شعره الأسود بقلة حيلة ، وبلهجة هادئة غمغم : طيب يا ابريل هسيبكوا شوية
أومأت أبريل له بالموافقة ، وسرعان ما اختفى عن أعينهم ، بينما تحركت إبريل ، ترفع الفستان عن الأرض بقبضتيها ، متوترة من ذلك الجو الغامض ، وخلفها سارت حنين بهدوء لتقول بابتسامة صغيرة ، عندما وصلا إلى مكان الجلوس في الهول : اتفضلي
جلست حنين مقابلها ، واضعة إحدى قدميها فوق الأخرى ، لتبلل شفتيها بطرف لسانها قبل أن تخاطبها بصوت هادئ : من غير ما اطول عليكي .. خليني اختصرلك انا مين في جملة واحدة .. هتقصر علينا وقت تعارف كبير
حدقت ابريل فيها بأعين ضيقة ، وهى تعبث بالقلادة الذهبية رقيقة الشكل حول رقبتها بإضطراب ، وداخلها يرتجف ترقبًا بشعور غريب ، بينما سحبت حنين الهواء بعمق إلى رئتيها وزفرته ببطء ، ثم قدمت نفسها بنبرة واثقة : انا حنين .. ابقي مرات مصطفي الترابلسي .. خطيبك..؟!
حدجتها أبريل بعينين واسعتين بصدمة ، شعور خانق لا عقلانية به ، يضغط على رقبتها مانعاً اياها من التنفس.
هل يسخر منها القدر أم أن هذا كابوس يطاردها وهي مستيقظة؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
✾نهاية الفصل الخامس عشر✾
#رواية_جوازة_ابريل
#نورهان_محسن
_تقييمكم للفصل من 1 الي 10؟
_ايه رأيكم في اللقاء بين حنين وابريل؟
_السؤال هنا بقي ايه توقعتكم للفصل الجاي؟
_وهالة ايه رأيكم في تصرفها تفتكروا في امل ؟
_والاهم موقف دعاء من مرات ابنها ويا الاسرار اللي وراها هتكون ايه؟
_اكيد فرحة ابريل ذهبت من الريح ، تفتكروا هتزعل من يوسف وتعلن عليه الحرب معاهم ولا هتسامحو؟
هستني تقرأو وتقولولي رأيكم توقعاتكم
وماتنسوش الڤوت وفولو للحساب
بحبكم يا قمراتي الغاليين ❤️
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية جوازة ابريل) اسم الرواية