رواية شبح حياتي الفصل السابع 7 - بقلم نورهان محسن
حساسة بشكل مفرط ، تجرحها بعض الكلمات الصغيرة التي ربما لا أحد يلقى لها بالا ، تثرثر كثيرا ولكن بالوقت ذاته كتومة ، تخلق جوا من السعادة أينما وجدت ، إمرأه تسكن ملامحها براءة طفولية ، كفيلة بأن تجبرك بالوقوع في حبها من جديد كلما ابصرتها ، بسيطة جدا بكل تفاصيلها الصغيرة تلك ، ملفتة بحب ، بل و متلفة أيضا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وقفت حياة تقوم بتعديل خصلاتها المتمردة خلف الطاقية ، وردت بعفوية ، دون أن تدرك ما تقوله ، لأنها كانت منشغلة بما كانت تفعله : عشان مديش لحد فرصة يتريق و يتنمر عليا
أنهت جملتها بينما بدر عيناه تلمعان بوميض غريب ، حيث عادت إليه هنا فقط ذكرى كاملة لما حدث في الماضي.
Flash Back
منذ سنوات كثيرة
كانت تجلس على درج الطابق الخامس من المبنى طفلة صغيرة لم تبلغ ثماني سنوات بعد ، كانت لديها شعر مجعد ملفوف بشكل متكرر باللون البرتقالي يطوق وجهها من الجانبين ويغطي كتفيها يصل إلي منتصف ظهرها ، فكانت تبدو في غاية البراءة و اللطافة.
تميزت بحيويتها وشقاوتها اللامتناهية ، لكنها فضلت اللعب بألعابها المنتشرة حولها التي كانت تلعب بها بمفردها ، لأنها لم تكن تحب الخروج للعب مع باقي الأطفال أمام المبني ، حتى لا يجذبوا شعرها ويزعجونها بسخريتهم وتنمرهم المستمر عليها كلما حاولت الاقتراب منهم.
كانت تحب اللعب بعروستها جميلة المفضلة إليها بشعرها الأسود الناعم ، عكس شعرها تمامًا.
وذات يوم ، بينما كانت تلعب ، كالعادة ، أمام باب منزلها في الطابق الخامس.
جذب انتباهها صوت يأتي من باب المنزل المقابل لها ، فوجهت وجهها ببراءة تجاه ذلك الشاب اليانع بعد أن خرج من المنزل الذي يعيش فيه مع والديه.
نظر إلى الفتاة الصغيرة بحاجب مرفوع ، وانزعاج منها بسبب الضوضاء التي تحدثها فى الطابق ، والتي تزعجه هو فقط ، لأن والدته سعيدة جدًا بتلك الفتاة الشقية التي تحبها وتعتني بها ، وكثيراً ما تخرج لإطعامها بنفسها وهي تلعب أمام بابها ، ولكن بالنسبة له يعتبرها متطفلة على حياته بسبب تكرار ذكر اسمها من قبل والدته ، وحضورها الدائم في منزله.
تنهد في سخط متجاهلا وجودها تماما ، ثم وقف أمام المصعد منتظرا مجيئه دون أي تعبير على وجهه إلا الجمود.
ظهرت ابتسامة طفولية على شفتيها ، تظهر أسنانها غير المنتظمة بطريقة مشاكسة ، ثم نهضت من الأرض وعروستها في يدها قائلة بمرح : المفروض لما تعدي علي ناس تقول سلامو عليكو
تطلع بها بطرف عينه مع ابتسامة جانبية على شفتيه ، متسائلا بسخرية لم تفهمها بسبب صغر سنها : هما فين الناس دول؟
أشارت إلى نفسها ببراءة وهي تقترب منه خطوتين ، ثم قالت بضحكة طفولية أزعجته أكثر : انا ناس!!
عبست ملامح وجهه ، وهو يتكئ على الحائط خلفه ، عاقدا يديه على صدره ثم إِستهزأ منها ببرود : لا انتي بنت سخيفة و مزعجة
تجادلت معه في دفاع طفولي عن النفس ، بينما أومأت برأسها بالسلب : انا مش دي اللي بتقول عليها
رفع حاجب واحد باستنكار ، و قد بدأت تثير غضبه تلك الحمقاء ، قائلا بنبرة حادة : لا انتي كدا واكتر عشان بسبب الدوشة اللي عملها هنا .. انا مابعرفش اذاكر ولا اركز في حاجة
حدقت فيه بعدم فهم لما كان يقوله ، وهمست بصوت طفولي رقيق : مش فاهمه هو انت بتزعقلي كدا ليه!!
زفر بدر الهواء المنحصر في صدره خلال اقترابه منها ، و دني إلى مستواها ، قائلاً بزمجرة : المفروض تنزلي تلعبي تحت مع العيال مش هنا كأنك نوغه
حنت رأسها في خجل طفولي ، وتقوس شفتيها إلى أسفل ، ثم همست بحزن : لا مابحبش ألعب مع العيال تحت بيتريقو عليا
لم يلاحظ نبرة الأسي في صوتها ، وكل ما خطر بباله أنها تحاول استفزازه بمجادلتها له ، لذا قرر صب جام غضبه عليها.
إشتعلت عيناه بلهب الغضب الناري منعكساً لما يعتري في صدره ، متناسيًا أن التي تقف أمامه مجرد طفلة لا تفقَّه معنى كلامه ، ثم أمسكها من ذراعيها وهزها بعنف دون وعي من شدة القهر في قلبه من أشياء كثيرة.
صاح بشماته وعيناه تتألقان من الحقد والاشمئزاز : ليهم حق طبعا .. عشان شكلك غريب بشعرك المنكوش اللي مش بتسرحيه دا .. وكفاية لونه يوجع العين اصلا
اتسعت عيناها في صدمة من تنمره عليها أيضًا ، وأصبح لسانها معقودًا ، فقد وجدته لطيفًا ، رغم أنها لم تتعامل معه من قبل بشكل مباشر ، ولكن كانت والدته دائمًا تخبرها عنه أنه عطوف ورحيم ، لكن ما تراه الآن هو شخص مخيف لا تريد أن تعرفه على الإطلاق.
زأر عليها بصوت شرس وتحذير مرعب ، عندما لم يتلق منها سوى نظرات مرتعبة والصمت المطبق منها ، حيث جعل قلبها يقفز من ضلوعها من شدة الفزع : اسمعي لو شوفتك بتلعبي هنا تاني .. هنزلك بإيدي للعيال للي تحت يعملو عليكي حفلة ويضربوكي بعد ما انا هضربك فاهمة
اهتزت مقلتا عينيها خوفاً بدموع ، وأومأت برأسها عدة مرات متفقة مع كلماته وهي تتعثر بين يديه القويتين قائلة بتلعثم : ف..ف..فاهمه .. فاهمه
دفعها عنه ببغض عندما ارتفعت شهقاتها من البكاء الشديد الذي كانت إنخرطت فيه ، والذي زاد منه أكثر عندما اصطدم جسدها الصغير بالأرض من قوة دفعه بعنف لها ، وتركها وراءه دون أن يوليها أدنى اهتمام.
منذ ذلك الحين ، لم تحاول مغادرة شقتها إلا للذهاب إلى المدرسة ، ورفضت دخول شقة والدة بدر لتجنب رؤيته.
أصبحت تمقته و تخافه في نفس الوقت ، وزادت الكراهية بداخلها تجاهه أكثر بسبب كلام أختها السيء عنه.
Back
شعر بدر بالاختناق في صدره يزداد عندما تذكر ذلك اليوم ، متذكرًا كيف كانت تنظر إليه في تلك اللحظة ، لكن لا يبدو أنها تتذكر شيئًا عن هذا الموقف بينهما ، بل إنه مخزّن في عقلها الباطن ، لذا فهي ترفض الكشف عن شعرها حتى لا يتنمر عليها الآخرون ، بعد أن فقدت الثقة في نفسها ، وهو شارك في هذا الشيء بكل حماقة.
همس بدر بحنو بالغ مليئ بالصدق لأول مرة يكلمها به ، ناظرا في عينيها العسلتين لتقبل كلامه : بس انتي لون شعرك جميل يا حياة ماينفعش تغطيه
أغمضت حياة عينيها بشدة ، وكان هناك شيء بداخلها يخبرها بفعل العكس ، ثم أشاحت عينيها تمامًا عنه ، ونظرت إلى المرأة حتي تضع القبعة على رأسها بلا مبالاة يغمره العناد : مايخصكش .. انا حرة
ضغط بدر على شفتيه غاضبا من أسلوبها المتمرد ، قائلا بعناد أكبر : لا مش هتلبسيها
ابتسمت حياة بسخرية ، وهي تعلم أنه غير قادر مطلقاً على فعل أي شيء ، قائلة باستخفاف : انت ماتقدرش تمنعني
زم بدر شفتيه حتى أصبحا كالخط المستقيم ، واحتقَن وجهه بغضب من استفزازها له ، ثم قال بتحذير ضاغطا علي كل كلمة ينطقها : ماتعصبنيش .. قولت مش هتلبسيها
انفرجت شفتيها بأوسع إبتسامة على وجهها ، وهي تلتفت إليه وتقول بلا اكتراث ، وهي تضع يديها على القبعة ، و تخرج له لسانها بمشاغبة حتي تثير غيظه : خلاص .. لبستها اهي حلوة
تأججت عيناه بنار الغضب وهو يحدق بها ، غير متقبلاً جدالها معه ، ثم ظهرت ابتسامة غامضة خطيرة على شفتيه ، وقال لها بخبث : افتكري انك انتي اللي اجبرتيني علي كدا
لم يمهلها وقتاً للتفكير في كلماته ، لانه انتهى من جملته تزامنا مع اقترابه السريع لها ، وإقتحامه جسدها حتى اصبحوا جسد واحد.
ارتعدت أوصالها بشدة ، وشعرت بدغدغة تهاجم جسدها ، وهي تصرخ بصوت عالٍ : ايه دا .. بتعمل ايه يا متحرش .. ابعد عني يا حيوان
حاولت حياة التحرك بشكل عشوائي ، لكن شيئًا ما منعها من السيطرة على نفسها ، حيث وجدت يديها مرفوعتين إلى الأعلى والقبعة سقطت من رأسها ، رغم مقاومتها الرهيبة لعدم حدوث ذلك ، لكنها لم تستطع فعل أي شيء ، فكان ذلك أقوى منها.
أنهى بدر مهمته ثم خرج جسدها ، فسقطت حياة على الأرض فجأة عندما دفعها بعيدًا عنه.
شعرت حياة بصعقة كبيرة ارتجف لها جسدها بالكامل وانهارت قواها تماماً ، ولم تشعر بأعصابها من شدة ذعرها مما حدث لها للتو.
وقف بدر بجانبها وهي على الأرض ، ينظر إليها من فوق ، بابتسامة منتصرة تحتل شفتيه ، وكم أرادت حياة في ذلك الوقت أن يكون على قيد الحياة ، حتى تقتله بيديها وتمحى تلك الإبتسامة السخيفة من الظهور مجدداً.
أشار بدر إليها بإصبعه ، وصدره يتحرك لأعلى ولأسفل ، وهو يلهث ، وقال بنبرة هادئة مليئة بالتحذير ، لكنها أقرب للتهديد : لما اقول علي حاجة بعد كدا تسمعيها و اوعي تعانديني هتندمي اوي
اتسعت عيناها بذعر ، وفرغت فاهها من الصدمة ، وهمهمت بصوت منخفض ، وهي تجز على أسنانها بقوة : منك لله يا عفريت يا ابن الجز*ة انت..
سرعان ما صرخت بإتهام ، وهي لا تصدق ما فعله وتشير عليه بغضب : وانا اللي كنت فاكرة انك طيب .. بس طلعت عفريت شرير وكنت هتلبسني حرام عليك يا شيخ
كان بدر يسيطر على نفسه بصعوبة حتى لا ينفجر ضاحكا عليها ، حمحم مدعيا اللامبالاة : بطلي كتر كلام مالوش لزمة وقومي يلا
استقامت حياة بعد عدة محاولات فاشلة في النهوض ، لأن قدميها أصبحتا كالهلام ، ولم تستطع السيطرة عليهم بسهولة.
وقفت تحاول ترتيب ملابسها المتبعثرة ، ومشطت شعرها الأشعث وربطته من الخلف مثل ذيل الحصان ، قائلة بكلمات غير مترابطة وهي تهرول للخارج : يخربيت سنينك .. المدرسة .. انا اتأخرت اوي
استمع بدر إلى كلماتها وهو يسير خلفها ، ثم وقف عند باب المطبخ ينظر إليها ، ويطرح سؤال مستفسراً : انتي بتشتغلي في مدرسة!!
صاحت حياة بضجر ، أثناء ما كانت ترمقه بنظراتها الحانقة بوجهها الطفولي المتورد من شدة سخطها مما فعله ، ثم أنزلت وعاء الحليب إلى القط على الأرض : الله يخليك في حالك بطل حشارية .. بسببك اتأخرت وهنزل من غير فطار كمان بعد الصدمة الكهربائية للي عملتهالي علي الصبح
لم تعطه فرصة للرد ، فاندفعت من جانبه كالسهم من عجلتها ، وأقسمت أنها ستعلمه درسًا بسبب ما فعله بها قبل قليل عندما تعود من الخارج.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
أمام باب المنزل
أغلقت حياة الباب بسرعة ، ووضعت المفتاح في حقيبة يدها الصغيرة ، ثم كانت على وشك النزول ، لكنها توقفت عندما سمعت صوتًا رجوليًا يقول : صباح الخير
استدارت إلى جهة الصوت القادم من أعلى الدرج خلفها.
نظرت حياة إليه وأحست بداخلها أنها ليست المرة الأولى التي تسمع فيها هذا الصوت ، ثم قالت بنبرة لطيفة : صباح النور!!
أنهى الدرج سريعاً وسار نحوها بابتسامة جميلة على وجهه قائلاً بنبرة مرحة : ازيك يا حياة .. اكيد مالحقتيش تنسيني؟
حدقت حياة فيه بدهشة ، فأدرك أنها لا تتذكره ، وعذرها على ذلك ، مستأنف حديثه : انا اللي استنجدتي بيه علي السلم لما حسيتي بحرامي جوا البيت
فغرت حياة فمها منذهلة ، وهي تحدق في عينيه الأخضرتين مثل العشب ، واتسعت حدقتيها في هذه اللحظة فقط عندما تذكرت لقائهم الأول ، وهي تفرك جبينها بخفة ، قائلة بابتسامة محرجة : افتكرت معلش دماغي يومها كانت ملخبطة ومش مجمعة حاجة .. اهلا و سهلا بحضرتك
ضغط على كفها بود وهو يصافحها ، ثم لاحظ الآن أنها خرجت من شقة بدر فتساءل بفضول : منورة القاهرة .. انتي خلاص سكنتي هنا في شقة بدر
أمسكت حياة بيد حقيبتها على كتفها ، وهي تنظر إلى الساعة في هاتفها وقالت بعجلة : يعني دي حكاية طويلة ومعلش انا مستعجلة دلوقتي
أنهت كلامها وهي تتقدم نحو الدرج حتى تنزل ، لكنه لحق بها ونزل بجانبها قائلاً بهدوء : طب استني انا نازل معاكي
كلاهما لم ينتبه لبدر الذي ينزل بخفة وراءهما بملامح مقتضبة.
قلب بدر عينيه بنفاذ صبر عندما سمع صوت ذلك الرجل الغليظ الوسيم يقول : حياة مجدي مش كدا!!
نظرت إليه حياة بإستغراب قبل ان تتساءل : ايوه انت تعرفني ولا عم حمزة هو اللي قالك!؟
أجابها بضحكة خافتة : لا اعرفك من وانتي صغيرة ماكنش فيه حد اسمه حياة في العمارة وبشعر برتقالي الا انتي وكنت في الطالعة والنازلة بشوفك بتلعبي قدام شقتكو
لمست حياة شعرها من خلف القبعة بحركة لا إرادية ، ونظرت خلفها لتجد بدر نازلاً ورائها ، و يبدو عليه الغضب من عقدة حاجبيه ، لكنها تمتمت : شعري..
أعادت بصرها إلى الرجل ذو العيون الخضراء متسائلة بفضول : هو حضرتك تبقي مين!!؟
جاءها صوت بدر قائلا بسخرية لاذعة : دا دكتور مازن ساكن في الدور اللي فوقنا
أنهى بدر جملته تزامنا مع رد الآخر الذي قال بابتسامة جذابة : انا اسمي مازن .. مازن جلال دكتور باطنة .. وساكن مع ولدتي في الشقة اللي فوقك منك علي طول
تساءلت حياة بصوت مذهول : انت اخو مروة صح!؟
حملق مازن فيها بدهشة وتساءل : لحقتي تعرفي مروة كمان
أومأت حياة برأسها ، وأجابته بابتسامة حلوة : ايوه هي جتلي واكلمنا مع بعض .. عرفتني بيها وكلمتني عنك وعن مامتك
هز مازن رأسه بفهم ، ثم قال مازحا : مروة بتاخد علي الناس بسرعة .. ياريت ماتكونش دوشتك بكلامها الكتير
تأفف بدر بضيق ، وقال بحدة : انا علي فكرة مش حابب الدكتور دا .. شكله ملزق ماتتلكعيش وانزلي بسرعة
جعدت حياة حاجبيها من أسلوبه الوقح ، الذي يجعلها تتوتر بسرعة ، لكنها قررت تجاهل وجوده وقالت بنبرة صادقة : لا بالعكس دي لطيفة جدا .. انا اتشرفت بيك يا دكتور
ابتسم مازن لها إبتسامة واسعة ، وقال بنبرة هادئة : انا اللي زادني شرف و انبسطت من الصدفة اللي خليتنا نتكلم..
أردف مازن بفضول عندما وصلوا إلى مدخل المبنى : قوليلي هتفضلي قاعدة قد ايه في شقة بدر؟
فركت حياة حاجبها برفق وهي تفكر بماذا تجيب ، ثم قالت بهدوء : لسه مش عارفة .. بس غالبا لحد ما يرجع يلم حاجاته من شقتي عشان اقدر اقعد فيها
توقف مازن عن المشي والتفت إليها بكامل جسده قائلاً بابتسامة : عموما اي حاجة تحتاجيها تقدري تطلبيها مني .. احنا كنا صحاب قدام بس شكلك لسه ناسية
تمتمت حياة بإختصار وبصوت يلهث ، حيث تأكدت بداخلها أن فرصة العمل التي كانت تطمح إليها قد ضاعت : ان شاء الله يا دكتور عن اذنك
زفر بدر الهواء من صدره بملل قائلاً بعبوس : اخيرا هنخلص منه
رمقته حياة بنزق ، وكادت أن تتحرك إلى الشارع ، لكن صوت مازن أوقفها عندما قال بإستفهام : انتي رايحة فين!!
حدق فيه بدر بنظره ناريه قائلا بزمجرة : وبعدين بقي!!
نفخت حياة الهواء من صدرها بضيق شديد تجاه ما يفعله بدر ، لكنها نظرت إليه بتحد ، ثم أعادت بصرها لمازن وقالت بهدوء ظاهري : مدرسة...
تساءل مازن بإستغراب ، حين برزت فكرة في ذهنه : دي اللي علي اول الشارع من برا
دمدم بدر في أذنها سخطًا : امشي و سيبيه انتي مش عمالة تقولي متأخرة
تنحنحت بقوة لكى تجعل بدر يصمت لأن كلماته كانت موترة لأعصابها الهشة في تلك اللحظة ، ثم قالت بعناد ممزوج بالارتباك : أحم ايوه هي دي .. هشتغل مدرسة للاطفال والمفروض عندي مقابلة مع مديرة المدرسة .. بس اتأخرت نص ساعة عن الميعاد ومعرفش اروح ولا اعتذر وأجلها
تحرك بؤبؤ عيناي بدر إلى اليسار ، وهو يفرك ذقنه بعنف لردها بالتفصيل على مازن ، بينما هو عندما سألها لم يأخذ منها عبارة مفيدة ، ثم هتف بحدة : واضح أن الكلام معه مش هيخلص
تعجب الأخر من كلامها ، وقال بصوت هادئ : وليه تعتذري!! عادي ابن مروة في المدرسة دي .. ومديرة المدرسة معرفتنا بيها كويسة..
أضاف مازن بابتسامة مليئة بالعذوبة عندما نظرت إليه بعيون تائهة : اذا حابة اجي معاكي لو قلقانه انا في الخدمة!!
أطلق بدر سباب من تحت لسانه عندما سمع كلام مازن المبطن ، وكأنه يهدف للوصول إلى شيء ما : اه ياض يا ابن الص*يعة...
ثم صفق بكلتا يديه باستهزاء ، وقال بابتسامة غاضبة وهو يشير نحوه بإصبع الإبهام ، ثم حدق في حياة : لا برافو عليك .. دا بيشقطك يا انسة وانتي واقفة متنحة في جمال عيونه الخضرا
لوحت حياة بيدها أمام وجهها ، حين شعرت بامتعاض شديد قائلة بهمهمة بدر سمعها فقط ، وفهم أنها تسخر منه : النموس هنا فظيع..
أردفت حياة بعيون تتألق بالأمل : يعني هو حضرتك ممكن تعمل كدا بجد!!
لوى مازن شفتيه متظاهرا بالتفكير ، لكنه في الحقيقة كان يخفي ابتسامة سعيدة عندما رأى بريق الحماس يتألق في عسليتها الساحرة ، ومازحها بابتسامة : لو شيلتي من الجملة دي كلمة حضرتك ممكن اعمل كدا!!
استدار بدر ونظر إليها بغضب كاد أن يحرقها في مكانها ، فابتلعت لعابها بتوتر شديد ، وللمرة الأولى ترآه بهذا الإستهجان ، وازداد ارتباكها عندما صرخ بتهديد مضحك : النموس دا انا هخليه يلدغ أمه عشان يغور من هنا
اندهش مازن من صمتها ، لكنه أقنع نفسه بأنها تفكر في الأمر ، غير مدرك أنها في صراع داخلي ، من ناحية أرادت الموافقة ، من ناحية أخرى تريد تحطيم فك ذلك الأرعن بجانبها ، لكنها لا تريد أن تظهر مختلة عقليا أمام ذلك الرجل الأنيق الذي قال لها بسرعة يحثها على اتخاذ القرار : قولتي ايه موافقة!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية شبح حياتي) اسم الرواية