رواية حصونه المهلكة الفصل الثالث و العشرون 23 - بقلم شيماء الجندي
” مداواه ! “
تهدل كتفيها و وقفت تنكس رأسها بصمت تنتظر أن يبدأ أحدهم بالحديث عن ذاك الموقف المخجل ، تنتظر أن تستمع إلي سيل جارف من التأنيب سواء من أخيها أو من خطيبها لكنها استمعت إلي صوت ذاك الفهد الذى اتخذ ركن بعيد تماماً عنها و هو يقول بصوته الرجولى الأجش :
– هتتكلم ولا اتكلم أنا يا دكتور ، مش هنفضل نلعب باعصابها كده !!!
عقدت حاجبيها و رفعت أنظارها بصدمه من تلك الكلمات المبهمه الغريبه ليتجه أخيها إليها يحيط كتفيها بحنو و يقول “يزيد” بالوقت ذاته زافراً أنفاسه بارهاق :
– أسيف بعد موقف النهارده و موقف المرسم اللى شوفته من فتره أحب اقولك إنك خلاص اتعافيتي تماماً …
لم تعِ ما يقول حدقت به بصدمه واضحه ثم اتجهت أنظارها إلى ذاك الفهد الذى وقف هادئاً تماماً يراقبها بصمت أنهى “يزيد” تلك الحيره و هو يقول بصوت رزين :
– شوفي يأسيف .. الفوبيا مش شرط تكون من أماكن بس ممكن تكون من حيوانات من أشخاص … و هكذا .. و أنتِ كان عندك فوبيا من فهد و ده طبعاً زاد بسبب الأذى اللي حصل ففتره بدايه جوازكم …
خرج أخيراً عن صمته و أردف بنره جامده صارمه :
– أدخل فى الموضوع على طول يا يزيد هي عارفه التفاصيل ..
ألقي “يزيد” عليه نظره هادئه ثم زفر أنفاسه و قد سرق تركيزها الكلى له علها تفهم ما يدور حولها بتلك الغرفه ! ليؤيده “تيم” خشيه أن تسوء حاله شقيقته :
– فعلا يا يزيد …
هز الأخير رأسه بالإيجاب مذعناً لأمرهم و قال بلطف بالغ :
– و طبعا أنتِ اتعالجتى من الاكتئاب اللى حصلك و رجعتى تمارسى حياتك بس فى نقطه كانت باقيه في العلاج و مكنش ينفع اقولك على طول أنتِ لازم تتواجهى مع فهد أنا في حالتك بلجأ لطريقتين الأولي :
علاج سلوكي معرفي و ده كان فردي بينا و حضرتي كام واحده جماعي معايا .. بس للأسف الأسلوب ده منجحش معاكِ في علاجك ككل و فضلت الفوبيا من فهد موجوده و ده طبعا كان واضح فى موقف مقابلتك معاه هنا و تجنبك ليه دايما و التزامك بالقعدات العائليه في وجود تيم …
فاضطريت ألجأ للطريق التاني … و هو :
علاجك بالتصادم مع مسبب الفوبيا بس علي مراحل بشكل تدريجى .. و ده طبعا كان مستحيل يتم بصدف .. أنا كنت ناوى أكمل في علاجك بهدوء لكن بصراحه فهد كان مكلمنى قبل حتى مااقابل نائل و هو اللى نزلنى مصر عشانك …
شهقت بصدمه و اتسعت عينيها تلتفت لأخيها الصامت الجامد يراقب ما يحدث بهدوء يماثل هدوء ذاك الفهد الذى يراقبها بلطف و نظرات ناعمه دبت تلك القشعريرة اللعينه بأوصالها و كادت تلهيها عن استرسال يزيد بالحديث و هو يعود بالأحداث إلى ما قبل أشهر ماضيه حيث اصطحاب شقيقها لها إلى تلك الشقه المنعزله عن ذاك القصر
Flash Back
أغمض فهد عينيه بقوة و غضب و هو يتابع بعينيه ابن عمه الأصغر “نائل” أثناء هبوطه من شقه والديه ليبتسم بهدوء و يردف :
– آخر مكان ممكن يجي في بالى مش كده !
زفر أنفاسه بإرهاق ثم هاتف ذاك الرجل الملقب باليزيد و هو يزفر بغضب منتظراً اجابه ، ليأتيه الرد من ذاك الطبيب المتعجرف قائلاً بهدوء مبالغ به يستفزه لو لم يكن مرشح له من كبار الأطباء لكان أنهى جرعه غضبه به الآن … لكنه منذ أكثر من شهر و هو يحادثه هكذا بلا مبرر .. :
-الو
زفر فهد بغضب و صاح به :
-أنا مش فاهم أنت دكتور نفسي و لا دكتور حمير !! ازاى بتكلمني بالاسلوب ده و أنا طالب منك مساعده فى علاج واحده ؟!! و بقالك اكتر من أسبوع مأجلنى …
أتاه صوت “يزيد” الهادئ يقول بسخريه :
-أنت مش عاملى فيها بلطجي و منزلنى مصر بالعافيه ؟! و بعدين مساعده ايه اذا كنت أنت نفسك محتاج مساعده محدش يعمل فى مراته اللى أنت عملته ده أبدا و تقولي أساعدك ؟!! و بعدين أنت ناسى إن أسيف دى طلعت أصلا متربيه معايا ده أنا المفروض اقتلك على اللى عملته فيها و بعدين آخر مره قولتلي إنك مش راجع القصر و مش عاوز من وشي حاجه ايه اللي حصل بقا ؟!!!
أغمض “فهد” عينيه بقوه و هو يقبض على المقوده متحركاً بالسياره يقول بنبره جافه :
– على العموم أنا فعلا خضعت للعلاج من امبارح بس ده مش عشان خاطر كلامك ده لأن جد أمور جديده و اكتشفت أن كل حاجه كانت خدعه ، و للأسف أنا كنت الأول عاوزك عشان تعالجها من خوفها منى لكن دلوقت حالتها ساءت و فقدت النطق …..
استمع إلي صوته القلق و قد اتزنت نبرته متنازلاً عن السخريه و هو يقول باهتمام واضح :
– لا فهمني ايه اللي حصل بالظبط …
أتاه الرد الجاف من ذاك المتمرد و هو يقول بنبره غاضبه :
– انا مش مريض عندك و جاي تعالجني أنا مش هحكى حرف غير لما أضمن إنك هتعالجها لأن للأسف أنت متمكن في مجالك …
لحظات صامته من الطرفين ليستمع إلي رده الهادئ بعدها :
-معنديش مانع اعالجها طبعا قولتلك أسيف تهمنى و طالما أنت بدأت علاج يبقى دى حاجه تطمنى …
صاح غاضباً :
– إيه تهمك دى ما تحترم نفسك يااابني ادم ، أنت ناسى انها مراااتي ؟!!
أتاه الصوت الاستفزازي البارد يقول :
– طليقتك !!! أسيف طليقتك نائل لسه قايل لمروان صاحبنا امبارح ..
جز علي أسنانه بقوه و هو يسب ابن عمه المتسرع بسره ليزفر غاضباً مغلقاً الهاتف بوجهه قبل أن يتهور كعادته …
Back
أنهى “يزيد” سرد موقفه و هو يقول موضحاً :
-فهد مكنش عارف إنى صديق للعيله طلبني كدكتور و أنا رفضت وقتها و هو لما عرف اتواصل معايا تانى و كان جمع عنى معلومات و عرف إنى صديق للعيله و قالي عن حاله أسيف فى الأول أنا قلقت و رفضت و هو بوظ شغلى هناك و نزلنى مصر بالعافيه عن طريق دكتور صاحب بابا طلب مني اساعده في حالات و بعدها كانت الأمور اتدهورت تماماً و فهد طلق أسيف و أنا قابلت نائل و كلمني فعلا زي ما فهد قالى إن تفكير نائل هيروح ليا .. طبعا مكنش ينفع اخدع تيم و حكيت ليه كل ده و هو وافق عشان علاجك و أنتِ اظهرتي تجاوب رائع معايا و خرجتي من حاله الاكتئاب لكن للأسف طريقه العلاج السلوكي المعرفي (CBT) مانجحتش ف وقف فوبيا خوفك من فهد و ده خلاني استعين بفهد نفسه لأنه مصدر خوفك و تصادمك معاه مش هيبقي صدف منكم أكيد و هو بنفسه اللي بدأ ده بعد ما اتواصل مع الدكتور بتاعه … يوم ما كنت هنا عندكم و طلبتك من تيم عشان استفزه و ده برضه كان باتفاق بيني و بين تيم لأن تيم رفض يطلب مساعده فهد و فى نفس الوقت كان عاوزك تتعالجي ….
Flashback
خرج “فهد” من غرفه المكتب و هو بحاله يرثي لها حيث تلك المحادثه القصيره مع فاتنته التي انهكته كاد أن يصعد الدرج إلي غرفته لكن تلك النيران التى تعبث بفؤاده لم ترحمه اندفع إلي الخارج فور أن سمع صوت سياره ذاك الطبيب المستغل …
وقف أمام السياره ليترجل “يزيد” مندهشا و هو يقول بصدمه :
– و بعدين في شغل البلطجه داا آآآه …
اندفعت لكمته الأولى بباطنه بغضب ثم كمم فاهه حتى لا يتسلل إلى الداخل و دفع جسده بقوه إلى السياره يردف بغضب و هو يسحق أسنانه بعنف :
– بقا أجيبك تعالج مراتى تقوم تطمع فيهاا يااا ×××× أنت متخيل إني هسيبها ليك ده اللى لازم ابعد عنها عشان تقدر تتعالج و أنا أكون اتعالجت أنا من الأول مكنتش مرتاح لقذارتك ….
أزاح “يزيد” يده بغضب و كشر عن أنيابه يحاول دفع ثقله عنه قائلاً بسخرية لاذعه:
-مرااتك ؟!! أولا أسيف طليقتك و مش بس كده ما تمتش بينكم علاقه يعني محتاج موافقتها قبل كل حاجه عشان تقدر ترجع ليك بعقد جديد ثانياً بقا أنت ملكش دعوه باللى بعمله هو حرام احب … امم..
وضع يده حول رقبته بهدف خنقه ليزهق أنفاسه لكن بلحظات أفاق لنفسه مسيطراً على انفعالاته لينفض جسده بعنف و هو يقول غاضباً أثناء انصرافه إلى القصر :
– و أنا مش هسيبها ليك أبدا … و مش هكرر غلطاتي يا.. يا دوك …
لفظ “يزيد” أنفاسه ثم هتف بصوت واضح بعض الشيئ بغضب :
– لعلمك بقا أسيف لسه بتخاف منك .. و محتاجة علاج !
توقف .. بل قد أعطي عقله أمر تلقائي لقدميه بالتوقف عن الحركه هي تخشاه إلى الآن !! إذا كيف تتصرف أنها اتمت علاجها ؟! عاد إلى ذاك الطبيب و هو يأكل الأرض بخطواته بعنف و كاد يمد يده ليلكمه و هو يقول :
– بقا بتغشنااا ، أنت انسان ××× ..
اسرع “يزيد” بامساك قبضته و صاح به بغضب مماثل :
– اغش إيه انتوا زى أهلى أسيف اتعالجت من الاكتئاب فعلا لكن الفوبيا منك لااااء …
اتسعت عينيه و هو يشير لنفسه قائلاً بدهشة :
– فوبيا مني أنا ؟!!
هتف الآخر بغضب و هو يحاول التحكم بنظراته :
– أيوه طبعا أسيف بتخاف منك و لولا إني شايف اهتمامك بعلاجها مكنتش قولتلك كده أنت متستاهلهاش و أنا مش ه….
قاطعه “فهد” و هو يمسك بتلابيبه بعنف هادراً يجز علي أسنانه :
– ولا نفس مش من مصلحتك إنك تتكلم عنها كده أنا اللى غلطت لما نزلتك و أنا اللي هتصرف واعالجهاا ..
دفعه بعيداً بغضب ثم ولى عنه عائداً إلى قصره و هو لا ينفك عن التفكير بما قاله ذاك الطبيب المخادع قضي لياليه في إتصال متواصل مع طبيبه السابق رافضاً رفض تام معاونه ذلك الدخيل لهم ……
Back
حدقت به بهدوء و ملامحها لا تعكس أى شيئ تراقب أوجه الجميع بصدمه لتهتف فجأه لابن عمها :
– و أنت طبعاً ساعدته ياخد الچيم اللى قصادي …
ابتلع “نائل” رمقه و هتف بتوتر :
– طبعا أنا لو حلفتلك أنه بلطج عليا و هددني مش هتصدقي صح ؟!!
أغمضت عينيها و زفرت بارهاق تقول بحزن :
-طيب و نفذتوا خطتكم و عالجتونى خلاص ؟!
اقترب منها “فهد” مسرعاً و هو يهز رأسه بالسلب هاتفاً بحزن يماثلها هو يعلم ذاك الشعور .. دُميه يحركها الآخرون !! ليهتف بصوت مبحوح نافياً أفكارها :
– أنا مخططتش لحاجه ياأسيف كل الحكايه إنى كنت بخلق مواقف بينا صدقيني مفيش كلمه واحده خدعتك بيها أنا كنت عاوز أعالجك …
حدقت به بهدوء ثم ابتسمت و هى تهز رأسها عده مرات بالإيجاب و اردفت بغضب :
– اااه طبعاا أنت كل أهدافك نبيله مقدرش أقولك أهدافك ناحيتي علمت فياااا قد ايييه ؟!!! أنا المفروض دلوقت أقول ده ضحي عشان يعالجني صح ؟!!!! مش كدااااا ؟!!!!
أردف بغضب و هو يشعر بتلك الغصه تكاد تحرق أحشائه حيث بدا كطفل أمام الجميع تعنفه أمه :
– لاااا مش كداااا أنتِ أى فعل بعمله معاكِ بتشوفيه كدااا لكن أنا مش عاوز غير تسامحينى ….
تلاقت أعينهم المتألمه للحظات بحديث صامت متألم لتردف بحزن و هى تتركه نازعه ذلك الخاتم من يدها تتقدم إلي “يزيد” قائله بحزن :
– مكنش لازم ترتبط بمريضه عندك يا دكتور …
كاد أن يتحدث لتقاطعه رافعه يدها بوجهه قائله بنبره هادئه يتخللها الحزن :
متقولش حاجه يا يزيد أنا بحترمك و بقدرك بس أنت حتى مهتمتش بوجودي فى حياتك الفتره اللي فاتت و لا حتى بمكالمه واحده عملت خطه عظيمه مع تيم لعلاجي و ده طبعا لأن العلاج بالصدمة و لازم اتصدم بس أحب اقولك إني اتصدمت في تفكيرك ، ازاي تطلب أيدي عشان تعالجني مفكرتش فيااا ؟!! في مشاعري ناحيتك ؟!! احساسي ايه ؟!! كااان فيه مليون طريقه تستفزه بيها زى ما بتقول لكن أنت لجأت لأسوأ طريقه مش بس كده و كملت فيهااا و أنت ياتيم …
حدقت بأخيها بأعين دامعه وهي تقول :
– إزاى توافق إنه يخدعنى كده ؟!!! ليه اصلااا توافق على ده و أنت عاارف أن فهد بيحاول ..
اتسعت أعين شقيقها و اقترب منها يقول بصدمه مقاطعا استرسالها بالحديث :
– لا لااا ياأسيف أنتِ فهمتي غلط أنا لما عرفت اللى حصل بينهم رفضت أنه يكمل و يزيد ساعتها أصر إنه بيحبك و أنه فعلا هيكمل معاكِ فى كل الأحوال و معرفتش ابدا باللى فهد عمله أنا لسه عارف زيي زيك والله …
لفظت أنفاسها بمقت ثم أمسكت الخاتم و وضعته بيد “يزيد” و هى تقول :
– و أنا ولا عاوزه فهد ولا يزيد ولا هتجوز اصلااا اتفضلوا كلكم برااا …
هتف “نائل” مبتسماً بلطف :
-طيب أنا ولا ده ولا ده ممكن اقعد عادى ؟!!
نظرت إليه بغضب واضح ليتجه إلي ابن عمه الصامت منذ مده يتابع المشهد بصمت و هتف بأذنه :
– أنت مسمعتش طردها ولا إيه ، منكم لله بوظتوا أخلاق النسمه بتاعتنا …
ثم دفع جسده للخارج و تحرك الأخير معه بطواعيه تامه و ملامح جامده ادهشتها هى نفسها تبعه ذاك الطبيب الحزين ليقف “تيم” يتابع انتقالها إلى الفراش بهدوء تجلس فوقه بصمت تحضتن رأسها بكفيها الصغيره تحاول ترتيب تلك الأفكار التى تعبث بعقلها مثيره التساؤلات حول ذاك المشهد الصادم لها ..
جلس أخيها بجانبها يحيط جسدها و هو يربت على جسدها قائلاً بهدوء :
– كده صح ياأسيف أنا مكنتش مقتنع بالارتباط ده ….
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( رواية حصونه المهلكة) اسم الرواية