رواية هل بعد الفراق يا امي لقاء الفصل التاسع عشر 19 - بقلم اية حسين
الفصل التاسع عشر: تتحرر روحها من وجوده
ذاقت "نسرين" الكثير بسبب "جنة" تحاول ألّا تتذكره، و ذكرى ذاك اليوم لا تفارقها، حين قررت إنهاء حياتها، بعدما كرهها الجميع، و لم يسمعها أحد، و اعتبرها الجميع مجرمة، بسبب حديث "جنة"، التفتت إلى الندبة في يدها بسبب محاولة انتحارها قبل أن تخفيها قي ثيابها. أخذت تلهث من انفعالها قبل أن تنخرط في نوبة بكاءٍ عنيفة.
عادت "جنة" إلى بيتها باكية، يبدو أنه لا أمل، ستبقى هي "جنة" الخاطئة المذنبة بحق الجميع، تدرك كم كانت حمقاء حين صدّقت ذلك الكلام عن التوبة الصادقة، وعن العفو والسماح والتغير، حاولت منذ مدة دون أن يسامحها أحد، لم يكن يهمها عفو "نسرين" ولا "أروى" ولا غيرهما بالأمس القريب، لكنها اتخذت قرارًا بمحاولة التغير للأحسن، ارتدت الحجاب الذي تعاركت مع أهلها كثيرًا لكي لا ترتديه، انتظمت في صلاتها، ثم حددت لها وردًا من القرآن رغم عدم التزامها الكليّ به، توقفت عن لمز كل من تتعامل معه، طلبت العفو من "أروى" ثم من "نسرين" بصدق، دون أن تستجيب لها إحداهما، هما أكثر اثنتين أذتهما في حياتها، و تتفهم صعوبة السماح، بذات الوقت تتمنى سماع كلمة «أسامحكِ». صعُب عليها أن تتعايش مع هذا بعد توبتها، كيف كانت تستيقظ كل يوم و تنظر إلى "أروى" وهي تعلم كمّ الجرح بداخلها بسببها، أو أن تكمل حياتها دون أن تتذكر "نسرين" التي كادت تنتحر بسببها. يبدو أنه لا مفرّ، من أن تحيا و تموت مذنبة دون أن تُمنح فرصةً أخرى.
ضغطت على زر جرس باب بيتها لتفتح لها "إيناس" سائلةً بفزعٍ عن دموعها، قبل أن ترتمي في حضنها. "إيناس" هي أكثر من دعمتها وتوبتَها. أدخلتها "إيناس" لغرفة "جنة"، ثم عانقتها في صمت. بعد دقائق سألت "جنة" بأسى بين شهقاتها:
- هو ليه ماحدش عايز يديني فرصة؟ أنا عارفة إن أنا عملت كثير، بس للدرجة ديه أنا ما أستحقش فرصة جديدة؟ نفسي في فرصة واحدة بس وهبقى كويسة والله، أنا بحاول ما أبقاش وحشة اوي كده.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
لبثت لدقائق تحدق أمامها مشدوهة، الباب مفتوحٌ أمامها، و هي تنظر ولا تستطيع أن تميّز إن كان ما تراه حقيقة أم خيال.
لقد دخلت عليها "هناء" الخادمة منذ دقائق لتقدم لها الطعام و تتحدث إليها قليلًا كما كانت تفعل مؤخرًا كي لا تفقد عقلها. لم يعد زوجها يدخل الغرفة كما السابق بعد أن ضَمنَ أنها يئست من فكرة الخروج من الغرفة المغلقة.
ندمت على ما فعلت في البداية كثيرًا، لكنها كل يوم تزداد يقينًا أن مثل "إسماعيل" لا يجب له إلا فضحه و ترك أمره لمن هم أقوى منه. كالسمكة الكبيرة وسط الأسماك الصغار، لن يوقفها إلا وجودها وسط القروش.
هي من وضعت تلك الورقة في محفظة "عمر" خلسةً. كانت تريد الانتقام من "إسماعيل" الذي أفنى شبابها و أحب غيرها و هي على علم أن لا شيء قد يوجعه في الدنيا بقدر فضح فعلته، و قد أتتها الفرصة على طبق من ذهب حين رأت "عمر" في مكتب "إسماعيل"، فوضعت له الورقة في المحفظة التي نسيها، لكنها حين كتبت العنوان كتبت عنوان بيتهم القديم، إذ كانت مترددة و تحتاج وقتًا للتفكير في الأمر. قالت في نفسها: أضع له عنوان المنزل القديم ليتأكد أني أعرفه وأهلَه، و إن أردتُ استكمال الخطة أضع له موقع العمل والمنزل في ورقة أخرى هناك.
خرجت من الغرفة ببطءٍ و حذر، دون أن يراها أحد، إذ كانت "هناء" قد رحلت لمنزلها لقضاء إجازتها منذ دقائق و"إسماعيل" في الطابق الثاني، ثم خرجت من البيت.
بمجرد أن خرجت إلى الشارع انتابها شعورٌ بالتحرر عجيب، وقفت محدقةً ببسمةٍ تزداد وسعًا ثم بضحكةٍ تزداد علوًّا، حتى انتهى بها الحال تعدو في الطريق ضاحكةً بغير هدى حافية القدمين مشعّثة الشعر متورمة العينين برز سوادٌ تحتهما، من يراها الآن سيتوقع أنها مجنونةٌ قضت شهورًا دون مأوى. ها قد تحرر جسدها من زنزانتها، بقي أن تتحرر روحها من وجوده.
∆∆∆∆∆∆∆∆
عادت "هناء" لمنزلها و عقلها مشغولٌ بتوقع عواقب ما فعلت، حين قضت مع "شيرين" وقتًا تتحدث إليها، قبل أن تخرج متعمدةً ترك الباب مواربًا كي تلاحظ هي بعد ذلك أن الباب ليس مؤصد. طلبت إجازتها في ذلك الوقت ثمّ لملمت اغراضها قبل أن تدخل لـ"شيرين" و تترك الباب مفتوحًا متعمدة.
لقد أحسنت "شيرين" كثيرًا طوال فترة عملها عندها، و تتساءل حقًّا، ماذا فعلت لتلقى كل هذا من زوجها؟ حاولت مساعدتها بكل الطرق، أصرت على أن تُدخل هي لها الطعام، و اليوم تحررها من سجنها رغم خوفها الشديد من "إسماعيل" الذي صارعته كل تلك المدة لتتغلب عليه في النهاية و تفتح الباب لها ثم تطلب إجازتها هاربة كي لا يشك "إسماعيل" فيها.
عجيبٌ أمر "شيرين" حقًّا، تفعل الخير مقترنًا بالشر، تثبت أن للإنسان جوانبٌ عدة قد يظهر في بعضها الخير، و في البعض الآخر الشر.
- يتبع الفصل التالي اضغط على ( هل بعد الفراق يا امي لقاء) اسم الرواية