رواية زواج السوشيال ميديا الفصل الرابع 4 - بقلم سهام احمد
seham Ahmed:
البارت الرابع
نوايا شيطانية.
عندما تكثر الصراعات داخلنا تتشتت مشاعرنا وافكارنا، لا يتضح لنا الصواب من الخطأ، وتنعكس تلك الصراعات المتضاربة على حالتنا الخارجية، تختفي تلك الابتسامات من على وجوهنا، تغمرنا حالة الاكتئاب ونتحول إلى أشخاص آخرين لا نعرفهم، تلك الحالة تتملكنا وتجعلنا نسيء الإختيار، ولا نرى أمامنا سوى وجه الصورة، أما جوانبها والجهة الخلفية لا تظهر لنا، تظهر فقط لمن يرى تلك الصورة كاملة من الخارج، نحن نكون في تلك الحالة كلوحة داخل إطار الصورة، ويشاهدها جميع الأشخاص حولها.
لكن طبيعة الإنسان لا يتعلم الا عندما يدركه الخطأ ويقع فيه، نحن دائما لا نتعلم من اخطائنا إلا عندما نتوجع منها، بل ويكسرنا الالم إلى أجزاء صغيرة، حتى تتهشم ارواحنا ويصعب علينا لملمة ماتبقى منا.
هذا ما أصبحت به سهيلة، أصبحت بحالة لا تحسد عليها، لكنها لا تدرك أنها فعلت بنفسها هذا، وكأنها حقا تعاني من سحر ما، أيعقل أن يكون الحب اعمى لهذا الدرجة؟! أم أن هناك لعبة يلعبها القدر ويخفي ملامحها هذ الشيطان الذي سيطر عليها.
أصبحت سهيلة وحيدة يوما بعد يوم، تخسر كل فترة شيء من الأشياء الأغلى على قلبها، بداية من اصدقائها الذين منعها من التحدث معهم أو رؤيتهم، وعملها الذي أجبرها على تركه بتصرفاته التي لاتطاق، وأهلها التي أصبحت في عزلة منهم بعض الشيء، ودراستها التى خسرتها للعام الأول في حياتها، إلى أن وصل الأمر إلى نفسها وشخصيتها التي تبدلت حتى أنها لم تعد تعرف من هي.
قررت سهيلة أن تذهب الى العمل في يوم من الأيام؛ حتى تخفف عن نفسها بعض الشيء وتلتقي باصدقائها، دخلت سهيلة المقهي الذي كانت تقام فيه تجمعاتهم لمناقشة العمل، رحبت بالجميع ورحبو بها بحرارة، جلست مع إحدى صديقاتها في العمل الآنسة "ايمان" وهي المشرفة عليها في العمل:
-لقد مر وقت طويل يا سهيلة، اين أنتِ يا فتاة؟ لقد سمعت بخطبتكِ، هل الأمر صحيح؟
تنهدت سهيلة بحزن واضح على ملامحها وبعض الندم على حالتها:
-لم يتم الأمر بعد يا إيمان، هناك بعض المشاكل والعقبات التي نواجهها.
ربتت ايمان على كتفها تهون عليها عندما رأت ملامحها الحزينة على غير العادة، باستغراب تتحدث:
-ما الأمر يا سهيلة؟! لست معتادة على رؤيتكِ بهذه الحالة! اخبريني ما المشكلة وماذا يزعجكِ إلى هذا الحد؟
اردفت تنظر إليها وتمسك بيدها حائرة، مغلوبة على أمرها:
-يرفض ابي الزواج منه، لكني احبه كثيرا، من ناحية أخرى أشعر أن هذا الحب كاد أن يقتلني، لقد أصبح الأمر ثقيلاً على قلبي، وكأنه جبل، لا اعلم من أرضي؟! والدي أم آثر أم أرضي نفسي؟.
-اهدأي وأخبريني بهدوء لم كل هذا؟ لم يرفض والدك إن كان آثر هذا شخص جيد، ولم أنتِ بهذه الحالة إن كنت تحبينه؟!
اثناء حديثهن رن جرس الهاتف بمكالمة واردة من آثر، بدت علامات التوتر عليها وازدادت ضربات قلبها، لاحظت ايمان ذلك وقالت:
-ما بك يا فتاة؟! وكأن من يتصل بكِ هو وحش وليس إنسان.
قالت بتوتر وهي تمسك الهاتف بيدها وتقبض على يد ايمان بالأخرى:
-لا يعلم اني بالعمل، لم أخبره بذلك، رجاءا لا تحدثي صوتاً، ساتحدث إليه على انفراد هناك.
-وماذا إن علم انك بالعمل، وإن لم تخبريه؟ فهو لم يصبح خطيبكِ بعد حتى يتحكم بكِ!
-هو يمنعني من نزول العمل ومن نزول جامعتي، حتى اني لم اخض امتحانات هذا العام، سنتحدث لاحقاً.
قامت سهيلة إلى الحمام، اجابت على هاتفها وقالت:
-مرحبا آثر.
قال بانفعال وغضب:
-لم لا تجيبي فوراً على الهاتف؟ ماذا تفعلين؟ ألم تسمعي صوت الهاتف؟
بتوتر تتحدث وتلتقط أنفاسها بصعوبة:
-لقد كنت بالحمام يا آثر، خرجت مسرعة عندما سمعت صوت الهاتف، لقد اخرجتني من الحمام، ماذا هناك؟ لم تتحدث بهذه الطريقة؟!
-عندما اتصل بكِ تجيبي فوراً على الهاتف، من الرنة الأولى فهمتي؟
تنهدت وقالت:
-حسنا يا آثر، سأبقي الهاتف قريبا مني دائماً.
بدأ يهدأ من انفعاله ويتحدث بهدوء بعض الشيء:
-ماذا تفعلين الآن؟
اجابت باستغراب تحاول أن تخفي توترها:
-لقد أخبرتك انك اخرجتني من الحمام.
-اوه أجل لقد تزكرت، حسنا اذهبي عندما تنتهين اتصلي بي، تريدين أن آتي معكِ؟
بمزاح قالت بصوت واضح:
-آثر.
-حسنا حسنا امزح فقط، سياتي يوما وتطلبين مني ذلك عندما تكونين زوجتي.
-حسنا إذا لننتظر حتى يأتي هذا اليوم.
-سياتي قريبا إن شاء الله، إن لم يقتنع والدك ويرضي سأقوم بإختطافكِ، وساتزوج بكِ رغما عن أنف الجميع.
-سياتي اليوم قريبا إن شاء الله ويكون برضاء الجميع لنصبر فقط.
-حسنا سأدعكِ الآن.
-حسنا سأعاود الاتصال بك.
-حسنا وداعاً.
-وداعاً.
اغلقت سهيلة الخط واخيرا خرجت انفاسها المكبوتة وهي تضع يدها على صدرها، تلتقط أنفاسها بهدوء وكأنها تخلصت من اتهام باطل في جريمة لم ترتكبها، لم تمر حوالي الخمس دقائق ورن جرس هاتفها مرة أخرى، تقريبا خرجت بضع خطوات للخارج وعادت مرة أخرى إلى الداخل تجيب:
-الو يا آثر ما الأمر؟
-دعي الخط مفتوح يا سهيلة، سأنتظرك على الخط حتى تنتهين.
تريد سهيلة أن تضرب كفاً على كف من صدمتها بما يقوله، أرادت التهرب منه لكنها لم تستطيع:
-تنتظرني؟! كيف ذلك؟! هل ستبقى على الهاتف حتى انتهي؟! ربما اتأخر يا آثر، أخبرتك اني سأتصل بك عندما انتهي.
-لا عليكِ يا حبيبتي سأنتظرك مهما تأخرتِ.
-حسنا كما تريد، سأذهب الآن.
تركت سهيلة الهاتف على الطاولة بعدما قامت بكتم الصوت؛ حتى لا يعلم انها بالخارج ولا يسمع شيئاً، وجلست تتحدث مع ايمان وتخبرها بما حدث، تضرب ايمان كفاً على كف من صدمتها، اي نوع من البشر هذا؟ قالت إيمان:
-لم تفعلين ذلك بنفسك يا سهيلة؟ اي نوع من البشر هذا؟! انه رجل مريض، رجاءا لاتفعلي ذلك بنفسك وإلا ستندمين لاحقاً، تخلصي من هذا الشيء، لا يمكن أن اسميه حبا وانما هو مرض مزمن.
تزفر بضيق وتقف تستعد للذهاب في عجلة من أمرها:
-كما يريد الله سيكون، سأذهب الآن حتى لا أتأخر، اراكِ لاحقاً.
-حسنا اتصلي بي حالما تصلين إلى المنزل.
-حسنا وداعاً.
اغلقت سهيلة الهاتف بحجة أن البطارية خاصته فارغة، حتى وصلت إلى المنزل في زمن قياسي، كأنها في منافسة شرسة، ولو كان ذلك في حقيقة الأمر سباقا لكانت الفائزة بلا أدنى شك.
مرت شهور على تلك الحالة وكل يوم يزداد تحكمه بها عما قبله، حتى أصبح يسيطر عليها كلياً، لا تخرج ولا تتحدث الى احد ولا تمد يدها للسلام على رجل بحجة أنه يغار عليها، حتى ازواج اخواتها منعها من التحدث إليهم، أصبح الكثير من جهات اتصال الهاتف خاصتها محظورا، بالرغم من أنه يفعل كل ذلك عبر الهاتف إلا أن سهيلة كانت تطبق أوامره حرفياً دون تردد.
لم تفكر قط في أنه لم يراها إن فعلت ما يريد أم لا، ولكن كانت تعتقد في داخلها وتؤمن بأنها عندما تتقي الله فيه، ستقابل بالمثل من جهته.
~~~
كان آثر يعمل مع والده باجر يومي وهو خمسون جنيهاً، كان يقبض راتبه في نهاية كل أسبوع، ينتظر آثر نهاية الأسبوع ويوم إجازته حتى يتهندم ويخرج لمقابلة الفتيات هو وصديقه أسعد وشقيقه التوأم اكرم، وفي أغلب الأحيان كان هو وصديقه أسعد فقط، ذلك اسعد هو الوجه الاخر للعملة، صديق آثر المقرب.
جلس آثر وأسعد في المقهي المفضل لديهم في منطقة وسط البلد الشهيرة، وتحدث إليه أسعد في موضوع سهيلة:
-ما الأمر يا رجل؟ لم تخبرني إلى اين وصلت مع تلك الفتاة.
ضحك آثر بثقة وقال:
-لقد أصبحت كالخاتم بإصبعي، وقريبا ستقنع اهلها بخطبتنا.
بسخرية مبتسما بجانب فمه يقول أسعد بثقة:
-لن يحدث يا صديقي.
ينظر إليه باستغراب يقول:
-ولم لا؟! لقد أصبحت تسيطر عليها كليا.
-استمع إلى يا صديقي، هذه الفتاة ليست كباقي الفتيات كما تقول، لذلك ربما تنحاز إلى أهلها وتستمع إليهم وتعيد التفكير في أمر علاقتكم مرة أخرى، هي تعيش مع اهلها الآن، وعلى ما أعلم أن أهلها يرفضونك بشدة.
-اجل بالفعل.
-صدقني إن لم يكن لديك شيء يمنعها من تركك وتضمن به بقائها بين يديك، فلن تحصل عليها ولن يسمح لك اهلها بالاقتراب منها مهما فعلت.
انتاب آثر التوتر والقلق، بدأ ينزعج جراء حديث أسعد، تملكه الخوف ليس من فقدانها، ولكن إن فقدها سيفقد ارثها الذي يحلم به منذ أن رأى منزلها وسيارة والدها في المرة الأولى التي ذهب بها إلى منزلها، بالإضافة إلى حديث سهيلة معه بحسن نية عن عائلتها وما لديهم من أموال وأملاك، كان آثر يخبرها أن والده مليونير لكنه قاسي القلب ولا يعطي أحد من ابنائه شيئا ولا يساعد احد؛ حتى يجعلهم رجالاً يعتمدون على أنفسهم.
قال بقلق:
-ماذا تقصد يا أسعد؟ ماذا علي أن أفعل اذا؟
-وهل انا من سأخبرك ماذا تفعل يا بطل، عليك أن تمتلك شيئاً منها تستطيع أن أجبرها به على البقاء معك.
نظر إليه آثر يصمت بتفكير ثم قال:
-فهمتك، أتعلم؟ لديك حق فيما تقول كيف لم افكر بهذا الأمر من قبل؟ بسيطة مازال الأمر بين يدي، لكن علي التفكير بهدوء والتخطيط للامر، سهيلة زكية ولن يستدرجها شي بسهولة إلا إذا اقتنعت به كليا أنه الصواب وأنه الحل الامثل لنا.
رفع أسعد يديه يشير إليه بأن الأمر بين يديه ولا علاقة له بذلك، وكأنه يقول:
-لست ادري لك الأمر وافعل ما تشاء.
وبعد تخطيط دام لفترة من آثر كان بدايتها أن يجعلها تشعر بالاطمئنان من ناحيته، غير طريقته وأسلوبه الحاد وأصبح شخصاً لطيف لا يغضب عليها ولا يرفع صوته، حتى أنه لم يعد يجبرها على شيء وكان متفهما لابعد الحدود، حتى صدقت سهيلة بالفعل أنه غير من نفسه لأجل ارضائها.
ومن هنا بدأت الخطة البديلة للشيطان، وكان عنوانها (الاشتياق)، دائما ما كان يخبرها أنه يشتاق إليها بشدة والى رؤيتها، كان يخبرها أنه سيأتي لرويتها فقط من بعيد وكانت ترفض لبعد المسافة خوفاً عليه، إلى أن تحدث إليها ذات يوم وهو حزين:
-ماذا بك يا آثر؟ من بداية اليوم وانت لست بحالتك، ما الأمر؟
تنهد بضيق وقال بصوت حزين ومكسور:
-اشتاق اليكِ كثيراً يا سهيلة، اريد رؤيتكِ امامي كل يوم، لقد ضاق بي زرعا وسئمت الأمر، إلى متى سنظل انا وانتِ في مكانين منفصلين؟
-حبيبي آثر حسنا سارسل لك صورتي حتى تراني.
رفض ذلك بطريقة مختلفة حتى يقنعها بما يريد:
-وماذا ستفعل الصورة يا سهيلة، لن تكفيني تلك الصور ولم اعد اريد رؤيتكِ دائما هكذا بملابس المنزل أو بملابس الخروج.
تحدثت بانفعال بعض الشيء، ربما فهمت ماذا يريد لكنه حول الامر لصالحه في لمح البصر:
-ماذا تقصد يا آثر؟ وماذا تريد اذا؟!
-ليس الأمر كما تعتقدين يا سهيلة وان كان هذا هو ظنكِ بي فلن اتحدث معكِ ثانية، ساغلق الخط وداعاً.
-حسنا حسنا انتظر وأخبرني ماذا تريد، لم أقصد شيء لكن أسأت الفهم.
-اريدك يا سهيلة اريد أن نتزوج، اريد ان آتي إلى والدك مرة أخرى، وآتي مرارا وتكرارا حتى يقبل بي، ترين ماذا افعل لأجلك وماذا افعل لإرضائك، لكني لست راض يا سهيلة.
وها هي سهيلة تقع في بركة الوحل مرة أخرى برضاها، لكن هذه المرة الوحل أعمق مما كان سابقاً، فهو يلقي لها شباكه بل يبسطها امامها بكل حرفية، وهي تذهب إليها دون تردد وبكل سهولة:
-وماذا لدي لافعله يا آ ثر، ترى اني فعلت كل شيء.
-سهيلة دعينا نتزوج دون علمهم ونضع الجميع أمام الأمر الواقع.
البارت الرابع
نوايا شيطانية.
عندما تكثر الصراعات داخلنا تتشتت مشاعرنا وافكارنا، لا يتضح لنا الصواب من الخطأ، وتنعكس تلك الصراعات المتضاربة على حالتنا الخارجية، تختفي تلك الابتسامات من على وجوهنا، تغمرنا حالة الاكتئاب ونتحول إلى أشخاص آخرين لا نعرفهم، تلك الحالة تتملكنا وتجعلنا نسيء الإختيار، ولا نرى أمامنا سوى وجه الصورة، أما جوانبها والجهة الخلفية لا تظهر لنا، تظهر فقط لمن يرى تلك الصورة كاملة من الخارج، نحن نكون في تلك الحالة كلوحة داخل إطار الصورة، ويشاهدها جميع الأشخاص حولها.
لكن طبيعة الإنسان لا يتعلم الا عندما يدركه الخطأ ويقع فيه، نحن دائما لا نتعلم من اخطائنا إلا عندما نتوجع منها، بل ويكسرنا الالم إلى أجزاء صغيرة، حتى تتهشم ارواحنا ويصعب علينا لملمة ماتبقى منا.
هذا ما أصبحت به سهيلة، أصبحت بحالة لا تحسد عليها، لكنها لا تدرك أنها فعلت بنفسها هذا، وكأنها حقا تعاني من سحر ما، أيعقل أن يكون الحب اعمى لهذا الدرجة؟! أم أن هناك لعبة يلعبها القدر ويخفي ملامحها هذ الشيطان الذي سيطر عليها.
أصبحت سهيلة وحيدة يوما بعد يوم، تخسر كل فترة شيء من الأشياء الأغلى على قلبها، بداية من اصدقائها الذين منعها من التحدث معهم أو رؤيتهم، وعملها الذي أجبرها على تركه بتصرفاته التي لاتطاق، وأهلها التي أصبحت في عزلة منهم بعض الشيء، ودراستها التى خسرتها للعام الأول في حياتها، إلى أن وصل الأمر إلى نفسها وشخصيتها التي تبدلت حتى أنها لم تعد تعرف من هي.
قررت سهيلة أن تذهب الى العمل في يوم من الأيام؛ حتى تخفف عن نفسها بعض الشيء وتلتقي باصدقائها، دخلت سهيلة المقهي الذي كانت تقام فيه تجمعاتهم لمناقشة العمل، رحبت بالجميع ورحبو بها بحرارة، جلست مع إحدى صديقاتها في العمل الآنسة "ايمان" وهي المشرفة عليها في العمل:
-لقد مر وقت طويل يا سهيلة، اين أنتِ يا فتاة؟ لقد سمعت بخطبتكِ، هل الأمر صحيح؟
تنهدت سهيلة بحزن واضح على ملامحها وبعض الندم على حالتها:
-لم يتم الأمر بعد يا إيمان، هناك بعض المشاكل والعقبات التي نواجهها.
ربتت ايمان على كتفها تهون عليها عندما رأت ملامحها الحزينة على غير العادة، باستغراب تتحدث:
-ما الأمر يا سهيلة؟! لست معتادة على رؤيتكِ بهذه الحالة! اخبريني ما المشكلة وماذا يزعجكِ إلى هذا الحد؟
اردفت تنظر إليها وتمسك بيدها حائرة، مغلوبة على أمرها:
-يرفض ابي الزواج منه، لكني احبه كثيرا، من ناحية أخرى أشعر أن هذا الحب كاد أن يقتلني، لقد أصبح الأمر ثقيلاً على قلبي، وكأنه جبل، لا اعلم من أرضي؟! والدي أم آثر أم أرضي نفسي؟.
-اهدأي وأخبريني بهدوء لم كل هذا؟ لم يرفض والدك إن كان آثر هذا شخص جيد، ولم أنتِ بهذه الحالة إن كنت تحبينه؟!
اثناء حديثهن رن جرس الهاتف بمكالمة واردة من آثر، بدت علامات التوتر عليها وازدادت ضربات قلبها، لاحظت ايمان ذلك وقالت:
-ما بك يا فتاة؟! وكأن من يتصل بكِ هو وحش وليس إنسان.
قالت بتوتر وهي تمسك الهاتف بيدها وتقبض على يد ايمان بالأخرى:
-لا يعلم اني بالعمل، لم أخبره بذلك، رجاءا لا تحدثي صوتاً، ساتحدث إليه على انفراد هناك.
-وماذا إن علم انك بالعمل، وإن لم تخبريه؟ فهو لم يصبح خطيبكِ بعد حتى يتحكم بكِ!
-هو يمنعني من نزول العمل ومن نزول جامعتي، حتى اني لم اخض امتحانات هذا العام، سنتحدث لاحقاً.
قامت سهيلة إلى الحمام، اجابت على هاتفها وقالت:
-مرحبا آثر.
قال بانفعال وغضب:
-لم لا تجيبي فوراً على الهاتف؟ ماذا تفعلين؟ ألم تسمعي صوت الهاتف؟
بتوتر تتحدث وتلتقط أنفاسها بصعوبة:
-لقد كنت بالحمام يا آثر، خرجت مسرعة عندما سمعت صوت الهاتف، لقد اخرجتني من الحمام، ماذا هناك؟ لم تتحدث بهذه الطريقة؟!
-عندما اتصل بكِ تجيبي فوراً على الهاتف، من الرنة الأولى فهمتي؟
تنهدت وقالت:
-حسنا يا آثر، سأبقي الهاتف قريبا مني دائماً.
بدأ يهدأ من انفعاله ويتحدث بهدوء بعض الشيء:
-ماذا تفعلين الآن؟
اجابت باستغراب تحاول أن تخفي توترها:
-لقد أخبرتك انك اخرجتني من الحمام.
-اوه أجل لقد تزكرت، حسنا اذهبي عندما تنتهين اتصلي بي، تريدين أن آتي معكِ؟
بمزاح قالت بصوت واضح:
-آثر.
-حسنا حسنا امزح فقط، سياتي يوما وتطلبين مني ذلك عندما تكونين زوجتي.
-حسنا إذا لننتظر حتى يأتي هذا اليوم.
-سياتي قريبا إن شاء الله، إن لم يقتنع والدك ويرضي سأقوم بإختطافكِ، وساتزوج بكِ رغما عن أنف الجميع.
-سياتي اليوم قريبا إن شاء الله ويكون برضاء الجميع لنصبر فقط.
-حسنا سأدعكِ الآن.
-حسنا سأعاود الاتصال بك.
-حسنا وداعاً.
-وداعاً.
اغلقت سهيلة الخط واخيرا خرجت انفاسها المكبوتة وهي تضع يدها على صدرها، تلتقط أنفاسها بهدوء وكأنها تخلصت من اتهام باطل في جريمة لم ترتكبها، لم تمر حوالي الخمس دقائق ورن جرس هاتفها مرة أخرى، تقريبا خرجت بضع خطوات للخارج وعادت مرة أخرى إلى الداخل تجيب:
-الو يا آثر ما الأمر؟
-دعي الخط مفتوح يا سهيلة، سأنتظرك على الخط حتى تنتهين.
تريد سهيلة أن تضرب كفاً على كف من صدمتها بما يقوله، أرادت التهرب منه لكنها لم تستطيع:
-تنتظرني؟! كيف ذلك؟! هل ستبقى على الهاتف حتى انتهي؟! ربما اتأخر يا آثر، أخبرتك اني سأتصل بك عندما انتهي.
-لا عليكِ يا حبيبتي سأنتظرك مهما تأخرتِ.
-حسنا كما تريد، سأذهب الآن.
تركت سهيلة الهاتف على الطاولة بعدما قامت بكتم الصوت؛ حتى لا يعلم انها بالخارج ولا يسمع شيئاً، وجلست تتحدث مع ايمان وتخبرها بما حدث، تضرب ايمان كفاً على كف من صدمتها، اي نوع من البشر هذا؟ قالت إيمان:
-لم تفعلين ذلك بنفسك يا سهيلة؟ اي نوع من البشر هذا؟! انه رجل مريض، رجاءا لاتفعلي ذلك بنفسك وإلا ستندمين لاحقاً، تخلصي من هذا الشيء، لا يمكن أن اسميه حبا وانما هو مرض مزمن.
تزفر بضيق وتقف تستعد للذهاب في عجلة من أمرها:
-كما يريد الله سيكون، سأذهب الآن حتى لا أتأخر، اراكِ لاحقاً.
-حسنا اتصلي بي حالما تصلين إلى المنزل.
-حسنا وداعاً.
اغلقت سهيلة الهاتف بحجة أن البطارية خاصته فارغة، حتى وصلت إلى المنزل في زمن قياسي، كأنها في منافسة شرسة، ولو كان ذلك في حقيقة الأمر سباقا لكانت الفائزة بلا أدنى شك.
مرت شهور على تلك الحالة وكل يوم يزداد تحكمه بها عما قبله، حتى أصبح يسيطر عليها كلياً، لا تخرج ولا تتحدث الى احد ولا تمد يدها للسلام على رجل بحجة أنه يغار عليها، حتى ازواج اخواتها منعها من التحدث إليهم، أصبح الكثير من جهات اتصال الهاتف خاصتها محظورا، بالرغم من أنه يفعل كل ذلك عبر الهاتف إلا أن سهيلة كانت تطبق أوامره حرفياً دون تردد.
لم تفكر قط في أنه لم يراها إن فعلت ما يريد أم لا، ولكن كانت تعتقد في داخلها وتؤمن بأنها عندما تتقي الله فيه، ستقابل بالمثل من جهته.
~~~
كان آثر يعمل مع والده باجر يومي وهو خمسون جنيهاً، كان يقبض راتبه في نهاية كل أسبوع، ينتظر آثر نهاية الأسبوع ويوم إجازته حتى يتهندم ويخرج لمقابلة الفتيات هو وصديقه أسعد وشقيقه التوأم اكرم، وفي أغلب الأحيان كان هو وصديقه أسعد فقط، ذلك اسعد هو الوجه الاخر للعملة، صديق آثر المقرب.
جلس آثر وأسعد في المقهي المفضل لديهم في منطقة وسط البلد الشهيرة، وتحدث إليه أسعد في موضوع سهيلة:
-ما الأمر يا رجل؟ لم تخبرني إلى اين وصلت مع تلك الفتاة.
ضحك آثر بثقة وقال:
-لقد أصبحت كالخاتم بإصبعي، وقريبا ستقنع اهلها بخطبتنا.
بسخرية مبتسما بجانب فمه يقول أسعد بثقة:
-لن يحدث يا صديقي.
ينظر إليه باستغراب يقول:
-ولم لا؟! لقد أصبحت تسيطر عليها كليا.
-استمع إلى يا صديقي، هذه الفتاة ليست كباقي الفتيات كما تقول، لذلك ربما تنحاز إلى أهلها وتستمع إليهم وتعيد التفكير في أمر علاقتكم مرة أخرى، هي تعيش مع اهلها الآن، وعلى ما أعلم أن أهلها يرفضونك بشدة.
-اجل بالفعل.
-صدقني إن لم يكن لديك شيء يمنعها من تركك وتضمن به بقائها بين يديك، فلن تحصل عليها ولن يسمح لك اهلها بالاقتراب منها مهما فعلت.
انتاب آثر التوتر والقلق، بدأ ينزعج جراء حديث أسعد، تملكه الخوف ليس من فقدانها، ولكن إن فقدها سيفقد ارثها الذي يحلم به منذ أن رأى منزلها وسيارة والدها في المرة الأولى التي ذهب بها إلى منزلها، بالإضافة إلى حديث سهيلة معه بحسن نية عن عائلتها وما لديهم من أموال وأملاك، كان آثر يخبرها أن والده مليونير لكنه قاسي القلب ولا يعطي أحد من ابنائه شيئا ولا يساعد احد؛ حتى يجعلهم رجالاً يعتمدون على أنفسهم.
قال بقلق:
-ماذا تقصد يا أسعد؟ ماذا علي أن أفعل اذا؟
-وهل انا من سأخبرك ماذا تفعل يا بطل، عليك أن تمتلك شيئاً منها تستطيع أن أجبرها به على البقاء معك.
نظر إليه آثر يصمت بتفكير ثم قال:
-فهمتك، أتعلم؟ لديك حق فيما تقول كيف لم افكر بهذا الأمر من قبل؟ بسيطة مازال الأمر بين يدي، لكن علي التفكير بهدوء والتخطيط للامر، سهيلة زكية ولن يستدرجها شي بسهولة إلا إذا اقتنعت به كليا أنه الصواب وأنه الحل الامثل لنا.
رفع أسعد يديه يشير إليه بأن الأمر بين يديه ولا علاقة له بذلك، وكأنه يقول:
-لست ادري لك الأمر وافعل ما تشاء.
وبعد تخطيط دام لفترة من آثر كان بدايتها أن يجعلها تشعر بالاطمئنان من ناحيته، غير طريقته وأسلوبه الحاد وأصبح شخصاً لطيف لا يغضب عليها ولا يرفع صوته، حتى أنه لم يعد يجبرها على شيء وكان متفهما لابعد الحدود، حتى صدقت سهيلة بالفعل أنه غير من نفسه لأجل ارضائها.
ومن هنا بدأت الخطة البديلة للشيطان، وكان عنوانها (الاشتياق)، دائما ما كان يخبرها أنه يشتاق إليها بشدة والى رؤيتها، كان يخبرها أنه سيأتي لرويتها فقط من بعيد وكانت ترفض لبعد المسافة خوفاً عليه، إلى أن تحدث إليها ذات يوم وهو حزين:
-ماذا بك يا آثر؟ من بداية اليوم وانت لست بحالتك، ما الأمر؟
تنهد بضيق وقال بصوت حزين ومكسور:
-اشتاق اليكِ كثيراً يا سهيلة، اريد رؤيتكِ امامي كل يوم، لقد ضاق بي زرعا وسئمت الأمر، إلى متى سنظل انا وانتِ في مكانين منفصلين؟
-حبيبي آثر حسنا سارسل لك صورتي حتى تراني.
رفض ذلك بطريقة مختلفة حتى يقنعها بما يريد:
-وماذا ستفعل الصورة يا سهيلة، لن تكفيني تلك الصور ولم اعد اريد رؤيتكِ دائما هكذا بملابس المنزل أو بملابس الخروج.
تحدثت بانفعال بعض الشيء، ربما فهمت ماذا يريد لكنه حول الامر لصالحه في لمح البصر:
-ماذا تقصد يا آثر؟ وماذا تريد اذا؟!
-ليس الأمر كما تعتقدين يا سهيلة وان كان هذا هو ظنكِ بي فلن اتحدث معكِ ثانية، ساغلق الخط وداعاً.
-حسنا حسنا انتظر وأخبرني ماذا تريد، لم أقصد شيء لكن أسأت الفهم.
-اريدك يا سهيلة اريد أن نتزوج، اريد ان آتي إلى والدك مرة أخرى، وآتي مرارا وتكرارا حتى يقبل بي، ترين ماذا افعل لأجلك وماذا افعل لإرضائك، لكني لست راض يا سهيلة.
وها هي سهيلة تقع في بركة الوحل مرة أخرى برضاها، لكن هذه المرة الوحل أعمق مما كان سابقاً، فهو يلقي لها شباكه بل يبسطها امامها بكل حرفية، وهي تذهب إليها دون تردد وبكل سهولة:
-وماذا لدي لافعله يا آ ثر، ترى اني فعلت كل شيء.
-سهيلة دعينا نتزوج دون علمهم ونضع الجميع أمام الأمر الواقع.
•تابع الفصل التالي "رواية زواج السوشيال ميديا" اضغط على اسم الرواية