Ads by Google X

رواية في رحالها قلبي الفصل السادس 6 - بقلم آية العربي

الصفحة الرئيسية

 رواية في رحالها قلبي الفصل السادس 6 - بقلم آية العربي 

بسم الله ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم 

وَلَقَدْ نَعْلَمُ أنّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُون فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبِكَ وكُن مِنَ السَاجِدِينْ واِعْبُد رَبَّكَ حَتّى يَأْتِيَكَ اليَقِينْ .

الفصل السادس من رواية في رحالها قلبي 
بقلم آية العربي 

❈-❈-❈

 

الحياة غريبة والقضاء صادم والقدر عجيب 
يعطوك فجأة ما لم تتوقعه أو حتى يمر على عقلك من الأساس  . 

أسبوعًا آخر يمر والأوضاع هادئة نوعًا ما  . 

إلى أن استيقظت سارة بفزع على صرخة خرجت من جوف فريدة  . 

لا تعلم كيف وصلت إليها وتساءلت بتبعثر وجحوظ وهي تتفحصها  : 

- ما بكِ  ،  ما بكِ فريدة  ؟ 

نظرت فريدة أسفل ساقيها فتتبعتها سارة بنظراتها حتى حجظت وتدلى فكها لتقول فريدة بذهول صادم  : 

- هناك مياه كثيرة وأشعر بثقل أسفلي  ،  أنا ألد . 

وقفت سارة متجمدة لثوانٍ قبل أن تستعيد وعيها على صراخ فريدة وهي تقول بعدما شعرت بألمٍ حادٍ يتفجر من تحتها  : 

- آااااااااه أنا ألد يا سارة  ،  هاتفي سيف ليأتي أريد أن أرااااااه  . 

خرجت سارة من صدمتها لتسرع في إنزال نقابها وهي تركض نحو الخارج تنادي المسعفين والأطباء وبكاءها يزداد نحيبًا وحينما رؤوها أسرعوا إلى غرفة فريدة يفحصونها ليجدوا أنها ولادة مبكرة فهي لم تنهِ السابع بعد  . 

خلال وقتٍ قصير تم فيه تحضير غرفة العمليات أتى سيف وسعاد بعدما تحدثت إليهما سارة بقلبٍ يتهاوى رعبًا على شقيقتها  . 

أخذوها على كرسي متحرك نحو الداخل وهي تصرخ من شدة الألم ولم يتسنى لها أن تودعهم ولكن نظراتها كانت كفيلة لتعبر عمّا توّد قوله  . 

نظرت إلى سيف الذي يسرع معها متمسكًا بكفها يبثها كلمات الأمل والطمأنينة التي لا تشعر بهما لتتركه وتنظر نحو سعاد الباكية والتي كادت أن تسقط أرضًا لولا استنداها على أحد المقاعد  . 

وأخيرًا نظرت نحو سارة التي تجاورها على الجهة الأخرى  ،  نظرة انتفضت من بين أنينها تخبرها وتذكرها بوصيتها لتومئ لها سارة من أسفل نقابها بحزنٍ بلغ الحناجر كالعلقم  . 

دلفت فريدة واختفت عن أنظارهم ولكن صراختها لم تتوقف  ،  الألم أسفلها لا يحتمل وقلبها أيضًا لم يحتمل لذا ما إن خرج الصغير للحياة ونظرت له نظرة واحدة حتى توقف قلبها وغادرت هي نفس الحياة   . 

وهنا ندرك أننا أتيناها زائرين  ،  ليست لنا  ،  لا هي ولا متاعها  ،  كل ما بها من متاعٍ ما هو إلا ضيافة قدمت لنا من صاحب مكانٍ كريم سنتذوقها وكلٍ منا سيأخذ قدره المخصص له وحينما يحين الوقت سنغادر عائدين إلى ما ننتمي إليه  ، هذه هي الحياة ببساطة  . 

سكن صوتها وبات الأطباء يحاولون إنعاشها عبثًا  ،  هنا موتٌ وعلى بعد خطوةٍ حياة حيث الصغير يبكي وتتعالى شهقاته وكأنه أراد إخبار من في الخارج بأن ينتبهوا له  . 

حينما سمعت سارة صوته ولم تعد تسمع صرخات شقيقتها دب الرعب في أوصالها وأرادت أن تطمئن عليها أو تكذب شعورها الموحش كالذئب الذي ينهش قلبها لذا باتت تصرخ وتضرب الباب الفاصل بعنف وتنادي على من في الداخل ليطمئنها أحدهم  . 

وقف سيف يطالعها عاجزًا عن مواساتها وكيف يواسيها وهو يشعر بمَ تشعر به بينما سعاد اتجهت إليها تحاول أن تواسيها بأملٍ تبخر وجف حينما خرج الطبيب يطالعهم ويردف بأسفٍ بالغٍ  : 

- للأسف  ،  فقدنا الأم  . 

صرخت سعاد صرخة هزت الجدران وصمت الآذان بينما لم تحتمل سارة ما سمعته لذا فضلت فقدان الوعي عن الشعور بهذا الكَم من  الألم لذا سقطت أرضًا ليسرع الطبيب إليها طالبًا المساعدة من المسعفين  . 

أما سيف فوقف متجمدًا يتابع ما يحدث من حوله كذلك الفتى الصغير الذي فقد والدته في سن الثالثة عشر  ،  نعم إنه هو هذا الفتى  . 

لم ينطق ولم يشعر بمن حوله  ،  فقد هجمت عليه ذكرياتٍ ولعناتٍ حاول بكل الطرق أن يطردها ولكنها أبت  . 

❈-❈-❈

أسبوعًا قد مر  . 

غادر سيف البلاد بعدما كتب الصغير على اسمه قانونيًا ولكنه هرب ولم يواجهه ولم يرهُ حتى  ،  هذا الصغير الذي كان وزنه ضعيفًا جدًا لذا أدخلوه الحاضنة ليظل بها إلى الآن  . 

لم تتخطى سعاد حزنها ولا حرقة قلبها ولكنها كانت كعادتها أقوى من سارة  . 

سارة التي تخلت عن كل معالم الحياة  ،  فقط تعيش على ذكريات شقيقتها  . 

لا تصدق أنها تركت الدنيا  ،  إلى الآن تقنع نفسها أنها ستعود كما كانت تقنع نفسها بعودة والدها  ..  ولكنه لم يعد  . 

تقضي معظم وقتها في النوم لتهرب من التفكير الذي لا تحتمله ليودي الحال بها إلى بداية إكتئاب برغم محاولات سعاد معها ولكنها لم تستطع تجاوز هذا الحزن والألم والضيق الذين يقبضون على قلبها . 

جمعت أغراض فريدة وأتت بها إلى غرفتها لتعيش بينهم وكلما تحركت خطوة تتخبط بهم خوفًا من نسيانها لحظة  . 

❈-❈-❈

كانت سعاد تتحدث مع علي عبر الهاتف بقلقٍ عن حالة ابنتها قائلة  : 

- لا أعلم يا علي متى تخرج من حالتها تلك  ،  بت أخشى عليها  . 

تحدث علي بضيقٍ مبطن وبنبرة أوشكت على الانفجار من تحمله كل هذه الفترة في مرض فريدة والآن وفاتها  : 

- يجب أن تخرج سارة من تلك الحالة يا أمي  ،  اسمحي لي أن آتي وأتحدث معها  . 

تنهدت تفكر قليلًا ثم أومأت تجيبه  : 

- حسنًا يا بني تفضل  ،  ربما استطعت إخراجها من حالتها تلك  . 

نهض على الفور من مقعده يردف بحماس  : 

- حالًا يا أمي مسافة الطريق وسأكون عندكِ  . 

❈-❈-❈

دلفت سعاد غرفة ابنتها لتجدها تصلي وترتدي إسدال فريدة كعادتها  . 

تنهدت واتجهت تجلس على طرف الفراش تنتظرها إلى أن تنتهي  . 

لتختم سارة صلاتها بعد دقائق وتتنفس لتخفف من وطأة الضيق المصاحبة لها والتي ما إن لجأت لربها شعرت بالانشراح لذا تعود سريعًا للانغماس في ذكريات شقيقتها حتى لا تنشرح  ، وكأنها تخشى الخروج من دائرة الحزن هذه حتى لا تحزن فريدة  . 

أحيانًا حينما نفقد عزيزًا من شدة تعلقنا به وحبنا له نستسلم للحزن  . 
نخشى أن يسحبنا الزمن ويستدرجنا النسيان لذا نفضل البقاء داخل بلورة الحزن حتى لا ننساه  . 

وبالرغم من كونها فتاة مسلمة ملتزمة إلا أنها خطاءة فالنسيان نعمة هي ترفضها خشيةً على شعور شقيقتها التي لم تعد هنا  . 

نهضت تطبق سجادتها وتضعها جانبًا ثم التفتت تنظر نحو والدتها بعيون لامعة واتجهت تجاورها بصمتٍ قطعته سعاد قائلة بتروٍ  : 

- حبيبتي سارة  ؟  علي سيأتي بعد قليل  ،  طلب مني أن يزوركِ ويتحدث معكِ وأنتِ لا تجيبين على اتصالاته والشاب ليس له ذنبًا  ،  يجب أن تتحدثي معه يا قلب أمكِ  . 

أغمضت سارة عينيها وتنهدت تمنع الدموع من السقوط فليس وقتها الآن  ،  لمَ باتت تأتي في كل المواقف فوالدتها لم تقل شيئًا عن فريدة؟، أأصبحت حاضرة عند كل الأحداث؟  . 

زفرت بقوة ثم طالعتها وتحدثت بوهن بعدما نقص وزنها قليلًا نسبةً لتناولها القليل جدًا من الطعام  : 

- حسنًا يا أمي ليأتي  . 

ابتسمت سعاد بهدوء وامتدت يدها تربت على كف ابنتها قائلة بتريث ولين  : 

- سارة  ؟  ،  تركتكِ أسبوعًا تعيشين حزنكِ على فريدة التي يعلم الله كم أن قلبي ينفطر عليها  ،  ولكن كفى يا ابنتي  ،  كفى حزنًا فهناك صغيرًا بحاجتنا  ،  هناك طفلها يا ابنتي أم أنكِ نسيتي هذا البريء الذي لا ذنب له  . 

لم تنسه ولكن لم تكن تريد تذكر وعدها الآن  ،  أرادت أن تحزن كما يجب أن يكون ولتتخذ من الحاضنة حجةً كي تعيش حزنها دون أن يأخذها منه هذا الصغير الذي يحتاجها  . 

لتعود وصية فريدة وتهاجم عقلها وتتذكرها كأنها قالتها للتو  . 

كانت تعلم أنها ستفارق هذه الحياة وتترك صغيرها لتسلم سارة الوكالة بدلًا عنها في الأمومة وهي تدرك جيدًا أن سارة ستكون خير أمٍ له  . 

زفرت بقوة وتحدثت بنبرة مجهدة مختنقة  : 

- نعم أمي  ،  بقى فقط ثلاثة أيام ثم سأذهب لأحضره  . 

أومأت سعاد وتحدثت بدمعة التقطتها بكفها  : 

- رحمكِ الله يا فريدة  ،  رحمكِ الله يا ابنتي كنتِ تعلمين  . 

سكنت قليلًا ولكنها تسببت في المزيد من دموع سارة دون أن تدري لذا عادت تسأل متذكرة  : 

- ألم تسمعي أخبارًا عن سيف يا سارة  ؟  ،  أين ذهب هذا الشاب يا ترى  ؟ 

تجلى الغضب ورسم خطوطه فوق ملامح سارة لندفع قائلة بتجهم من بين دموعها  : 

- لا أريد أن أعرف عنه شيئًا ،  هذا القاسي متحجر القلب الذي غادر وكأنه كان ينتظر وفاتها  ،  ترك كل شيء وسافر  ،  إنه نذلٌ كبيرٌ عديم المسؤولية وأنا التي كدت أصدق أنه يحبها  . 

هدأتها سعاد وأردفت بنبرة حانية وهي تسرع في الربت على ظهرها   : 

- حسنًا اهدئي يا حبيبتي سيكون كل شيء على مايرام وهيا استعدي كي تستقبلي علي  ،  هذا الشاب صبر معنا كثيرًا ولم يعترض ولكنه من المؤكد يريدكِ أن تهتمي به قليلًا  ،  لا تنسي أنكِ منذ مرض فريدة وقد أهملتيه تمامًا  . 

حاولت أن تهدأ قليلًا ثم أومأت بصمت لتتركها سعاد وتغادر الغرفة وتنهض هي تستعد لمقابلته التي لو ترك الأمر لها لأنهت كل شيء فهي لم يعد لديها طاقة لتقدم الحب والاهتمام لأحدهم . 

❈-❈-❈

جاء علي ورحبت به سعاد وجلس بهدوء ينتظر سارة التي خرجت إليه بعد دقائق قليلة ترحب به برتابة برغم حزنها الذي يلاحظه حتى في خطواتها وحركاتها  . 

جلست أمامه مطرقة رأسها لا تجد حديثًا تبدأه ليتولى هو هذه المهمة ويتساءل بعيون ثاقبة محدقًا بها  : 

- كيف حالكِ الآن يا سارة  ؟  ، هل بتِ بخير  ؟ 

مررت تنهيدة على رئتيها ثم رفعت نظرها له تومئ قائلة بهدوء ينافي عيناها المغلفة بالحزن  : 

- الحمد لله يا علي بخير  ،  أنت كيف حالك  ؟ 

ابتسم لها بسعادة وتحدث يجيب ببشاشة  : 

- بعدما رأيتكِ أصبحت بأفضل حال  ،  وأيضًا اشتقت لكِ  . 

توترت نظرتها وأطرقت رأسها بخجل واعتراض على كلمته تلك التي لم تتقبلها ولكنها أجابته بهدوء  : 

- شكرًا لك  . 

تجهمت ملامحه من ردها ليزفر متحاملًا ثم يتابع مستفسرًا  : 

- لمَ توقفتِ عن العمل  ،  أنا أرى أنكِ تبدئين في العودة  ،  لقد كنت أراقب متابعاتكِ وجميعهن اشتقن لكِ وتسألن عنكِ  . 

شردت قليلًا تفكر  ،  بالتأكيد لم يشعر بها لذا أومأت تقول بهدوء  : 

- إن شاء الله سأعود قريبًا  ،  ولكن ليس مثل السابق لأنني بعد ثلاثة أيام سأذهب لأحضر نوح ابن فريدة من المشفى   . 

قطب جبينه للحظات قبل أن يتذكر أمر هذا الصغير لذا تحدث باستفهام  : 

- ابن فريدة  ؟  ،  هل سيظل معكما هنا  ؟  ،  لمَ لا يأخذه والده  ؟ 

رفعت عيناها تباغته بنظرة قوية من أسفل نقابها وتحدثت بنبرة تشبه نظرتها متجردة من وهنها للحظات  : 

- أي والد  ؟  ،  نوح ابن فريدة سيتربى معي أنا وأمي فقط  . 

تحمحم متعجبًا واستشاط داخله ولكنه أظهر هدوءًا وهو يقول مصححًا  : 

- حسنًا سارة اهدئي أنا لم أقصد شيئًا   ،  كل ما في الأمر أنني لا أمتلك خلفيةً عن موضوع الصغير هذا  .

تحلت بالهدوء لتعود لحزنها وتنفس بقوة حيث أومأت تقول  : 

- اعذرني يا علي أنا فقط أكره سيرة ذلك الرجل  ،  ولكن أعلم أن لا ذنب لك بالطبع  . 

انتعش داخله مجددًا من كرهها الملحوظ نحو سيف الذي يبغضه هو الآخر لذا أومأ ثم فكر قليلًا ليعود القلق ينهشه من أمر ذلك الصغير الذي على ما يبدو سيؤثر على مستقبله معها لذا قال بنبرة هادئة مبطنة بالخبث  : 

- بالطبع أنتِ محقة  ،  ثم أنني أود رؤية هذا الصغير فأنا أعشق الأطفال  ،  وأرى أن وجوده بينكما أنتِ وأمي سعاد سيكون عوضًا جميلًا  ،  وكذلك حينما نتزوج سيكون الصغير بمثابة ونسًا لوالدتكِ  . 

حدقت به من أسفل نقابها تحاول أن تبرهن لنفسها صدق نيته لذا قالت بهدوء ملغم بالجدية في نبرتها  : 

- أنا لن أترك نوح يا علي  ،  نوح سيتربى معي  ،  هو وصية أختي التي لا يمكنني التخلي عنها  ،  لقد وعدتها أن أكون أمًا له وسأفعل  . 

تجمد علي يطالعها بصمتٍ بينما داخله يضج بالصخب ،  هل جنت هذه أم ماذا  ؟  ،  كيف سيتقبل ما تقوله  ؟  . 

يحق له أن يعترض ولكن في هذا الوقت تحديدًا ربما اعتراضه أتى بنتائج عكسية أدت إلى تفكك علاقتهما التي هي بالأساس شبه مفككة لذا تنفس نفسًا قويًا ثم قال بملامح متجهمة لم يستطع ردعها بعدما عكرت صفوه : 

-  حسنًا يا سارة دعينا نتحدث عن هذا في وقتٍ لاحق  . 

كادت أن تحتد وتنهي كل شيء لولا تدخل سعاد في الوقت المناسب وهي تحمل صينية الضيافة وتعيد ترحيبها بعلي وتقدم له العصير والمقبلات بينما هو ظل يتابع سارة التي باتت تتنفس لتهدأ قليلًا ولتتروى في تفكيرها  . 

❈-❈-❈

بعد ثلاث أيام 

اتجهت سارة مع سعاد لتحضر الصغير  . 
دلفتا المشفى ومنه إلى الردهة المؤدية للحاضنة لتقفا بها تنتظران خروج الصغير بعدما أتمت سارة الإجراءات  . 

خرجت إليهما الممرضة تحمل الصغير بين يديها فأسرعت سارة تلتقطه منها وتطالعه بذهول لترى على الفور ملامح شقيقتها مرسومة على وجهه  . 

غلف البكاء عيناها وسعاد تجاورها وتتطلع على الصغير مرددة ذكر الله  : 

- بسم الله ماشاء الله تبارك الرحمن  . 

بكت سارة وانحنت تقبل جبين الصغير وقد ارتدت نقاب أبيض اللون حتى لا يفزع إذا رآها لذا ابتسم لها وكأنه شعر معها بالأمان الذي افتقده طوال العشرة أيام الماضية باحثًا عن أمه  . 

وفي هذه اللحظة وهذه الابتسامة البريئة التي صدرت منه دون نية منه في الابتسام ولكنها كانت كفيلة لتغير مسار حياة سارة تمامًا من النقيض إلى النقيض  . 

❈-❈-❈

بعد أربعة أشهر  . 

ينام الصغير على السرير وتقف سارة أمامه تبدل له الحفاضة وتناغشه تارة وتتجهم ملامحها أمامه تارة أخرى فيبتسم وتتعالى ضحكاته لأنه يعلم يقينًا أن تجهمها هذا ما هو إلا قناعًا لإضحاكه   . 

تصدر أصواتًا لحيواناتٍ نعرفها وأصواتًا لا نعرفها كأنها كائن فضائي ولكن لا يهمها، كل ما يهمها هي ضحكة هذا الصغير الذي يبتسم حتى انتهت وحملته تهدهده وتتجه به نحو الخارج مردفة بمرحٍ كأنها تتحدث إلى رجلٍ راشد  : 

- ما رأيك أن أضعك هنا في هذا السرير الذي دفعت ثمنه من دمائي كي يلهيك قليلًا ولكنك تتركه وتلتصق بي  ،  هل أنا أنجبتك ونسيتك يا ولد  ؟  ،  لم لا تتهذب وتجلس مثل باقي البشر وتكن هادئًا إلى أن أنهي ما طلب مني  ؟ 

كانت قد وضعته داخل السرير الخاص به بالفعل والذي ابتاعته له كي يلهيه حيث تتعلق به بعض الألعاب الملفتة لنظر الأطفال ولكن هذا الصغير لم يلتفت لأي شيء سواها حيث بدأ يئن ويتلوى حينما شعر أنها ستتركه هنا لتزفر بقوة ثم تعاود حمله وتهدهده قائلة بنزق لذيذ  : 

- أيها المشاغب  ،  هل هناك من سلطك علي  ؟   أريد أن أنهي أعماااااالي  . 

قالتها بملامح منكمشة وهي تطالعه وترفعه بيدها ليضحك بصخب عليها كأنها تدلله لا توبخه أم أنه اعتاد على توبيخها هذا وبات يطالب به فضلًا عن الدلال إذا كان الدلال سيكون عبارة عن سرير ممل فيه بعض الألعاب المملة التي لن تسعده  . 

لتنسى نزقها في الحال بمجرد أن يقهقه هذا الصغير فتبادله الضحكة وتعاود احتضانه بقوة بل تعصره عصرًا واضعة قبلة عميقة على وجنته المنتفخة ثم قضمة على الأخرى  . 

جاءت سعاد على صوتها تطالعها بتنهيدة ثم قالت بهدوء وهي تحاول تناول الصغير منها  : 

- أعطني هذا المشاغب لأرى واذهبي أكملي عملكِ  . 

ناولته لوالدتها تنظر له لثانية اثنتان وفي الثالثة كان يتلوى ويريد العودة لها لتبسم بسعادة وحنان طاغي يجتاحها نحوه لذا أسرعت تمد يدها لتنتشله ولكن أبعدته سعاد عنها بضيقٍ تجاهد لتخفيه وراء ابتسامة هادئة وهي تحاول هدهدة الصغير بهدوء قائلة  : 

- توقفي سارة ودعيني أهدهده فهو طالما يراكِ تنفذين له رغباته لن يحل عنكِ حتى أنه بات لا يريد أن أحمله  . 

ابتعدت سارة تطالعه باستعطاف وتمط شفتيها كأنها تشتكِ والدتها له فعاد يشير نحوها فحاولت سعاد إلهاءهُ قائلة وهي تطالع سارة بحدة ربما ظاهريًا كاذبة ولكنها حقًا باتت مستاءة من هذا الوضع  : 

- سارة هيا اذهبي واتركيه لي  . 

تنفست سارة بقوة وتحركت من أمامه مضطرة لتنهي أعمالها التي تراكمت فوقها حتى أنها خسرت جزءًا من متابعيها ولكن لا يهم كل شيء يهون مقابل ضحكة من نوح . 

نوح التي تعلقت به تعلقًا قويًا وكذلك هو حتى أنها لم تعد تهتم بالطهي وصناعة الشوكولاتا كما أهملت علي الذي يسعى ويتحمل هذا الوضع كي لا يخسرها وتعلم جيدًا أنها مخطئة في حقه وأنها لن تجد رجلًا يتحمل أوضاعها مثله ولكن ليس بيدها شيء   . 

كل ما تريده الآن هي سعادة هذا الصغير وإعطاءه كل المشاعر التي يحتاجها ولم تبخل عليه في ذلك وهذا تسبب لها بمشاكلٍ مع والدتها التي تراها تتناسى مستقبلها لأجل نوح  . 

تريدها أن تهتم بنفسها وبه ولكنها ترى أن ابنتها صبت اهتمامها بالصغير فقط  ،  ترى جيدًا أن علي يتحمل فوق طاقته وهذا لن تقبل به  . 

عليها أن تجد حلًا صارمًا حتى لو كان قاسيًا ولكنها ترى أن ابنتها هكذا تقضي على مستقبلها  . 

هي بصحة جيدة وتستطيع مراعاة هذا الصغير ولتلتفت ابنتها لنفسها قليلًا فقد اقترب زواجها وهي إلى الآن تقف مكانك سر  . 

استطاعت سعاد إلهاءه الصغير عن سارة حيث أخذته إلى غرفتها وباتت تلاعبه فتقبل الصغير دلالها مؤقتًا ليترك سارة تنهي بعض الأعمال وكلما شعرت بحاجتها لقبلته أو ضمه ركضت إلى غرفة والدتها تقبله وتضمه وتعود ركضًا قبل أن توبخها سعاد  . 

انتهت من أعمالها أخيرًا وأسرعت نحو الصغير الذي بدأ يبكي مطالبًا بها  . 

التقطته من سعاد تقبله تحت أنظار الأخيرة المتنهدة بضيق ثم طالعتها تقول بجدية  : 

- هذا الوضع زاد عن حده يا سارة  ، لم يتبقَ على زفافك الكثير من الوقت وأنتِ لا تهتمين ،  منذ متى وابنتي عديمة المسؤولية هكذا  ؟  ،  ما ذنب هذا الشاب الذي يحبكِ ويتحمل وضعكِ الصعب هذا  ؟ 

نظرت سارة للصغير الذي بدأ يغفو في حضنها وهي تربت عليه بحنانٍ ثم عادت تطالع والدتها مرةً أخرى وتردف بتوتر  : 

- لمَ كل هذا يا أمي  ؟  ،  هل تطلبين مني أن أترك نوح وأنتِ تعلمين أنه وصية أختي  ؟  ،  وعلي أيضًا عليه أن يتقبل ذلك وإلا  ــــــــ  . 

- إياكِ سارة  ،  إياكِ أن تقوليها  . 

قاطعتها سعاد تنطقها بصرامة وعيون محذرة وهي ترفع سبابتها في وجهها لتشعر سارة بالضيق والضغط يحاوطانها لتعود سعاد تتابع بجدية ثاقبة  : 

- ستلتفتين إلى مستقبلكِ وحياتكِ مع من يحبك  ،  ابنتي ليست ناكرة للجميل وذلك الشاب تحمل الكثير لأجلكِ  ،  ولو كنت رأيت منه عيبًا لقلته ولكنني أرى أنكِ المخطئة لذا يجب أن أقف لكِ بالمرصاد   . 

مسحت سارة على ملامحها بضيقٍ والتزمت الصمت ولا تعلم بماذا تجيب والدتها التي تراها محتدة لتتابع سعاد وهي تمد يدها لها  : 

- أعطني الصغير لأضعه في سريره واذهبي اغتسلي وبدلي ثيابكِ ،  بتي مهملةً حتى في هيئتك  . 

ناولتها سارة الصغير بملامح حزينة فأخذته سعاد وتحركت به نحو غرفتها بينما اتجهت سارة نحو المرآة المعلقة بالقرب من باب المنزل لترى هيئتها  . 

ظلت تحدق في نفسها لثوانٍ وحينما وجدت أن كلمات سعاد صائبة أسرعت تحتال على نفسها قائلة بدلال  : 

- ما بها هيئتي  ، ها أنا مثل القمر   . 

طرقات على الباب أجفلتها لتسرع في قول  : 

- مَن  . 

لم يرد الطارق فأسرعت ترتدي اسدالها وتعقد نقابها وتنزله سريعًا ثم فتحت الباب بمواربة تنظر من جزءٍ صغيرٍ منه وحينما رأته جحظت عيناها وتجمدت لتصبح كالتمثال تمامًا  . 

يقف أمامها بملامح تشبح بهم الحزن ورسم خطوطه أسفل عينيه بينما نمت ذقنه بشكلٍ كثيف  . 

لم يتحدث بل يطالعها منتظرًا أن تخرج من صدمتها التي دامت لثوانٍ قبل أن تفتح الباب على مصراعيه وتتكتف أمامه قائلة بملامح غاضبة أدركها من نظرتها المحتدة ووقفتها وهي تقول  : 

- ماذا تريد  ؟ 

- أريد ابني  ،  جئت لآخذه  .

  •تابع الفصل التالي "رواية في رحالها قلبي" اضغط على اسم الرواية 

google-playkhamsatmostaqltradent