رواية شبح حياتي الفصل الثاني و الثلاثون 32 - بقلم نورهان محسن
يبدو بأنني لن أتجاوز معك لهفة البدايات ،
يبدو أنني سأحبك بهذا الاندفاع إلى الأبد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تنهدت حياة ، ثم قالت بهدوء دون أن تنظر إليه : كانت بتكلمني علي مازن
ضاقت عيناه فى الانزعاج ، وراح يزمجر محذرًا : حياة!!!
جفلت حياة من صوته العالٍ بجوار أذنها ، فالتفتت ونظرت إليه من فوق كتفها ، وقالت على الفور : والله بجد المرة دي
قطب بدر بين حاجبيه ، حينما أرسلت له نظرة جادة خالية من المزح ، ليرد بجمود : قالت ايه؟
نظرت حياة إلى الامام في ذات الوقت الذي لمعت عيناها ببريق شيطاني ، وقالت كلماتها بتقطع على المهل أثناء تلاعبها بخاتم زواجها : يعني .. كانت بتقول .. انه .. يعني .. عايز..
قلب بدر عينيه بعد أن نفذ الصبر منه ، وسألها بغضب : عايز ايه .. انطقي بسرعة قبل ما اتجنن واطلع اشخرملو وشه وافقعلو عينه اللي فرحانلي بيها
أدارت حياة جسدها تجاهه ، محدقة في عينيه المتوهجة بلهب الغيرة ، وقالت بسرعة لتنقذ نفسها قبل أن تحترق بنيرانها المستعرة : لالا اهدا علي نفسك كدا كل الحكاية انه يوم الخميس خطوبته
برزت عيناه بصدمة فور أن نطقت تلك الكلمات التي خمدت نيران غضبه على مازن ، وقال بإرتياب : بتكلمي جد؟
تمتم بدر بصوت يكاد سماع ، وهو يدير رأسه بعيدًا عنها : اخيرا هيريحنا من وش امه
إلتقطت أذناها بعض من أقواله ، رفعت وجهها إليه متسائلة ببراءة ملطخة بالدهاء الخفي : بتقول حاجة يا حبيبي!!
زفر بدر بقوة ، وأجاب على مضض : بقول ربنا يتمم على خير
قالت حياة بابتسامة عريضة : اعمل حسابك بقي اننا معزومين .. يعني فضي نفسك
رفع كتفيه بلا مبالاة ، وقال بفتور وخمول : هحاول
اقتربت حياة منه ، متشبثة به ، حتى لامست أنفاسها جانب رقبته ، ثم وضعت أطراف أصابعها على قميصه بنعومة ، وعبثت بأحد الأزرار ، تفتحه مرة ، وتغلقه تارة أخرى.
شعرت بخفقات قلبه تزداد بسبب تأثره بما تفعله فيه ، لتنبس بإلحاح : بدر
جاء منه تنهيدة قوية مشتعلة ، قائلاً بنبرة متهدجة فى استسلام : حاضر يا زنانة
ضحكت حياة بإنتصار أنثوى ، وهمست بشقاوة : ايوه كدا ناس تخاف ماتختشيش
اغتاظ بدر جدًا منها ، وانحنى بحركة مفاجئة ، ليقضم جلد رقبتها بأسنانه ، وهو يهسهس : واطية هاكلك من رقبتك
عضت حياة شفتيها مرتجفة كل خلية في جسدها من مداعبته التي تبعثرها إلى أشلاء لا يستطيع أحد أن يجمعها سواه ، وتعشق كونها تذوب مثل الشمعة وسط نيرانه المشتعلة.
همست حياة له بصوت يفيض بالعاطفة : شكلك وانت غيران يجنن علي فكرة بموت في عقدة حواجبك لما بتتنرفز
اتسعت ابتسامته مقابل رقبتها ، تلك الجنية الساحرة تفعل الأفاعيل في قلبه ، تجعله يغضب ، يثور ، يبتسم ، يذوب في بحر هواها ، بحركات بسيطة منها.
دافئة جدًا ، تزرع النار في قلبه ، ولديها حنان يجلب الهدوء إلى ذهنه ، ويضيف جنونها دائمًا لونًا إلى أوقاته الباهتة ، ويذهب إلى النعيم حينما يشعر بها بين ذراعيه ، ليخرج صوته هامسًا بنبرة عاشقة : وانا هيجيلي جلطة بسبب عمايلك فيا
انتفضت فجأة ، والتفتت إليه ، ليضرب وجهه شعرها الذي تفوح منه رائحة مغرية لحواسه ، ممَ جعل مشاعره تجاهها أكثر حماسة ، بينما لم تنتبه هى للأمر ، بل لمست وجهه بتأنى و حب ، لتقول بنبرة صادقة مفعمة باللهفة : بعد الشر عليك يا بدر ماتقولش كدا تاني .. خلاص وعد اخر مرة هعمل كدا
دنى بدر عليها أكثر ، مبتسمًا بحب ، ليهمس بصوت رجولي عميق أمام شفتيها : برده مش هسيبك تفلتي من ايدي
لعقت شفتيها بابتسامة خجولة ، وأشاحت وجهها بعيدًا عنه عندما فهمت ما يقصده ، بينما ترفع يدها وتضعها على صدره تدفعه ببطء بعيدًا ، لتهمس بنبرة مغرية : هدي اعصابك يا قلبي الطيب احسن اعملك ليمون
ألقى بدر رأسه إلى الوراء محبطًا بعد أن أدرك معنى كلامها ، وسألها بحسرة : طالما فيها لمون يبقي دا معاد حظر التجول بتاعك مش كدا؟
عضت حياة شفتيها لإخفاء ضحكتها في نوع من الخجل ، ثم تمتمت بخفوت : انت عمرك ماهتنسي ابدا
حدق بدر فيها بابتسامة جانبية ، وقال بنبرة منزعجة : معقولة انسي وانتي كل مرة بتقولي كدا .. مش عارف بتغيظيني ولا ايه حكايتك؟
هزت حياة رأسها نفيًا ، وقالت بضحكة خافتة ممزوجة بالدلال : لا والله يا بدورتي مش قصدي كدا بس انا بأوحرج
غمغم بدر بشكل استفزازي ، وضيق عينيه ببراءة خبيثة : وش احراج اوي يا بت
عبست ملامحها الرقيقة ، وهي تضع يديها على خصرها قائلة بتذمر : نعم يا دلعادي !! قصدك ايه بقي؟
أنهت كلماتها بنظرة عتاب ، لتنهض عن قدميه ، فأسرع بدر يمسك بخصرها وهو يستلقي على الأريكة ، ممَ تسبب في سقوطها على جسده ، ليقول بصوت أجش ، ووجهه مقابل وجهها مباشرة : مقصدش اهدي يا جنيتي المتوحشة ليه اتحولتي كدا؟
وخزته حياة برفق في صدره ، ونبست بتأنيب مشوب بالإرتباك بسبب التصاقهما ببعض : علي فكرة انا كنت بسألك ببراءة مش قصدي اللي في دماغك
اتسعت عيناه بدهشة وهو يمسك بكفها على صدره ، ليقول بلهفة : يعني مافيش حظر انهاردة؟
خبأت حياة وجهها في رقبته في حرج ، وتمتمت : لا فيه
فرك حاجبه في تفكير ، وقال بصوت حائر : غلب حماري ؟
نظرت حياة إليه خلسة ، مشوبة بالكثير من التردد والترقب لرد فعله ، ثم ملأت رئتيها بالهواء ، لتقول بتلعثم بينما تشد قبضتها على قميصه : بصراحة يعني يا بدر .. انا من الصبح بحاول اتوه عشان عندي موضوع عايزة افاتحك فيه ومش لاقيه صيغة مناسبة اقولك بيها
خفق قلب بدر بقوة ، واستقام قليلاً ليجعل جسده يتكئ على ذراع الأريكة وهي لا تزال فوقه ، وسألها بقلق يحثها على الإكمال : موضوع ايه انتي فيكي حاجة؟
قالت حياة بنفى ، وهى ترفع رأسها بسرعة عن صدره ، لتلتقي بوجهه مباشرة : لا حبيبي انا كويسة .. بس هي حاجة كدا خايفة اقولك عليها
تنفس بدر بعمق ، مكوبًا وجهها بين راحتيه ، ويمسح خديها بإبهاميه ، ليطمئنها بلمساته ، وهما يجلسان في مواجهة بعضهما البعض ، ناظرًا إلى عينيها وهو يتحدث بنبرة حنونة : حبيبة قلبي مافيش بينا خوف و العبط دا وممكن تقولي كل اللي جواكي ليا وانا هسمعك
همهمت حياة بإقتناع مزيف ، وواصلت حديثها ببعض الخجل : انا كنت عند الدكتورة الصبح
رفع بدر حاجبه الأيسر بدهشة ، وسألها بغرابة : دكتورة ايه!! و ليه ماقولتليش اجي معاكي؟
تجاوزت نبرة توبيخه لها ، وهزت كتفيها ، ثم أجابت ببساطة : ماحبتش اقلقك كلمت شذي وهي راحت معايا
أومأ بدر إليها بفهم ، واستفسر بلهفة : طيب قالتلك ايه يا حياة اعصابي باظت قولي بقي علي طول
أغمضت حياة عينيها بقوة ، ووضعت يديها على خديها المتوردين بخجل ، وسرعان ما صاحت دفعة واحدة : قالتلي انك مش هينفع تقرب مني قبل تلت شهور من دلوقتي عش...
لم يسمح لها بمواصلة حديثها ، وهو يحدق بها بحاجب مرفوع ، مصيحاً بدهشة : نعم يا روح امك منك ليها .. عنوانها ايه الدكتورة دي عشان هبيتها في الحبس انهاردة
فزعت حياة من انتفاضة جسده المفاجئة ، لتسأله وهي فاغرة فمها : بسم الله الرحمن الرحيم .. اهدا يا بدر انا جيالك في الكلام اهو
زم بدر شفتيه بصمت منتظرا ما تبقى من حديثها حتى استطاعت أن تستجمع شجاعتها ، لتقول بتوضيح : قالتلي يعني انه يستحسن انك ماتقربش مني عشان البيبي مايتأذيش
أنهت جملتها وهي تخفض رأسها ، مخبأة تضرج خديها ، ليجلس في مكانه ، يقلب ما قالته في ذهنه ، مرددًا في دهشة : مش فاهم .. يتأذي .. البيبي ..
لينظر إليها بإستيعاب ، وعيناه تتألقان بفرح حقيقي ، ليسألها بترقب متفائل : انتي حامل!!
اقترب بدر منها ، محاولًا التأكد ممَ فهمه ، لتومئ إليه بالإيجاب بابتسامة واسعة ، وهي تمعن النظر فى رد فعله بسرور ، ثم قالت مازحة : اخيرا فهمت ما دا اللي بحاول اقوله من الصبح
سحبها بدر إليه بخفة ، لترمى جسدها بين ذراعيه في عناق محب ، بينما يهمس لها متنهدًا براحة كبيرة ، وهو يمسح بحنان على طول شعرها : حرام عليكي يا شيخة انا اعصابي سابت مني .. بتنشفي دمي علي ما باخد منك المعلومة
غمرت السعادة قلبها لتضحك ، قائلة بخجل : اصلي بأوحرج يا بوده
شدّ عناقه لها أكثر ، واستنشق عطرها ، ثم رفع رأسها عن رقبته ، لتحدق في عينيه الدامعتين بفرح حيث دنى بدر منها أكثر ، وقبّل عينيها بحب ، ثم تبعها وجنتها المتوردة وطرف شفتيها بخفة ، قائلا بسعادة جارفة : قلب بوده انا هعالجك من الاحراج اللي هيشلني و هينقطني في يوم من الايام دا
أنهى كلماته متزامنًا مع المسافة بين وجوههم محاولاً تقبيل شفتيها ، لكنها وضعت إصبعها على شفتيه ، لتعقب بدلع وهي ترفرف بأهدابها : بدر قولتلك اننا في حظر بلاش قلة ادب بقي
أجابها بدر بلؤم ، وهو يرفع حاجبه الأيسر بمكر رجولي : دي بوسة بريئة
قربت حياة وجهها من وجهه ، وقبلته برقة على شفتيه ، فأغمض عينيه مستمتعا بتلك اللحظات ، لتهمس في مشاكسة ، حالما فصلت القبلة التى دامت ثواني ، بينما ينظر إليها بنظرات غير راضية تمامًا : مش عليا انا يا حضرة المحامي و نزل ايدك عشان ماعملكش محضر تحرش
ابتعدت حياة عنه مسافة صغيرة في نهاية كلامها ، تاركة إياه يحترق بنار شوقه المشتعلة في قلبه ، بينما لوى بدر شفتيه قائلاً بقهر وصوت لاهث : يانهارك ازرق .. دا انا جوزك وحامل مني كمان يا غبية
قرأت ملامح الضيق الممزوجة ببعض الانزعاج على وجهه ، بينما كانت بداخلها تحترق بنفس النار التي تحرقه ، لكن ماذا تستطيع أن تفعل ، لتحاول تلطيف الأجواء ، قائلة مازحة وهي تغمس نفسها فى حضنه : ولو مش اسباب كافية تسمحلك بالتحرش بأنثي كيوتة و تجنن كدا
رفع بدر حاجبه الأيمن بصدمة ، بينما يرآها تلعب بأطراف شعرها في دلال ، سرعان ما انفجر ضحكًا ، ثم تمتم بصوت مفعم بالعاطفة ، وهو يقبل قمة أنفها برقة : احلي كيوت في الدنيا .. مبروك علينا يا اجمل حياة عايشها
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد ما يقارب ثلاثة أشهر
نزل الاثنان من أحد البنايات متجهين إلى السيارة ، لتفتح حياة الباب ، محاولة التسلق بصعوبة ، قائلة بأنفاسًا لاهثة : ياخرابي عليك ياني بقيت بركب بالعافية
استرخت على المقعد ، تحاول التقاط أنفاسها بانتظام بعد هذا الجهد الذي بذلته فى ركوبها ، وهي تنظر إلى الشخص الجالس أمام عجلة القيادة بصمت ، ويبدو مستاءًا ، لكنها لم تنتبه إليه قائلة بعتاب لاهث : كان لازم تحكم رأيك ما كنا كشفنا عند الدكتور اللي لاقينا و خلاص بقالنا ساعتين بنلف وملاقيناش دكتورة اكشف عندها
كأنه ينتظرها لتفتح فمها لينفجر ، فيما استدار إليها بوجه مكفهر ، ثم صاح بضيق وغضب : و هي حبكت دكتورتك الغندورة تسافر تصيف .. وبعدين انتي يعني قاعدة ساكتة ما انتي مافيش حاجة جت علي بالك الا و جبتها كأنك في رحلة
همست حياة ، وشفتاها مقوسة إلى أسفل ، وهى ترفرف برموشها بسرعة لمنع دموعها من التدفق ، لأنها أصبحت حساسة للغاية ومزاجية لأبعد الحدود ، وأقل كلمة تؤثر عليها ، ولا تنكر أنه استقبل كل هذا بصبر ، لكنه أحيانًا يخرج عن طوره : كدا يا بدر
حدق فيها بحاجب مرفوع في استنكار ، لتنظف حلقها بحرج ، بينما تمسح بنعومة على بطنها المنتفخة ، ثم ردت بتبرير : ما انا حامل و بتوحم يعني مش ذنبي
فرك بدر ذقنه في غيظ ، وباليد الأخرى بعثر خصلاته الفحمية ، وهتف ساخرًا : والطور اللي بيلف في الساقية دا مايستاهلش كلمة حلوة و لا بوسة في الهوا حتي .. دا انا ضغطي وطي من كتر اللف معاكي دا يا شيخة
فتحت حياة فمها مندهشة ممَ قاله ، ثم تأففت بضيق من حالها ، وهي تلتفت إليه لتقول بحزن : و دا كمان مش ذنبي ابنك هو السبب الوحم مبهدلني و مش قادرة استحمل ريحتك يا بدر
تفحصها بعيون ضيقة في قهر ، ثم تشدق بابتسامة متهكمة مستوطنة فيها الخبث : دلوقتي بتقرفي من ريحتي الله يرحم لما كنتي بتتمسحي في قمصاني زي ماتكوني مدمنة
قامت بطي ذراعيها على بطنها في سخط ، وخفضت رأسها إلى أسفل ، ثم حرفت مسار الحديث ، وقالت ببراءة ، مشوبة بمكر أنثوي : طالما مستعجل تعرف البيبي نوعه ايه؟ و عمال تأنبني يلا نطلع للدكتور اللي فوق لا حياء في العلم يا متر يا مثقف
أشعلت كلماتها فتيلًا غيرته من جديد ، ليرد بفتور زائف ، بينما يضغط على عجلة القيادة بقوة : انا مستعجل !! لا والله .. مين قال اني مستعجل .. مش مهم هنستني الدكتورة بتاعتك لما ترجع
ابتسمت حياة بابتسامة عريضة ، وتغلغل شعور بالسعادة والرضا في قلبها من إجابته ، والتي جاءت بالضبط كما توقعت ، فأنحنت على كتفه ، متكئة برأسها عليه ، وقالت بدلال وهى تتعلق فى ذراعه : بموت فيك و انت غيران بس عامل مش مبين
أغمض بدر عينيه ، وتمتم باستسلام عاشق وهو يقبّل رأسها : وانا كمان يا مبهدلني معاكي
رفعت حياة رأسها لتلتقي بوجهه ، وزمت شفتيها الوردية ، وقبلت خده الشائك ، لتقول بعفوية : كله عشان إبنك او بنتك يعني مش لحد غريب
قطب بدر بين حاجبيه ، قائلاً بقلق وهمي : يا خوفي يطلع لمض و لسانه طويل زيك
رمشت حياة بأهدابها فى غنج ، وقالت بابتسامة جميلة : هيبقو يجننو لأبوهم الحنين..
أنهت كلماتها وهي تظبط جلستها على كرسيها ، حيث شعرت ببعض الألم في ظهرها ، لينبس بدر بعبوس لطيف : كلي بعقلي حلاوة دا اللي فالحة فيه .. المهم عايزة عصير ايه اجيبهولك انا نفسي في برتقال؟
هزت حياة رأسها على الفور وقالت بسرعة ، ووجهها متقلص من الاشمئزاز : لا يا بدر برتقال وليمون لا .. اوعي مش طايقة اشوفهم و لا اشم ريحتهم خالص .. الحموضة مطلعة عيني وانت عارف بتطلع تحرقني في وداني بيبقي احساس بشع
فجأة أضاء وجهها وارتفعت شفتيها بابتسامة واسعة ، وقالت بحماس ، وهي تخفض عينيها إلى بطنها بحب : اقولك خلينا نروح ناكل احسن نفسنا في حواوشي والسجق جدا
رفع بدر حاجبيه ونظر إليها بفك ساقط ببلاهة ، ثم تمتم بحسرة جعلها تضحك بصوت صاخب على تعبيراته المذهولة : حاضر .. صبرني يارب
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
داخل منزل بدر عز الدين
على وجه التحديد في غرفة صغيرة مطلية باللون الوردي مع بعض النقوش الطفولية ، بينما يغلب على أثاث الغرفة نفس اللون.
ثنت حياة جذعها ، تدندن بصوت عذب ، وهي ترتب الألعاب التي اشترتها مؤخرًا لطفلتها المنتظرة في إحدى الزوايا.
أما بدر رغم معاناته من تقلبات مزاجها ، ومتطلباتها اللامتناهية إلا أن حياتهما سوية متألقة بالسعادة ومشرقة بلون رائع ومذاق مميز ، حتى المشاجرات اليومية تجدد حبهم ، وتزيد من ميثاق العشق الذي ستتوجه ابنتهما القادمة للحياة قريبًا ، لتضفي على حياتهما لونًا جديدًا.
أدارت رأسها نحو بدر الذي كان يعلق ملصقات جميلة على الحائط ، قائلة باستياء : اسكت بقي مافيش ولا اغنية بتخليني اكملها للاخر
ربت على الملصق بباطن كفه حتى يتأكد من تثبيته قبل أن ينظر إليها ، مستفسراً بدهشة : افهم من كدا ان مش عجبك صوتي؟
صرخت حياة بنبرة طفولية احتجاجًا ، وهي تضع يدها على بطنها المنتفخ حيث تخطت شهرها الثامن من الحمل : لا مش عجبني
اقترنت كلماتها بتحركها نحو الباب عازمة على الخروج ، لكنه سد طريقها ، وهو ينبس بمكر : رايحة على فين يا منكوشة؟
برمت حياة شفتيها ، منزعجة ، وهو يقترب بخطوات بطيئة ، و بشكل تلقائي تراجعت للخلف حتى شعرت بالجدار في ظهرها : تصدق انا غلطانة .. كل دا عشان اقترحت عليك اننا نوضب اوضة البيبي سوا تقوم انت تضايقني
مد بدر ذراعيه بجانبها ، متكئًا علي الحائط ، ليحجز جسدها بينهما ، واقترب من وجهه قليلًا من وجهها ، ناظرًا إليها بعينين يقطران باهتمام وشغف ، قائلاً بنبرة ضاحكة : خلاص ماتزعليش بهزر معاكي .. بقيتي نكدية وقفوشة اوي
همس آخر كلماته بصوت لم تسمعه ، فسألت بتوجس : بتقول ايه؟
تمتم بدر بنبرة رجولية عميقة هزت قلبها المتيم به : بحبك
انفرجت شفتاها بابتسامة عاشقة ، ثم همست بنعومة أسرت قلبه : طيب خلينا نكمل و اسكت بقي عشان انا بحب اشتغل في هدوء
أنهت حياة كلماتها ، ووضعت يديها على صدره بحركة مغرية لكى تبعده ، لكنه اقترب أكثر ، ولمس إحدى خصلات شعرها الذي يتدفق بحرية على كتفيها ، وهو يغمغم بنبرة مفعمة بالهيام : انتي ابعد واحدة عن الهدوء .. دايما ثايرة زي شعرك الحلو دا
وأضاف بصوت يفيض بالعاطفة ، بينما يلامس نعومة شفتيها بإبهامه ، فأغمضت عينيها بتخدر : مليانه طاقة ايجابية مابتخلصش .. وبحس انك بتزرعي الفرحة في قلبي .. دا كلو كوم و شقاوتك وطعامتك اللي مدوباني كوم تاني
شعر بجسدها يرتجف بقوة بين ذراعيه ، متأثرًا بمداعبته الرقيقة لها ، وارتفعت خفقات قلبها حد السماء.
فتحت حياة عينيها المليئين بالشوق والحب ، كما ارتفع صدرها وهبط بأنفاس متلاحقة ، وقالت بابتسامة راضية وهي تلعب بأزرار قميصه بمكر : لحظة بس .. افهم من كدا انك بتمدحني ولا بتشتكي من دوشتي .. حدد موقفك يا متر
ابتسم بدر ابتسامة جذابة ، واقترب منها ببطء ، وهو يحدق في شفتيها ، لكن جسدها أنخفض من تحت ذراعه التي تحيط بها ، وهي تشهق قائلة بسرعة : انا حاطة الشاي علي النار اكيد الميه غليت
هرعت حياة دون إعطائه مجال للرد ، فقام بالمسح على شعره عدة مرات ، وهو يطلق زفيرًا بحرارة ، ليغمغم بأنفاس متهدجة من قربها : شاي .. دا انا اللي غليت
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد حوالى شهر
جالسون في صالة السينما بعد أن اصرار حياة الرهيب على الذهاب لمشاهدة فيلم كوميدي.
داعبت بطنها المنتفخ الذي يرتفع ويهبط مع ضحكاتها السعيدة ، فالتفت إليها بدر برأسه قائلا بقلق : اهدي يا حياة قلبك هيتعب من كتر الضحك
اجابت حياة بصوت مرتفع بين شقهاتها ، وسط الضوضاء من حولها دون أن ترفع عينيها عن شاشة العرض الضخمة : اصل الفيلم فظيع اوي
تجعدت ملامحه بمزيد من القلق ، حينما لاحظ أن تنفسها يرتجف والعرق يتساقط من جبهتها ، فأضاف محاولًا تهدئتها ، بينما يربت على بطنها برفق : طيب براحة لا تولدي وانتي مش حاسة
تأففت حياة بضجر ، وهي تبتلع حبة من الفشار في حجرها ، وهتفت بانفعال : ماتفصلنيش بقي يا بدر سيبني اندمج
هز بدر رأسه في يأس من عنادها ، ليمد يده محاولاً أن يلتقط ما كان في حجرها ، وتابع حديثه : ماشي .. هاتي الفشار و كملي السندويتش
تمسكت حياة بصندوق الفشار بقوة ، لتنظر إليه ببراءة وهى تقول بتوسل : لا سيبهم معايا انا جعانة
اتسعت عيناه بصدمة ، صارخا باستنكار : مابقاش طبيعي الجوع دا .. خايف اقوم من النوم في يوم مالاقيش دراعي
زجرته حياة بحاجب مرفوع ، لتقول بغيظ بينما تدفع بعض الفشار في فمه : يا خفة كل و اتفرج بقي
بينما كانت تطعمه ، ألقت نظرة على امرأة لديها قدر لا بأس به من الجمال الاصطناعي جالسة بجوار بدر على الجانب الآخر ، لكن الأسوأ من ذلك أنها تقوم بحركات ملتوية لتلصق فخذها به ، بينما الآخر لا يدرك ما يحدث بسبب انشغاله بها.
أشتعلت عيناها بغضب ناري ، ودقت أجراس الإنذار في جدران قلبها ، عازمة على نتفها ، ولكن سرعان ما اتسعت عيناها بفكرة خبيثة أفضل بكثير.
تعالت أنفاسها ، وهي تمسك بطنها ، وتئن بصوت مسموع ، بينما تجعد جبهتها وهي تشد أصابعها على ذراع بدر وتشده نحوها ، لتلفت انتباهه إليها ، قائلةً بصياح : بدر .. يا بدر .. انت ما بتردش ليه؟
ألقى بدر عليها نظرة خاطفة من زاوية عينه ، وهو يضغط على فمه ، ثم حدق مرة أخرى في الشاشة بتركيز ، قائلاً بصوت ساخر مليء بالاستياء من تكرار هذا الحدث معهم طوال الأسبوع الماضي : اصلها مش اول مرة يا حياة .. كل شوية بتعملي كدا ونتخض علي الفاضي .. استني لحظة عايز اشوف المشهد دا شديني..
احتقن وجهها غضبًا من لامبالاته بها ، بينما تحدق في تلك المقيتة بنظرة احتقار وغضب ، ثم بدأ صوت نحيب حاد ينبعث منها ، وامتلأت عينيها بالدموع بالفعل من القهر ، واجهشت بالبكاء ، تزامنا مع استدار بدر إليها مصدومًا من بكائها ممَ جعل القلق ينبض بداخله ، ليهتف في هلع : مالك .. فيكي ايه؟
برمت حياة شفتيها ، وهي تضغط على بطنها ، قائلة بصوت منتحب بألم مزيف : بولد يا بدر الحقني
استقرت عيناه الواسعتان في صدمة على بطنها ، وتجمد للحظة قبل أن ينتفض ، ممسكًا بذراعها ، يحثها على النهوض معه ، ليقول بقلب يهدر بجنون : قومي معايا!!
نهضت بصعوبة من مكانها ، لتأخذ خطوتين ، ثم جلست على نفس الكرسي الذي كان بدر يشغله ، لتتمتم بصوت ضعيف زائف ، وبدأت تتنفس براحة تامة ، حينما تأكدت أن تلك المرأة باتت بعيدة عن زوجها تمامًا : قعدني هنا .. مش قادرة اقف
: كلم الاسعاف بسرعة يا استاذ شكلها ولادة
هتفت إحدى النساء الجالسات خلفهم مباشرة ، فأومأ بدر بالموافقة.
أخرج هاتفه من جيبه الخلفي ، فحركت حياة رأسها رافضًا ، مشيرة إلى بدر ليجلس على كرسيها ، قائلة بصوت مبحوح من البكاء : لا يا بدر اصبر الدكتورة قالت لو عدي بين الطلقة والتانية خمس دقايق يبقي دا معاد الولادة
تأوهت حياة بألم مزيف وهي تنفخ فمها ، ثم أردفت ، حالما رأته جالسًا ممسكًا بيدها ، لا يدرى كيف يخفف الألم عنها : احسبهم بسرعة علي ساعتك
هز بدر رأسه في اتفاق ، ناظرًا إلى ساعة معصمه ، بينما كانت حياة تزجر المرأة بنظرات مسمومة ، وهي تجز على أسنانها بشدة ، لتسمعه يقول بسرعة : طيب ا..
: بدر .. استني ..
بترت حياة باقى كلامه ، حالما رأت المرأة تنهض على قدميها وتغادر القاعة في صمت ، لترمقها بتشفى ونصر ، بينما تجيبه بابتسامة واسعة ، حيث اختفى الألم من صوتها تمامًا ، وهى تلتقط من يده علبة فشار ، وتأكل الحبوب بشراهة دون ادنى اهتمام إلى الضجيج الذي تسببت فيه لمن حولها : خلاص بقيت كويسة راح الوجع .. اطمن يا حبيبي
شعر بدر بإحراج شديد ورفع يده لفرك رقبته ، وأدار رأسه إلى الوراء ، وهتف اعتذارًا : متأسفين يا جماعة معلش اعذرونا
أجاب أحد الرجال بإستياء : ولا يهمك يا استاذ بس خلينا نركز مع الفيلم بقي
بعد حوالي عشر دقائق
ظلت تتململ في كرسيها بحركة بسيطة ، وتضغط بقبضتها بقوة على بطنها ، وتعض شفتها السفلية حتى شعرت بطعم الدم في فمها.
غمرت الدموع وجهها شيئًا فشيئًا ، ثم أطلقت تأوهًا منخفضًا جدًا بسبب الألم الحقيقي الذي اجتاح أحشائها ، غير قادرة على النطق.
ماذا ستقول ؟ لن يصدقها هذه المرة وسيكون غاضبًا جدًا منها.
لاحظ بدر اهتزاز بجانبه بغير إهتمام ظناً منه ، أنها تضحك مع باقى أصوات الضحك الذي يسيطر على الصالة بالكامل.
بعد لحظات ، أدار رأسه إليها ، بابتسامة تلاشت تدريجيًا ، وهو ينظر إليها بعيون واسعة بصدمة ، حالما رأى وجهها ممتلئًا بالدموع ، ليسألها في ذعر : حبيبتي .. مالك حاسة بإيه؟
أُجبرت شفتاها على التحرك ، تهمس بصوت خافت ومرتعش ، والألم واضح على ملامحها هذه المرة : شكل المرة دي الطلق بجد يا بدر بقالو اكتر من عشر دقايق مش بيروح
حالما سمع هذه الكلمات جف الدم من جسده ، ليكوب وجهها الشاحب بالإرهاق بين راحتيه ، وصرخ بإنفعال مليئ بالإضطراب : انتي مجنونة .. وساكتة ليه كل دا؟
همست حياة بتهدج وأنفاسها ممزقة ، حينما أصبح الألم لا يطاق ، ممَ جعل قلبه ينبض بعنف أشد : الحقني انا بموت .. خلاص مش قادرة استحمل يا ب..
ابتلعت بقية جملتها ، وهي تصرخ ببكاء هيستيري ، وتجذب قميصه بعنف ، ليلتقط ذراعها لمساعدتها على النهوض ، وهو يسمع أحد الرجال يقول بحنق شديد : خدها علي المستشفي يا استاذ .. عيب كدا مش عارفين نتفرج هي فلوسنا حرام ولا ايه؟
زجره بدر بعصبية ، لكنه تجاهل الرد عليه بسبب حالة حياة التي يجب التعامل معها فورًا ، وهو يحملها بين ذراعيه ، لتشبك يديها المرتعشتين حول رقبته ، وتقضم شفتها بقوة وتتأوه من الألم الرهيب الذى يزداد.
نظر بدر إليها بقلق ، بينما يغادر بأسرع ما يمكن ، هامسًا بلوم على نفسه : كان ايه سمعني كلامك و جابنا هنا .. ماتخفيش يا حبيبتي هتبقي كويسة استحملي شوية بس
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
فى احد المستشفيات
: ها حصل ايه طمنا
توقف بدر في مكانه ، ينظر إلى أخيه وزوجته التي كانت تحمل طفلها الصغير بين ذراعيها ، وهو يشعر بالعجز ، و قلبه يتمزق من القلق ، ليجيب بخوف شديد غير قادر على التحكم فيه ، وهو يشد خصلاته للخلف بتوتر : بقالها كتير جوا ومحدش عايز يطمني
ربت جاسر على كتفه تعاطفًا ، محاولًا أن يطمئنه قائلاً بنبرة هادئة : ماتقلقش يا بدر ربنا يقومها بالسلامة ان شاء الله
رفع كلتا يديه ، مغمغمًا في همس : يارب
مرت لحظات قبل أن يسمعوا صوت صراخ الفتاة الصغيرة يدوي بصوت عالٍ حولهم تعلن قدومها إلى الحياة ، وبعد ذلك خرجت الطبيبة من غرفة العمليات ، ثم توجهت إلى بدر الذي ركض نحوها ، متسائلاً بلهفة : ها يا دكتورة .. طمنيني حياة كويسة؟
ابتسمت الطبيبة بإتساع ، وقالت بنبرة مطمئنة : الحمدلله مدام حياة بخير و زي الفل و الطفلة كمان ماشاء الله عليها قمر
زفر بدر الهواء المحبوس في صدره براحة ، وتلألأت عيناه ، ليتمتم بفرحة عارمة : الحمدلله يارب
ضحكت الطبيبة بخفة ، لتقول مازحة ، وهي ترفع يديها في الهواء : بس مراتك مابطلتش خطرفة جواه .. بالعافية كنا ماسكين نفسنا من الضحك .. علي العموم الف مبروك هي حالا هتخرج و تشوفها بنفسك
ظهرت ابتسامة واسعة على فمه وهو يحك شعره ، قائلا بسرور مفعم بالإمتنان : دا العادي بتاعها .. متشكر يا دكتورة
فور أن غادرت الطبيبة من أمامهم ، عانقه جاسر ، وتزين وجهه بأجمل ابتسامة ، وقال بفرح : الف مبروك يا ابو كنده
هدأت ضربات قلب بدر براحة ، و رد بسعادة وعانقه بشدة : الله يبارك فيك يا ابو شادي
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد فترة زمنية
داخل غرفة حياة في المستشفى.
فتحت حياة جفونها بالإرهاق ، وعقل مشوش بعض الشيء حيث كانت نائمة من التعب ، لتهمس بغير وعي محدقة في السقف : انا فين ؟
رفعت شذى رأسها ، وهي جالسة على أحد الكراسي ، وابنها نائم بين ذراعيها ، وقالت بضحكة مليئة بالدهشة : مالك يا حياة .. انتي ولدتي ما فقدتيش الذاكرة
جلست بدر بجانبها على السرير ، وانحنى على رأسها بحنان مقبلاً إياها ، ثم همس بالقرب من أذنها : انتي معايا حبيبي حمدلله علي سلامتك
ابتسمت له حياة بضعف ، وشبكت أصابعها بأصابعه في حب ، قائلة بنبرة مرهقة : الله يسلم قلبك
تحركت حياة تنوى الجلوس في السرير ، ساعدها بدر على تصحيح وضع الوسادة خلف ظهرها ، ليجعلها أكثر راحة ، فزفرت حياة ببعض الألم في موقع الجرح ، قائلة بصوت ملهوف للقاء المولودة الجديدة : بنتي فين يا بدر؟ عايزة اشوفها
رفع بدر يدها ، ووضع بداخلها قبلة عميقة مليئة بالعاطفة ، ثم رمش بعيون مشرقة بفرح ، ليقول لها بابتسامة : هيجيبوها دلوقتي يا روحى
دخل جاسر الغرفة ، وهو يهتف بصخب ممزوج بمرحه المعتادة : حمدلله علي سلامتك يا مرات اخويا .. البنوتة طالعة امورة انا حجزتها لشادي بقولكم اهو
تغيرت ملامحها الرقيقة إلى غضب وعدم تصديق ، بينما تزجره بعيون تطلق شرراً مخيفاً ، ثم هتفت بحدة ، أجفلت الجالس مقابلها الذي وخزته بخفة في كتفه : شوف اخوك يا بدر عايز يستولي علي بنتي وبيرسم مستقبلها وانا اللي امها لسه ماشوفتهاش حتي
قمع بدر نوبة الضحك التى تصاعدت من داخله على ملامحها الشرسة ، ليرفع حاجبه الأيسر ، وصاح بغضب كاذب : ماتدخلش في بنتنا يا جاسر
نهض بدر من بجانبها ، بينما ابتسامة اتسعت على شفتيه ، متجهًا نحو أخيه ، ليميل على أذنه ، محذرًا إياه بصوت هامس : دي ممكن تقوم تاكلك ما يغركش التعب اللي هي غرقانة فيه ووقتها انا مش مسؤل
هز جاسر رأسه بالموافقة ، وكتم ضحكاته وهو يرفع ذراعيه مستسلمًا ، لتنظر إليهم حياة بتوجس ، ثم سألت باستياء : بتقولو ايه؟
نظر إليها بدر مرة أخرى ، يرسم الجدية على وجهه أمامها بصعوبة ، ليقول بكذب ، وهو يقاوم ابتسامته المرحة : بقوله يروح يشوف حساب المستشفي يا حياتي
حدقت فيه بنظرة متشككة ، وهي تعقد ذراعيها على صدرها ، لتقول بإصرار : بدر هاتلي كنده بقي او انا هقوم اروحلها
فور أن أنهت كلماتها دخلت الممرضة ، وابتسامة كبيرة على فمها وهي تحمل الطفلة ، لتقول بنبرة لطيفة : الانسة الصغيرة وصلت
ختمت كلماتها وهى تضع الصغيرة بين ذراعي والدتها ، التي عانقتها بحنان على صدرها ، متناسية حرفياً من حولها ، ودموعها تنهمر في عينيها ، لتهمس بابتسامة مفعمة بالسعادة : اهلا يا قلبي
قالت الممرضة بلطف قبل مغادرتها ، ومعها جاسر وزوجته : حمدلله علي السلامة و الف مبروك تتربي في عزكو يارب
انحنى بدر بحب بالغ ليقبّل جبين ابنته الصغيرة ، وهو يشعر بارتياح شديد ، لكن منعه من ذلك صوت حياة المتذمر بينما تبعد الصغيرة عنه بحماية : غلط يا بدر ماينفعش تبوسها في وشها الا لما تتم شهرين
نظر بدر إليها رافعًا أحد حاجبيه ، ليقول بإستياء : يا ساتر عليكي .. هقعد شهرين محروم ابوس بنتي يا مفترية
: معلش حبيبي دا عشان سلامتها .. بص ممكن تمسك ايدها الصغننه دي وتلاعبها من بعيد
أنهت حياة جملتها ، و مررت يدها تلامس رأسها الصغيرة بحذر شديد ، بينما جلس بدر بجانبها بإستسلام ، يحيط بجسدها بذراع واحد ، ويقبل خدها بشغف ، بينما هى تتأمل بسعادة طفلتها النائمة ، التي لفت أصابعها الصغيرة جدًا على إصبع أمها ، لتهمس لها بصوت عذب حانى : بصيلي يا نور عين ماما يا روح قلب ماما
اتسع بؤبؤ عينيه ، ونظر إليها بغيظ لأنها تتجاهله ، ليتمتم بكلمات غاضبة ومنفعلة جعلت ضحكها العفوي يتردد برقة : بالنسبة لأبوها احجزلو مكان علي الرف ولا ايه؟
رفعت يده إلى فمها ، ووضعت قبلة عميقة فى باطن كفه ، فتبخر غضبه فورًا قبل أن تهمس بنبرة تفيض بالعشق : دا روحي و عمري كله
انبسطت أسارير وجهه بابتسامة ممزوجة بحب جارف لها ، وهو ينظر في عينيها المتلألئين بلونهما العسلي ليذوب في كل مرة يحدق بهم ، ثم غمرها فى أحضانه ، ليغمغم بحب كبير ، وقلبه يدق بطبول الفرح ، وثمة دمعة نزلت من عينيه حامدًا الله على ما لديه من نعم : ربنا يخليكو ليا يا قلبي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية شبح حياتي) اسم الرواية