رواية شبح حياتي الفصل الخامس 5 - بقلم نورهان محسن
أسوأ المتاهات التي من الممكن أن يمر بها المرء هي متاهة العقل، أن يكون ساكن جدًا من الخارج وبداخل عقله يركض في تلك المتاهة ليجد آخرها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ظهر بدر بجانبها من العدم ، وهو يسأل بهدوء : مالك
همست بكلمات أشبه بالهذيان ، تحاول السيطرة على ارتعاش جسدها المرعوب من الأفكار المتضاربة في رأسها ، ثم لفظت كلماتها الأخيرة وهي ترفع رأسها وتنظر إليه بعينين مملوءتين بالدموع : هتجنن .. انت نفس الراجل اللي في الصورة .. نفس الملامح والوش و الطول و العرض .. يعني فعلا انت بدر زي ماقولت .. وانا الوحيدة اللي شيفاك معني كدا ايه!!
أشاح بدر بنظره بعيدًا عنها قائلاً بخفوت : معنديش اجابة
ثارت أعصابها بسبب برودة كلماته ، فتوقفت عن المشي ، والتفتت إليه مسرعة حتى واجهته بكل جسدها ، تنظر في عينيه الداكنتين بينما قلبها ينبض بقوة غير مفسرة ، ولم تعط نفسها مجالاً للتفكير ، متسائلة بإستنكار : ايه هو دا اللي معندكش اجابة .. اومال مين هيجاوبني ها!!؟
صرخت بجنون مجدداً ، مشيرة إلى نفسها بكلتا يديها : اشمعنا انا بس اللي قادرة اشوفك وانا اصلا معرفكش؟
تطلع بدر حوله ، ولاحظ التحديق المستنكر للمارة في شارع على حياة ، التي فعلياً كانت تتحدث إلى نفسها في شارع مليء بالناس ، ودمدم جازاً على أسنانه : وطي صوتك وامشي .. الناس بتتفرج عليكي!!
زفرت حياة بقهر وهي تخفض بصرها عن عينيه ، ثم تابعت طريقها قائلة بصوت يائس : ما انا خلاص بقيت مجنونة و بكلم شبح راجل ميت!!
غضب بدر مما قلته ، وهمس من بين شفتيه طاحناً أسنانه بقوة من الغيظ ، فما يحدث له أصبح يفوق قدرته على التحمل أيضًا : بطلي تقولي الجملة دي
بدأ الحزن والإحباط يطغى عليها تماما ، وتطايرت الأسئلة والاستفسارات مثل طائر فوق رأسها ، ليزيد من ارتباكها الذي ظهر في نظراتها الضائعة وهي تقول بتشوش : مش دا كان كلامك ليا الصبح .. مفيش تفسير غير كدا .. رغم ان دا اصلا مش منطقي برده!!
رفعت حياة وجهها إليه ، وامتلأت عسليتها بالدموع ، وقالت بصوت ضعيف متوسل : ارجوك حاول ترجع بأي وسيلة للعالم اللي جيت منه .. وسيبني في حالي
ومضت عيناه ببريق حزين عندما استمع إلى كلماتها المترجية إليه أن يتركها وشأنها ، لكنه لا يفهم سبب حزنه !!
بل يفهم سبب هذا الحزن ، ولا يمكنه إنكاره بدونها سيضيع في هذا العالم وحيداً.
ابتلع بدر غصة ألم في حلقه بسبب العجز الذي شعر به ، لكنه أبى ان يظهر هذا الشعور محاولًا السيطرة علي نبرة صوته أمامها ، وهتف باستنكار : ارجع فين يا مجنونه!! انا مش هسيبك
قطبت حاجبيها بإستغراب عندما رأت امرأة تنظر إليها بشفقة ، حيث إنتبهت فقط الآن أنها تتحدث إلى شبح غير مرئي في وضح النهار ، فأخرجت هاتفها من حقيبتها الصغيرة المعلقة على كتفها ، وقالت بحسرة : انا بقيت مجنونة بجد الناس فعلا بتتفرج عليا .. فين تليفوني!!؟
وضعت حياة الهاتف على أذنها ، وهي تعدل الحقيبة مرة أخرى على كتفها متظاهرة بالحديث فيه.
لا يعرف بدر كيف وجد نفسه دون سابق إنذار ، يضحك من كل قلبه على فعلتها التي جعلته ينسى في لحظة كل الآلام العاصفة التي بداخله ، قائلاً من بين قهقاته الرجولية بغمزة من عينيه : لا ذكية
حدقت به حياة بإنشداه من ضحكته الجذابة ، فهذه كانت المرة الأولى التي ترى فيها أسنانه بشكل كامل ، ووجدت نفسها تضحك أيضًا دون تفسير ، قالت بمزحة بائسة : ابوس ايدك قولي اعمل ايه!! يا تعتقني لوجه الله وتبعد انا حياتي مش ناقصة عفاريت كمان
هدأ بدر قليلا من نوبة الضحك التي غرق فيها ، وضيق عينيه عليها وهو يسألها بمرح يلهث : ارسيلك علي بر .. انا روح و لا عفريت ولا شبح
رفعت حياة كتفيها ، دلالة إلى أنها لا تملك إجابة على هذا السؤال ، قالت بنبرة ساخرة : حاسة كأني في فيلم عربي قديم .. عارفو بتاع اسماعيل يس و العفريته كيتي
عقد بدر حاجبيه بعدم فهم ، وسألها بفضول : انا فاكر اسمي بالعافية .. و دا ايه حكايته؟
نظرت حياة إليه حياة بحاجب مرتفع ، وقالت بذهول : انت ماشوفتوش!!
أومأ بدر إليها بنفي صامت ، فأجابت بشرح : العفريتة دي كانت رقاصة واتفق مدير الكباريه والراجل بتاعه علي قتلها .. عشان يستفادو بفلوسها بعد موتها .. قامت طلعت العفريته بتاعتها لراجل غلبان وطيب و في حاله زي حالتي كدا
ضحك بدر على نبرة الحسرة في حديثها ، بينما كان منتبهًا لما تقوله ، ثم سألها باستفسار : يعني هي اتقتلت .. فطلع عفريتها لواحد بس!؟
أومأت حياة بالإيجاب ، وما زالت تحمل الهاتف على أذنها : بالظبط كدا
اتسعت حدقتي بدر في ذهول ، وزاد الفضول داخل عقله ، متسائلاً في حيرة : طيب و دا كانت تعرفه قبل كدا!!
أجابت حياة غير مبالية ، وهي تعبر التقاطع ، بعد أن نظرت يمينًا ويسارًا : ايوه كان بيغني معها علي المسرح
توقف بدر عن المشي ، ولمعت عيناه باهتمام ، و سألها بهدوء : واذا فرضنا ان اللي بيحصل معانا شبه اللي بتحكيه !! معني كدا ان انا وانتي نعرف بعض
نظرت حياة في عينيه مباشرة بعد أن وقفت أمامه ، وخلفه كان هناك متجر لبيع الملابس ، وبدا كما لو كانت تقف تنظر إلى المعروضات.
أومأت حياة برأسها و فسرت كلماتها : ايوه بابا كان ساكن في الشقة للي قصادك وانا وقتها كنت صغيرة اوي وانت كبير .. ماكنش فيه اي كلام بينا
هز بدر رأسه ، مجعداً حاجبيه بتشوش ، ثم تنهد بضيق عندما لم يصل لشيئا وأردف : انا مش فاكر حاجة من اللي بتقوليها!
زمت شفتيها في التفكير أيضًا ، وقالت بتعب : وانا كمان مش فاكرة اي حاجة عنك .. انا تعبت خلاص من المشي يلا نرجع البيت
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
بعد مرور فترة وجيزة
كانت حياة واقفة أمام باب الشقة ، تنظر إليه بشرود حتى استيقظت على صوت بدر الذي قال بضجر : هتفضلي واقفة كدا كتير!!
رفعت حياة رأسها ، ونظرت إليه بعيون واسعة ببراءة ، ثم قالت بتذمر : نسيت اعدي علي عم حمزة عشان اخد منه مفتاح الشقة .. وكدا مضطرة انزل خمس ادوار من تاني وانا ماصدقت طلعت اصلا
أجابها بدر بلا مبالاة : مش مستاهلة تنزلي ولا حاجة في مفتاح استيبن تحت المشاية دي
خفضت حياة نظرها مندهشة ، حيث أشار برأسه تحت قدميها ، ووجدت نفسها واقفة على مشاية صغيرة ، تراجعت خطوة إلى الوراء ، ثم هبطت على ساقيها ، ورفعتها قائلة بستهزاء منه : مفيش حاجة تحتها يا ذكي
إستطرد بدر كلماته بإصرار مشيراً إليها بإصبعه السبابة : هتلاقي المفتاح جوا بطانة المشاية .. افتحي السوسته دي و هتلاقيها
عقدت حياة حاجبيها بعدم تصديق من وجود مشاية ذات سحاب خلفي ، لكنها فعلت ما قاله ، ثم ابتلعت لعابها بغرابة عندما أخرجت مفتاحًا صغيرًا حقًا ، لكنها لم تعلق علي الأمر ، بل إستقامت ، وفتحت الباب ، ثم دخل كلاهما إلي الشقة.
أشار بدر بإصبعه نحو غرفة النوم قائلاً بهدوء : دخلي شنطتك جوا و تعالي نتكلم شوية
خطت حياة خطوات هادئة تجاهه ، تنظر إليه بريبة قبل أن تسأله بإستفهام : قبل ما اعمل اي حاجة .. انت كنت عارف مكان المفتاح بالتفصيل !! يعني اللي بيحصلي مش تهيوأت من خيالي .. ممكن تقولي ايه اللي حصلك وصلك لكدا!!
أغلق بدر عينيه بضيق من تكرار هذا السؤال الغبي منها ، لأنه لو توفرت له الإجابة لكان بإمكانه أن يساعد نفسه.
رد بدر بتنهيدة عميقة : مش عارف ولا فاكر حاجة عن حياتي .. كل اللي اعرفه اسمي بدر و اني صاحب العمارة دي
أردفت حياة بتساؤل أخر : وقولتلي انك كنت متجوز وحدة اسمها اميرة
أجابها بدر بعد أن وضع يديه في جيوبه ، ونظر إليها وهو يشعر بالسأم : ايوه
رفعت حياة حاجبيها بدهشة ، وسألته بعدم إقتناع : ازاي هي طليقتك وتدخل شقتك وانت مش موجود وكمان البواب بيقول انها مراتك؟!
سحب بدر يديه من جيوبه ، ورفع باطن كفيه للأعلي ، ثم غمغم في حيرة من أمره : علمي علمك..
صمت بدر برهة ، ثم استأنف حديثه بصوت واثق : بس كان واضح عليها لما دخلت هما انها جت لغرض معين عشان فضلت تدور جوا الدواليب و في أوضة مكتبي
اتسعت حدقتا حياة بصدمة ، واستدارت يسارًا ويمينًا متسائلة : مكتبك فين الأوضة دي!؟
أشار بدر ذقنه إلى اليسار ودمدم : هي دي
عضت حياة علي شفتيها بغيظ ، وهي تفرك فروة رأسها ، ثم قالت بإحباط ، بعد أن كانت تأمل أن تجد شيئًا مفيدًا من خلال هذه الغرفة : الاوضة دي حاولت أفتحها امبارح بس مقفولة!!
كاد بدر أن يرد ، لكنه سكت عندما سمعوا صوت خافت يطرق على باب المنزل ، فذهبت حياة لترى من الذي أتى.
★★★
في مدخل الشقة
عندما فتحت حياة الباب هتفت زوجة حمزة بقلق : انتي كنتي فين يا بنتي؟ خبطنا عليكي كتير الصبح!!
حركت حياة جسدها بعيدًا عن الباب قليلاً لإفساح المجال لهم للدخول ، قائلة بهدوء : اتفضلو الاول
وقفوا جميعًا في منتصف الصالة حيث وقف بدر بجوار حياة يشبِك يديه للأمام دون أن يدركوا وجوده باستثناء حياة التي لمست أنفها برفق وتلفظت بالكذب ، وتقسم في سرها أنها ستلجأ إليه كثيرًا في الفترة المقبلة : انا خرجت بدري تمشيت شوية .. ورجعت من عشر دقايق تقريبا
قال حمزة بابتسامة ، وهو ينظر إلى زوجته : ماشي .. كريمة خشي اعملي اكلة حلوة كدا من بتوعك لست حياة
ردت كريمة ببشاشة : من عيني حاضر .. انا عملت حسابي و نزلت السوق اشتريتلك شوية حاجات .. البت إسراء هتطلعهم
وأضافت ، وهي تمسد بحنان على ظهر حياة : ها تحبي اعملك اكل يا ست البنات شكلك لسه تعبان ووشك اصفر
هزت حياة رأسها في رفض ، وهي تبتسم قائلة بامتنان : لا انا ماليش نفس .. تسلمي يا ام كرم ماتقلقيش بقيت كويسة و كتر خيرك تعبتك معايا ماتحرمش منك
ضرب حمزة جبينه برفق ، وقال بسرعة : صحيح يا ست حياة قبل ما انسي زي كل مرة..
أردف بتخمين ، وهو يخرج من جيبه شيئاً لامعاً ، ثم أعطاه إلى حياة : اتفضلي مفتاح الشقة .. اكيد انتي سيبتي باب الشقة مفتوح لما خرجتي ورجعتي!!
ردت حياة باندفاع دون أن تدرك أثناء إخراجها نسخة المفتاح الآخرى من جيب بنطالها : لا يا عم حمزة .. انا معايا مفتاح الشقة لاقيته تحت المشاية
تمعن بدر النظر في وجه حمزة الذي بهت لونه عندما رأى هذا المفتاح بيد حياة ، ثم عاود النظر إلى حياة عندما سمعها تتساءل : قولي يا عم حمزة .. معلش هي طليقة استاذ بدر اسمها ايه!!؟
حياة بسؤالها أوقفت كل الأفكار التي إنهمرت كالمطر على عقل حمزة ، فنظر إليها بحاجبين مرفوعين بدهشة وقال بتصحيح : استاذ بدر متجوز يا ست حياة مدام أميرة
رفعت عينيها لأعلى مرتبكة عندما شعرت بوتيرة أنفاس بدر التي ارتفعت إلى جوارها ، ثم استجوبت حمزة بارتياب : يعني اميرة دي مراته .. انت متأكد؟
أومأ حمزة برأسه بقوة ، وقال بثقة : اومال طبعا .. دي حتي كانت هنا من كام يوم بعد سفر استاذ بدر
تمتمت حياة بهدوء وهي تفرك بتوتر مؤخرة رقبتها : طيب انت كلمت استاذ بدر .. وقولتلو اني قاعدة في شقته
أشار إليها حمزة بالسلب ، ورد عليها بمبرر : تليفونه مقفول .. بس مدام اميرة موصياني اي حاجة تحصل في غيابه ابلغها بيها وانا عرفتها ان حضرتك قاعدة هنا مؤقتا
حدقت فيه بعيون ضيقة ، متسائلة بفضول : هو بيشتغل ايه؟
رد حمزة بابتسامة واسعة : استاذ بدر محامي كبير ماسك مكتب والده الله يرحمه...
همهمت حياة ، وعيناها ما زالتا مثبتتين على سجادة الأرض ، بفكر شارد : الله يرحمه
جاءت كريمة من المطبخ ممسكة بيد إسراء وقالت بابتسامة سمحة : كل حاجة حطيتهالك في التلاجة يا ست العرايس وأكلت القطة .. لو احتجتي حاجة عرفيني و انا عيني ليكي
نظرت إليها حياة ، وظهرت ابتسامة خجولة على شفتيها بشكل عفوي ، وقالت بامتنان : ربنا يخليكي يا ام كرم و شكرا يا عم حمزة قلقتكو معايا
أغلقت الباب من خلفهما ، وعاودت بنظرها إلى بدر الصامت بوجوم منجلى علي ملامحه.
مشيت حياة نحوه ، ووقفت أمامه محدقة في عينيه قائلة بتأييد : واضح محدش يعرف بموضوع الطلاق دا وهي فعلا كانت هنا من كام يوم زي ماقولت
ضمت حياة شفتيها بصمت لوهلة ، ثم قالت بقلق : الموضوع دا مش مريحني
تنفس بدر بعمق وهو يسحب شعره للخلف ، هو أيضا يشك في الأمر ، لكن عقله سئم من التفكير وقرر تأجيل المناقشة لوقت أخر. وقال محاولاً تغيير الموضوع : علي فكرة عم حمزة استغرب لما عرف ان معاكي المفتاح الاستيبن
وضعت حياة باطن كفها على خدها بصدمة ، وقالت بندم : اوبس تفتكر ماكنش له لزوم اقوله ولا ايه!!
مدّ بدر شفتيه إلى الخارج ، في إشارة إلى عدم تأكده من الأمر ، ثم قال بلهجة هادئة : مش عارف .. يمكن!!
قضمت حياة شفتيها ، ثم همست بتردد طفيف : طيب .. انا .. كنت عايزة اتفق معاك علي كام حاجة كدا
حدقها بدر بأعين ضيقة ، وهمهم بقلق من نبرة صوتها الخجولة التي نادرا ما تتحدث بها منذ أن إلتقى بها : ايه!!
تنحنحت تصفي حلقها المتحشرج ، ثم هتفت بشجاعة لأنها يجب أن تضع النقاط على الحروف معه من البداية كما يقال : اول حاجة لازم تسيبلي حرية التحرك في الشقة هنا
حك بدر جبهته بخفة ، ثم قال بدهشة : يعني ايه مافهمتش!!
تساءلت حياة بداخلها لماذا يطلب منها شرح الأمور في كثير من الأحيان ، وخاصة المحرجة منها ، لكنها قاومت ذلك الشعور ، وأجابت بعد أن أدارت عينيها لتجنب النظر إليه : يعني الحمام طول ما انا فيه ماينفعش تدخل عليا او تشوفني وانا بغير هدومي مثلا دا مايصحش
رفع حاجبيه بذهول ، ثم غمغم ، وهو يعدل ياقة قميصه في حرج بعد أن رأى أنها على حق : ماشي وتاني حاجة
أخذت حياة نفسا عميقا كمكافأة بعد أن اجتازت المرحلة الأولى التي كانت محرجة للغاية بالنسبة لها ، ثم أردفت بنبرة مليئة بالتذمر : وياريت تبطل تصحيني من النوم مخضوضة كل شوية .. وسيبني اخد راحتي في النوم
نمت ابتسامة صغيرة على شفتيه من تغير مزاجها في لحظات معدودة ، ثم دني لمستواها قليلا لمواجهة عينيها ، وقال بتهكم تحذيري مزيف : تمام وياريت انتي كمان تبطلي تتحركي بهرجلة و تكسري في البيت
أشاحت نظرها بسرعة عن عينيه اللتين كانتا تحدقان بها بنظرة لن تستطع تفسرها ، لكنها جعلت نبض قلبها يرتفع داخل صدرها ، وهمهمت بتوتر من تحت أنفاسها : ماقدرش اوعدك
أبقى بصره معلقًا عليها ، ثم تساءل : في حاجة كمان عايزة تضفيها
رفعت حياة يدها بعفوية وفركت ذقنها في تفكير ، ثم صاحت بسرعة ، ورفعت إصبعها السبابة أمام وجهه بتحذير : اهم حاجة .. ممنوع الاقيك داخلي من الحيطة تاني انا كدا هتجيلي جلطة في عز شبابي
رفع بدر حاجب واحد في استنكار ، وهو يطلق ضحكة عالية ، ثم قال بأسلوب ساخر : لا والله .. انا ايه يجبرني اسمع كلامك من اساسو!!
رفعت حياة حاجبها الأيسر كما فعل لكن بتعبير ماكر ، ثم هتفت بتهديد مضحك مشيرة إلى رقبتها : ماهو لو ماسمعتوش انا هموت نفسي و تطلعلك عفريتي تتعامل معاك بقي و تمرمطك
عبست ملامح بدر بتصنع يخفي وراءه الابتسامة العريضة التي كانت بداخله على حركاتها المرحة ، والتي لم ينكر أبدا أنها تروق إليه ، وقال باستياء مزيف : مش ملاحظة ان انتي اللي في بيتي وضيفة عندي
تحرك بؤبؤ عينيها إلى اليمين ، وضمت شفتيها أثناء تفكيرها ، ثم غمغمت بنبرة سلسة : اه هو بيتك صح .. بس انا بنت يعني عيب تتجول براحتك من غير حدود ولا انا كلامي غلط
لم يعد يستطيع مقاومة الضحك أكثر من تعبيرتها الغريبة عندما تتحدث بتعقل وخجل ، وقال من بين شهقاته ، وهو يمد يده ليصافحها بتلقائية : طيب .. ماشي
حدقت حياة في يده الممدودة بملامح متقلصة ، وهي تتذكر آخر مرة أراد فيها مصافحتها ، ثم دمدمت بتوجس : تاني بتمد ايدك .. انت مصمم ترجعلي نوبة الخوف ليه!!
لوى بدر شفتيه إلى الجنب ، ثم غيّر وضع يديه عموديًا ، بحيث كان باطن راحتيه الكبيرين مواجهتين لها ، وقال بإيماءة من رأسه لحثها على أداء نفس الحركة : طيب ارفعي ايدك
نظرت إليه حياة مندهشة ، ثم خفضت بصرها إلى راحتي يديه المرفوعتين أمامها ، وفعلت كما قال ، ثم قالت بخفوت : كدا!!
قرب راحتيه يلامس باطن راحتيها مما سبب لها دغدغة لطيفة ، قائلا بابتسامة جذابة : خلي دا يكون السلام بينا بعد كدا
همست بضحكة خافتة لأنها أحبت تلك الحركة ، رغم أنها بالكاد شعرت بلمسته : اتفقنا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية شبح حياتي) اسم الرواية