رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل العاشر 10 - بقلم اية حسين
الفصل العاشر: ما بعد الفاجعة
مدّت "عالية" يدها بالقرب من "إسراء" فقالت:
- طبعًا، أنا مادالك ايدي اهو قومي و تعالي معايا.
مدّت "إسراء" يدها فحركتها في شكل عشوائي لتصل ليد "عالية" فسبقتها "عالية" و أمسكت بيدها. قامت "إسراء" بمساعدة "عالية" فاتجهتا حيث المطبخ.
حين دخلتا فتحت "عالية" الثلاجة لترى ما بداخلها ثم فتحت الأدراج واحدًا فالآخر، لم تجد سوى بضع بيضات في الثلاجة و بضعة أكياس من الشعرية المقلية المسماة في اللهجة الدارجة "إندومي"، قررت ترك البيض و وضع الـ"إندومي".
انتبهت إلى "إسراء" التي تحاول البحث في الأدراج كما فعلت "عالية" لكنها تتعثر و تتخبط بين الأدراج، تحاول فعل أي شيء لإثبات أنها تستطيع الإعتماد على نفسها، فدارت في المطبخ تتخبط و تُسقط أغراضًا حتى انسكب عليها الماء فانهارت على الأرض باكية و كأن الحصون التي ظلّت تبنيها انهارت فجأة، إنه لإحساسٌ مقيت أن تكون غير قادر على ملء كوب ماء لنفسك.
أدركت "عالية" كمّ سخطها على حالتها فقالت مترفقة:
- بصي أنتِ مش لازم تبقي بتعرفي تعملي كل حاجة من غير مساعدة، عادي إنك تحتاجي حد يساعدك و يوجهك بالذات في أيامك الأولى، و صدقيني ده مش هيخليكِ حالة للشفقة ولا هيحرجك قدامي.
جلبت "عالية" الماء فصبته في دورق، ثم جلبت القدر و وضعته على الموقد، ثم قالت لـ"إسراء":
- بصي احنا هنعمل اندومي، ديه أكياس الاندومي، و ديه المية الي هنعمله بها، و ديه الحلة الي هنعمل فيها.
كانت كلما ذكرت شيئًا تأخذ يد "إسراء" نحوه لتلمسه و تتعرف على مكانه، حين تعرّفت "إسراء" على أماكن الأشياء عن طريق اللمس، صبّت - بإرشاد "عالية"- الماء في القدر و "عالية" تضع يدها فوق يد "إسراء" خشية أن تُسقط الماء. تُركت مهمة إشعال النار بالموقد لـ"عالية"، ثم انتظرتا الماء ليغلي.
بعد دقائق قليلة سمعتا صوت الماء يغلي و رأت "عالية" الفقاعات التي تدل بأن الماء غلى.
قالت "عالية":
- دلوقتي الماية غليت، سمعتي الصوت؟
أومات "إسراء" فأردفت "عالية":
- فاكرة مكان أكياس الاندومي؟
أومأت "إسراء" مجددًا، فطلبت منها "عالية" إفراغ الأكياس في القدر ففعلت "إسراء".
كانت تلك طريقة بسيطة لتري "عاليةُ" "إسراءَ" أنها تستطيع الاتتماد على نفسها ولا ضير من بعض المساعدة.
بعد مدة كانوا يأكلون - "عالية" و طفلاها و "إسراء"- و كانت "عالية" تفتح المواضيع مع "إسراء" في حين كانت "إسراء" صامتةً متحفظة.
∆∆∆∆∆∆∆
في يومه الأول في المستشفى بعد إجازته الطويلة بعد إلحاح "علي"، تلقى "عمر" الكثير من كلمات المواساة و السؤال عن حاله و سبب غيابه من الأطباء و الممرضين زملائه.
و يجيب بكلمات تقليدية، و عقله لا يتوقف، بلغ قلقه مبلغًا كبيرًا، تُرى كيف "إسراء" الآن؟ هل تشعر بأنه خذلها بتركها؟
راح عقله لأمر مكالمة البارحة، هل تنقصه المزيد من الألغاز؟! من تكون تلك المرأة؟! و ماذا عنت بقولها عن "إسماعيل"؟!
هل يمشي خلف كلامها؟ أيراقبه؟ الكثير و الكثير من الأسئلة تدور برأسه تفقده اتزانه.
قفزت فكرةٌ إلى رأسه بأن يسأل أحد الأطباء إن كان هناك أملٌ في عودة بصرها، لكنه رجع عن فكرته، لقد سأل كثيرًا و كانت الإجابة أن لا أمل ولا فرصة.
تذكر الآن قول "علي" هذا الصباح:
- حاول ترجعها و تحببها في الحياة، بخروجة أو بأي حاجة، شوف ايه الحاجات الي هي بتحبها و اعملها، و الحاجات الي مش هتعرف تعملها ثاني بسبب الي حصل لو تقدر تعوضها، هي فقدت البصر بس لسة مافقدتش الحياة.
قال كلامًا كثيرًا عن التفاؤل و الأمل، و أنه لا يجب أن نوقف حيواتنا من أجل فاجعة.
"علي" يجيد هذا، كان دومًا مشرقًا متفائلًا يحاول بعث الطاقة الإيجابية للجميع.
استطاع رمي مشكلته خلف ظهره بسرعةٍ فائقة، هاهو الآن يدور هنا و هناك يبحث عن عملٍ جديدٍ في عيادة أو مستوصف منذ مدة و لا شيء و كأنها أظلمت مقسمةً ألّا تنير له مجددًا.
كلما راح لمكان ليعمل به علّه يستطيع جمع مبلغٍ لتجديد عيادته لم يُقبل حتى كاد ييأس.
لكنه قد عزم على المحاولة طالما كان يتنفس.
هل قال "علي" أنه لم ينزل من البيت ثلاثة شهور؟ إنه يبالغ. ألم يذهب برفقته لسؤال الكثير من الأطباء عن حالة "إسراء"؟ ألم يذهب للإبلاغ عن "مروان"؟ اجتاحته المرارة و هو يتذكر الحكم: السجن لمدة ستة أشهر. دمّر هو عمرها كله ليُسجن ستة أشهر!
بينما يمشي "عمر" في إحدى ممرات المستشفى سمع صوت زميلٍ له ينبهه بورقةٍ سقطت منه، التفت و التقط الورقة التي لم يلحظ وجودها من قبل، فتحها و قد غدا يتشاءم من الأوراق، فوجد ما تشاءم بسببه، عنوانٌ جديد، كُتِب فوقه أنه حيث يكون أهله.
∆
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية