رواية شبح حياتي الفصل الثامن 8 - بقلم نورهان محسن
دعينا نختلف مرةً واحدة، لنذهب في إتجاهين مختلفين مثلًا، أنا بإتجاهكِ وأنتي بإتجاهي 🖤
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استدار بدر ونظر إليها بغضب كاد أن يحرقها في مكانها ، فابتلعت لعابها بتوتر شديد ، وللمرة الأولى ترآه بهذا الإستهجان ، وازداد ارتباكها عندما صرخ بتهديد مضحك : النموس دا انا هخليه يلدغ أمه عشان يغور من هنا
اندهش مازن من صمتها ، لكنه أقنع نفسه بأنها تفكر في الأمر ، غير مدرك أنها في صراع داخلي ، من ناحية أرادت الموافقة ، من ناحية أخرى تريد تحطيم فك ذلك الأرعن بجانبها ، ولكنها كانت لا تريد أن تظهر مختلة عقليا أمام ذلك الرجل الأنيق الذي قال لها بسرعة يحثها على اتخاذ القرار : قولتي ايه موافقة!!
قلبت حياة عينيها عن بدر متجاهلة شعلة الغضب الملتهبة في عينيه ، ثم أومأت برأسها لمازن بهدوء وقلب مطمئن لأنها لن تذهب بمفردها بعد تأخرها ، قائلة بامتنان صادق : اكيد موافقة .. انا مش عارفة اشكرك ازاي علي ذوقك معايا
سرعان ما ارتفع جانب شفتيها باستياء ساخر لم يلاحظه أحد إلا بدر عندما سمعته يزمجر بحنق : انا خلاص جبت اخري .. مانتيش راكبة معاه يا حياة علي جثتي
بينما اتسعت ابتسامة مازن ، وأومأ برأسه لها ، قائلا بلطف : استنيني هنا لحظة واحدة .. هجيب عربيتي من الجراچ وراجع
تمتمت حياة بنبرة ناعمة دون أن تنظر في عينيه لأن فكرها كان منشغلاً بشيء آخر : اتفضل
عندما غاب عن عينيها تحولت نبرة صوتها من النعومة إلى الحدة ، وقالت بهمس غاضب وهي تستدير نحو بدر مرسلة له نظرات حانقة : ايه قلة الذوق دي يا كائن انت .. عمال زن زن علي وداني وتشوشر علي كلام الراجل .. ماكنتش عارفة ارد عليه وخليتني متلخبطة زي الهبلة قدامه
حدق بدر في وجهها بعيون ضيقة ، ثم صاح باستنكار : عايزاني اقف جنبك طبق دش ساكت ولا اعمل ايه!! وبعدين دا منحنح اصلا انا عارفو كويس
ارتفع حاجبها وهي تنظر إليه بشك ، ثم سألته : تعرفه كويس والله .. وايه مشكلته بقي!!
نظر إليها بدر في صمت لفترة طويلة ، ثم تمتم بسخرية : ابدا لسانه حلو مع كل الستات
ردعت حياة ضحكة صاخبة كادت أن تفلت من حلقها ، لكنها ابتسمت وقالت باستفزاز : دا عز الطلب .. مش احسن ما يكون محامي وكشري .. مابيعرفش يضحك حتي في الصور
لاحت شبه ابتسامة على فمه رغماً عنه ، وهو يغمغم : كأنك بتلقحي عليا بالكلام!!؟
هزت حياة كتفيها بلا مبالاة ، وهي تنظر في الاتجاه الآخر ، وقالت ساخرة : الحدق يفهم بقي
عادت عيناها بسرعة إلى عينيه ، وبداخلها نظرة مترجية ، وأردفت بإستماتة : انا ماصدقت حد يساعدني ماضيعش الفرصة من ايدي
هز بدر رأسه رافضًا لسبب غامض ، وعادت ملامحه جامدة مجددًا ، قائلاً بإصرار : بصي انا قولت كلمة .. علي جثتي لو ركبتي معه يا حياة
رفعت حياة يديها بشكل عفوي ولوّحت براحتيها بعدم تصديق ، ثم هدرت بإستنكار : لالا واضح ان عندك لبس في مخك .. انت مجرد شبح واحد ميت طلعلي .. مش ولي امري وانا حرة في تصرفاتي فاهم
..... : انسة حياة
عندما وصل صوت مازن إلي مسمعها ، صمتت على مضض ، وأبعدت عينيها عن بدر ، ثم هرولت مسرعة من أمامه نحو سيارة مازن ، بينما كان بدر محدقا فيها بعدم رضا.
"مازن كمال منصور"
"32 عام"
"طبيب باطني"
"لديه شخصية اجتماعية ، لطيف جدا ، طيب القلب ، خفيف الروح ، مبتسم دائما ، مفعم بالحيوية والنشاط ، والثقة بالنفس ، ولديه جاذبية قوية ، لكنه غير مستقر وهذا نابع من حبه الكبير للشعور بالحرية ودائما يغير رأيه في وقت قصير ، يتمتع جاذبية أخاذة ، ووجه مضيء ، حسن المظهر ، ويهتم كثيراً بأناقة ملابسه ، وهو دائمًا يحب التمارين البدنية والفكرية ، يعشق شرب الحليب يومياً ، يمتلك جسد طويل رياضي ، وشعر بني ، وعينين ذو نظر حاد وثاقب تتميز بلونها الأخضر المائل للون البحر."
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
في غرفة مكتب واسعة مع أثاث أنيق
حياة جالسة أمام مكتب مديرة المدرسة ، التي بدورها نظرت إليها بنظرة شاملة.
شعرت حياة بتوتر داخلي كبير وقلق ، خاصة في وجود ذلك البدر ، المقتضب وجهه بقوة ، من أسلوب مازن اللطيف معها ومجاملته الرقيقة لها كلما سنحت له الفرصة.
أولت حياة اهتمامها الكامل للمرأة التي يبدو أنها في أواخر الأربعينيات من عمرها ، عندما قالت متسائلة بعد إغلاق ملف حياة الورقي : كنتي بتشتغلي في مدرسة اسكندرية قبل ما تيجي هنا يا حياة؟
حاولت حياة تجاوز هذا التوتر بأخذ نفس عميق يجلب السلام لقلبها ، ثم ردت بابتسامة مهذبة : بالظبط حضرتك .. انا ادآب انجليزي وكان نفسي اشتغل في شركة سياحة .. لكن لسه مجتش فرصة شغل مناسبة
سألتها المديرة بهدوء : وانتي ليه عايزة تعلمي اطفال الحضانة .. الافضل انك تكوني مدرسة ابتدائي!!
ابتسمت حياة برقة ، وأجابت بلباقة : انا بحب الاطفال الصغيرين جدا ولما اتخرجت من سنتين تقريبا .. اشتغلت في مدرسة في اسكندرية بعلم الاطفال الصغيرة مش انجليزي وبس .. طريقة النطق الصحيحة والرسم وأنشطة تربوية تساعد في تأسيسهم قبل المرحلة ابتدائية
إنفرجت شفتي المديرة بابتسامة ، وقالت بإعجاب : حلو جدا يعني هتملي وقت الاطفال بأنشطة مفيدة
عاد إلي حياة الشعور بالحماس ، وهزت رأسها قائلة بثقة : إن شاء الله هعمل كدا
تدخل مازن في الحديث بخفة ظل ، بعد أن كان صامت يتابع الحوار بنظرة مليئة بالإنجذاب نحو حياة : علي خيرت الله .. نقول مبروك يا استاذة ميرفت علي قبولها معاكي
ابتسمت ميرفت بطبية لمازن ، ثم عاودت النظر إلى حياة التي شعرت بتشنج في بطنها من القلق والترقب ، وقالت بنفس الابتسامة ولكن بنبرة جادة : شوفي يا حياة انتي هتشتغلي فترة مؤقته .. اشوف فيها مدي شطارتك مع الاطفال .. دا عشان انتي ورقك قدامي مظبوط وحاسة بروحك الحلوة اللي هتبهج الاطفال وعشان مجية دكتور مازن لحد هنا .. بس مش هتتعيني رسمي الا مع بداية العام الدراسي الجديد
أومأت حياة برأسها متفاهمة ، ثم سألت بأدب : تمام يعني ابدأ احضر مع الاطفال من امتي ؟
أجابت ميرفت بنظرة حازمة تليق بمنصبها : من بكرا .. بس اهم حاجة عندي تكوني هنا في معادك مابحبش التأخير خالص
دمدمت حياة بابتسامة مجاملة ، في حين عاد لها الشعور بالقلق مرة أخرى وهي تفكر في كيفية الالتزام ، وذلك الوقوف وراءها دفع نفسه عنوة إلى حياتها البائسة : ان شاء الله .. ميرسي جدا
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
أمام المدرسة بعد بضع دقائق
خرجت حياة من البوابة الكبيرة ، تبعها مازن ، بينما مر بدر عبر الحائط ، فهزت رأسها استنكارًا منه ، حيث أصبح يزعجها بمطاردته إليها في كل مكان ، وهذا ما زاد من إضطرابها رغم عنها.
تنحنحت حياة بخفة ، وقالت بإبتسامة خجولة : انا اسفة اوي عطلتك معايا يا دكتور اكيد اتأخرت علي شغل والمرضي بيدعو عليا
عقد مازن حاجبيه بإعتراض ، ثم هتف بود : ماتقوليش كدا احنا جيران ودا واجبي
اتسعت ابتسامتها من أناقة أسلوبه ، وقالت بعذوبة : ميرسي اوي انت في منتهي الذوق
ابتسم لها مازن بهدوء وهو يفرك رقبته ، كأنه يشاور عقله في أمر ما ، لكنه متردد ثم سألها بتريث : تحبي اوصلك البيت !!
فجأة زأر بدر بوعيد ، وهو واقف بينهما وكأنه عازول : عارفة لو وافقتي هعفرت امه انا جبت أخري منكو انتو الاتنين
جفلت حياة بشدة وتبخرت شجاعتها عندما تذكرت ما فعله بها في الصباح ، ووجدت نفسها بسرعة تهتف الكذبة الأولى التي قفزت في عقلها ، وهي تلوح بيديها بشكل عشوائي : لالا مفيش داعي اتعبك .. انا حابة اتمشي شوية وهروح اشوف وحدة صحبتي قريبة من هنا
ابتسم بدر برضا من ردها ، بينما عبس مازن محبطًا لأنه استمتع برفقتها ، لكنه قال بابتسامة قبل أن يستدير لسيارته : زي ما يريحك اشوفك علي خير
اطلقت حياة زفرة راحة قائلة بخفوت : مع السلامة
★★★
انتظرت حياة عدة لحظات حتى اختفت السيارة تمامًا عن بصرها ، ثم التفتت إلى بدر بغيظ ، لكنها شعرت بسقوط قلبها عند قدميها عندما رأت ملامح وجهه مكفهرة جدًا ، وكادت أنفاسه الغاضبة أن تمزقها من أرضها ، لكنها قررت ألا تظهر أي خوف رغم أنها ترتجف كالورقة البالية في داخلها.
ظلت نظراتها العسلية العنيدة ثابتة في عينيه الغاضبتين ، كأنها تتحداه بتلك العيون وتستهزأ به ، ثم صرخت في وجهه بهجوم : ايه مشكلتك بالظبط؟ من الصبح مش طبيعي .. انت معصبني بتصرفاتك وكلامك علي فكرة
ازداد السخط في عقل بدر حين رأى وميض من الإعجاب يتلألأ في عينيها تجاه ذلك الطبيب ، وشعور غريب بالألم يندلع في قلبه حتى أنه لا يعرف لما يشعر بذلك الشعور.
هو فقط يفهم أنه غاضباً لأول مرة منذ أن قابلها ، أو بالأحرى عندما تذكر شجاره مع ذلك المازن منذ فترة.
استشاط غضبا جازا علي أسنانه بقوة ، عند وصوله لهذه النقطة من التفكير ، صائحاً بصرامة : لا والله .. الواد دا مش عايز يكون ليكي علاقة بيه مفهوم
ضيقت حياة عينيها مستنكرة سلوكه الغريب ، ثم قالت بخفوت : انت ايه !! كل شوية تهددني بالطريقة دي بأي حق!!
ثم أردفت بنبرة حانقة في محاولة منها ، لتجاهل دقات قلبها التي ارتفعت من عينيه الثاقبتين في عينيها : انا ماخلصتش من تسلط خطيبي واختي عليا عشان اقع في شبح عايز يقلبلي حياتي من غير وجه حق
رفع جانب شفته العليا وسألها باستهزاء : اومال عايزة حد زي الدكتور المنحنح دا في حياتك
حدقت حياة فيه بغيظ ، ثم حذرته قائلة بتذمر : لو سمحت ماتلبخش في الكلام ومايخصكش..
ثم استأنفت كلامها بنبرة منفعلة : وانا مش هرتاح إلا لما اشوف طريقة اصرفك بيها من حياتي
شعر بدر بوخز في قلبه لما قالته ، لكنه رسم ابتسامة مزيفة على وجهه وقال بكبرياء : ومين قالك اني عايز اكون معاكي حبا فيكي!! ماتتعبيش نفسك وتدوري..
عقدت حياة حاجبيها بتهكم على كلامه المتعجرف ، ثم استفسرت : يعني ايه؟
سحب بدر الهواء إلى رئتيه بقوة ثم تكلم ببرود : ساعديني افهم اللي جرالي دا سببه ايه!! في مقابل انك قاعدة في شقتي بدل بهدلة الأوتيلات
سكتت حياة قليلًا ، تفكر في إقتراحه ، ثم سألت بعناد ، و ذراعيها متشابكتان أمام صدرها : وانا ايه يجبرني اساعدك!!
أشار بدر إليها بذقنه باتجاه الطريق الرئيسي ، حيث كانت تقف تحت ظل شجرة كبيرة تمنع المارة من رؤيتها ، ثم قال بجدية : جربي تكلمي معايا قدام حد هتلاقيهم بيبصولك بإستغراب وشفقة .. عشان واقفة بتكلمي شخص مالوش وجود الا قدام عينك انتي بس..
وأضاف بنفس الجدية حين لاحظ عبوس ملامح حياة : مفيش قدامك غير إختيارين يا أما هيخدوكي علي مستشفي الأمراض العقلية اذا استمر الحال علي كدا .. يا توافقي تساعديني بجد وتعرفي اللي حصلي .. ساعتها اوعدك اني هسيبك في حالك
كانت تستمع إلى ما كان يقوله بصمت ، وهي مطرقة رأسها للأسفل محدقة في الأرض ، وبدأت تقلب تلك الكلمات القاسية التي تفوه بها بدر في حيرة شديدة تطوف داخل ذهنها ، و غيمة من الحزن حاوطت قلبها من شدة البؤس الذي غلفها فجأة ، إذا استمر هذا الوضع لفترة طويلة ، فإنها بالتأكيد ستفقد عقلها والعمل الذي سيجعلها تستقر هنا دون الحاجة إلى مساعدة أختها أيضًا ، هامسة في سرها : يعني خلاص انا ادبست فيه .. اشكي لمين انا ولا احكي لمين!! محدش هيصدقني .. اذا كنت انا نفسي مش مصدقة نفسي
كانت منغمسة في أفكارها ، حتى جاءها صوته البارد الذي يتخلله الترقب عندما تأخرت في الرد عليه : ها قوليلي قرارك ايه؟
رفعت حياة رأسها إليه ، وإستقرت عيناها المملوءة بالحنق فى عينيه الداكنتين اللتين لم يكن فيهما سوى بريق يتلألأ بآمال كثيرة تتعلق على كلمة واحدة منها.
تجعد حاجبيه بحزن عندما رأى ذلك اللمعان المتلألأ بالدموع في عينيها ، لكنه أغمض عينيه براحة تغلغلت بعمق في داخله على الرغم من نطقها بتلك الأحرف القليلة بتردد كبير : هساعدك
★★★
بعد مرور فترة وجيزة
وصلت حياة إلى مدخل المبنى وواضحة علامات الإرهاق على وجهها الشاحب ، على عكس ما خرجت منه في الصباح ، بسبب التفكير المستمر في ذلك القرار الذي اتخذته للتو ، وتساءلت في قرارة نفسها!!
هل يمكن أن تكون قد تسرعت عندما وافقت على ذلك الجنون الذي طغى على حياتها فجأة ، ليس هناك أي منطق فيما يحدث؟
في حين أن بدر التزم الصمت التام مثلها ، و سار خلفها بهدوء.
حركت قدمها لتصعد الدرجة الأولى من الدرج ، لكنها أمسكت بدرابزين الدرج بيدها اليسرى ، ورفعت يدها الأخرى على جبينها ، وهي تئن بصوت ضعيف عندما هاجمها شعور بدوار قوي علي حين غرة.
حاولت جاهدة المقاومة لكنها لم تستطع تحمل ذلك ، فلم يستغرق الأمر بضع ثوان حتى فقدت وعيها بالكامل بعد أن سمعت صوت نداء وصل إلى أذنيها من بعيد.
★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••••★•••
تركض بنشاط في المجمع السكني الذي تعيش فيه كالمعتاد يوميًا قبل الذهاب إلى العمل للحفاظ على وزنها المثالي ، مرتدية بدلة رياضية بيج مع خطوط متباينة الألوان واسعة ، حيث كانت السترة مصممة بفتحة أمامية بسحاب وكان البنطال من نفس الألوان ، ذو خصر مرن ، وفيه جيبان كبيران في الأمام وجيبان صغيران في الخلف يتناسبان مع جسدها ، ويبرز جمال قوامها الرشيق.
وصلت إلى منزلها ثم دخلت بخطوات خفيفة كالفراشة ، تتساقط بعض قطرات العرق من جبينها ، التى بدأت تجففها بمنشفة صغيرة أحضرتها الخادمة عندما قابلتها عند الباب.
تفاجأت عندما وجدته في غرفة الجلوس الفخمة ، جالسًا بشكل مريح على الأريكة ، باسطا يديه على ذراعي الأريكة وفارجا رجليه باتساع ، فتساءلت بدهشة : كريم!! انت بتعمل ايه هنا؟!!
حدق كريم بسخرية في ملامح وجهها المصدومة من رؤيته ، وأجاب بابتسامة مستفزة : هكون بعمل ايه!! قاعد مستنيكي يا اميرة هانم
شعرت أميرة بتصلب في جسدها من نبرة صوته ، التي جعلتها ترتبك رغم إرادتها ، لكنها حاولت التظاهر باللامبالاة وتحدثت باستفسار : اشمعنا .. وليه بدري اوي كدا.. ؟
أردفت بقلق ، وخطت نحوه خطوتين بعيون واسعة بترقب : في جديد حصل!!
أدار كريم عينيه بغيظ من قلة اهتمامها لأمره وكل ما يجول في خاطرها فقط الاطمئنان على نفسها ، ثم ابتسم بتهكم على أنانيتها التي لن تتغير ، قائلاً ببرود : قولتيلي هشوفك في النادي واختفيتي وماردتيش عليا من ساعتها .. قولت اجي اشوفك انا
تنهدت أميرة بارتياح ، ثم قالت بكذبة بدت في حركة عينيها الزائغة في كل مكان ما عدا عينيه الحادتين : عادي انشغلت شوية وماقدرتش اروح النادي مع ماما
أنهت جملتها تزامنا مع وقوف كريم بإستقامة أمامها بكل أناقته ، متألقاً في قميصه الزيتوني ، تاركا أزراره الأولى مفتوحة وبنطاله الأسود الذي وضع كفيه في جيوبه ، واقترب منها بينما يتمتم : هحاول اقتنع
زفرت أميرة الهواء بإستياء ، ثم اشاحت نظرها المشتت عنهُ وقالت بنزق : كريم .. لو في مفيد قوله ولا انت جاي تكركب معدتي علي الصبح وخلاص!!
لم يعجبه هروب عينيها منه ، دائراً وجَّهها بأبهامه واضعاً أياه تحت ذقنها ، حينها التقت عيناها الجميلتان مباشرة في عينيه الثاقبة لسبر أغوارها بضع ثوان قبل أن تنخفض عيناه إلى شفتيها الشهية ، و لمعت فيهم شعلة الرغبة ، وانحنى قليلاً في اتجاهها تلقائيا ، يتحسسهم بطرف ابهامه شاعراً بنعومتهم المهلكة لأعصابه ، وتساءل في همس مثير : مالك بقيتي عصبية اوي كدا؟
ابتلعت أميرة لعابها بتوتر وهي ترفع يدها وتبعد يده عن وجهها ، ثم استدارت خلفها بحذر وهي تقول بتذمر : يوووه تعالي نتكلم في مكتب بدر
أنهت كلامها تزامنا مع تحرك قدميها إلى اليسار ، بينما كريم يمسح وجهه بضيق ، ثم مشى خلفها بخطوات واسعة.
انتظرت أميرة حتي ولج إلى المكتب ، وأغلقت الباب خلفه ، قبل أن يستدير نحوها صائحا بتساؤل دون وعي منه : انتي لسه مضايقة من اللي حصل بينا!!
تجهمت ملامح وجهها الجميل ، وصرت علي أسنانها غضباً ، ثم همست بتحذير : لو سمحت وطي صوتك ماما في البيت .. والاحسن اننا مانفتحش الموضوع دا خالص و ننساه
تبدلت تعابير وجه كريم إلى صرامة بعد أن كان ينظر إليها بتساؤل ، وتحدث بلهجة هادئة ولكنها لا تخلو من بعض الحدة : ننساه ليه؟ انا قولتلك اني عايز اتجوزك .. واللي عملته دا كنت بعبرلك بيه عن حبي اللي لو كنتي حسيتي بيه من الاول ماكناش وصلنا للي عملنا دا!!
حملقت فيه أميرة بصدمة لبضع ثوان ، حتى استطاعت استيعاب ما قاله ، ثم تمتمت بحدة ناعمة : انت اتهبلت يا كريم جواز ايه؟ انا لسه علي ذمة بدر .. واللي انت عملته دا انا مش هسامحك عليه انا بنت خالتك وبس فاهم كلامي
رفع كريم حاجب بعدم تصديق مما تفوهت به أمامه ، ثم سأل باستنكار : والله ايه البراءة اللي بتكلمي بيها دي؟ كأنك ماشتركيش في اللي عملنا سوا في بدر جوزك!!
تساءل بسخرية لاذعة يشوبها حزن مصطنع في نهاية جملته قبل أن يتحرك نحوها قاطعاً الخطوتين التي تفصل بينهما ، وقبض على عضدها بعنف ساحبا أياها تجاهه حتى اصطدمت أجسادهم ببعضها البعض ، مردفا بهمس خطير كفحيح الأفاعي في أذنها : هي كلمة تحفظيها زي اسمك .. انتي بتعتي يا اميرة و خلاص بدر مات .. واول ماهتظهر جثته ونتأكد ان مفيش خطر علينا هنتجوز
تجمدت أوصالها للحظات دون أي رد فعل منها ، وتخدر ذراعها في أسر قبضته ، ثم سرعان ما انتبهت لما قاله ، وأنه قريبًا جدًا منها ، فدفعته بيدها وابتعدت عنه مسافة لا بأس بها ، قائلة بغضب : اوعي ايدك .. بلاش جنانك دا اللي هيودينا في داهية يا كريم!!
تنهد كريم بعمق ، وأغلق عينيه بقوة لبعض الوقت حتى يتمكن من السيطرة على نفسه المبعثرة من قربها المهلك من جسده ومشاعره.
فتح عينيه ببطء ، ثم تصنع الامبالاة ، متسائلاً ، وعيناه تراقب بابتسامة ما آلت اليه تعبيرات وجهها المتورد من التوتر والغضب : ماشي عملتي ايه مع البت اللي قاعدة في شقة بدر!!؟
"كريم فخري الجمال"
"32 عام"
"طبيب جراح في إحدي المستشفيات"
"أعزب"
"يبحث عن كيف يكون ثريًا ، حتى لو تطلب الأمر قتل ضميره ، يشعر بالغيرة الشديدة ممن حوله ، ولا يمكنه الاستقرار في العلاقات الغرامية ، لأن ما يحبه اليوم يمل منه غدًا ، والمرأة التي تستطيع أن ترضيه في عقله وقلبه وجسده معًا متزوجة من رجل آخر ، متهور إلى أقصى الحدود ، ولا يغفر أو ينسى حقده إذا أخذت منه شيئًا يريده أو إذا أساءت إليه.
جذاب ، وسيم للغاية ، ذو بشرة بيضاء وجسد رياضي وطويل ، وجه مستدير ، وخدود عريضتين وذقن مدببة مغطاة بلحية خفيفة ، ورقبة طويلة ، وجبهة عريضة ، وعيون حادة من العسل الفاتح ، وشعر بني فاتح ناعم."
- يتبع الفصل التالي اضغط على (رواية شبح حياتي) اسم الرواية