رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الحادي عشر 11 - بقلم اية حسين
الفصل الحادي عشر: هل الطريق معتم؟
الفصل الحادي عشر: تدفن نفسها
- "إسراء" أنا عمّالة أتكلم أتكلم و أنتِ ساكتة، ما تكلميني عنك كده، يعني قولي لي بتحبي ايه و بتكرهي ايه؟ بتحبي تعملي ايه وقت ما تفضي؟ ارغي يعني عايزين نبقى صحاب.
كانت تلك أسئلة "عالية" التي أجابت عليها "إسراء" بانفعال:
- هقول ايه يعني؟ أنا خلاص مابقاش في حاجة أحبها ولا أكرهها، كل حاجة راحت، هعمل ايه أنا في حياتي دلوقتي بعد ما نظري راح؟! ولا حاجة.
قالت "عالية" محاولةً تهوين الأمر عليها و نافيةً كل ما قالته:
- لا طبعا، في حاجات كثير تقدري تعمليها، أنتِ تقدري تعملي أغلب الحاجات الي كنتي بتعمليها قبل كده بس بطرق مختلفة و ممكن تحتاجي مساعدة، لكن حياتك مش هتقف أبدًا.
ثم سألت:
- قولي لي بس ايه أكثر حاجة بتستمتعي بيها؟
أجابت "إسراء" بمرارة:
- القراءة، كان يبقى يوم وحش اوي الي يعدي عليّ من غير ما أقرأ، كنت بحب الروايات و الكتب و بقرأ الاثنين بالتساوي تقريبًا، مش قادرة أصدق إني بقالي ثلاث شهور مامسكتش كتاب في ايدي و قرأت فيه.
توقفت "إسراء" ثم قالت متذكرةً بأسىً وصل لـ"عالية":
- أو لا، كان فيه مرة مسكتهم فيها، فضلت أحسس لحد ما وصلت لهم، كانوا كم كتاب عندي منها الي قرأتهم و الي كنت ناوية أقرأهم، مسكتهم و قعدت أشم فيهم و أنا بتحسر.
شعرت "عالية" بالحزن تجاهها و بالشفقة عليها، لم تحب "إسراء" ذلك لكنها لم تستطع ألّا تنفّس عن مشاعرها، كانت أكثر كتمانًا من قبل لا تدري ماذا جرى؟
قالت "عالية":
- جربتي الكتب الصوتية؟
- أكيد مش هتبقى زي الورقية.
- يعني ما جربتيش، جربي يمكن تحبيها، و حتى لو مش أحسن حاجة أكيد هيكون أحسن من مفيش.
بدا على "إسراء" الإقبال بشيءٍ يسير على ما تقوله "عالية" التي قالت بعد دقائق:
- سيبك بقى من الكلام النكد ده و خلينا نلعب حاجة.
ثم وجهت حديثها لابنها قائلة:
- "مصطفى" فين الكوتشينة الي قلت لك هاتها معاك؟
أخرج "مصطفى" اللعبة من حقيبةٍ زُيّنت بالرسومات الكرتونية فأعطاها لوالدته، ثم سألها بصوتٍ منخفض:
- هي هتلعب معانا ازاي؟
قالت "عالية" بصوتٍ مسموع:
- هقولك دلوقتي.
ثم تناولت بطاقة لعب و طوت طرفها بإحكام فمررتها لـ"إسراء" قائلة:
- ورقة الواحد هتبقى مثنية بالطريقة ديه، المسيها و احفظي إن الورقة ديه واحد، احنا هنثني كل ورقات الواحد بالشكل ده.
ثم أخذت بطاقةً برقم اثنين و طوتها بطريقةً مختلفة ثم مررتها لـ"إسراء" لتلمسها و تعرف شكلها، هكذا ابتكرت طريقةً تطوي بها كل رقم بطريقة مختلفة، حتى أنها استخدمت بعض الملصقات ذوات الملمس المميز كانت قد جلبتها معها لتفريق كل بطاقةٍ عن غيرها و تنافست هي و "مصطفى" في تمييز أكبر عدد من البطاقات.
ثم بدؤوا اللعب، و كانت "منة" تمسك ببعض البطاقات و تتصنع اللعب معهم و هم يشجعونها رغم أنها لا تفقه شيئًا من لعبهم.
كانت "إسراء" مبتهجة، أكسبتها أفعال "عالية" بعض الإيجابية. تساءلت، أتكون "عالية" محقة؟ أتكون هي من تدفن نفسها في كآبتها و بؤسها؟ هل مازال العمر أمامها كما تقول "عالية"؟ إن كانت الإجابة نعم، فلمَ لا تستطيع التفاؤل بذلك؟ لمَ لا ترى إلا طريقًا معتمًا لا يصله النور أبدًا؟ لمَ لا ترى نفسها إلا مدفونةً في اللاجدوى؟ أهو اليأس من كل شيء الذي يزورنا عقب المصائب؟ أم هي الحقيقة متخفيةً في شكل مشاعر؟
انتبهت من شرودها على صوت الطفل "مصطفى" بنبهها بدورها في اللعب. تنهدت ثم قالت واضعةً البطاقات التي في يدها أمامها:
- زهقت بقى خلاص مش عايزة ألعب.
قال "مصطفى" راجيًا:
- لا بليز الله يخليكِ نخلص الدور ده بس.
- أنت بتحب اللعبة ديه اوي كده؟
- بحبها علشان بابا هو الي علمها لي.
ابتسمت "إسراء" ابتسامةً مريرة، تعجبت من وجود ما تتشاركه مع طفل في الثامنة، هي لا تحب التعامل مع الأطفال لكن تشارك الألم يقرِّب فسألته:
- وحشك؟
أجاب الصبيُّ بما أيقظ الآلام المُخدرة داخل كلٍّ من "عالية" و "إسراء":
- اوي
قالت "عالية" بحنين:
- مستنينا في الجنة يا حبيبي، ادعي نتقابل هناك.
قالت "إسراء":
- أنا كمان بابايا وحشني.
سألها "مصطفى" مندهشًا:
- أنتِ كمان باباكِ مشي؟!
أجابت شاردة:
- أيوة، بس أنا مش فاكراه خالص، كان نفسي أبقى فاكرة منه أي حاجة.
استطردت بصوتٍ أكثر إشراقًا:
- عارف لما يوحشك تعمل ايه؟ تجيب صورته و تحطها قدامك و تكلمه، تقوله قد ايه وحشك، و تحكيله عملت ايه في يومك، هو مش هيرد عليك، بس هو هيكون سامعك.
كان هذا ما تفعله "إسراء" بصورةٍ قديمة غير واضحة احتفظ بها "عمر"، تقطعت من جوانبها، حمل كلٌّ منها و أخيها الحنين لها، و صورةٌ أخرى لم تعرف بوجودها سوى قبل عماها بمدة قصيرة، بدت أحدث و بدا أبواها أكبر، استغربتها حين رأتها.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
بعد تفكير، قرر "عمر" الذهاب إلى المكان المذكور في الورقة، كان مبنىً سكنيًا، لكنه بدا خاليًا.... خاليًا من أي شيء، و أي حياة.
كان على وشك الدخول قبل أن يقطع طريقه رجلٌ قائلًا:
- اقف يا عم أنت رايح فين كده؟
- داخل العمارة، في مشكلة؟
- داخل تعمل ايه في العمارة؟
بدا سؤال الرجل غريبًا غبيًّا متطفلًا، ممّا جعل "عمر" يجيب ببعض الحنق:
- ايه السؤال ده؟! داخل عادي، في ناس جوا أعرفهم داخللهم.
- ناس مين ياباشا المبنى واخد قرار إزالة و هيتهد خلاص، مفيش حد جوا.
ماذا؟! لا يمكنُ أن يكون ما يقول الرجل صحيح. عارضه في البداية محاولًا الدخول لكنه بعد مدةٍ تقبلَ الأمر و حاول البحث في المباني المجاورة فلم بجد شيئًا أيضًا، لم يعرف والديه أحد.
تبدو خدعة، لكن مَن مِن مصلحته أن يخدعه؟! كانت كل ورقةٍ تأتيه تقوده إلى مكانٍ تواجد فيه أبواه في وقتٍ ما، أما تلك الورقة الأخيرة، التي تأخرت جدًا بشكلٍ مريب، فلم تقُده لشيء، و كأن هناك شخصٌ يريد كشف الحقائق المتخفية خلف أستار الكذب، لكنه وَجِل، و كأن هناك ما يهدده، من هو هذا الشخص و ما الذي يهدده؟ كان هذا السؤال يشغل بال "عمر"
قال في نفسه متهكمًا و هو يغادر يائسًا:
- أنا بقيت كورة و بيتلعب بيا.
∆∆∆∆∆∆∆∆
- كفاية بقى كفاية بجد! أنا زهقت من كلامك الي دايمًا عن إني تخنت و لازم أخس، أنتِ ما بقيتيش تشوفيني من غير لما تقولي لي كده، خلاص أنا حفظت، هو ليه؟ ليه مابتسيبيش فيّ عيب غير لما تمسكي في غيره؟
تسترجع "آية" تلك الذكرى، حين صرخت في وجه والدتها، صرخت بأعلى ما استطاعت حنجرتها أن تصرخ، كان ذلك منذ ثلاثة أيام، استمرّ الصراخ و اللوم قائمٌ طوال الليل، تدخل جميع أفراد العائلة للتهدئة، تعتقد الآن أن جميع أفراد العائلة هجروها، ربما استقصوها من حياتهم لأنها لم تملك الصفات التي تعجبهم.
كان صراخها بمثابة إفراغ للشحنة السلبية بداخلها، لم يكن أمر والدتها فقط ما يشغلها، كان أمر "إسراء" أيضًا يكويها قلقًا كل يوم، منذ آخر مرةٍ رأتها في المستشفى و هي لا تعلم عنها شيئًا، اتصلت بها كثيرًا و لا رد، أرسلت لها و لا إجابة، لم تعرف لها عنوان منزل فسألت عنها في الجامعة و لم تجد شيئًا كما توقعت، "إسراء" لا تملك أصدقاءً سوى "آية".
تفكر و تغوص بين الهواجس و التخيلات، ثم تقول داخل نفسها: ماذا قد يحدث أكثر ممّا حدث؟
تعلم أنها مخطئة، مخطئة كثيرًا، لكنها ليست وحدها المخطئة.
جاءتها شقيقتها الكبرى "أسماء" فقالت:
- مش عايزة تيجي تفطري معانا؟
أجابت "آية" بعدائية:
- مش لازم، لو ده هيزعجكم اوي كده.
- "آية" ماتعيشيش دور المظلومة أنتِ غلطتي برضو.
- خلاص لو أنا وحشة اوي كده سيبيني و امشي.
قالت "أسماء" متعقلةً مترفقة:
- بصي يا "آية"، ما ينفعش خالص ترفعي صوتك كده مع أمك مهما كانت المشاكل و الخلافات الي بينكم.
- أنا عارفة إني غلطت بس كلكم بتتعاملوا على إني غلطت لوحدي، على أساس إني غلطت كده بمزاجي، ده أنتِ بالذات عارفة قد ايه تنمرها عليّ و إحراجها ليّ قدام الناس مأثر فيّ، حاولت قد كده أقنعها إنه ده بيضايقني مفيش.
- فالحل إنك تتخانقي؟!
تنهدت "آية" متعبةً ثم قالت:
- و الله ما كانش قصدي، أنا بس كنت مضغوطة فما قدرتش أتحكم.
ربتت "أسماء" على كتف شقيقتها ثم قالت:
- معلش، راضيها أنتِ دلوقتي و أنا هبقى أكلمها في موضوع المضايقة ده بعدين.
قامت "آية" لتفعل ما قالته "أسماء" فطرقت باب غرفة والدتها لكن والدتها لم تفتح لها، حاولت استعطافها و طلب العفو من خلف الباب و لم يجدِ ذلك أيضًا فانصرفت جارَّةً أذيال خيبتها.
∆∆∆∆∆∆∆∆
بعد ثلاثة أيام...
- هو فيه ايه بقى؟ أنا من حقي أفهم ايه الي بيحصل.
كان ذلك سؤال "عمر" موجهًا لـ"إسماعيل" الذي يقف أمامه.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية