رواية بين يديك الفصل السابع 7 - بقلم قوت القلوب
••لقد ضاعت••
گوقفه قويه مع النفس ، بل صفعه قويه من الزمن أفاقت بها “مى” بعد غفلة طويله حين ظنت أن “عادل” إنسان يستحق تلك المشاعر التى خصتها به ، كيف إستطاع أن يبدل تلك الأحاسيس الرقيقه لكل ذلك البغض بقلبها ، تحول تماماً حبها له لكراهيه خاصه بعدما نزع ذاك القناع المسالم عن وجهه …
تقلصت ملامح “مى” المتعمقه بـ”عادل” لتراه شخص بغيض للغايه ، كيف لم تراه بتلك الصورة من قبل ، أردفت بنفور شديد …
مى: .بكرهك يا “عادل” …
ضحك “عادل” مستهزءاً منها ثم أردف بلا إكتراث لمشاعرها تجاهه فهو لا يهتم بذلك مطلقاً …
عادل : تكرهينى متكرهينيش … قلت لك إنتى فى الأساس متهمينيش … إنطقى أحسن لك … وآخر مرة حسألك .. خبيتى الأوراق فين ….؟؟؟
مى : مش حقولك حتى لو موتنى هنا مش حقولك …
وبسرعه فائقه إنتفضت “مى” من جلستها راكضه بإندفاع نحو باب الغرفه گمحاوله منها للخروج من قبضه “عادل” لكنها وجدت الباب موصداً بالمفتاح ، لم يكن ذلك سبباً لإستسلامها فأخذت تحاول فتح الباب بالمفتاح الذى تعلق به ، لكن “عادل” كان أسرع منها فدفعها بقوة ممسكاً إياها بكلتا يديه ليزيحها إلى الداخل مما جعلها تتهاوى لتسقط أرضاً مرة أخرى ، شعرت لها بأن عظامها سوف تتكسر من قوة إرتطامها بالأرض ….
تهدج صدر “عادل” بإنفعال ليصرخ بها بحدة …
عادل : كل إللى بتعمليه ده مش حيفيدك بحاجه … إرجعى لعقلك كده يا بنت الناس …. أنا حديكى فرصه حروح مشوار وراجعلك … لو متكلمتيش بالذوق ماتلوميش إلا نفسك على إللى حيجرى لك المرة دى بقى ….
أنهى “عادل” تهديده لـ”مى” وتوجه نحو باب الغرفه ليفتحه بالمفتاح ويصفقه بقوة قبل أن يوصده مرة أخرى حتى لا تستطيع “مى” الهرب منه …
بتلك الأثناء بدل “بدوى” ملابسه بأخرى إستعداداً لمرافقة إبن أخيه الذى هتف به ومازالت ملامحه متجهمه بعد لقاءه بـ”مى” …
عادل : يلا بينا يا عمى …
مسح “بدوى” قطرات العرق الغزيزة من فوق جبهته بتوتر وهو يشير بعيناه تجاه الغرفه متسائلاً بقلق …
بدوى : إحنا حنسيبها هنا … ؟؟؟
رمق “عادل” باب الغرفه قبل أن يجيبه بإشمئزاز منها …
عادل : أيوه … خليها مرميه كده من غير ولا أكل ولا شرب لحد ما تعرف هى بتتعامل مع مين … وتبطل تنشف دماغها وتقولنا الورق فين .. يا إما حتشوف منى إللى عمرها فى حياتها ما شافته … يلا بينا …
خرج الإثنان تاركين “مى” بمفرها داخل تلك الشقه التى لم تأت إليها من قبل ….
لم تكن تشعر بآلامها إلا فور خروج “عادل” ، لتنتبه أن رأسها يؤلمها للغايه ، رفعت كفها لتضعه فوق موضع الألم إثر إرتطام رأسها بالأرضيه الصلبه منذ قليل شاعرة ببعض الدوار لتتأوه بألم …
مى : ااه يا راسى …. مش قادرة .. أنا حعمل إيه دلوقتى ….؟؟ …. ده إيه الورطه إللى أنا فيها دى …؟؟
تحاملت “مى” على نفسها لتتوجه نحو الباب تحاول فتحه لكنها وجدته موصداً مرة أخرى ، أخذت تضرب بيديها على الباب فربما تستطيع كسر الباب لكنها لم تستطيع فعل ذلك فهى أضعف من أن تكسر الباب …
ليس من طبعها الأستسلام قط ولن تقبل أن تظل متتظره تعطف “عادل” وتركها لسبيلها …
فإستدرات على الفور نحو النافذه تحاول الهرب منها فربما تستطيع القفز من هذه النافذه فالشقه بالدور الأرضي …
لكنها صدمت بوجود شبكه حديديه قويه بالنافذه لتعيق خروجها منها …
عادت مرة أخرى بمثابرة نحو الباب تضغط بكفها مقبضه بقوة … حاولت … وحاولت … وحاولت … لكن دون جدوى ….
بتلك اللحظه تيقنت بمحبسها وأنها غير قادرة على الهرب لتهوى بيأس شديد لتدرك أنها وقعت بقبضته بالفعل …
جلست أرضاً منهاره القوى فمن الواضح أن القدر يلعب ضدها اليوم ، وستظل حبيسه هذا المكان حتى يعود “عادل” و”بدوى” ولا تدرى بعد ماذا سيفعلان بها …
مجرد إدراكها لفكرة وقوعها تحت سطوتهم أرعبها ذلك كثيراً لتومئ برفض ذلك رفضاً باتاً ..
مى : لأ …. أنا مش لازم أستسلم بالسهوله دى …!!!!!
أخذت “مى” تصرخ تستنجد بأى شخص يسمعها ويحاول مساعدتها ، لكن لاصوت ولا رد ….
أدركت أنه ليس هناك أحد قريب يستطيع مساعدتها وإنقاذها قبل وصول “عادل” و”بدوى” …
مر الوقت لتجد نفسها مرغمه على البقاء ولا سبيل للخروج من هذه الشقه فجلست بإستسلام على أحد المقاعد لتغفو دون أن تدرى لما تشعر به من إرهاق شديد …
***
الإسكندرية ….
بخطوات رشيقه للغايه لا تناسب سن تلك السيدة الخمسينيه ولا وزنها فعلى الرغم من جسدها الممتلئ إلا أنها سريعه التحرك دؤوبه النشاط والحيوية …
رفعت وجهها المستدير لتقضب حاجبيها بضيق وهى تمط شفتيها بعتاب محب لولدها الوحيد ..
_ بس إنت قلت لى إنك حتاخد أجازة شهر يا “مصطفى” …!!!
إتسعت إبتسامه “مصطفى” لتظهر أسنانه البيضاء فله إبتسامه مميزة للغايه تظهر ملامح وجهه الوسيم ، فـ”مصطفى” شاب بأواخر العشرينات طويل القامه بعكس والديه ذو جبهه عريضه وعينان عسليتان يتمتع بشعر فحمى كسواد الليل …
مصطفى : يا أمى يا حبيبتى …. ما أنتى عارفه إن “سيف” تعبان وميقدرش يسافر … ولازم حد يسافر بداله وإلا حتحصله مشكله …. القبطان معندوش أعذار … واحد غايب … غيره لازم يحل محله ..
بعاطفه شديدة نظرت له “هناء” بتأثر مردفه …
هناء : بس يا “مصطفى” أنا ملحقتش أشبع منك يا إبنى …. ده إنت مكملتش أسبوع أجازة … وبقالك غايب عنى أكتر من شهر ونص ….
ثم إستكملت بترجى فهى تشتاق له للغايه …
هناء: متشوف لك شغلانه تانيه قريبه وتخليك جنبى يا إبنى …
على الرغم من أنه وحيد والديه لم يكن شاب مدلل إطلاقاً بل كان مثال للرجوله وتحمل المسؤولية إستطاع أن يكمل تعليمه وسط معيشتهم البسيطه للغايه ليحصل على بكالوريوس الهندسه الميكانيكيه ولاحت له فرصه لا تعوض بالعمل كمهندس ميكانيكى بشركه ملاحه تجاريه وعليه التواجد بمتن السفينه لمدة شهر كامل ثم يتبادل مع أحد زملائه …
تلك الوظيفه بالبحر هى فرصه التى لا تعوض فراتبها مغرى للغايه لا يستطيع تعويضه بأى وظيفه أخرى على البر …
مصطفى : ما إنتى عارفه يا ماما أنى مش حلاقى شغلانه زى دى … ده غير إن مرتبها ممتاز زى ما إنتى شايفه … وإحنا محتاجين كل قرش فيها …
تنهدت “هناء” بتفهم لذلك لكنها مازالت تشتاق إليه …
الأم: بس إنت بتغيب عنى كتير أوى وأنا مبقدرش أستحمل غيابك ده عنى … أنا و أبوك تعبنا وكبرنا ومحتاجينك جنبنا …. ده غير بقى إنى بخاف عليك أوى من شغل البحر ده …
بصفاء نفس كسماء صيف هادئه حاول “مصطفى” طمئنه والدته القلقه ..
مصطفى : يا ماما متقلقيش … عمر الشقى بقى …
ثم أردف ببسمه لإنهاء حديثهما القلق …
مصطفى : خلاص بقى يا ست الكل … متخلينيش أسافر وإنتى زعلانه كده .. مش عايز أبقى قلقان عليكى ….
هناء : خلاص الأمر لله .. هو أنا حغلبك !!! … على طول حتضحك عليا بكلمتين … ربنا يحفظك ويصونك يا إبنى تروح وترجع لنا بألف سلامه ….
مصطفى : أشوف وشك بخير …
هناء :مع السلامه يا إبنى … فى حفظ الله ورعايته …
خرج “مصطفى” من البيت ماراً بصديقه “سيف” أولاً قبل سفره …
****
وقف “مصطفى” أمام البنايه التى يقطن بها صديقه “سيف” قبل أن يصعد درجاتها للإطمئنان عليه قبل سفره فهو يعيش وحيداً بهذا المنزل …
لم يفكر “مصطفى” للكثير من الوقت قبل قبوله بالسفر عوضاً عن صديقه المريض رغم إرهاقه لمدة شهر كامل بالعمل بالبحر كمهندس ميكانيكى فوق متن إحدى السفن البحريه وكطبيعه عمله يبقى بالبحر لمدة شهر كامل ثم يعود لتبديل مكانه بزميل آخر ويحصل هو على شهر إجازة …
طبيعه قاسيه لكن عليه تحملها فالعائد المادى مجزى للغايه وهو وأسرته بأمس الحاجة لهذا المال للخروج من أزمتهم الماديه والديون التى تراكمت فوق كاهلهم فعمل والده “خالد” بمحل البقاله خاصته لا يكفى إحتاجاتهم قط …
طرق “مصطفى” الباب لعدة مرات قبل أن يستقبله “سيف” هذا الشاب القمحى ذو الوجه المستدير والأعين السوداء بملامح طفوليه قليلاً ليعطى مظهراً أصغر من عمره ببعض السنوات …
فتح “سيف” الباب وهو يسعل بقوة ممسكاً بأحد المحارم الورقيه يغطى بها أنفه المتوهج بلون شديد الحمرة …
فور رؤيته لصديقه “مصطفى” ترك الباب دالفاً إلى الداخل ليتبعه “مصطفى” فهو ليس بغريب ثم أردف بكلمات محتقنه بسبب تلك الانفلونزا …
سيف: تعالى يا غالى …
أغلق “مصطفى” الباب وهو يمزح مباشرة …
مصطفى : لا يا حبيبى … إنت حتقضيها يا غالى بقى وحركاتك دى !!!! …. بقولك إيه أنا أخدت مناوبتك المرة دى بس إنت كمان حتاخد مناوبتى المرة الجايه على المركب .. فاهم …
تمدد “سيف” وهو يعقب بضحك على طريقة صديقه الطريفه …
سيف: خلاص يا سيدى …قلتهالى خمسميه ألف مره … حاضر .. أقوم بس من رقدتى دى ..
رفع “مصطفى” حاجبيه مصنعاً الإندهاش ثم أكمل مزاحه بإستهزاء …
مصطفى : اااه … لاااا بقى … أنا شايف السكر بيزيد … مش عاجبك ولا إيه .. هاه …؟!!!
سيف: ما إنت إللى كل شويه تقولى كده من ساعه ما إتفقنا إنك حتسافر مكانى … ؟؟؟ ما قلنا حسافر مكانك من غير رغى كتير ….
رفع “مصطفى” ساقيه ليعقدهما أسفله مدعياً الضيق ..
مصطفى : لا والله … وعلى إيه … أدى قاعده وسافر إنت يا أخويا مش خلاص كلامى مش عاجبك ……!!!!
أجابه “سيف” بجميع العبارات المناسبه للإعتذار منه قائلاً …
سيف: حبيب قلبى … إنت صدقت …. هو أنا ليا غيرك … آسفين والله … حقك عليا… وااا ….
قاطعه “مصطفى” ضاحكاً …
مصطفى :خلاص خلاص .. إنت حتشحت …. بس بالله عليك خلى بالك من والدى ووالدتى إنت عارف ملهمش غيرى …
أنهى عبارته بجديه ليقابله رد “سيف” بجديه مماثله أيضاً …
سيف :متقلقش .. فى عنيا والله …
كان لقاءً قصيراً قبل وداعه لصديقه لإستئناف عمله ..
مصطفى: يلا .. سلام بقى ….
سيف :مع السلامه …
تركه “مصطفى” متجهاً للميناء تاركاً هذا الوحيد يعانى من مرضه بمفرده فهو شاب وحيد يتيم الأبوين …
****
مر يومان إختفت بهم “مى” تماماً عن السيدة “فاديه” دون معرفه إلى أين ذهبت دون إخبارها فليس من عادتها تركها بتلك الصورة …
أثار غياب “مى” فزع السيدة “فاديه” تماماً ليزداد تأثرها النفسى بغيابها حيث جلست برفقه المحامى الخاص بأعمالها وهى فزعه للغايه من شدة قلقها على “مى” فقد إعتبرتها كإبنتها التى لم ترزق بها …
بتحسر شديد أردفت السيدة “فاديه” ..
السيده فاديه: يعنى إيه ….؟؟؟ بنتى راحت فين ….؟؟؟ أه يا حسرة قلبى عليكى يا بنتى …
منصور: إهدى بس يا مدام “فاديه” … إحنا بلغنا الشرطه وبندور عليها .. وأكيد إن شاء الله حنلاقيها … بس هى مقالتلكيش أى حاجه !!!! … راحت فين أو عند مين … أى معلومه يعنى تدلنا راحت فين …؟؟
السيدة فاديه: لأ … كانت رايحه الشركه عادى زى كل يوم وقالتلى مش حتتأخر …. ومن ساعه ما طلعت الصبح مرجعتش …. ااااه يا بنتى إنتى كمان ضعتى زى إبنى ما ضاع ….
حاول “منصور” تهدئه السيدة “فاديه” قليلاً فهو لم يرها بهذا الإنهيار منذ زمن بعيد ..
السيد منصور : مدام “فاديه” …كل ده مش حيفيدنا بحاجه … إنتى لازم تهدى عشان نعرف نفكر …
بمحاولات عابثه لم تجد نفعاً لتهدئتها لم يجد بُد من الإرسال بطلب الطبيب لإعطائها مهدئ ما يساعدها قليلاً فحالتها اليوم أعادت له ذكريات بمثل حالتها حين فقدت إبنها منذ خمس وعشرون عاماً …
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية بين يديك) اسم الرواية