رواية وبها متيم انا الفصل الثامن و الثلاثون 38 - بقلم امل نصر
الفصل الثامن والثلاثون
بوجه انسحبت منه الدماء ليحل محله شحوب الخوف والرعب مما قد يحدث معها، رددت تعيد طرح السؤال، وكأن ما وصل إليها هو شيء أخطأت بسماعه:
- انت بتتكلم بجد؟ يعني حامد دلوقتي في السجن بعد ما قبض عليه كارم كمان.
فهم طارق سبب الجزع الذي اعتلى قسماتها، فقال ملطفًا:
- هو بس، لكن جيرمين لا، أصله بيحلف انه ميعرفش مكانها.
اومأت رأسها تبتلع الباقي من الكلمات، شاعرة بالدوار يكتنفها حتى سقطت على الكرسي من خلفها، فاقدة
التوازن.
استفز ضعفها كاميليا لتهدر بها بحزم:
- جرا ايه يا رباب؟ ما تفوقي واثبتي كدة شوية، انتي لازم تقوي موقفك عشان تعرفي تواجهي
رددت خلفها بصوت مهزوز، ورجفة تزحف على طول سلسة ظهرها:
- اقوي موقفي ازاي بس؟ دا بيقولك قضى ليلة في التحقيق معاه، انا كنت عايزة اعرفه بطريقتي، مش يعرف من الزفت دا، كدة لازم اخاف من رد فعله.
- بس هو مقالش حاجة مفيدة.
تفوه بها طارق، ليتابع إخبارها بما توصل إليه:
- جاسر بيأكد ان حامد ميعرفش مكان جيرمين، الراجل اللي تبع إمام كان مع المجموعة اللي بتحقق معاه الليلة اللي فاتت، هو بيقول على واحدة اسمها سوزي، كانت حلقة الوصل ما بين الاتنين، يعني الحكاية كانت فلوس وبس، وبالذكاء كدة، لو هنفكر بهدوء، هي مش بالغباء ده يعني اللي يخليها تتكلم مع واحد متخلف زي ده، وتأمنه عن سرها الخطير كمان، دا ممكن يمسكه زلة عليها.
طالعته كاميليا بانتباه، مستدركة هذه النقطة الخطيرة والتي وضع يده عليها، لتردف بباراقة من الأمل:
- تصدق عندك حق، انت تفكيرك صح يا طارق، احنا فعلا مكناش واخدين بالنا منها دي، جيرمين كان هدفها الانتقام عشان ليها اسبابها، اما حامد فدا كل اللي هامه كان الفلوس، أو الاغراء..... في إنه يوصلك، ومدام لسة مقبضوش عليها، اظن ان في فرصة .
رفرفت بأهدابها تستوعب قليلًا ثم ما لبثت أن تردف بتساؤل مرة أخرى:
- طب انا اضمن منين انه ميلاقيهاش زي ما لقى حامد، انا كدة برضوا مطمنتش..
هتف بها طارق يهادنها ببعض الحزم:
- الأمر دلوقتي بقى في إيد الشرطة يا رباب، اللي عمله جوزك مع حامد، هيخليه يتريث شوية، قبل ما يواصل البحث عن الزفتة دي.
أضافت على قوله كاميليا:
- يبقى كدة انتي لازم تستعجلي جلسة الاعتراف ما بينكم، وياريت يبقى في أسرع وقت كمان، عشان نحسم بقى امرنا في اللي جاي .
اومأت رأسها بتفهم، وقبل أن تلتقط انفاسها جيدًا، أجفلها اهتزاز الهاتف بيدها، فصعقت حينما رأت هويته:
- يا نهار ابيض دا هو اللي بيتصل؟
حفزتها كاميليا بقولها:
- طب ومستنية ايه؟ ردي بقى وخلي كلامك بلهجة عادية.
استجابت بيد مرتعشة، ترفع الهاتف إلى إذنها لتسحب شهيقًا كثيفًا، ثم تطرده قبل أن تجيب ببعض الثبات:
- ايوة يا حبيبي، عامل ايه .
وصلها صوته بنبرة طبيعية جعلتها تطمئن:
- ايوة يا قلبي انا بتصل بس عشان ابلغك باَخر الاخبار، وعشان تعرفي ان حبيبك مش ساكت على حقك!
❈-❈-❈
- نننعم! انت بتتكلم جد ولا بتنهزر؟
هتفت مستنكرة بوجه غاضب لا يمت للتفاهم بشيء، مجبرة المحامي خاصتها ليرد على قولها بانفعال:
- لأ مبهزرش يا ميرنا، عشان انا مبجبش حاجة من عندي، دي قوانين ومحدش يقدر يتخاطها.
شهقت بصوت عالي، تردد خلفه باستهجان غير مبالية:
- اسم الله يا قوانين! يعني البت الهبلة تخرج منها زي الشعرة من العجين، والبس انا السجن، اشحال ما كانت الزفتة صاحبة الخاتم اتنازلت عن القضية، كان اتعمل فيا ايه؟ كنتوا شنقتوني؟
زفر الرجل بتعب، يضرب بكفه على ذراع الكرسي الجالس عليه، يحاول استجداء الحكمة في التعامل مع امرأة لا تقدر، ولا تتوانى عن أي شيء أمام مصلحتها، اشار بيده إليها، برجاء أن تسمعه:
- افهمي يا ميرنا، انتي مقبوض عليكي متلبسة بالسرقة عشان وجدوه عندك في البيت، ووسط حاجتك، يعني حتى لو مدام ميرنا اتنازلت عن القضية، فدا حقها، لكن حق المجتمع بيفرضه القانون بحبس السارق، أما بقى عن مودة، فدي مدام صفاء لعبت على موضوع ظروفها المعيشية، وان الحالة اللي عندها نوع من انواع المرض النفسي، وقدمت شهادة بكدا عشان تخرجها بكفالة، لكن عشان تتطمني، انا هحاول بكل مقدرتي اخفف الحكم لاقل مدة.
وكأن الكلمات قد طارت في الهواء ولم تصل إليها، تابعت ميرنا بإصرار وتعنت:
- لكن برضوا هتحبس وهتبقى قضية في السجل بتاعي، انا مليش في الكلام ده، انا عايزة اخرج.
فاض بالرجل لينهض من أمامها، منهيًا الجدال بقوله:
- انا كدة قولت كل اللي عندي، انا مش محامي تحت التمرين ، لا دا انا راجل ليا اسمي كمان، يعني لو حابة تغيري وتجيبي محامي تاني، انتي حرة، عن اذنك
خرج الرجل منهيًا اللقاء قبل انتهاء موعد الزيارة، ليتركها تضرب الأرض بأقدامها، وتصميم على عدم الاستسلام.
❈-❈-❈
أمام المراَة، وقد كانت جالسة من أجل التزين والتجهيز لمقابلة العريس المرتقب، ولكن بعقل شارد، بل توقف هناك، في هذا المقهى وعلى الطاولة التي ضمتها معه، لقد اخبرها بعشقه، وهي لم تعترض او تعنفه كرد فعل طبيعي منها، بحكم طبيعتها المتحفظة، والتي لا تقبل التهاون في هذا الأمر، انه لم يكن اعترافًا، بل هو صرخات من العمق، هي ليست عمياء حتى لا تعرف بصدق من يحدثها أم كذبه، حتى وهي قليلة الخبرة، ولم تختبر مشاعرها قبل ذلك، سوى ببعض الإعجاب اللحظي بهذا أو ذاك، ولكن معه........
- لسة مخلصتيش يا صبا؟
هتفت بها والدتها وهي تقتحم الغرفة، لتنتشلها من حالة الشرود التي تلبستها، وخرج ردها يسبقه حمحمة خفيفية، في محاولة منها لاستجداء التركيز:
- لااا ما انا مخلصة اساسًا اها وجاهزة، هو العريس وصل؟
ردت زبيدة بصوت يتخلله الحماس والبهجة:
- هو وابوه كمان، بس ايه يا صبا، بسم الله ما شاء الله، طول وعرض وحاجة تفرح، جومي ياللا عشان تحضري وتشوفيه بنفسك، أكيد هيعجبك.
نهضت عن مقعدها تلتف إليها مرددة باستهجان:
- أكيد هيعجبني! على طول كدة يامة ومن أول نظرة كمان؟
شددت زبيدة على الكلمات بقصد قائلة:
- وايه اللي يمنع؟ انتي بس افتحي جلبك ونضفي مخك من الفكر اللي مالوش فايدة وهي تسلك يا بت بطني.
أومأت رأسها بتفهم، رغم استشعارها بمغزى خفي خلف حديث الأخرى، والتي تحركت تسبقها قائلة:
- تعالي ياللا وريا حصليني.
توقفت خلفها قليلًا تسحب شهيقًا كثيفًا من الهواء ثم تطرده، لتتحكم بعض الشيء في توترها، ثم تبعتها حتى غرفة الاستقبال التي يجتمع بها الضيوف، مطرقة الرأس بخجل ووالدها ينهض عن مقعده ويقدمها برزانة:
- وادي العروسة وصلت اهي، ومعاها أمها كمان.
- يا ما شاء الله بعيلتك اللي تفرح يا ابو ليلة
تفوه الرجل الكبير وقد نهض يستقبلهما بترحيبه، ليصافح زبيدة في البداية، قبل أن يأتي دورها، ليهلل بغبطة اخجلتها:
- يا اهلا يا اهلا بست الحسن والجمال ، باه يا ابو ليلة يا عفش، عرفت تخلف البنتة الزينة دي كيف يا واض؟
قالها وانطلقت ضحكات الجميع، حتى صبا لم تكبت ابتسامتها، ثم استلت كفها منه تصافح العريس المذكور بدون ان ترفع رأسها إليه.
وعلق الرجل مرة أخرى:
- وكمان مش رافعة عينها من الأرض، لا يا عروسة احنا معندناش الكلام ده، دا واد عمك تبصي وتملي عينك منه زين، عشان لو معجبكيش تجولي على طول ومتتكسفيش.
للمرة الثانية ينجح الرجل بمزاحه لتخفيف التوتر بالضحكات بين الجميع، وتبادل معه مسعود الرد بألفة هو الاخر يناطحه بالمفردات الجنوبية بقصد ترك المجال لتعارف الشباب.
- مخلصة كلية ايه يا صبا؟
سألها الشاب بقصد فتح حديث ودي معها، وجاء ردها بروتينة، وقد تحققت من رؤية جيدة له، لم تكذب والدتها حينما وصفته بالعريس اللقطة، وسيم الوجه بهيئة مبهرة، يرتدي ملابس المدينة، ويتحدث بلباقة،
كما أنه مناسب لها في نفس العمر، فلم يتعدى الثلاثون ربيعًا بعد، اذن ماذا تبقى لها من عيوب حتى تأخذها حُجة وترفضه؟....
❈-❈-❈
- مساء الخير يا جماعة عاملين ايه؟
القت بالتحية وهي تضع من يدها الأكياس الممتلئة باحتياجات المنزل اعلى الطاولة التي تتوسط الردهة، قبل أن تقترب بخطواتها من مجلسهن أمام شاشة التلفاز المعلقة على الحائط، في متابعة لإحدى المسلسلات الدرامية الجديدة، والتي ادعت نرجس التركيز في مشاهدتها، كي ترد بعدم انتباه :
- مساء الخير
تغاضت شهد عن تجاهلها وتوجهت لشقيقتها التي كانت مختفية منذ الأمس في غرفتها :
- ازيك يا أمنية، مش ظاهرة من الصبح يعني ، هو انتي كنتي تعبانة؟
تطلعت لها الأخرى بملامح مبهمة لمدة من الوقت قبل ان تجيب بهز رأسها وصوت خفيض خرج كالهمس:
- حمد لله، كان صداع وراح لحاله.
بلفتة مهتمة اقتربت لتجلس على ذراع الكرسي المقابل لها تخاطبها بقلق:
- كان صداع بس ولا فيه حاجة تانية معاه؟ انتي شكلك متغير اساسا.
قبل أن تجيبها خرج الرد من نرجس بمغزى:
- لا متشغليش نفسك بقى يا شهد، ما هي قالتلك شوية صداع وراحوا لحالهم، مش مستاهل يعني الموضوع تزعلي نفسك وانتي عروسة جديدة.
رفعت رأسها نحوها، وقد فهمت إلى ما ترمي إليه بهذه اللهجة الملتوية، قاصدة بجبن تذكيرها بعقد زواجها بالأمس، فجاء ردها بقوة:
- ولو كنت عروسة وعلى الكوشة كمان، برضوا هسأل واطمن واراعي عشان هما خواتي...... حتى لو هما مقدروش ولا كسفوني قدام ألناس بخروجهم وقت فرحتي.
قالت الأخيرة موجهه النظر نحو شقيقتها التي ابتعلت ريقها بحرج ترد:
- انا خرجت عشان كنت تعبانة....
قاطعتها نرجس تواصل إظهار الغضب تنفيذًا لتعليمات سميرة شقيقتها:
- لهو انتي خدتي بالك من خروجها يا شهد وزعلتي كمان؟! معلش بقى يا حبيبتي، اصل المفاجأة خضيتها.
رددت خلفها وكأنها تراها لأول مرة:
- المفاجأة خضيتها....... ايه لزوم تلقيح الكلام يا مرات ابويا؟ ما انتي لو عايزة تفهميني انك زعلتي بموضوع كتب الكتاب المفاجئ، قوليها وبصراحة وانا مش هلومك، عشان عارفة ان معاكي حق، بس انتي بقى لو كان هامك اوي كنتي تيجي تعاتبيني في وشي عتاب الحبايب، وانا ساعتها هفهمك السبب اللي خلاني عملت كدة، لكن الأسلوب ده يزرع الفرقة ما بين الأخوات
افحمتها بالرد حتى تقصلت عضلات وجهها بحنق جعلها تبتعد بنظرها نحو المسلسل الذي تتابعه، تتهرب من المواجهة كعادتها،
أما شهد فحينما عادت للأخرى تفاجأت بهذا التغير الذي يغلف ملامحها، صامتة، هادئة، وقد اختفت هذه الشراسة التي تدعيها طوال الوقت، وكأن بها شيئًا ما.
عادت لتسألها مرة أخرى
- انتي كويسة؟
ردت بشبه ابتسامة اعتلت ثغرها:
- ما انا قولتلك يا شهد، كان صداع وراح لحاله.
- طب براحتك.
تمتمت بها، لتزفر ناهضة من أمامها مردفة:
- ع العموم انا كنت عايزة ابلغكم بالعزومة اللي عملاها طنت مجيدة اصلها كانت عايزة رقمك يا خالتي نرجس عشان تبلغك بنفسها.
شددت شهد على الأخيرة بقصد فهمته الأخرى لتدعي عدم الاكتراث في الرد عليها:
- ما هو رقمي عندك ادهولها، وانا هقول لأ يعني؟
- تمام.
قالتها شهد وما همت أن تستدير عنهما ذاهبة، حتى تفاجأت بقول شقيقتها:
- الف مبروك يا شهد.
بابتسامة من القلب ردت بكلمات مقصودة:
- الله يبارك فيكي وعقبالك انتي كمان....... مع اللي يستاهلك.
قالتها ثم استدارت ذاهبة لتتركها تنظر في أثرها بصمت، قطعته والدتها بمصمصة من بين شفتيها مغمغمة:
- ايوة بقى عيبي على كيفك، ما انتي خدتي المهندس وعبيتي ايدك منه كمان.
لم تشاركها التعقيب، بل انتبهت لتخرج هاتفها تنظر بسجل الاتصالات التي زادت بعدد اخر منه، وعلمت أنه ما زال يحاول، تنهدت بعدم اكتراث، لتعيده مرة أخر بجيبها وعلى نفس وضعه الصامت، ثم اندمجت مرة أخرى في مشاهدة المسلسل
❈-❈-❈
عادت ميرنا بعد انتهائها من زيارة المحامي المكلف بالدفاع عنها، وراسها المشتعل على وشك الإنفجار، لا تصدق ما يحدث وما ورطت نفسها به، كانت تظن أنها الذكية التي تتلاعب بالجميع من أجل كل ما يصب لمصحتها، لقد عاهدت نفسها أن تأخذ من الدنيا ما يكفيها ويزيد عن حاجتها ايضًا، ونجحت بخططها، لتتغلب على الظروف والبشر وكل ما وقف امام طريقها، لتدور بها الدوائر الاَن وتدخل السجن محل هذه التافهة الصغيرة؟ يوسوس لها الشيطان بأذيتها، ولكن عقلها يأمرها بالتريث قليلًا حتى تجد الطريقة، وهي لن تغلب.
توقف بها الحارس أمام باب الحجز وقبل أن يفتح ليدخلها، أوقفته قائلة:
- بس انا كنت عايزة منك خدمة يا شويش.
زجرها الرجل باستنكار:
- نعم يا عين امك؟ عايزانى انا اخدمك كمان؟
- فشر دا احنا اللي نخدموك.
تفوهت بها بنعومة لتضع يدها بداخل جب صدرها في الأعلى، مخرجة لفة محترمة من النقود، لتضعها بيده قائلة:
- انا كان غرضي بس فيد واستفيد.
ارتخت ملامح الرجل، ليضع المال بجيب قميصه، ثم ما لبث ان يرد بصوت يدعي فيه الخشونة:
- قولي عايزة ايه؟ وبسرعة
❈-❈-❈
- أبلتي أبلتي، التليفون اهو يا أبلتي.
تفوهت بالكلمات الفتاة سكسكة زميلتها في الحجز وهي تقتحم كابينة المرحاض، لتنحشر معها داخله، وقد أتت بما طلبته منها.
تناولت ميرنا تتفحص الهاتف الصغير ذو الشاشة المتهشمة لتردد بقرف:
- ايه يا بت العدة المعفنة دي؟ ودي بينفع فيها كلام اساسًا؟
دافعت الفتاة بلهفة مبررة:
- طبعًا امال ايه؟ هي أينعم مبهدلة زي ما انتي ما بتقولي، بس فيه رصيد للكلام والنت كمان، دي البت سهير مرديتش تدهوني غير لما عكشت عشرين جنيه، بنت المحظوظة، اكمنها الوحيدة اللي معاها عدة وسطنا.
لوت ثغرها ميرنا لتقلبه بغيظ قبل أن تستلم لتضغط على الشاشة تفتحه بصعوبة، جمعت الأرقام المميزة التي تحفظها كأسمها، لتضغط على زر الاتصال بالشخص المقصود، انتظرت استجابة من جانبه والذي لم تحدث في المرة الأولى، ولكن مع اعادة المحاولة وصلها الرد بنزق :
- الوو مين معايا؟
ردت على الفور بلهفة يشوبها لمحة من الفرح:
- الوو.. انا ميرنا يا سعادة الباشا.
- ميرنا.
تمتم بها بعدم تصديق، فتابعت مردفة:
- ايوة يا باشا، ازيك انت عامل ايه؟ انا فرحانة اوي اني وصلتلك....
قاطعها بحدة يوقف استرسالها:
- استني عندك...... هو انتي مش في السجن يا بت انتي؟ بتتصلي بيا ليه؟
رده كان مباغتًا لها، لدرجة جعلتها تتوقف لبرهة تستوعب قبل أن تغلف صوتها بنبرة مترجية؛ يتخللها بعض تهديد
- ايوة انا في السجن يا باشا، وبتصل بيك عشان تخرجني، عشان انا اتظلمت من غير سبب وكله عشان انفذ اوامرك.
استفزه تصريحها المباشر في توجيه اصابع الاتهام نحوه، فصاح بعنجهية كي يعرفها بقدرها:
- وقفي عندك يا بت انتي، ومتخليش العشم ياخدك اوي كدة، انا اللي بيعملي خدمة بياخد المقابل، وانتي خدتي تعويض بمبلغ محترم، رغم اني محذرك من الأول ترجعي الخاتم، يبقى اتحملي نتيجة غلطك ومسمعش صوتك تاني.
فقدت ميرنا الباقي من تحكمها لترد غير اَبهه:
- لا يا عدي باشا مش هسكت، ما هو انا مش ارسم واخطط لاجل ما اوقعلك البت وصاحبتها، وتيجي انت على اخر لحظة وتبوظ كل حاجة، انا معملتش كدة بمزاجي، انت اللي كنت هتموت على صبا وعايزني اوقعها، وانا مكنش قدامي غير مودة عشان تجيب رجلها، يبقى مشلش انا الليلة في الاخر.
بتبجحها الاخير كان قد وصل بغضبه للذروة، لينهي بلهجة حازمة صارمة:
- اسمعي يا بت انتي، الرقم دا تمسحيه من ذاكرتك نهائي، لأن لو حصل مرة تانية واتصلتي او حاولت توصليلي يبقى متلمويش الا نفسك، وعشان تبقي عارفة، انتي علاقتك بالفندق وبكل ما يخص عدي عزام انتهت.
صعقت ميرنا تترنج محلها حتى كادت أن تسقط على ارضية المرحاض، لولا سكسكة التي امسكتها تسندها من مرفقها تردد بقلق:
- حاسبي يا أبلتي لا احسن تقعي.
تطلعت إليها لاهثة لعدة لحظات حتى تستعيد توازنها، ثم ما لبثت أن تستقيم وكأن شيئًا لم يكون، تتناول الهاتف، لتتلاعب على شاشته مرة أخرى، سألتها الفتاة باستغراب:
- هتتصلي بمين تاني يا أبلتي؟
ردت بابتسامة جانيية قاسية:
- لا يا حبيبتي دا مش اتصال، دا انا بس بخش بالباسورد بتاعي على حسابي، اصلي بعيد عنك، عندي شوية صور كدة حفظاهم في حتة لوحدهم، انما ايه لوز، ودا عز وقتهم.
هرشت سكسكة بطرف سبابتها على جانب رأسها بعدم فهم مرددة:
- وقت ايه يا أبلتي بالظبط انا مش فاهمة حاجة.
نهرتها بجدية وتجهم :
- بعدين افهمك يا سكسكة، سيبيني انفذ اللي بعمله دلوقتي.
صمتت الفتاة تتركها لما تفعله، غافلين عمن سمعت بكل الحديث، وقد تواجدت بالصدفة داخل المرحاض المجاور، بغرض الاغتسال وتبديل ملابسها من أجل المغادرة، وقد صدر امر اخلاء سبيلها، واتمت الإجراءات منذ قليل.
وفي الجهة الأخرى، وبعد ان انتهائه من مكالمتها، دمدم بسبة وقحة على غير عادته، وقد أخرجته هذه الفتاة ببجاحتها عن طوره الطبيعي الهادئ، فبدلت مزاجه الرائق لاَخر منزعج.
زفر يعود لتفحص الملف الذي ما زال بين يديه، يعيد على قراءة المعلومات الخاصة بها باهتمام شديد، وقد حسم أمره الاَن، منهيًا فترة الاخذ والرد مع نفسه، طريقها مباشر ولا يقبل الالتفاف، ليته ملك الشجاعة لهذا الأمر من البداية، لكان اختصر كثيرًا من الوقت، متجنبًا التورط مع هذه الملعونة التي تجرأت على تهديده منذ قليل.
❈-❈-❈
بهيبة تليق به، كان جالسًا يتابع اعماله على الحاسوب الذي وضعه أعلى الطاولة المجاورة له، واضعًا قدم فوق الأخرى، والنظارة الطبية أعلى عينيه بوسامة كادت أن توقف قلبها، وهي تتابعه بوله، في وقفتها صامتة على مدخل الغرفة، من وقت عودتها من الخارج، يساعدها اندماجه الشديد في ممارسة هوايتها المفضلة في تأمله، لكن مع الوقت انتبه عليها اخيرًا ليهديها ابتسامة عذبة بسؤاله لها:
- انتي واقفة عندك هنا من امتى؟
دلفت تطوح بحقيبتها اليدوية، لتبادله ابتسامة رائعة بردها:
- انا هنا من زمان يا سيدي، واقفة وبراقب الجميل وهو مندمج في شغله.
اعتدل بجلسته وجذبها لتجلس على قدميه ليتغزل بها هامسًا:
- ولما انا ابقى جميل، تبقى انتي ايه يا ساحرة الفن والجمهور كله؟
ختم قوله ليلثم بشفتيه على جيدها ورقبتها كتحية تعبر عن شوقه إليها الذي لا ينضب ولا يتوقف،
، يتنشق عبير رائحتها الذي يعيد إليه الروح، بل هي الحياة نفسها، يعشقها لدرجة تجعل الأنفاس بقربها ترياق لكل أوجاعه واَلامه، نعم فهي زوجته والتي لن يرضى لها بديلًا لحمل أبناءه، بخاطره الاخير، رفع رأسه بانتباه يسألها:
- انتي كنتي عند الدكتورة النهاردة صح؟
اومأت برأسها كإجابة فتابع استفساره بتمعن:
- وايه الأخبار بقى؟ انا شايفك رايقة شوية رغم ان عيونك دبلانة، انتي عيطتي معاها كتير؟
اجابته برقتها التي تذيبه كالجليد وكفها تداعب جانب وجهه:
- وفيها ايه لما اعيط يا حبيبي؟ مش بيقولوا برضوا ان البكا بيريح.
سألها بإلحاح، وعينيه لا تغفل عن أي تفصيلة منها:
- يعني انتي ارتحتي دلوقتي يا نور؟
مطت شفتيها ومقلتيها تتراقص حوله قليلًا بتفكير، ثم ما لبثت ان تقول:
- اممم، يعني هي مش راحة بالأكيد، بس ع الأقل هديت شوية، يمكن لأني خرجت اللي في قلبي اخيرا، أو يمكن عشان الكلام اللي سمعته منها بعد كدة، بس في كلا الحالتين انا خارجة من عندها ومقررة ان احكيلك انت كمان يا مصطفى.
- بس انا عارف كل حاجة يا نور.
فاجأها بالقول، لتبتعد برأسها عنه تسأله بعدم تصديق:
- عارف ايه بالظبط؟ انا مش فاهمة.
رد بثبات وعينيه تأسر خاصتيها:
- عارف بمعاناتك في جوازك الأول مع كمال عز الدين، ومحاولاتك في اسقاط كل جنين كنتي بتحملي بيه منه ودا مش من النهاردة، لا دا من قبل ما اتجوزك، تحديدًا في الخطوبة.
- يعني انت عارف بكل ده من زمان ومخبي عليا....
قالتها بأنفعال، وقد أظلم وجهها بالغضب، همت لتنهض، ولكنها شدد عليها بذراعيه متابعًا بحزم:
- اسمعي ومتفهميش غلط يا نور، انا الموضوع ده عرفت بيه من طليقك نفسه، كان قابلني صدفة في حفلة فنية، واتعصب عليا يهرتل بكلام عن انك جاحدة واني واخد فيكي مقلب جامد واني مانخدعش بصورتك الحلوة واقع في نفس الفخ اللي وقع فيه، وذكر حكاية الحمل بالاطفال وانك كنتي بتسقطيهم من غير علمه، عشان كل اللي هامك الفلوس.....
همت لتتكلم ولكنه أوقفها بوضع السبابة على فمها مستطردًا:
- وعمري ما اتأثرت ولا صدقت اي كلمة من كلامه، بل بالعكس انا سألت كويس وعرفت من والدتك الله يرحمها عن معاناتك معاه واللي كان بيعملوا وياكي، بس طبعا احترمت رغبتك في انك تخبي حاجة زي دي عني، مع اني كنت بموت وانا نفسي اسمع منك عن اللي كان بيتعبك، كنت عايزك تفتحيلي قلبك يا نور.
تأثرت بكرمه البالغ حتى ترقرقت عينيها بالدموع وصدر صوتها ببحة باكية:
- انا بحبك أوي يا مصطفى.
قالتها لتضمه بقوة إليها، فاستجاب يبادلها عناقًا أقوى.
❈-❈-❈
عاد إلى المنزل يجر أقدامه جرًا من التعب، بعد قضائه اليوم بأكمله في التحقيق والملاحقات الخاصة بهذه القضية الهامة، والتي تمس جزءًا هامًا من عائلته، حتى لو كان هذا الجزء يتعالى حتى عن النصيحة.
القي التحية برفع كفه نحو والدته التي كانت تنقي الأرز في جلستها على مائدة السفرة الفارغة، واضعة النظارة الطبية على عينيها،
- مساء الفل .
- مساء الخير.
قالتها ثم انتظرت برهة حتى جلس على الكرسي المقابل لها فتابعت سائلة:
- كل ده تأخير يا أمين؟ اليوم كله في الشغل يا بني؟
زفر يجيبها بإجهاد شديد:
- أه والله يا ماما ، هو كان يوم صعب جدا، انا مش قادر ارفع عيوني وعايز احط راسي على المخدة وانام على طول، بس كمان جعان والله، هو انتي لسة معملتيش أكل يا مجيدة؟
- لا يا حبيبي الأكل جاهز ، الرز ده لعزومة بكرة
- عزومة ايه؟
تسائل بها قبل أن يأتيه الجواب مع خروج شقيقه من غرفته يهتف بمرح:
- زوجتي العزيزة يا عسل، هتشرف بكرة مع عيلتها على الغدا
عقب أمين بادعاء التذمر، رغم ابتهاجه للفرح الذي يشرق بوجه أخيه:
- كدة على طول بقت زوجتك؟ تكتب كتابك عليها امبارح، وتاني يوم تعزمها ع الغدا، هو انت معندكش دم يا عم انت، هنكفيك مصاريف من فين؟
تدخلت مجيدة قائلة بدعم:
- يا خويا خليه يصرف ويدلع مراته، شالله ما حد حوش.
- حبيبتي يا مجيدة،
هتفت بها حسن يقبل رأس والدته قبل ان يجلس ويرافقهم على الطاولة.
ضحك شقيقه بصمت فقد كانت طاقته على المناكفة على وشك النفاذ، قبل أن تباغته والدته بالباقي من أخبارها السارة:
- دا احنا كمان عازمين أنيسة وبنتها لينا.
فجأة تجددت به الحيوية ليرد بغضب مصطنع:
- والست لينا تعزميها ليه بقى؟ كانت اخت العروسة ولا من قرايبها؟
رد حسن بالنيابة عن والدته:
- يا بني احنا عازمين انيسة عشان غرض مخصوص، وهو الحلويات اللي بتعملها، ولا انت مبتحبش حلوياتها؟
ادعى الامتعاض في رده على السؤال:
- لا طبعا بحبها، دي استاذة حلويات يا بني، خلاص يا أمي، أنا موافق عشان حلويات الست انيسة، والبت لينا تيجي معاها زي بعضه
رددت مجيدة خلفه ساخرة وهي تنهض عن مقعدها بجوارهما:
- زي بعضه كمان، يا خويا كتر خيرك.
اضاف حسن هو ايضًا:
- انت كريم اوي يا أمين؟
اندمج يستجيب لمزاحهم قائلًا:
- اهو بقى عشان ما تقولوش عليا وحش ولا متعندها؟
- لا اطمن مش هنقول
قالها حسن وانطلقت ضحكاتهما الاثنين .
❈-❈-❈
في اليوم التالي.
دلفت صبا في موعدها الاعتيادي في هذا الوقت من الصباح لممارسة عملها بداخل الفندق، تسير بطبيعتها المستقيمة لا تلتفت إلى النظرات او الهمسات من حولها، لكنها اليوم تشعر انها مختلفة عن كل يوم، وهذا ليس الآن فقط، بل هو منذ خروجها من باب المبنى الذي تقطن به، لفتتات غريبة من بعض الشباب في الحارة كالتفوه بتعليقات لم تفهمها، حتى في استقلال الحافلة، لاحظت بعض الهمزات واللمزات، ولكنها تجاهلت مخمنة ألا تكون المقصودة، لتأتي الاَن بداخل الفندق، لتجد نفس الشيء بل أكثر، جميع الرؤوس تلتف نحوها ، مجموعات او أفراد، في نفس الإتجاه أو عكسه، موظفين او نزلاء، ونظرات متفحصة بشعور غير مريح جعلها توقف أول فتاة من عمال النظافة وجدتها بالردهة المؤدية الى قسمها:
- استني يا مريم ثواني هنا.
انتظرتها الفتاة حتى اقتربت لتخاطبها بلهفة:
- آنسة صبا، ازيك عاملة ايه؟ هي مودة مجاتش معاكي النهاردة برضوا؟
لا بصراحة مجتش
ردت تجيبها بعجالة، قبل تتابع بالسؤال بكلمات غير مترابطة:
- معلش يعني اا.... بصي بصراحة، اصل انا ملاحظة حاجة كدة بتحصل معايا من الصبح.... حاسة الناس كدة بتبصلي وو... هو انا فيا حاجة غلط النهاردة في لبسي ولا حجابي..
ردت مريم بعفوية، وكأنها تخبرها عن أخبار الطقس:
- لا انتي لبسك حلو وزي القمر كعادتك، بس هو في كلام طالع عليكي من امبارح عشية .
سألتها بقلب وقع بين قدميها:
- كلام ايه اللي طالع عليا يا مريم؟
رفعت لها الفتاة هاتفها لتوضح لها بالصورة:
- هو مش كلام، هو خبر كدة منتشر وبينزل بوستات عليه وبقى ترند عن جوازك بعدي باشا ولا خطوبتك باين مش عارفة، شوفي كدة.
بأيد مرتعشة تمعنت بالشاشة تقرأ الكلام المدون أعلى الصورة الملتقطة لها مع هذا الشيطان بمطعمه، وتخمين بخبث عن علاقة رجل الأعمال العظيم بالفتاة التي سرقت عقله، وجعلته ينسى زوجته والأولاد، بسعيه خلفها، وسؤال يطرح، عن قرب زواجهم، أم هي نزوة جديدة.
❈-❈-❈
خرجت من المنزل بعد اتصاله لتجده ينتظرها بداخل السيارة وبدون حراسه الشخصين، تلقف طفله الذي سبقها ليرفعه إليه ويقبله:
- حبيب بابي، يا قلبي انت وحشني وحشني وحشني.
- هو بس؟
قالتها فور أن وصلت إليه، قربها بذراعه الاخر ليقبلها على وجنتيها مرددًا
- لا طبعًا مامته أكتر.
انتفضت لتبتعد عنه بحرج معترضة:
- احنا في الشارع يا كارم، خلي بالك .
اقترب برأسه منها هامسًا حتى لا يسمع الطفل:
- اعملك ايه طيب؟ ما انا هتجنن في بعدك.
استجابت بابتسامة يزينها الدلال، جعلته يزوم بحنق اثار ضحكتها، قبل أن تتوقف مرة واحدة حينما تفاجأت به يفتح باب السيارة الخلفي ويضع به الطفل، ثم يثبت عليه بحزام الأمان، فسألته بخوف انتابها على الفور:
- انت بتعمل ايه؟ هتاخد عمار يا كارم؟
التف إليها بضحكة مطمئنة قائلًا:
- ايه يا مجنونة؟ هو انتي بتكلمي حد غريب؟ دا انا باباه، ثم انتي أساسًا رايحة معانا .
ارتدت للخلف تقول برفض:
- اروح معاك فين؟ هو احنا مش متفقين اني لسة مفيش مرواح، لحد اما تهدى اعصابي؟
لوح بكفه إليها يخاطبها بلهجة هادئة:
- براحة شوية يا رباب، انا بس عايز افرجك ع المفاجأة اللي محضرهالك، وبعدها هرجعك تاني، هنعدي الاول على ماما اللي اشتاقت لحفيدها، وانا وانتي هنعمل مشوارنا، واما نرجع هناخده من تاني يروح معاكي يا ستي، مش انتي طالبة نتكلم مع بعض، أدينا هنتكلم ونتفسح كمان؟
اومأت توافقه بقلق:
- اه طبعًا، بس منتأخرش كتير؟ ولا تضحك عليا وتروح ع البيت
اطلق ضحكة مجلجلة ليفتح باب السيارة الأمامي لها مرددًا:
- اطمني يا مجنونة، مش هنتأخر، ولا اخدك ع البيت واغرر بيكي.
❈-❈-❈
بداخل السيارة وبعد أن اوصلا طفلهما إلى جدته، كان يقود سريعًا بتركيز شديد ولكن مع مرور الوقت وازدياد المسافة، دخل بقلبها الريبة لتسأله:
- هو انت رايح بينا فين بالظبط؟ ناوي تخرج بينا من القاهرة يا كارم؟
التفت يجيبها بابتسامة زادت من وسامته:
- ما انا قولتلك محضرلك مفاجأة، واطمني يا ستي، كلها ساعات وهرجعك.
علقت باستهجان وعدم تقبل:
- ويعني هي المفاجأة ما تنفعش في القاهرة؟ ولا لازم نطلع براها؟
رد يتنقل بنظراته من الطريق وإليها:
- لا طبعا متنفعش عشان دي حاجة مكانها لازم يبقى ع البحر، ولا انتي مخدتيش بالك اني مغير النهاردة.
ضحكت وعينيها تمشط على ملابسه بانبهار:
- لا طبعا خدت بالي، القميص الأبيض على البنطلون الأبيض، الاتنين يجننوا عليك، بس انا بصراحة انشغلت أسألك عشان يعني تفكيري كله كان في المشوار، بس انت مقولتيش برضوا احنا رايحين فين؟
هزهز برأسهِ بالرفض مبتسمًا بمكر ليزيد من تشويقها، ويجعلها تردف بفضول طفولي:
- ماشي يا كارم، اما اشوف مشوارك دا رايح بينا على فين.
ظل على ابتسامته يدعي اندماجه في القيادة، ليجعلها تتحرق للمعرفة، فساهم ذلك في التخفيف من توترها ليعطيها الاَمان، وعاد هو لأفكاره السوداء، وقت أن اخبره هذا الوضيع بالأمس وأمام رجاله عن وجود فيدوهات بين الاثنين، الجملة نفسها جعلت رأسه يشتعل، كي يعلم بالإجابة الكاملة، لقد أرسل رجاله سريعًا نحو عنوان المرأة المسماة بسوزي، ولكن للأسف، لم يتوصل إليها هو، أو حتى الشرطة، وقد تمكنت الملعونة من الهرب، يبدوا انها حية كصاحبتها، ولكنه لم ييأس، وقد قاده عقله سريعًا ليبحث داخل غرفتها بقصره، تلك التي كانت تخصصها لعمل الفديوهات والبث المباشر بصفتها بلوجر مشهورة ولها متابعين، امسك بحاسوبها يحاول به، وحينما يأس من الدخول بكلمة السر التي غيرتها، بعث لأحد الرجال المخضرمين في هذا المجال ، وتمكن من فتحه، ليدخل ويجد ضالته، شرائط مصورة تجمعه على الفراش مع جيرمين، والتصوير قد تم من زاوية قريبة جدا وواضحة بداخل شقته التي كان يظن أنها سرية، ومخفية عن أعين الجميع، وسؤال من الأمس يطارده ويلح على ذهنه، كيف فعلتها؟
ضغط ليكبح جماح نفسه عن اذيتها في السيارة، ليتريث كي ينتظر الوقت المناسب، وها قد اقترب.
بعد قليل
دلف بها في داخل القرية السياحية ليتوقف عند مرفأها، فترجل سريعًا يقول بحماس:
- وادينا وصلنا اخيرًا للمفاجأة يا برنسس.
ترجلت من خلفه، لتتطلع حولها باستغراب سائلة:
- فينها المفاجأة دي يا كارم؟ انا مش فاهمة حاجة.
تبسم يلاعبها بثقة:
- هو انتي مش كان نفسك في يخت يتقدملك هدية في عيد ميلادك وانا اعملك فيديوا وانا بقدمه برومانسية.....
-شهقت تخمن بعدم تصديق:
- لا متقولش، معقول يا كارم عملتها؟
اشار بكفه بسبابته نحو احد اليخوت المصطفة امامها، ليجيب عن سؤالها:
- وسميته بإسم الدلع بتاعك كمان ريري.
هذه المرة لم تشعر بنفسها، لتلقي بثقلها عليه، وتلف بذراعيها حول رقبته قائلة بعشق حقيقي وأعين ترقرت بدموع الفرح:
- انا بحبك اوي يا كارم، مفيش حاجة حلمت بيها الا وحققتهالي، ربنا يخليك ليا بجد.
ربت بكفيه على ظهرها ليقول:
- وانتي تستاهلي يا قلب كارم، خلاص خلي الاحضان دي بعدين بقى عايزين ناخد لنا لفة بيه.
استدركت وضعها في هذه المنطقة المفتوحة، لتفك ذراعيها عنه سريعًا، تتمتم بحماس:
- عندك حق، احنا نخلي الاحضان بعدين.....
توقفت بتذكر، لتقول بابتسامة خبئت فجأة:
- بس انا كان غرضي الاساس من الخروجة اننا نتكلم مع بعض.
رد وهو يتناول نظارته الشمسية السوداء ليضعها اعلى عينيه بابتسامة ظل محافظًا عليها:
- وماله يا قلبي، ناخد لفتنا في البحر بس، وبعدها نتكلم براحتنا .
.....يتبع
•تابع الفصل التالي "رواية وبها متيم انا" اضغط على اسم الرواية