رواية فراشه في جزيرة الذهب الفصل الثاني عشر 12 - بقلم سوما العربي
وقفت أنجا أمام باب غرفة الطبيب الوسيم تسحب نفس عميق ثم دقت على الباب دقات متتابعه.
وما أن أذن لها صوته الرخيم بالدخول حتى دلفت تبتسم بلطف شديد وهي تتفرس ملامحه الوسيمة بإبتسامة عذبة ثم قالت:
-كيف حال طبيبنا العظيم
-بخير سيدة أنجا ..زيارتك لي بمكتبي شرف كبير.
أبتسمت أنجا بأنتشاء و هي تطالعه و تستمع لطريقة تحدثه اللبقة تشعر أنها أحسنت الإختيار.
تقدمت إلى أن جلست على الكرسي المقابل لمكتبه ثم قالت:
-جئت لأسألك عن تلك الجارية المريضة...ما هو وضعها يا ترى؟
-أي جارية؟
-تلك الحسناء صاحبة البشرة البيضاء
عدّل الطبيب من وضع نظارته فوق عيناه ثم قال:
-أه.. جارية الملك.
ابتسمت أنجا و هي تبصر إرتباكه ... لم تكن نظرتها خاطئة يوما و هي تراه يقم بالكشف عليها بعيناه نظرة رجل لفتاة أعجبته.
تغاضت أنجا عن جملته الأخيرة حين خصها بلأنتساب للملك و قالت عن عمد :
-لا أعلم سيد "نيمار" لكني كلما نظرت لها كأنني أراك ، يا ألهي بينكما تطابق رهيب في الشكل، فأنت ابيض البشرة ذو شعر أشقر مثلها... و عينان خضرواتان.
أبتسمت و هي تلاحظ تحرك تفاحة آدم الخاصة بالطبيب الوسيم، إذا هي بالفعل أحسنت الإختيار.
وقفت عن مقعدها تسأل:
-هممم.. لم تخبرني بحالتها
-ليست بخير تحتاج لرعاية فائقة كما أن حالتها النفسية ليست جيدة إطلاقاً.
التوى ثغر أنجا بإبتسامة على جانبه ثم تقدمت عدة خطوات و قالت بإهتمام واضح:
-لااا.. إن كان ذلك الوضع فأنا أطلب منك و بشكل رسمي أن تشرف على علاجها بل وتلازمها كذلك فكما تعلم الحالة النفسية هي أهم شيء للعلاج .
صمتت لثواني ثم أكملت بمكر :
-و بالتأكيد قد وصل لمسامعك محاولاتها الهرب و الأنتحار..على ما يبدو أنها غير متقبله لوضعها وحياتها هنا.
دارت حوله و كأنها تحيك خية لاحدهم و أكملت متنهدة تتصنع الأسى حيالها:
- أااه.. أخشى أن تقدم على الأنتحار مرة أخرى، أتعلم أنها فتاة حرة وتحولت بين رفة عين و انتباهها إلى جارية .. الأم صعب جداً دكتور نيمار .. أنت تعلم.
راقبت التعاطف و التوتر على ملامحه الوسيمة بإبتسامة متسلية بينما يردد:
-أعلم أعلم.. لكن... أعتقد أن الملك ي.....
قاطعته عن عمد تردد:
-الملك يراها جارية يرغبها ..قل لها سيد نيمار و أسدي لها النصح بدلاً من تمردها الذي لن يفيدها..فلتعطي للملك رغبته بها بعدها سيزهدها و يمل كما يمل الطفل من لعبة أعجبته ربما وقتهااااا...هاااه.. من يعلم..ربما تركها وشأنها.
تغضنت ملامح الطبيب بضيق شديد و قال :
-سيدة أنجا... أنا هنا بصفتي طبيب وفقط لا أعمل گ أغا من الأغوات أو من فرد من الغلمان كي اجلس بجوار الجواري أقرب بينهم و مزاج أسيادهم.
جسدت أنجا علامات الذعر و التراجع على ملامحها بنجاح مبهر ثم قالت معتذرة:
-اووه...أعتذر منك دكتور نيمار...كيف قولت ذلك... نعم أنت على حق.. معذرة.
تقدمت منه خطوات ثم قالت:
-فكرت فقط بأنك شخص مثقف مثلها ربما يصبح هناك أي لغة حوار بينكما قد تفيدها في مأزقها هذا بدلاً من التفكير في الأنتحار ...لكن لا عليك انس أي حديث تفوهت به ...معذرة.
ثم خرجت من عنده سريعاً و الابتسامه الخبيثة مجتمعه على جانب فمها رفيع الشفه.
في الغرفة الملكية
اتكئت رنا على ظهر الفراش وهي تحاول مضغ الطعام بفمها تغمض عيناها وتلتهمه في صمت و الخدم من حولها يتابعونها.
دلف الملك بخطى واثقة فانحنى الجميع ينظرون ارضاً .
أشار الملك لهم بعيناه فأنصرفوا على الفور ملبين أمره.
شعرت بالتوتر و ها قد عادت معه بمفرديهما .
ظلت تنظر له بترقب وبدأت ترف بأهدابها من التوتر و الملك يبتسم على هيئتها الطفولية التي مست قلبه.
جلس لجوارها و قال :
-كيف حال صغيرتي الأن؟
-أفضل بكثير
صمتت لثواني ثم سألت مباشرة دون مقدمات:
-هل تنادي كل جواريك بصغيرتي؟!
أبتسم بعذوبة ثم جاوب:
-بالتأكيد لا
-لما؟
سحب نفس عميق ثم أقترب منها حتى بات أمام شفتيها وضع خصلة من شعراتها الشقراء خلف أذنها ثم همس:
-لا أعرف
تلبكت تبلل شفتيها امام عيناه التي تتفرسها بجوع زاد و هو يرى فعلتها بشفتيها فلم يتمكن من السيطرة على ما يرغب و أقترب يلثم شفتيها بقبله بطيئة مثيرة.
أقترابه منها كان الكارثة بعينها.... كان يقترب وهي تشعر بنواياه..وضعت خصلة شارده خلف أذنها وهي تشعر به يميل على ثغرها يقبله بعذوبة.
توقف بها الزمن والشعور...قبلتها الأولى سلبت منها..الغريب أنها لا تفهم ما تشعر به و تجربه.
ربما ستفهم فيما بعد لا تعلم لكن ما هي موقنه منه أنها لن تنسى تلك الرائحة الرجوليه آلتي ملئت رئتيها.
و نظرة عينه التي تقطر نشوى و استمتاع بعدما فصل قبلته القصيرة لثوانِ ينظر إليها مبتسماً و هو يستشعر عدم رفضها كالسابق.
و ما أن أبصر وجهها المشرئب بالحمرة من الخجل حتى تلبسته رغبته و جذبها يقبلها بعمق من جديد.
شعر بمقاومة منها و محاولة إبعاده عنها فغرس أصابعه في جذور شعرها يتمكن منها أكثر و يمنع ابتعادها...لقد تلابسته شياطين لا يعرفها ولا تعرفه من قبل ...كأنه تحول إلى إنسان بوهيمي من أن يمسسها... وكأنه لأول مرة يرى أنثى!!!
أخذت تضرب على صدره.... لقد نفذ الأكسجين من رئتيها وهي بحاجة للهواء... أي معتوه هذا؟!
هل هو ملك... أنه رجل بربري لا أكثر.. تقسم بذلك.
و أخيراً عاد له رشده و أفاق من سكرته و هو ينظر لها يراها تجاهد في التقاط الهواء...كيف نسى أنها مريضة وكانت موصلة بخراطيم الأكسجين منذ ساعات فقط.
شعر بفداحة فعلته و عودة جديده لخوفها منه .. حاول إيجاد صوته ثم قال بلا ترتيب و بدون كياسته المعهودة:
-أرى انك بحاجة للهواء..ما رأيك في أن أخذك معي لأستنشاق الهواء في مكاني المفضل
انصرف من أمامها و ذهب يطلب من الحراس تجهيز كل الترتيبات و هو يسأل نفسه بغضب:
-لما أبرر لها و اللعنه.. أنا الملك
بينما هي في فراشها تضع يدها على عيناها تفكر فيما تفعل وما حدث.
ربما هي بحاجة لترتيب أفكارها.
دخل عليها الخدم ليساعدنها و من بينهم سوتي التي نظرت لها باستغراب ثم سألت:
-الملك أمرنا نغيرلك لبسك...شيفاكي هاديه فين تمردك و صوتك العالي.
نظرت لها رنا بصمت تام و جه خالي من التعبير و لم تتحدث.
فاقتربت سوتي منها مرددة:
-شنو يعني راح تتكبري علينا... هااااه.. عندك حق ما أنتي عاجبه الملك وهو كمان إلي بيسعى لك و كمان هتغيري لبس الجواري و تلبسي فستان اتعملك مخصوص و تطلعي في نزهة مع الملك.. بس مش عايزاكي تعيشي الوهم ..كتير قبلك كانوا في المكانة دي .. الملوك بيملوا بسرعة .. إحنا بالنسبة لهم مجرد تسالي... بلاش تخسري ولاء سوتي ليكي.
نظرت لها رنا بجانب عينها ثم قالت بهدوء:
- أرجو أنك تساعديني دلوقتي و بس..مش عايزين نتأخر على الملك مش عايزين نعصبه علينا .
رفعت سوتي حاجبها الأيمن مستهجنة من تغيرها و شرعت تنفذ ما أمرت به و رنا تترك جسدها لهم يحمموها و يغيروا لها ملابسها بعدما كانت رافضه رفض قاطع لكل ذلك.... ربما عليها تغيير بعض قوانينها و مبادئها أن أرادت البقاء على قيد الحياة و الخروج من هنا.
انتهوا من وضع ذلك الفستان الوردي الرائع على جسدها وبدأت مرحلة تمشيط الشعر والتعطير... أبتسمت رنا بحزن...يعتقدون أن صمتها تعالي وتكبر.
لا أحد يفهم أنها قررت الصمت مع مراقبة و دراسة ما يحدث من حولها...
خرجت رنا على الملك الذي لم يجاهد في إخفاء الاعجاب الناطق بعينه و هو يراها بكل هذا البهاء أمامه.
ابتسمت هي الأخرى و تقدمت منه تشبك يدها في يده الممتدة لها بترحاب و قد قررت أن القليل من الصمت و الطواعية لن يضر
الصراخ و التمرد لم يجدوا معها بأي نفع بل أوشكا على إذهاق روحها .
نظرت للملك بصمت تام..ربما على كل أم أن تعلم أبنتهة كيف تتلون كالحرباء لتعيش و تحصل على كل ما تريد..... رنا الآن في طور التحول لحرباء.. كلام سوتي عن ملل الملوك لا يفارق أذنيها..لن يحدث معها.. تقسم ألا تصبح لعبة في يد أحدهم حتى لو كان ملكاً لمملكة ممتدة على مدد النظر.
جالت عينا راموس على جسدها الغض الذي حكم قماش الفستان و زادها إغواء.
إنها ناعمة حد الهلاك قد تصل به يوماً للجنون... هو بالفعل قد شعر بتهوره حين مسها و أقترب منها لأول مرة..
أحكم الغطاء الموضوع حول صدرها يخفي الفستان المكشوف ثم خرج بها باتجاه موكب الحرس الذي سيقوده للمكان المنشود.
لمحت رنا أنجا تقف في شرفه و ماديولا في شرفه أخرى كلها مطلة على حديقة القصر.
سارت مع الملك لموكب سياراته و بعينها نظرة موعودة غير مفهومة لا معنى لها سوى( ويلكم مني جميعاً)
______________سوما العربي ____________
خرج في الليل يهيم في الشوراع على وجهه، و بنهاية المطاف ساقته قدماه لذلك المقهى الذي اعتاد صديقه الجلوس عليه.
تقدم بلا سلام أو كلام يجلس لجواره
نظر له صالح بصمت ثم صفق بيديه للصبي الذي تقدم يردد :
-أوامر يا كبير
-شيشة الملعم يا حته و هات له واحد عناب.
أنصرف الصبي يجهز الطلب فيما نظر صالح لزيدان يردد :
- قول قول...شكل الكلام على وجع قلب.
نظر له زيدان بتجهم ثم قال:
-وحياة أمك أنا ما ناقصني تريقتك و لا كلامك ده عندك كلمة حلوة قولها مش عندك أسكت حبه أنا أصلا مش عايز أتكلم.
-لأ واضح.. أنت اتفتحت فيا زي البلاعة وتقولي مش عايز أتكلم.
صمت صالح ثواني وهو ينظر له بجانب عينه بينما يسحب انفاسه من مبسم أرجيلته ثم قال:
-ياما قولت لك.. أقطع عرق وسيح دم...هتفضل في وضع التسبيل ده لحد أمتى.
كاد زيدان أن يرد لكنه تفاجأ بأحدهم يضع كرسي امامهم مباشرة ويجلس مردداً:
-الكلاك على نسوان...أمووت أنا.
نظرا لصديقهم الثالث و الغائب دائماً ثم قال صالح :
-جلال باشا الزيات نزل من قصره وجه يقعد معانا على القهوة في مصر القديمه ده شرف عظيم والله.
نظر له جلال بجانب عينه ثم قال:
-مش هرد عليك... أنا مابردش على رجالة
-طول عمرك جاي في أي حاجة فيها حريم
-أنا كده فعلاً...الكلام على مين؟
نظر زيدان لصالح ولم يجيب كأنه لن يصرح فقال صالح:
-لا ده احنا بنتكلم في العموم يعني و بقوله إن للناس تحب الراجل الناشف المخلصاتي إلي ياخدها يرزعها بوسها تجيب لها إرتجاج.
زم جلال شفتيه يتصنع التقزز ثم قال :
-بيئة وجلف ..النسوان دول دلع و حنية وإحساسيس حلوة.. إيه إلي بتقولوا ده.. المزة من دول تيجي بهدية... بفسحه ... بوكيه ورد شيك وتبقى جنتل مان معاها كده.
اشاح صالح بيده يردد بقوة و تعصب:
-هو إيه إلي دلع و جنيه و إيه يا اخويا ورد...طب بذمتك دي أشكال تشيل ورد؟
نظر جلال لهيئتهما الضخمه و ملامحهم المتجهمة كرجال المذبح ثم ردد بيقين :
-لأ
-يبقى تكتم قال ورد قال.. أهو ده اللي كان ناقص.
مر الكثر وهو للأن لم يعد...وقفت في الشرفه تطلع للشارع .. تراقب المارة علها تراه من بينهم.
دلفت للداخل بعدما خاب أملها للمره المئة.
رغما عنها تذكرت رشا و طريقة حديثها اليوم لا تعلم لما تشعر بالضيق من تصرفها .
وقفت بلهفة دون أن تدري وهي تستمع للمفتاح يدور بباب الشقة.
تقدمت تنوي الاعتذار على جرح لم تقصده...باتت ترى أنه لا يستحق ما يقال عنه ..تنوي الحديث معه لكن...
تخشى عصبيته، تتوقع بل هي شبه موقنة أن رد فعله سيكون عصبي غاضب .. زيدان بالأساس رجل صدامي ،حاد الطبع متحفز دوماً للعراك.
ولكن......
أتسعت عيناها و هي تبصره يتقدم منها وبيده باقة ورد حمراء يحملها بيده.
يتقدم منها بحرج و تردد ...واضح أنه يفعل ذلك لأول مرة.
حمحم بخشونة و فاجئها حين قال:
-حقك عليا.
صمتت برهبة ... ماذا؟ هل هو من يعتذر لها .
تقدمت منه تقول:
-زيدان.. أنا إلي...
لم يتركها تكمل جملتها و قاطعها يبتسم:
-أول مرة أسمع أسمي حلو كده.
بلل شفتيه ثم قال بمهادنة:
-حورية.. أنا مش بخوف زي ما الكل فاكر.. يعني..جربيني.
كان يتحدث بحرج كما لو أنه مكسورة عينه.. يتكلم بلا استحقاق أمام حورية المتفاجئة من حديثه.
كادت أن تصرخ وتجيبه أنه على العكس تماماً لكنه لم يترك فرصه كأنه يحفظ الكلام ويخشى أن ينساه فأكمل:
-احنا مش كنا أتفقنا إننا نبدأ من الأول صح؟
هزت رأسها إيجاباً موافقة فوضع يده بجيب بنطاله و اخرج منها علبه مخملية زرقاء صغيرة..فتحها و اخرج منها محبس من الذهب و آخر من الفضة.
نظر لها بترقب و سأل بأعين مهتزة:
-موافقة؟
هزت رأسها إيجاباً تبتسم..أرتجع صدره من شدة الفرحة...موافقتها على ارتداء خاتم خاص به تعني الكثير ...تناول الخاتم في يد كي يلبسها أياه لكن قاطعه جرس الباب.
نظرت له وقالت بحماس:
-يالا
-استني أشوف إلي على الباب الأول.
هزت رأسها موافقة وذهب هو يفتح الباب ليبصر أمامه رجل طويل الجزع عريض المنكبين يرتدي بذله رسمية فاخرة و رائحة عطرة القوية عبأت جوانب البيت و عليه إبتسامة لبقة لا يراها إلا على وجوه الممثلين.
نظر له زيدان بجهل وجبين مقضب يسأل :
-أمر
-مش ده منزل أنسة حورية؟
تقدمت بعدما أستمعت تردد إسمها لترى من هذا الذي يسأل عنها.
تجهمت ملامحها وهي تردد بإستغراب:
-أستاذ عاصم؟؟!!
•تابع الفصل التالي "رواية فراشه في جزيرة الذهب" اضغط على اسم الرواية