رواية اسمنجون الفصل العاشر 10 - بقلم مريم محمد
نوفيلا_اسمنجون
سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته
بقلم/ مريم محمد عبد القادر
(طرف الخيط)
بعد أن حل الصباح وبعد تحدث زمرد الى السيد هيرمان ارتاح قلبها قليلا الا أنها كانت تشعر بقليل من تأنيب الضمير فهي لم تشكر ليڤون على إنقاذه إياها آخر مرة.. لكنها قررت أن تفعل هذا لاحقا إذا رأته يوما ما .. ولان التفكير وعدم النوم طوال الليل قد اتعبها للغاية فذهبت لتنام قليلا
عادت زمرد الى طبيعتها مرة آخرى بعد عدة أيام غير متناسية تلك الليلة وفي أحد الأيام ومع غياب الشمس طلب السيد هيرمان منها أن تذهب الي احد اصدقاءه لتعطيه قلادة قد طلب اعدادها ليهديها لابنته المقبلة على الزواج
ذهبت زمرد كما طلب منها السيد هيرمان وبالفعل اوصلت القلادة الي صديقه وفي طريق عودتها الى الحانوت اصطدم بها رجل كبير في السن أشيب الرأس منحنى الظهر قصير القامة هزيل الجسم كسى الإعياء وجهه الملئ بالتجاعيد يرتدي ثياب مهترئة ممزقة ويمسك بيده اليمنى كيسا قماشيا كبير مهترئ أيضا
رفع الرجل يده اليسرى واعتذر من زمرد لأنه اصطدم بها وعندها رأت زمرد جوهرة العاملين الشاحبة في يد الرجل فأثار هذا فضولها فقد كانت تعرف أنه من غير المسموح للعمال التجول في مثل هذا الوقت فسألته عن سبب تجوله هكذا الآن فلم يجب الرجل على سؤالها وتركها وسار في طريقه وهو يتلفت حوله بشكل مريب وكأن أحدهم يطارده
كانت زمرد تشعر بالتعجب من هذا الرجل نادت عليه أكثر من مرة ولكنه لم يسمعها كانت تريد اللحاق به ولكنها كانت تشعر بالخوف
زمرد : ليس هذا وقت الخوف يا زمرد تذكري ما قاله الكتاب «لا يجب عليك الخوف أبدا» هذا الرجل يخفى شيئا ما بالتأكيد وربما يكون شيئا يساعدني في مهمتي .. علي اللحاق به
وبالفعل قامت زمرد بتتبع هذا الرجل في هدوء مرا في أزقة ضيقة موحشة حتى وصلا الى مكان مخيف للغاية مباني صغيرة ومتهدمة لا يمكن إطلاق كلمة مباني عليها أساسا ورائحة القمامة تفوح من المكان وأشخاص على شفا حفرة من الموت نائمون في الشوارع أطفال يبكون من الجوع وأمهاتهم يبكين أيضا لأنهم لا يملكون شيئا لإطعامهم إياه.. لقد كان المكان يتلحف بلحاف الفقر المدْقع
أستمرت زمرد في السير خلف العجوز قابضة يديها على ثيابها من الخوف حتى وصلا الى طريق مسدود ولكن كان في الأرض مكان غير واضح أشبه بخندق نزل فيه العجوز فنزلت زمرد خلفه فزع العجوز للغاية عندما رأى زمرد خلفه وبدأ في الصراخ عليها في هلع : من أنت ؟ وماذا تفعلين في منزلي ؟... هل أرسلوك خلفي للتخلص مني ؟
لم تعرف زمرد بماذا تجيب العجوز .. حاول العجوز لملمة أغراضه المتناثرة هنا وهناك ليستعد للهرب ولكن زمرد أمسكت بردائه المتهالك ورفعت يدها اليسرى لتريه الجوهرة وهي تقول: لا أعرف من الذين تقصدهم بقولك ولكني متأكدة أني لست منهم .. فأنا مثلك
نظر العجوز الي جوهرة زمرد ثم ألقى نظرة الى وجهها الخائف ثم سار نحو باب الخندق الطوبي وقام بفتحه فتحة صغيرة ألقى منها نظرة خاطفة على المكان بالخارج فلم يجد أحدا فأغلقه ثانيةً -بقلم/مريم عبدالقادر- وبدى عليه الهدوء أكثر من السابق
وضع العجوز حقيبته القماشية على طاولة خشبية صغيرة لها كرسي واحد قد جلس عليه ثم نظر مرة آخرى الى زمرد وقال لها: من أنت ؟.. وماذا تفعلين في هذا الوقت ؟ أليس من المفترض أن تكوني في مساكن العاملات فكيف خرجتي ؟ وكيف وجدتي مكاني ؟
زمرد : اسمى زمرد وأتيت الي هنا منذ شهرين تقريبا كنت أعمل سابقا في مصنع الأحجار الكريمة بالقرب من جبال أسمنجون العظيمة ولكن هناك صائغ يدعى حاتم قام بأخذي مؤخرا لأعمل معه في حانوته وقد كنت في مهمة له عندما رأيتك ورأيت الجوهرة في يدك فظننت أنه يمكنك مساعدتي
العجوز : أساعدك في ماذا ؟
زمرد : في الحقيقة أنا لست من هنا وأريد العودة الى عالمي ويبدوا أنك تمكنت من الهرب من المشرفين فأريد مساعدتك لأتمكن من الخروج من هنا
ضحك الرجل ضحكة متعبة تلاها بعض السعال المجهد ثم قال بسخرية: هربت !! بل هذا سجن أكبر من سجنك وعذاب أقسى من عذابك وألم مرجع أكثر من ألمك
زمرد : هل يمكنك إخباري بما حدث معك ؟ ولماذا أنت مختبئ هنا ؟
العجوز : لا يمكنني إخبارك بهذا ابدأ وإلا قتلت
زمرد : قد أتمكن من مساعدتك
العجوز : لكنت ساعدتي نفسك إذا كان بيدك فعل شئ
زمرد : في الحقيقة أنا مسافرة من عالم أخر لا أدري ان كنت تعرف عن هذه الأسطورة شيئا ولكن مهمتي هي رفع الظلم عن المظلومين هنا لذ ا أخبرني بما حدث معك.. فقد أجد معلومات تساعدني أنا أيضا في مهمتي
العجوز : مسافرة !!.. هل هذا معقول !!
كانت نظرة الخوف والأمل مجتمعة في عيني العجوز المتعبتين .. نهض من على كرسيه وأجلس زمرد مكانه وجثى أمامها على الأرض وأمسك بكفيها وقال والدموع تسيل من عينيه: أخيرا شخص يمكنه تغير هذا الظلم الذي أودى بحيات بعضنا وصحة البعض الآخر ... سأخبرك بكل شئ يا سيدتي
زمرد : لست سيدة لأحد بل أنا من أرجوا منك أن تطلعني على قصتك
الرجل : حدث هذا منذ ثلاثين عاما سابقة تم جلبنا الي هنا كمتطوعين وبعد عدة سنوات من العمل المضني قيل لنا أنه سيتم تسريحنا وإعادتنا الي الوطن .. كنا في غاية السعادة .. ركبت وجميع من معي في عربات خشبية لتقلنّا الي بلادنا .. وبالفعل .. سارت العربات متجهة نحو آرثانيا وهي البلد التي جئت منها ولكن بدأت العربات بالاستدارة عن الطريق وسارت في طريق آخر وعر لا حياة فيه حتى وصلنا الي مبنى غريب وسط الصحراء .. يشبه نصف الكرة ولا يوجد فيه نوافذ .. فقط باب كبير دلفت منه العربات المحملة بالبشر وفور دخولنا رأينا جنود يرتدون الزي العسكري الأسمنجوني .. قاموا بأخذنا ووضعنا في زنزانات كانت على طول جدار المبنى الدائري .. ثار السجناء على الحرس وسألوهم عن ما يحدث؟ فقال لنا أحدهم .. أننا سنبقى هنا حتى يأتي رجل ما والذي سيكون هو المسؤول عنا .. فبقينا هناك لبعض الوقت حتى جاء الرجل الذي أخبرنا عنه الجندي .. ولكنها كانت الصدمة لقد كان رئيس الوزراء بشحمه ولحمه يقف أمامنا وخلفه حرسه الخاص الذي لا يثق بأحد غيرهم .. جلس قليلا وهو يسأل حرسه عن الأشخاص الذين سيأتون لشرائنا فأجابه الحارث أنهم في الطريق الى هنا .. وهنا فهمنا أن الوزير يخطط لبيعنا كعبيد ويستولي على مال التجارة بنا أجاب الوزير الحارس وقال له ( إذا فلتقوموا بالمعتاد ) .. فقام الجنود بفتح الزنازين وأخرجوا السجناء وأوقفوهم في صفوف أمام الوزير الذي كان يسير أمامنا ويلقي بنظرات فاحصة على أجسامنا .. كان يمر ويشير بيده على بعض الناس وهو يقول (مقبول) فيقوم الحارس بإعادته الي الزنزانة .. حتى وقف أمام أحدهم والذي بدى عليه الكبر والضعف .. فنظر للجندي وقال ( مرفوض ).. لم يلبث الجندي حتى أخرج سيفه وقطع رأس الرجل .. ففزع الناس وهاجوا وعمت الفوضى المكان .. وعرفت حينها أن الوزير يعيد من يصلح للعمل الي الزنازين ليقوم ببيعهم .. ويقتل من دونهم لكيلا يكون هناك شهود على ما يقوم به .. وأثناء هياج الناس وصراخهم وركضهم في أرجاء المكان جاء جميع الحراس بما فيهم من يحرس الباب ليقوموا بقمع الناس .. حاولت الخروج من الباب مثل الكثيرين غيري ولكنه كان موصد فلم استطع لكني لمحت باب خشبي صغير في الأرض لسرداب ما تحت أحد الطاولات فقمت بالتواري عن الأنظار ودخلت إليه خلسة .. وأغلقت الباب خلفي .. سرت في تلك الأنفاق تحت الأرض لمدة طويلة حتى ظننت أنها بلا نهاية حتى وصلت الي الجانب الأخر ولكن كان الباب الأخر في مبني به القليل من الحرس .. اختبأت خلف أحد الصناديق الضخمة التي كان يوجد منها العشرات داخل المبني وانتظرت الفرصة لأهرب وبسبب حجمي الضئيل لم يلحظ أحد وجودي .. وبعد مرور بعض الوقت دخل الحارس الذي كان يحرس باب المبنى من الخارج ليوقظ صديقه الآخر ليقوم بالمراقبة .. وفي تلك الأثناء تسللت خارج المبنى في هدوء .. وظللت أركض في المكان كالمجنون .. كان الظلام حالك والمكان مهجور وفجأة توقفت ساقاي تماما عندما رأيت جبال أسمنجون أمامي فعرفت أنني عدت مرة آخرى لداخل أسمنجون وأن العربة كانت تسير بمحاذاة سورها .. والسرداب يصل بين ما داخل السور وخارجه .. شعرت بإحباط الشديد ولكنى تابعت الركض حتى وصلت لأحد بوابات السور فحاولت الهرب لكنى فشلت لعدة مرة آخرى وبعد عدة أيام رأيت أحد حراس رئيس الوزراء وكان يبدوا وكأنه يبحث عني فعرفت أنهم قد كشفوا أمري والآن يريدون قتلي .. فتابعت الهرب في أرجاء المدينة حتى وصلت لهذا المكان هنا واختبأت فيه الى اليوم
زمرد بعيون تلمع بالدموع : يا إلهي .. لا أصدق ما اسمع
فتح العجوز الكيس القماشي الذي كان معه والذي كان فيه بقايا طعام وقال: لقد كنت أعيش على بقايا طعام الأغنياء طوال تلك السنوات .. فبقايا طعامهم هي وليمة بالنسبة لنا .. في الواقع كان هناك من يجلب لي الطعام ولكنه اختفى منذ مدة وقد نفد الطعام لدي ولم أتناول شيئا منذ أيام حتى كدت أموت فخرجت لأجلب شيئا لأكله
صمتت زمرد لبرهة ثم قالت وهي تنهض: أشكرك لأنك أخبرتني قصتك .. لقد ساعدتني جدا اشكرك مرة آخرى يا سيدي .. أعدك أني سأحاول تغير هذا الظلم الواقع هنا
وهكذا رحلت زمرد تاركة العجوز بقلبه المنكسر الذي يتمنى أن تفعل زمرد ما وعدته به وتخلصه من هذا الظلم والخوف الذي يعيش فيه
_____يتبع
•تابع الفصل التالي "رواية اسمنجون" اضغط على اسم الرواية