Ads by Google X

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثامن عشر 18 - بقلم اية حسين

الصفحة الرئيسية

    

رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل الثامن عشر 18 - بقلم اية حسين


الفصل الثامن عشر: لو كان هو من نطق!
                                    
                                          
مرّت بضعة أشهرٍ تحسّنت بها "إسراء" كثيرًا، و قد أفسحت مكانًا لـ"أروى" و "إيناس" في حياتها، حتى أنهما تعرّفتا على "آية"، و كوّنت الأربع فتيات رباعيًا سُمّي بـ«رباعي الألف»، نظرًا لأن جميع أسمائهن تبدأ بحرف الألف.



أقنعتها "أروى" بطريقةٍ بدت سحريةً لجميع من عرف "إسراء" بالعودة للجامعة. بدأ الأمل ينمو داخلها على رجاء ألّا تجد الخيبة نصيبها مجددًا.



لم يكن - أمر عودتها للجامعة - هيّنًا أبدًا خصيصًا بعد أن فاتتها الكثير من المحاضرات، لكنها تتذكر نصائح "أروى":



النصيحة الأولى- لازم لازم لازم تتعلمي برايل، حقيقي هتفيدك جدًا مش بس في الدراسة لا ده في حياتك العملية كمان، ناس كثير بتحط لغة برايل مع اللغة الي بتتقرأ بالنظر عادي، بس المبصرين مابياخدوش بالهم، عندك مثال شائع أسانسيرات بعض المولات و الفنادق بيبقى مكتوب عليها ببرايل، و كذلك علب الأدويا.



النصيحة الثانية- مش كل الكتب في الكلية ممكن تتوفر بطريقة برايل، فهيبقى عندك إعتماد كبير على المحتوى المسموع.



النصيحة الثالثة- في امتحانات الكلية مش هيبقى في برايل - على عكس المدارس - هيبقى في مرافق بيقرأ عليكِ السؤال و تمليه الإجابة شفهيًا.



النصيحة الرابعة- من الطرق الي ممكن تساعد الكفيف يمشي في الشارع، الكلب، أو العصاية الخاصة بالمكفوفين، أو بمساعدة إنسان. أعتقد الكلب هيزود عليكِ مسؤولية روح و هتبقى صعبة و مش عملية، العصاية بتفيدني كثير جدًا ما أبقاش حمل على حد لكن مش منتشرة في مصر ومش هتفيدك اوي في الشارع، هتبقى مفيدة للأماكن المغلقة، وليكِ حرية الاختيار تجيبيها ولا لا، هي غالبًا غالية أصلا، وجود إنسان معاكِ هييسر كثير جدًا فحتى لو معاكِ عصاية لكن معاكِ شخص متوجه معاكِ لنفس المكان ماتتحرجيش أبدًا تخليه يساعدك.



النصيحة الخامسة- ما تتكسفيش أبدًا تطلبي مساعدة من أي حد، احنا بشر و طبيعي بنكمل بعض و مش عيب نطلب المساعدة.



النصيحة السادسة- كده كده صعب تبقي معتمدة على نفسك في كل حاجة، لازم نعترف إن العيشة بدون بصر صعبة و احنا بنحاول نبقى قد ابتلاء ربنا لكن مش لازم نبقى أبطال خارقين.



لم تلفظ "أروى" تلك النصائح مرةً واحدة بل قسّمتها كي يأتي ذكرها بطريقةٍ عفويةٍ أثناء الحديث الودي، لكن "إسراء" اهتمّت بكلامها -مؤخرًا- حتى أنها سجّلته بصوتها بعد ذلك لتجدها في وقت لاحق. 



مطمئنٌ أن نجد من مرّ بنفس التجربة التي نمرّ بها الآن، و قد مرّ بسلام، و عرف الطريق ليدلنا عليه، هناك الكثيرون مثل "أروى" بالنسبة لـ"إسراء" في حيواتنا، هل نستمع لهم؟



لم تنسَ كذلك جهد "آية" التي بذلته من أجلها فقد سعت لتوفير لها بعض الكتب الدراسية بطريقة برايل، و البعض الآخر مسموعًا، حتى الملاحظات التي كتبتها في دفترها طوال الأشهر التي غابت فيها "إسراء" و لم تفلح في تحويلها لملفٍ صوتي قرأتها بصوتها و قد تجاوز بعضها العشر صفحات. مازالت تذكر حين تأبّطت ذراع "آية" لتدخل الجامعة لأول مرةٍ بعد انقطاع، حين كان كفّ "آية" باردًا يرتجف قلقًا أكثر منها خشية أن يضايقها أحدٌ فتُدفن عزيمتها المُكتَسبة حديثًا.
    
                
و كيف تنسى حين كانت "إيناس" تعلّمها لغة برايل مقتديةً بوالدتها و طالبةً العون منها، إذ كانت أمها من علّمت "أروى" منذ سنين.



هي ممتنةٌ حقًّا لانتمائها إلى «رباعي الألف» الذي لولاه لما استقامت من بعد سقطتها أبدًا. تتمنى لو أتتها الفرصة لردّ الجميل.



انشغل "عمر" عنها تلك الفترة، لكنها تَذكرُ له قلقه عليها و اتصاله كل دقيقتين للاطمئنان عليها في الجامعة، رجّحت أنها مشكةٌ في عمله فقد كان يقضي وقتًا طويلًا بالخارج.



                                     ∆∆∆∆∆∆∆∆       



فاجأ اتصال "عمر" "علي" فأجاب بلهفة و هي يقول:
- كنت فين يا "عمر" كل ده أنا بقالي كثير بحاول أوصل لك.



تجاهل "عمر" جملة "علي" و أملاه عنوان شارع ليلقاه فيه.
ذهب "علي" إلى هناك فورًا متشوقًا للقاء صديقه ليحكي له ما رآه، فقد مرّ الكثير من الوقت و"علي" يحاول الوصول لـ"عمر"، لكنه اختفى بشكلٍ مريبٍ مؤخرًا. كان يلوم نفسه كذلك، فقد انشغل قليلًا في البداية فلم يكُن يلقى "عمر" و أجّل موضوع مفاتحته في الأمر متعذرًا بالتفكير في الطريقة المناسبة ليبلغه. وقف أمام "عمر" و هو يخبره بأهمية ما أراده فيه، لكن "عمر" قاطعه قائلًا:
- نبقى نشوف الموضوع ده بعدين 
ثم أردف و الشرر يتطاير من عينيه المحدقة بالملهى الليلي القريب:
- "مروان" خرج من السجن امبارح
تخللت السخرية نبرته و هو يقول:
-و بيحتفل جوة مع صحابه، بيتعافى بسرعة ما شاء الله.
ثم قال بجدية:
- الكاميرا الي في الباب الخلفي بايظة، فاحنا ممكن نجيبه من هناك و ناخده في أي حتة مستخبية و نروقه.
- "مروان" ده الي ضرب أختك صح؟ 
- أيوة
- و أنت عايز تمسكه و تتخانق معاه؟
ردّ "عمر" متضجرًا:
- أيوة هتساعدني بعد التحقيق ده ولا لا؟
لم يعبأ "علي" بجملته الأخيرة بل قال متهكمًا:
- و هتضربه بايدك ولا جايب حاجة معاك؟
فاجأ "عمر" "علي" مجددًا بأن أخرج سكينًا كبيرة و أراه إياه، فقال "علي" متعجبًا:
- هو أنت في حاجة في مخك؟
تعجب "عمر" من قوله المفاجئ فنظر إليه مستغربًا، أردف "علي":
- أنت عايز تمسكه تضربه بقى و تنتقم و شغل الحارات ده؟
هزّ "عمر" كتفيه قائلًا:
- مش هو أذاني؟ ييقى أنا ليا حق رد الأذية.
- ما أنت سجنته.
- و هو أنت شايف إن ست شهور كفاية على الي عمله؟ لا ويخرج بدري حسن سير وسلوك كمان.
قال "علي" بسخط ممتزج بالسخرية:
- لا تودي نفسك في داهية، و تتحبس أكثر من ست شهور بكثير عشان ماقدرتش تمسك غضبك.



استاء "عمر" من كلام "علي"، ثم شمله بنظرة ازدراء، رآه جبانًا، هذا طبيعي، "إسراء" لا تمثّل بالنسبة له نور عينيه، بالتأكيد لن يهمّه أمرها. 



قال "عمر" باستهانة و ازدراء:
- لو خايف اوي كده خلاص روّح يا "علي" و أنا هتصرف.
يبدو أن الحمق ركبه الآن، هكذا قال "علي" داخل عقله، تنهد ثم قال:
- بص أنا مش هقولك أنا هدوس معاك في أي حاجة و الكلام ده، أنا فعلًا خايف و مش شايف أهمية منطقية للي عايز تعمله، بس خايف عليك و علَيّ، مش علَيّ لوحدي.
ردّ "عمر" صائحًا مستنكرًا:
- مش شايف أهمية؟!
- أيوة يا "عمر" مفيش أهمية، ديه نفسك و ده غضبك و لازم تكبحه، ماتخليش غضبك يسوقك، لو كل واحد حد ضايقه قرر يعمل الي أنت ناوي عليه كله هياكل في كله. الواد اتسجن و خلاص خلصنا، مش هنضيع حياتنا عشان واحد ما اترباش مالوش قيمة.



لم يفكر "عمر" في كلام "علي"، كل ما فكّر به هو مظهر "إسراء" و هي تبكي و تناديه في المستشفى، و قد شعر أنه لم يُجِب نداءها بعد، لأنه ترك من فعل بها هذا حيًّا يتمتع بحياته. قال باسهزاء و مرارة وصلت لـ"علي" ممّا جعله يشفق عليه:
- أنا مش عارف أنا مستني منك تحس زيي ليه، مش أنت الي حبيبتك و نور عينك حصل فيها كده، ولا أنت الي بتقف كل يوم تبص لها و نفسك تخرّجها من الي هي فيه بس عاجز، و كل ما تحاول تصلّح تلاقي نفسك بتبوّظ.



نزلت منه عبرةٌ حارّة مسحها بسرعة ثمّ ألحقها بقوله:
- روّح يا "علي" روّح، أنا مش عارف أنا كنت مستني منك تحس  بيّ ازاي.
- بس أنا طول عمري بحس بيك يا "عمر"، أنا قلت الي قلته دلوقتي من خوفي عليك، مالك يا "عمر" أنت أول مرة تبقى كده؟
قال "عمر" بتهكم شابهُ بعض الغلّ لم يتخيّل "علي" أن يحمل "عمر" منه ذرةً في قلبه له:
- معلش أصلي ما اتربيتش و أنا أصغر اخواتي و كل حاجة بتجيلي لحد عندي، أنا لقيت نفسي راجل مسؤول فتلاقيني باخد موقف و بتصرف مش جبان زيك.



بُهِت "علي" من قول "عمر" الذي يسمعه لأول مرة، لا يصدق أن "عمر" قد يراه هكذا! و قبل أن يعبّر عن صدمته وجد "عمر" يستدير و يرحل، فاستدار للجهة الأخرى هو أيضًا.



تذكّر "علي" أمر والدي "عمر" في حين شعر "عمر" بالذنب لما قاله. فنادى كلٌّ اسم الآخر، التفتا لبعضهما و سأل كلٌّ منهما عمّا أراده الآخر، لكنّ أحدًا منهما لم يتكلم، فمضى الاثنان و كلٌّ يردد بذهنه: لو كان هو من نطق!
 
 
google-playkhamsatmostaqltradent