Ads by Google X

رواية جوازة ابريل الفصل السادس عشر 16 - بقلم نورهان محسن

الصفحة الرئيسية

   

رواية جوازة ابريل الفصل السادس عشر 16 - بقلم نورهان محسن

     
الفصل السادس عشر (شرنقة من حرير)
                                    
 

سقوها من كأس الأكاذيب فتلذذت بحلاوته ، بينما يمهدوا لها طريقًا ممتلئ بالخداع ، وجعلوها تمشي فيه كالعمياء ، ولم تفكر إلى أي جحيم سيقودها هذا الطريق المهلك الحالك.
   
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



جلست حنين مقابلها ، واضعة إحدى قدميها فوق الأخرى ، لتبلل شفتيها بطرف لسانها قبل أن تخاطبها بصوت هادئ : من غير ما اطول عليكي .. خليني اختصرلك انا مين في جملة واحدة .. هتقصر علينا وقت تعارف كبير



حدقت ابريل فيها بأعين ضيقة ، وهى تعبث بالقلادة الذهبية رقيقة الشكل حول رقبتها بإضطراب ، وداخلها يرتجف ترقبًا بشعور غريب ، بينما سحبت حنين الهواء بعمق إلى رئتيها وزفرته ببطء ، ثم قدمت نفسها بنبرة واثقة : انا حنين .. ابقي مرات مصطفي الترابلسي .. خطيبك..؟!



حدجتها أبريل بعينين واسعتين بصدمة ، شعور خانق لا عقلانية به ، يضغط على رقبتها مانعاً اياها من التنفس.



هل يسخر منها القدر أم أن هذا كابوس يطاردها وهي مستيقظة؟



كلمات هذه المرأة وقعت على مسامعها كالصاعقة الكهربائية ، لكنها سرعان ما فاقت من صدمتها ، وكادت أن تفتح فمها استعداداً لسؤالها عما قالته : ااا...



قاطعتها حنين على الفور ، وهى ترفع كفها أمامها : خليني اكملك من فضلك



اكتفت بإيماءة بسيطة برأسها دليلاً على موافقتها ، بينما كانت تسحب الجلد من شفتها بأسنانها بتوتر ، فتابعت حنين حديثها موضحة لها : انا ومصطفي اتجوزنا من تمن سنين عن حب رغم ان اهله من يوم ما اتجوزنا وهما مش شايفني مناسبة لإبنهم .. وعيشنا مع بعض وخلفنا بنتين وكنا كويسين لحد..



صمتت حنين للحظات ، تستجمع قواها ، وتحاول قمع مشاعر الضعف التى بزغت عبر صوتها رغماً عنها وهي تتابع السرد : لحد ما حصلت بينا من فترة بسيطة مشكلة .. واهله دخلو بالموضوع وكبروا القصة اوي .. وهو سابلي البيت وراح قعد في بيت اهله



استمرت أبريل في الاستماع إليها بتيه ، غير قادرة على فهم معظم الكلمات ، وكانت عيناها متحجّرتين ، وملامحها جامدة بشكل تعجز الكلمات على وصفه ، بينما نكست حنين رأسها ، وحكت جلد الحقيبة بأظافرها في اضطراب ، وأضافت بابتسامة مليئة بخيبة الأمل : بعد ما عدا كام يوم علي المشكلة وهديت استنيتوا يكلمني عشان يصالحني .. بس اتفاجأت بمكالمة المحامي ليا للي بلغني ان مصطفي عايزو يمشي في اجراءات الطلاق وننفصل بشكل رسمي .. بس انا اقنعته بالعافية يأجل اجراءته لحد ما احاول اصلح الامور بيني وبين مصطفي


 
          
                
توقفت ابريل عن مواصلة حديثها ، لالتقاط أنفاسها ، حين ذلك ، وبطريقة ما ، وجدت أبريل صوتها يخرج أخيرًا متصلبًا ومتسائلًا : معلش الكلام دا كلام دا من قد ايه؟!



اتجهت حنين بعيناها الي اعلي اليسار ، ثم أجابتها بهدوء : كان من حوالي ست شهور تقريبا



إلتزمت أبريل الصمت ، وسرعان ما قلبت هذه الكلمات في ذهنها ، لتستنتج أن توقيت هذه الأحداث كان تقريباً في بداية تعرفها على مصطفى ، ثم بعد شهرين ونصف تمت خطبتهما.



انقطعت أفكارها عندما تابعت حنين الحديث ، وهي تشرح لها الأمر ، فعادت تنظر إليها بإنتباه : اهلي مش بالساهل هيقتنعوا بفكرة طلاقي خصوصا ان محدش في عيلتنا اطلقت .. وكنا بنتجوز من بعض .. بس انا صممت اتجوزو .. وبعد مشاكل كتير وضغط مني وافقوا .. واذا اطلقت منه اهلي هيجبروني اسيب بناتي تروح لأبوهم ويجوزوني تاني غصب عني



خطر في ذهنها سؤال لم تتردد لحظة واحدة في طرحه عليها ، فتحدثت بغتة تسألها بارتعاشة : ايه خلاكي تيجي دلوقتي قبل فرحي بأسبوعين .. عشان تقولي انه متجوزك .. ولا ماكنتيش تعرفي؟



أنهت ابريل كلماتها بتيه ، لتجيبها على الفور بصدق : كنت عارفة انه خطب .. بس مكنتش اعرف ان معندكيش فكرة بموضوع جوازه خالص .. ودا خلاني اتشجع واجي اكلم معاكي 



قالت جملتها الأخيرة بشيء من التردد ، قبل أن تلتقي عينى ابربل المصدومة بحدقتى حنين التي يعلوها طبقة رقيقة ظاهرة من الدموع ، واستطردت حديثها بصوت هامس مليء بالحزن والأسى : وصدقيني انا مش جاية ابوظ فرحتك .. بس حطي نفسك مكاني وقدري موقفي .. انا بحبه وفي نفس الوقت انا ام لبنتين مش عايزة بيتي يتخرب مش عايزة بناتي يتربوا بعد عن ابوهم ولا بعيد عني .. واذا مش مصدقة كلامي انا جاية معايا قسيمة جوازنا وادخلي علي حساباته بالسوشيال ميديا هتلاقي صور بناته معاه



أجبرت أبريل شفتيها على الابتسام ، رغم أنها كانت تكاد تسمع صوت فرحتها تتكسر على أرض صلبة وتتحطم معها العديد من الأحلام الوردية التي كانت قد صنعتها لمستقبلها مع هذا الرجل ، لكن هذا ليس الوقت المناسب للانهيار ، ربتت على كف حنين بلطف ، وهمست بتعاطف مليء بالخذلان : مصدقاكي وانا اسفة بجد ماكنش عندي علم ب ولا حاجة من دا كله .. حتي اني مافكرتش ادور بحساباته ولا اسأله عن حاجة بحياته القديمة ومكنتش اعرف بوجودك الا انهاردة بس



وما أن أنهت جملتها حتى ظهرت سلمى أمام أعينهم ، لتسأل بنبرة غاضبة : انتي ايه جابك هنا يا حنين؟!



إنتبهت حنين إلى نظراتها غير المرحبة بها ، فقوست فمها بابتسامة متهكمة ، هتفت بفتور : ازيك يا مدام سلمي؟!




        
          
                
رددت سلمي مرة أخرى بعدم صبر : بقولك بتعملي ايه هنا .. ردي عليا؟!



اتسعت ابتسامتها المستفزة ، عندما أمالت رأسها إلى اليمين وردت ببرود متعمد : جاية اشوف عروسة جوزي



تجاهلت سلمى الرد عليها ، لتنظر إلى أبريل التي كانت تجلس على كرسيها ، ساكنة بلا حراك ، فقط عيناها تتحركان بينهما ، لتشير باشمئزاز إلى حنين ، وتقول بإستفهام : الست دي قالتلك ايه يا ابريل؟!



حولت نظرتها على ابريل مرة أخرى ، بينما تقول بجدية : ابريل انا خلصت كلامي .. وهسيبلك الاختيار في ايدك انتي دلوقتي



صرخت سلمى عليها بإمتعاض ، وأشارت بإصبعها نحو باب الفيلا : امشي اطلعي برا من بيتي يا حنين حالا



رمقتها حنين بنظرة باردة ، رافعة أنفها بكبرياء ، قبل أن تسير بخطوات ثابتة لتخرج من المنزل ، بينما نهضت إبريل من مقعدها بهدوء ما قبل العاصفة ، لتواجه سلمى بنظرات تفيض بالاتهام والعتاب وخيبة الأمل ، بعد أن أدركت بألم أن ثقتها بها كانت فى غير محلها ، ممَ جعل سلمى لا تتحمل التحديق إليها وتتجنب نظراتها.



مرت عدة لحظات قبل أن تعقد أبريل ذراعيها تحت صدرها ، وتقول بإقتضاب ساخر : واضح من طريقة استقبالك ليها انك عارفة ان كل اللي قالته مظبوط وازاي يطلع متجوز وانا معرفش حاجة؟!



تحدثت سلمى بمشاعر ناقمة تجاه حنين ، فيما كانت تشيح بيديها في الهواء بتوتر عصبي : تعرفي ايه وتعرفي ليه!! دي هتبقي طليقته قريب هو قالنا كدا.. 



هزت ابريل رأسها بالسلب ، قبل أن تصيح احتجاجاً : لا .. من حقي اعرف لأني انا اللي هتجوز مش حد تاني



أخذت سلمى نفسا عميقا ، لتزيل ذلك التوتر عنها ، واقتربت منها بخطوات حذرة ، ورفعت يديها لتربت على كتفي أبريل بلطف ، وخاطبتها بنبرة هادئة : ابريل يا حبيبتي .. مصطفي فعلا شاريكي وبيحبك .. عشان كدا كان متردد يفتحلك الموضوع دا



ارتدت أبريل إلى الوراء ، لتسحب نفسها من يدي سلمى ، رافضة الشعور بلمساتها الحانية التي كانت في هذه اللحظة مثل لسعات النار على جلدها ، وهي تستمع منها إلى هذا الهراء دون أدنى قناعة ، ممَ جعل سلمى تجفل منها عندما ردت عليها بصوت منزعج : انتي فاكراني عيلة صغيرة هتصدق الكلام الفارغ دا .. لو كان عايز يطلقها معملهاش ليه من ست شهور؟! 



_بلاش دي .. يا تري كان هيتجوزني وهي لسه علي ذمته .. ولا كان هيطلقها الاول في خلال اسبوعين؟!



أدركت أبريل من عدم نظر سلمي مباشرة إلى عينيها ، أن هناك شيئًا لا تريد أن تكشفه لها ، وكان من المؤكد أن كلماتها التالية هي كذبة ستحاول خداعها بها ، بينما جذبت سلمى نفسًا عميقًا ، وأخبرتها بدفاع مؤكد : اكيد كان هيطلقها وا...




        
          
                
قطعت أبريل بقية عبارتها ، هاتفة بصلابة مشوبة بالجمود ، فلم تعد ترغب في سماع المزيد من الأكاذيب ، ما تلقته منهم كان كافيا حتى الآن : انا مش هتجوز



انكمشت ملامحها بإستنكار ، وتشدقت بإستهجان : انتي اجننتي يعني ايه مش هتتجوزي .. وفرحك بعد كام يوم



وضعت يدها على صدرها تتنفس بعنف ، وتبزغ من عينيها مشاعر الازدراء ، وهي ترفع حاجبيها في استياء ، لتخبرها بلهجة مقهورة : فرحي!! قصدك القعدة اللي علي الضيق اللي هتكون هنا .. في البيت دا .. دلوقتي بس فهمت ليه قال انه عايز احتفال صغير واتحجج بسفره وشغله الكتير وعايزنا نسافر علي طول بعدها .. عايز الموضوع مايبقاش معروف!!



تردد صدى صوت ريهام بتساؤل أثناء نزولها الدرج ، مرتدية بدلة نسائية باللون الأبيض واعتمدت معها توب أنيقة وأكملت المظهر الأنيق بحقيبة كلاتش وصندل كعب عالي باللون الأبيض أيضاَ ومجوهرات ذهبية لتجمع بين الأنوثة والأناقة : جرا ايه في ايه ليه بتزعقوا كدا؟!




  

      تردد صدى صوت ريهام بتساؤل أثناء نزولها الدرج ، مرتدية بدلة نسائية باللون الأبيض واعتمدت معها توب أنيقة وأكملت المظهر الأنيق بحقيبة كلاتش وصندل كعب عالي باللون الأبيض أيضاَ ومجوهرات ذهبية لتجمع بين الأنوثة والأناقة : جرا ايه في ايه ليه بتزعقوا كدا؟!
   
  

أدارت سلمى رأسها إتجاهها ، وأشارت إليها بيدها ، قائلة لها بصوت غاضب : تعالي يا ريهام .. اسمعي اختك بتقول ايه؟



وصلت ريهام إلى حيث كانوا واقفين ، توزع نظراتها بين والدتها وأبريل التي تقف فارغة الوجه ، قبل أن تتساءل عن عدم فهم : في ايه يا ابريل .. فهموني ايه الحكاية؟!



سحبت سلمى الهواء إلى صدرها بقوة ، وعقدت ذراعيها تحت صدرها ، ثم قالت عابسةً : حنين كانت هنا من شوية .. وملت دماغها بكلام كدب وخليتها عايزة تبوظ جوازتها



لم تخفى على ابريل علامات الصدمة التي بدت على وجه ريهام فور سماعها تلك الكلمات ، حيث ارتفع حاجباها واتسعت مقلتاها ، قبل أن تسأل بغرابة شديدة أعربت عن إستنكارها على ما قالته والدتها للتو : معقولة يا ابريل!! ازاي تصدقي كلام من واحدة زي دي بالسهولة دي؟!



عقدت أبريل حاجبيها ، وانصدمت من سلاسة سؤالها ، وكأنه شيء عادي يحدث ، لتشعر بنصل حاد انغرس في قلبها ، زعزع ثباتها وتبعثر كيانها ، وهي تسألها في صدمة : انتي كمان كنتي عارفة!! 




        
          
                
وضعت يديها على خصرها ، ثم ردت سريعا بسخرية مريرة تحت أنفاسها الهائجة ، وهي تدير عينيها نحو سلمى : صحيح انا نسيت .. ما مصطفي قريب حضرتك يا طنط وتعرفوه كويس اوي .. انا اللي شكلي كنت اخر من يعلم انه متجوز .. انا بس هنا المغفلة الوحيدة اللي في وسطكو



نقلت نظرها بينهما ، وفمها مفتوح في صدمة شديدة ممزوجة بالغضب وأصوات أنفاسها تتعالى ، قبل أن تجيب بعدم تصديق مليئ بالجزع والتعجب يتقافز بين ثنايا وجهها : بس ازاي قبلتوا انه يخبي عني ويكدب في حاجة زي دي!! ازاي بابا وافق علي كدا؟!



ابتلعت ريهام لعابها ، وهى قلقة على حالة أبريل التي كانت علي مشارف الإنهيار ، تدحرجت عينيها نحو والدتها التي وقفت وتبادلت معها النظرات بارتباك من تأثير الصدمة عليها ، حيث أن مجيئ حنين إلى هنا لم تأخذه في الاعتبار ، خاصة أنها عرفت أنها تعلم ولم تبد أي اعتراض.



حاولت ريهام معالجة الموقف ، وهي تقترب من أبريل ، لتمسك يديها ، لتساعدها على الجلوس على الأريكة خلفها ، وقالت بنبرة هادئة : ابريل .. اقعدي كدا واتنفسي براحة .. انتي فاهمة غلط احنا مانقصدش نخبي عليكي والله .. 



قالت ريهام ذلك ، وهي بجانبها تربت على كفها بحنو ، نظرت إليها أبريل بألم ، وهزت رأسها بعدم تصديق سافر ، فوجدت سلمى طريقة لتترك الحروف تتدحرج على لسانها ، لتردد مع قليل من الاستياء : صدقينا يا حبيبتي .. دي وحدة غيرانة منك وعايزة تبوظ فرحتك دي خبيثة بدليل انها كانت عارفة من الاول وفضلت ساكتة بس اول ما مصطفي سافر استغلت الفرصة في غيابه عشان تيجي وتقهرك



رمشت أبريل رموشها الاصطناعية الطويلة عدة مرات متتالية ، وكل ما كان يخطر ببالها هو أنها قد انخدعت ممن تعتبرهم عائلتها ، أرادت أن ترد عليهم ، لكن الصدمة ألجمت لسانها ، وهي تلهث للحصول على الهواء ، وتتزايد دقات قلبها بعنف ، وهذا ما لاحظته ريهام حينما انطلق صوت بوق سيارة عالي من الخارج ، فتجعدت ملامحها في حيرة ، وفكرت فيما يجب أن تفعله الآن ، لتقرر بسرعة وهي تمسد خصلات شعر أبريل لتعيدها خلف ظهرها برقة ، قبل أن تقول بنبرة مليئة بالحنان ، لكن أبريل لم تسمعها ، أو بالأحرى لم تصدق هذا الود منها : ابريل ممكن تهدي عشان خاطري عشان ماتتعبيش يا حبيبتي .. اسمعي انا ورايا مشوار مهم دلوقتي .. الأوبر مستنيني دلوقتي .. هخلصوا علي طول .. ولما ارجع هنقعد ونتكلم مع بعض يا ابريل .. ماشي يا حبيبتى



أختتمت ريهام حديثها بابتسامة ، واكتفت إبريل بهزّة رأسها قليلاً ، بينما نهضت الأولى من مكانها على عجل ، وهي ترسل نظرات مبهمة إلى والدتها دون أن تنتبه أبريل ، ثم غادرت المنزل بأكمله.



بقيت سلمى صامتة تمامًا ، تنظر إلى ساعة معصمها ، فلم يبق إلا القليل ، حتى يصل فهمي ، فعندما ذهب يوسف ليخبرها بوجود حنين ، اتصلت على الفور بزوجها ، ليترك كل شيء بين يديه ويأتي إليهما بسرعة.




        
          
                
خلال تلك الفترة



نهضت أبريل من مكانها في صمت تام ، تنوي الصعود إلى غرفتها.



كان يوسف يراقب ما يحدث ، وتقف بجانبه تقي تتابع معه الحديث الذى دار بين والدته وابريل بقلب متسارع ، وحالما سارت أبريل نحو الدرج ، تحرك هو في اتجاهها يناديها بتردد.



أشارت إليه أبريل بإحدى يديها ، دون أن تنظر إليه ، قائلة بصوت مقتضب : خليك مكانك



سارع يوسف يقول في قلق محاولاً أن يشرح لها : انتي فاهمة غلط انا..



بترت أبريل بقية جملته بتصلب قبل أن تصعد إلى الطابق العلوي ، وكان آخر ما أرادته هو سماع أعذاره الواهية بعد أن أدركت أنه شارك في الكذب عليها : مش عايزة اسمع حاجة



الخذلان أصعب من الفراق ، قد يكون الانفصال عملا من أعمال القدر ، أما الخذلان فأنت مسؤول عنها ، ولا أحد يتدخل في الأمر إلا أنت ، إنه في يدك ، وأسوأ شعور بعد الغدر هو خذلان في من أعطيتهم ثقتك.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



عند حنين



تجلس داخل سيارتها ، ترتعش من البكاء على ما آل إليه الأمر بينها وبين زوجها الذي عاشت معه أكثر من ثماني سنوات ، وفي لحظة غضب منهما تهدم المنزل الذي بنوه فوق رأسيهما.



تبكي ظلماً وقهراً على ما فعله بها ، كيف استطاع أن يتركها بهذه البساطة؟ كيف تخلى عنها وعن بناته الصغيرات علمن أن السبب الرئيسي فى هذا الأمر هو تدخل الأهل من الطرفين ، لكن ما ذنبها هي وابنتيه؟



ترددت كثيرا في اتخاذ خطوة الذهاب إلى أبريل ، التى كانت ترغب في رؤيتها منذ أشهر ، لكن شجاعتها كانت تخذلها دائما ، خاصة أنها كانت تتوقع منها أن تكون مثل سلمى ، تشبهها في الغطرسة والوقاحة ، لكن بعد رؤيتها أشفقت عليها لأنها تعرضت إلى الخداع من أهلها.



مسحت خدها بمنديل وهي تخرج هاتفها من حقيبتها ، وفتحته لتعيد قراءة الرسالة للمرة التى لا تتذكر عددها ، والتي كانت قد وصلتها قبل يومين من رقم مجهول ، وكان نصها كالآتي : "ماتفرطيش في جوزك بسهولة .. لو عايزة ترجعيه في حضنك من تاني .. هو مش معرف عروسته انه متجوز .. ودي اخر فرصة ممكن تبوظي الموضوع بيه خصوصا انه مسافر .. سلام"



استندت إلى مقعد السيارة ، وعيناها ما زالتا مثبتتين على شاشة الهاتف ، وسؤال يدور في ذهنها مراراً وتكراراً بفضول وعدم فهم.



من هو صاحب تلك الرسالة ، وماذا سيستفيد من عدم حدوث هذا الزواج؟ 



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼




        
          
                
بعد مرور حوالى نص ساعة



فى غرفة ابريل



تجلس على سريرها وساقها منحنية تحتها ، بينما متعلقة مقلتا عينيها في الفراغ بنظرات قاتمة وقلب يئن من الألم وإحساس بنار مشتعلة داخل صدرها من إستغفالهم لها ، ترتدي بنطال جينز أزرق وبلوزة باللون الأصفر بعد أن غيرت فستانها ، ورفعت شعرها على شكل ذيل حصان ، ومسحت كل مكياجها عن وجهها الشاحب بتعابيره الواجمة ، إذ لا تزال تحت تأثير صدمتها بعد أن كانت في ذروة الراحة والسعادة في الصباح ، فجأة في لحظة ترى كل شيء ينهار ويتدمر ، وتتحول مشاعرها إلى قلق وخوف وغضب وتوجس مما هو قادم سيكون ، صعباً عليها أدرك أن حياتها انقلبت رأسا على عقب في غضون لحظات ، وتحولت فرحتها إلى رماد.



سقوها من كأس الأكاذيب فتلذذت بحلاوته ، بينما يمهدوا لها طريقًا ممتلئ بالخداع ، وجعلوها تمشي فيه كالعمياء ، ولم تفكر إلى أي جحيم سيقودها هذا الطريق المهلك الحالك.



كانت تطمح إلى العيش معهم كعائلة واحدة ، يخافوا عليها ويدعموها ، تحبهم ويحبوها ، لكن هذا الموقف أعطاها الإجابات بوضوح ، ولا فائدة من التظاهر بالتعامي عن الحقيقة المريرة بعد ذلك ، أنها ستظل غريبة بينهم مهما طال بقاؤها معهم. 



بعد مدة من التفكير 



أخيرًا اتخذت قرارها ، وهي تتجه نحو غرفة تبديل الملابس الصغيرة ، وأخرجت حقيبة السفر ، ثم حملتها إلى السرير ووضعتها فوقه ، وبيدين مرتعشتين ، أخذت ملابسها قطعة قطعة من الرفوف ، وبدأت في وضعها داخل الحقيبة.



توقفت عما كانت تفعله بعد عدة دقائق ، عندما سمعت صوت طرق على باب غرفتها ، أعقبه دخول رجل طويل القامة عريض المنكبين نوعا ما من الباب ، يرتدي بدلة رسمية سوداء لتضفي عليه مظهرا جديا ، بينما ينادى باسمها بصوتٍ خشن وهادئ : ابر...يل!!




  

      انقطعت كلماته في دهشة فور رؤيته لها ، واقفة أمام السرير ويداها تضعهما خلف ظهرها ، وراسمة الجمود على وجهها ، لتدحرج عيناه على الحقيبة وهو يسألها بتوجس : انتي بتعملي ايه؟!
  
 
  

انقطعت كلماته في دهشة فور رؤيته لها ، واقفة أمام السرير ويداها تضعهما خلف ظهرها ، وراسمة الجمود على وجهها ، لتدحرج عيناه على الحقيبة وهو يسألها بتوجس : انتي بتعملي ايه؟!




        
          
                
التفتت إلي ذلك الواقف في منتصف الغرفة ، بشعره الكثيف مغطى بالشيب ، ورغم أنه في النصف الأول من الستينيات من عمره ، إلا أنه بدا وسيمًا والوقار يشع منه ، فتنهدت قبل أن تجيبه بهدوء ظاهري : بحضر شنطتي



زم فهمي شفتيه بضيق ، رغم أنه كان يتوقع منها أن تفعل هذا الشيء ، حيث كان يفكر طوال الطريق إلى هنا فى ذلك بعد اتصال زوجته ، ثم حك حاجبه بطرف ظفره قبل أن يعلق باستفسار رغم معرفته بالإجابة مسبقا : وايه المناسبة!! ناوية تروحي علي فين .. ايه عايزة ترجعي عند ستك تاني؟!



غمغمت ابريل تأكيداً ، وهي تجلس على السرير ، وتنظر أمامها بملامح خالية من أي تعبير متناقضة مع ألمها وغضبها الداخلي : ايوه هسافرلها



تجمد من ردها ، رافعاً ذقنه وهو يمشي عدة خطوات ، ثم جلس على أحد الكرسيين بجوار الشرفة ، وسألها بصوته الهادئ ، مثل كنية عائلته ، دون أن ينظر إليها : وايه طلع فكرة السفر في دماغك كدا فجأة؟!



استفزها لأنه يدعى عدم المعرفة ، وكانت واثقة من أنه لم يأتي من تلقاء نفسه ، فلم يكن هذا هو الوقت المعتاد لعودته من الفندق الذي يديره ، والحقيقة أن ملكيته كانت ملكًا لزوجته.



اتجهت بأنظارها نحو سلمى التي قد دخلت الغرفة للتو ، فنقلت بصرها بينها وبين زوجها الذي كان يتململ بتوتر عصبى في مقعده ، لتسحب نفس عميق ببطء ، قبل أن تنظر إليه مرة أخرى ، وتجيب على سؤاله بنبرة تحدي مباشرة : عشان انا قررت اني مش هكمل وهفسخ خطوبتي من مصطفي يا بابا



صاحت سلمي بإستنكار : عايزة تسيبي عريسك قبل الفرح بأسبوعين الناس تقول عليكي ايه؟



رفعت إبريل رأسها إليها بنظرة متحدية استوطنت فيروزيتيها المستهجنة ، واستحال وجهها الحانق إلى لون أحمر قاني ، واتبعت أسلوب الهجوم كأداة أفضل للدفاع ، وعلقت بنبرة استنكار مضيقة الخناق حول سلمي : الناس اللي عارفة ان العريس متجوز و عنده ولاد .. العريس اللي غش عروسته وماقلهاش انه متجوز .. انهي ناس دي اللي عمالين بتتكلمو عليها؟!



وزعت نظراتها المستنكرة بينهما في نهاية عبارتها ، وبدت ملامحها ظاهريا عابسةً ورقيقةً وحزينةً ، مع عقدة حواجبها ، فيما كان صوتها مرتفعاً وقوياً وثابتاً. 



أرادت أن تظل ملتزمة بموقفها حتى النهاية ، رغم أنها كانت ترتجف داخليًا مثل ورقة شجر متهالكة ، ولكن يجب أن تكون قوية ، فهي على حق وهم على خطأ ، ولن يترتب على وضوح الضعف في قسمات وجهها شيء سوى الاستغلال منهم ، فهي الآن بمفردها بينهم لأول مرة منذ فترة طويلة ، تشعر بهذا الشعور البشع ، فالجميع ينسجون حولها شرنقة من خيوط الحرير ، يحاولون تقيدها بها بكامل إرادتها ، لذا لن تصرخ وتبكي وهي في وضع قوة ، ستتعامل مع الموقف بقلب بارد قوى ، حتى لو كانت ضعيفة القوة ، وتحترق فى أعماق روحها. 




        
          
                
توترت نظرات سلمى ، وتجاهلت الإجابة على سؤالها ، متظاهرة بالاستياء ، إذ هتفت بإنفعال : الكلام مابيكونش كدا في اصول بنمشي عليها .. ولا هو كان كلام عيال .. ما تتكلم يا فهمي وعقل بنتك؟!



قالت سلمي ذلك ، وهي تنظر إلى فهمي الذي قام من مكانه بعد أن تولى دور الاستماع لحديثهما لفترة قصيرة ، ولم يعجبه عناد ابنته ، وعدم مرونتها في الحديث معهم ، فاقترب منها بخطوات متمهلة ، وهو ينظر إليها بتعبيرات صارمة ، ليخبرها بنبرة حازمة وآمرة : مفيش حاجة اسمها قررتي منك لنفسك كدا يا ابريل .. انسيلي حكاية السفر دا من دماغك خالص .. مفيش طلوع ليكي من البيت دا الا بإذني انا .. مفهوم



هدر فهمي بالكلمة الأخيرة بصوت عالٍ إلى حد ما ، مشددًا على كلماته ، وهو ينظر مباشرة إلى عينيها ليرى أن حدقة عينيها تضيقان ، دليل على أنها سمعت للتو شيئًا لم يروق لها على الإطلاق ، وكأنه أشعل دون قصد فتيل غضبها الكامن ، وما كانت تخشاه دائمًا ، فكرة التقييد ، وفرض السيطرة على حياتها البائسة التي عانت كثيراً من أجل ترميمها ، وكل ما كانت تفكر فيه هو أن ترمي بنفسها في أحضان جدتها ، لتشعر بالأمان والطمأنينة التي زعزعها أقرب الناس إليها بتصرفاتهم المخيبة للآمال ، وفي حالة صدمة ، وجدت لسانها يهدر مندفعاً بإنفعال مليء بالرفض : يعني ايه!! هتحبسوني هنا بالعافية؟!



على الفور رفع فهمي حاجبيه ، ونظر إليها بنظرة غاضبة ، وصاح بصوت جدي محذر ، وهو يشير بإصبعه السبابة أمام وجهها ، كارهاً هذا الجدل والعناد في ردودها : ابريل!! انا صبري له حدود .. كلام نهائي .. لا في سفر ولا خروج من البيت .. فرحك قرب .. ومصطفي مش عيل صغير عشان تصغريه و تصغرينا قدام الناس



نهضت إبريل من مكانها ، لتقف أمام والدها ، وأصبح تنفسها سريعاً ومرتفعاً لا إرادياً ، وكلماتها نبعت من قلب مذعور مقهور ، لا يوجد من يسانده أو يساعده ، رغم أن نبرتها كانت متحشرجة تهدد بالبكاء : انهي ناس دي!! انا مش صغيرة يا بابا ومش من حق حد يتحكم فيا ويقررلي مصير حياتي



استشاطت عيناه حنقاً مما سمعه منها ، ثم أمسك بذراعها يقبض عليه بقوة ، وهو ينظر إليها شرزاً ممَ جعلها تجفل بعنف ، واستعمر الخوف قلبها ، أما وجهها كالصفحة البيضاء الشاحبة ، عاقدة ما بين حاجبيها ، تحاول كظم الألم من شدة قبضته على يدها ، وهو يردد بصوت عالٍ صارمٍ : انتي اتجننتي يا قليلة الادب بتعلي صوتك عليا



اضطربت دواخلها بشدة ، ونظرات المفاجأة تندلع من مقل عينيها الجميلتين ، فكانت هذه هي المرة الأولى التي تنفعل فيها بهذه الطريقة ، وترفع صوتها أمام والدها ، أو بالأحرى ، هى لم تتعامل معه إلا في نطاق محدود للغاية ، ودائما بكلمات نمطية ، لم تكن تعرف من أين حصلت على تلك الشجاعة والجراءة ، لتقول هذه الكلمات أمامه ، لكنها لم تستطع أن تبقى صامتة ، في مواجهة شيء يُفرض عليها ، فهذا شيء لا يمكنها قبول حدوثه على الإطلاق.




        
          
                
أما سلمى كانت واقفة تشاهد ما يحدث بترقب وارتباك ، تنتظر الفرصة المناسبة للتحدث ، عندما رأت أنه سيفقد السيطرة على نفسه بسبب عنادها ، استغلت الموقف لتتدخل أخيرا ، مسرعة نحوه وأجبرته على تحرير ذراعها من قبضته ، فيما خاطبته بقلق مبررة للآخرى سبب تصرفها العدائي.



ظلت تعابير فهمي المتجهمة كما هي ظاهرياً ، لكنه أحس بوخز يستهدف أعماق صدره عندما رأى نظرة الخذلان ، وخيبة الأمل القوية ، تغمر فيروزيتيها المتلألئة بالدموع ، أكثر بكثير من الخوف منه ، لكنه تجاهل هذا الشعور ، وحدجها بنفس النظرة القاسية التي تدل على نفاد صبره منها ، وخاطبها بلهجة مهددة : اسمعي يا بنت الهام .. هتفضلي في اوضتك ومالكيش خروج منها .. مفهوم كلامي



زجرها في نهاية حديثه ، فأرادت سلمى أن تنهي هذا النقاش المحتدم بنبرة لطيفة ، تحاول امتصاص غضبه ، وهي تمسح على ذراعه بكفها : قولتلك خلاص بقي يا فهمي .. يلا سيبنا شوية مع بعض لو سمحت



أطلق زفرة قوية من خلجات صدره ، وهو يمشي معها إلى الخارج في صمت ، بينما زفرت أبريل بتعب كبير ، وعادت لتجلس على السرير مرة أخرى ، لتتنهد بألم موجع ، وتشعر بثقل يجثو علي صدرها، ويكاد يخنقها.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



فى احدي المقاهي الراقية



: سوري جدا لو كنت اتأخرت عليكي يا رزان



رفعت ريهام نظارتها الشمسية عن عينيها الزرقاوين في نهاية جملتها ، وتبادلت رزان معها النظرات بابتسامة قائلة بترحيب : لا مفيش تأخير ولا حاجة .. و اتشرفت بمقابلتك



تحدثت ريهام بإبتسامة تكلف : الشرف ليا كمان يا حبيبتي



أنهت ريهام عبارتها بابتسامة ، وهي تجلس على المقعد المقابل للأخرى التي عادت بظهرها إلى الوراء وهي تحدق فيها بنظرات حائرة ، فقالت ريهام ببساطة : انا عارفة انك مستغربة شوية من مكالمتي ليكي امبارح .. 



أماءت رزان بالإيجاب ، وأخبرتها باهتمام : ماخبيش عليكي فعلا استغربت شوية بس لما بحثت عن اسمك بالسوشيال ميديا لاقيت كلام كويس جدا علي شغلك واسم الاتيليه بتاعك معروف



تطلعت إليها ريهام بنظرات غامضة ، قبل أن تردف بتساؤل : و فكرتي اكون عايزاكي بالخصوص دا مش كدا؟!



أنهت جملتها ، وهي تنظر إلى ملامح رزان الفضولية بتركيز ، قبل أن تدحرج عينيها إلى هاتفها الذي وضعته على الطاولة ، والتقطته لتفتحه باستخدام بصمة الوجه ، وأضافت بإيجاز : شوفي انا مش هطول عليكي .. وهدخل في الموضوع اللي عايزاكي فيه دغري .. اسمعي الڤويس دا



قالت ريهام ذلك ، وهي تضغط على زر التشغيل ، فخرج صوت تعرفه رزان جيداً ، ممَ جعل عينيها تتسعان من الصدمة الشديدة لما سمعته.



☼بـ-ـقـ-❥ـلـ-ـم نـ-❥-ـورهـ-❥ـان مـ-ـحـ-❥-ـسـ-ـن☼



عند ابريل



عادت سلمى إلى غرفة أبريل بابتسامة اتسمت بالحنان والصبر لتراها على حالها ، فجلست بجوارها ، وسحبت يدها بين كفيها ، تربت عليها بلمسات لطيفة ، منتظرة اعتراضها، لكن أبريل ظلت جامدة ولم تظهر أي ردة فعل ، تخفض عينيها للأسفل فى صمت ، لتقول سلمي بأقصى ما لديها من حنان يأثر علي مشاعر الأخرى : عارفة انك زعلانة مننا .. ان كلنا خبينا عليكي ..



رفعت ابريل عينيها الحمراوتين نحوها ، تتطلع فيها بنظرات حزينة مليئة بالدموع التي انهمرت على خديها.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


  


google-playkhamsatmostaqltradent