رواية مسك الليل الفصل الثالث 3 - بقلم سارة طارق
الفصل الثالث
وأثناء سيرها وبحثها عن أختها لم تشعر بتلك السياره التى خلفها ويطلق السائق البوق حتى تنتبه وتبتعد عن الطريق
" يوه بقا دى لو طرشه كانت سمعت بعد دا كله دى الأموات صحيت من صوت الكلكس"
وزفر بضيق وهو يقول
" انتى ياست ابعدى عن الطريق أنا مش فاضى لتوهان النسوان ده بعدى عن الطريق والا ولله لدهسك "
زاد غضبه بعد أن رآها لم ترد عليه ولم تتنحى لأى جانب ، أوقف سيارته ونزل والغضب يعتلى وجهه واتجها إليها ومسكها من معصمها وادارها له عنوه ونظر لها بغضب ، ولكن كل هذا تلاشى بعد أن رأى وجهها بوضوح ونظر لها بصدمه فاهى تقف أمامه لم يصدق نفسه وابتلع ريقه
كانت تبادله تلك النظرات أيضا نظرت بتوتر ونظرت لذراعها الذى لم يفلته من بين يديه وجاهدت لتتحدث
" بعد أذنك يا استاذ سبنى ، انت ملكش اى حج انك تلمسنى ، مش مسك اللى تخلى حد راجل غريب يلمسها "
كان ينظر لها بصدمة كبيرة ، كيف اصبحت قاسية عليه هكذا
" جولتلك سبنى، انت ملكش اى حق تجرب منى"
نطق بحزن كبير بعد كلماتها تلك ، وتركها هو لم يمسك يدها بل ملابسها ، ولكن هذا ايضا خطأ
" أنا أكتر واحد فى الدنيا دى كلها له الحق فيكى وفى اى حاجه تخصك أنا الوحيد اللي ليه الحق فيكى يامسك ، بلاش يا مسك بلاش تبقى قاسيه أوى كده والله كل حاجه حصلت كانت غصب عنى أنا ..."
" معلش ، بأى حق انت ليك حج فيا ، انت غريب عنى دكتور مفيش اى حاچة تجمعنى بيك ، اللى فى الجلوب ، خليه الجلوب عشان عمره ماهيبجا مبرر لأى حاچة تخالف شعر ربنا .......، لو سمحت ياضاكتور أنى مطلبتش منك أى تبرير ، لأن كله خلص وانتهى من زمان خلاص أنى ماعتش فاكره حاجه انا ..."
" كداب يامسك انتى عمرك ماهتنسينى ، انتى لسه بتحبينى و عارفة انى أنا كمان بحبك ، ليه بتعملينى بطريقة دى كأنى مسخ قدامك"
قالها بحزن على حالهم الذى انقلب رأسا على عقب بسبب والده
بكت مسك بقوة عقب جملته الاخيره ونطقت
" بعد الشر عليك يابلال ، بس صدجنى ملهاش لازمة وجفتنا دى ولا اى كلام هنجوله ، سبنى يابلال ، كفاية أنى بتعذب كل يوم بسببك وبسبب غبائى اللى مشانى ورا جلبى واتعلقت بيك اكتر ، ونسيت ان فيه ربنا شايفنى وشاهد على كل حاچة "
رغم طريقتها الجافة معه ،كاد يقترب منها ليسمح دموعه عينيها التى تنهمر لأجل جمله قالها وكادت يده تلامس وجهها كادت تبعده وهى تتراجع للخلف ولكنهم تجمدا عندما سمع هذا الصوت الخشن وهو يقترب منهم
كان الرجل يركض وهو يلهث بشده بسبب تلك المسافة التى ركضها حتى يذهب لأهل تلك المسكينه التى غدر بها أحد مجرمين البلده كما ظن
" يا سنه سوخه الواحد مش جادر يتنفس شكل الواحد عجز بدرى بدرى " قالها من بين أنفاسه السريعة ولكنه حث نفسه على الركض أكثر حتى يسرع لوجهته
ولكنه توقف عندما رأى هذا المشهد الغرامى بين طبيب بلدتهم الذى يعد من كبراتها وبين فتاة لم يحدد ملامحها بسبب وقوف بلال أمامها
ولكنه حثم أمره و ذهب باتجاهه ليعرف هوية تلك الفتاة
" ضاكتور بلال ، انت ايه اللي موجفك أكده فى نص الطريق فى حاجه"
صدم بلال من هذا الصوت الذى يألف صاحبه ونظر بأتجاه مسك التى شحب وجهها خوفاً من أن يعرف هذا الرجل هويتها ويفضحها أمام أهل بلدتها
قرر متولى ممرض المستوصف ندائه على بلال
ابتلع بلال ريقه وحاول الألتفات له دون أن يظهر وجه مسك أمامه خوفا عليها وعلى سمعتها
ألتفت له بلال وجعل مسك تختبئ ورائه حتى لايظهر وجهها أمامه
" فى حاجه يامتولى ، أيه اللي مخرجك السعادى انت مش عندك نابطشيه دلوقتى ، انت متعود تسيب شغلك وتتصرمح " قالها بغضب مزيف حتى يلهى عقله عن أى سؤل عن هويه مسك
" أاا أيوة يا ضادكتور ، أنا عندى نبطشيه بس انا خرجت من المستوصف عشان ادور على أهل البت اللي جتلوها ورموها فى البحر "
جحظت عين مسك مما سمعته وسمع بلال شهقتها من خلفه و تابع متولي الحديث
" اصل البت دى تبجى بت الحاجه زينات ام البنات مسك و ورد اليمن ، بس أنا ريحلها عشان تيجى تشوف بنتها بسرعه وهى الوحيدة اللي هتتعرف عليها مانت خابر ان بناتها توأم وماحدش بيجدر. يفرق بناتها من بعض غيرها هى "
شهقت مسك بصوت عالى واطلقت صرخه بعد أن عرفت ماجرى لأختها وكادت تركض ولكن امسك بلال من معصمها وجعلها تصمت
" انت لسه واقف يابن ادم أجرى بسرعه روح لست زينات وعرفها وأنا رايح أشوف ايه اللي جرى لبنتها بسرعه "
انتفض متولى بخوف على أثر صياحه وغضبه وانطلق بسرعه دون أن يضيف اى كلمه اخرى
نظر بلال لمسك والتى انهارت بعد رحيل متولى وكادت تصرخ بأعلى صوتها ولكن كممها بلال وحملها بسرعه وتحكم فى حركتها الهستيريا وادخلها السياره واحكم بابها ودخل هو أيضا وانطلق بها فى اتجاه المستوصف
نظر لها بلال وحاول طمئنتها على اختها بعد أن رأى حالة الرعب التى تملكت منها
" اطمنى أن شاء الله تكون بخير بس انتى أهدى "
" ايه اللى انت عملته ده ، انت مش بتفهم ليه أنت ملكش حج فيا يابلال طول ما احنا غرب عن بعض ، افتح العربية دى خلينى اشوف اختى
لم يستمع لها بلال وانطلق بسرعه ، ولكنه بعد فترة سمع كلماتها المعاتبة لأختها كأنها أمامها
" ليه كده ليه ياورد بجا أكده تهون عليكى نفسك أكده هانت عليك مسك عشان تروحى وتسبيها أه ياختى غدرو بيكى مره ومكفهومش فاجتلوكى استكترو عليكى العيشه ياختى ، اه ياحبيبتى اه ياجلب اختك ، استرها معانا يارب دا احنا ملناش غيرك ونبنشعلج فى رضاك "
لم يفهم بلال ماتقوله ولكنه لم يعقب على حديثها الان كل مايهمه هو رؤية ما حصل لأختها
وقف بلال لمسافه معينه من المستوصف
" مسك مش هينفع ادخل اكتر من كده انتى تخرجى وتروحى لوحدك عشان ماحدش يشوفنا وأنا هروح بس من الباب اللي ورا يالا بسرعه قبل ماحد يلمحك معايا "
نزلت مسك السيارة وركضت بأتجاه المستوصف ودخلت وارتطمت بالعامل
" مش تحاسبى ولا هو خلاص ماعدش فى خشى ولا تربيه عشان تضربه راجل عجوز زى أكده ، وبعدين ما أنتى كويسه وزى الفل اهو اومال كنا شيلينك ميته ليه من شوية " قالها بغضب بسبب ألم كتف الذى اصابه من تلك الضربه ، جعل تلك المسكينة تصرخ وجهها من الصدمة ، أيقول حملها ميته ترجته
وسألته عن أختها ، فنظر لها بغيظ وأشار لها عن العيادة التى بها اختها
______________________________________
دخلت مسك العيادة دون أن تطرق الباب وتفاجأة بأختها التى تنام بشحوب ودمائها التى اغرقت الفراش الذى تنام عليه لم ترى مسك الطبيب الذى ينظر لها بصدمه من دخولها بدون أذن ، فقط كانت ترى أختها التى تنام بهذا السكون المريب
أقتربت من ورد بقدم مرتعشه وبأنفاسها التى تتلاشى واحدة تلو الأخرى بسبب تلك الانقباضة التى سيطرة على قلبها
وقعت مسك أمام أختها ونظرت لها وهى تمسك يدها بأمل أن تقوم ورد معها
" ورد ورد حبيبتى جومى ياختى جومى يالا بلاش جلع بنات ماسخ ، جومى (قومى) مع أختك حبيتك مش أنتى دائما تقوليلى انا مقدرش اسيبك يامسك فاليه خالفتى وعدك ليا وسبتينى ليه ، أكده هونت عليكى ، بس لاه أنتى هتجومى وهتكونى بخير والله لجبلك حقك من اللي عمل فيكى أكده بس انتى جومى ، ج ج جومى قبل ما زينات تجى وتصحيكى هى، انتى عارفه هيتعمل فيكى ايه ، يلا يلا تعالى معايا عشان تنامى معايا في البيت"
لم ترى من اختها اى ردت فعل كأنها لم تستمع لأى كلمه قالتها لتو وهنا صرخت وهى تقول
" جومى ياورد اليمن يلا جومى معايا والا والله العظيم اقطع اى كلام معاكى ، انتى مش بتردى ليه ورد ياورد اصحى لاء لاء لاء انتى مش هتروح منى " قالتها وهى تحتضن رأس اختها وتتحدث بهستريه
" لاء مش هتموتى انتى انتى هتفضلى معايا هنفضل سوا ، لاء جومى يلا ، يارب يارب. لا إله إلا الله ، لا إله إلا الله اللهم لا اعتراض على قدائك يارب اللهم لا اعتراض " كانت هذه هى الجمله التى ترددها مسك وهى تحتضن أختها ولم ترى أو تستمع لذلك الطبيب الذى يحاول جاهدا أن يبعدها عن أختها ولكنها كانت متشبسه بها بطريقه غريبه وقويه
دخل بلال وحاول أن يبعد مسك عن أختها ولكنه لم يستطع فصرخ فى الطبيب طلب منه أن يأتيه بحقنه مهدئه حتى يستطيع السيطره عليها
كانت مسك مازلت على وضعها وهى محتضنه اختها ولا ترى أو تسمع اى احد فى الغرفه فقط كل ما تراه هو ابتسامة ورد وتسمع صوت ضحكاتها يتردد فى أذنها وهى تقول لها
" هو انتى مفكرانى لما تجوز بدر هجدر أبعد عنك ، تؤ دا انى هجعد على. جلبك أكده ومش هفوتك واصل يامسك "
كانت تبكى بقهر على اختها تلك المسكينه التى لم ترى فى حياتها غير التعب والمشقه حتى لم تفرح بنفسها
" أن لله وأن إليه راجعون إن للله وأن إليه راجعون إن للله و و. إااان إليه رااااج ع ون " هكذا ختمت جملتها قبل أن يسيطر عليها هذا الظلام بعد أن حقن بلال ذلك المخدر فى كتفها لترتخى يدها عن جسد اختها ويرتخى معها جسدها بالكامل ويلحقها بلال بين زراعيه وينظر لها بحزن وهو يحملها ويفرد جسدها على تلك الاريكه الموجوده بجانب الفراش
ابتلع غصه قويه وهو يرى جسد ورد أمامه بذلك الشحوب واقترب منها وهو ينظر لها بشفقه على ما حصل لتلك المسكينه
استمع بلال لهذا الصوت الرجولة الذى يناديه وجعله يتجمد بمكانه ، نظر له بلال بصدمه وهو يراه يقف أمامه
" رضوان "
_________________________________________
وفى فجر يوم جديد بدأ على البيت الذى عرف الحزن بابه بعد غياب أحد أفراده وأهمها
دخل مجموعة من الغفر وحملوا جميع الحقائب الموجوده فى منتصف البيت بعد أن انزلتهم الخادمات كما أمرتهم ربة المنزل بهذا
تنحنح أحد الغفر ونظر لتلك الحقائب بحزن ونظر لرجاء والدة رشاد ورضوان
" ليه كده بس ياست هانم مكانش له لزوم اللي بتعمليه والله مايصح ، الحاجه دى ...،"
" أعمل اللي بجولك عليه من غير كلام كتير يامنصور ، وخد الحاچه دى على بره يلا " قالتها و قلبها يعتصر من اللالم كم كان صعب عليها فعل هذا ولكن هذا هو الحل الأمثل لها ولأبنها
دخل جابر وعلى وجهه معالم الأستغراب لإخراج كل تلك الحقائب من بيتهم مع رجاله
" وخدين الشنط دى على فين "
هنا تحدثت رجاء وهى تشير له أن يتبعها لغرفتهم " تعالى نتكلم فوق ياحاج ، أنا محتجاك فى حاجه مهمه " قالتها وهى تحاول التماسك قليلا وصعدت بعدها على السلم ولكنها توقفت ونظرت لتلك الفتاة رشا التى تساعدها فى البيت
" رشا ، روحى جهزى كل حاجه زمان الجزار جايب لحمة الدبيحه و جاى يلا بسرعه من غير لكاعا جوام أنا عايزة احلى وأكل يتعمل النهاردة ويتوزع على كل الفقرة والمحتاجين فى البلد "
ثم ترقرت عينها بدموع وتقول بوجع افتك قلبها
" ابقى اعملى فتة رشاد كان بيحبها ومتكتريش فيها التوم والرز عشان مكانش بيحبهم كتير عليها " قالت وصعدة مباشرة للغرفة بعد أن عرفت انها لن تستطع أن تتحكم فى بكائها
بعد أن صعد جابر خلف زوجته لغرفتهم وقف أمامها ليعرف إجابة عن سؤاله
" أيه الحاجات اللي كانت فى الشنط دى يا أم رضوان"
" دى حاجة رشاد ابنى ياحاج " ابتلعت غصة مره وهى تكمل حديثها " بوزعها على الغلابه ، ل لميت كل حاجه تخصه حتى كتبه ه هوزعهم على الناس الي محتاجها "
صدم جابر من تصرف زوجته ، فكيف لها أن ستغنا عن متعلقات ابنها الراحل بكل تلك السهوله ، فصاح بها
" أنتى أكيد مخك ضرب ، كييف تفرطى فى الحاچه اللي فيها ريحة أبنك بسهوله دى ، كانك أتجنبتي وعجلك (عقلك) خرب ياوليه "
هنا انتبحت رجاء بصوت عالى وبكت بشده ونطقت بقلب عرف معنى القهر والكسره بعد موت أبنها البكرى
" وتفيد بإيه الحاچه وصاحبها مش موچود ، ولو على الريحة فرشاد رحته فينا ومش هتفرجنا العمر ، ريحته بشمها فى كل مره ببص فيها ليدى اللي كان يوماتى يبوسها و ي ويجولى أدعيلى ياما ، كنت بجوله بدعيلك يانضرى روح ربنا يكفيك شر ولاد الحرام "
وهنا أنتبحت فى البكاء أكثر وهى تقول بكل ألم
" بس شكل الدعوه ماتجبلتش منى وشوفتك يا جلب أمك مرمى فى شوال لاحول بيك وقوة ، غدرو. بيك ياحبيبى ولاد الحرام ، غدرو بيك كلاب السكك وبعدوك عنى جبل (قبل ) ما أفرح بيك وأشيل عيالك ، وبدل ما أزفك لفرحك وعروستك زفاتك لتربتك زفاتك لأخرتك يا والداااااااى ، ياولدى ، أه ياجهرة جلب أمك وحسرتها عليك وعلى شبابك يارشاد "
رق قلب جابر من أجل زوجته ونزل على قدمه وقربها لأحضانه وهو يشاركها البكاء على ابنه الذى امتلك قلب والده بكل مافيه ونظر لها قائلا
" استغفرى ربك يا أم رشاد استغفريه ، دى كانت أمانته وردها عنده تانى ، أدعيلنا بس ربنا يجمعنا بيه فى الجنه " وابتلع غصه مريره ناطقاً
" وبدل البكا ، زغرتى ، أيوه زغرتى ، لأن أبنك ربنا هيعوضه وهيزفه فى الجنه مع أجمل واحدة من حور العين ، واللى ماعرفش يعيشه فى الدنيا ربك هيعوضه بلأحسن منه فى الجنه ونعمها يا رجاء ، ادعيله وأحتسبيه عند ربك "
كفكفت رجاء دموعها ونظرت لزوجها وحاولت تغير الحديث
" الشنط اللي تحت دى فى ناس أبدى منا عاوزانها ، أنى عارفه أنها من ريحة الغالي. بس مافيش صدقه أحلى من انك توزع الحاچات اللي كان بيحبها على اللي محتاچها أحسن من ركنها ، وكمان بعت حد يدبح عشان نوزع لحمه على روحه ، أيه رأيك ياحاج "
ابتسم لها وهز رأسه بعلامة الرضا على حديث زوجته
" أعملى اللي انتى شيفاه صح ، وطلما الحاچه هتتوزع على المحتاج يبجا مقدرش أرفض
ربنا يجعله فى ميزان حسناته وحسناتك يارجاء
أنا جايم أتوضه وأصلى الفجر "
نظرت رجاء نظره مطوله على زوجها ثم نقلت بصرها على تلك الصور الموجوده على الطاوله التى أمامها
كانت الصورة تجمع الاخين رضوان ورشاد وهم يحتضنان بعضهم فى يوم تخرج رضوان من كلية القوات الفنية العسكرية وعلى وجههم سعاده كبيره ، مسحت الصورة بيدها ودعت لابنها الاول بالرحمه
والمغفره ، ثم نقلت نظرها لرضوان ،
" ربنا يباركلى فيك يابنى ويطولى فى عمرك
ويعوضنى فيك خير يارب و مشوفش فيك
حاچه عفشه واصل ، لأن خلاص بعد ربنا
معادش ليا غيرك "
رفعت الصورة لمستواها وقبلتها ثم احتضنتها
وظلت تنهمر العبارات الحزينه على فراق الغالى
خرج جابر من المرحاض بعد أن توضئ وجد زوجته مازلت على وضعها ومعها الصوره التى تجعمع أولاده بين أحضانها ، نظر لها بحزن ولكنه عكف على تركها بمفردها حتى تهدأ لعل تلك الدموع تبرد ولو قليلا من نار قلبها
وذهب ليصلى فى غرفة أخرى ويتصل برضوان يعرف سبب مابيته فى الخارج
_________________________________________
فى الاستقبال الخاص بالمستوصف
ابتلع بلال رشفه من الشاى وهو يحاول أن يتمالك نفسه أمام هذا القابع أمامه يحدثه
" والله زمان يابلال ، أيه ياراجل لابتسأل ولا حتى بتعدى تعقد مع الواحد شويه أيه يادكتور هتعلا علينا ولا أيه " قالها رضوان
ابتسم بلال عقب جملته الأخيره قائلا
" لا ابدا والله بس أنت عارف الشغل مش بيخلص ولا حتى الستات بتبطل تولد ، بس أن شاء الله أجلكم فى أقرب وقت وكمان أجى اشرب مع الحاج جابر القهوة و أعزي فى رشاد "
" مبنقبلش العزه يادكتور ، بس عندنا بُن عادى نضيفك بيه بس ده لو جاى زياره ، إنما لوجى فى حاجه تانيه يبقا أشربها فى بتكم أحسن " هكذا نطق رضوان بكل صراحه وجديه وهدوء
وهو يرتشف اخر ما تبقى فى كوبه من الشاى
أبتلع بلال ريقه وهو يحاول أن يجاهد ليخفى توتره
أمام رضوان ، فالكل يعرف ماكر رضوان وفراسته
التى ورثها عن والده وزاد ذكائه ومكره بعد
عمله فى الجيش وممارسة المهنه لأكثر
من خمس سنوات
لم يعلق بلال على حديثه واكتف فقط بهز رأسه
" هى البنت اللي جوه دى مين وايه اللي عمل فيها كده "
خرج بلال من تفكيره على سؤال رضوان
" دى تبقا ورد اليمن بنت الست زينات مرات الحاج عوض فتح الله ، الله يرحمه ، بس الدكتور كشف عليها وقال إن هى اللي عملت فى نفسها كده مش حد تانى "
استغرب رضوان كثيرا من حديثه وظل يفكر ، ماذا يوجد فى حياة تلك الشابه حتى يجعلها تنهى حياتها بتلك الطريقة المشينه وبكل سهوله ويسر ، وما زاد استغرابه هو نظراتها وأبتسامتها له وهو يمسك زراعها ويحاول أن ينقذها قبل أن تغرق
" بس أنت بتسأل ليه عن كل ده "
نظر له رضوان بسخريه ونطق:" على أساس أن اللي قاعد معاك دلوقتى ده بياع كنافه ، جرى أيه يادكتور أن ظابط و فى جريمة قتل أو انتحار حصلت فى بلدى ، فأكيد لازم أسأل عن سبب الجريمة دى ولو فى حد ، سبب فى اللي حصل للبنت دى ، فلازم اعرف هو مين ومين اللى باعته ، أو عمل ايه عشان يوصل البنت دى لأنتحار"
نظر له بلال ببعض الأحراج وهز رأسه بأقتناع
" تمام لما تفوق من اللي هى فيه هبلغك وتيجى
تستجوبها دا لو حالتها تسمح "
" تمام يا بلال اشوفك على خير ومنتظرك عشان
تشرب معنا القهوة فى البيت دا بعد مادوق أكل
الحاجه الأول "
" إن شاء الله طلما فيها أكل من أيد الست رجاء
يبقا جى وش " هكذا تحدث بلال بمزاح
ابتسم له رضوان وهو يصافحه :" أكيد تنورنا فى أى وقت يادكتور ، سلام عليكم "
بادله بلال المصافحه وهو مازال على وضعية الابتسامه المزيفه التى يرسمها ولكن نطق بسؤال ما
" بس انت اتعلمت تتكلم مصراوي أهو "
" أنت عارف بقا أعدت فى الكليه اربع سنين غير شغلى اللي هناك فابقيت اتكلم مع المصراوى مصراوى ، والصعيدى صعيدى ، وأهو مندا على ادا الدنيا بتمشى ، يلا أشوفك على خير " قالها وخرج من المكان هو يمسك هاتفه الذى لم يكف عن الرنين
فكانت بعض المكالمات من والده والبعض الآخر من رجاله الذى كلفهم بمهمه معينه وكاد يتصل بوالده ولكن وجد الهاتف يرن مره اخرى
وضع رضوان الهاتف على أذنه ولم ينطق بكلمه ظل ينصت لطرف لأخر حتى ينهى حديثه ولكن انتفخت عروقه واحمر وجهه وظل يضغط على كف يده حتى كادت عروقها تنفجر من قوة الضغط عليها اعتصر عينيه بقوة هو يكاد يقدم على خطوة كان يتمنا الا يفعلها حتى فى أسوء كوابيسه
" خليه معاكم لحد ماچيله بنفسي ، أياك حد يجرب منه أو يمسه بس ، الواد ده بتاعى أنا "
لم ينتظر كثيرا وأغلق الخط وهو مقدم على خطوة
يعرف أنها سوف تأتى بتائج عكسية له ولبذلته العسكرية التى لم يتمنا يوماً أن يخالف قنونها
ولكن لن يكون هذا بالهين أو بسيطاً كما ظن هو
ركب سيارته بعد وانطلق بها بأقص سرعه وهو
يتذكر وجه أخيه الذى كان يملأه الدماء والكدمات
يكاد يجن بسبب ماحصل له ، لكن كل هذا
لن يمر مرور الكرام
_________________________________________
فى المستوصف تابع بلال من النافذه خروج رضوان واستغرب كثيرا ردت فعله بعد تلك المكالمة التى أتت له وجعلت سرعته التى تكاد تنافس الهواء من كثرة سرعته
ولكن أخرجه من شروده هاتفه الذى كان يعلن عن إتصال من والدته ، تنهد وحاول الهدوء وهو
يتحدث معها
" ألو ، ايوه يا أمى ...." كاد يكمل حديثه ولكنه استمع لصراخ والدته وصراخ زوجة أبيه من الطرف الآخر من المكالمه
توجس بلال كثيرا بسبب هذا الصراخ وتملكه الخوف
" فى أيه ، وايه النواح ده ....." اتسعت عين بلال بصدمه بعد حديث والدته وصرخ بصوت جهورى
" يعنى هيكون فين ، وانتوا كنت نايمين على ودانكم
والبهايم اللي أنا أنيها فى البيت دى عشان تاخد بالها منه كانت فين " لم ينتظر بلال كثيرا وركض للخارج وهو يكاد قلبه يخرج من الخوف على أخيه المتهور
الذى وبسبب غبائه رمى نفسه فى التهلكه والأن سلم
نفسه لمن لا يرحم أحداً
_________________________________________
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية مسك الليل) اسم الرواية