Ads by Google X

رواية شبح حياتي الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم نورهان محسن

الصفحة الرئيسية

   

رواية شبح حياتي الفصل الحادي و العشرون 21 - بقلم نورهان محسن

 
تذكر جيدًا أن النهايات دائمًا تكون سعيدة ، إذا كانت لقصتك نهاية حزينة ، فاعلم أن الجزء الأخير منها مفقود وأن السعادة قادمة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



حدق فيها لثانية دون أن يجيب ، لقد اعترف للتو بمشاعره تجاهها وهذا كل ما تمكنت أن تقوله ردًا عليه ، مستفسراً بغرابة : دا كل اللي لفت انتباهك من كلامي كلو!!



بدى الأمر كما لو أنه تلقى منها صفعة قوية زعزعت توازنه وهزت كبريائه ، أوقد في صدره حريق خنق أنفاسه ، حالما تساءل ببرود مزيف : انتي بتحبيه يا حياة!! طيب امتي حصل الحب دا و ازاي؟



قرع قلبها بعنف داخل ضلوعها ، حيث اتسعت عيناها لكونها بطريقة ما استطاعت ترجمة طلاسم هذا النقص الملازم لها ، منذ اللحظة التي ألتفت فيها بدر موليًا ظهره لها.



عفوياً ، قالت بخفوت وهي توجّه عينيها نحو البحر بعد أن أصابتها الصدمة : بحبه من زمان اوي



أخذ نفسا عميقا ، يستعيد السيطرة على نفسه ، بأعجوبة لأول مرة يصمد بهذه القوة في وجه غضبه السريع ، ليقف بعنفوان لن يقبل أن تصاب رجولته فى مقتل لأي سبب أو مهما كان مقدار حبه لها ، قائلا بنفس النبرة الباردة وملامح وجهه قاتمة بشدة : عشان كدا هربتي علي مصر بعد سوء التفاهم اللي حصل بينا



نفت حياة برأسها بينما كانت الريح تهب محركة خصلات شعرها ، تحاول دفعها بعيدًا بمحاولات فاشلة ، وتنظر إليه لتقول بإرتباك من نظراته الغامضة : صدقني ماكنتش عارفة وقتها اني بحبه .. انا كمان اسفة علي كلامي الاخير ليك في المستشفي .. كنت خايفة ومنفعلة زيادة عن اللزوم ماكنتش دارية بقول ايه



واصلت حديثها ببطء وهي تلوح بكلتا يديها في الهواء ، وتشدد على كل كلمة تنطقها لأنه حتى لو كان حبها لبدر مثل السراب ، فلن تتمكن من الاستمرار مع معاذ بعد أن شعرت بجدران قلبها تهتز لرجل آخر ، لن تخدع نفسها بعد الآن : انا مصدقة كلامك اللي قولته دلوقتي .. بس انا ماقدرش اخدعك و اكمل معاك وانا حاسة أن روحي في مكان تاني و قلبي متعلق بإنسان تاني...



انقطعت كلماتها بسبب رنين هاتفه ، فأخرجه من جيبه وهو يحدق بها بلا تعبير ، وقال بلا مبالاة بعد إلقاء نظرة خاطفة على الشاشة الساطعة بإلحاح : انا فهمت خلاص يا حياة ماتكمليش .. لحظة هرد علي المكالمة دي واجي اوصلك البيت



: لما انتي بتحبيه كدا ليه ماسفرتيش وراه؟



ظلت حياة شاردة في البحر بعد أن ابتعد عنها معاذ للتحدث فى الهاتف على انفراد ، حتى انقطع حبل أفكارها بمجرد أن سمعت صوتًا مليئًا بالتساءل خلفها ، فالتفتت وقالت متفاجئة : ميساء... انتي عرفتي ازاي اننا هنا؟



 
                
نظرت ميساء بحزن إلى ظهر معاذ الذي كان يقف على مسافة جيدة منهم ، لترد بهدوء ، بعد ان استدارت إلى حياة : جيت مع حازم سيبته في العربية وجيت اشوفكو خوفنا عليكي لا المناقشة بينك وبين معاذ تطور



ابتسمت حياة لكلمات أختها ، وخفضت ميساء بصرها في تفكير ، بينما تمحو ابتسامتها تدريجياً وهي تسمعها تقول بصوت منخفض : شوفي يا حياة انا اسفة والله اسفة .. انا بحبك انتي اختي و بنتي ماكنش قصدي اخليكي مضايقة مني لدرجة دي الفترة اللي فاتت .. بس لما عرفت انك هتسافري واحتمال تقابلي بدر خوفت تتعلقي بيه و تتوجعي بعدها زي ما انا اتوجعت .. بس من بعد ما شوفت حبك له في عينك كبير قد ايه حب حقيقي مش حب مراهقة زي حالاتي .. كانت عينيك بتلمع وانتي بتدافعي عنه ماشوفتش دا في عينيك ولا في تصرفاتك ناحية معاذ يمكن انا فهمت متأخر بس انا من حقك تكوني جنبه لو دا هيريحك



تنهدت ميساء حزينًا على حالة معاذ ، لكنها واصلت الكلام بحكمة ، في النهاية ، سعادة أختها أهم بالنسبة لها من أي شخص آخر : معاذ ممكن يكون بيحبك بس المهم انتي عايزة ايه .. ايه هيخليكي مبسوطة !!؟



أنهت حديثها بسؤال ، فإنفرجت شفتا حياة لتسحب المزيد من الهواء ، لعلمها أن ما يجعلها سعيدة بعيد جدا عنها. 



كورت قبضة يدها المرتجفة بقوة ، واغرورقت عينيها بالدموع ، ثم قالت بحزن ، وهى تسبل جفنيها إلى الأرض : متأخر الكلام دا يا ميساء مابقاش ينفع مهما قولتلك مش هتفهمي اللي انا فيه



نظرت إليها ميساء مستفسرة ، لتستأنف حديثها بإصرار : لا مش متأخر سافري انتي بتحبيه و للي بيحب بيدافع عن حبه لاخر نفس فيه و بيحاول مرة واتنين وتلاته ماتتخليش عنه



زفرت حياة أنفاسها الحارة ، لتكفكف ميساء دموعها من وجهها بأصابعها بحنان ، وتهمس بالقرب من أذنها : و لا عايزة مراته اللي شبه الكيكة دي تلهفو منك



ضحكت على كلماتها المازحة ، وبدأ الأمل يسطع في سماء قلبها المشتاق من جديد ، رغم شعورها بالتوتر الذي بدأ يسيطر عليها من فكرة المحاولة مرة أخرى لكنها تمتمت بعفوية : كانت مراته 



ابتسمت ميساء بخفة ، سعيدة برؤية ابتسامة أختها الوحيدة المشاكسة تعود مشرقة مجدداً ، لتقول مازحة : ماشي يعني فعل ماضي مضروب بالجزمة القديمة..



عاد إليهم معاذ ، ليقول بضيق مختبئ وراء ابتسامة ساخرة بعد أن لمح سيارة شقيقه تركن على بعد بسيط منهم : لدرجادي مابقاش في ثقة .. كنتو فاكرني هاكلها انتي و جوزك يا ميساء؟



رفعت حياة يدها ومسحت دموعها بأصابعها ، لتقول بعد ذلك بهدوء مازحة : معلش حقهم يفكروا في كدا دي اول مرة نتناقش من غير زعيق




        
          
                
نظر إليها معاذ بابتسامة صادقة لم يخفيها عندما سمع كلماتها ، بينما اتسعت مقل عيون ميساء بصدمة وصاحت بسرعة : انت ايه اللي عمل فيك كدا يا معاذ!! واقع في برطمان دقيق ولا ايه؟



امتعض وجهه فورًا و قال بابتسامة مزيفة خرجت على شكل وجه متهكم ، فابتسامته لا تتناسب مع الوضع الحالى ، فى حين وضعت حياة يدها علي فمها تخفى ضحكتها الخافتة : و انتي الصادقة البرطمان هو اللي وقع فوق راسي



وأضاف معاذ بجدية وهو ينقل بصره بينهما : عارفين المكالمة دي من مين؟



استغربت حياة من كلامه ، لكنها لم تعلق على ذلك غير مهتمة كثيرا ، لتسأل ميساء بفضول : مين يا معاذ؟



تنهد مكملاً حديثه ، وهو ينظر إلى وجهها القلق : الظابط اللي مسك التحقيق في حادثة بدر .. بيقول انهم عرفو من شركة الاتصالات بدر كلم رقم اخوه جاسر و بعديها كلم مراته قبل الحادثة اللي عملها بكام ساعة



أومأت حياة برأسها له ، وقالت مؤيدة : انا كنت عارفة انه كلمها و فالمكالمة دي اكيد طلقها عشان كدا جاسر مايعرفش حاجة عن الموضوع



قطبت ميساء حاجبيها في حيرة قبل أن تقول بإحباط : بس محدش يقدر يثبت الكلام دا غير بدر و هو في غيبوبة



زفرت حياة وهي تهتف بغيظ وحنق : ماهو دا اللي مطمن اميرة عشان محدش لحق يعرف بالطلاق دا اصلا



: هي قالت في التحقيق الرسمي انه كلمها يطمن عليها و كلامها معايا في المستشفي بصفة ودية كان مختلف ماقالتش انه كلمها خالص



جاءها صوته الجاد لينهي جملته ، ويمرر لسانه على خده من الداخل.



اهتزت دواخلها من الصدمة ، وهي تمنع بأعجوبة ارتجفت جسدها بعد أن تمكنت من تحليل سبب إبعاد بدر لها ، وتذكرت ما فعلته ، هي التي كشفت سر طلاقه من أميرة ، فقط الآن فهمت الأمر بدر أراد حمايتها منهم ، لم يتخل عنها. 



هتفت بحسم وهي تنقل نظرها نحو أختها : انا عايزة انزل القاهرة يا ميساء ماكنش ينفع اسيبه من الاول



تنهدت ميساء بقلة حيلة ، هي تعلم جيداً عناد أختها ، لتقول في استسلام : ماشي بس خلينا نروح البيت و الصبح سافري يا حياة



فرك معاذ جانب صدغه قائلًا بهدوء : انا هجاي معاكي



رفعت حاجبيها معًا ، وتغضنت ملامحها الرقيقة في عدم الرضا ، لتغمغم في شك : معاذ!!



حدق فيها وهو يطحن أسنانه معًا ليومئ برأسه ببطء ، وقال ببرود لتؤمئ إليه بالموافقة : عندي شغل لازم اكون هناك الصبح .. خلينا ننسي اي حاجة دلوقتي و لما الحكاية دي تنتهي و نوصل للحقيقة هنتكلم و نحل كل حاجة




        
          
                
لا تبحث عن سر شوق نبضات قلبك ، بل أطلقها لتطير خارج قفص صدرك وتصل إلى من تحب.



★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••



في مستشفي بالقاهرة



يجلس جاسر في كافيتريا المستشفى ، وأمامه شذى يحتسون الشاي. 



سألها بهدوء بعد أن ترك الكوب الفارغ على الطاولة : امتي هتروحي البيت؟



مطت شذى شفتيها قائلة بحزن مزيف : ايه يا جاسر انت عايز تخلص مني؟ هو انا قعدتي مضايقاك في حاجة!!



ضيق جاسر عينيه عليها ، و زم شفتيه ليضرب جبهتها برفق بإصبعه السبابة : بطلي سوء الظن دا يا ام لسان طويل



أومأت شذى برأسها بسرعة قائلة بنبرة ناعمة : الله بهزر عشان اخرجك من مودك الغامق دا



فرك جاسر جبينه بخفة ، وأغمض عينيه قائلاً بتعب : دماغي هتتفرتك من الصداع والله يا شذي



أخذت شذى نفسا عميقا وقالت بصوت هادئ ونبرة حزينة : حبيبي سيبها علي ربنا و ان شاء الله كل حاجة هتكون احسن



حرك جاسر جسده للأمام قليلاً ، وربت على يدها بحنان ليقول بابتسامة مليئة بالحب : امين يارب .. صحة ابوكي عاملة ايه؟



بادلته الابتسامة و أجابت برقة : الحمدلله بقي احسن شوية



انقطع حديثهم بسبب رنين هاتف جاسر ، ونظرت إليه شذى بسؤال تحول إلى فضول عندما سمعته يجيب : ازيك يا حياة!!



كان يصغى إلى ما تقوله على الطرف الآخر ، ثم أجاب : انا موجود في المستشفي عند جاسر



تفاجأ تمامًا بما سمعه ، وتساءل بدهشة : يعني انتو قربتو توصلو؟



رفع يده إلى شعره ، مُخللاً أصابعه من بين خصلاته الفحمية ، ليقول بهدوء : طيب توصلو بالسلامة



ختم الحديث بإبتسامة : باي



أدار جاسر رأسه ليلتقي بعيون شذى المتسائلة ، ليتنهد بصوت عالٍ ، ثم تحدث بصوت أجش ، مستندا جسده على الكرسي : حياة جاية ومعاها الرائد معاذ من اسكندرية هتجيلنا علي المستشفي



رفعت شذى حاجبها في دهشة وأمالت رأسها إلى اليمين قليلاً ، تهمس باستفسار : صحيح هي ليه مارجعتش معاكو من هناك؟



أغمض عينيه متعبًا لبضع ثوان ، وأخذ نفسًا عميقًا ليعاود فتحهما ثم أجاب بصوت هادئ : قالتلي ان في شوية مشاكل مع اهلها و هتضطر تفضل في اسكندرية .. بس غريبة مافتش يومين و جاية!!




        
          
                
أنهى كلماته بتعجب ، فى حين ظهرت ابتسامة على وجه شذى لتقول بغمزة من عينها : اكيد بدر وحشها و عايزة تشوفه



قطب حاجبيه بتوجس ، ثم قال مستفسرًا بإرتياب : بس انا مستغرب عشان سمعت وانا في المستشفي من الدكتور مازن انها ومعاذ دا كانو مخطوبين وحاليا هو معاها وجايين علي هنا!!



ضمت شذى شفتيها ، لتتحدث فى تفكير ، وهي تميل عبر الطاولة قليلا : مش قولتلي انه كان بيحقق في قضية بدر يمكن جاي معها عشان كدا



همهم لها ، متمعنًا فى ملامحها الجذابة عن كثب : جايز



★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••



بعد مرور عدة ساعات



وصلت سيارة معاذ أمام بوابة المستشفي ليترجل منها ، وخلفه نزلت حياة ، ليسبقها في مشيته إلى الداخل ، لكنه توقف فجأة مفكرا لتصل هى عنده ، استدار بوجهه نحوها ، لتشير إليه بالتحرك فى تعجب من أمره ، ليكرر نفس الحركة لها حتي تتقدمه. 



قطبت حاجبيها مرتابة من فعلته ، لكنها لم تفكر كثيرا بل سارت برشاقة و ثقة أمامه.



ابتسم معاذ بخفة لرد فعلها ، ربما كان من حقها أن تغضب منه ، حتى انه عذرها لشعورها بالحب تجاه شخص آخر ، منذ متى جعلها تشعر أنها من أولوياته ، ولكن هناك دائمًا فرصة أخرى وسيحاول تصحيح اخطاءه بها.



ذهبت معه حتى يلتقون بجاسر وشذى الذين رحبوا بهما كثيرًا ، وتوجهوا جميعًا إلى مكتب الطبيب المعالج لحالة بدر.



★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••



بعد فترة وجيزة



دخلت حياة غرفة بدر وقلبها يدق مثل الطبول بين ضلوعها ، كأن هناك عاصفة تزلزل جدرانه الرقيقة ، لكنها تتوق شوقًا لرؤيته والإطمئنان عليه ، وأيضًا متوترة من رد فعله.



هناك مشاعر كثيرة مختلطة بقلبها فى تلك اللحظة بين الخجل و السعادة ، معتقدة أنه بمجرد رؤيته لها سيدرك مدى عشقها من عينيها ، لكنها في نفس الوقت تشفق على نفسها ، فهي لا تعرف ما إذا كان يبادلها مشاعرها أم لا؟



في تلك الأثناء



كان بدر جالسًا بصمت على أحد الكراسي ، وجسده مستلقى على السرير أمامه ، بينما هو غارق في أفكاره بحزن منذ أن أبعدها عنه بهذه الطريقة القاسية عليه ، قبل أن تكون قاسية عليها وهو لم يعد يشعر بالرغبة في العودة إلى الحياة ، ولا مهتمًا بما يحدث من حوله.




        
          
                
لقد أدرك مؤخرًا أنه لا يحتاج إليها للتواصل عبرها بالحياة ، بل هى الحياة التى يحتاج لها ، وتنتمى روحه إليها ولا يريد سواها ، لكنه لن يسمح لنفسه أن يكون سببًا في إلحاق الضرر بها ، لن يغفر لنفسه حينها ، انه غير قادر على مساعدة نفسه ، إذن كيف سيستطيع أن يساعدها؟



لماذا لم يقابلها قبل أن يحدث كل هذا ، لكان عالمه بالتأكيد مختلفًا تمامًا عن العالم الذي يعيش فيه الآن.



تقدمت حياة إلى الداخل ، تبحث بعينيها عنه في كل زاوية بلهفة ، حتى وجدته أخيرًا جالسًا أمام سريره في هدوء يليق بكاريزمته ، فهو يمتلك هالة مميزة لم تجدها أبدًا فى أحد ، بل لا ترى الروح أحداً غيره ، لتجد لسانها يناديه بشوق : بدر



حدق في الفراغ أمامه بعيون واسعة مندهشة.



هل تخيل صوتها ، هل وصل إلى هذه المرحلة في حبها ، وأصبح يوهمه عقله أنه يستمع نبرة صوتها الرقيقة والعذبة تنادي اسمه.



رددت مرة أخرى ، ولكن بصوت خافت حينما ظل ثابتًا بلا رد فعل ، لا ترى التعبير المرسوم على ملامحه ، ليطغى الحزن على قلبها ووجهها الشاحب بقلق : بدر .. انت مش عايز ترد عليا؟



أدار بدر رأسه نحو باب الغرفة وضيق عينيه ، محدقا بها ، ثم غمغم بعدم تصديق : حياة!!



اهتزت عيناها ، وهي تبتسم بتردد عندما وجدته ينهض من الكرسي مستديرًا إليها بكل جسده ، لتقول بعفوية : شبيك لبيك



تكلم بدر بذهول ، وهو يقترب منها دون أن يحيد نظره عنها ، بينما تقف بمكانها تفرك يديها ببعضها البعض بخجل : انتي رجعتي بحقيقي؟



أومأت حياة إليه دون أن تتكلم من ارتباكها ، وشعرت أن قلبها سيغادر من قفصه ويطير إليه من شدة شوقه.



الآن فقط شعر بمدى افتقاده لتلك العيون الواسعة التي تشبه نهرًا من عسل الجنة ، وبدأت ابتسامة خفيفة تظهر ببطء على وجهه ، كما لو كان لا يزال يعتقد أن وجودها مجرد خدعة من عقله المجنون بها. 



مرت الثواني التالية دون كلام ، لكنها تنطق بإيضاح في العيون ، فكسر بدر ذلك الصمت قائلاً بصوت هامس : و ليه رجعتي!!



ابتلعت حياة لعابها بخفة ، ثم أجابت بتلعثم واضح ، وغلبت دقات قلبها المدوية من وقوفه أمامها على نبرة صوتها المنخفضة : يمكن .. ماقدرتش اسيبك .. زي ما انت عملت معايا



قد لا يكون قادرًا على احتضانها إلى صدره تعبيراً عن مدى شوقه لها ، لكن العناق لا يحتاج إلى ذراعين ، بل أيضًا تتمكن العيون من ذلك ، وعيناه العاشقتان عنوان لما يخفيه بين ثنايا قلبه المعذب ، ليهمس بصوت حزين : انا ماسبتكيش يا حياة .. خليني اشرحلك عملت كدا ليه..




        
          
                
مسحت دمعة هربت من عينها ، وبدأت تجمع شتات نفسها ، ثم قالت بتنهيدة عميقة : مش محتاج تقول .. انا فهمت السبب ولو كنت مكانك كنت هخاف اعرضك لأي خطر بسببي .. مش دا اللي عايز تشرحه؟



ارتفعت حواجبه بمفاجأة من كلماتها ، ثم قال مستفسراً : وعرفتي ازاي اني عملت كدا خوف عليكي؟



عضت حياة باطن شفتيها ، قائلة في استياء مزيف ، بدت مثل الطفلة متذمرة بينما ذراعيها متشابكتان إلى صدرها : عشان انت مش ندل تستخدمني و ترميني بعديها .. بس كان لازم تحترم عقلي و تخليني احدد قراري بنفسي



أخذ بدر نفسا عميقا وواصل كلماته بهدوء رزين : عارف بس ماقدرتش اخاطر .. انتي ماشوفتيش نظرات كريم ليكي واللي ممكن جدا كان يأذيكي .. خصوصا لما قولتي اني مطلق اميرة ماستبعدتش يعمل فيكي حاجة



خدشت أنفها بطرف إصبعها في نوع من الإحراج ، حيث سبق لها أن استنتجت ذلك ، ولن تنكر أنها أخطأت في ذلك الفعل ، لتبتسم بخفة وتحدثت بصدق : وانا مش جاية اعاتبك ولا الومك .. بس انا خلاص قررت اني هفضل معاك و قولي امشي زي ما انت عايز .. وانا هعمل اني مش سمعاك وهفضل قاعدة هنا غصب عنك



أنهت جملتها وتحركت نحو السرير لتنظر إلى ملامحه الوسيمة ، ثم مررت يدها بلمسة رقيقة إلى ظهر كفه.



ارتجفت روحه تحت تأثير لمساتها قبل أن تغلق أصابعها النحيلة على أصابعه الطويلة ، وتجلس على نفس الكرسي المقابل للسرير



ارتفع جانب فمه بابتسامة ، لا يستطع حقًا وصف شعوره إلا أنها المطر الذي شفى روحه المحترقة.



جلس بدر بإستقامة على حافة السرير أمامها ، يشعر أن قلبه غارق في السعادة بسبب إحساسه بلمستها قائلا بنبرة أجش عميقة : اوعي تسيبي ايدي يا حياة .. حتي لو اتجننت تاني في عقلي وقولتلك سبيني .. اياكي تسمعي كلامي



أردف بحنان متناغم مع صوته الهامس ، و نظراته العميقة فى عينيها : انا كنت تايه و خايف من الخطر اللي حاسس انه بيزيد .. خوفت عليكي اكتر من نفسي .. كل ما اتخيل ان ممكن زي ما حاولو يخلصو مني يعملو كدا معاكي .. كنت ببقي عامل زي المجنون 



ضمت حياة شفتيها في محاولة للتغلب على ارتجافهما و تمتمت بتأثير : عشان كدا قولتلي ماتيجش معانا و خليكي في اسكندرية



هز بدر رأسه بالإيجاب ، وظل الصمت سيد الموقف حتى تحدث بدر بصوت غامر بالمشاعر ، بينما كانت حياة تلعب دون وعي بأصابعه : مابحسش اني موجود غير لما بتلمسيني



جعدت حاجبيها بدهشة ، وسألته في حيرة : ازاي يعني؟



صمت بدر قليلاً قبل أن يستأنف حديثه ، ووضع كلتا يديه على رأسه ، وغمر أصابعه في شعره : انتي فاكرة لما اميرة دخلت علينا في مستشفي اسكندرية ومسكت ايدي



رفعت حياة حاجبها في امتعاض ، وهي تتذكر تلك اللحظة السوداء ، لتغمغم على مضض : ايوه فاكرة .. هي فين صحيح ماشوفتهاش لما جيت انا ومعاذ؟



أنهت كلماتها بسؤال عفوي ، لتصبح ملامحه مستاءة على الفور ، متناسيا ما كان على وشك قوله ، وهتف بصوت عالٍ نسبيًا : ايه اللي جاب السخيف دا هنا تاني!! مش في ظابط تاني حل محله؟



نظرت حياة إليه بذهول وعدم فهم لثوانٍ قليلة ، قبل أن تتلألأ عيناها بسعادة وهي تسأله برقة بالغة : ليه الانفعال دا كله يا بوده!! انت بتغير ولا ايه؟



أشاح بدر بنظراته عنها بحرج ، ليصر علي اسنانه مُغتاظًا من ردها اللئيم ، ليقُول بعدهَا بأخف نبرة هادئة يمتلكها : ايه بغير دي؟ انا مابغيرش .. ايه اللي جابه؟!!



أنهى جملته بتكرار سؤاله السابق ، بينما كانت حياة تفكر في إخباره بما قالته لمعاذ ، لكنها تذكرت الجملة الأخيرة التي قالها بدر "عليها أن تعود إلى حياتها السابقة مع معاذ" قبل أن يغادر ويتركها خلفه.



ارتسمت ابتسامة عريضة بمكر أنثى في ذهنها ، وإجابته بنبرة ناعمة : هو انا ماقولتلكش انه صالحني و اعتذرلي و اتغيرت معاملته معايا 180 درجة .. ومارضيش يخليني اجي لوحدي



توقف عقله عن العمل بصدمة ، واندلع حريق في أعماقه لا يمكن إخماده ، هذا بالضبط هو شعور بدر الذي كانت روحه تغلي من شدة السخط والغضب ، لتغمره الغيرة مخاطبًا نفسه : لسه مخلصتش من المسبلاتي مازن لبست في اللي اسمه معاذ دا كمان



نظرت حياة بتمعن إلى ملامحه التي تغضنت من تأثير كلماتها على أذنيه بل الأسوأ على قلبه ، لتزيد من ابتسامتها الماكرة وتردف ببراءة زائفة : وانا طالعة قابلت دكتور مازن في الاسانسير .. هو انت ماتعرفش انه بيشتغل هنا؟



هتف بدر بصرامة ، وثني كلتا يديه على صدره ، مطبطبًا على الأرض تحته : كمان!! هعرف منين وانا مابطلعش برا الاوضة دي.. 



صمتا كلاهما عندما سمعا صوت باب الغرفة يفتح ، ليدخل معاذ مباشرة دون أن يطرق الباب.



بدأت الشياطين تحوم فوق رأسه ، بمجرد أن رأى حياة تسحب يدها التي كانت تمسك بها كف بدر إلى جانبها بسرعة ، ليشعر بأوصاله تحترق من الغضب تزامنا مع دخول جاسر ، تلاه شذى ، لذلك سرعان ما تدارك نفسه ، محاولًا كبح جماح كل إنفعالاته ، ولف شفتيه متهكمًا ممَ ستؤول إليه الأيام المقبلة معها. 



صمتت حياة عن الحديث مع بدر الذي كان سعيد لأنها عادت لأجله وإليه ، مطمئنًا أن الحياة ستكون بجانبه مرة أخرى رغم غيرته الشديدة ، لكن عودتها إليه تعني الكثير بالنسبة له.



الطمأنينة التي تُداهم المرء لحظة النظر لوجه من يُحب نعمة.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
  
google-playkhamsatmostaqltradent