رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الرابع عشر 14 - بقلم اية حسين
الفصل الرابع عشر: رُبطت روحاهما
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
استنكرت "أروى" كلام "إيناس" فقالت باستهزاء:
- ليه و أنا كنت دكتورة نفسية؟
ثم قالت:
- الواد ده أكيد بيشتغلك أساسًا،
ثم أردفت بمكر ممازحة:
- تلاقيه بيظبطك
ردت الأخرى مستنكرة:
- بيظبطني أنا؟! على ايه؟
علمت "أروى" أن "إيناس" تُظهر المزاح و تُبطن الجد، لم تكن تثق بنفسها أبدًا، و دومًا ترى أنها أقل ممّن حولها رغم ما بروحها من نقاء، فقالت مظهرةً المزاح و مبطنةً الجد كذلك:
- و مايظبطكيش ليه يعني ده أنتِ قمر، ده تلاقي الشباب كلها بتجري وراكِ و أنتِ مش واخدة بالك.
- بلا خيبة يا "أروى"
سألت "أروى" جادّةً هذه المرة:
- لأ بجد بس أنتِ ايش ضمنك إن نيته سليمة؟
- ماعرفش مفيش حاجة تضمن، أنا بس قلت أقول لك بما إن القرار قرارك يعني.
- سيبك من الحوار ده، حتى لو وافقنا هعمل لها ايه يعني؟
قالت "إيناس" معارضة:
- لا تقدري تعملي لها على فكرة، مش أنتِ بتقولي إنك نفسك يبقى ليكِ أثر على ذوي الإحتياجات الخاصة و تحسسيهم إنهم مرغوب فيهم و مش مجرد حالات للشفقة؟
- أيوة بس...
قاطعتها "إيناس" بقولها:
- مش يمكن هي محتاجة منك المساعدة ديه؟ أنتِ فاكرة كنتي عاملة ازاي بعد الحادثة؟
- كنت منهارة، بس الحمدلله و الفضل ليكِ أنتِ و خالو و"مديحة" بعد ربنا إني اتحسنت.
- طب ما يمكن هي محتاجة حد يساعدها تتحسن، و يمكن الحد ده يبقى أنتِ.
تنهدت "أروى" و هي تفكر.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
فتحت "إسراء" الباب لتسمع صوت "آية" تلقي السلام، تعانقتا عناقًا حارًّا عبّر عن اشتياق كلٍّ منهما، و كلٌّ منهما تتساءل: كيف لتلك الصداقة القصيرة أن يكون لها هذا التأثير عليهما؟
كان ذلك يحدث بعدما أجابت "آية" اتصال "إسراء" الذي جاء بعد تردد كبير، ثم أرسلت "إسراء" موقع المنزل بصعوبة، فلم تكن قد اعتادت على استعمال الهاتف بعد.
دعتها "إسراء" للدخول فجلست على الأريكة فتعانقتا في صمت و كلٌّ منهما تذرف الدموع.
أي كلام يمكن أن يُقال الآن؟ فضّلتا ألّا تخربا تلك اللحظة بكلام الأفواه، فقد تركتا القلوب تتحدث. كانت حالتهما حالة اثنتين اجتمعتا فرُبطت روحاهما سويًّا.
كانت "آية" أول من بادرت بالحديث فقالت:
- وحشتيني اوي يا "إسراء"، هو أنتِ ماكنتيش بتردي عليّ ليه؟ حصل لك حاجة؟
لم تحب "إسراء" الكلمات المفعمة بالعواطف فقالت ساخرة:
- هو أنتِ فقدتي الذاكرة ولا ايه يا "آية"، ما أنتِ كنتي معايا.
رغم ألمها و هي تعيد تذكر الحادث، و رغم ادعائها أمام "عمر" أنها لا تشتاق و لا تحتاج لأحد، حمل نطق اسم "آية" حلاوةً و راحةً اجتاحت قلبها. قالت "آية":
- لسة لسانك طويل زي ما أنتِ، أنا قصدي ماحصلش حاجة ثانية تخليكِ ماترديش عليّ كل ده؟ أنا كنت بكلمك كثير اوي يا "إسراء" و مابلاقيش رد، ليه؟
تنهدت "إسراء" ثم قالت:
- ماكنتش عايزة حد يشوفني كده، مش عايزة حد يشوفني مطفية و عاجزة بعد ما شافني مليانة طاقة و حيوية. كنت كل يوم بسمع رناتك و أعمل نفسي مش سامعة، كنتي بتوحشيني، ماتخيلتش إني هحبك اوي كده، بس كنت بكابر و أقول عادي فترة و هننسى بعض، بدل ما أبقى معوق ليكِ في حياتك.
- و ايه الي خلاكِ تغيري رأيك؟
ابتسمت "إسراء" و قالت:
- وحشتيني، و بصراحة كمان "عمر" قعد فوق دماغي و أقنعني.
ثم توالت الحكايات بعد ذلك.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
كان هذا أسبوعه الثاني في المستوصف الذي عمل به، انتهى يوم عمله فدخل محلّ بقالةٍ كان بالقرب من المستوصف ليشتري بعض الحاجيّات التي طلبتها منه أخته.
دخل و اشترى ما يريد لكنه لاحظ شيئًا قبل خروجه جعله يقف متسمّرًا، لقد دخل زوجان إلى المحل، لكنهما ليسا أي زوجين.
لقد رآهما من قبل، ليس متأكدًا لكن بنسبة كبيرة لقد رآهما.
لقد رآهما في صورة ورقية قديمة، تمزق طرفها من كثرة ما خُبئت في جيب صاحبها، توضح كم كانا وسيمين في الماضي، و في صورةٍ أخرى مثلت لغزًا، كانا أكبر و أقرب لما هما عليه الآن. إنهما أبوا "عمر"!
رغم ما رواه "عمر"، لم يتخيّل أن يراهما على الحقيقة، شكّ في وعيه في البداية، وقف محدقًا بهما فاتحًا فاه لثوانِ، أراد أن يذهب إليهما ليسألهما عن "عمر"، و لماذا تركاه، لكنه خشي، إن كانا هما فسيبدو شخصًا مريبًا عرف اسم ابنهما بطريقةٍ مريبة، و لم يرد أن يفضح كل شيء قبل إخبار "عمر"، فآثر الصمت.
فكّر في طريقةٍ يحاول التأكد منها إن كانا هما أبوا "عمر" فعلًا، قبل أن يحتلَّ اسمُ "إسراء" المحفور على ميدالية خشبية تُباع مع ميداليات مشابهة بأسامٍ مختلفة بجانب البائعِ المشهدَ.
التقطها و أمسكها بطريقةٍ تجعلهما يريان الاسم بوضوح علّه يثير فيهما الحنين أو القلق أو أي شعور فيتوقع الحقيقة منه.
قال بصوتٍ قصد أن يكون عاليًا للبائع:
- هو الميدالية الي مكتوب عليها "إسراء" ديه بكام؟
التفت ليرى أثر الجملة عليهما فلمح ابتسامة متألمة على وجه الزوجة، تلك الابتسامة التي تنتج عن الحنين حين تلاحقنا الذكريات، ذكريات من حياةٍ قديمة لم يتبقَ منها سوى رفات الضحكات و الأحلام.
تنامى اليقين داخله أنهما المنشودان، وقف بجانب السيدة وانتقى قطعة حلوى قائلًا بود:
- لسة متخانق مع "إسراء" خطيبتي من كام يوم قلت أجيب لها الميدالية ديه و شوية حلويات يمكن ننول الرضا.
قالت السيدة بنبرةٍ حملت استغرابًا و لطفًا بذات الوقت:
- ربنا يصلح بينكم و يخليكم لبعض و يجمع بينكم في خير يابني.
استطاع تمييز الاشتياق في تقسيمات وجهها فقال محاولًا استخراج منها أي معلومة:
- بحب اسمها اوي.
تعجبت السيدة من ذاك الشاب الذي يقف في محلِّ البقالة ليتحدث مع سيدة في عمر والدته عن حبه لاسم خطيبته، لكنها قالت بصوتٍ أوصل لـ"علي" لوعة شوقها:
- هو الاسم يتحب، أنا بنتي الله يرحمها كان اسمها "إسراء"، لو كانت عاشت كانت بقت شابة زي الورد.
صعِق "علي" من كلمتها، لقد قالت «الله يرحمها»! هي تظنّ أن ابنتها ميتة!
كان أمرًا عجيبًا بالنسبة لها لكنها ارتاحت لهذا الشاب فقالت:
- ابني الكبير بقى اسمه "عمر" الله يرحمه راح معاها في نفس الحادثة، لو كان عايش كان زمانه بقى شبهك.
ابتسم "علي" للسيدة ثم خرج من البقالة مذهولًا.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية