رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثاني عشر 12 - بقلم اية حسين
الفصل الثاني عشر: سهامٌ متلاحقات
تشعر أحيانًا بالذنب تجاه "عمر"، و هي تتذكر كل لحظةٍ ضُرب فيها بدلًا منها حين كانت هي من أخطأت، أو في كل مرةٍ كان يشقى بها ليجد لها اللقمة دون أن يجد لنفسه، كان لها الأخ و الأب و المنقذ، و لم تفِده هي بشيءٍ سوى زيادة المتاعب، لم تكن تعلم أن بسمةً منها تمحو كل هذا في غمضة عين.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆
كان "عمر" يمرُّ في المستشفى في يوم عمله الاعتيادي حين نادته فتاةٌ تسأله عن مكان دورة المياه للنساء، فقال و هو يشير إلى اليسار:
- بصي هتمشي كده من الطرقة ديه هتلاقي الحمام هناك.
قالت هي:
- يا أستاذ لو سمحت قل لي الاتجاه كده ديه مش هفهمها، يمين... شمال، كده يعني.
انتبه "عمر" إلى تعابير وجهها و اتجاهه الذي يدل على عدم رؤيتها لأي شيء فقال محرجًا:
- اه أنا آسف، ادخلي شمال و امشي لقدام هتلاقي الحمام.
شكرته على مساعدته ثم رحلت.
كان خارجًا من المستشفى لقضاء حاجةٍ ما عندما سمع شابتين تتحدثان من الداخل قرب السور، ميّز صوت الأولى التي كانت طبيبة مستجدة في المستشفى، قالت الطبيبة:
- مين الي وصّلك؟
- طلبت عربية
تقول الأخرى منزعجة:
- في ست استفزتني اوي عالصبح و أنا جايالك، غايظاني نفسي أجيبها من شعرها كده.
قالت الأخرى مستغربةً كم إنزعاجها:
- قالت لك ايه مضايقك اوي كده؟
قالت "أروى" بانزعاج أكبر:
- كنت واقفة تحت البيت مستنية العربية لقيتها بتقول لي...
ثم قالت مقلدةً قول السيدة:
- لما أنتم معاقين و حالتكم بلا ما تقعدوا في بيوتكم.
ثم قالت:
- بجد الناس الي بتفكر إني عشان اتعميت خلاص بقى المفروض ما أعملش أي حاجة في حياتي! نفسي البلد ديه تفهم إني و الي زيي مش مجرد حالات بائسة مابتعملش حاجة في حياتها غير إنها تاكل و تنام زي البهايم، أنا إنسانة عندي أحلام و طمواحات أحققها، و أقدر أنجز و أتعلم كثير جدًا بس لو اتوفرت لي المساعدات المناسبة، نفسي الشوارع و العربيات و السواقين يبقوا متجهزين للناس الي زيي، لولا الطرق المش منظمة و السواقين الي ما بيحترموش حد كان زماني بمشي لوحدي عادي.
بدت غاضبة فقالت رفيقتها محاولةً تهدئتها:
- طب خلاص بالراحة أنتِ متعصبة اوي كده ليه؟
- عشان الناس بقت مقرفة و مفيش وعي بربع جنيه يا "إيناس".
استمع لهذا الكلام ثم انصرف فورًا قبل أن تراه "إيناس"، نظر لـ"أروى" نظرةً خاطفة فلاحظ أنها هي نفسها التي سألته عن دورة المياه في الصباح.
في نهاية ذهب للطبيبة "إيناس" سألها عن "أروى" فأجابت:
- لا ما هي مش مريضة ديه بنت عمتي كانت عايزاني في موضوع ضروري فجات لي عشانه و بعدين قعدنا نتكلم شوية.
تأسف بلباقة على التدخل ثم رحل و هو يفكر بتلك الفتاة، لا يعلم هل ذكّرته بـ"إسراء" أم أنها لا تغيب عن باله من الأصل. حالتها مثل حالة "إسراء" و هي في سنٍّ قريبة منها كذلك. تَفكَّر قليلًا، ربما ينفع "إسراء" أن تتعرف على من هنّ في مثل وضعها علهنّ يخففن عن بعض. قد يكون تشارك تجاربهما و مشاعرهما بخصوص الأمر مفيدًا لكليهما.
في نهاية دوامه، و بعد تفكير في الأمر، قرر سؤال الطبيبة "إيناس" إن كان لديها مانع في أن تتقابل الشابتان، كان يعلم أن الأمر سيكون محرجًا لكن إن كان في الأمر أي نسبة لإفادة لـ"إسراء" فسيحاول. شكّت بدايةً في نيته و صدقه، لكنها قررت أن لاتظلمه فأخبرته بأنها ستسأل قريبتها عن الأمر.
∆∆∆∆∆∆∆∆
- هو فيه ايه بقى؟ أنا من حقي أفهم ايه الي بيحصل.
كان ذلك سؤال "عمر" موجهًا لـ"إسماعيل" الذي يقف أمامه.
قال "إسماعيل":
- عايز تفهم ايه بالظبط؟
باغته "عمر" بالأسئلة بحدّة:
- أبويا و أمي فين؟ و سابوني ليه؟ مين الي كان بيبعتلي الورق بالعناوين؟ مين الي بعت الراجل عشان يخبطني بالعربية؟
- أنا ماعرفش حاجة، و اوعى من طريقي بقى.
كان "عمر" يزداد اشتعالًا مع كل جملة، صرخ قائلًا:
- كداب.
قال "إسماعيل" معاتبًا منزعجًا:
- هو ده جزائي دلوقتي يا "عمر"؟ بعد ما أويتك أنت و أختك و أنتم مش لاقيين حتة تلمكم تكلمني بالمنظر ده و تطلعني كداب كمان!
قال "عمر" بلهجةٍ متهكمةٍ مستنكرةٍ شابتها المرارة و هو يمسك العبرة التي أوشكت على النزول:
- أويتني أنا و أختي؟! اوعى تكون مصدق نفسك! ده أنت أوحش حاجة عملتها في حياتك إنك كنت جزء من حياتنا، ده أنا أختي لحد دلوقتي بتقرف من سيرتك.
ثم فجأة، أصاب "عمر" السخط من كل شيء، و زادته جملة "إسماعيل" سخطًا، فعل ما فاجأ "إسماعيل" حقًا، هو نفسه لم يدرِ كيف فعل ذلك، لقد دخل في حالةٍ لم يدخل فيها من قبل، أمسك بـ"إسماعيل" من ياقته فألصقه بسور البيت قائلًا بصوتٍ امتلأ غلًّا:
- أمي و أبويا فين يا "إسماعيل" اخلص؟
ارتبك "إسماعيل"، ابتلع ريقه ثم قال و هو مازال ملتصقًا بالسور:
- عايز تعرف ايه يا "عمر"؟ عايز تعرف إن أهلك عايشين؟ أيوة يا "عمر" أهلك كانوا عايشين السنين ديه كلها.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية